الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

الصحيح والأعم

٢٢١
٢٢٢

الصحيح والأعم :

بناء على وضع لفظ الصلاة للعبادة الشرعية فهل هو موضوع لخصوص العبادة الصحيحة او للاعم منها والفاسدة؟ ويترتب على ذلك ان شخصا لو نذر التصدق على من يصلي مثلا وكان هناك انسان يصلي صلاة فاسدة فبالتصدق عليه يحصل الوفاء بالنذر بناء على الوضع للاعم ولا يحصل الوفاء بناء على الوضع لخصوص الصحيح ، وقد وقع الاختلاف بين الاصوليّين في ذلك فمن قائل بالوضع لخصوص الصحيح ومن قائل بالوضع للاعم.

والبحث تارة يقع في العبادات واخرى في المعاملات.

(١) اسماء العبادات.

والبحث في العبادات يقع في جهات :

الجهة الاولى : انه في البحث السابق ان قلنا بثبوت الحقيقة الشرعية فلا اشكال في امكان البحث عن الصحيح والاعم ، فيقال : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما وضع لفظ الصلاة للعبادة الشرعية هل وضعها لخصوص العبادة الصحيحة او للعبادة الاعم ، وان انكرنا ثبوت الحقيقة الشرعية فالامر مشكل اذ لم يضع صلى‌الله‌عليه‌وآله لفظ الصلاة للعبادة الشرعية حتى يقال هل وضعه لخصوص العبادة الصحيحة او للاعم؟

ومن هنا برزت عدة محاولات لتصوير النزاع بناء على انكار الحقيقة

٢٢٣

الشرعية نذكر منها محاولتين :

١ ـ ما ذكره الآخوند قدس‌سره ، حيث قال : بناء على انكار الحقيقة الشرعية يكون استعمال لفظ الصلاة في المعنى الشرعي مجازا وبحاجة الى ملاحظة العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي ، والقائل بالصحيح يدعي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جرت عادته على لحاظ العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي الصحيح ، واذا اراد يوما من الايام الاستعمال في الاعم فسوف يلاحظ علاقة جديدة بين المعنى الشرعي الصحيح والمعنى الشرعي الاعم اي بين المعنى المجازي الاول والمعنى المجازي الثاني ، بينما القائل بالاعم يدعي انه صلى‌الله‌عليه‌وآله يلاحظ بحسب عادته العلاقة بين الدعاء والمعنى الشرعي الاعم ، واذا اراد يوما الاستعمال في الصحيح فسوف يلاحظ علاقة جديدة بين المعنى الشرعي الاعم والمعنى الشرعي الصحيح ويكون المعنى المجازي الثاني ملحوظا في طول المعنى المجازي الاول وهذا ما يسمى بسبك المجاز في المجاز.

وان شئت قلت : ان النزاع على تصوير الآخوند يقع في تحديد المجاز الاقرب ، فالقائل بالصحيح يقول : ان المجاز الاقرب الى الدعاء هو المعنى الشرعي الصحيح بينما القائل بالاعم يقول ان المجاز الاقرب هو المعنى الشرعي الاعم.

ويرده : ان ملاحظة العلاقة بين مجاز ومجاز وان كانت امرا وجيها كأن تلحظ العلاقة بين الحيوان المفترس والرجل الشجاع وتستعمل كلمة الاسد في الرجل الشجاع ثم تلحظ علاقة جديدة بين الرجل الشجاع ومعنى مجازي آخر وتستعمل كلمة الاسد في المجاز الآخر ويكون المجاز الثاني في طول المجاز الاول ، ان هذا وان كان وجيها الاّ انه يتم فيما لو كان المجاز الاول اقوى ارتباطا

٢٢٤

ومشابهة بالمعنى الحقيقي من المجاز الثاني ، اما اذا كانت مشابهة كلا المجازين للمعنى الحقيقي بدرجة واحدة كما هو الحال في المقام ـ فان ارتباط العبادة الصحيحة بالدعاء ليس باقوى من ارتباط العبادة الاعم به بل كلاهما من حيثية الدعاء واحد ـ فلا وجه لملاحظة الارتباط اولا بين احد المجازين والمعنى الحقيقي ثم ملاحظة العلاقة بين المجاز الاول والمجاز الثاني ، ان هذه الطولية لا وجه لها بعد ما كان ارتباط المجازين بالمعنى الحقيقي بدرجة واحدة.

٢ ـ ان تلحظ القرينة التي كان يعتمدها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لتفهيم المعنى الشرعي ـ الذي هو معنى مجازي بناء على انكار الحقيقة الشرعية ـ فالقائل بالصحيح يدعي ان عادته صلى‌الله‌عليه‌وآله جرت على ان تكون القرينة قرينة على تفهيم المعنى الشرعي الصحيح ، واذا اراد يوما الاستعمال في الاعم نصب قرينة جديدة على تغيير عادته وارادة الاعم ، بينما القائل بالاعم يقول ان عادته صلى‌الله‌عليه‌وآله جرت على ان تكون القرينة قرينة على ارادة الاعم ، واذا اراد يوما تغيير عادته واستعمال اللفظ في المعنى الصحيح نصب قرينة اخرى على ذلك.

المقصود من الصحة والفساد :

الجهة الثانية : ذكر الآخوند والسيد الخوئي دام ظله ان المقصود من الصحة هو تمامية الاجزاء والشرائط ، فالعمل متى ما تمت اجزاؤه وشرائطه فهو صحيح والاّ فهو فاسد.

ويرده : انه بناء على التفسير المذكور يلزم اختصاص الصحة والفساد بالعمل المركب وعدم صدقهما على العمل البسيط ، اذ البسيط ليس له اجزاء حتى تتم او لا تتم ، والحال ان البسائط تتصف بذلك ايضا ، حيث يقال : فكرة صحيحة

٢٢٥

وفكرة فاسدة.

والتحقيق : ان معنى الصحة هو حصول الاثر المطلوب من العمل ، فان كل عمل لا بد وان يكون له اثر خاص يترقب منه ، فان كان ذاك الاثر مترتبا عليه فهو صحيح والاّ فهو فاسد ، اجل حيث ان الاثر المترقب من العبادات هو ان تكون مجزية وتامة فقد يتسامح ويقال : ان معنى الصحة هو الاجزاء والتمامية.

هذا هو المناسب في تفسير الصحة ، بيد ان المنسوب الى المتكلمين تفسيرها بموافقة العمل للامر الشرعي المتعلق به ، والمنسوب الى الفقهاء تفسيرها بكون العمل مسقطا للاداء والقضاء ، فمتى ما كان مسقطا لهما فهو صحيح والاّ فهو فاسد ، والمنسوب الى ثالث تفسيرها بكون العمل محصّلا للغرض المطلوب منه (١). وقد تقدم تفسيرها عن الآخوند والسيد الخوئي بتمامية الاجزاء والشرائط.

وظاهر هذه التفاسير الاربعة ان الصحة هي نفس موافقة الامر او سقوط الاعادة والقضاء او حصول الغرض او التمامية ، وهو باطل ، ولتصحيح كلامهم لا بد وان يكون مقصودهم ان الصحة هي حصول الاثر المطلوب لكن بما ان الاثر المهم في نظر المتكلمين هو موافقة الامر فسروها بموافقة الامر ، وهكذا بالنسبة الى الفقهاء لا بد وان يكون مقصودهم ان الصحة هي حصول الاثر ولكن بما ان الاثر المهم في نظرهم هو سقوط الاعادة والقضاء فسروها بسقوط الاعادة والقضاء ، وهكذا بالنسبة الى باقي التفاسير.

__________________

(١) لا يبعد ان تفسيرها بتحصيل الغرض هو نفس ما اختاره السيد الشهيد قدس‌سره من كونها بمعنى ترتب الحيثية المطلوبة.

٢٢٦

الوضع لمفهوم الصحيح او واقعه.

ثم ان ههنا شيئا وهو انه لو قلنا بوضع لفظ الصلاة للصحيح فهل المقصود وضعها لمفهوم الصحيح ومفهوم التام ومفهوم الموافق للامر (١) او ان المقصود وضعها لواقع الصحيح ومصداقه؟ الصحيح هو الثاني لوجهين :

أ ـ ان كلمة الصلاة لو كانت موضعة لمفهوم الصحيح او التام او الموافق للامر لزم ان نفهم من كلمة الصلاة حين سماعها مفهوم الصحيح او التام او الموافق للامر بحيث يكون هناك ترادف بين كلمة الصلاة وكلمة الصحيح او التام او الموافق للامر ، والحال انه لا ترادف بينهما جزما.

ب ـ ان الوضع لمفهوم موافقة الامر مستحيل عقلا ، فان المولى اذا قال : آمركم بالصلاة وكان معنى الصلاة موافقة الامر صار المعنى آمركم بموافقه الامر ، وهذا مستحيل لاستلزامه تعلق الامر بنفس الامر ، وبالتالي يلزم خلف غرض الصحيحي ، فانه يريد تصوير معنى الصلاة بشكل يقبل تعلق الامر به فلو كان المعنى للصلاة هو موافقة الامر الذي يستحيل تعلق الامر به يلزم خلف غرضه.

تفصيل الشيخ الاعظم بين الاجزاء والشرائط.

نسب للشيخ الانصارى (٢) قدس‌سره تفصيل في المسألة يتوقف استيضاحه على بيان مقدمة هي : ان العلة التامة مركبة من ثلاثة اشياء : مقتضي وشرط وعدم المانع ، والمقصود من المقتضي هو ما يحصل منه الاثر كالنار بالنسبة الى الاحراق حيث انها تؤثر في ايجاده ، واما الشرط فهو العامل المساعد على

__________________

(١) مفهوم الصحيح هو كلمة صحيح ، ومفهوم التام هو كلمة تام ، وهكذا.

(٢) كما في مطارح الانظار الذي هو تقرير درس الشيخ الأعظم.

٢٢٧

التأثير فقرب الورقة من النار الذي هو شرط حصول الاحراق لا يوجد الاحراق ولذا لا نقول القرب محرق وانما دوره دور المساعد للنار على تأثيرها في الاحراق ، وكعدم رطوبة الورقة فانه شرط ايضا ودوره دور العامل المساعد على تقبّل الورقة للاحتراق ، فالشرط اذن هو ما يساعد الفاعل ـ وهو النار ـ في تأثيره او ما يساعد القابل ـ وهو الورقة ـ في تأثّره (١).

ثم ان رتبة الشرط متأخّرة عن رتبة المقتضي لان الشرط كما عرفنا هو ما يساعد المقتضي في تأثيره فلا بد من فرض وجود المقتضي في الرتبة السابقة ليأتي دور الشرط في المرتبة الثانية كمساعد له في تأثيره ، ومن هنا قيل ان الشرط في طول المقتضي اي متأخر عنه.

وبعد المقدمة المذكورة نعود لتفصيل الشيخ الاعظم وحاصله : انه بناء على وضع الصلاة للعبادة الصحيحة فليس المقصود الوضع للعبادة التامة من حيث الاجزاء والشرائط بل من حيث الاجزاء فقط ولا يمكن الوضع للاجزاء والشرائط معا فان رتبة الشرط متأخرة عن رتبة المقتضي (٢) ، فلو وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء والشرائط فلازمه وحدة رتبة الشرائط والاجزاء ، ومن هنا صح ان يقال : ان لفظ الصلاة بناء على وضعه للصحيح موضوع للصحيح من حيث الاجزاء فقط دون الشرائط.

وقد ذكر في الكتاب لردّ التفصيل المذكور جوابان :

١ ـ ما ذكره السيد الخوئي دام ظله من ان تأخر الشرط عن المقتضي انما هو

__________________

(١) وبهذا يتضح معنى العبارة المشهور : ان دور الشرط تصحيح فاعلية الفاعل او قابلية القابل.

(٢) والمقتضي في المقام هو مجموع الاجزاء ، فانه عين الكل.

٢٢٨

في عالم الوجود لا في عالم التسمية والالفاظ ، فالشرط في الخارج متأخر عن المقتضي دون عالم التسمية ، فيمكن وضع لفظ واحد لكليهما ، فآدم عليه‌السلام مع تقدمه علينا يمكن ان يوضع لفظ واحد له ولنا معا.

٢ ـ ان تأخر الشرط عن المقتضي يمكن انكاره حتى في عالم الخارج وانما المسلّم هو التأخر في مقام التأثير ، فالنار بما هي مؤثرة في الاحراق متقدمة على الشرط وهو قرب الورقة ، اما اذا نظرنا الى ذات النار بقطع النظر عن تأثيرها فلا تقدم لها على ذات قرب الورقة.

وكلمة الصلاة ليست موضوعة للمقتضي ـ بما هو مؤثر ـ والشرط حتى يقال ان الشرط متأخر عن المقتضي في مقام التأثير فلا يمكن وضع لفظ واحد لهما بل ان لفظ الصلاة موضوع لذات المقتضي وذات الشرط ، وليس بينهما طولية.

اجل لو فرض ان حيثية التاثير ملحوظة في مقام الوضع كما لو قلنا بان لفظ الصلاة موضوع للصحيح بمعنى المؤثر في حصول الغرض فلا يمكن وضع لفظ الصلاة لمجموع الاجزاء والشرائط ، ولكن ذكرنا فيما سبق ان لفظ الصلاة ليس موضوعا لمفهوم المحصّل للغرض والا يلزم الترادف بينهما.

وبهذا تجلى امكان وضع لفظ الصلاة للصحيح من حيث الاجزاء والشرائط معا.

بقي شيء : وهو انه بناء على امكان وضع لفظ الصلاة لتام الاجزاء والشرائط هل يراد من الشرائط جميع الشرائط بما في ذلك قصد الامتثال او المراد ما عداه من الشرائط؟ والجواب عن هذا السؤال يرتبط بقضية اخرى وهي انه هل يمكن تعلق الامر بقصد الامتثال بأن يقول المولى هكذا : تجب الصلاة مع قصد الامتثال؟ اختار صاحب الكفاية عدم امكان ذلك كما يأتي في مبحث التعبدي

٢٢٩

والتوصلي (١) ، وبناء عليه لا يمكن وضع لفظ الصلاة لتام الاجزاء والشرائط بما فيها قصد الامتثال ، اذ لو كان قصد الامتثال مأخوذا في المعنى الموضوع له يلزم ان يكون امر « اقيموا الصلاة » متعلّقا بقصد الامتثال وقد فرضنا استحالته على رأي الآخوند.

قوله ص ٤٥٤ س ١٦ بالقياس الى هذه الحيثيات :

اي كانت الصحة بمعنى حصول تمام الاجزاء وكون العمل مجزيا ، لان الاثر المطلوب في العبادات هو ذلك اي التمامية والاجزاء.

قوله ص ٤٥٤ س ١٨ وان يحمل على هذا المنظور :

اي لا بد وان يكون المقصود من هذه التفاسير تفسير الصحة بما هو الاثر المطلوب الذي هو موافقة الامر عند المتكلمين وسقوط الاعادة والقضاء في نظر الفقهاء وهلمّ جرّا ، وليس المقصود تفسير الصحة لغة بنفس الموافقة للامر او سقوط الاعادة والقضاء او حصول الغرض او التمامية فانه باطل اذ معنى الصحة ليس ذلك بل هو حصول الاثر كما اوضحناه.

قوله ص ٤٥٤ س ٢٣ كما ان بعضها :

وهو مفهوم موافقة الامر.

قوله ص ٤٥٥ س ١ وهو خلف غرض الصحيحي :

__________________

(١) بتقريب ان قصد امتثال الامر متوقف على الامر ومتأخر عنه ، فلو اخذ في متعلق الامر يلزم ان يكون متقدما على الامر فان متعلق الامر متقدم عليه ـ اذ الامر عارض على متعلقه فيلزم فرض المتعلق اولا حتى يعرض عليه الامر ـ وبالتالي يلزم ان يكون الامر متقدما ومتأخرا في وقت واحد فهو متأخر بما انه متوقف على الامر ومتقدم بما انه مأخوذ في متعلق الامر.

٢٣٠

فان غرضه تصوير معنى الصلاة بشكل يقبل تعلق الامر به كما يأتي الاشارة لذلك في السطر الثالث ما قبل اخر هذه الصفحة.

قوله ص ٤٥٥ س ٤ في طول المشروط :

والمشروط هو مجموع الصلاة الذي هو عبارة عن الاجزاء فان الكل المركب عين اجزائه ، ومن هنا قال : فيكون في طول اجزاء المشروط.

قوله ص ٤٥٥ س ٦ لو سلّم :

اي ان اصل الطولية غير مسلّمة كما سيأتي في الجواب الثاني.

قوله ص ٤٥٥ س ١١ مصحّح :

اي مساعد ، والفاعل هو مثل النار والقابل هو مثل الورقة ، والقرب يساعد النار في تأثيرها ، وعدم الرطوبة يساعد الورقة في قبولها التأثر.

قوله ص ٤٥٥ س ١٨ قصد القربة :

المقصود من قصد القربة قصد الامتثال ، والمراد من قصد الوجه قصد الوجوب والاستحباب ، فان الوجوب والاستحباب فرع الامر ، فالشيء بعد تعلق الامر به يمكن قصد وجوبه او استحبابه ، اما قبل ذاك فلا.

قوله ص ٤٥٥ س ١٨ من القيود الثانوية :

ان مثل قصد الامتثال يسمى قيدا ثانويا ، لانه يأتي في مرتبة ثانية متأخرة عن الامر فلا بد من فرض وجود الامر كي يمكن قصد امتثاله ، بخلاف مثل الركوع والسجود والقيام وو ... فانها قيود اولية حيث يمكن الاتيان بمثل الركوع والسجود قبل الامر ايضا.

قوله ص ٤٥٥ س ٢٠ شرعا او عقلا :

اي ان مثل قصد الامتثال وان كان لا تصح الصلاة بدونه ولكن لا يمكن ان

٢٣١

يكون مأخوذا في المسمى وجزء منه ، اذ القائل بالصحيح يريد تصوير مسمى الصلاة بشكل يمكن تعلق الامر به ، وواضح ان قصد الامتثال لو كان مأخوذا في المسمى فلا يمكن تعلق الامر به.

ثم ان المناسب حذف كلمة « شرعا » والاقتصار على قوله « عقلا ».

قوله ص ٤٥٥ س ٢١ به :

الاولى حذفه.

قوله ص ٤٥٥ س ٢١ كما تقدم :

اي في السطر الاول من هذه الصفحة.

لا بد من وجود جامع.

قوله ص ٤٥٥ س ٢٢ الجهة الثالثة : لا اشكال في لزوم تصوير جامع بين الافراد ... الخ.

ههنا تساؤل : هل كلمة الصلاة موضوعة لكل فرد من افراد الصلاة بحيث ان الواضع تصور مفهوم الصلاة الكلي ووضع اللفظ لأفراده وهي هذه الصلاة وتلك وو ... الذي لازمه صيرورة معاني الصلاة كثيرة جدا وغير متناهية اذ افراد الصلاة الموجودة خارجا لا تعد ولا تحصى او انه ـ لفظ الصلاة ـ موضوع لمفهوم الصلاة الكلي بمعنى ان الواضع تصور المعنى الكلي للصلاة ووضع اللفظ له لا لأفراده؟

وعلى الاحتمال الاول يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا. اما ان الوضع عام فباعتبار ان المعنى المتصور عام وهو المفهوم الكلي للصلاة (١). واما ان

__________________

(١) وكلما كان المعنى المتصور عاما كان الوضع عاما ايضا بخلاف ما لو كان خاصا فانه يكون ـ

٢٣٢

الموضوع له خاص فباعتبار ان اللفظ لم يوضع لنفس المعنى الكلي المتصور بل لافراده (١).

بينما على الاحتمال الثاني يكون الوضع عاما والموضوع له عاما ايضا ، فالوضع عام لكون المعنى المتصور عاما والموضوع له عام باعتبار وضع اللفظ لنفس المعنى الكلي المتصور (٢).

والصحيح في الجواب : ان لفظ الصلاة لم يوضع لكل فرد فرد والاّ لزم ان تكون معاني لفظ الصلاة غير متناهية وهو باطل جزما ، فان معناه واحد نظير لفظ كتاب ودفتر وقلم وغير ذلك من اسماء الاجناس ، فكما ان لفظ الكتاب ذو معنى واحد وهو طبيعي الكتاب كذلك الحال في لفظ الصلاة فانا نحس بالوجدان انه ذو معنى واحد.

وبعد اتضاح ان معنى لفظ الصلاة واحد وهو الجامع بين الافراد قد يسأل عن ذلك الجامع وكيف يصوّر بين الافراد الصحيحة ـ بناء على الوضع الصحيح ـ؟ وكيف يصوّر بين الافراد الاعم من الصحيحة والفاسدة بناء على الوضع للاعم؟

وباختصار نحن بحاجة الى تصوير الجامع مرتين مرة بين الافراد الصحيحة وثانية بين الافراد الاعم من الصحيحة والفاسدة.

__________________

ـ خاصا ايضا.

(١) كما وان لازم الاحتمال الاول صيرورة لفظ الصلاة مشتركا لفظيا بين المعاني التي وضع لكل واحد منها.

(٢) وبناء على هذا الاحتمال يكون لفظ الصلاة مشتركا معنويا لانه موضوع للمعنى الكلي الجامع بين افراد الصلاة الذي هو مشترك معنوي.

٢٣٣

الجامع على الصحيح.

ان تصوير الجامع بين الافراد الصحيحة ليس بسيطا كما يبدو لأول وهلة ، بل هو مشكل حيث ان الصلاة تكون مرة ذات اربع ركعات واخرى ذات ثلاث ركعات وثالثة ذات ركعتين ورابعة ذات ركعة ، كما وانها تكون مرة من قيام واخرى من جلوس وثالثة حالة اضطجاع ، وهي ايضا تارة تكون صلاة آيات واخرى صلاة على الميت وثالثة صلاة جمعة وو ... ومع هذا التعدد كيف يمكن تصوير جامع واحد يجمع هذه الصور المختلفة ، فانه لو اعتبر فيه اربع ركعات فلازم ذلك ان تكون ذات الركعتين او الثلاث ليست بصلاة ، ولو اعتبر فيه ركعتان يلزم ان يكون ما عدا ذلك ليس بصلاة وهلمّ جرّا بالنسبة الى بقية القيود ايضا.

هذا ويمكن صياغة الاشكال في الجامع بنحو آخر تفصيلي بان يقال : ان الجامع لا يخلو من احد شقوق اربعة كلها باطلة (١) :

١ ـ ان يكون مركبا من مجموعة اجزاء وشرائط ، فاذا كانت اجزاء الصلاة

__________________

(١) وقبل استعراض الشقوق لا بد من استعراض مقدمة قرأناها في المنطق ، وهي : ان مصطلح الذاتي له معنيان :

١ ـ الذاتي في مبحث الكليات الخمسة : فان ثلاثة من الكليات ـ النوع ، الجنس ، الفصل ـ ذاتية ، واثنين منها عرضية ، وحينما يطلق الذاتي في هذا الباب يراد به احد الثلاثة ، ويسمى بذاتي باب الكليات الخمسة او بذاتي باب ايساغوجي ، فان ايساغوجي مصطلح يوناني بمعنى الكليات الخمسة.

٢ ـ ما هو المذكور في باب تقسيم العرض ، حيث قسّم الى ذاتي وغريب ، وليس المراد بالذاتي هنا النوع وأخويه ، بل لازم الماهية كالزوجية لماهية الاربعة والامكان لماهية الانسان ، ويصطلح على هذا القسم بذاتي باب البرهان.

٢٣٤

وشرائطها عشرة كان لفظ الصلاة موضوعا للعشرة. وهذا الاحتمال باطل فان لازمه عدم صدق لفظ الصلاة على صلاة المضطر التي تقل عن العشرة ، واذا كان ـ لفظ الصلاة ـ موضوعا للاقل من العشرة فلازم ذلك ان لا يصدق على الصلاة التامة الاختيارية ذات الاجزاء العشرة ، اذن المحذور لازم على كلا التقديرين.

٢ ـ ان يكون بسيطا ، ولهذا الشق انحاء ثلاثة :

أ ـ ان يكون الجامع البسيط ذاتيا بمعنى الذاتي في باب الكليات الخمسة ، فكما ان الانسان نوع جامع بين افراده فكذا لفظ الصلاة موضوع للنوع الجامع بين افراد الصلاة. وهذا النحو باطل ، فان الصلاة مركبة من مقولات مختلفة ، فالركوع والسجود هما من مقولة الوضع بينما القرائة من مقولة الكيف ، ومن الواضح ان لا جامع بين المقولات العشر ولذا قيل انها اجناس عالية اي لا يوجد جنس اعلى يجمعها (١). وهكذا الصلاة مركبة من الوجود والعدم ، فالركوع والسجود مثلا هما من الموجودات بينما عدم القهقهة من العدميات ، وواضح ان الوجود والعدم لا يمكن وجود جامع يجمعهما.

ب ـ ان يكون الجامع البسيط ذاتيا بمعنى الذاتي في باب البرهان ، فان لماهية الصلاة لازما واحدا ، وهو وان كنا لا نعرفه الا ان ذلك لا يمنع من وضع كلمة الصلاة له. وهذا الاحتمال باطل ، فان لازم الشيء معلول له ، فالحرارة لازمة للنار بمعنى انها معلولة لها ، وماهية الصلاة بما انها مركبة من مقولات متعددة فلا يمكن ان يكون لها لازم واحد وضع له لفظ الصلاة اذ الاشياء المختلفة لا يمكن ان يكون لها معلول واحد والاّ يلزم ان يكون المتعدد علة للواحد.

ج ـ ان يكون الجامع البسيط عرضيا انتزاعيا بمعنى ان كلمة الصلاة

__________________

(١) تقدم ايضاح هذه المصطلحات عند توضيح موضوع علم الاصول.

٢٣٥

موضوعة لكل فعل ينهى عن الفحشاء مثلا ، فان النهي عن الفحشاء عنوان عرضي منتزع من افراد الصلاة وليس امرا ذاتيا. وهذا الاحتمال وان كان ممكنا ثبوتا ـ اي واقعا ـ الاّ انه غير واقع اثباتا ، اذ لازمه عدم امكان تصور معنى الصلاة الاّ بعد تصور عنوان النهي عن الفحشاء وعدم امكان تطبيق عنوان الصلاة على افرادها الاّ بعد تصور النهي عن الفحشاء ، وهو واضح البطلان فانا نقول : هذه صلاة وتلك صلاة بلا تصور النهي عن الفحشاء.

وعليه فالجامع بين الافراد الصحيحة مشكل للبيان المذكور.

قوله ص ٤٥٦ س ١ بخصوصه :

اي ان خصوص الصحيح لو نظرنا اليه لوجدنا ان افراده مختلفة اختلافا شديدا فضلا عما اذا نظرنا الى الافراد الفاسدة ايضا.

قوله ص ٤٥٦ س ١ الموضوع له :

الواو ساقطة ، والصواب : والموضوع له.

قوله ص ٤٥٦ س ٤ فيما بينهما :

الصواب : فيما بينها ، اي فيما بين الافراد.

قوله ص ٤٥٦ س ٨ باعتبار شدة :

هذا بيان للمشكلة بشكل مجمل ، واما المفصل فقد اشار له بقوله : وملخص الاشكال ... الخ.

قوله ص ٤٥٦ س ١٤ سنخا ومقولة :

العطف تفسيري.

٢٣٦

الجواب عن الاشكال.

قوله ص ٤٥٦ س ٢٣ وقد اجيب عن هذا الاشكال ... الخ :

وهناك عدة محاولات لتصوير الجامع على القول بالوضع للصحيح نقل منها في الكتاب ثلاث محاولات ، الاولى للآخوند والثانية للشيخ الاصفهاني ، والثالثة للسيد الشهيد ، وهي كما يلي :

محاولة الآخوند.

١ ـ وحاصل ما ذكره قدس‌سره : انا نقطع بوجود جامع بين افراد الصلاة الصحيحة وقد وضعت له كلمة الصلاة ، وذلك الجامع الذي نقطع به لو سئلنا عن حقيقته وماهيته اجبنا بانّا لا نعرف حقيقته ولكنا نعرفه ببعض آثاره ، ولا غرابة في ان يكون الشيء مجهولا من حيث حقيقته معلوما من ناحية اثاره ، وفي المقام الامر كذلك ، فالجامع بين الافراد الصحيحة مجهول من حيث الحقيقة ولكنه معلوم ببعض آثاره مثل النهي عن الفحشاء ، فكلمة الصلاة موضوعة لكل فعل ينهى عن الفحشاء.

وقد تقول : كيف جزم الآخوند بوجود جامع بين الافراد الصحيحة ومن اين علم بذلك؟

والجواب : انه استكشف ذلك من مجموع مقدمتين :

أ ـ ان جميع افراد الصلاة الصحيحة تشترك في اثر واحد وهو مثل النهي عن الفحشاء مثلا.

ب ـ ان الافراد المتعددة اذا اشتركت في اثر واحد فلا بد من وجود جامع ذاتي (١) واحد بينها يكون هو الموجد للاثر الواحد ، اذ يستحيل ان تكون الافراد

__________________

(١) المراد بالجامع الذاتي ما يكون نوعا للافراد.

٢٣٧

المتكثرة علة لشيء واحد فان الواحد لا يصدر من الكثير.

هذه حصية محاولة الآخوند قدس‌سره.

وقد ردّت بعدة ردود منها ما ذكره غير واحد من الاعلام ، وحاصله : ان الاثر الواحد تارة يكون ذاتيا اي ما يسمى باللازم الذاتي كالحرارة فانها لازمة لذات النار ، واخرى يكون عرضيا انتزاعيا كالبياض بالنسبة للقطن.

فان كان لازما ذاتيا فوحدته تدل حتما على وجود مؤثر واحد له ، فان لازم الذات عبارة اخرى عن معلول الذات ، فالحرارة اللازمة لذات النار معلولة لها ، وواضح ان المعلول اذا كان واحدا فيلزم ان يكون المؤثر فيه واحدا.

وان كان الاثر امرا عرضيا فوحدته لا تدل على وحدة المؤثر ، فالابيض مثلا اثر عرضي يمكن انتزاعه من الاشياء المختلفة كالانسان والحيوان والجدار ، بلا حاجة الى تصوير جامع بينها يكون هو المؤثر ، اذ الاثر العرضي ليس معلولا حتى تكون وحدته دليلا على وحدة الموجد له ، بل هو امر منتزع ، ولا محذور في انتزاع الشيء الواحد من الاشياء المختلفة كمثال الابيض.

وباتضاح هذا نقول : ان مثل النهي عن الفحشاء اثر عرضي انتزاعي فوحدته لا تدل على وجود جامع واحد ، بل نقول اكثر من هذا ، انه يستحيل وجود جامع ذاتي بين افراد الصلاة فان الجامع الذاتي عبارة عن النوع ، وواضح ان اجزاء الصلاة بما انها من مقولات مختلفة وبعضها وجودي وآخر عدمي فيستحيل وجود جامع ذاتي بينها ، فان المتضادات كيف يجمعها جامع واحد. اجل الجامع الذي يمكن افتراضه هو الجامع العرضي الانتزاعي مثل عنوان « الناهي عن الفحشاء » ، فانه يمكن وجوده ويمكن ان يكون لفظ الصلاة موضوعا له ، الاّ انه كما تقدم غير واقع اي لم توضع كلمة الصلاة له ، والاّ يلزم عند سماعنا لكلمة

٢٣٨

الصلاة انتقال ذهننا الى مفهوم « الناهي عن الفحشاء » وان لا ينطبق مفهوم الصلاة على افراده الاّ بعد التوجه لعنوان « الناهي عن الفحشاء » ، وهو باطل جزما.

محاولة الشيخ الاصفهاني.

٢ ـ وحاصل ما ذكره الشيخ الاصفهاني ان الصلاة تختلف اجزاؤها من حيث المقدار فتارة تكون اجزاؤها عشرة واخرى تسعة وثالثة ثمانية وهلمّ جرّا ، كما وتختلف الاجزاء من حيث الكيفية ، فالركوع مرة يكون من قيام واخرى من جلوس وثالثة بشكل آخر ، وباختصار اجزاء الصلاة تختلف من حيث الكيف والكم معا ، والواضع لا بد وان يتصور جميع هذه الاختلافات ويضع لفظ الصلاة لها ، ولكن كيف يمكن له تصور جميع هذه الاختلافات ووضع اللفظ لها بعد ذلك؟ ان الطريق هو ان يستعين بمفهوم ـ ولو كان عرضيا مثل مفهوم « الناهي عن الفحشاء » ـ ويلحظ بواسطته جميع تلك الاختلافات على سبيل الاجمال والابهام ثم يضع اللفظ لجميع تلك الاختلافات على اجمالها وابهامها ، وذلك نظير كلمة الخمر ، فان للخمر اختلافات واسعة ، فقد تكون متخذة من العنب وقد تكون متخذة من غيرها ، كما وان درجة اسكارها مختلفة فقد يكون اسكارها شديدا ولربما يكون ضعيفا ، كما وان لونها وطعمها مختلف ، وكلمة الخمر موضوعة لجميع هذه الاختلافات والواضع يتصورها بشكل مجمل مبهم ثم يضع لفظ الخمر لها.

والجواب عن هذه المحاولة : ان في مقصود الشيخ الاصفهاني احتمالين :

أ ـ ان يكون نفس المعنى الذي وضعت له كلمة الصلاة مجملا ومبهما ، وهذا الاحتمال باطل فان كل كلمة لا بد وان تكون موضوعة لمعنى محدد بدون ترديد ولا

٢٣٩

ابهام.

وقد تقول : ان الوضع للمعنى المبهم ممكن نظير اسماء الاشارة ، فان معناها مبهم ولذا تعد من المبهمات.

والجواب : ان معنى اسماء الاشارة ليس مرددا ، فكلمة هذا مثلا موضوعة للمشار اليه المفرد المذكر ، اجل المقصود من المشار اليه قد يكون مرددا فحينما يقال جاء هذا فمن المحتمل ان يكون المقصود من « هذا » فلانا او فلانا او فلانا ، وبهذا الاعتبار يقال : ان اسماء الاشارة مبهمة ، فهي مبهمة في مقام الانطباق والتطبيق لا في اصل المعنى الموضوع له.

كما ويحتمل ان يكون ابهامها باعتبار احتياجها الى الصلة والمفسر ، فحينما نقول جاء هذا نحتاج الى مفسر فنقول جاء هذا العالم ، فكلمة « العالم » تفسر المقصود من اسم الاشارة.

ب ـ ان تكون كلمة الصلاة موضوعة لنفس الجامع الانتزاعي مثل ما ينهى عن الفحشاء ، وهذا قد بينا مرارا بطلانه.

يبقى شيء وهو ان الشيخ الاصفهاني ذكر ان كلمة الخمر موضوعة لمعنى مبهم وهذا ما لا نوافقه عليه ، فان كلمة الخمر موضوعة لمعنى محدد وهو السائل المسكر ، اجل لم يقيد الاسكار بدرجة معينة بل اخذ لا بشرط من هذه الناحية ، كما ولم يقيد بلون معين بل اخذ لا بشرط من هذه الناحية ايضا ، وواضح ان اخذ المعنى ـ لا بشرط ـ شيء وكون المعنى مبهما شيء آخر وليس احدهما عين الآخر.

محاولة السيد الشهيد.

٣ ـ وقد اجاب السيد الشهيد بما حاصله : انا نختار كون الجامع تركيبا

٢٤٠