الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

جواز الاسناد

١٨١
١٨٢

اثبات الامارة لجواز الاسناد :

قوله ص ٨٢ س ١٢ يحرم اسناد ما لم يصدر ... الخ :

اذا دل خبر الثقة على ان العصير العنبي يحرم ان غلا فهل يجوز اسناد الحكم المذكور الى الله سبحانه فنقول : حكم عزّ وجلّ بحرمة العصير المغلي بعد وضوح ان الخبر لا يفيد القطع بمضمونه بل الظن ، وهكذا هل يجوز اسناد حجّية الخبر اليه تعالى فنقول : حكم عزّ وجلّ بان الخبر حجّة.

وللجواب عن ذلك نقول : انه يوجد لدينا حرمتان :

أ ـ حرمة الكذب اي حرمة اسناد حكم لم يصدر من الشارع المقدس واقعا اليه.

ب ـ حرمة الافتراء والتشريع اي حرمة اسناد حكم لا يعلم بصدوره من الشارع اليه.

واذا دققنا النظر في الحرمتين المذكورتين وجدنا الحرمة الاولى منصبة على الحكم الذي لم يصدر واقعا ، فكل حكم لم يصدر واقعا من الشارع تكون نسبته اليه كذبا من دون مدخلية للقطع في ذلك وانما دور القطع دور الطريق والمنجّز لا اكثر بينما الحرمة الثانية منصبة على الحكم الذي لا يعلم بصدوره فكل حكم لا يعلم بصدوره تكون نسبته للشارع تشريعا وافتراء حتى وان كان صادرا منه واقعا ، وعلى هذا فالقطع موضوعي بالنسبة الى هذه الحرمة بينما هو طريقي بالنسبة الى الاولى.

١٨٣

وباتضاح هذا نقول : ان الدليل الدال على حرمة العصير تارة يفرض كونه مفيدا للقطع بالحكم كما هو الحال في الخبر المتواتر واخرى يفرض افادته للظن كما هو الحال في خبر الثقة.

فان فرض افادته للقطع جاز نسبة الحكم الى الله سبحانه من دون لزوم محذور حرمة الكذب ولا محذور حرمة التشريع لان المفروض حصول القطع بالحكم.

اما اذا فرض افادته الظن فلا اشكال في جواز نسبة الحجّية الى الشارع فنقول : حكم الشارع بحجّية خبر الثقة لان الحجّية ـ التي هي حكم ظاهري ـ لا تثبت الا بالقطع فما لم نقطع بحجّية الخبر فلا يكون حجّة لما تقدم من ان الظن لا يكون حجّة الا مع القطع بحجّيته ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال في جواز نسبة حرمة العصير الى الشارع بعد فرض عدم القطع بها.

والصحيح هو التفصيل بين الحرمتين فحرمة الكذب منتفية بينما حرمة التشريع ثابتة.

اما ان حرمة الكذب منتفية فلأن القطع بالنسبة اليها طريقي اي لوحظ بما هو منجّز ومعذّر ، ومن الواضح ان الامارة منجّزة ومعذّرة كالقطع الطريقي فكما انه لو قطع المكلّف بثبوت حرمة العصير جازت نسبتها الى الشارع وكان معذورا على تقدير عدم ثبوتها واقعا كذلك لو قامت الامارة على الحرمة جازت نسبتها الى الشارع وكانت الامارة عذرا على تقدير عدم ثبوتها واقعا.

ولرب قائل يقول : ان الحرمة الاولى ثابتة لعنوان الكذب فلا بد من احراز انتفاء الكذب لتنتفي بذلك الحرمة ، ومجرّد كون الامارة منجّزة ومعذّرة لا يجدي لنفي عنوان الكذب.

١٨٤

والجواب : ان خبر الثقة اذا دل على حرمة العصير المغلي فهو دال بالمطابقة على حرمة العصير وبالالتزام على ان من اخبر عن الحرمة فهو ليس بكاذب ، ودليل حجّية خبر الثقة كما يدل على حجّيته في مدلوله المطابقي يدل على حجّيته في مدلوله الالتزامي وبذلك يحرز انتفاء عنوان الكذب (١). هذا كله بالنسبة الى الحرمة الاولى.

واما بالنسبة الى الحرمة الثانية فقد قلنا هي ثابتة لانها منصبة على الحكم الذي لا يعلم بصدوره ، ومن الواضح ان حرمة العصير لا تصير معلومة بمجرد دلالة خبر الثقة عليها ، اجل يمكن التخلص من ذلك باحد طريقين :

١ ـ ان نأخذ بمسلك الميرزا القائل بقيام الامارة مقام القطع الموضوعي الصفتي ، فاذا اخبر الثقة بحرمة العصير صار المكلّف كانه عالم ١٠٠% بذلك ومعه يجوز نسبة الحرمة الى الشارع.

٢ ـ ان يقال ان حرمة الافتراء لا تعم صورة دلالة الامارة على حرمة العصير من جهة قيام اجماع الفقهاء وسيرة المسلمين على اسناد مضمون الخبر الى الشارع بدون توقف من ناحية حرمة التشريع ، فالخطباء على المنابر والفقهاء كثيرا ما يقولون : قال الله ... ولا مستند لهم سوى اخبار الثقات.

قوله ص ٨٢ س ١٢ اسناد ما لا يعلم ... الخ :

وبالأولى يتحقق الافتراء في صورة العلم بعدم الصدور فتخصيص صوره

__________________

(١) ان قلت : ان اللازم المذكور لازم غير شرعي اذ لا توجد اية او رواية تقول ان الامارة اذا دلت على الحرمة فالاخبار عنها لا يكون كذبا وانما العقل هو الحاكم بذلك.

قلت : ان اللازم المذكور وان لم يكن شرعيا الا انه تقدم خلافا للسيد الخوئي حجّية الامارة في لوازمها غير الشرعية.

١٨٥

عدم العلم بالصدور بالذكر من باب التنبيه على الفرد الخفي.

قوله ص ٨٣ س ٢ وهو طريق الى احد النفيين :

اي ان القطع طريق لنفي الحرمة الاولى وموضوع لنفي الحرمة الثانية.

قوله ص ٨٣ س ٤ نفس الحكم الظاهري :

وهو الحجّية كما تقدمت الاشارة الى ذلك ص ٣٢ س ١٢ من الحلقة.

قوله ص ٨٣ س ٨ غير ان انتفاء الحرمة الاولى كذلك :

اي بدليل حجّية الامارة.

١٨٦

ابطال

طريقية الدليل

١٨٧
١٨٨

ابطال طريقية الدليل :

قوله ص ٨٤ س ١ كل نوع من انواع الدليل ... الخ :

نسب الى الاخباريين القول بان القطع الحاصل من مقدمات عقلية ليس حجّة وانما الحجّة هو القطع الحاصل من الكتاب والسنة ، فالقطع بوجوب المقدمة مثلا اذا حصل من حكم العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فهو ليس حجّة ، اما اذا حصل من دلالة آية او رواية فهو حجّة ، واستندوا في ذلك الى روايات كثيرة تنهى عن الاخذ بالعقل.

واورد عليهم اعلام الاصوليّين بان القطع حجّة ومنجّز ولا يمكن سلب ذلك عنه مهما كان السبب لحصوله والاّ يلزم اجتماع المتناقضين في نظر القاطع كما تقدم ص ٥١ من الحلقة ، فاذا حكم العقل بالملازمة وحصل القطع بوجوب المقدمة فلا يمكن للشارع سلب الحجّية عنه والحكم بعدم وجوب المقدمة للزوم اجتماع الوجوب وعدمه في نظر القاطع.

اجل هناك طريقة يمكن بواسطتها سلب المنجّزية عن القطع الحاصل من العقل وهي تحويل القطع من كونه طريقا الى كونه موضوعا بان يقول المولى هكذا : اذا قطعت بتشريع وجوب المقدمة من طريق الكتاب والسنة ـ او من غير طريق العقل ـ فحينئذ يصير وجوب المقدمة عليك فعليا (١) ، فيؤخذ حصول القطع بالتشريع من غير طريق العقل في موضوع الوجوب الفعلي فمتى ما تحقق القطع

__________________

(١) تشريع الحكم هو ما يصطلح عليه بالجعل ، والحكم الفعلي هو ما يصطلح عليه بالمجعول.

١٨٩

بالتشريع من طريق العقل لم يصر الوجوب فعليا ومتى ما تحقق من طريق الشرع صار فعليا ، انه بناء على هذه الطريقة لم تسلب المنجّزية عن القطع بعد حصوله وانما حيل دون حصوله فالقطع بالحكم الفعلي لا يحصل متى ما كان القطع بالتشريع حاصلا من العقل.

لا يقال : ان القطع بالحكم الفعلي وان لم يحصل الاّ ان القطع بالتشريع والجعل حاصل.

فانه يقال : ان القطع المنجّز هو القطع بالحكم الفعلي دون القطع بالجعل ، فما اكثر حصول القطع بالجعل ومع ذلك لا يتنجّز كالقطع بتشريع وجوب الحج على المستطيع فانه لا يكون منجّزا ما دامت الاستطاعة لم تحصل بالفعل ولم يصر وجوب الحج فعليا.

ان هذه الطريقة لسلب المنجّزية عن القطع بتحويله من طريقي الى موضوعي رغم انها طريقة معقولة بيد انها لا تنفع الاخباري شيئا اذ نقول له انك حينما تقول بعدم حجّية القطع العقلي فهل تقصد انه ليس حجّة بدون تحويله من الطريقية الى الموضوعية او تقصد ذلك بعد التحويل المذكور؟ فان كنت تقصد الاول فهو غير ممكن لان سلب المنجّزية عن القطع بعد حصوله يلزم منه اجتماع المتناقضين في نظر القاطع كما تقدم ، وان كنت تقصد الثاني فهو ممكن الا ان وقوعه غير ثابت اذ لم يثبت من الشارع تحويل القطع العقلي من الطريقية الى الموضوعية لعدم دلالة آية او رواية على ذلك ، ومن الواضح ان مجرد امكان الشيء لا يثبت به وقوعه بل يحتاج وقوعه الى الدليل وهو مفقود في المقام.

قوله ص ٨٤ س ٤ بان يؤخذ عدم قيام الدليل الخاص :

اي عدم قيام الدليل العقلي على الجعل والتشريع في موضوع الحكم الفعلي.

١٩٠

قوله ص ٨٤ س ٥ في ذلك الجعل :

متعلق بالمجعول.

قوله ص ٨٥ س ١ علم مخصوص بالجعل :

اي العلم بالجعل من طريق الشرع.

قوله ص ٨٥ س ١ او أخذ عدمه :

اي اخذ عدم علم مخصوص قيدا في الحكم الفعلي بان يؤخذ عدم القطع العقلي بالجعل في موضوع الوجوب المجعول.

قوله ص ٨٥ س ٢ ولا يلزم من كل ذلك دور :

فانه انما يلزم لو اخذ عدم القطع العقلي بالحكم الفعلي في موضوع نفس الحكم الفعلي ، اما اذا اخذ عدم القطع العقلي بالجعل في موضوع الحكم المجعول ـ اي الحكم الفعلي ـ فهو معقول كما مرّ في الحلقة الثانية ص ٢٦٢ اذ ثبوت الحكم الفعلي وان كان موقوفا على القطع بالجعل من الشرع الاّ ان القطع بالجعل من الشرع لا يتوقف على ثبوت الحكم الفعلي.

قوله ص ٨٥ س ٤ فقط :

واما المستند الى الشرع والعقل معا فهو حجّة.

قوله ص ٨٥ س ٧ فهو ممكن ثبوتا :

اي واقعا.

تقسيم البحوث في الادلة المحرزة :

قوله ص ٨٥ س ١٤ وسنقسّم البحث في الادلة المحرزة :

تقدم ص ٤٥ تقسيم الابحاث الاصولية بشكل عام الى اربعة اقسام :

١٩١

الاول : البحث عن القطع.

الثاني : البحث عن الامارات.

الثالث : البحث عن الاصول العملية.

الرابع : البحث عن التعارض.

وكان الكلام فيما سبق يدور عن البحث الاول ، ومن الآن يقع عن الامارات التي قد يعبر عنها بالادلة المحرزة او الادلة الاجتهادية ، وفي البداية لا بد من معرفة منهجة الحديث عن الامارات كي نكون على اطلاع مسبق وبصورة اجمالية على ما يتعرض له فيما بعد.

ان الدليل ينقسم الى دليل شرعي ودليل عقلي ، اما الدليل العقلي فيأتي البحث عنه ص ٢٦٨ ، والدليل الشرعي تارة يكون لفظيا كالآيات والروايات واخرى غير لفظي كسيرة المتشرعة وتقرير المعصوم عليه‌السلام او فعله.

والابحاث التي تطرح في الدليل الشرعي بكلا قسميه ـ اللفظى وغير اللفظي ـ ثلاثة :

أ ـ البحث عن دلالات كلية يشخص بها معنى الدليل والمقصود منه ، فيقال مثلا : هل الامر ظاهر في الوجوب او لا؟ وهل الجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم او لا؟ وفعل المعصوم عليه‌السلام هل يدل على الوجوب او لا؟ وهكذا.

ب ـ البحث عن كيفية اثبات صدور الدليل كقول المعصوم عليه‌السلام او فعله او تقريره ، وهذا هو البحث المعروف بمباحث الحجج فانه لو قلنا بحجّية خبر الثقة مثلا وجب الحكم بصدور الخبر من الامام عليه‌السلام وان لم نجزم بذلك.

ج ـ البحث عن حجّية الظواهر فانه اذا ثبت في البحث الاول ظهور الامر في الوجوب مثلا يبحث هنا عن حجّية ذلك الظهور وعدمها.

١٩٢

والمنهجة بهذا الشكل تقدمت في الحلقة السابقة ويراد الجري على منوالها هنا ايضا.

قوله ص ٨٦ س ٥ ضوابط عامة :

واما الضوابط الخاصة مثل ان كلمة الصعيد ظاهرة في مطلق وجه الارض فالبحث عنها ليس اصوليا كما سيأتي ص ٨٧.

قوله ص ٨٦ س ٦ لدلالته وظهوره :

العطف هنا تفسيري.

قوله ص ٨٦ س ٦ في ثبوت صغراه :

اي صغرى الدليل ومصداقه.

١٩٣
١٩٤

الدلالات

الخاصّة والمشتركة

١٩٥
١٩٦

الدلالات الخاصّة والمشتركة :

ظواهر الالفاظ التي يعبر عنها بالدلالات على قسمين فبعضها يختص بمجال واحد مثل ظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الارض ، وبعضها لا يختص بمجال واحد مثل ان الامر ظاهر في الوجوب وان اسم الجنس ـ كلفظ رقبة ـ المجرّد عن التقييد بالمؤمنة ظاهر في ارادة مطلق الرقبة ، وهلم جرّا.

والقسم الاول لا يبحث عنه الاصولي لانه ليس عنصرا مشتركا في مقام الاستنباط فظهور كلمة الصعيد في مطلق وجه الأرض مثلا ينتفع به في خصوص الحكم المترتب على كلمة الصعيد لا اكثر ، وهذا بخلافه في القسم الثاني فانه عنصر مشترك ، فقضية الامر ظاهر في الوجوب ينتفع منها الاصولي من اول الفقه الى آخره.

اذن الاصولي يبحث عن الدلالات المشتركة التي تشكّل عنصرا مشتركا في مقام الاستنباط دون الدلالات الخاصة فان البحث عنها وظيفة اللغوي.

ولرب قائل يقول : ان الاصولي لا يليق به البحث عن الدلالات بما في ذلك الدلالات المشتركة فان علم الاصول علم مبتن على الدقة والتفكير والعمق ، ومن الواضح ان اثبات دلالة اللفظ على معنى معين لا يحتاج الى دقة وعمق ، بل يثبت بطرق واساليب بسيطة مثل التبادر والرجوع الى قول اهل اللغة ، فصيغة الامر متى ما تبادر منها الوجوب او نصّ اهل اللغة على وضعها له ثبتت بذلك دلالتها عليه بلا حاجة الى بحث من الاصولي.

١٩٧

والجواب : ان بعض مباحث الدلالات تستحق الدقة والعمق ، والاصولي يبحث عنها من هذا الجانب ، ولتوضيح ذلك تقول : ان الابحاث اللفظية ـ الابحاث عن الدلالات ـ على قسمين :

١ ـ بحوث لغوية. وهي بحوث عن تحديد المعاني اللغوية للالفاظ مثل ان الامر ظاهر في الوجوب او لا؟ والجملة الشرطية ظاهرة في المفهوم او لا؟ وهكذا ، ومثل هذه الابحاث قد يشتمل على الدقة والعمق في بعض الحالات كما سنوضح ذلك بعد قليل.

٢ ـ بحوث تحليليّة. مثل قولنا زيد في الدار ، فان معنى هذه الجملة واضح لكل انسان له ادنى المام باللغة العربية ولا جهل فيها من حيث المعنى اللغوي بيد انه لو دققنا فيها قليلا وجدنا ان المعنى المقابل لكلمة زيد واضح وهو ذات زيد وهكذا المعنى المقابل لكلمة الدار ولكن ما هو المعنى المقابل لكلمة في؟ ان هذا فيه شيء من الخفاء ، ولم ينشأ هذا الخفاء من عدم وضوح المعنى اللغوي لكلمة في ، فان معناها ضمن الجملة المذكورة واضح ويستغرب الانسان العربي لو سئل عن معناها ، وما ذاك الاّ لوضوحه ، غير انه لو اردنا معرفة المعنى المقابل لكلمة ( في ) في الجملة المذكورة بالدقة عسر علينا ذلك ، وجاءت ارآء اصولية متعددة في تحديده ، فقيل انها موضوعة لتحصيص المعاني الاسمية كما اختاره السيد الخوئي ، وقيل بان معناها نفس معنى الاسم كما اختاره الآخوند ، وقيل : ان معناها هو النسبة والربط كما اختاره المشهور.

وباختصار ان الابحاث اللفظية على قسمين فبعضها لغوى وبعضها الآخر تحليلي يحلل فيه معنى الجملة ليتجلى بالدقة المعنى المقابل للحرف.

١٩٨

الابحاث اللغوية :

والبحوث اللغوية تعني ـ كما تقدم ـ البحث عن المعاني اللغوية للالفاظ ، وهناك حالات تتضمن الدقة والعمق يقوم ببحثها الاصولي ، وعلى سبيل المثال دون الحصر نذكر ثلاث حالات :

١ ـ احيانا يوجد قانون عرفي مقبول لدى الجميع غير انه يحتاج تطبيقه على بعض المصاديق لاعمال الدقة.

وعلى سبيل المثال مقدمات الحكمة فانها قانون عرفي فالكل يعرف ان لفظ رقبة متى ما استعمل من دون تقييده بقيد معين دل على الاطلاق ، والاصولي لا يحتاج الى بحث القانون المذكور بعد عرفيته الواضحة بيد ان تطبيقه على صيغة الامر لاستفادة الوجوب النفسي في مقابل الغيري والتعييني في مقابل التخييري قد يحتاج الى تدقيق الاصولي ، فلو قال المولى اكنس الغرفة وشك في كون الكنس واجبا غيريا كمقدمة للدرس او واجبا نفسيا (١) فقد يتمسك باطلاق الصيغة لاستفادة الوجوب النفسي بتقريب انه لو كان غيريا فاللازم تقييد وجوب الكنس بما اذا كان هناك درس لان الوجوب الغيري وجوب مقيّد وحيث ان الطلب لم يقيد فاطلاقه كاشف عن كون الوجوب نفسيا.

وهكذا الحال لو شكّ في كون وجوب الكنس وجوبا مخيرا بينه وبين قراءة القرآن او وجوبا تعيينا لا يسقط حتى مع قراءة القرآن فانه قد يقال باستفادة الوجوب التعييني من الصيغة اذ لو كان الكنس واجبا تخييريا لقيّد وجوبه بما اذا لم يقرأ القرآن وحيث لم يقيّد كشف ذلك عن كونه تعيينيا.

__________________

(١) والثمرة تظهر فيما لو كان الدرس معطّلا في يوم فان وجوب الكنس يسقط لو كان غيريا بخلافه لو كان نفسيا.

١٩٩

انا لو لا حظنا هذا المثال لوجدنا ان قانون مقدمات الحكمة وان كان عرفيا لا يحتاج الى دقة الاصولي الا ان تطبيقه في المثال يحتاج الى ذلك فانه موقوف على التعرّف على حقيقة الوجوب التخييري والغيري وانه وجوب مقيد بما اذا لم يؤت بالعدل وبما اذا كان وجوب ذي المقدمة ثابتا بخلاف الوجوب التعييني والنفسي فانه مطلق ، ان التعرف على حقيقة الوجوب الغيري والتخييري لا يمكن بدون الاستعانة بتدقيقات الاصولي.

٢ ـ ان يفرض ان لفظا معينا ظاهر في معنى معيّن ولا يشك في ظهوره فيه وانما يشك في منشأ الظهور اهو الوضع او مقدمات الحكمة؟ فقد يحتاج احد الاحتمالين الى اعمال الاصولي دقته ، مثال ذلك اسم الجنس كلفظ رقبة فانه ظاهر في الاطلاق جزما ولكن وقع النزاع في منشأ الظهور الاطلاقي فهل هو الوضع بمعنى ان كلمة رقبة موضوعة لطبيعة الرقبة مع قيد الاطلاق بحيث يكون الاطلاق مدلولا وضعيا كما هو رأي الاعلام قبل سلطان العلماء (١) او هو ناشىء من مقدمات الحكمة بمعنى ان كلمة رقبة موضوعة لذات الرقبة من دون قيد الاطلاق وانما يثبت بواسطة مقدمات الحكمة كما هو الرأي السائد من زمان سلطان العلماء الى يومنا هذا ، وبناء عليه يكون الاطلاق مدلولا حكميا (٢).

ويأتي دور الاصولي لاثبات احد الاحتمالين عن طريق تجميع بعض

__________________

(١) وبناء على ذلك لا يحتاج اثبات الاطلاق الى اعمال مقدمات الحكمة اذ الاطلاق يثبت بنفس الوضع ويترتب على ذلك ايضا كون الاستعمال في مواضع التقييد مجازا ، فكلمة رقبة في قولنا اعتق رقبة مؤمنة يكون مجازا لانها لم تستعمل في تمام المعنى الموضوع له وهو الطبيعة بقيد الاطلاق.

(٢) وبناء عليه يكون الاستعمال في موارد التقييد حقيقة اذ تبقى كلمة الرقبة مستعملة في ذات الرقبة وقيد الايمان مستفاد من دال آخر وهو لفظ مؤمنة.

٢٠٠