الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

تنصب على المسألة التي فيها خلاف وغموض.

ومن خلال هذا اتضح ان كلتا الاجابتين عن الاشكال الثالث ليست تامة ، ومعه يكون تاما وواردا على التعريف ، ومن هنا تنشأ الحاجة الى التفكير في تعريف جديد ليسلم من ورود الاشكال الثالث عليه وهو ما يقترحه السيد الشهيد قدس‌سره من ان علم الاصول عبارة عن العلم بالعناصر المشتركة في استنباط الحكم الشرعي ، وهذا التعريف بحاجة الى الايضاح اولا ثم بيان كيفيّة سلامته عن ورود الاشكال الثالث عليه.

اما ايضاحه فهو مذكور بصورة كافية في الحلقة الاولى ص ٣٨.

واما سلامته عن ورود الاشكال الثالث عليه فبأعتبار ان ظهور كلمة « الصعيد » وان كان له تأثير فعال في استنباط الحكم بوجوب التيمم بمطلق وجه الأرض الا انها فعالية تختص بمادة الصعيد فقط ، اي ان ظهور كلمة « الصعيد » نستفيد منه فقط في مجال الحكم بوجوب التيمم بمطلق وجه الأرض وغير ذلك من الاحكام التي ترتبط بكلمة « الصعيد » ولا نستفيد منه في مجالات اخرى فهو على هذا ليس عنصرا مشتركا بل عنصر مختصّ بمجال واحد ، ومعه فلا يكون التعريف شاملا له (١).

وهناك شيء جانبي لا بأس بالالتفات اليه وان لم يتعرّض اليه قدس‌سره وهو ان التعريف المذكور وان كان جميلا للغاية بيد انه قد يورد عليه بانه شامل لبعض المسائل الرجالية مثل وثاقة زرارة ، فانه نحتاج اليها في جميع الاحكام التي يكون لزرارة فيها رواية فيلزم ان تكون اصوليّة.

__________________

(١) لا يخفى ان المائز المهم بين تعريف السيّد الشهيد وتعريف المشهور هو اشتمال تعريفه قدس‌سره على كلمة مشتركة والاّ فكلمة عناصر نفس كلمة القواعد.

٢١

وهذا الاشكال وان لم يتعرّض قدس‌سره له في هذا الكتاب ولكن تعرّض له في كتاب مباحث الدليل اللفظي ج ١ / ص ٣٤ (١).

قوله ص ٩ س ٦ : وليست ادلة محرزة : اي وليست ادلة محرزة للحكم الشرعي كما هو الحال في الامارات كخبر الثقة.

قوله ص ١٢ س ٨ : في غيرها : اي في غير صيغة الأمر.

قوله ص ١٣ س ٤ : بهذه المادة : اي بمادة الصعيد. والحكم المرتبط بهذه المادة هو وجوب التيمم مثلا حيث يجب التيمم بالصعيد.

__________________

(١) وحاصل ما افاده في الجواب : انه ليس كل ما يكون عنصرا مشتركا هو من علم الاصول بل يلزم توفر خصوصية ثانية ، وهي ان يكون العنصر المشترك مما يستعمله الفقيه كدليل على الحكم الشرعي ، فمسألة حجيّة الظهور مثلا مسألة اصولية حيث انها مضافا الى كونها من العناصر المشتركة تشتمل على الخصوصيّة الثانية فان الفقيه يستعمل الظهور كدليل على الحكم الشرعي ، وهذا بخلافه في وثاقة زرارة فانه يجعل الخبر الذي في سنده زرارة دليلا على الحكم الشرعي ولا يجعل نفس الوثاقة دليلا عليه وانما هي تثبت كون الرواية حجة وصالحة لان تكون دليلا على الحكم الشرعي.

ومن هنا اضاف قدس‌سره في مباحث الدليل اللفظي الى التعريف الخصوصية الثانية فقال : ان علم الاصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي.

٢٢

موضوع علم الأصول

٢٣
٢٤

موضوع علم الأصول :

قوله ص ١٤ : موضوع علم الأصول كما تقدّم في الحلقة السابقة ... الخ.

في بداية البحث نطرح السؤال التالي ما هو الميزان الذي على ضوئه يمكن تحديد الموضوع لأي علم من العلوم؟ فموضوع علم الفقه كيف نحدده؟ وموضوع علم الطب كيف نحدده؟ وهكذا. وبعد اطلاعنا على الميزان الكلي لتحديد الموضوع لكل علم من العلوم نأخذ بتطبيقه على علم الاصول لتحديد موضوعه.

اما تحديد الموضوع بشكل عام فقد ذكر له بيانان؟

١ ـ ان نفتش عن مسائل العلم لنرى انها تبحث عن احوال وشؤون اي شيء ، فاذا تشخص عندنا ذلك الشيء وحددناه كان ذلك هو الموضوع للعلم ، ففي علم النحو مثلا اذا فتشنا مسائله نرى انها تبحث عن الكلمة فيقال : الكلمة ترفع اذا كانت فاعلا وتنصب اذا كان مفعولا وتجر اذا كانت مضافا اليه وهكذا.

اذن مسائل علم النحو تبحث عن احوال الكلمة ، فتكون الكلمة هي الموضوع لعلم النحو.

٢ ـ ان الموضوع لكل علم هو الجامع بين موضوعات المسائل ففي علم النحو مثلا نجد المسائل هي مثلا : الفاعل مرفوع والمفعول به منصوب والمضاف اليه مجرور وهكذا. وفي هذه المسائل نرى ان الموضوع هو الفاعل والمفعول به والمضاف به ، واذا فتشنا عن الجامع بين هذه الموضوعات رأيناه الكلمة ، فالكلمة هي الموضوع.

٢٥

وباختصار الموضوع لأي علم من العلوم اما عبارة عن ذلك الشيء الذي يبحث عن عوارضه واما الجامع بين موضوعات المسائل.

على ضوء هذا نعرّج على علم الاصول لنفتش عن موضوعه ، وموضوع علم الاصول كما مر في الحلقة الثانية ص ١٠ عبارة عن العناصر المشتركة لان الاصولي يبحث عن الحجيّة وعدمها الثابتين لها ـ العناصر المشتركة ـ فالظهور وخبر الثقة والشهرة والاجماع والسيرة واشباه ذلك عناصر مشتركة ، والاصولي يبحث عن حجيّتها وعدمها فهي واشباهها الموضوع لعلم الاصول.

هذا ما قرأناه في الحلقة السابقة وقرأنا ايضا رأيا قديما في تحديد موضوع علم الاصول يقول انه ـ موضوع علم الاصول ـ الادلة الاربعة اي الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل حيث يبحث فيه عن شؤونها ، الاّ ان الرأي المذكور تقدمت مناقشته في الحلقة الثانية ص ٩ فراجع.

ولبطلان التحديد القديم المذكور اضطر بعض علماء الاصول الى ان يدعي عدم الضرورة لوجود الموضوع للعلم اذ لا دليل على ان وجود الموضوع لكل علم ضروري ، بل ادعى بعض آخر من الاصوليّين كما سيأتي اكثر من ذلك فادعى استحالة وجود الموضوع في بعض العلوم ، وفي قبال هذا وجد اتجاه يدعى ضرورة وجود الموضوع لكل علم. اذن يوجد في المقام اتجاهان احدهما يقول بعدم ضرورة وجود الموضوع لكل علم ، وثانيهما يقول بضرورة ذلك.

واستدل اصحاب الاتجاه الاخير بدليلين :

الدليل الاول : ان هناك كلاما مشهورا يقول : ان العلوم يمتاز بعضها عن لبعض الآخر بواسطة الموضوعات ، فعلم النحو يمتاز عن علم الطب بان ذلك

٢٦

يبحث عن الكلمة والكلام وهذا يبحث عن بدن الانسان ، واختصاص كل منهما بموضوعه الخاص سبّب استقلالية وامتياز ذاك عن هذا ، ولو لا هذا الامتياز في الموضوع لما كان علم النحو والطب علمين بل كانا علما واحدا واذا صح هذا الكلام كان اللازم منه ثبوت الموضوع لكل علم ليتم من خلاله امتياز علم عن علم.

ويرد هذا الدليل : ان جعل الامتياز في الموضوع سببا لامتياز العلوم بعضها عن بعض موقوف على التسليم باشتمال كل علم على موضوع خاص به ، اما اذا انكرنا ذلك فلا بد وان يكون الامتياز بواسطه طريق آخر غير الموضوع كأن يقال مثلا : ان الامتياز بواسطة الغرض ، فالغرض من علم النحو بما انه صون اللسان عن الخطأ صار ذلك سببا لامتيازه عن علم المنطق الذي له غرض آخر وهو صون التفكير عن الخطأ ، اذن هذا الدليل يشتمل على المصادرة اي انه استدل بشيء يحتاج الى التسليم بالمدعى المتنازع فيه.

الدليل الثاني : انا نسأل ونقول بم يمتاز بعض العلوم عن البعض الآخر؟ فان اجيب بانه يحصل عن طريق التمايز بين الموضوعات ـ كما ذكر ذلك في الدليل الاوّل ـ فهذا معناه التسليم بوجود موضوع لكل علم حتى يحصل عن طريق التمايز فيه التمايز بين العلوم ، وان انكر ذلك وقيل ان التمايز بين العلوم يحصل عن طريق التمايز بين الاغراض ـ كما ذكر ذلك في الاجابة عن الدليل الاوّل ـ فهذا ايضا يستلزم الاعتراف بوجود الموضوع لكل علم لأن كل علم وان كان له غرض غير الغرض الثابت في العلم الآخر الاّ انه ـ الغرض ـ في كل علم شيء واحد ، فالغرض من علم النحو مثلا شيء واحد ، وهو صون اللسان عن الخطأ وحين ذاك نسأل عن هذا الغرض الواحد بم يحصل؟ لا بدّ وان يكون الجواب

٢٧

بحصوله بواسطة المسائل ، فإن لعلم النحو مسائل متعددة مثل « الفاعل مرفوع » و « المفعول به منصوب » و « المضاف اليه مجرور » وهكذا ، وهذه المسائل هي التي تحصّل الغرض وتوجب صون اللسان لمن اطلع عليها ، ولكن هذه المسائل هي اشياء متعددة ، والاشياء المتعددة كيف تحصّل غرضا واحدا؟ ان هذا غير ممكن اذ لازمه صدور الواحد من الكثير ، وهو مستحيل ، فان الواحد لا يصدر الاّ من شيء واحد (١).

اذن لا بدّ وان نفترض ان مجموع تلك المسائل المتعددة يرجع الى قضية واحدة كيما تكون تلك القضيّة الواحدة هي المحصّلة لذلك الغرض الواحد ، وتلك القضيّة الواحدة لكي تكون جامعة بين تلك المسائل المتعددة لا بد وان تكون ذات موضوع واحد كلي يسع جميع موضوعات تلك المسائل وذات محمول واحد كلي يسع جميع محمولات تلك المسائل. وتلك القضيّة الواحدة يمكن فرضها هكذا : الكلمة لها حكم اعرابي ، ان الموضوع في هذه القضية هو الكلمة التي هي شاملة

__________________

(١) المستند لقاعدة « ان الواحد لا يصدر الاّ من واحد » هو اعتبار السنخيّة والمشابهة بين العلة والمعلول ، فان العلة لا بدّ وان تسانخ المعلول وتشابهه والاّ يلزم صدور كل شيء من كل شيء كصدور البرودة من النار ، ومعه فالواحد لا يمكن صدوره من الاثنين فان الواحد بما هو واحد لا يسانخ الاثنين بما هي اثنان.

ان قلت : بناء على هذه القاعدة كيف نفسّر صدور الخلق الكثير من الله سبحانه الذي هو واحد؟

قلت : ان اصحاب هذه القاعدة يلتزمون بان الصادر منه سبحانه شيء واحد وهو العقل الاول ، والاول خلق العقل الثاني ، والثاني خلق الثالث ، وهكذا حتى العقل العاشر.

ومن هنا يتّضح ان فكرة العقول العشرة هي في الحقيقة وليدة قاعدة « الواحد لا يصدر الا من واحد ».

٢٨

للفاعل والمفعول به والمضاف اليه ، والمحمول هو الحكم الاعرابي الذي هو جامع بين مرفوع ومنصوب ومجرور. واذا سلّمت هذه القضيّة الواحدة فلازم ذلك التسليم بضرورة وجود الموضوع لعلم النحو وهو الأمر الجامع بين موضوعات المسائل. هذه حصيلة الدليل الثاني.

واجاب علماء الاصول عنه بأن قولكم ان لكل علم غرضا واحدا وقولكم ان الغرض الواحد يحصل بسبب المسائل المتعددة امر مقبول ، وانما نناقش في قولكم ( ان المسائل المتعددة لا يمكن ان تكون هي الموجدة لذلك الغرض الواحد ) حيث نقول : ان عدم صدور الواحد من الاشياء المتعددة يتم في بعض أقسام الواحد دون بعض فهو يتم في الواحد الشخصي دون الواحد بالنوع او بالعنوان.

وتوضيح ذلك : ان الواحد على ثلاثة اقسام :

أ ـ ان يكون الشيء شخصا واحدا حقيقة كزيد وعمرو : فان زيدا مثلا يقال له واحد بالشخص.

ب ـ ان يكون الشيء واحدا بالنوع كما ذا لا حظنا مجموع زيد وعمرو فانهما شيء واحد حيث انه بالرغم من تعددهما وتغايرهما يجمعهما الانسان فهما واحد من حيث الانسانيّة التي هي نوع.

وبهذا تجلّى ان الواحد بالنوع هو شيئان حقيقة كمجموع زيد وعمرو ويجمعهما نوع واحد ، وهذا بخلافه في الواحد بالشخص فانه واحد حقيقة.

ج ـ ان يكون الشيء واحدا بالعنوان مثل الثلج والقطن فانهما شيئان حقيقة ولكنهما باعتبار آخر شيء واحد حيث يجمعهما عنوان واحد وهو عنوان الابيض مثلا الذي هو عنوان منتزع منهما.

وبهذا اتضح الفارق بين القسم الاول والقسمين الآخرين ، فالواحد في

٢٩

القسم الاول واحد حقيقة بينما هو متعدد في القسمين الاخيرين ، وهكذا اتضح الفارق بين القسم الثاني والثالث ، فالجامع بين المتغايرين في القسم الثالث عنوان واحد وليس حقيقة نوعية واحدة بخلافه في القسم الثاني فان الجامع حقيقة نوعية واحدة لا عنوان واحد.

واذا اتضحت الأقسام الثلاثة للواحد نقول : ان قاعدة الواحد لا يصدر الاّ من واحد تتم في الواحد بالشخص دون الواحد بالنوع او بالعنوان ، اذ الواحد بالنوع او بالعنوان ليس شيئا واحدا حقيقة حتى لا يمكن صدوره من الاشياء المتعددة بل هو في نفسه متعدد.

واذا اردنا تطبيق هذا المطلب على مقامنا نقول : ان الغرض من علم النحو وان كان واحدا وهو صون اللسان الاّ انه ليس واحدا بالشخص ـ فانه ليس امرا جزئيا وشخصا واحدا بل هو كلي ـ حتى يستحيل صدوره من الكثير بل هو واحد بالنوع او بالعنوان ، ومعه فيمكن صدوره من الكثير فان صون اللسان له حصص متعددة يجمعها عنوان صون اللسان ، وحصة من الصون تحصل من مسألة « الفاعل مرفوع » وحصة ثانية من الصون تحصل من مسألة « المفعول منصوب » وثالثة تحصل من مسألة « المضاف اليه مجرور » وهكذا فلا يلزم صدور الواحد من الكثير.

استحالة ثبوت الموضوع لبعض العلوم :

ومن خلال هذا تجلى انه لم يثبت بدليل صحيح ضرورة ثبوت الموضوع لكل علم ، بل ترقى بعض المحقّقين (١) الى اكثر من ذلك فقال : ان بعض العلوم

__________________

(١) كالشيخ العراقي في نهاية الافكار ج ١ / ص ٩ ، ومقالات الاصول ص ٤ والسيّد الخوئي في ـ

٣٠

يستحيل ثبوت موضوع له ، وذلك لوجهين :

أ ـ ان كل علم له مسائل مختلفة ، وتلك المسائل قد يكون موضوع بعضها امرا وجوديا وموضوع بعضها الآخر امرا عدميا ، وهذا كما في علم الفقه ، فان موضوع بعض مسائله وجودي مثل الوضوء واجب والسرقة حرام وو ...

وموضوع بعضها عدمي مثل عدم الأكل والشرب في الصوم واجب ، وترك الاصطياد في الحج واجب وو ... ومعه فلا يمكن ان يكون لعلم الفقه موضوع واحد يجمع بين موضوعات مسائله فان الوجود والعدم نقيضان ، والنقيضان لا يجمعهما شيء واحد كي يكون هو الموضوع.

ب ـ ان موضوع مسائل علم الفقه قد يكون من مقولة الجوهر مثل « الدم نجس » فان الدم جوهر من الجواهر ، وقد يكون من مقولة الوضع (١) مثل « الركوع واجب » ، وقد يكون من مقولة الكيف (٢) مثل « قراءة الحمد واجبة في الصلاة » فان القراءة كيف مسموع ، ولربما يكون الموضوع داخلا تحت مقولة اخرى من المقولات العشر (٣) ، وقد قالوا ان المقولات اجناس عالية بمعنى انه لا

__________________

ـ المحاضرات ج ١ / ص ٢٠ ، والسيّد البجنوردي في منتهى الاصول ص ٩.

(١) الوضع عبارة عن النسبة الحاصلة بين اجزاء الجسم الواحد ، فأنت اذا جلست حصلت نسبة خاصة بين اجزاء جسمك ، واذا وقفت حصلت نسبة اخرى ، واذا ركعت حصلت نسبة ثالثة وهكذا ، فالركوع اذن نسبة تدخل تحت مقوله الوضع.

(٢) للكيف اقسام متعددة ، فقد يكون نفسانيا كالحب والبغض ، وقد يكون مسموعا كالقراءة ، وقد يكون مذوقا كالحلاوة والمرارة ، وقد يكون ملموسا كالخشونة والليونة وهكذا.

(٣) المقصود من المقولات العشر : ان كل موجود في العالم ما سوى الله تعالى لا بد وان يدخل اما تحت الجوهر او تحت العرض ولا يمكن ان يكون الموجود لا جوهرا ولا عرضا ، وذكروا ـ

٣١

يوجود شيء اعلى منها يكون جنسا شاملا لها ، وقالوا هي ماهيات متباينة تباينا تاما (١) ، فالجوهر يباين الكيف او الوضع مباينة تامة ، وما دام تباينها تاما فلا يمكن وجود شيء واحد جامع لها والاّ يلزم عدم تباينها تباينا تاما.

هذا ما ذكره اصحاب هذا الاتجاه ، وقد عرفت فيما سبق ان رأي السيد الشهيد قدس‌سره وجود موضوع واحد لعلم الاصول وهو العناصر المشتركة.

قوله ص ١٥ س ١٧ وهو الجامع الذاتي لافراده : لعل المناسب ان يقال : وهو الاشياء المتعددة التي يجمعها جامع ذاتي واحد. ثم انه ليس المقصود من لفظ النوع هنا المصطلح المنطقي بل يراد به كل امر ذاتي سواء كان نوعا او جنسا او فصلا.

قوله ص ١٦ س ١ وهو الجامع الانتزاعي : لعل المناسب ان يقال : وهو الاشياء المتعددة التي يجمعها عنوان واحد.

قوله ص ١٦ ص ١٠ : مقولات ماهوية : فان لكل مقولة ماهية غير ماهية المقولة الاخرى.

__________________

ـ ان للعرض اقساما تسعة : الكم ، الكيف ، الأين ، متى ، ان يفعل ، ان ينفعل ، الاضافة ، الوضع ، الملك. واذا ضممنا هذه الاقسام التسعة للعرض الى الجوهر صار كل موجود في العالم لا يخلو من احد هذه الاقسام العشرة المسماة بالمقولات العشر

(١) اذا لو لم تكن متباينة تباينا تاما لكانت مشتركة في شيء واحد ، وهذا المشترك يلزم ان يكون جنسا لها ، والمفروض انها اجناس عالية لا يوجد جنس اعلى منها

٣٢

الحكم الشرعي

وتقسيماته

٣٣
٣٤

الحكم الشرعي وتقسيماته :

قوله ص ١٧ ص ١ قد تقدم في الحلقة السابقة : البحث في الحكم بالشكل المذكور هنا هو من خصائص هذا الكتاب الجليل ولا يوجد في الكتب الاصولية المتداولة.

وهنا سؤال يقول : ما هو معنى الحكم وكيف نفسره؟ والاجابة عن هذا السؤال مرت في الحلقة الاولى ص ٦٥ حيث ذكر قدس‌سره تفسيرين للحكم :

احدهما : التفسير المشهور القائل ان الحكم هو الخطاب المتعلق بفعل المكلّف. واشكل عليه باشكالين.

ثانيهما : تفسير طرحه هو قدس‌سره يقول : ان الحكم هو الخطاب الصادر من الله سبحانه لتنظيم حياة الانسان ، ولاستيضاح كل ذلك لا بدّ من مراجعة الحلقة الاولى.

وسؤال آخر يقول : الى كم قسم ينقسم الحكم الشرعي؟ والجواب مرّ في الحلقتين الاولى والثانية حيث عرفنا ان الحكم الشرعي ينقسم الى قسمين : حكم تكليفي ، وحكم وضعي.

والفرق بينهما : ان الحكم اذا كان مرتبطا بعمل المكلّف مباشرة فهو تكليفي ، كما هو الحال في الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة حيث نقول تجب الصلاة وتحرم السرقة ، فان الوجوب والحرمة متعلّقان بالصلاة والسرقة

٣٥

اللتين هما فعل للمكلّف.

اما اذا لم يرتبط الحكم بفعل المكلّف مباشرة فهو وضعي كالنجاسة والزوجية وغيرهما فحينما نقول الثوب نجس نجد النجاسة مرتبطة مباشرة بالثوب ، وارتباطها بفعل المكلّف ارتباط غير مباشر ، فان الثوب اذا كان نجسا فبالتالي يجب على المكلّف اجتنابه في الصلاة.

وباختصار يمكننا ان نقول : الحكم التكليفي عبارة عن الاحكام الخمسة اي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة (١) والحكم الوضعي هو كل حكم مما عدا الاحكام الخمسة كالزوجية والحرية والنجاسة وو ...

ثم ان الحديث عن الحكم التكليفي مرّ بصورة موجزة في الحلقة الثانية ص ١٣ فما بقي هنا الا التحدث عن الحكم الوضعي فنقول :

ان الحكم الوضعي له شكلان ، ففي شكله الاول يكون موضوعا لحكم تكليفي كالزوجية فانها حكم وضعي وتقع موضوعا لحكم تكليفي كوجوب الانفاق فيقال مثلا : يجب الانفاق على الزوجة ، وكالملكية فانها موضوع لحرمة التصرف فيقال : يحرم التصرف في ملك المالك بدون اذنه.

وفي الشكل الثاني يكون الحكم الوضعي منتزعا من الحكم التكليفي كما في الجزئية والشرطية ، فان المولى اذا قال : يجب في الصلاة الركوع والسجود وو ... عند الزوال انتزعنا الجزئية للركوع والسجود والشرطية للزوال.

وبعد ان عرفنا هذين الشكلين للحكم الوضعي نتناول بالحديث اولا

__________________

(١) هناك كلام بين الاصوليّين في ان الاباحة هل هي واحد من الاحكام التكليفية او لا؟

ووجه التشكيك ان الاباحة ترجع الى انتفاء الاحكام الاربعة الاخرى ولا تحتاج الى جعل خاص بها بل يكفي في تحققها عدم جعل الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة.

٣٦

الشكل الثاني.

الشكل الثاني :

وفي هذا الشكل نطرح السؤال التالي : هل جزئية السورة يمكن ان تحصل من طريق الجعل الاستقلالي ـ بان يقول المولى : جعلت السورة جزءا للصلاة ـ بعد وضوح امكان حصولها عن طريق الانتزاع؟ ولأول وهلة قد يقال وما المانع من حصول الجزئية بالجعل الاستقلالي؟ فانا نرى بالوجدان امكان ان يقول المولى جعلت السورة جزءا للصلاة ، هذا ولكن الصحيح عدم امكان ذلك لوجهين :

أ ـ ان المولى اذا اراد ان يجعل الجزئية للسورة فنحن نسأل هل قبل جعله للجزئية يغير الحكم التكليفي المتعلّق بالصلاة؟ فان كان يغيره ـ بمعنى ان الامر اذا كان قبلا يقول يجب الركوع والسجود والتشهد فالآن يغير المولى هذا الامر ويقول يجب الركوع والسجود والتشهد والسورة فيضيف السورة ويجعلها متعلقة للامر الجديد ـ فيكفي ذلك لحصول الجزئية للسورة بلا حاجة الى جعل استقلالي بل يكون لغوا الاّ اذا فرض ان المقصود منه الاخبار دون الانشاء ، بمعنى ان المولى بقوله جعلت السورة جزءا يخبر عن حصولها قبلا بسبب تغيير الامر ، الاّ ان هذا خارج عن محل البحث اذ هو في الجعل والانشاء دون الاخبار ، هذا كله اذا فرض ان المولى يغير الامر السابق.

وان فرض انه لا يغيره قبلا لزم من ذلك التهافت ، اذ كيف تجعل السورة جزءا وفي نفس الوقت يبقى الامر السابق على حاله دون ان يشمل السورة.

ب ـ ان الجزئية من الامور الواقعية الحقيقية كالحب والبغض فكما انهما

٣٧

امران حقيقيان قائمان بالنفس ولا يمكن ايجادهما بالانشاء ـ فان الانشاء ولو حصل مرارا لا يمكن ان يحصّل الحب فلو قلت مرارا اني احبك اني احبك ... فلا يحصل بذلك الحب وانما يحصل باسبابه الخاصة كتقديم هدية مثلا ـ فكذلك الجزئية لا يمكن ان تحصل بالانشاء.

ولماذا نذهب بعيدا فانه يكفينا الالتفات الى الجزئية في الاجزاء الخارجية ، فاذا كانت لدينا ورقة واردنا جعلها جزءا من الكتاب فلا يمكن ان تحصل جزئيتها بقولك جعلت الورقة جزءا من الكتاب وانما تحصل بلصقها داخل الكتاب بمادة لاصقة ، وهكذا الحال في جزئية السورة للصلاة فانها امر حقيقي واقعي ـ من الطبيعي ان واقعها الذي تنزع منه هو عالم الجعل والتشريع فان واقع كل شيء بحسبه ـ لا يمكن ان يحصل بالانشاء بل بسببه الخاص وهو الانتزاع من الوجوب الموجّه الى جميع الاجزاء التي منها السورة (١).

الشكل الاول :

وفي هذا الشكل الذي هو كالزوجية الواقعة موضوعا لوجوب الانفاق نطرح نفس السؤال السابق : هل الزوجية يمكن ايجادها بالجعل الاستقلالي او لا توجد الاّ بانتزاعها من الحكم بوجوب الانفاق على هذه المرأة او تلك؟ الصحيح انها تحصل بالجعل الاستقلالي ولا يمكن ان تكون منتزعة ، اذ وجوب الانفاق منصبّ على عنوان الزوجة ، فلا بد وان تكون الزوجية مجعولة في المرحلة الاولى حتى ينصب عليها وجوب الانفاق بعد ذلك ، فلو كانت منتزعة من وجوب

__________________

(١) لا يخفى ان عبارة الكتاب لم تسق الوجهين اللذين ذكرناهما كوجهين متمايزين بل ساقتهما كوجه واحد وصاغت الوجه الثاني كعبارة اخرى للوجه الأول ، والمناسب ما فعلناه.

٣٨

الانفاق كان ذلك دورا واضحا لتوقف الزوجية على وجوب الانفاق ووجوب الانفاق على الزوجية.

وقد يوجّه انتزاع الزوجية من وجوب الانفاق وعدم جعلها بالجعل الاستقلالي بلزوم محذور اللغوية بتقريب ان المولى اذا لم يشرع وجوب الانفاق فلا معنى لجعل الزوجية بالجعل الاستقلالي ، اذ ما الفائدة من جعلها بعد ما لم يشرع لها وجوب الانفاق ولا غيره من الاحكام؟ وان فرض ان المولى شرّع وجوب الانفاق فايضا لا معنى لجعل الزوجية بالجعل الاستقلالي لإمكان توجيه وجوب الانفاق الى كل امرأة امرأة اجري معها العقد بلا حاجة الى جعل الزوجية مسبقا فيقال مثلا : هذه المرأة يجب الانفاق عليها وتلك المرأة يجب الانفاق عليها وهكذا.

ويمكن ردّ هذا التوجيه ببيانين :

أ ـ ان الزوجية وامثالها لها جذور عقلائية ، بمعنى انها متداولة بين العقلاء بقطع النظر عن التشريع الاسلامي ، والاسلام ليس هو المشرّع لها كي يقال بلزوم اللغوية من تشريعه لها ، ولئن كان هناك اشكال فهو موجّه الى العقلاء دون الشارع.

ب ـ ان وجوب الانفاق وان امكن توجيهه الى كل امرأة وامرأة بعد عقد الزواج معها الاّ ان ذاك عمل شاق فلا معنى لأن ينتظر المولى كلّ امرأة يجري معها العقد ليوجّه لها وجوب الانفاق ، ان هذا عمل يفقد الانتظام ، بخلاف ما لو جعلت الزوجية في مرحلة اسبق حيث يكون حينئذ تشريع قانون وجوب الانفاق امرا سهلا ومنتظما فيقول المولى مرة واحدة : يجب الانفاق على الزوجة.

قوله ص ١٧ س ٩ بالمركب منها : اي المركب من السورة وغيرها ، وانما

٣٩

خصصت السورة بالذكر لدوران الحديث عنها.

قوله ص ١٨ س ٤ للواجب من السورة : اي للواجب من السورة وغيرها ، ويحتمل ان المقصود : يكفي هذا الامر التكليفي في انتزاع عنوان جزئية السورة للواجب.

قوله ص ١٨ س ٦ وبكلمة اخرى : الانسب جعل هذا وجها مستقلا كما فعلنا.

قوله ص ١٨ س ١٠ ومنشأ الانتزاع : عطف تفسير على سابقة لأن وعاء الواقع هو الوعاء الذي تنتزع منه الجزئية.

قوله ص ١٨ ص ١٤ عقلائيا وشرعا : قيدان للاحكام التكليفية ، فان الاحكام الثابتة للزوجية بعضها شرعي كوجوب الانفاق وبعضها عقلائي كوجوب العمل في المنزل ، ويحتمل كونهما قيدين لقوله « وقوعه ».

قوله ص ١٩ س ٦ والجواب : سياق العبارة يستفاد منه ذكر جواب واحد الاّ ان الاولى التفكيك وجعله جوابين لا واحدا.

٤٠