الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

الحلقة الثّالثة في أسلوبها الثّاني - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المحبين للطباعة والنشر
المطبعة: قلم
الطبعة: ١
ISBN: 964-91029-3-0
ISBN الدورة:
964-91029-7-3

الصفحات: ٤٩٢

وبعد احرازه لذلك يكون العبد ملزما باكرامهم وان زال ـ التدين ـ بنظره بل وان لم يكونوا متديّنين بنظره من الاول لان مسؤولية احراز التدين لم يلق على عاتق العبد حتى اذا زال زال الحكم ، ومن هنا قيل ان مسؤولية تطبيق الشروط في القضية الحقيقية على عاتق المكلّف وفي الخارجية على عاتق المولى (١).

__________________

(١) هذا الفارق الثالث والذي قبله اشار لهما الميرزا في فوائد الاصول ج ١ ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

١٠١
١٠٢

تعلق الأحكام

بالصور الذهنية

١٠٣
١٠٤

تعلق الأحكام بالصور الذهنية :

هناك حديث دار بين علماء الاصول يقول : ان الاحكام هل تتعلّق بالموضوع الخارجي او بالصورة الذهنية ، فوجوب الصلاة مثلا هل يتعلق بالصلاة الخارجية التي يأتي المكلّف بها في الخارج او هو منصب على الصورة الذهنية للصلاة؟ وهكذا الحكم بالحرارة في قولنا « النار حارّة » هل هو منصب على النار الخارجية او على النار الذهنية؟ ولاول وهلة قد تقول بتوجه الحكم الى الصلاة والنار الخارجية لانها محط الآثار فهي الناهية عن الفحشاء والحارة دون الصورة الذهنية ، وقد اختار هذا الجواب جماعة منهم صاحب الكفاية في مبحث اجتماع الامر والنهي حيث ذكر ان الامر بالصلاة متعلق بالصلاة الخارجية ـ لانها محط الآثار ـ دون الصورة الذهنية والنهي عن الغصب يتعلق بالغصب الخارجي دون الذهني ، وبما ان الصلاة في الدار المغصوبة خارجا شيء واحد هو صلاة وهو غصب فيلزم تعلق الامر والنهي بشيء واحد خارجي وهو مستحيل ، ومن هنا اختار ـ الآخوند ـ القول باستحالة اجتماع الامر والنهي في مقابل من قال بالامكان بدعوى ان الامر يتعلق بالصورة الذهنية للصلاة والنهي بالصورة الذهنية للغصب ، وحيث ان الصورتين متعددتان فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد.

وبهذا اتضح ان القول باستحالة اجتماع الأمر والنهي وامكانه يبتنيان على مسألتنا هذه ، فمن قال بتعلق الاحكام بالصور الذهنية لا يلزم عنده اجتماع الأمر

١٠٥

والنهي في شيء واحد ، فلذا يقول بامكان الاجتماع ، ومن قال بتعلقها بالاشياء الخارجية يلزم عنده اجتماعهما في شيء واحد ولذا يقول باستحالة الاجتماع.

هذا والصحيح تعلق الاحكام بالصور الذهنية ، والوجه في ذلك ان الحكم عملية ذهنية فلا بد من تعلقه بامر ذهني ولا يمكن تعلقه بامر خارجى والا يلزم وجود الامر الذهني في الخارج (١).

وقد تقول : كيف تتعلق الاحكام بالصور الذهنية مع انها ليست مركزا للآثار والخواص المطلوبة؟ والجواب : ان الصورة الذهنية للنار مثلا لها حالتان ، فبنظرة اولية غير فاحصة ـ وسماها قدس‌سره بالحمل الاولي ـ هي نفس النار الخارجية ، وبنظرة تدقيقية ثانية هي غير النار الخارجية (٢). وهذا شيء وجداني وليس مجرد دعوى ، والمنبّه على ذلك انّا احيانا نتصور بعض الاحداث والقضايا السابقة ويسيطر علينا الحزن ويستولي الاسى الشديد فنتصوّر مصاب الامام الحسين عليه‌السلام واهل بيته ونأخذ بالبكاء فلو لم نر بتصورنا وتذكرنا لمصابه عليه‌السلام واقعة الطف الخارجية والقتل الخارجي له عليه‌السلام فلماذا البكاء والألم؟

وما دامت الصورة الذهنية بنظر هي عين الخارج فيمكن صب الحكم

__________________

(١) ويمكن الاستدلال على ذلك ايضا بان الوجوب لو كان يتعلق بالصلاة الخارجية فهل يتعلق بها قبل وجودها او بعد وجودها؟ وكلاهما باطل اذ قبل وجودها لا شيء حتى يتعلق به الحكم وبعد وجودها تكون حاصلة فلا معنى لتعلقه بها والاّ يلزم طلب الحاصل ، هذا مضافا الى انه يلزم عدم وجوب الصلاة على المكلّف قبل ادائها لعدم وجود الحكم بسبب عدم متعلّقه.

(٢) وسماها قدس‌سره بالحمل الشايع ، واستعمال الحمل الاولي والشايع هنا ليس بالمعنى المصطلح ، فان المعنى المصطلح هو ما يأتي عند التعليق على ص ٩٦ س ١٠.

١٠٦

عليها (١).

قوله ص ٤٣ س ٤ ابناء عمك :

جعل مصب الحكم عنوان ابناء العم قابل للتأمل لأن لازمه صيرورة مصب الحكم عنوانا كليا وذلك يستدعي صيرورة القضية حقيقية.

قوله ص ٤٤ س ٨ لا على الموضوع الحقيقي للحكم :

في التعبير مسامحة واضحة ، فان الصورة الذهنية هي الموضوع الحقيقي للحكم. والمناسب التعبير هكذا ، لا على الموضوع الخارجي للحكم.

تنسيق البحوث المقبلة.

ان الاصولي يبحث عن العناصر المشتركة ، وحيث انها هي : القطع ، الامارات ، الاصول العملية ، تعارض الادلة كان من المناسب البحث عن هذه العناصر الاربعة على التوالي ، فاولا يبحث عن القطع ثم الامارات ثم الاصول العملية وفي الخاتمة عن تعارض الادلة.

يبقي سؤال : لماذا يبحث على الترتيب المذكور ولا يبحث عن الاصول العملية اولا او عن الامارات؟ والجواب : ان الفقيه اذا واجه مسألة وأراد استنباط حكمها لاحظ اولا هل له قطع بحكمها اولا؟ فان كان سار على هداه والاّ فحص عن وجود امارة تدل على حكمها فان لم تكن اخذ بالاصل العملي ، اذن التسلسل الطبيعي الذي يسير عليه الفقيه في مقام الاستنباط هو الاخذ بالقطع

__________________

(١) مسألة تعلق الاحكام بالصورة الذهنية تبناها جماعة منهم الشيخ الاصفهاني والشيخ عبد الكريم الحائري في درره ج ١ ص ١٢٣ وادعى ان ذلك من الامور الواضحة التي لا تحتاج الى برهان ، وهكذا تبناها الشيخ العراقي في نهاية الافكار ج ٣ ص ٦٠.

١٠٧

اولا ثم الامارات ثم الاصول ، ومن هنا كان على الاصولي منهجة بحثه في علم الاصول بالكلام عن القطع اولا ثم الامارات ثم الاصول.

١٠٨

حجّية القطع

١٠٩
١١٠

حجيّة القطع :

قوله ص ٤٩ س ١ تقدم في الحلقة السابقة ... الخ :

المراجع للكتب الاصولية القديمة في مبحث القطع يجد فرقا بين طريقة العرض لهذا المبحث هنا عنها هناك ، وينطلق السيد الشهيد في بحثه قائلا : من الواضح للجميع ان الله سبحانه مولانا وخالقنا والمنعم علينا ، وبسبب ذلك صار له علينا حق اطاعته في التكاليف التي شرعها وبتعبير اكثر دقة ان له سبحانه حق المولوية ، ولا معنى للمولوية الاّ وجوب الاطاعة ، فكل من وجبت اطاعته فهو مولى ، والمولى هو من وجبت اطاعته ، وبعد اتضاح هذا نطرح ثلاثة اسئلة :

١ ـ اذا قطعنا بان التدخين حرام مثلا فهل له سبحانه حق الطاعة علينا بتركه؟ نعم له ذلك ، بل هذا المورد هو المورد الواضح والمتيقن لحق الطاعة ، ويصطلح في علم الاصول على ذلك بالمنجزية ، فيقال ان القطع منجز للحرمة المقطوعة.

٢ ـ اذا قطعنا بعدم كون التدخين حراما فهل له سبحانه حق الاطاعة بالترك؟ كلا ليس له ذلك ، واذا دخّن المكلّف وكان في الواقع حراما فهو معذور ، ويصطلح على ذلك بالمعذرية ، فيقال القطع معذّر ، اي من دخّن وكان التدخين حراما واقعا فهو معذور ما دام قد قطع بعدم حرمته ، اذن مصطلح المنجّزية يستعمل حينما يقطع بالتكليف بينما مصطلح المعذرية يستعمل حينما يقطع بعدم التكليف ، وليس مورد استعمالهما واحدا.

١١١

ويصطلح على مجموع المنجزية والمعذرية بالحجيّة ، فالقطع حجة بمعنى انه منجّز ومعذّر.

٣ ـ اذا لم يقطع بحرمة التدخين بل كانت محتملة او مظنونة ، فهل له سبحانه حق الاطاعة بالترك ويكون الاحتمال والظن منجّزا كالقطع؟ اجاب المشهور عن ذلك بان الاحتمال والظن ليس منجّزا ، ومن هنا جاءت عبارتهم المشهورة : يقبح العقاب بلا بيان اي بلا علم ، واجاب السيد الشهيد عن ذلك بالايجاب اي ان الاحتمال والظن منجّز ، فان عقلنا يحكم بان له سبحانه حق الاطاعة علينا في كل تكليف مقطوع او مظنون او محتمل ولا يخصه بالتكليف المقطوع (١) ، بيد ان احتمال التكليف او الظن او القطع به انما يكون منجّزا فيما اذا لم يرخص المولى نفسه بمخالفة ذلك التكليف ، فانه مع الترخيص لا يحكم العقل بلزوم الاطاعة كما هو واضح.

وقد تسأل : متى يمكن للمولى الترخيص بالمخالفة؟ يمكنه ذلك في صورة

__________________

(١) ويمكن تقريب ذلك بان الانسان وكلّ ما في الكون ملك له تعالى بالملكية الحقيقية ، فاليد ملك له تعالى والعين ملك له سبحانه والشفّة ملك له والتتن وو ... والعقل يحكم بعدم جواز التصرف في ملك الغير الاّ مع احراز رضاه ، والشفة والتتن حيث انهما ملك لله تعالى فلا يجوز استخدامهما بوضع السيگارة على الشفة الاّ مع اليقين برضاه.

هذا مضافا الى ان شخصا لو قدّم لغيره مساعدات كبيرة بأن اهدى له دارا او سيارة وزوّجه وقرر له راتبا شهريا وو ... فاذا احتمل المهدى له ان المهدي يريد حاجة معينة كدواء او طعام او ... فهلاّ يحركه العقل والعقلاء لتنجيز تلك الحاجة المعيّنة التي لا تتجاوز حدّ الاحتمال؟ نعم ان الاحتمال يكفي في مثل الحالة المذكورة ، واذا قبلنا تنجيز الاحتمال في الحالة المذكورة فكيف به تعالى الذي انعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى ، كيف لا يكون احتمال تحريمه او ايجابه لشيء منجّزا. إن هذين البيانين يمكن الاستعانة بهما لتوضيح سعة حق الطاعة لموارد احتمال التكليف.

١١٢

احتمال الحرمة او الظن ، ولا يمكنه في صورة القطع بها ، اذن لنا دعويان :

١ ـ ان الترخيص في المخالفة ممكن في صورة احتمال التكليف او الظن.

٢ ـ ان الترخيص في المخالفة لا يمكن في صورة القطع بالتكليف.

ولتوضيح الدعوى الاولى نقول : لو كان لدينا سائل نحتمل خمريته فلا محذور في ترخيص الشارع في تناوله والحكم عليه بالحلية لقاعدة « كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام » ولئن كان هناك محذور فهو محذور ابن قبة المشار له سابقا حيث ذكر ان السائل لو كان في علمه سبحانه خمرا واقعا ورخص الشارع في تناوله لقاعدة « كل شيء لك حلال » لزم اجتماع الحرمة والاباحة وهو مستحيل.

وجوابه : ان الاباحة حيث انها ظاهرية فلا محذور في اجتماعها مع الحرمة الواقعية لما تقدم من عدم نشوء الحكم الظاهري من مبادىء خاصة به غير مبادىء الحكم الواقعي.

ولتوضيح الدعوى الثانية نقول : انا اذا قطعنا بان السائل خمر فلا يمكن للشارع الترخيص في تناوله لا ترخيصا واقعيا ولا ترخيصا ظاهريا.

اما انه لا يمكن الترخيص الواقعي فلأنه يلزم منه اجتماع المتناقضين اي الحرمة الواقعية والاباحة الواقعية وهو مستحيل ، فان الممكن اجتماع الحكم الواقعي والظاهري دون الواقعيين.

وقد تقول : ان المحذور المذكور يتم في صورة مطابقة القطع للواقع ، اي لو كانت الحرمة ثابتة في الواقع ، اما اذا كان مخطئا بان لم تكن الحرمة ثابتة في الواقع فلا يلزم ما ذكر.

والجواب : انه في صورة خطأ القطع وان لم يلزم اجتماع المتناقضين واقعا

١١٣

ولكنه يلزم اجتماعهما في نظر القاطع ، فان القطع في نظر القاطع مصيب دائما والاّ لم يكن قاطعا ، وعليه فاجتماع المتناقضين في نظر القاطع امر لازم سواء كان القطع مصيبا واقعا او لا ، وان كان اجتماعهما في عالم الواقع مختصا بصورة الاصابة.

واما انه لا يمكن الترخيص الظاهري فذلك لان الحكم الظاهري حكم مجعول حالة الشك في الحكم الواقعي ، فعند الشك في ان هذا السائل محرم أو لا يكون الحكم المجعول بالاباحة حكما ظاهريا ، اما مع القطع بحرمة السائل كما هو المفروض في حديثنا فلا يكون الحكم المجعول حكما ظاهريا.

وقد تقول : لو فرض ان الله سبحانه اطلع بعلمه الغيبي على ان اكثر الناس الذين يقطعون بالحرمة مخطئون ، وعلى سبيل المثال اطّلع على ان ٩٩% من القاطعين بالحرمة مخطئون وان الثابت في تلك الموارد هو الاباحة دون الحرمة ، فاذا تمت هاتان الفرضيتان ، فلماذا لا يمكن صدور خطاب من الشارع يقول فيه : يا ايها القاطعون بالحرمة انتم مرخصون في مخالفة قطعكم. ان مثل هذا الخطاب وان لم يمكن تسميته بالحكم الظاهري حسب المصطلحات الاصولية ـ لأن الحكم الظاهري يختص بحالة الشك ـ الاّ انه حكم يحمل روح الحكم الظاهري ، فان الحكم الظاهري يرجع في روحه الى الحكم المجعول لغرض التحفظ على الملاك الواقعي الاهم ، والحكم المفروض في المقام كذلك ، وعدم تسميته بالحكم الظاهري غير مهم ، فان علينا الاخذ باللب دون القشور.

والجواب : ان تشريع مثل هذا الحكم لغو لأن اي قاطع بالحرمة حينما يسمع الحكم المذكور يقول : انه ليس موجها اليّ ، بل موجّه الى القاطع المخطىء وانا لست مخطئا في قطعي ، اذ القاطع لا يحتمل لحظة من اللحظات ان قطعه مخطىء والاّ لم يكن قاطعا ، فيبقى التشريع المذكور مرفوضا لدى الجميع فيكون لغواً.

١١٤

والنتيجة باختصار ان المكلّف اذا قطع بان السائل خمر فلا يمكن الترخيص في مخالفة لا ترخيصا واقعيا ولا ظاهريا ، وهذا معناه بتعبير آخر ان القطع منجّز ولا يمكن سلب المنجّزية عنه ، لان سلب المنجّزية يكون بتشريع الحكم بجواز المخالفة تجويزا واقعيا او ظاهريا والمفروض عدم امكانه.

تلخيص لما سبق.

اتضح مما تقدم ما يلي :

١ ـ ان انكشاف التكليف ولو على مستوى الاحتمال منجّز.

٢ ـ ان انكشاف التكليف منجّز اذا لم يرخص المولى في مخالفته.

٣ ـ ان الترخيص بالمخالفة معقول في صورة الاحتمال والظن دون صورة القطع.

الفرق بين استدلال السيد الشهيد والمشهور :

قوله ص ٥٢ س ١٦ هذا هو التصوّر الصحيح ... الخ :

من خلال ما تقدم اتضحت نقطتان :

١ ـ ان القطع بالتكليف منجّز.

٢ ـ ان سلب المنجّزية عن القطع مستحيل.

وقد تقدم ايضا الاستدلال على النقطتين المذكورتين ، ففيما يخص الاولى ذكر قدس‌سره ان له سبحانه علينا حق الطاعة ، والحق المذكور ثابت في حالة حصول القطع بثبوت التكليف فان ذلك هو القدر المتيقّن من حق الطاعة.

وفيما يخص النقطة الثانية ذكر بان سلب المنجّزية عن القطع يحصل بتشريع

١١٥

الترخيص بالمخالفة وهو غير ممكن لا ترخيصا ظاهريا ولا واقعيا.

هذا مختصر استدلاله قدس‌سره على ذلك.

واما المشهور فاستدلوا على النقطة الاولى بان المنجّزية من لوازم ماهية القطع ، فكلما حصل القطع كان من لوازمه ذلك نظير الزوجية بالنسبة الى الاربعة ، فكما ان الزوجية من لوازم ذات الاربعة كذلك المنجّزية من لوازم ذات القطع ، حيث ان القطع طريق وكاشف عن الواقع بذاته : فكلما حصل كشف عن الواقع ونجّزه ، ومن هنا قالوا : ان التكليف لا يتنجّز الا بالعلم وغيره لا يكون منجّزا ، وعبّروا عن ذلك بالقاعدة المعروفة « يقبح العقاب بلا بيان » اي بلا علم.

واستدلوا على النقطة الثانية بان المكلّف بعد قطعه بحرمة التدخين مثلا لا يمكن الحكم عليه باباحته لان ذلك ترخيص في ارتكاب المعصية وهو قبيح عقلا (١).

وعلّق السيد الشهيد على الاستدلال الاول (٢) بانه استدلال مطوّل وغير صحيح ، فان هناك طريقة اخصر واضبط ، فيقال للمشهور : انكم حينما تقولون بان القطع بالتكليف حجّة فماذا تريدون من ذلك؟ فهل تريدون ان تكليف اي انسان لو قطع به ـ التكليف ـ فهو حجّة او تريدون تكليف خصوص الانسان الذي له مقام المولوية؟ لا اشكال في ان المقصود هو الثاني اي المقصود ان تكليف المولى حجّة لا تكليف اي انسان وان لم يكن مولى كالابن او الاخ الصغير ، وعليه فلا بد في المرحلة السابقة من افتراض مولى. وبعد هذا نسأل ما معنى المولى؟ ان المراد به ذلك الانسان الذي له حق الاطاعة فمن له حق الطاعة هو المولى ، والمولى

__________________

(١) هذا الاستدلال مذكور في كلمات الشيخ الاعظم والميرزا.

(٢) سبق التعليق المذكور في الحلقة الثانية.

١١٦

هو من له حق الطاعة ، فاللازم اذن في المرحلة الاولى افتراض وجود حق الطاعة لانه معنى المولى ، وبعد افتراض وجود الحق المذكور ننقل حديثنا اليه لنرى انه يختص بخصوص صورة القطع بالتكليف او يعم حالتي الظن والاحتمال؟ ولا اشكال في حكم العقل بدون تأمل (١) بسعة الحق وشموله لحالتي الظن والاحتمال ، فاحتمال التكليف منجّز ايضا كالقطع خلافا للمشهور حيث حصروا المنجّز في القطع.

وطريقة الاستدلال هذه طريقة مختصرة لا تحتاج الى ادخال فرضية ان الحجية من لوازم ماهية القطع ، واضافة لاختصارها هي طريقة صحيحة مطابقة للذوق العقلائي ، وعلى اساسها يلزم هدم قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » التي شيد بناؤها منذ سنين بل قرون متعددة ، ونظن ان المشهور لو قاموا بتشريح المسألة بالشكل الذي قمنا به لآمنوا بسعة حق الطاعة وبالتالي انكروا قاعدة « قبح العقاب بلا بيان » وحكموا بمنجّزية الاحتمال (٢).

واما الاستدلال الثاني للمشهور فعلق عليه قدس‌سره بان الحكم باباحة التدخين الذي قطع بحرمته انما يكون قبيحا لو كان حق اطاعة المولى ثابتا حتى مع ترخيصه في المخالفة ، اما اذا لم يكن له الحق مع الترخيص ـ كما هو الصحيح اذ بعد ترخيصه في المخالفة لا يبقى له حق الاطاعة جزما ـ فلا يلزم محذور الترخيص في المعصية.

__________________

(١) تقدم فيما سبق بيانان لاثبات سعة حكم العقل.

(٢) القول بحكم العقل بمنجّزية الاحتمال يظهر تبنّيه من بعض علمائنا المتقدّمين كالشيخ والمفيد وابن زهرة واستدلّ له الشيخ في العدّة بان الاقدام على ما يحتمل فيه المفسدة كالاقدام على ما يعلم فيه المفسدة. راجع الطبعة القديمة من الرسائل ص ٢١٤ س ٣ ـ ٥.

١١٧

اجل يمكن المناقشة بعد حصول القطع بحرمة التدخين في صحة الترخيص في المخالفة ، واذا كان هناك بحث فلا بد من صبّه على ذلك ، فيبحث هل يمكن الترخيص في المخالفة بعد حصول القطع او لا؟ وقد ذكرنا سابقا انه غير ممكن لا بنحو الترخيص الواقعي ولا الظاهري.

استحالة سلب المعذّرية عن القطع.

قوله ص ٥٤ س ٨ وكما ان منجّزية القطع ... الخ :

بعد ان اوضحنا سابقا ثبوت المنجّزية للقطع نريد الآن توضيح ثبوت المعذّرية له وعدم امكان سلبها عنه ، فلو قطع باباحة التدخين (١) وارتكبه المكلّف فهو معذور وان كان في الواقع محرما ، وهذه المعذّرية لا يمكن سلبها ولا يصح للمولى ان يقول : ان التدخين الذي قطعت باباحته محرم ولا يحق لك ارتكابه.

والنكتة في ذلك تشابه تماما النكتة السابقة في توجيه استحالة سلب المنجّزية ونكرر ذكرها بالبيان التالي : ان الحكم بالحرمة على التدخين المقطوع بحليته لا يمكن ان يكون تحريما واقعيا والاّ يلزم اجتماع الحكمين المتناقضين واقعا ولا اقل في نظر القاطع ، كما ولا يمكن ان يكون تحريما ظاهريا ، اذ الحكم الظاهري بالحرمة يختص بحالة احتمال الحرمة واقعا ليكون منجّزا لها ووسيلة لاثباتها فاذا فرضنا القطع بالاباحة وعدم احتمال الحرمة فالحكم الظاهري يكون منجّزا لاي شيء؟ انه لا توجد حرمة محتمله حتى ينجزها (٢).

__________________

(١) تقدم اختصاص مصطلح المعذرية بحالة القطع بالاباحة بخلاف مصطلح المنجّزية فانه يختص بحالة القطع بالتكليف الوجوبي او التحريمي.

(٢) بهذا اتضح ان روح ما افاده قدس‌سره في توجيه استحالة سلب المعذّرية يتطابق وما

١١٨

قوله ص ٥٠ س ٨ كاصالة البراءة والاباحة :

مصطلح اصالة الاباحة يستعمل عند احتمال الحرمة ولا يستعمل عند احتمال الوجوب ، بخلاف مصطلح اصالة البراءة فانه يستعمل في كلتا الحالتين.

قوله ص ٥٠ س ١٥ واقعي حقيقي :

تقدم ان الحكم اذا كان ناشئا من ملاكات قائمة به فهو حقيقي ، وان كان ناشئا للتحفظ على ملاكات الحكم الواقعي فهو طريقي ، وكل حكم واقعي هو حقيقي وكل حكم ظاهري فهو طريقي.

قوله ص ٥١ س ١٥ والاباحة الاقتضائية :

تقدم ان الاباحة اذا نشأت عن مصلحة في الترخيص فهي اقتضائية ، وان نشأت من عدم المصلحة في الالزام بالفعل والترك فهي غير اقتضائية.

__________________

ـ افاده في توجيه سلب المنجّزية.

١١٩
١٢٠