الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

القرائن والدلائل فيقول مثلا : ان منشأ الظهور في الاطلاق لو كان هو الوضع فاللازم صيرورة الاستعمال مجازا في موارد التقييد مع انه لا نشعر بالمجازية في مثل قولنا اعتق رقبة مؤمنة ، ومثل هذا يحتاج الى اعمال الدقة كما هو واضح.

٣ ـ ان يفرض ظهور جملة معينة في معنى معين ولكن يقف امامها امر وجداني يتنافى وذلك الظهور ويأتي الاصولي ليوفق بين الظهور والوجدان ، ومثال ذلك الجملة الشرطية كجملة « ان جاءك زيد فاكرمه » فانها ظاهرة في المفهوم وانه إن لم يجىء فلا تكرمه ، وهذا الظهور مسلم لدى الجميع بيد ان هناك مطلبا آخر واضحا لدى الجميع ايضا وهو ان ثبوت المفهوم للشرطية يتوقف على كون الشرط علة منحصرة للجزاء اذ لو لم يكن المجىء هو العلة الوحيدة لوجوب الاكرام وكانت هناك علة اخرى له كالمرض مثلا فلا يلزم من انتفاء المجىء انتفاء وجوب الاكرام لقيام المرض مقام المجىء في عليته لوجوب الاكرام ، ومعه فلا بد من اثبات كون المجىء هو العلة الوحيدة ، وهو مشكل لان الوجدان قاض بان استعمال الشرطية استعمال حقيقي سواء فرض وجود علة بديلة ثانية ام لا ، فانا نشعر بالوجدان ان الاستعمال في جملة « ان جاءك زيد فاكرمه » حقيقي سواء فرض ان المجىء علة منحصرة ام لا كما يأتي التعرض لذلك في مبحث الشرطية ان شاء الله.

وعليه يقع التعارض بين الوجدان القاضي بظهور الشرطية في المفهوم وبين الوجدان الثاني القاضي بعدم المجازية في موارد عدم الانحصار.

ولربما يؤدي هذا التعارض الى التنازل عن الوجدان الاول والتشكيك في ثبوت المفهوم للشرطية كما حصل ذلك للآخوند حيث انكر دلالة الشرطية على المفهوم باعتبار ان ثبوت المفهوم موقوف على كون الشرط علة منحصرة وهو مما

٢٠١

لا يمكن اثباته ، ولكن سيأتي ان شاء الله في مبحث الجملة الشرطية ص ١٧٣ كيفية التوفيق بين الوجدانين بدون حاجة الى التنازل عن الوجدان الاول.

والخلاصة من كل هذا ان تدّخل الاصولي في مثل هذه الحالة ضروري فان ثبوت المفهوم للشرطية وان كان وجدانيا ولا يحتاج الى تدخل الاصولي الا ان التوفيق بين الوجدانين يفرض الحاجة لتدخّله.

قوله ص ٨٧ س ١٣ وقد يقال ان غرض الاصولي انما هو تعيين ما يدل عليه اللفظ من معنى او ما هو المعنى الظاهري ... الخ :

اي مرة يفرض ان معنى اللفظ واحد ويراد بالتبادر او قول اللغوي تعيينه واخرى يفرض ان معنى اللفظ متعدد ومشترك بينها ويراد تعيين واحد من تلك المعاني.

قوله ص ٨٨ س ٣ الذي هو عملية عفوية :

اي تحصل بلا حاجة الى تفكير واعمال دقة.

قوله ص ٨٨ س ٤ ومزيد عناية :

عطف تفسيري فان التعمّل هو بمعنى اعمال العناية الزائدة.

قوله ص ٨٨ س ١١ اما البحوث اللغوية :

وسيأتي في بداية ص ٩٠ س ١ من الحلقة ايضاح كيف انها تشتمل على اعمال الدقة والتأمل.

قوله ص ٨٨ س ١٦ على طريقة تعدد الدال والمدلول :

اي ان الجملة تشتمل على عدة دوال وعدة مدلولات وكل واحد من الدوال يدل على واحد من المدلولات كقولنا « زيد في الدار » فان الدّوال فيه ثلاثة : زيد ، في ، الدار. والمدلولات ايضا ثلاثة : ذات زيد ، ما يقابل في ، ذات

٢٠٢

الدار. والدال الاول يدل على المدلول الاول ، والثاني على الثاني ، والثالث على الثالث. اذن مجموع المعنى الواحد استفدناه من دوال متعددة حيث ان كل واحد من الدوال يدل على جزء من المعنى الواحد.

قوله ص ٨٩ س ١٢ بالمعنى الذي ذكرناه :

اي تحديد المعنى المقابل لكلمة « في » بشكل دقيق.

قوله ص ٨٩ س ١٦ في حدود ما يترتب عليه اثر في عملية الاستنباط :

اي ان الاصولي يبحث عن تحديد معنى الحرف بالمقدار الذي ينتفع به في عملية الاستنباط واما الزائد فلا ، وسيأتي ص ١٠٧ من الحلقة ايضاح ثمرة تحقيق المعنى الحرفي في عملية الاستنباط.

قوله ص ٩٠ س ٤ ظهور الكلام في معنى :

كاثبات ظهور صيغة افعل في الوجوب النفسي التعييني.

قوله ص ٩١ س ٥ بل لا بد من جمع ظواهر عديدة :

مثل عدم الشعور بالمجازية عند الاستعمال في المقيد وكعدم انعقاد الظهور في الاطلاق عند عدم كون المتكلّم في مقام البيان.

قوله ص ٩١ س ١٦ الى تفسير يوفق :

يأتي التفسير المذكور منه قدس‌سره ص ١٧٣.

قوله ص ٩٢ س ٣ وبما ذكرنا من المنهجة والاسلوب :

اي اسلوب البحث بدقة وعمق بالشكل الذي اشرنا الى بعضه في الحالات السابقة الثلاث وعند بيان المقصود من الابحاث التحليلية.

٢٠٣
٢٠٤

ابحاث مستلّة

من التقرير

٢٠٥
٢٠٦

الحقيقة الشرعيّة

٢٠٧
٢٠٨

الحقيقة الشرعيّة (١) :

قوله ٤٤٧ ويعنى بذلك صيرورة بعض الاسماء ... الخ :

ان لفظ الصلاة والزكاة والحج وو ... لها في لغة العرب معان معينة ، فالصلاة تعني الدعاء ، والحج يعني القصد ، والزكاة تعني النمو وهكذا ، وبعد ان جاء الاسلام اعطى لهذه الالفاظ معاني شرعية جديدة لم تكن ثابتة لها سابقا.

وقد وقع الكلام بين الاصوليّين في ان وضع هذه الالفاظ للمعاني الشرعية الجديدة هل تم في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله او حصل في زمن الائمة عليهم‌السلام؟ فان فرض حصول الوضع في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فمعنى هذا ثبوت الحقيقة الشرعية ، وان تم في عهد الائمة عليهم‌السلام فمعنى ذلك عدم ثبوتها بل ثبوت الحقيقة المتشرعية (٢) ، فالحقيقة الشرعية اذن تعني وضع الالفاظ للمعاني الجديدة في خصوص عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاذا قيل لفظ الصلاة حقيقة شرعية في العبادة الخاصة فالمقصود وضعه في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله للمعنى الشرعي.

والفرق بين الحقيقة الشرعية والحقيقة المتشرعية ان الوضع في الاولى يكون

__________________

(١) هذه الابحاث الثلاثة ـ الحقيقة الشرعية ، الصحيح والاعم ، المشتق ـ مستلّة من تقريرات السيد الشهيد وقد نسى قلمه قدس‌سره تسجيلها.

(٢) نسبة الى المتشرعة وهم جميع المسلمين ما عدا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بينما الحقيقة الشرعية نسبة الى الشارع وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٠٩

حاصلا في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله بخلافه في الثانية فانه يكون حاصلا بعد عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وتظهر فائدة هذا البحث فيما اذا ورد مثل لفظ الصلاة في آية او رواية وشك في المقصود منه اهو المعنى الشرعي او المعنى اللغوي فبناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من الحمل على المعنى الشرعي وبناء على عدم ثبوتها لا بد من الحمل على المعنى اللغوي.

ثم ان وضع لفظ الصلاة للمعنى الشرعي يمكن ان يحصل في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باحد طرق ثلاثة :

أ ـ ان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه : وضعت كلمة الصلاة للمعنى الشرعي ، وهذا ما يسمى بالوضع التعييني المباشر.

ب ـ ان يحصل الوضع بسبب كثرة استعمال لفظ الصلاة في المعنى الشرعي وهذا ما يسمى بالوضع التعيني.

ج ـ ان يحصل الوضع بالاستعمال الواحد بحيث يتقارن الاستعمال والوضع من دون ان يتقدم احدهما على الآخر ـ كما اذا خاطب الاب مولوده الجديد : لم تبكي يا علي قاصدا بالاستعمال المذكور وضع لفظ علي له ـ بان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا تجب الصلاة عند الزوال قاصدا بهذا الاستعمال الوضع للعبادة الخاصة.

ثم ان الحديث عن الحقيقة الشرعية يقع في نقطتين :

١ ـ هل هي ثابتة باحد الطرق الثلاث السابقة او لا؟

٢ ـ ثمرة البحث المذكور.

٢١٠

١ ـ ثبوت الحقيقة الشرعيّة :

ان التعرف على ثبوت الحقيقة الشرعية مرهون بثبوت احد الطرق الثلاث السابقة فاذا كان واحد منها ثابتا فلازم ذلك ثبوتها ، ومن هنا يقع الكلام عن ثبوت الطرق المذكورة.

اما الطريق الاول ـ وهو تصريح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فهو باطل لأمرين :

الأوّل : انا لا نسلم اصل تفسير الوضع بتخصيص اللفظ للمعنى بل هو القرن التكويني (١) بينهما ، وعليه فاحتمال حصول الوضع بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خصصت لفظ الصلاة بالعبادة الخاصة باطل.

الثاني : ان تخصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة الصلاة بالعبادة الخاصة لو كان صادرا حقا لنقله التاريخ الينا ، فانه يسجل بعض القضايا الجزئية الواهية

__________________

(١) مرّ في الحلقة الاولى والثانية ان في تفسير حقيقة الوضع عدة اتجاهات منها :

١ ـ ان الوضع عملية انشائية يقوم بها الواضع ، فهو يقول : وضعت هذا اللفظ وخصصته لهذا المعنى ، ويرده : ان عملية الوضع بعد حصولها يصير اللفظ سببا حقيقيا للانتقال الى المعنى فكما ان سببية النار للاحتراق سببية حقيقية وليست اعتبارية كذلك سببية سماع اللفظ للانتقال الى المعنى سببية حقيقية ، وما دامت السببية حقيقية فلا يمكن حصولها بالانشاء والاعتبار فان الذي يمكن حصوله بالانشاء هو الامور الاعتبارية دون الحقيقية ، ومن هنا لا يمكن حصول البرودة من النار وان اعتبر شخص او اشخاص ذلك الف مرة.

٢ ـ ان الوضع عبارة عن الاقتران بين اللفظ والمعنى ، فانه متى ما اقترن شيء بآخر مرارا صار ذلك سببا تكوينيا للانتقال من احدهما الى الآخر ، ولكن بم يحصل الاقتران الذي هو حقيقة الوضع؟ انه يحصل تارة بكثرة الاستعمال واخرى بسبب قضية مهمة مثل قول الأب للناس الحضور سمّيت ولدي عليا ، فالاقتران ـ الذي هو الوضع ـ قضية تكوينيّة تحصل بقضية سابقة وهي قول الاب سميت ولدي عليا.

٢١١

فكيف بمثل هذه القضية المهمة.

واما الطريق الثاني ـ وهو الوضع التعيني بكثرة الاستعمال ـ فهو بحاجة الى اقتران امرين :

أ ـ ان لا يكون المعنى الشرعي لكلمة الصلاة ثابتا قبل الاسلام والاّ كان حقيقة لغوية لا شرعية ، وتحقق ذلك ـ عدم ثبوت المعنى الشرعي قبل الاسلام ـ قابل للمناقشة فان من القريب جدا ثبوت المعاني الشرعية قبل الاسلام ، اذ الجزيرة العربية كانت تضم مختلف اصحاب الديانات كاليهود والنصارى وغيرهم وكانت الصلاة والصوم والحج وو ... بمعانيها الشرعية ثابتة عندهم ، ومما يؤيد ذلك جملة من الآيات كقوله تعالى ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) و ( أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ ... ) و ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فان الآيات المذكورة تدل على ان المعاني الشرعية المذكورة كانت ثابتة قبل الاسلام ، وسيأتي فيما بعد التعليق على هذه المناقشة (١).

ب ـ ان يفرض تكرر استعمال كلمة الصلاة ونظائرها في المعنى الشرعي في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى لسانه بالخصوص حتى يحصل بذلك الوضع التعيني في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ان ثبوت ذلك قابل للتأمل من ناحيتين :

الاولى : انا لا نجزم بتكرر استعمال كلمة الصلاة مثلا في المعنى الشرعي في لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخصوص وانما كثر استعمالها في مجموع لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولسان اصحابه.

الثانية : وعلى تقدير التسليم بتكرر الاستعمال في لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمكن القول بان استعمالها كان مجازا ومع القرينة ، وواضح ان كثرة الاستعمال انما

__________________

(١) ص ٤٥٠ س ٧ ـ ٨ من الحلقة

٢١٢

تجدي في حصول الوضع التعيني فيما لو كان استعمال اللفظ من دون قرينة اما اذا كان مع القرينة فالانس والقرن يحصل بين اللفظ المقيد بالقرينة وبين المعنى الشرعي لا بين اللفظ المجرد عن القرينة والمعنى الشرعي ، والمهم هو الثاني.

بل يمكن ان يدعى ان لفظ الصلاة لم يستعمل في المعنى الشرعي حتى على نحو المجاز وانما هو مستعمل في المعنى اللغوي وهو الدعاء واستفادة الاجزاء والشرائط تتم من خلال دوال اخرى عليها ، كما لو قيل هكذا « الصلاة واجبة مع الركوع والسجود وو ... » فكلمة الصلاة مستعملة في الدعاء الذي هو احد اجزاء الصلاة لا في المعنى الشرعي ، ومن الواضح ان هذا لا ينفع اذ القرن حينئذ يتحقق بين لفظ الصلاة والدعاء لا بين لفظ الصلاة والمعنى الشرعي ، والمهم هو الثاني.

والمناقشة من كلتا الناحيتين قابلة للدفع.

اما الاولى فلأن اللازم حصول الاستعمال المتكثر في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء كان في لسانه بالخصوص ام في مجموع لسانه ولسان اصحابه ، فان الحقيقة الشرعية يقصد بها ثبوت الوضع في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بلسانه بالخصوص.

واما الثانية فلأن لفظ الصلاة متى ما قرن كثيرا بالمعنى الشرعي ـ ولو كان مع القرينة او الدوال الأخر ـ حصل الوضع وكانت كلمة الصلاة المجردة عن القرينة والدوال الأخر مختصة بالمعنى الشرعي ، فان الاستعمال المتكثر في البداية وان كان مع القرينة الاّ انه بعد ذلك يصير اللفظ المجرد موضوعا للمعنى.

ان قلت : ان الاستعمال المتكثر اذا كان مع القرينة او الدوال الأخر فالانس يحصل بين اللفظ المقيد بالقرينة او الدوال وبين المعنى لا بين اللفظ المجرد والمعنى.

قلت : ان القرينة والدوال بما انها ليست واحدة في جميع الاستعمالات بل

٢١٣

هي تختلف في استعمال عنه في استعمال آخر فلا يحصل الانس بين المعنى وبين القرينة والدوال ، وهذا بخلاف لفظ الصلاة فانه لما كان في جميع الاستعمالات واحدا فالانس يحصل بينه وبين المعنى (١).

واما الطريق الثالث ـ وهو ثبوت الوضع بالاستعمال الواحد ـ فقد يقرّب بان كل عاقل اذا اخترع معنى معينا فانه يضع لفظا له ، فمن اخترع قرص الاسپرين وضع له لفظ الاسپرين ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث انه احد العقلاء بل سيدهم فلا بد وان يضع لفظا للمعنى الشرعي المخترع ، والوضع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله يحصل باحد شكلين فاما ان يقول وضعت لفظ الصلاة للمعنى الشرعي واما ان يستعمل بقصد الوضع ، ولما كان الاول بعيدا ـ حيث لم ينعكس في كتب التاريخ ـ تعيّن الثاني وهو المطلوب.

هذا ويمكن المناقشة في التقريب المذكور بان اتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لطريقة العقلاء المذكورة وان كان امرا وجيها الاّ انه لما لا يلزم من عدم اتباعه لها محذور باطل فلا يمكن حصول القطع بذلك بل اقصى ما يحصل الظن وهو لا يغني من الحق شيئا.

وقد يقال انه يمكن اجراء تعديل على التقريب المذكور فيقال : ان ظاهر كل عاقل عند اختراعه معنى معينا وضع لفظ له وعدم تركه بلا وضع ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث اخترع معنى الصلاة فظاهر حاله وضع لفظ له ، وعليه فنحن لا ندعي فقط حصول الظن بوضع اللفظ للمعنى الشرعي حتى يقال انه لا يغني من الحق شيئا وانما ندعي ظهور الحال في ذلك ، ومن الواضح ان الظهور كما سيأتي

__________________

(١) من خلال هذا اتضح ان ثبوت الحقيقة الشرعيّة بواسطة الطريق الثاني وهو الوضع التعيني امر وجيه.

٢١٤

حجة بكلا قسميه اللفظي والحالي.

ويرد على التعديل المذكور : ان دعوى ظهور الحال في وضع اللفظ للمعنى الشرعي المخترع انما تتم لو فرض ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اخترع المعاني الشرعية حتى يكون ظاهر حاله وضع الالفاظ لها ، بيد انه يمكن القول بعدم اختراعه لها وكونها موجودة سابقا بالتقريب المتقدم.

الاستغناء بالحقيقة اللغوية عن الحقيقة الشرعية :

وقد يقال : ان هذه المعاني الشرعية اذا كانت ثابتة سابقا فلازم ذلك كون لفظ الصلاة مثلا موضوعا للمعنى الشرعي غاية الامر في لغة العرب لا بعد الاسلام ، وهذا المقدار يكفينا ، فان الغرض من البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية حمل لفظ الصلاة على المعنى الشرعي اذا استعمل بلا قرينة ، وهذه الفائدة تحصل بالوضع الثابت قبل الاسلام ايضا.

ويرده :

أ ـ ان اقصى ما نعترف به هو وجود المعاني الشرعية قبل الاسلام بدون الالتزام بوضع الالفاظ الخاصة لها ، فلعل الصلاة العيسوية كانت مغايرة للصلاة الاسلامية ولم تكونا صنفين من مركب واحد وكان استعمال كلمة الصلاة الموضوعة للمعنى الشرعي القديم ـ وهو الصلاة العيسوية مثلا ـ في الصلاة الاسلامية مجازا.

ب ـ وعلى تقدير التسليم بوضع لفظ الصلاة قبل الاسلام للصلاة الاسلامية فلا نسلم بان المعنى الاول ـ وهو الدعاء ـ قد هجر بل من المحتمل وضع اللفظ على سبيل الاشتراك اللفظي للدعاء والصلاة الاسلامية ، وهذا المقدار لا ينفعنا

٢١٥

لانا نريد حمل لفظ الصلاة على المعنى الشرعي عند عدم القرينة ، ومع تعدد المعنى لا يمكن حمل اللفظ على احد المعاني بلا قرينة ، وهذا بخلاف ما لو كان معنى الصلاة قد اخترعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووضع اللفظ له فان طريقة العقلاء بعد اختراع المعنى الجديد تقتضي هجر المعنى السابق ووضع اللفظ للمعنى المخترع بخصوصه.

وبعد كل هذا هل الحقيقة الشرعية ثابتة.

وبعد هذا الحديث الطويل هل الصحيح ثبوت الحقيقة الشرعية او لا؟ الصحيح ثبوتها فان الاحتمالات الموجودة ثلاثة ، وعلى تقدير جميعها يلزم ثبوتها.

١ ـ ان لا تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام وانما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اخترعها ، ولازم هذا الاحتمال وضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله الالفاظ لها ، اذ تقدم ان ظاهر كل عاقل عند اختراعه لمعنى وضع اللفظ له ، وبذلك تكون الحقيقة الشرعية ثابتة.

٢ ـ ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام بهذه الالفاظ المتداولة اليوم ، فلفظ الصلاة مثلا كان موضوعا للمعنى الشرعي قبل الاسلام ، وهذا المقدار يكفي لتحقق الحقيقة غاية الامر اللغوية دون الشرعية ، ومما يقوّي هذا الاحتمال القرينتان المتقدمتان وهما :

أ ـ ان اصحاب الديانات كانوا موجودين في شبه الجزيرة قبل الاسلام وكانت العبادات المذكور متداولة بينهم ولو بشكل آخر غير ما هو المعهود اليوم.

ب ـ ان الآيات القرآنية السابقة تشهد بوجود المعاني الشرعية قبل الاسلام بالفاظها المتداولة اليوم ، بل انه بالنسبة للحج يمكن القطع بتداوله بلفظ

٢١٦

الحج ، ومن هنا سمّيت السّنة بالحجّة باعتبار ان كل سنة واحدة تشتمل على حج واحد.

٣ ـ ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام بالفاظ آخر غير ما هو المتداول اليوم ، وبناء عليه تكون الحقيقة الشرعية ثابتة ايضا ، اذ من المحتم كثرة استعمال الالفاظ في المعاني الشرعية بعد الاسلام بدرجة يحصل الوضع التعيني زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٢ ـ ثمرة القول بالحقيقة الشرعية :

والنقطة الثانية التي يراد بحثها هي ثمرة ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه ، وحاصلها على ما تقدم : انه لو ورد نص فيه كلمة الصلاة بدون قرينة تشخّص ارادة المعنى اللغوي او الشرعي فانه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من حملها على المعنى الشرعي والا فعلى المعنى اللغوي.

والميرزا قدس‌سره انكر هذه الثمرة وقال : ان الاحاديث التي تشتمل على كلمة الصلاة مثلا ان وردت من الائمة عليهم‌السلام فلا اشكال في حملها على المعنى الشرعي لتمامية الوضع لذلك ـ المعنى الشرعي ـ في عهدهم عليهم‌السلام ، وان وردت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فبما ان احاديثه الشريفة ترد عادة من

__________________

(١) قد يقال بوجود احتمال رابع ، وهو ان تكون المعاني الشرعية ثابتة قبل الاسلام مع افتراض ان لفظ الصلاة ونحوها كان موضوعا لها وللمعنى اللغوي على سبيل الاشتراك اللفظي.

وهذا الاحتمال صحيح ولكن على تقديره تكون الحقيقة الشرعية ثابتة ايضا ، اذ كثرة استعمال كلمة الصلاة في المعنى الشرعي بعد الاسلام تستدعي هجر المعنى اللغوي والاختصاص بالشرعي.

٢١٧

طريق الائمة عليهم‌السلام لا مباشرة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله دون توسطهم عليهم‌السلام فاللازم الحمل على المعنى الشرعي ايضا لما تقدم من حصول الوضع في عهدهم عليهم‌السلام جزما ، اذن على كلا التقديرين لا بد من الحمل على المعنى الشرعي ولا احتمال لارادة المعنى اللغوي حتى يحتاج الى البحث عن الحقيقة الشرعية.

ويرده :

أ ـ ان احاديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ينقلها الامام عليه‌السلام بنصها والفاظها بدون اي تصرف تيمنا وتبركا ومعه تتم ثمرة البحث عن الحقيقة الشرعية ، وانما تنعدم لو كان عليه‌السلام ينقل مضمون حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعناه.

ب ـ قد ترد كلمة الصلاة مثلا في نص قرآني ، وفي مثله تظهر الثمرة فانه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية لا بد من الحمل على المعنى الشرعي والاّ فعلى اللغوي (١).

قوله ص ٤٤٧ س ١ حقائق :

اي موضوعة.

قوله ص ٤٤٧ س ٢ من قبل الشارع :

متعلق بالحقائق ، وكان المناسب وصله بها ، اي : حقائق من قبل الشارع في المعاني الخاصة المخترعة.

قوله ص ٤٤٧ س ٣ يحمل عليه :

__________________

(١) هذا ويمكن انكار الثمرة بتقريب انه لم ترد كلمة الصلاة في حديث وهي مرددة بين المعنى الشرعي واللغوي ، بل سياق الحديث يشهد دائما بتعيين المراد.

٢١٨

المناسب : تحمل عليها.

قوله ص ٤٤٨ س ٩ في الجملة :

اي وان لم تكن بهذه التفاصيل والخصوصيات التي عليها صلاتنا اليوم.

قوله ص ٤٤٨ س ١٠ ومما يعزز :

اي يدل عليه.

قوله ص ٤٤٨ س ١٣ وسوف يأتي التعليق :

وذلك ص ٤٥٠ بقوله : الاّ انه غير تام فانه بناء على سبق تلك المعاني الشرعية ... الخ.

قوله ص ٤٤٨ س ١٥ والمتشرعة :

اي اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الموجودين في عصره.

قوله ص ٤٤٨ س ١٩ الجامعة :

فان المعنى اللغوي للصلاة مثلا هو الدعاء ، وهو معنى كلي جامع يصدق على الصلاة وغيرها ، كما ويصدق على جميع اجزاء الصلاة فالقراءة دعاء والقنوت دعاء وو ....

قوله ص ٤٤٨ س ٢٢ في عصر التشريع :

الذي هو عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قوله ص ٤٤٩ س ١ وهذا محرز بحسب الفرض :

اذ سلّم فيما سبق ان الاستعمالات في مجموع لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه تبلغ درجة الوضع التعيني.

قوله ص ٤٤٩ س ٥ لكونه العنصر غير المتغير :

اي لكون لفظ الصلاة ... الخ ، وكان المناسب ان يقال : وهو حاصل لكونه

٢١٩

العنصر ... الخ.

قوله ص ٤٤٩ س ١٢ واما من خلال الاستعمال :

اي قصد حصول الوضع بالاستعمال الواحد.

قوله ص ٤٥٠ س ٤ حقائق لغوية او عرفية :

فان المعاني الشرعية ان كانت ثابتة قبل الاسلام في لغة العرب فالحقيقة لغوية ، وان كانت ثابتة بين الناس ولو من غير العرب كاليهود والنصارى فالحقيقة عرفية.

قوله ص ٤٥٠ س ٩ مشتركة بينهما :

اي بين الدعاء والصلاة الاسلامية.

قوله ص ٤٥٠ س ١١ ولو في عرف المخترع :

اي ان المخترع بعد اختراعه المعنى لا بد له من هجر المعنى السابق ووضع اللفظ للمعنى المخترع الجديد ولا يلزم في الهجر ان يكون بين جميع الناس بل يكفي حصوله ولو عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقط فان الاثر يترتب على هجره صلى‌الله‌عليه‌وآله للمعنى السابق والوضع للمعنى الجديد.

قوله ص ٤٥٠ س ١٦ بشكل وآخر :

اي ان ثبوت الصلاة قبل الاسلام اما ان يكون بهذا الشكل المتداول بيننا اليوم او بشكل آخر.

قوله ص ٤٥٠ س ٢٢ المتعينة :

اي يتعيّن كون اللفظ حقيقة لغوية في المعنى الشرعي ولا يحتمل غير ذلك.

قوله ص ٤٥١ س ١ في الجملة :

اي ولو بغير التفاصيل التي عليها صلاتنا اليوم.

٢٢٠