الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

حجّية

العلم الاجمالي

١٢١
١٢٢

حجّية العلم الاجمالي :

قوله ص ٥٤ س ١٧ كما يكون القطع التفصيلي حجّة ... الخ :

تارة يكون العلم تفصيليا واخرى اجماليا ، فلو قطع بثبوت الوجوب لصلاة الجمعة فهو علم تفصيلي ، اما لو قطع بثبوته اما للظهر او للجمعة فهو اجمالي.

والحديث السابق كان يدور عن العلم التفصيلي ، واتضح فيه ثبوت المنجّزية له والمعذّرية واستحالة سلبهما عنه ، والآن نريد التحدث وباختصار عن العلم الاجمالي.

وفي البداية نطرح التساؤل التالي : هل العلم الاجمالي حجّة او لا؟

والجواب : ان هذا التساؤل يمكن تشقيقه الى شقّين :

١ ـ اذا قطع بتعلّق الوجوب اما بالظهر او الجمعة فهل يحرم ترك كلتا الصلاتين او لا؟ وبتعبير آخر هل تحرم المخالفة القطعية او لا؟

٢ ـ اذا قلنا بعدم جواز ترك كلتا الصلاتين فهل يحرم ترك الواحدة منهما ايضا او لا؟ وبتعبير آخر هل تجوز المخالفة الاحتمالية بترك احدى الصلاتين او تجب الموافقة القطعية بالاتيان بكلتيهما؟

اذن البحث في العلم الاجمالي يقع مرة في حرمة المخالفة القطعية واخرى في وجوب الموافقة القطعية.

والحديث عن حرمة المخالفة القطعية يقع في امرين (١) :

__________________

(١) واما الحديث عن وجوب الموافقة القطعية فقد ارجأه قدس‌سره كعادة باقي الاصوليّين الى ـ

١٢٣

أ ـ هل العلم بوجوب اما الظهر او الجمعة يقتضي لزوم الاتيان بواحدة على الأقل او لا؟ وبتعبير آخر هل يقتضي تنجّز الجامع (١) او لا؟ وبتعبير ثالث هل يقتضي حرمة المخالفة القطعيّة او لا؟

ب ـ اذا قلنا باقتضاء العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية فهل يمكن للشارع الترخيص بخلاف ذلك والحكم بجواز ترك كلتا الصلاتين؟

اما بالنسبة الى الامر الاول فالصحيح ان العلم الاجمالي يقتضي لزوم الاتيان باحدى الصلاتين لانا اذا اخذنا بمسلك السيد الشهيد القائل بمنجّزية الاحتمال فالامر واضح ، حيث نحتمل ان الظهر واجبة ونحتمل ان الجمعة واجبة ، فاللازم الاتيان بكلتا الصلاتين فضلا عن احداهما ، واما لو اخذنا بمسلك المشهور القائل بان المنجّز هو القطع فقط ويقبح العقاب عند فقدانه فايضا يلزم الاتيان بالواحدة ، فان وجوب احدى الصلاتين نعلم به تفصيلا ولا تردد فيه حيث ان العلم الاجمالي يقتضي دائما العلم التفصيلي بالجامع ، والمسالك في حقيقة العلم الاجمالي وان كانت متعددة (٢) الا انها تشترك جميعا في اقتضائها العلم

__________________

ـ مباحث الاشتغال من الاصول العملية ، وبهذا يتّضح ان الاصوليّين يبحثون عن العلم الاجمالي مرتين ، مرة هنا اي في مباحث القطع واخرى في مباحث الاشتغال ، وفي مباحث القطع يبحثون عن اقتضائه لحرمة المخالفة القطعية وفي مباحث الاشتغال يبحثون عن اقتضائه لوجوب الموافقة القطعية وللتفكيك المذكور اسبابه المبررة التي لا يناسب المقام التعرض لها

(١) وهو وجوب احدى الصلاتين

(٢) يأتي في الجزء الثاني من الحلقة الثالثة ان في حقيقة العلم الاجمالى ثلاثة اتجاهات :

١ ـ اتجاه الميرزا والاصفهاني القائل بانا حينما نعلم بوجوب اما الظهر او الجمعة مثلا فهذا

١٢٤

التفصيلي بالجامع ، فمن علم بوجوب اما الظهر او الجمعة فهو عالم تفصيلا بوجوب احداهما ، وما دام الجامع معلوما بالعلم التفصيلي فهو منجّز ولا تشمله قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

واما بالنسبة الى الامر الثاني فقد ذكر المشهور ان الشارع لا يمكنه الترخيص في ترك كلتا الصلاتين لانه ترخيص في المعصية وهو قبيح (١).

ويرده كما تقدم عن قريب ان الترخيص في ترك الصلاتين انما يكون قبيحا ومعصية باعتبار ان فيه انتها كالحق المولى ، فاذا فرض تنازله بنفسه عن حقه وترخيصه في تركهما معا فلا يبقى له حق كي يلزم انتهاكه وبالتالي كي تلزم المعصية القبيحة.

اجل ان كان هناك محذور فهو محذور اجتماع الحكمين المتنافيين فان

__________________

ـ في الحقيقة يرجع الى امرين : علم تفصيلي بالجامع ، وشكوك بعدد الاطراف.

٢ ـ اتجا الآخوند في بعض كلمات الكفاية القائل بان العلم بوجوب اما الظهر او الجمعة يرجع الى امر واحد وهو العلم بالفرد المردد بين الوجوبين.

٣ ـ اتجاه الشيخ العراقي القائل بتعلّق العلم الاجمالي بالواقع ، فاذا كان الوجوب في علمه تعالى متعلّقا بالظهر فالعلم الاجمالي يكون متعلّقا بالظهر ايضا لا بالجامع ولا بالفرد المردد.

والسيّد الشهيد يقول : انا مهما تصورنا العلم الاجمالي فهو لا ينفك عن العلم بالجامع ، فالمكلّف على جميع الاتجاهات المذكورة يعلم حتما بوجوب احدى الصلاتين ، اما على الاتجاه الاول فواضح حيث ان المفروض بناء عليه العلم التفصيلي بالجامع ، واما بناء على الاتجاه الثاني فلأن من علم بالفرد المردد من وجوب الظهر او الجمعة فهو عالم بالتالي بوجوب احدى الصلاتين ، واما على الاتجاه الثالث ، فلأن من علم بوجوب الظهر التي هي الواجب واقعا فهو عالم ايضا بوجوب احدى الصلاتين.

(١) بيان المشهور هذا لعدم جواز الترخيص في المخالفة القطعيّة للعلم الاجمالي هو نفس بيانهم المتقدّم لعدم جواز الترخيص في المخالفة للعلم التفصيلي ، والجواب عنه نفس الجواب.

١٢٥

الترخيص في ترك الصلاتين يلزم منه الحكم باباحة الترك على الواجب الواقعي ، فان الواجب واقعا من الصلاتين اذا كان الظهر مثلا فالحكم بالترخيص في تركهما حكم باباحة ترك الظهر التي هي واجبة.

وجوابه : ان الترخيص في المخالفة القطعيّة للعلم التفصيلي وان لم تكن معقولة لما تقدم الاّ انه معقول في موارد العلم الاجمالي ، فانه فيها ـ موارد العلم الاجمالي ـ يوجد طرفان احدهما مباح واقعا والآخر واجب ، ومن الممكن ان تكون مصلحة المباح اهم في نظر المولى من مصلحة الواجب ، ومن الوجيه لاجل الحفاظ عليها ـ مصلحة المباح ـ الترخيص في تركهما معا ، اذ لو رخّص في ترك احدهما دون الآخر فلعل الذي سوف يتركه المكلّف هو المباح الذي فرض ان مصلحته اهم وبذلك تفوت المصلحة الاهم ، فلاجل ان يطمئن المولى من حصول المباح الواقعي الذي فرض ان مصلحته اهم لا بأس ان يرخص في ترك كلتا الصلاتين ويكون هذا الترخيص حكما ظاهريا بروحه وجوهره ـ لانه شرّع بقصد الحفاظ على الملاك الواقعي الاهم ـ وان لم يسمّ حسب الاصطلاح الاصولي بذلك حيث انه يختص بحالة الشك ولا يشمل حالة العلم ، ويرتفع بذلك التنافي بين الترخيص والوجوب الواقعي ، فان الترخيص ما دام ظاهريا طريقيا فهو غير ناشىء من مبادىء مستقلة قائمة به حتى يلزم اجتماع المبادىء المتضادة ، وانما نشأ للتحفظ على المبادىء الواقعية.

وقد يقول قائل : انكم اذا قبلتم امكان الترخيص في المخالفة القطعية حالة العلم الاجمالي فيلزمكم الحكم بامكانه حالة العلم التفصيلي ايضا لان العلم الاجمالي يستبطن علما تفصيلا بالجامع مع انكم لم تقبلوا فيما سبق امكان الترخيص في المخالفة القطعية في العلم التفصيلي.

١٢٦

والجواب عن ذلك : انه في حالة العلم الاجمالي بوجوب احدى الصلاتين يوجد طرفان احدهما مباح والآخر واجب وحيث ان ملاك المباح يحتمل كونه اهم من ملاك الواجب فمن الوجيه الترخيص في تركهما معا حفاظا على ملاك المباح ، وهذا بخلافه في حالة العلم التفصيلي بوجوب صلاة الظهر مثلا فان الطرف واحد وهو الظهر ويجزم بوجوبه ولا يحتمل القاطع انه مباح حتى يتقبل من المولى الترخيص فيه حفاظا على ملاك الاباحة. واحتمال ان تكون الظهر مباحة واقعا ـ وذلك في حالة خطأ القطع ـ وان كان موجودا الا ان القاطع بما انه لا يحتمل خطأ قطعه وبالتالي لا يحتمل ثبوت الاباحة واقعا فلا يتقبل الترخيص ويرى ان الترخيص في الترك متوجه الى غيره من القاطعين المخطئين في قطعهم اما هو فليس بمخطىء في قطعه ـ حسب نظره ـ حتى يكون الترخيص موجها اليه.

وهل وقع الترخيص بالفعل.

قوله ص ٥٨ س ٦ ويبقى بعد ذلك سؤال اثباتي ... الخ :

وبعد ان اتضح ان العقل يحكم في حالات العلم الاجمالي بامكان الترخيص في ترك كلتا الصلاتين نطرح التساؤل التالي : هل الترخيص يمكن استفادته من الادلة او لا؟ ان مجرد امكان الشيء كما نعرف لا يلازم وقوعه خارجا ، فامكان الترخيص في ترك كلتا الصلاتين لا يلازم وقوعه بالفعل ، ومن هنا يقع البحث عن امكان استفادة وقوعه بالفعل من رواية « رفع عن امتي ما لا يعلمون » وامثالها.

وهذا البحث يصطلح عليه بالبحث الاثباتي لانه بحث عما يستفاد من الادلة في مقابل البحث عن امكان الترخيص واقعا بقطع النظر عن الادلة حيث

١٢٧

يسمى بالبحث الثبوتي.

وفي مقام الجواب قد يقال : نعم ان الرواية المذكورة تدل على الترخيص الشرعي في ترك الصلاتين لأن كل واحدة منهما ما دمنا لا نعلم بوجوبها فتركها جائز.

وهذا الكلام وان كان جيدا في نفسه الا انه توجد قرينة تدل على ان مقصود الرواية المذكورة اثبات الترخيص في خصوص الشبهات البدوية دون حالات العلم الاجمالي ، فالشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال شك في شبهة بدويّة فيشمله الحديث ولا يشمل مثل الصلاتين اللتين يعلم اجمالا بوجوب احداهما ، وتلك القرينة هي الارتكاز العقلائي ، فان الاغراض العقلائية اذا كان بعضها غرضا لحكم الزامي وبعضها الآخر غرضا للاباحة ، فغرض الاباحة يكون اضعف من غرض الالزامي عند اجتماعهما والعلم بتحققهما معا ، ولم نجد مثالا ولو واحدا في الحياة العقلائية يكون فيه غرض الاباحة اهم او مساويا للغرض الالزامي ، فمن كان عنده صديقان احدهما عزيز عليه جدا دعاه الى مجلس ينحصر بليلة واحدة ودعاه الآخر الى مجلس في نفس تلك الليلة بدون ان تقتضي الضرورة الحضور فيه فانه لا اشكال في تقديم الحضور في الاول على الثاني لان الغرض في الاول الزامي بخلافه في الثاني.

وفي حالات العلم يكون الامر من هذا القبيل ، فاحدى الصلاتين واجبة قطعا وغرضها الزامي ، بينما الثانية غير واجبة وغرضها غير الزامي ، ولا بد في مثل ذلك من تقديم الغرض الالزامي ولا يمكن التمسك بالرواية لاثبات الترخيص في ترك كل منهما فان الارتكاز العقلائي بتقديم الغرض الالزامي قرينة على ان

١٢٨

المقصود من الرواية السابقة النظر الى حالات الشك البدوي (١) دون العلم الاجمالي اذ لو كانت عامة لحالات العلم الاجمالي فلازمه تقدم الغرض الترخيصي على الالزامي وهو على خلاف الارتكاز العقلائي.

ومن خلال هذا كله اتضح ان الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي وان كانت ممكنة عقلا ـ حيث ان من الممكن كون مصلحة المباح اهم من مصلحة الواجب فيرخص المولى في ترك كلا الطرفين تحفظا على مصلحة المباح ـ الا انه ليس مقبولا عقلائيا.

توضيح مصطلح.

ان العلم الاجمالي اذا اقتضى حرمة المخالفة بحيث لم يمكن الترخيص فيها اما عقلا ـ كما يعتقده المشهور ـ واما عقلائيا ـ كما يعتقده السيد الشهيد ـ عبّر عن ذلك بان العلم الاجمالي علة لحرمة المخالفة القطعية ، واما اذا امكن الترخيص فيها من كلتا الناحيتين فجاز الترخيص عقلا كما وجاز عقلائيا عبّر عن ذلك بان العلم الاجمالي مقتض لحرمة المخالفة القطعية.

قوله ص ٥٥ س ٧ اما المرحلة الاولى :

سيشير قدس‌سره ص ٥٩ ان الحديث عن المرحلة الثانية يأتي في مبحث

__________________

(١) في حالات الشك البدوي لا يكون الغرضان الالزامي والترخيصي مجتمعين معا ، وانما يحتمل ثبوت احدهما فقط فعند الشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال يحتمل ثبوت الغرض الالزامي دون الترخيصي ويحتمل العكس ، ولا يحتمل ثبوتهما معا ، وفي مثل ذلك لا ارتكاز عقلائي على ترجيح الغرض الالزامي فانه مختص بحالة تحققهما معا التي هي حالة العلم الاجمالي.

١٢٩

الاشتغال من الاصول العملية في الجزء الثاني.

قوله ص ٥٧ س ٢ : ويكون ترخيصها ظاهريا بروحه : اي وان لم يسمّ في المصطلح الاصولي بالحكم الظاهري لاختصاصه بحالة الشك.

قوله ص ٥٨ س ٢ قد يعني الزامه :

التعبير بـ « قد » من جهة ان ترك المخالفة القطعية يتحقق بالاتيان باحدى الصلاتين وترك الاخرى ، ومن المحتمل ان الصلاة المأتي بها هي الصلاة المباح تركها.

قوله ص ٥٨ س ١٥ وبذلك نثبت حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي عقلا :

اي لما ثبت ان الترخيص في المخالفة القطعية غير ممكن عقلائيا فالعلم الاجمالي يكون منجزا لحرمة المخالفة القطعية عقلا لانه تقدم في الامر الاول ان العلم الاجمالي ينجز حرمة المخالفة القطعية لو لم يثبت الترخيص فيها من الشارع ،.

١٣٠

المتجرّي والقطّاع

١٣١
١٣٢

حجيّة القطع غير المصيب وحكم التجرّي :

قوله ص ٥٩ س ٩ هناك معنيان للاصابة :

في هذا البحث يراد طرح سؤالين والاجابة عنهما :

١ ـ اذا شاهد الانسان سائلا وقطع بخمريّته فلا اشكال في لزوم تركه ، ولكن لو فرض انه تناوله وكان في الواقع ماء ولم يكن خمرا فهل يستحق مثل هذا الانسان العقاب اولا ، وبتعبير آخر هل يستحق المتجرّي العقاب أو لا؟ (١)

وقد اختلف جواب الشيخ الاعظم عن جواب الآخوند ، فالاول اختار عدم استحقاقه للعقاب بخلاف الثاني فانه اختار ـ وفاقا للمشهور ـ استحقاقه له (٢).

٢ ـ اذا كان الانسان يحصل له القطع كثيرا من اسباب غير عقلائية ـ

__________________

(١) اذا قطع المكلّف بخمريّة السائل وكان قطعه مخطئا فان تناوله سمي بالمتجرّي وان لم يتناوله سمي بالمنقاد ، اما اذا كان قطعه بالخمرية مصيبا للواقع فان تناوله سمي بالعاصي والاّ سمي بالمطيع ، بهذا يتّضح ان المتجري والمنقاد يشتركان في نقطة ويفترقان في اخرى ، فهما يشتركان في كون القطع الحاصل لكل منهما مخطئا ويفترقان في مخالفة المتجرّي لقطعه في مقام العمل وموافقة المنقاد له ، وهكذا الحال في مصطلحي المطيع والعاصي فهما يشتركان في كون قطع كل منهما مصيبا للواقع ويفترقان في عدم موافقة العاصي لقطعه بخلاف المطيع.

(٢) ان الشيخ الاعظم وان اختار عدم استحقاق المتجرّي للعقاب على شربه الماء الذي قطع خطئا بكونه خمرا ولكنه اختار استحقاقه للذم على نفسه الشريرة ، ومن هنا يمكن القول بان الشيخ الاعظم فصّل فاختار قبح الفاعل ونفى القبح الفعلي.

١٣٣

ويسمى الانسان المذكور بالقطاع اي يحصل له القطع كثيرا وبلا مبرر عقلائي ـ فهل قطعه حجّة او لا؟ وبتعبير آخر هل قطع القطاع حجّة او لا؟ نسب الى الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس‌سره عدم حجّيته قياسا على الشكّاك ، فكما انه لا عبرة بشك كثير

الشك لا عبرة ايضا بقطع كثير القطع ، واختار المشهور عكس ذلك وقالوا ان قطعه حجّة.

وطرح التساؤلين المذكورين بهذا الشكل طرحة قديمة ، والسيد الشهيد طرحهما بشكل اكثر فنية ، حيث ذكر اولا انا حينما نقول : ان القطع مصيب فماذا نريد من الاصابة؟ ان في ذلك احتمالين :

أ ـ ما هو المرتكز في الاذهان حيث يقصد ان الامر المقطوع به ثابت في الواقع.

ب ـ حصول القطع من اسباب ومبررات عقلائية.

ثم اضاف ثانيا انه قد يكون القطع مصيبا بالمعنى الاول وليس بمصيب بالمعنى الثاني ، فلو فرض ان شخصا اخبر بموت زيد وكان الشخص المذكور صادقا في مجموع اخباره بدرجه ٧٠% (١) فاذا حصل القطع بموته وكان في الواقع ميتا ايضا فهو مصيب بالمعنى الاول وليس مصيبا بالمعنى الثاني.

اما انه مصيب بالمعنى الاول فلفرض تحقق الموت واقعا ، واما انه غير مصيب بالمعنى الثاني فلأن درجة تصديق المخبر لا بد وان تتناسب مع درجة صدقه في مجموع اخباره ، فاذا كانت درجة صدقه ٧٠% حسب الفرض فلا بد وان يكون تصديقه بدرجة ٧٠% ايضا اي لا بد وان يكون تصديقه بنحو الظن دون القطع.

__________________

(١) اي انه في كل مائة خبر يكون صادقا في سبعين منها وكاذبا في ثلاثين.

١٣٤

ثم ذكر قدس‌سره ثالثا ان الاصابة بهذين المعنيين لا تختص بالقطع بل تعم الظن ايضا فالظن قد يكون مصيبا بمعنى ثبوت الشيء المظنون في الواقع وقد يكون مصيبا ايضا بمعنى نشوئه من مبررات عقلائية ، فلو اخبر شخص بموت زيد وكان المخبر صادقا في مجموع اخباره بدرجة ٧٠% فاذا حصل الظن بموته ولكنه لم يكن ميتا في الواقع فالظن المذكور مصيب بالمعنى الثاني حيث انه ناشىء من مبررات عقلائية وغير مصيب بالمعنى الاول حيث انه ليس مطابقا للواقع.

وذكر رابعا ان القطع اذا كان ناشئا من مبررات عقلائية نطلق عليه القطع الموضوعي او التصديق الموضوعي ، واذا كان ناشئا لا من مبررات عقلائية بل من عوامل نفسانية او عاطفية نطلق عليه القطع الذاتي او التصديق الذاتي.

وذكر خامسا انه في اليقين الذاتي يكون القطع ناشئا من اسباب غير عقلائية ، بيد ان عدم عقلائية السبب تارة تكون بدرجة ضعيفة يحصل لكثير من الناس القطع منها ، واخرى بدرجة قوية لا يحصل القطع منها الاّ لشاذ من الناس ، ويسمى الانسان الذي يحصل له القطع كثيرا ومن اسباب قوية في انحرافها وعدم عقلائيتها بالقطاع.

وبعد ذلك يعود قدس‌سره الى صلب الموضوع ليوضح :

أ ـ هل يشترط في حجيّة القطع ان يكون مصيبا بالمعنى الاول ـ الذي لازمه عدم استحقاق المتجري للعقاب ـ او لا؟ وبتعبير آخر هل المتجري يستحق العقاب او لا؟

ب ـ وهل يشترط في حجّية القطع ان يكون مصيبا بالمعنى الثاني او لا؟ وبتعبير آخر هل قطع القطاع حجّة او لا؟

وفي الاجابة عن الاول ذكر قدس‌سره ان المتجري كالعاصي يستحق

١٣٥

العقاب لانتهاكه حرمة المولى وحق اطاعته ، وهذا معناه بعبارة اخرى ان الموضوع لحق الطاعة ليس هو القطع بقيد ان يكون مصيبا للواقع بل هو ذات القطع سواء كان مصيبا ام لا ، فقطع المتجري حجّة ويستحق على مخالفته العقاب ، بل ولا يمكن سلب الحجيّة عنه فانه مع القطع بأن السائل خمر محرم لو سلب المولى الحجّية عنه وحكم باباحة شربه لزم في نظر القاطع اجتماع المتنافيين الحرمة والاباحة.

وعلى العكس من ذلك المنقاد فانه كالمطيع يستحق الثواب حيث قدّس المولى واحترمه ولم ينتهك حرمته.

وفي مقام الاجابة عن الثاني ذكر قدس‌سره ان قطع القطاع حجّة فلو قطع ـ اي القطاع ـ بان سائلا معينا خمر فلم يتركه كان منتهكا لحق المولى ومستحقا للعقاب.

التفصيل بين المنجّزية والمعذّرية.

وقد يقترح التفصيل في قطع القطاع فيقال بمنجّزيته دون معذّريته (١) ، فلو قطع بخمرية السائل كان القطع منجزا للنكتة السابقة وهي انتهاك حرمة المولى عند عدم ترك السائل ، اما اذا تعلق القطع باباحة السائل وعدم حرمته وشربه وكان في الواقع خمرا فلا يكون معذورا خلافا لغير القطاع حيث يعذر ، والوجه في عدم عذريته امران :

الأوّل : ان القطاع انسان يعيش الوسوسة ، وقد نهى الشارع المقدّس عن

__________________

(١) مصطلح التنجيز يستعمل كما تقدم عند تعلّق القطع بثبوت التكليف كالقطع بكون السائل خمرا بينما مصطلح التعذير يستعمل عند تعلّق القطع بنفي التكليف كالقطع بان السائل ماء

١٣٦

الوساوس ولكن لا بمعنى ان الوسواسي بعد حصول القطع له يسلب الشارع الحجّية عن قطعه فان ذلك ليس ممكنا ـ للزوم اجتماع المتناقضين في نظره كما هو الحال تماما في سلب الحجّية عن قطع غير القطاع ، فلو قطع القطاع بان السائل المعين ماء مباح ونهاه الشارع عن اتباع قطعه وقال انه خمر محرم لزم اجتماع الحرمة والاباحة في نظره ـ بل بمعنى نهيه عن الولوج في الاسباب غير العقلائية التي يسلكها القطاع فكأنه قال له : لا تسلك الاسباب غير العقلائية وان سلكتها وحصل لك القطع باباحة سائل معين وكان في الواقع خمرا وشربته لم تكن معذورا ، وليس المقصود من هذا النهي ايضا تحريم سلوك الاسباب غير العقلائية تحريما تكليفيا وانما يقصد من ورائه تنجيز الحرمة على تقدير ثبوتها واقعا نظير ما اذا نهى الوالد ولده عن اجتياز شارع معين خوفا عليه من السرّاق الموجودين فيه ، فاذا عصى وسلك ذلك الشارع وسرقت امواله لم يكن معذورا.

وهذا الوجه وان كان جيدا الاّ ان اقصى ما يثبت به ان الشارع لو نهى القطاع عن سلوك الاسباب غير العقلائية فلا يكون معذورا ، اما انه هل صدر هذا النهي بالفعل فهذا لم يثبته بل لا دليل عليه.

الثاني : ان القطاع قبل ان تحصل له القطوع بالاباحة (١) لو فكر بينه وبين نفسه والتفت الى كونه انسانا شاذا وذا وساوس فقد يحصل له العلم بأن بعض القطوع بالاباحة التي سوف تحصل له في المستقبل باطله وغير مطابقه للواقع فلو كان عدد القضايا التي يبتلي بها في المستقبل مائة فسوف يعلم بان واحدا من القطوع على الاقل باطل ، ومعنى بطلانه ثبوت الحرمة في ذلك المورد ـ اذ ليس

__________________

(١) انما قيدنا القطوع بكونها قطوعا بالاباحة باعتبار ان المعذرية تختص بموارد القطع بالاباحة ونفي التكليف.

١٣٧

خطأ القطع بالاباحة في مورد الاّ عبارة عن ثبوت الحرمة مثلا فيه ـ ويكون حال الشخص المذكور حال من عنده مائة اناء يعلم بنجاسة واحد منها فكما يلزمه التجنب عن الجميع كذا القطاع في المقام يلزمه التجنب عن القضايا المائة جميعا ، ولا يكون معذورا لو ارتكب بعضها.

وقد تقول : ان العلم الاجمالي بخطأ بعض القطوع وإن كان قد يحصل للقطاع احيانا قبل ابتلائه بالقطوع الاّ انه بعد ابتلائه بها يزول علمه الاجمالي ، فحينما يقطع في القضية الاولى بعدم ثبوت الحرمة فسوف يزول احتمال كون تلك القضية هي القضية التي علم اجمالا بثبوت الحرمة فيها اذ احتمال ثبوت الحرمة فيها لا يجتمع مع القطع بالاباحة ، وهكذا حينما يصل الى القضية الثانية تزول طرفيتها للعلم الاجمالي ، وهكذا الحال في جميع القضايا المائة.

وهذا الكلام جيد بيد ان صاحب هذا الوجه الثاني يدعي ان حال العلم الاجمالي حال القدرة فكما ان الانسان اذا كان قادرا في اول الوقت على اداء الواجب وازال القدرة عنه بعد ذلك بسوء اختياره لم يكن معذورا عند تركه للواجب كذلك القطاع في المقام فانه ما دام قد حصل له العلم في اول امره بثبوت الحرمة في مورد واحد من الموارد المائة فلا يكون معذورا لو خالفها في المستقبل وان زال علمه بها ما دام زوال ذلك بسبب وسوسته وسلوكه الاسباب غير العقلائية فانه زوال بسوء الاختيار فلا يكون معذورا.

قوله ص ٥٩ س ٨ حجّية القطع غير المصيب وحكم التجري :

لعل المناسب حذف القوسين من قوله وحكم التجري.

قوله ص ٥٩ س ١٢ ولم يكن متأثرا بحالة نفسية :

هذا عطف تفسير على سابقه ومثاله حسن الظن السريع او سوء الظن

١٣٨

السريع بالآخرين فانهما حالتان نفسيتان كثيرا ما تسببان حصول القطع.

قوله ص ٦١ س ٣ وبما هي معبّرة ... الخ :

عطف تفسير على سابقه فان الحجّية بالنظر الاصولي عبارة اخرى عن المنجّزية والمعذّرية.

قوله ص ٦١ س ٦ تمام الموضوع ... الخ :

اي وان لم يكن مطابقا للواقع.

قوله ص ٦١ س ١٢ او الردع عن العمل ... الخ :

المناسب والردع بالواو ليكون عطف تفسير على سابقه.

قوله ص ٦١ س ١٤ لانه يرى نفسه مصيبا :

اي وما دام يرى نفسه مصيبا ويعتقد ان الحرمة التي قطع بها ثابتة فاذا نهاه الشارع عن قطعه وقال ان هذا الشيء مباح فسوف يحصل بنظره اجتماع المتناقضين.

قوله ص ٦٢ س ٣ فكذلك ايضا :

اي واضح ايضا.

قوله ص ٦٣ س ٣ في بداية امره :

اي قبل حصول القطوع له.

قوله ص ٦٣ س ٥ من قطوع نافية :

تقييد القطوع بالنافية للتكليف باعتبار ان محل البحث عن المعذّرية وهي تختص بحالة القطع بعدم التكليف.

قوله ص ٦٣ س ٦ غير مطابقة للواقع :

ولازم عدم مطابقتها ان الحرمة ثابتة في بعض تلك القضايا المائة.

١٣٩

قوله ص ٦٣ س ١١ كان الجواب ان هذا ... الخ :

اي ان هذا الوجه الثاني ، والمقصود من الوصول هو العلم الاجمالي ، فان وصول التكليف عبارة اخرى عن العلم به.

١٤٠