جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وعمد الصبي والمجنون بحكم الخطأ ، فيرثان مما عدا الدية على المختار كالنائم والساقط من غير اختيار ، فما في كشف اللثام عن بعضهم ـ من منع الصبي والمجنون من الإرث بتعمدهما القتل‌ لعموم « لا ميراث للقاتل » (١) ونحوه ـ واضح الضعف.

وكذا الراكب إذا وطأت دابته من يرثه بل والقائد والسائق ، لكن عن الفضل والعماني التصريح بارث الأولين ، وبه في مثالي التأديب والإصلاح مع قولهما بمنع القاتل مطلقا وبمنع الإرث في الراكب ، واختلفا في القائد والسائق ، فمنعهما العماني ، وورثهما الفضل ، واتفقا على إرث من حفر بئرا في غير حقه أو أخرج كنيفا أو ظلة فأصيب به ، ومال إليه في كشف اللثام ، لعدم صدق القتل بذلك ، بل عن الكليني والصدوق حكايته ساكتين عليه.

وفيه أن السبب كالمباشر كما صرح به جماعة ، بل في الروضة إسناده إلى ظاهر المذهب ، للعموم وضعف منع الإطلاق ، ولذا يثبت القصاص والدية في السبب كالمباشرة ، فالمتجه حينئذ المنع مطلقا إن كان عمدا ، وإلا فمما عدا الدية خاصة على المختار.

والمشارك في القتل كالمنفرد ، كما عن جماعة التصريح به ، فيمنع مما يمنع منه المنفرد وإن لم يستقل بالتأثير لو انفرد.

وهل يشترط في المنع استقرار الحياة؟ استشكله العلامة ، للشك في صدق اسم القتل معه ، ونفاه الفخر فيما حكي عنه ، تمسكا بالعموم ، والحكم يتبع التفسير ، فإن أريد بغير المستقر ما لا يبقى يوما أو يومين أو يوما ونصف يوم كما قالوه في الذبيحة فالحق عدم الاشتراط ، لتحقق القتل معه قطعا ، وإن أريد ما ينتفي معه النطق والحركة الاختياريان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

٤١

كالمذبوح على ما يستفاد من كلامهم في مباحث الجنايات فالاستقرار شرط ، لأن غير المستقر بهذا المعنى ميت أو في حكم الميت ، فلا يتحقق فيه القتل ، على أن الشك فيه أو في شمول الإطلاق له كاف في الإرث ، لوجود المقتضى مع عدم العلم بالمانع.

( و ) على كل حال فـ ( ـلو لم يكن ) للمقتول ( وارث سوى القاتل كان الميراث لبيت المال ) أي مال الامام عليه‌السلام لا المسلمين ، ضرورة كون الإرث له ، ومن الأنفال التي ملكه الله إياها ، كما تقدم الكلام فيه (١).

( ولو قتل أباه وللقاتل ولد ورث جده إذا لم يكن هناك ولد للصلب ، ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه ) كما‌ قال أحدهما عليهما‌السلام في خبر جميل (٢) : « فان كان للقاتل ابن ورث الجد المقتول » وفي‌ خبر آخر له (٣) « لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ، لكن يكون الميراث لورثة القاتل ».

( ولو كان للقاتل وارث كافر ( فلا ميراث وخ ) منعا جميعا ) أحدهما بقتله والآخر بكفره ( وكان الميراث للإمام عليه‌السلام ) حتى المطالبة بالدم.

( نعم لو أسلم الكافر كان الميراث له ) وإن نقل إلى الامام عليه‌السلام ( والمطالبة ) بالدم ( إليه. وفيه قول آخر ) قد عرفت الحال فيه وفي القول الثالث بما لا مزيد عليه ، فلاحظ والله العالم.

__________________

(١) راجع ج ١٦ ـ ص ١٢٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٢.

٤٢

( وهنا مسائل : )

( الأولى : )

( إذا لم يكن للمقتول وارث سوى الامام عليه‌السلام فله المطالبة بالقود أو الدية مع التراضي ، وليس له العفو ) وفاقا للأكثر لحسن أبي الولاد أو صحيحه (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل مسلم قتل مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته ، فقال : على الامام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدية ، فان لم يسلم أحد كان الامام ولي أمره ، فإن شاء قتل ، وإن شاء أخذ الدية ، فجعلها في بيت مال المسلمين ، لأن جناية المقتول كانت على الامام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين ، قال : فان عفا عنه الامام ، فقال : إنما هو حق جميع المسلمين ، وإنما على الامام أن يقتل أو يأخذ الدية ، وليس له أن يعفو ».

وصحيحه الآخر (٢) عنه (ع) أيضا « في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام فقال : ليس للإمام أن يعفو ، وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين ، لأن جناية المقتول كانت على الامام وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين ( إنما على الامام أن يقتل أو يأخذ الدية ، وليس له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ من كتاب القصاص.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ من كتاب القصاص.

٤٣

أن يعفو ، لأن جناية المقتول كانت على الامام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين ، قلت : فان عفا عنه الامام ، فقال : إنما هو حق جميع المسلمين ) (١) ».

خلافا للمحكي عن ابن إدريس ، فأجاز للإمام العفو ، لأنه وليه ، فإن رضي بالدية كانت له لا لبيت مال المسلمين كتركته ، ولأن جنايته عليه ، لأنه عاقلته.

وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب ، نعم ما فيه من جعل الدية في بيت مال المسلمين مخالف لما عليه الأصحاب ، كما أن ما فيه من كون ذلك حقا لجميع المسلمين كذلك أيضا ، فلا بد من طرحه أو حمله ـ كبيت المال الذي في عبارة البعض ـ على إرادة بيت مال الامام من حيث الإمامة الذي مرجعه في الحقيقة إلى المسلمين ولذا لا يرثه غير الامام من ورثته كباقي الأنفال ، خصوصا بعد ما فيه من كون جنايته على الامام لا بيت مال المسلمين ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( الدية ) عندنا وإن تجددت بعده ( في حكم مال المقتول

__________________

(١) الحديث ينتهي بقوله ( ٧ ) : « وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين » ‌

كما في التهذيب ج ١٠ ص ١٧٨ الرقم ٦٩٦. وما بين القوسين الذي ألحق بالصحيح فهو من ذيل الصحيح المتقدم بتقديم وتأخير في الجمل ، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف فان الموجود في النسخة الأصلية المخطوطة بقلمه الشريف أيضا كذلك.

٤٤

يقضى منها دينه ، ويخرج منها وصاياه ، سواء قتل عمدا فأخذت الدية أو خطأ ) بل في محكي المهذب الإجماع عليه ، بل في محكي المبسوط والخلاف أنه قول عامة الفقهاء إلا أبا ثور.

وقال الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق (١) : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال ».

والكاظم عليه‌السلام في خبر يحيى الأزرق (٢) « في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال : نعم ، قال : وهو لم يترك ، قال : إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه ».

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر السكوني (٣) : « من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته ».

وفي‌ خبر محمد بن قيس (٤) « أنه عليه‌السلام قضى في وصيته رجل قتل أنها تنفذ من ماله وديته كما أوصى ».

فما عن بعضهم ـ من أن دية العمد لا يقضى منها الدين لأن الواجب فيه القصاص الذي هو حق الوارث ، فالدية المأخوذة هي عوض عن حقه ، لا مدخلية للميت فيها ، بل عن آخر المنع من قضاء الذين من الدية مطلقا ، لأنها ليست من أموال الميت التي تركها ـ مع أنهما من الاجتهاد في مقابلة النص والإجماع كما ترى ، ضرورة كون الدية في الخطأ عوضا عن النفس ، فيستحقها الميت عند خروج روحه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الدين والقرض ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الوصايا ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الوصايا ـ الحديث ٣.

٤٥

بل الظاهر كون الترتيب بينهما ذاتيا لا زمانيا كالعلة والمعلول ، وفي العمد يستحق عليه إزهاق روحه ، لقوله تعالى (١) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) فهو شبيه ضمان الشي‌ء بمثله ، فإذا صالح الوارث على الدية كان كدفع العوض عن المثل المستحق.

وقد عرفت أن استحقاقه إزهاق النفس قد حصل مقارنا لموته ، فلا إشكال حينئذ في عد ذلك من أمواله وتركته ، إذ هو أولى بنفسه من غيره ، فعوضها من تركته ، بل هي أولى من الأطراف أو ديتها التي كانت مستحقة له في حياته.

المسألة ( الثالثة : )

( يرث الدية كل مناسب ومسابب ) سواء كانت دية عمد أو خطأ ، وسواء كان ممن يرث القصاص منهم أو لا ، بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) فيه مستفيضة أو متواترة ( عدا من يتقرب بالأم ، فإن فيهم خلافاً ).

لكن المشهور عدم إرثهم ، بل عن جنايات الخلاف الإجماع عليه ، كما عن موضع من السرائر نفي الخلاف فيه ، لصحيح ابن سنان (٣) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن الدية يرثها الورثة إلا الاخوة والأخوات من الأم ، فإنهم لا يرثون من الدية شيئا » ونحوه غيره من‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٢.

٤٦

النصوص (١) التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما.

نعم لم يذكر إلا الاخوة والأخوات وعنوان المصنف وغيره من يتقرب منهم بالأم ، ويمكن أن يكون ذلك للقطع بالمساواة أو الأولوية ، ضرورة أقربيتهم من غيرهم.

ومما ذكرنا بان لك ضعف ما عن ابن إدريس من أنه يرثها جميع الورثة ، لعموم الأدلة الذي يجب تخصيصه بما عرفت ، كما أنه يجب تخصيص ما في مواريث الخلاف من إطلاق إرثها جميع الورثة مدعيا عليه الإجماع بما سمعته من جناياته.

وأضعف من ذلك القول بمنع المتقرب بالأب وجده ، وما عن المهذب والإيجاز من منع خصوص النساء منهم وعن شرح الإيجاز أنه جمع بين قولي الشيخ بمنع النساء وبإرثهن بالمنع إذا انفردن والإرث إذا اجتمعن مع الذكور ، وحكي فيه قول بالعكس ، والكل كما ترى ، ويأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب القصاص إنشاء الله.

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يرث أحد الزوجين القصاص ) إجماعا ( و ) إن كان ( لو وقع التراضي ) بين من عليه القصاص ومن له ( بالدية ورثا نصيبهما منها ) إجماعا أيضا ونصوصا (٢) منها خبر إسحاق بن عمار (٣) المتقدم سابقا.

فما في‌ خبر السكوني (٤) ـ من « أن عليا عليه‌السلام كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئا ولا الاخوة من الام من الدية شيئا » ـ مع الضعف محمول على التقية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣.

٤٧

أو على أن يكون القاتل أحدهما خطأ.

كما أن ما يقال ـ من أن الدية عوض حق القصاص الذي هو لغيرهما فلا وجه لارثهما من عوض ما ليس للميت ولا لهما ـ لا ينبغي الالتفات إليه ، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص ، ولمنع عدم كون الحق للميت ، فإن إزهاق النفس عوض نفس الميت شي‌ء يستحقه الميت وإن اختص باستيفائه غيرهما ، لحكمة التشفي من حيث النسب وغيرها ، فالدية في الحقيقة عوض حق للميت كما هو ظاهر.

( وأما ) المانع الثالث الذي هو ( الرق فـ ) لا خلاف بيننا في أنه ( يمنع في الوارث و ) في ( الموروث ) بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص (١) وافية فيه من غير فرق بين المتشبث منه بالحرية كأم الولد وغيره ، عدا المكاتب الذي قد ترك ما يفي لمكاتبته ، فان فيه خلافا قد مر في محله.

كما أنه لا فرق في ذلك بين القول بملكه وعدمه ، بل قد لا يظهر وجه للمانعية في الموروثية بناء على عدم قابليته للملك ، ضرورة عدم المال له حتى يتصور فيه المانعية ، وهو كمن لا مال له ، فان ذلك لا يعد مانعا من إرثه.

نعم يظهر له وجه بناء على الملك الذي هو ملك غير مستقر ، لعوده إلى السيد بزوال الملك عن رقبته ببيع أو موت أو غيرهما ، فسيده الذي يعود الملك إليه في الحقيقة غير وارث ، لعدم ملكه لما جاء إليه بالموت من حيث إنه موت كي يكون وارثا ، بل لأن ملك العبد على القول به أقصاه زوال ملك السيد عنه ولو ببيع أو موت ، والأمر في ذلك سهل بعد أن كان عدم التوارث بين الحر والعبد من الجانبين مفروغا منه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب موانع الإرث.

٤٨

وحينئذ ( فمن مات وله وارث حر وآخر مملوك فالميراث للحر ولو بعد ) حتى ضامن الجريرة ( دون الرق وإن قرب ) بأن كان والدا أو ولدا بلا خلاف أجده.

( و ) لو تقرب الحر بالمملوك لم يمنع وإن منع السبب كما ( لو كان الوارث رقا وله ولد حر ) فإنه ( لم يمنع الولد برق أبيه ) بل يكون هو الوارث دونه وإن كان تقربه به ،

قال الصادق عليه‌السلام في خبر مهزم (١) « في عبد مسلم له أم نصرانية وابن حر فمات الأم ، يرثها ابن ابنها الحر ».

( ولو كان الوارث اثنين فصاعدا فعتق المملوك قبل القسمة شارك إن كان مساويا وانفرد إن كان أولى. ولو كان عتقه بعد القسمة لم يكن له نصيب ).

( وكذا لو كان المستحق للتركة واحدا ) غير الامام (ع) ( لم يستحق العبد بعتقه نصيبا ) بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك بل الإجماع عليه والنصوص (٢) بنحو ما سمعته في الكافر فيه أيضا ، نعم عن ظاهر المبسوط والإيجاز أنه إن أعتق قبل حيازة الواحد ورث ، وعن الوسيلة والإصباح الإرث إذا أعتق قبل النقل إلى بيت المال ، وهما كما ترى ، خصوصا بعد ما عرفته سابقا في نظيره في الكافر.

بل الظاهر هنا مساواة الإمام عليه‌السلام لغيره من الوارث المتحد حيث يفرض عدم فكه لقصور التركة أو نحو ذلك مما يوجب كون الإرث للإمام عليه‌السلام فإذا اتفق تحرير العبد لم يشاركه ، لعدم صدق إعتاقه قبل القسمة ، كغيره من الوارث المتحد ، وحمله على الكافر الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب موانع الإرث.

٤٩

قد سمعت النص (١) فيه بالخصوص قياس ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( ـإذا لم يكن للميت وارث ) في جميع الطبقات حتى ضامن الجريرة ( سوى المملوك اشتري المملوك ) اتحد أو تعدد ( من التركة وأعتق وأعطي بقية المال ) بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه وإن كان ستعرف الخلاف في خصوص من يفك منهم ، والنصوص (٢) وافية في الدلالة عليه.

نعم قد يتوقف في دلالتها على توقف وجوب الفك على انتفاء الوارث الحر حتى ضامن الجريرة.

بل‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (٣) : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في الرجل يموت وله أم مملوكة وله مال أن تشترى أمه من ماله ، ثم يدفع إليها بقية المال إذا لم يكن ذو قرابة له سهم في كتاب الله » يقتضي توقف الفك على عدم القرابة خاصة ، لا ما يشمل الضامن.

بل‌ خبر إسحاق بن عمار (٤) : « مات مولى لعلي بن الحسين عليهما‌السلام فقال : انظروا هل تجدون له وارثا؟ فقيل له : إن له ابنتين باليمامة مملوكتين ، فاشتراهما من مال الميت ، ثم دفع إليهما بقية المال » دال على ذلك بناء على أنه عليه‌السلام كان ولي نعمة له باعتبار تحريره إياه تبرعا.

بل إطلاق غيره مما دل (٥) على فك الأم ونحوها يقتضي ذلك أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث.

٥٠

وإن قيد بعدم وارث قريب ولو بعيدا ، للأدلة الخاصة ، فيبقى غيره على مقتضى الإطلاق.

لكن إطلاق الأصحاب اعتبار نفي الوارث وتصريح البعض كالفاضل الهندي وغيره بضامن الجريرة وعموم ما دل على إرثه ـ الذي بينه وبين ما هنا تعارض العموم من وجه ـ يقتضي اعتبار نفيه أيضا ، وهو إن تم إجماعا وإلا كان للنظر فيه مجال.

ثم إنه يظهر من بعض الأفاضل كون المراد بهذا الشراء الفك لا الحقيقي ، ضرورة عدم مالك للعبد.

ومنه يظهر عدم حاجة في عتقه إلى صيغة ، كما هو أحد الوجهين أو القولين ، بل يكفي في حريته فكه المستلزم لازالة ملك مالكه عنه ، فليس هو إلا ملكا لله كغيره من الناس.

لكن فيه أنه يمكن أن يقال بعد فرض كون شرائه بعين مال التركة الباقي على حكم مال الميت باعتبار عدم الوارث له : إن المتجه صيرورة العبد بحكم مال الميت على حسب ثمنه المدفوع عنه ، فيتجه انعتاقه قهرا عليه إن كان هو ممن ينعتق كذلك ، وإلا احتيج إلى صيغة تحرير ، إلا أنه لم أعرف قائلا به.

وإنما المعروف بين الأصحاب الوجهان : أحدهما ما عرفته من حصول تحريره بمجرد شرائه. وثانيهما الاحتياج إلى صيغة مطلقا ، ولعله لعدم الانعتاق هنا وإن كان ممن ينعتق على الميت لو كان قد اشتراه في زمن حياته عملا بإطلاق أدلة المقام « يشترى ويعتق » بل فيها (١) ذلك في خصوص الأم والابن ونحوهما ممن ينعتق عليه بالشراء لو كان حيا ، وعلى كل حال يتجه كون الشراء حقيقيا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث.

٥١

نعم لو فرض كون العبد الذي يرث الميت هو من جملة تركته اتجه حينئذ عدم شرائه ، بل يحرز ويرث المال.

( و ) ليس للمالك الامتناع عن البيع ، فان أبى ( يقهر ) أي ( المالك على بيعه ) كما في كل ممتنع عما وجب عليه ، فيقهر حينئذ على إيقاع صورة البيع ، ويقوم قصد المكره ورضاه مقام قصده ورضاه ، مع احتمال عدم الحاجة إلى القهر على الصورة المزبورة ، بل يقوم قيمة عدل وتدفع ويقوم ذلك مقام بيعه.

أو أن من له الإكراه يكون موجبا قابلا ،

قال عبد الله بن طلحة للصادق عليه‌السلام في أثناء خبره عنه (١) : « أرأيت إن أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال : ليس لهم ذلك ، يقومان قيمة عدل ثم يعطى مالهم على قدر القيمة ».

بل قد يستفاد منه ما أفتى به غير واحد من الأصحاب من أنه ليس له طلب الزيادة عن القيمة ، بل لعله لا خلاف فيه بينهم وإن كان قد يناقش في استفادة ذلك منه ، إذ أقصاه الرجوع إلى القيمة مع الامتناع لا مع الرضا بالبيع لكن بزيادة عنها.

نعم قد يقال : إن تجويز ذلك له يقتضي التسلط له على عدم بيعه ضرورة إمكان اقتراحه ما لا تقوم التركة به ، وتقييد جواز ذلك بما إذا لم يقترح الفاحش لا دليل عليه ، فليس حينئذ إلا دفع القيمة كما صرح به الفاضل في القواعد وغيره.

بل في كشف اللثام في شرح ذلك « عدم جواز بذل الزائد بدون رضا المملوك ». قلت : بل ومع رضاه ، ضرورة عدم العبرة برضاه ما دام مملوكا.

وكيف كان فالمتولي للشراء والتحرير مع عدم الوصي على ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٥.

٥٢

حاكم الشرع أو من يقوم مقامه ، بل قد يقال : إن ذلك وظيفته على وجه لا يجوز للميت الوصية بها لغيره ، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب تولي الحاكم لذلك ، اللهم إلا أن ينزل على حال عدم الوصي ، والأمر في ذلك سهل.

( ولو قصر المال عن ثمنه قيل ) وإن لم نتحقق قائله ( يفك بما وجد وسعى في الباقي ) نعم عن الجواهر نفي البأس عن العمل به ، والمختلف أنه ليس بعيدا عن الصواب ، بل في المسالك أنه قول متجه ويقوى فيما ورد النص والاتفاق على فكه ، وفي الروضة أنه متجه فيما اتفق على فكه وغير متجه في غيره.

وفيه أنه لا فرق بين ما اتفق على فكه وبين غيره بعد اشتراكهما في وجوبه للدليل ، سواء كان الاتفاق أو غيره ، إذ ما لا يدرك (١) وعدم سقوط الميسور (٢) والإتيان بالمستطاع (٣) وحصول الغرض به في الجملة قائم في الجميع وإن كان المتجه في الجواب أنه لا يتمسك بهذا في المقام الذي أعرض الأصحاب عن مقتضاها فيه ، لأنه لم يثبت كونها قاعدة على جهة العموم.

وأما ما قيل ـ من أن عتق الجزء يساوي عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا فيساويه في الحكم ـ فمرجعه إلى ما هو ممنوع أو إلى ما لا يوافق أصولنا ، كما هو واضح.

( وقيل ) والقائل المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا ( لا يفك ويكون الميراث للإمام عليه‌السلام وهو

__________________

(١) إشارة إلى المرسلتين : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » و‌ « الميسور لا يسقط بالمعسور » ‌وهما مرويتان في غوالي اللئالي ، وهو مخطوط.

(٢) إشارة إلى المرسلتين : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » ‌و‌ « الميسور لا يسقط بالمعسور » ‌وهما مرويتان في غوالي اللئالي ، وهو مخطوط.

(٣) إشارة إلى‌ قوله (ص) : « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » المروية في سنن البيهقي ـ ج ٤ ص ٣٢٦.

٥٣

الأظهر ) لأن الفك مخالف للأصل من وجوه ، فيقتصر فيه على المعلوم وللإجماع كما في المصابيح ، لانقراض الخلاف وشذوذه ، فلا يتهجم على منع الإرث الثابت بالكتاب والسنة بمثل ذلك.

وللفضل بن شاذان قول بالتفصيل أضعف من الأول ، وهو الفك إلى أن يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء أخذا من عدة الشهور ، وهو كما ترى.

( وكذا ) الحال ( لو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كل واحد منهم أو نصيب بعضهم عن قيمته ) دون الآخر لكثرته أو قلة قيمته ( لم يفك أحدهم ، وكان الميراث للإمام عليه‌السلام ) وفاقا للمشهور أيضا بين القدماء والمتأخرين ، بل في محكي السرائر نفي الخلاف عنه ، لما عرفت من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو وفاء التركة بشراء جميع أهل الطبقة من الورثة.

لكن في القواعد « وهل يفك من ينهض نصيبه بقيمته لكثرته أو لقلة قيمته؟ فيه إشكال ».

بل في الإرشاد « ولو قصر نصيب أحدهما اشتري الآخر وأعتق وأخذ المال ».

بل عن إيضاح الفخر « لا إشكال عندي في هذه المسألة أنه يجب عتق واحد ، لوجود المقتضى ، وهو وجود قريب وارث على تقدير الحرية لكن الاحتمال في الترجيح ، هل يرجح من يفي نصيبه بقيمته أو لا؟ يحتمل الأول ، وهو اختيارنا كما سبق ، ويحتمل الثاني ، وقد مر توجيه القولين وعلى الثاني يقرع ، وأما منع العتق في الكل فلا ».

وفي المسالك « في عتقه قوة ، لوجود قريب يرث على تقدير حريته‌

٥٤

ونصيبه يفي بقيمته ، فامتنع المانع من جهته ، وانتفى عتق غيره لوجود المانع ».

وفي الروضة « وعلى المشهور لو تعدد الرقيق وقصر المال عن فك الجميع وأمكن أن يفك به البعض ففي فكه بالقرعة أو التخيير أو عدمه أوجه ، وكذا الاشكال لو وفت حصة بعضهم بقيمته وقصر البعض ، لكن فك الموفي هنا أوجه ».

وعن الأردبيلي أنه اختار الفك في هذا الفرد ، قال : « والفرق بينه وبين ما إذا لم يف حصة كل واحد بثمنه ظاهر ، كعدم الفرق بينه وبين من وفت حصته بثمنه وبقي شي‌ء من التركة ولم يكن معه من لا يفي حصته به ، فالفرق بينهما وعدمه بين الأولين كما هو ظاهر الشرائع واختاره المحقق الثاني غير ظاهر ».

والجميع كما ترى بعد ما عرفت من الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النص الذي لا ريب في خروج الفرض عنه.

بقي شي‌ء وهو أن ظاهر المصنف وغيره ملاحظة وفاء النصيب بفك صاحبه مع تعدد الوارث.

وفيه منع ، ضرورة ظهور الأدلة في فك الوارث متحدا أو متعددا من التركة من غير ملاحظة ذلك ، إذ لا نصيب لهم قبل الفك ، بل لو فرض التدريج في فكهم لم يكن للذي سبق فكه مزاحمة غيره في قيمة فكه على ما هو ظاهر النصوص.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو كان العبد قد انعتق بعضه ورث من نصيبه ) بتقديره حرا كاملا ( بقدر حريته ومنع بقدر رقيته ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المعتبرة (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب موانع الإرث.

٥٥

المستفيضة الواردة في المكاتب ، والنبوي (١) « في العبد يعتق بعضه يرث ويورث على قدر ما أعتق منه ».

وحينئذ فيرث بتقديره حرا كاملا ويعطى بنسبة ما فيه من الحرية مما يرثه على تقدير الكمال ، ويختص الباقي بغيره وإن تأخر عنه ، وأنه بجزئه الحر لا يحجبه عن تمام الإرث كما في الخبر (٢) فما في القواعد من الإشكال في ذلك في غير محله ، على أنه على فرض حجبه يبقى المال بلا مالك ، ضرورة عدم استحقاق العبد له ، وإلا كان كالحر ، والفرض حجب غيره بالجزء الحر.

ولو تعدد المبعض واتحدت النسبة اقتسموا ما يستحقونه على الانفراد بالسوية ، وإلا اشتركوا فيما يستحقه الأكثر حرية لو انفرد بنسبة الحرية.

فلو خلف أولادا متعددين كل واحد منهم نصفه حر ليس لهم إلا نصف المال يقتسمونه بينهم بالسوية.

ولو خلف ولدا نصفه حر وآخر حرا كاملا كان للمبعض الربع وللحر ثلاثة أرباع ، ضرورة زيادته عليه بنصف وشركته معه بالنصف الآخر.

ولو خلف ولدا نصفه حر وأخا كله حر كان المال بينهما نصفين أو أخا نصفه حر وعما حرا كاملا فللابن النصف وللأخ الربع والباقي للعم.

ولو خلف ابنين نصفهما حر فالنصف بينهما نصفين ، ولو كان أحدهما ثلثاه حر والآخر ثلثه حر كان الثلثان بينهما أثلاثا ، إذ هما الذي يستحقه الأكثر حرية وكانا له مع الانفراد ، أما مع عدمه كما في الفرض‌

__________________

(١) راجع المغني لابن قدامة ج ٧ ص ١٣٥.

(٢) الظاهر أن مراده ( قده ) هو ما رواه‌ الشهيد في المسالك عن علي ٧ « أنه لا يحجب بقدر ما فيه من الرق » وقد ذكره أبو الفرج في الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغني لابن قدامة ج ٧ ص ٢٢٤ فقال : عنه ـ أي‌ علي (ع) ـ أنه قال : « يرث ويحجب ويعتق منه بقدر ما أدى » ‌

٥٦

شاركه فيهما كذي النصف ، فيقسم ذلك بينهما على حسب ما فيهما من الحرية.

ولا فرق في ذلك بين الوارث بالفرض والوارث بالقرابة ، فلو كان ذو الفرض نصفه حرا فله النصف مما يرثه بالفرض والرد بفرض الحرية ، لإطلاق الأدلة ، فقطع العلامة رحمه‌الله بأن له نصف الفرض خاصة واضح الضعف ، كاحتماله تكميل الحرية في المبعضين المتساويين فيها وإرثهما بتنزيل الأحوال.

( وكذا يورث منه ) أي يورث من المبعض كل ما جمعه بجزئه الحر ، ويختص المالك بالباقي المستحق له بالملك ، لا أن المراد يورث منه على حسب ما فيه من الحرية ، بمعنى قسمة ما جمعه يجزئه الحر بين الوارث والسيد وإن توهمه بعض الناس ، ضرورة عدم جهة لاستحقاق السيد ذلك بوجه.

وربما كان توهم المتوهم من نحو المتن المعلوم كون المراد منه أنه لو فرض اكتساب المبعض شيئا من المال بكله وقد مات عنه ، فإنه يعطى الوارث منه قدر ما فيه من الحرية ، لأنه هو الذي يملكه ، ويدفع الباقي للسيد ملكا لا إرثا. ودعوى أن انتقال المال عنه صار بسبب موته الحال فيه كله ـ وقد فرض ملك بعضه فيكون ذلك سببا للتبعيض في ماله الذي جمعه بجزئه الحر ـ كما ترى لا تستأهل جوابا.

هذا ( و ) بملاحظة ما ذكرناه تعرف أن ( حكم الأمة ) في جميع ما سبق ( كذلك ).

٥٧

( مسألتان : )

( الأولى : )

( يفك الأبوان للإرث إجماعا ) بقسميه ، بل المحكي منهما متواتر واقتصار الصدوق رحمه‌الله على الأم ليس خلافا وإلا كان محجوجا بما سمعت ، مضافا إلى ما دل من النصوص (١) على فك مطلق الوارث وخصوص مرسل ابن بكير (٢).

( وفي الأولاد تردد ) ينشأ من الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل من وجوه ، ومن محكي الإجماع في السرائر والروضة وصحيح جميل أو حسنه (٣) وخبر سليمان بن خالد (٤) وخبر إسحاق بن عمار (٥) فيهم وأوليتهم من الأخت المنصوص عليه في جملة من النصوص (٦) وإن كان ( أظهره أنهم يفكون ) لصلاحية بعض ذلك لقطع الأصل فضلا عن جميعه ، خصوصا مع شذوذ المخالف ، بل هو غير محقق وإن كان قد اقتصر المرتضى والديلمي والصدوق على من عداهم لكن ذلك أعم من المخالفة.

( وهل يفك من عدا الآباء والأولاد؟ ) من الأقارب؟ ( الأظهر ) عند المصنف أنهم ( لا ) يفكون وفاقا لمن اقتصر على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث. الحديث ٣ ـ ٥ ـ ٩.

٥٨

غيرهم ممن عرفت والمفيد والحلي وظاهر الطوسي والآبي بل عن الحلي نسبته إلى الأكثر وإن كان فيه أن المنقول في الروضة خلافه ، حتى نسب فيها القول بفكهم إلى الأشهر.

بل عن الخلاف الإجماع على فك الوارث مطلقا ، بل لعل المعلوم أيضا خلافه ، إذ المحكي عن الشيخ وأبي علي والشاميين الخمسة والقطبيين الراوندي والكيدري والمحقق الطوسي والعلامة ونجيب الدين وفخر المحققين والسيوري وأبي العباس والصيمري القول بفكهم.

ولعله الأقوى ، لما عرفت من إطلاق معقد الإجماع المزبور ، ومرسل الدعائم (١) « إذا مات الميت ولم يدع وارثا وله وارث مملوك يشترى من تركته ، فيعتق ويعطى باقي التركة بالميراث » وخصوص المرسل عن الوسيلة في الجد والجدة والأخ والأخت وجميع ذي الأرحام ، ومرسل ابن بكير (٢) وخبر عبد الله بن طلحة (٣) في الأخ والأخت بضميمة الإجماع المركب على عدم الفصل ، بل في أولهما إشعار أو ظهور في التعميم كاشعار‌ خبر إسحاق بن عمار (٤) بذلك قال : « مات مولى لعلي بن الحسين عليهما‌السلام فقال : انظروا هل تجدون له وارثا؟ فقيل : إن له ابنتين » إلى آخره.

( و ) لا يقدح الضعف في شي‌ء منها بعد التعاضد والانجبار بما عرفت ، فلا محيص حينئذ عن القول بذلك.

بل ( قيل : يفك كل وارث ولو كان زوجا أو زوجة ) كما هو صريح بعض وظاهر آخرين ، لإطلاق معقد الإجماع المزبور ومرسل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٨.

٥٩

الدعائم (١) وخصوص‌ الصحيح (٢) « كان علي عليه‌السلام إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثم ورثها ».

وإذا ثبت العتق في الزوجة ثبت في الزوج بالأولوية والاتفاق على عدم اختصاصها بالفك دونه ، واحتمال تصحيف الأمة بالامرأة لا يصغى اليه.

كاحتمال التبرع من الامام ، إذ الظاهر كون الحكاية لبيان حكم شرعي وهو أن الزوجة تشترى وتفك كما في غيرها من الوارث ، لا التبرع منه عليه‌السلام بل قوله : « ورثها » كالصريح في نفي التبرع الذي هو ليس بارث ، بل ظاهر الصحيح شراؤها من التركة ودفع بقية التركة إليها ، خصوصا مع ملاحظة قوله عليه‌السلام : « كان » إلى آخره المقتضي لتكرر ذلك منه ، فإنه مع حكاية الصادق عليه‌السلام عنه ذلك ظاهر في كون الحكم في المسألة ذلك ، فلا يكون مقصورا على مورد يفي الربع بالثمن ويبقى منه شي‌ء للزوجة ، وحمل قضاياه كلها على خصوص ذلك مشكل.

ومن ذلك يعلم فساد ما قيل من قوة احتمال التبرع باعتبار عدم ذكر الربع فيه.

فالمتجه حينئذ استثناء الزوجة في خصوص المقام من عدم الرد عليها لهذا الصحيح ، كما عساه يظهر من مصابيح الطباطبائي رحمه‌الله أو يطرح ويقتصر على فك الزوج دونها ، عملا بمعقد إجماع الخلاف وإطلاق المرسل (٣) الظاهرين في فك من ينحصر به الإرث على تقدير فكه.

بل لعل ذلك هو ظاهر جميع نصوص المقام وفتاوى الأصحاب لا فك من له شريك على تقدير فكه ، فإنه ينحصر الإرث حينئذ في‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

٦٠