السّجود

الشيخ داود سلمان الربيعي

السّجود

المؤلف:

الشيخ داود سلمان الربيعي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-80-3
الصفحات: ١١٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فمن عثر علىٰ سر الصلاة يقف علىٰ مواقف القيامة ويراها كأنّها قامت وتدعو نارها من أعرض وتولىٰ ، فيجدُّ ويجاهد ويجتهد في إخمادها ، كما في المأثور عن الإمام زين العابدين عليه‌السلام أنّ حريقاً وقع في بيته وهو ساجد فجعلوا يقولون له : يا بن رسول الله ، النار ، يا بن رسول الله النار. فما رفع رأسه حتى طفئت. فقيل له ـ بعد فراغه ـ : ما الذي ألهاك عنها ؟

قال عليه‌السلام : « ألهاني عنها النار الاُخرىٰ » (١).

رابعاً : العلاقة العبادية بين الركوع والسجود :

ربما عبّر القرآن الكريم عن الصلاة كلّها بالركوع والسجود ، قال تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢).

ومثله ما حكاه القرآن من قول الملائكة لمريم : ( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (٣).

ومع هذا الاشتراك بين الركوع والسجود ، وكونهما مثالين لغاية التذلّل

__________________

الداوري ـ قم ( اُفسيت علىٰ طبعة المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف ، تحقيق السيد محمد صادق بحرالعلوم سنة ١٣٨٥ ه‍ ).

(١) مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور ١٧ : ٢٣٦ / ١٣٤ ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. وسير أعلام النبلاء / الذهبي ٤ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ / ١٥٧ ترجمة علي بن الحسين عليه‌السلام. وانظر : مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، دار الاضواء ـ بيروت ١٩٩١ م ـ ١٤١٢ ه‍ ط ٢.

(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٧٧.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٢٤.

٢١

والتخضّع ، ومقرونين بالذكر الخاص بكل منهما ، لكن في السجود زيادة تخضّع ظاهرة ، فبين الانحناءة ومدّ العنق وبين وضع الجبهة علىٰ الأرض ، مصحوباً بهذا الذكر الجليل « سبحان ربي الاعلىٰ » فارق مرتبة جعل العبد في حالة السجود أشدّ قربا إلىٰ الله تعالىٰ ، وبه يتجلّىٰ لنا معنىٰ قوله تعالىٰ : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقرب ما يكون العبد من الله عزَّ وجلَّ وهو ساجد » (٢).

وفي حديث جعفر الصادق عليه‌السلام يوازن فيه بين الركوع والسجود ، جاء فيه : « .. الركوع أول والسجود ثانٍ ، فمن أتىٰ بمعنىٰ الأول صلح للثاني ، وفي الركوع أدب ، وفي السجود قرب ، ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب ، ... فإنّ الله تعالىٰ يرفع عباده بقدر تواضعهم له ويهديهم إلى اُصول التواضع والخضوع بقدر اطلاع عظمته على سرائرهم » (٣).

وقد علّق الإمام الخميني قدس‌سره علىٰ هذا النصّ بقوله : ( وفي هذا الحديث الشريف إشارات وبشارات وآداب ووظائف.. ومن هنا يعلم أن السجود فناء ذاتي كما قال أهل المعرفة ، لأنّ الركوع أول هذه المقامات والسجود ثانٍ ، فليس هو إلاّ مقام الفناء في الذات ) (٤).

__________________

(١) سورة العلق : ٩٦ / ١٩.

(٢) راجع : صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٦٧ / ٤٨٢ باب ٤٢ كتاب الصلاة. والسنن الكبرى / النسائي ١ : ٢٤٢ / ٧٢٣ باب ٢٥ كتاب التطبيق ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١١ ه‍ ط ١. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٢٢٥ / ٢٩٣٧ باب أفضل السجود وآدابه من أبواب السجود.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٠٩.

(٤) الآداب المعنوية للصلاة / الامام الخميني : ٥٢٧ ـ ٥٢٨. والحديث منقول من

٢٢

وأما من حيث الذكر ، فالذكر الذي ينبغي قوله في كل منهما يشترك في جوانب ويختلف في أُخرىٰ ، فالاشتراك بذكر التسبيح والتحميد ، وهو التنزيه والشكر علىٰ النعم.

سأل محمد بن سنان الإمام الرضا عليه‌السلام عن علّة جعل التسبيح في الركوع والسجود فقال عليه‌السلام : « لعللٍ ، منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبّده وتورّعه واستكانته وتذلّله وتواضعه وتقربه إلىٰ الله مُقدِّساً له وممجّداً ، مسبّحاً مطيعاً ، معظّماً شاكراً لخالقه ورازقه فلا يذهب به الفكر والأماني إلىٰ غير الله » (١).

وأما موضع الافتراق ففي الأول التعظيم في الانحناء ، وفي الثاني ذكره بالعلو مع التذلل والانحطاط والصاق الجبين بالتراب بمعنىٰ ربي أنت العلي وأنا الوضيع الداني.

عن هشام بن الحكم ، عن أبي الحسن موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام ـ في حديث صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاسراء ـ قال : قلت له.. ولأي علة يقال في الركوع : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) ويقال في السجود : ( سبحان ربي الأعلىٰ وبحمده ) ؟

قال عليه‌السلام : « يا هشام.. فلمّا ذكر ما رأىٰ من عظمة الله ارتعدت فرائصه ،

__________________

كتاب مصباح الشريعة : ١٢ باب ١٥.

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام / الشيخ الصدوق ٢ : ١٠٦ / ١ باب ٣٤. العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان والتي سمعها من الإمام الرضا عليه‌السلام مرة بعد مرة ، تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان ، منشورات الأعلمي ـ طهران ( أُوفسيت علىٰ طبعة المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف ) ١٣٩٠ ه‍.

٢٣

فابترك علىٰ ركبتيه ، وأخذ يقول : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) فلمّا اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه (١) في موضع أعلىٰ من ذلك الموضع خرَّ علىٰ وجهه وجعل يقول : ( سبحان ربي الأعلىٰ وبحمده ) فلمّا قال سبع مرات سكن ذلك الرعب ، فلذلك جرت به السُنّة » (٢).

ومن بديع التعبير عن علاقة الركوع بالسجود ما قاله السيد السبزواري رحمه‌الله :

إنَّ الرُّكوعَ والسُّجُودَ والثَّنا

أعظمُ طاعةٍ لخالقِ السَّما

إنَّ الرُّكوعَ والسُّجُودَ حقُّهُ

بِذاتِهِ لِذاكَ يَستحقُّهُ (٣)

__________________

(١) الضمير في ( إليه ) راجع إلىٰ الموصول في قوله عليه‌السلام : « فلمّا ذكر ما رأىٰ من عظمة الله » وليس المراد به ماذهب إليه المجسمة الذين ما قدروا الله حق قدره ، فقالوا بالرؤية ، تعالىٰ الله عن قولهم علواً كبيراً.

(٢) علل الشرائع / الصدوق ٢ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ / ٤ باب ٣٠.

(٣) مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام / السيد السبزواري ٦ : ٤١٥.

٢٤

المبحث الثاني

فضل السجود وآثاره ونتائجه

للسجود فضائل كثيرة وآثار محمودة ونتائج طيبة تعود بالخير علىٰ الساجد نفسه في عاجلته وآجلته ، وبما أنّ للسجود حالات وأوصافاً متعددة لذا كانت نتائجه موافقة لحالاته وأوصافه ، فقد يكون السجود طويلاً وكثيراً مصحوباً ببكاء الساجد وخشيته الشديدة من الله عزّ وجلّ ، كما قد يكون قليلاً وسريعاً كنقر الغراب ، وقد نهىٰ عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقراً » (١) لأنّه لا يتمكن من السجود ولا يطمئن فيه.

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « أبصر أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلاً وهو ينقر بصلاته فقال : منذُ كم صليت بهذه الصلاة ؟ فقال له الرجل : منذ كذا وكذا. قال عليه‌السلام : مثلك عند الله مثل الغراب إذا ما نقر ، لو متَّ ، متَّ علىٰ غير ملة أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أسرق السراق من سرق من صلاته » (٢) ، وقد يكون وسطاً بين هذا وذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٢٩٨ / ٨٠١٧ باب ٣ وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود كتاب الصلاة. وراجع : مستدرك الوسائل / الميرزا حسين النوري ٤ : ٤٦٩ / ٥١٨٥ باب ١٧ من أبواب السجود.

(٢) روضة الواعظين / الفتّال النيسابوري ٢ : ٣١٩. وصحيح البخاري ١ : ٢٠٦ باب إذا لم يتم سجوده ، كتاب الصلاة عن حذيفة.

٢٥

والسجود الذي نروم الحديث عن فضله وآثاره ليس سجود المرائين والمنافقين القائم علىٰ أساس بلوغهم أهداف خسيسة زائلة ، ومقاصد حقيرة عاجلة ، فلا شكّ أنه ليس له من تلك الآثار نصيب ، ولا لفاعله إلاّ الخيبة والخسران.

وإنّما هو السجود الصادق لله عزَّ وجلّ وإن اختلفت شدته ورتبته من ساجد إلىٰ آخر ، وبالجملة فإنّ السجود الصادق لله عزَّ وجلّ له من الآثار والفضائل ما يجلّ وصفها ، وسوف نذكر ما تيسر لنا منها اهتداء بأحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله عليهم‌السلام ، وعلىٰ النحو الآتي

١ ـ مدح الساجدين في القرآن الكريم :

لقد مدح الله تعالىٰ الساجدين في أكثر من موضع ، ولا سيّما ممن جمع مع السجود الجهاد في سبيل الله وتحلّى بمكارم الأخلاق ، لأنّ السجود بطبيعته خضوع لله تعالىٰ ، لذا فإنّه يستوجب الزهد بكلِّ شيء من أجله تعالىٰ ، والاقبال علىٰ ما يوفّر رضاه ومحبته ، قال تعالىٰ : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١).

أي أنّ سجودهم لله تذللاً وتخشعاً أثّر في وجوههم أثراً ، وهو سيماء الخشوع لله ، ويعرفهم به من رآهم ، وقيل : المراد أثر التراب في جباههم لأنهم كانوا إنّما يسجدون علىٰ التراب ، لا علىٰ الأثواب (٢).

__________________

(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.

(٢) الميزان في تفسير القرآن / السيد محمد حسين الطباطبائي ١٨ : ٣٠٠ في تفسير

٢٦

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يشير إلىٰ هذا الصنف من الناس بقوله عليه‌السلام : « إنّي لأكره للرجل أن أرىٰ جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود.. » (١).

وروي أنّ الإمام زين العابدين عليه‌السلام قال في معرض رده علىٰ قوم يزعمون التشيع لأهل البيت عليهم‌السلام : « أين السّمَتُ في الوجوه ؟ أين أثر العبادة ؟ أين سيماء السجود ؟ إنّما شيعتنا يعرفون بعبادتهم وشعثهم ، قد قرحت العبادة منهم الآناف ودثرت الجباه والمساجد » (٢).

٢ ـ اتخاذ إبراهيم عليه‌السلام خليلاً لكثرة سجوده :

من الآثار المباركة لكثرة سجود النبي إبراهيم عليه‌السلام ، أن اتخذه الله خليلاً ، كما يدلك علىٰ هذا حديث الإمام الصادق عليه‌السلام وقد سُئل : لِمَ اتخذ الله إبراهيم خليلاً ؟

فقال عليه‌السلام : « لكثرة سجوده علىٰ الأرض » (٣).

__________________

الآية السابقة ، مؤسسة مطبوعات اسماعيليان ـ قم ( أُفست علىٰ طبعة بيروت ١٣٩٣ ه‍ ط ٣ ).

(١) تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي ٢ : ٣١٣ / ١٣٧٥ باب ١٥ كيفية الصلاة وصفتها ، دار الأضواء ـ بيروت ١٤٠٦ ه‍ ط ٣. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٤٦٨ / ٨٣٢٦.

(٢) مستدرك الوسائل/ النوري ٤ : ٤٦٨ / ٥١٨٢ باب ١٧ عن كتاب صفات الشيعة : ٢٨/ ٤٠. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٤٧٢ / ٨٣٣٨.

(٣) علل الشرائع / الشيخ الصدوق : ٣٤ / ١. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٧٠ / ٥١٨٩ باب ١٨.

٢٧

٣ ـ اصطفاء موسىٰ عليه‌السلام كليماً لكثرة سجوده :

مما تميز به النبي موسىٰ عليه‌السلام من بين جميع الأنبياء عليهم‌السلام هو أن الله سبحانه وتعالىٰ اصطفاه بكلامه ، ولم ينل هذه الرتبة إلاّ بعد أن جسّد موسى عليه‌السلام أقصىٰ حالات التواضع والخضوع لله جلَّ وعلا فكان يطيل السجود ويعفّر خدّه في التراب زيادة في التذلل وطلب القرب من العلي الأعلىٰ.

فقد روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « كان موسىٰ بن عمران عليه‌السلام إذا صلّىٰ لم ينفتل ـ من صلاته ـ حتىٰ يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض » (١).

وروي عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « أوحىٰ الله عزَّ وجلَّ إلىٰ موسىٰ عليه‌السلام : أن يا موسىٰ أتدري لِمَ اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال : يا ربِّ ولِمَ ذاك ؟ فأوحى الله تبارك وتعالىٰ إليه أن : يا موسى إني قلّبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفساً منك ، يا موسىٰ إنّك إذا صليت وضعت خدَّك علىٰ التراب ـ أو قال علىٰ الأرض ـ » (٢).

٤ ـ مباهاة الرب عزَّ وجلّ الملائكة بالعبد الساجد :

من وصايا الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لصاحبه أبي ذر الغفاري رحمه‌الله وهو يرشده

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه / الصدوق ١ : ٢١٩ / ٩٧٣ باب سجدة الشكر والقول فيها.

(٢) اُصول الكافي ٢ : ١٢٣/ ٧ باب التواضع. ومن لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق ١ : ٢١٩ / ٩٧٤ باب ٤٧ عن الإمام الباقر عليه‌السلام باختلاف يسير.

٢٨

إلىٰ أعمال يحبّها الله تعالىٰ ويباهي بها الملائكة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا أبا ذر ، إنّ ربك عزَّ وجلَّ يباهي الملائكة بثلاثة نفر ـ إلىٰ أن قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ورجل قام من الليل فصلّىٰ وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول الله تعالىٰ : اُنظروا إلىٰ عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد » (١).

وروىٰ الحسن بن علي الوشاء عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سمعته عليه‌السلام يقول : « إذا نام العبد وهو ساجد قال الله عزَّ وجلَّ للملائكة : اُنظروا إلىٰ عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي » (٢).

ومن وصايا النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاُسامة بن زيد : « يا اُسامة ، عليك بطريق الحق ـ إلىٰ أن قال ـ يا اُسامة ، عليك بالسجود ، فإنّه أقرب ما يكون العبد من ربّه إذا كان ساجداً ، وما من عبد سجد لله سجدة ، إلاّ كتب الله له بها حسنة ، ومحا عنه بها سيئة ، ورفع له بها درجة ، وباهىٰ به ملائكته » (٣).

٥ ـ السجود طاعة لله تعالىٰ ونجاة للساجد :

أخرج الشيخ المفيد رضي‌الله‌عنه بسنده عن أمير المؤمنين الامام علي عليه‌السلام حديثاً تضمّن جملة وصايا حيث ركّز فيها علىٰ طول السجود باعتباره طاعة لله عزَّ وجل ونجاة للساجد قال عليه‌السلام : « ... ولا تستصغروا قليل الآثام ، فإنّ القليل يحصىٰ ويرجع إلىٰ الكثير ، وأطيلوا السجود فما من عمل أشد علىٰ إبليس من أن يرىٰ ابن آدم ساجدا لأنه أُمر بالسجود فعصىٰ وهذا أُمر

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ٢٤٣. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٧١ / ٥١٩١ باب ١٨.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام / الصدوق ٢ : ٧ / ١٩ باب ٣٠.

(٣) مستدرك الوسائل ٤ : ٤٧٥ / ٥٢٠٤ باب ١٨.

٢٩

بالسجود فأطاع فنجا (١) ».

٦ ـ كثرة السجود تحتّ الذنوب :

إنّ كثرة السجود تدلّل علىٰ استمرار تذلّل العبد لربه العظيم وطلب المغفرة وتطهيره من الذنوب لما في السجود من تجسيد حقيقة العبودية بعد نفي التكبر والتمرّد والعصيان.

جاء رجل إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، كثرت ذنوبي وضعف عملي ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أكثر من السجود ، فإنّه يحتّ الذنوب كما تحتّ الريح ورق الشجر » (٢).

٧ ـ طول السجود وكثرته طريق إلىٰ الجنة :

جاء في الحديث التأكيد علىٰ ضرورة إطالة السجود لمن أراد أن تكون له الجنة هي المأوىٰ.

فقد روىٰ ثقة الإسلام الكليني رضي‌الله‌عنه بسنده عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : « مرَّ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال : يا رسول الله ألا أكفيك ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شأنك ، فلما فرغ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حاجتك ؟ قال : الجنة، فأطرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : نعم ، فلمّا ولى قال له : يا عبدالله

__________________

(١) الخصال / الشيخ المفيد : ٦١٦. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ / ٨٣٥٤. ومثله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجع علل الشرائع ٢ : ٣٤٠ / ٢.

(٢) أمالي الصدوق : ٤٠٤/ ١١ المجلس ٧٥ منشورات الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٠ ه‍ ط ٥. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٧٠ / ٥١٨٨ باب ١٨.

٣٠

أعنّا بطول السجود » (١).

وفي خبر آخر ، أنَّ قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، اضمن لنا علىٰ ربك الجنة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علىٰ أن تعينوني بطول السجود » (٢).

وعن ربيعة بن كعب أنه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يدعو له بالجنة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعنّي بكثرة السجود » (٣).

٨ ـ طول السجود طريق للحشر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ومن الفوائد المترتّبة علىٰ طول السجود ، توفيق الله تعالىٰ لأن يحشر حليف السجدة الطويلة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام ، وذلك هو الفوز العظيم.

أورد الديلمي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « جاء رجل إلىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : علّمني عملاً يحبّني الله ، ويحبّني المخلوقون ، ويثري الله مالي ، ويصح بدني ، ويطيل عمري ، ويحشرني معك.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه ست خصال تحتاج إلىٰ ست خصال ، إذا أردت أن يحبّك الله فخفه واتّقه ، وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون فأحسن إليهم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٦٦ / ٨ باب فضل الصلاة.

(٢) أمالي الطوسي ٢ : ٢٧٧. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٧١ / ٥١٩٠ باب ١٨ من أبواب السجود. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٤٦٥ / ٨٣١٥ فضل السجود.

(٣) دعوات الراوندي : ٩. ومستدرك الوسائل ٤ : ٤٧١ / ٥١٩٢ باب ١٨ من أبواب السجود.

٣١

وارفض مافي أيديهم ، وإذا أردت أن يثري الله مالك فزكّه ، وإذا أردت أن يصحّ الله بدنك فأكثر من الصدقة ، وإذا أردت أن يطيل الله عمرك فصِلْ ذوي أرحامك ، وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يدي الله الواحد القهار » (١).

٩ ـ السجود يحقّق الشفاعة في الآخرة :

المستفاد من النصوص الواردة في السجود ، أنّ لطوله وكثرته سهما في نيل الشفاعة والوصول إلىٰ الرضوان الإلهي وهو الجنة بدرجاتها والتخلص من النار وآثارها ، ويدلّ عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل ـ كما في الحديث المتقدم ـ : « أعني بكثرة السجود » فإنّه يعني أنّ الشفاعة تحتاج إلىٰ مقدمات أهمها الاستعانة بالصلاة وتفهّم أجزائها والتعايش مع أبعادها التربوية قال تعالىٰ : ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) (٢).

وهذه الاستعانة تكون لاُمور شتىٰ ، منها الوصول إلىٰ الشفاعة ، ومن أهم أجزاء الصلاة التي يستعان بها هو السجود ، فمن صلّىٰ وأطال سجوده فقد توصّل إلىٰ الشفاعة بالصلاة والسجود.

__________________

(١) أعلام الدين في صفات المؤمنين / الديلمي : ٢٦٨ تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٨ ه‍. وبحار الأنوار ٨٥ : ٦١٤ / ١٢. وجامع أحاديث الشيعة ٥ : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ / ٨٣٣٩ باب ١ فضل السجود.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٤٥.

٣٢

١٠ ـ السجود من سنن الأوابين :

إنّ الأوابين هم اُولئك الذين صفت نفوسهم وارتفعت إلىٰ مدارج الكمال بحيث سمت نفوسهم التقية فوق مستوىٰ المادة ، فهم علىٰ صلة مع الله عزَّ وجلّ في كلِّ حين كما هو واضح من معنىٰ الأوّاب أي الكثير الرجوع إلىٰ الله عزَّ وجلّ في كل صغيرة وكبيرة.

لذا كان من الطبيعي جداً أن يكون سجودهم له طعمه الخاص ولونه الخاص في صفته وطوله ومن هنا جاء في حديث الإمام الصادق عليه‌السلام ما يؤكد علىٰ أن طول السجود من سنن الأوابين.

فقد جاء في وصيته لأبي بصير قوله عليه‌السلام : « يا أبا محمد عليك بطول السجود ، فإنّ ذلك من سنن الأوابين » (١).

١١ ـ مواضع السجود لا تأكلها النار :

ومن فضل السجود عند الله عزَّ وجلّ أنه يثيب عليه حتىٰ من غلبت سيئاته حسناته فدخل النار ، وذلك بتكريم مواضع السجود لله في حياته فلا تأكلها النار ، وقد ورد في الحديث ما يؤيد ذلك ، ففي المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « ... إنّ النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلاّ موضع السجود فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل » (٢).

__________________

(١) مشكاة الأنوار / الطبرسي : ١٤٦ منشورات الأعلمي ، بيروت ١٤١١ ه‍ ط ٣. وقريب منه باختصار في علل الشرائع ٢ : ٣٤٠ / ١ باب ٣٩.

(٢) سنن النسائي ٢ : ٢٢٩ باب موضع السجود دار الكتب العلمية ـ بيروت.

٣٣

وفي حديث آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في وصف أهوال يوم القيامة : « ... حتىٰ إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة ان يُخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ، ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرّم الله علىٰ النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلاّ أثر السجود.. » (١).

١٢ ـ شهادة الأرض للساجد عليها يوم القيامة :

ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام استحباب تغيير مكان الصلاة باستمرار وخصوصاً في الأماكن المقدسة ، وذلك لأن الأرض تشهد للمصلي عند الله تبارك وتعالىٰ ، ولا سيّما البقعة التي يضع عليها جبهته سجوداً لله جلَّ وعلا ، عن أبي ذر الغفاري رحمه‌الله في حديث وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « يا أبا ذر ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له بها يوم القيامة..

يا أبا ذر ما من صباح ولا رواح إلاّ وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً : يا جارة ، هل مرَّ بكِ اليوم ذاكر لله عزَّ وجلَّ ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى ؟ فمن قائلة لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم ، اهتزّت وانشرحت وترىٰ أنّ لها فضلاً علىٰ جارتها » (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « صلّوا في المساجد في بقاع مختلفة ،

__________________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٢ : ٥٥٢ / ٨٠٦.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي : ٥٣٤.

٣٤

فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة » (١).

١٣ ـ استجابة الدعاء في السجود :

يعتبر السجود من أهم مواضع استجابة الدعاء ، لذا قال تعالىٰ : ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ) (٢).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء » (٣).

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكد هنا علىٰ ان العبد أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله العميم في حال سجوده لذا جاء الحث علىٰ الدعاء في السجود.

روىٰ جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « أقرب ما يكون العبد من ربَّه إذا دعا ربّه وهو ساجد ، فأي شيء تقول ؟

قلتُ : علّمني ـ جُعلت فداك ـ ما أقول ؟

قال عليه‌السلام : قُلْ ، يا رب الأرباب ، ويا ملك الملوك ، ويا سيد السادات ، ويا جبّار الجبابرة ، ويا إله الآلهة ، صلِّ علىٰ محمد وآلِ محمد وافعل بي كذا وكذا ـ يعني اذكر حاجتك ـ ثم قُل : فإنّي عبدك ، ناصيتي في قبضتك ، ثم ادعُ بما شئت واسأله فإنّه جواد لا يتعاظمه شيء » (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٤٧٤ / ٧.

(٢) سورة العلق : ٩٦ / ١٩.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٦٧ / ٤٨٢ باب ٤٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٢٣ / ٧ باب السجود والتسبيح والدعاء.

٣٥

فالساجد إذن ما دام في موضع القرب والزلفىٰ يمكنه أن يطلب من ذخائر الرحمة وأبواب المغفرة ما يشاء.

عن عبدالله بن هلال قال : شكوت إلىٰ أبي عبدالله عليه‌السلام تفرّق أموالنا وما دخل علينا ، فقال عليه‌السلام : « عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإنَّ أقرب ما يكون العبد إلىٰ الله وهو ساجد ».

قال : قلت : فأدعو في الفريضة ، واُسمي حاجتي ؟

فقال عليه‌السلام : « نعم ، قد فعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا علىٰ قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وفعله علي عليه‌السلام بعده » (١).

وعن عبدالرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبدالله الصادق عليه‌السلام : أدعو وأنا ساجد ؟

فقال عليه‌السلام : « نعم ، فادعُ للدنيا والآخرة ، فإنّه ربُّ الدنيا والآخرة » (٢).

وعن زياد القندي قال : كتبت إلىٰ أبي الحسن الأول عليه‌السلام : علّمني دعاءً ، فإني قد بليت بشيء ـ وكان قد حُبِس ببغداد حيث أُتّهم بأموالهم ـ فكتب إليه عليه‌السلام : « إذا صلّيت فأطل السجود ثم قُل : ( يا أحد من لا أحد له ) حتىٰ ينقطع النفس ، ثُم قُل : ( يا من لا يزيده كثرة الدعاء إلاّ جوداً وكرماً ) حتىٰ تنقطع نفسك ، ثم قل ( يا رب الأرباب أنت أنت أنت الذي انقطع الرجاء إلاّ منك ، يا علي يا عظيم ) ».

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٤ / ١١ الباب السابق.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٣ / ٦ الباب السابق.

٣٦

قال زياد : فدعوت به ففرّج الله عني وخلّي سبيلي (١).

وروىٰ زيد الشحام عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « ادعُ في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا خير المسؤولين ، ويا خير المعطين ، ارزقني وارزق عيالي من فضلك ، فإنّك ذو الفضل العظيم » (٢).

نعم إنّ استجابة الدعاء تستلزم توفّر شروطها ، وأبرز هذه الشروط الصدق في الدعاء ، وهو يستدعي إظهار حالة الفقر الحقيقي إلىٰ الله الغني القادر علىٰ قضاء حاجته ، ثم العزم علىٰ التقيّد بما تفرضه عبوديته لله الخالق العظيم وعدم مخالفته في شيء صغيراً كان أو كبيراً.

١٤ ـ ثواب السجود المقترن بالصلاة علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله عليهم‌السلام :

عن عبدالله بن سليمان قال : سألت أبا عبدالله الصادق عليه‌السلام عن الرجل يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الصلاة المكتوبة ، إما راكعاً وإما ساجداً فيصلي عليه وهو علىٰ تلك الحال ؟ فقال عليه‌السلام : « نعم إنّ الصلاة علىٰ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة التكبير والتسبيح ، وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكاً أيّهم يبلّغها إياه » (٣).

وقال أبو حمزة الثمالي : قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « من قال في ركوعه وسجوده وقيامه ( صلّىٰ الله علىٰ محمد وآل محمد ) كتب الله له بمثل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٨ / ٢٥ باب السجود والتسبيح والدعاء.

(٢) وسائل الشيعة / الحر العاملي ٦ : ٣٧٢ / ٨٢١٢ باب ١٧ جواز الدعاء في السجود للدنيا والآخرة.

(٣) الكافي ٣ : ٣٢٢ / ٥ باب السجود والتسبيح والدعاء.

٣٧

الركوع والسجود والقيام » (١).

المبحث الثالث

مع الساجدين

فيما يلي نماذج مختارة من سجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام تعكس لنا مدىٰ اهتمامهم عليهم‌السلام بهذا الأمر وحرصهم عليه :

سجود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

روى أبو بصير عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انه قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عائشة ذات ليلة فقام يتنفل فاستيقظت عائشة فضربت بيدها فلم تجده ، فظنت انه قد قام إلىٰ جاريتها ، فقامت تطوف عليه ، فوطئت عنقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد باك ، يقول : سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي ، أبوء إليك بالنعم ، واعترف لك بالذنب العظيم ، عملت سوءً وظلمت نفسي فاغفر لي إنّه لا يغفر الذنب العظيم إلاّ أنت ، أعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ برحمتك من نقمتك وأعوذ بك منك ، لا أبلغ مدحك والثناء عليك ، أنت كما أثنيت علىٰ نفسك استغفرك واتوب إليك ، فلمّا انصرف قال : يا عائشة لقد أوجعت عنقي ، أي شيء خشيت ؟ أن أقوم إلىٰ جاريتك ؟ » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢٤ / ١٣ باب السجود والتسبيح والدعاء.

(٢) الكافي ٣ : ٣٢٤ / ١٢ باب السجود والتسبيح والدعاء.

٣٨

وروىٰ عبدالله بن أبي رافع عن علي عليه‌السلام أنّه قال : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام إلىٰ الصلاة المكتوبة كبّر ، فذكر الحديث. وقال : ثم إذا سجد قال في سجوده اللّهم لك سجدت ، وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ، تبارك الله أحسن الخالقين » (١).

وهذه الرواية قد حرّفها العامّة أبشع التحريف وأفقدوها الجزء الأعظم من دلالتها الصريحة علىٰ ما كانت عليه عائشة إذ أوردها ابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي هريرة عن عائشة أنّها قالت : فقدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي علىٰ باطن قدميه وهما منتصبتان فسمعته يقول : « اللهمَّ اني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علىٰ نفسك » (٢).

سجود أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام :

من كلام لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يصف لنا صفات المؤمن الحقّ ، قال عليه‌السلام : « ... إنّ المؤمن من نفسه في شغل والناس منه في راحة ، إذا جنَّ عليه الليل فرش وجهه وسجد لله تعالىٰ ذكره بمكارم بدنه ويناجي الذي خلقه في فكاك رقبته ألا فهكذا كونوا » (٣).

__________________

(١) صحيح ابن خزيمة ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٦٧٣ باب ٩٩ الدعاء في السجود، المكتب الإسلامي ، تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي ، بيروت ١٤١٢ ط ٢.

(٢) صحيح ابن خزيمة ١ : ٣٣٥ / ٦٧١ باب الرجاء في السجود.

(٣) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار / الطبرسي : ٩٠ باب ٢ فصل ٤ في منزلة الشيعة عند الله وحقوقهم وما يجب أن يكونوا عليه.

٣٩

وعن أبي ذر الغفاري رحمه‌الله انه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مثل علي فيكم ـ أو قال : في هذه الاُمّة ـ كمثل الكعبة المستورة ، النظر إليها عبادة ، والحج إليها فريضة » (١).

وعن أبي سليمان الخطابي قال : معناه والله أعلم : إنّ النظر إلىٰ وجهه : يدعو إلىٰ ذكر الله لما يتوسم فيه من نور الإسلام ، ويُرىٰ عليه من بهجة الإيمان ، ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيماء الخشوع ، وبذلك نعته الله فيمن معه من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (٢) ، وهذه كما يُروىٰ لابن سيرين أنّه دخل السوق فلمّا نظر إليه ـ وقد جهدته العبادة ونهكته ـ قال : سبحوا (٣).

وقال نوف البكالي واصفاً أمير المؤمنين كأنّ جبينه ثفنة بعير (٤).

روى حفص الاعور عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « كان علي صلوات الله عليه إذا سجد يتخوّىٰ كما يتخوىٰ البعير الضامر (٥) ،

__________________

(١) تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٢ : ٣٥٦ / ٨٩٤٨ ترجمة علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٧ ه‍ ط ١.

(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.

(٣) تاريخ دمشق / ابن عساكر ٤٢ : ٣٥٦ ترجمة علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٤) مستدرك الوسائل / النوري ٤ : ٤٦٩ / ١٨٧ باب ٤.

(٥) قال في المصباح المنير ١ : ١٨٥ ( خوىٰ ) : خوىٰ الرجل في سجوده : رفع بطنه عن الأرض ، وقيل جافىٰ عضديه. وفي المعجم الوسيط : ٢٦٣ : خوىٰ البعير : رفع بطنه عن الأرض في بروكه ومكّن لثفناته والمصلِّي في سجوده : رفع بطنه عن الأرض وفرج بين عضديه وجنبيه.

٤٠