جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( وقيل ) والقائل الشيخ في المبسوط وابن حمزة وغيرهما ( إن كان ) إسلام الوارث ( قبل نقل التركة إلى بيت مال الامام ورث ، وإن كان بعده لم يرث ) ولم نعرف لهم مستندا ، ولعلهم عثروا على أثر لم يصل إلينا أو جعلوا هذا النقل تصرفا مانعا كالقسمة ، لكن فيه منع واضح.

( وقيل ) والقائل الشيخ أيضا في ظاهر محكي النهاية وابن البراج في محكي المهذب ( لا يرث ، لأن الإمام عليه‌السلام كالوارث الواحد ) بل قيل : إنه خيرة الآبي والنافع والجامع والتبصرة والمعالم حيث أطلقوا الاختصاص به ، ولم يفرقوا بين الامام وغيره ، لكن فيه ما عرفت من أنه اجتهاد في مقابلة النص.

( و ) أما ( لو كان الوارث زوجا أو زوجة وآخر كافرا فـ ) الشيخ والقاضي على أنه ( إن أسلم ) الكافر ( أخذ ما فضل عن نصيب الزوجية ، وفيه إشكال ينشأ من عدم إمكان القسمة ) في الزوج مثلا ، فلا يصدق عليه أنه أسلم على ميراث قبل قسمته ، فهو حينئذ كالوارث الواحد غير الزوج الذي قد عرفت عدم مشاركة الكافر له.

ولذا قال المصنف ( ولو قيل يشارك مع الزوجة دون الزوج كان وجها ) بل هو خيرة الحلي والآبي والشهيدين.

بل قيل : لعله لازم اختيار المعظم ، حيث نصوا على التفصيل في مسألة الرد بين الزوج والزوجة ، فيشارك الزوجة حينئذ ( لأن مع فريضة الزوجة يمكن القسمة مع الامام عليه‌السلام ) لعدم الرد عليها ، فإذا فرض إسلامه قبل القسمة حينئذ اندرج تحت النصوص السابقة (١).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث.

٢١

( و ) ليس كذلك ( الزوج ) بل ( يرد عليه ما فضل ) من نصيبه ( فلا يتقدر في فريضته قسمة ، فيكون كبنت مسلمة وأب كافر أو أخت مسلمة وأخ كافر ) وغير ذلك من الوارث الواحد الذي لا فرق فيه بين إرث المال جميعه بالقرابة أو بالفرض والرد ، إذ الكل يملكه بالإرث حين الموت.

وما يذكر هنا في بعض الكتب مدركا للشيخ من الوجوه الاعتبارية لا ينبغي أن يصغى إليه بعد أن كان مذهبه الرد على الزوج ، والوارث التقديري لو كان مانعا لمنع في غيره ، كما هو واضح.

هذا وظاهر المتن بل كاد يكون صريحه أنه لو مات كافر وله ولد كافر مثلا وزوجة مسلمة بأن أسلمت بعد موته قبل القسمة أو أنه مات في عدتها منه بعد إسلامها يكون إرثه لها وللإمام ، وفاقا للمحكي عن الشيخ والقاضي ونجيب الدين وظاهر المعظم.

وخلافا للعلامة في القواعد والإرشاد ، فورث الولد الكافر الفاضل عن فرض الزوجة ، وجعل لها الثمن مع احتمال الربع في الأول.

ويضعفه عموم حجب الكافر بالمسلم وإطلاق الأصحاب عدم إرث ، الكافر مع وجود مسلم غير الامام ، وتنزيلهم الكفار منزلة الموتى في الإرث وأنه لو ورث فاما أن ترث معه الزوجة الربع ، وهو خلاف فرضها مع الولد الوارث ، أو الثمن فيلزم حجب المسلم بالكافر ، وهو باطل بالنص والإجماع من الأمة عدا ابن مسعود ، كما عن الخلاف ، ومتى بطل حجب الولد سقط إرثه ، لأن الوارث حاجب بالإجماع.

فالمتجه حينئذ في الفرض إعطاؤها الربع ودفع الفاضل للإمام ، كما هو ظاهر الأكثر ، لبطلان الرد عليها ، خلافا للمحكي عن الجامع من الرد عليها في زمن الغيبة بناء على أصله في الرد ، وهو لازم لكل من‌

٢٢

قال به مطلقا ، وللمحكي عن النهاية والمهذب من توريثها الكل هنا خاصة لأن الحجب قد استند إليها ، فلو لم ترث الكل لم تحجب عن البعض.

وفيه ـ بعد تسليم الحجب بها ـ منع الملازمة ، إذ ليس كل حاجب عن الشي‌ء وارثا له ، ومن الجائز أن يكون أثر الحجب في هذا الفرض توريث الامام ، كما أنه في حجب الاخوة لتوفيره نصيب الأب.

وكيف كان فلو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة شارك في الباقي مع المساواة ، أو اختص به مع الانفراد ، وفاقا للمشهور ، لأنه ميراث أسلم عليه قبل أن يقسم ، فله إرثه كما لو انحصر الإرث فيه. فما عن بعضهم من احتمال العدم لصدق القسمة في الجملة في غاية الضعف.

بل قد يقال بإرثه أيضا لما قسم ، كما عن التحرير والقواعد احتماله بل عن الإرشاد اختياره ، لأن الميراث هو المجموع ولم يقسم.

إلا أن الأقوى خلافه وفاقا للوسيلة والإيضاح والروضة والمسالك وغاية المرام والمفاتيح على ما حكي عن بعضها ، للأصل ولأن الميراث جنس يطلق على الكل ، والبعض المقسوم ميراث أسلم عليه بعد قسمته ، فلا يرث منه بمقتضى النص ، ولا يعارض بالمجموع ، لخفاء فرديته لغير المقسوم ، وظهور أن المناط هو الإشاعة لا مجرد عدم القسمة ، ولذا منعوا الإرث إذا اتحد الوارث مع انتفائها فيه ، وغايته ثبوت الإرث في المجموع ، وليس نصا في عموم الأبعاض ، فلا يعارض النفي الصريح المطابق للأصل.

ولو أسلم بعد قسمة التركة قبل اقتسام من يزاحم به من الورثة احتمل الإرث ، لأنه قد أسلم على ميراث لم يقسم ، وهو البعض المشاع بين أصحابه ، وعدمه لأن الكل هنا مقسوم قطعا ، فيصدق أنه أسلم على‌

٢٣

ميراث قد قسم ، والأقرب الأول ، لأن انتفاء الإرث من الكل لا ينافي الإرث من البعض.

فلو أسلم مع الاخوة للأب أو الاخوة للأم أخ بعد اقتسامهم المال أثلاثا قبل قسمة الثلث والثلثين فان كان للأبوين اختص بهما ، وإلا شارك فيهما أو في الثلث.

وكذا لو أسلم مع الأعمام والأخوال عم أو خال ، فإنه يختص بحصة فريقه أو يشارك.

ولو اقتسم الورثة الأعيان بالقيم لم يرث ، لتميز الحقوق ، وكذا لو انتقل نصيب أحد الوارثين إلى الآخر أو غيره بإرث أو بيع أو غيرهما كما عن غاية المرام وظاهر القواعد ، إذ لا اشتراك بين الورثة ، خلافا للمحكي عن الإيضاح لانتفاء القسمة.

ولو خلف ما لا ينقسم قبل التراضي عليه فأسلم وارث له ورث ، كما عن جماعة التصريح به ، لبقاء الشركة ، وربما احتمل العدم ، لأن الظاهر من النص (١) اختصاص الحكم بما يقبل القسمة ، وفيه أن القسمة في كل شي‌ء بحسبه ، وإن المدار على الإشاعة ، وهي حاصلة.

ولو أنكر المسلم القسمة فالقول قوله مع يمينه ، وكذا لو ادعى تأخرها عن الإسلام مع تعيين زمانه وجهل زمانها ، كما قواه في الدروس وكشف اللثام ، لأن الأصل تأخر الحادث.

لكن في إثبات ذلك بمثل هذا الأصل على وجه يكتفي به في إحراز الشرط بحث معلوم ، ضرورة اقتضاء الأصل على وجه يكتفي به في إحراز الشرط بحث معلوم ، ضرورة اقتضاء الأصل المزبور التأخر في حد ذاته لا عن الشي‌ء المخصوص.

ومن هنا كان ظاهر إطلاق القواعد في المقام خلاف ذلك ، فيكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث.

٢٤

حكمه حينئذ حكم ما لو أنكر الورثة إسلام الوارث ، أو ادعوا اقترانه بالقسمة أو تأخره عنها مع تعيين زمانها ، أو جهالة التعيين مطلقا فان القول قولهم مع يمينهم ، إما لأصالة عدم الإرث مع عدم الحادث أو تأخره فيما عدا الأخير ، وإما لأن إرث غيرهم مشروط بالإسلام قبل القسمة ولم يتحقق ، والشك في الشرط شك في المشروط.

مضافا إلى كونهم ذوي أيد على المال ومالكين له بظاهر الشرع ، فمن أراد انتزاعه من أيديهم كان عليه إثبات استحقاق الانتزاع ، خصوصا بعد انقطاع عموماته بما دل (١) على عدم إرث الكافر للمسلم الخارج عنه خصوص المسلم قبل القسمة ، والله العالم.

( مسائل أربع : )

( الأولى : )

( إذا كان أحد أبوي الطفل مسلما ) فضلا عما لو كانا معا حال ولادته أو انعقاده ( حكم بإسلامه ) تبعا وإن ارتد بعد ذلك المتبوع بلا خلاف أجده.

( وكذا لو أسلم أحد الأبوين وهو طفل ) فإنه يحكم بإسلامه حينئذ أيضا وإن ارتد المتبوع ، بل في المسالك الحكم بذلك موضع وفاق.

نعم قال فيها : « في إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدات بالأبوين وجهان ، أظهرهما ذلك ، سواء كان الواسطة بينهما حيا أو ميتا » ولعله كذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث.

٢٥

أما المتولد بين المرتدين فهل هو مرتد أو كافر أصلي أو مسلم؟ وجوه ثلاثة ، أوسطها أوسطها.

وكيف كان فالطفل المحكوم بإسلامه تبعا حكمه حكم المسلم الكبير في أنه يرث الكافر حينئذ ويحجبه ، ولا يرثه الكافر.

( ولو بلغ فامتنع عن الإسلام قهر عليه ) ولم يقر على الكفر لأنه مرتد ، خلافا لبعض العامة.

و ( لو أصر ) على الكفر ( كان مرتدا ) فطريا إن لم يسبق له حكم بكفر تبعي ، أو مليا إن كان كذلك ، وعلى كل حال فهو مرتد لسبق الحكم بإسلامه ، ويكون إرثه لورثته المسلمين وإلا فللإمام ، نحو ما سمعته في حكم المرتد.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فان أبى قتل » وعن الصادق عليه‌السلام في مرسل أبان بن عثمان (٢) : « في الصبي إذا شب فاختار النصرانية وأحد أبويه نصراني أو مسلمين ( أو مسلم خ ل ) قال : لا يترك ولكن يضرب على الإسلام ».

وفي‌ خبر عبيد بن زرارة (٣) : « في الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه ، قال : لا يترك ، وذلك إذا كان أحد أبويه نصرانيا ».

ولا فرق في ذلك وغيره بين المميز وغيره والمراهق وغيره ، لعموم أدلة التبعية من الإجماع وغيره ، فولد الكافر كافر نجس تجري عليه أحكام الكفار وإن وصف الإسلام ، واستدل عليه بالأدلة القاطعة وعمل بأحكامه ، وولد المسلم طاهر تجري عليه أحكام المسلمين وإن أظهر البراءة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٧ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

٢٦

من الإسلام واستدل على الكفر وشيد أركانه.

ودعوى بعض الأجلاء أن ذلك مناف لقاعدة الحسن والقبح كما ترى.

نعم عن الشيخ قول بصحة إسلام المراهق ، بل عنه يحكم بإسلامه إذا بلغ عشرا ، بل قيل : إنه قد قطع كالعلامة في التحرير بأنه إذا وصف الإسلام حيل بينه وبين متبوعة.

لكن ذلك كله مناف لما هو كالضروري من الدين من كون الصبي قبل البلوغ مرفوع القلم عنه ، لا عبرة بقوله في إسلام وكفر وعقد وإيقاع وليس إسلامه وكفره إلا تبعيا كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بكلام الأصحاب في جميع المقامات.

ومن ذلك يعلم الحال في :

المسألة ( الثانية : )

وهي أنه ( لو خلف نصراني أولادا صغارا وابن أخ وابن أخت مسلمين كان لابن الأخ ثلثا التركة ولابن الأخت الثلث ) من غير نفقة عليهم للصغار ، كما صرح به جماعة من المتأخرين ، بل في المسالك نسبته إلى أكثرهم ، بل هو قضية من لم يصرح بالخلاف منهم ومن المتقدمين للحكم بكفر الأولاد ، فيحجبون بالمسلم ، إذ الكفر التبعي كالأصلي في الأحكام ، كما هو معلوم من كلام الأصحاب في مباحث النجاسات وأحكام الموتى والنكاح والقصاص والديات والاسترقاق وغيرها.

ولكن في المسالك « ذهب أكثر الأصحاب خصوصا المتقدمين منهم كالشيخين والصدوق والأتباع إلى استثناء الصورة المزبورة من تلك القواعد.

٢٧

( و ) قالوا : إنه ( ينفق الابنان على الأولاد بنسبة حقهما ) مما ورثاه ( فإذا بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة على ) رواية مالك بن أعين (١) التي وصفها جماعة من المحققين كالعلامة والشهيد وغيرهما بالصحة ، بل هي من المشاهير التي رواها الثلاثة في الثلاثة ( وإن اختاروا الكفر استقر ملك الوارثين على ما ورثاه ، ومنع الأولاد ).

قال مالك بن أعين : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم وللنصراني أولاد وزوجة نصارى قال : فقال : أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك ، ويعطى ابن أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار ، فان كان له ولد صغار فان على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا قلت : كيف ينفقان؟ فقال : يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة ، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم ، فإن أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم إلى الامام حتى يدركوا ، فان بقوا على الإسلام دفع الامام ميراثهم إليهم ، وإن لم يبقوا على الإسلام إذا أدركوا دفع الامام الميراث إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين ، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك ، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك ».

وربما أيد مضمونها بأن المانع من الإرث هو الكفر ، وهو مفقود في الأولاد ، لعدم صدقه عليهم حقيقة ، كما عن بعضهم تنزيلها على إظهار الأولاد الإسلام ، وهو وإن كان إسلاما مجازيا لكنه يقوم مقام إسلام الكبير في المراعاة لا في الاستحقاق ، فيمنعا من القسمة الحقيقية في البلوغ لينكشف الأمر ، أو على أن المال يقسم حتى بلغوا وأسلموا.

والجميع كما ترى ، ضرورة عدم الفرق بين الكفر الأصلي والتبعي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

٢٨

في جميع ما ذكرناه ، كضرورة عدم معارضة الإسلام المجازي للإسلام الحقيقي ، وظهور الرواية في القسمة ، بل كاد يكون ذلك صريحها.

ومن هنا قال المصنف بعد ذكر مضمونها ( وفيه إشكال ينشأ من إجراء الطفل مجرى أبيه في الكفر ، وسبق القسمة على الإسلام يمنع الاستحقاق ) كما أنه لذلك حملها الفاضل في محكي المختلف على الندب واختاره في المسالك.

وفيه أن ذلك إنما يصح من جهة الورثة دون الإمام ، فالأولى طرحها ، خصوصا بعد مخالفة من عمل بها لمضمونها ، إذ المحكي عنهم أنهم أطلقوا القول بتولي الورثة المسلمين الإنفاق على الأولاد ، والحكم بارثهم ، ووجوب دفع الفاضل إليهم إذا بلغوا أو أسلموا من غير تفصيل ، مع أن مقتضاها كون الإرث للأولاد إن أسلموا قبل البلوغ واستمروا عليه بعده ، وأن المتولي للإنفاق عليهم الامام دون الورثة ، فان لم يسلموا قبله فالارث للقرابة ، وعليهم الإنفاق ولهم الفاضل وإن أسلموا بعده ، والاختلاف بين الأمرين ظاهر.

مضافا إلى أن المسألة مفروضة في كلام الشيخين والقاضي فيما إذا اجتمع مع الأولاد الإخوة للأب والاخوة للام ، وفي كلام الحلبيين والمحقق الطوسي في اجتماع القرابة مطلقا معهم ، كما عن الكيدري ، وكل ذلك غير مورد النص.

على أنهما معا مخالفان للأصول المقررة والقواعد المسلمة ، حيث اشتركا في وجوب النفقة على الورثة بلا سبب ، وذهابها ممن يستحقها من غير عوض ، واختصاص النص باعتبار إسلام الصغير في الحكم بإرثه مراعى والفتوى بتوريث من أسلم بعد القسمة ، ومنع الوارث المسلم من دون حاجب ، فان الطفل تابع لأبويه في الكفر إجماعا ، ولو لا التبعية لاطرد‌

٢٩

الحكم في الأطفال مطلقا ، ولكان المتصرف بالإنفاق عليهم الولي الشرعي دون القرابة ، ولم يقل به أحد.

ومع ذلك كله فالرواية ضعيفة والحكم بصحتها مع شهرته غير صحيح فإنها في الكافي (١) والتهذيب (٢) مسندة إلى مالك بن أعين وفي الفقيه (٣) إليه أو إلى عبد الملك ، ومالك مشترك بين أخي زرارة الضعيف والجهني المجهول ، والظاهر بقرينة الفقيه الأول ، واحتمال الضعف قائم فيه بواسطة الترديد بينه وبين عبد الملك.

وما في الوسائل من اسناد الصدوق إليهما جميعا خلاف الموجود في الفقيه والمنقول عنه في الوافي ، وغايته حسن هذا الطريق ، فان عبد الملك ممدوح بغير التوثيق ، والحسن غير الصحيح ، والمحكوم عليه بالصحة في كلامهم غير هذا الطريق ، والظاهر من الصحة خصوصا في المقام الحقيقية منها دون الإضافية.

وقد تحصل من ذلك كله ضعف الحديث بجميع طرقه ومخالفته للأصول وفتوى الأصحاب ممن رده أو اعتمده واختلاف القائلين به وندرة القول بمضمونه عند التحقيق ، فالمتجه اذن ترك هذا الخبر ، والرجوع إلى الأصل المقرر في الولد ، كما في غيره من الأطفال ، والله العالم.

__________________

(١) راجع الكافي ج ٧ ص ١٤٣.

(٢) راجع التهذيب ج ٩ ص ٣٦٨ ـ الرقم ١٣١٥.

(٣) راجع الفقيه ج ٤ ص ٢٤٥ ـ الرقم ٧٨٨.

٣٠

المسألة ( الثالثة : )

( المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في المذاهب ) والأصول والعقائد كما هو المشهور ، لعموم ما دل على التوريث بالنسب والسبب من الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع ، وخصوص‌ المعتبرة (٣) المتضمنة لابتناء المواريث على الإسلام دون الايمان ، وفيها « أن الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث » (٤) وهو نص في المطلوب.

مضافا إلى شهادة تتبع أحوال السلف من توريث المسلمين بعضهم من بعض في جميع الأعصار مع الفتوى الظاهرة والشهرة المعلومة ، حتى أن الحلي مع قوله بكفر أهل الخلاف وافق على ذلك ، وجعله القول المعول والمذهب المحصل. وكذا المفيد في إحدى نسختي المقنعة التي صرح فيها بأن اختلاف المسلمين في الأهواء والآراء لا يمنع من توريثهم.

نعم في النسخة الأخرى منها نص على أن أهل البدع من المعتزلة والمرجئة والخوارج والحشوية لا يرثون المؤمنين كما لا يرث الكفار المسلمين ، وعد الحلبي من الكفار الممنوعين من الإرث المجبرة والمشبهة وجاحدي الإمامة.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧ و ١١ و ١٢ و ٣٣ و ١٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث.

(٣) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٥.

(٤) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٢٦ الرقم ٥.

٣١

ولعل الوجه فيه إطلاق الكفر على المخالفين في بعض الأخبار (١) وهو محمول على الكفر الإيماني دون الإسلامي مع جواز تخصيص المخالفين بمقتضى الأدلة ، ومن ثم حكم بإرثه بعض من قال بكفره كالحلي.

ومنع السيوري إرث المجسمة والمرجئة والحشوية من غيرهم مع تصريحه بأن المقتضي للتوارث الإسلام لا غير كما هو المشهور ، معللا ذلك بكفرهم المستند إلى إنكارهم لما علم من الدين ضرورة ، والمعلوم من أكثر هؤلاء المخالفة في الأصول ، وهو غير إنكار الضروري.

أما الغلاة والخوارج والنواصب وغيرهم ممن علم منهم الإنكار لضروريات الدين فلا يرثون المسلمين قولا واحدا.

( و ) أما ( الكفار ) فإنهم ( يتوارثون وإن اختلفوا في ) الملل و ( النحل ) بلا خلاف معتد به أجده فيه ، لعموم الأدلة وخصوص النصوص (٢) والإجماع بقسميه ، لأن الكفر ملة واحدة ، ونفي التوارث بين الملتين مفسر في النصوص (٣) بالإسلام والكفر.

خلافا للمحكي عن الديلمي من أنهم يتوارثون ما لم يكونوا حربيين.

ولشارح الإيجاز فالحربي لا يرث الذمي بل يكون ميراثه للإمام إذا لم يكن للميت منهم نسب ذمي ولا مسلم ، وهما شاذان.

وللحلبي فكفار ملتنا يرثون غيرهم ، وغيرهم لا يرثهم ، وارتضاه السيوري على ما حكي عنه إن أراد بهم من أظهر الشهادتين ، لأن لهم بذلك خصوصية على غيرهم ، وكان المراد به المرتد عن فطرة ، فيرتفع الخلاف.

نعم شرط توارث الكفار فقد الوارث المسلم غير الإمام ، فإن وجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٦ و ١٤ و ١٥ و ١٧.

٣٢

حجب الكافر وإن تأخر إسلامه إلى القسمة ، كما عرفته سابقا.

وأن يكون كفر المورث أصليا ، فلو كان عن ردة لم يرثه الكافر مطلقا ، بل ورثه الإمام (ع) مع فقد غيره كالمسلم ، بلا خلاف أجده في الفطري بل هو موضع وفاق ، بل لعله كذلك أيضا في الملي إلا ممن عرفت ، كما تقدم الكلام فيه.

المسألة ( الرابعة : )

( تقسم تركة ) الرجل ( المرتد عن فطرة حين ارتداده ) بالنص (١) والإجماع بقسميه على ذلك ( و ) على أنها ( تبين زوجته وتعتد عدة الوفاة سواء قتل ) أو مات ( أو بقي ) حيا ( ولا يستتاب ) لأنه لا توبة له بالنسبة إلى ذلك قطعا ومطلقا على الأصح.

والمراد به من انعقد حال إسلام أحد أبويه ، وفي كشف اللثام أو أسلم أحد أبويه وهو طفل ثم بلغ ووصف الإسلام كاملا ثم ارتد ، وهو مشكل.

وفي‌ خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام (٢) : « كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته بائنة عنه من يوم ارتد ، فلا تقربه ، وتقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٣ من كتاب الحدود.

٣٣

ثم قال في الكشف : « وإنما فسرنا المرتد عن فطرة بذلك ، لنصهم على أن من ولد على الفطرة فبلغ فأبى الإسلام استتيب كما مر ».

وفيه أن أقصى ذلك اعتبار تحقق الإسلام منه بعد البلوغ في الارتداد عن فطرة ، فلا يكفي التبعي ، فتأمل جيدا ( و ) تمام الكلام في مقام آخر.

نعم ( المرأة ) المرتدة عن فطرة ( لا تقتل و ) تستتاب فان لم تتب ( تحبس وتضرب أوقات الصلاة ) وتستخدم الخدمة الشاقة.

قال الصادق عليه‌السلام في مرسل الحسن بن محبوب (١) : « والمرأة إذا ارتدت استتيبت ، فان تابت ورجعت وإلا خلدت السجن وضيق عليها في حبسها ».

وقال الباقر عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٢) : « لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها وتلبس خشن الثياب ، وتضرب على الصلوات ».

( و ) كيف كان فـ ( ـلا تقسم تركتها حتى تموت ) لاحتمال توبتها.

( و ) كذا ( لو كان المرتد لا عن فطرة ) فإنه إذا كان كذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٦ من كتاب الحدود عن ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ومثل هذا السند لا يعد من المرسل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١ من كتاب الحدود وهو صحيح حماد بطريق الشيخ وصحيح الحلبي بطريق الصدوق ، وليس في خبر غياث هذا اللفظ ، وقد رواه في الوسائل في نفس الباب الحديث ٢ فراجعه.

٣٤

( استتيب فان تاب وإلا قتل ) إجماعا بقسميه ونصوصا عامة (١) وخصوص‌ توقيع أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى عامله (٢) « أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ، ولا تستتبه ، ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه ، فان تاب وإلا فاضرب عنقه ».

( و ) على كل حال فـ ( ـلا يقسم ماله حتى يقتل أو يموت ) وإن التحق بدار الحرب ، خلافا لمحكي النهاية والمهذب فيورث وإن كان حيا ، لصيرورته بوجوب القتل كالفطري ، وهو ضعيف ، وقد رجع عنه الشيخ كما قيل.

( وتعتد زوجته ) عدة الطلاق ( من حين اختلاف دينهما ، فان عاد قبل خروجها من العدة فهو أحق بها ، وإن خرجت العدة ولم يعد فلا سبيل له عليها ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام قطع الأصحاب بالحكمين ، فكأنهم اتفقوا عليه.

وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بكر الحضرمي (٣) : « إذا ارتد الرجل عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا ، وتعتد منه كما تعتد المطلقة ، فإن رجع إلى الإسلام فتاب قبل التزويج فهو خاطب من الخطاب ، ولا عدة عليها منه ، ولتعتد منه لغيره ، وإن مات أو قتل قبل العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدة ، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام ».

قيل : وظاهره نفي الأولوية وإن أسلم في العدة ، وفيه أنه يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٥ من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤ بطريق الشيخ والصدوق قدس‌سرهما راجع التهذيب ج ٩ ص ٣٧٣ الرقم ١٣٣٢. والفقيه ج ٤ ص ٢٤٢ الرقم ٧٧٢.

٣٥

حمل البينونة على أنه ليس له الرجوع ما دام على الكفر ، والتوبة قبل التزويج ( عليها خ ) على ما قبله بعد العدة.

( وأما القتل ) الذي هو المانع الثاني من الإرث ( فيمنع القاتل من الإرث إذا كان عمدا ظلما ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهما الحجة بعد الصحاح (١) المطابقة للحكمة الظاهرة ، وهي عصمة الدماء من معالجة الورثة ، وعقوبة القاتل بحرمانه من الإرث ( و ) مقابلته بنقيض مطلوبه من القتل.

نعم ( لو كان بحق لم يمنع ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه ، عليه ، لخروجه عن ظاهر دليل المنع وللخبر (٢) « في طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة اقتتلوا ، فقتل رجل أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي أيرثه؟ قال : نعم ، لأنه قتله بحق » والتعليل يفيد عدم المنع فيما كان بالحق مطلقا وإن جاز تركه كالقصاص والدفاع عن المال.

ولو قتل قاتل أبيه مثلا وهو لا يعلم أو ظن أنه قاتله فقتله ثم تبين الخلاف ففي الإرث وجهان ، من احتمال الباء للسببية والمصاحبة ، وتردد الحق بين الظاهري والواقعي ، وقد يبنى على القود ، فان ثبت امتنع وإلا ثبت.

( ولو كان القتل خطأ ورث على الأشهر ) رواية وفتوى في الجملة ، وهو خيرة النافع والجامع والتلخيص وظاهر رواية الفقيه (٣) وإطلاق المقنعة والمراسم‌ للصحيحين (٤) « في من قتل امه إن كان خطأ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ و ٢.

٣٦

ورثها ، وإن كان عمدا لم يرثها » مع عموم الكتاب والسنة وانتفاء حكمة المنع.

فما‌ في الصحيح (١) من أنه : « لا ميراث للقاتل » بعد تسليم عدم ظهوره في العمد يجب تخصيصه بما عرفت ، كما أنه يجب طرح‌ الخبر (٢) : « لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأ » والمرسل (٣) : « من قتل أخا له عمدا أو خطأ لم يرثه » لضعفهما وشذوذ القول بهما على الإطلاق.

ومن ذلك يعلم ضعف القول بعدم إرثه مطلقا ، كما عن الفضل والعماني والكليني.

نعم ما أشار إليه المصنف بقوله ( وخرج المفيد وجها آخر ، وهو المنع من الدية ) خاصة دون باقي التركة ( وهو حسن ) قول قوي ، بل في الدروس ومحكي تلخيص الخلاف أنه المشهور ، ولعله كذلك لأنه المنقول عن المشايخ الأربعة والحلبيين والطوسيين والقاضي والحلي والكيدري والعلامة وولده والشهيدين وأبي العباس والصيمري وغيرهم ، بل عن الانتصار والخلاف والغنية والسرائر الإجماع عليه.

للنبوي (٤) الصريح المروي عن محكي الخلاف مستدلا به بعد الإجماع « ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ، ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا ، فلا يرث من ماله ولا من ديته ، وان قتله خطأ ورث من ماله ، ولا يرث من ديته ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣ وفيه‌ « من قتل حميما له. » ‌

(٤) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٢١.

٣٧

وللجمع بين إطلاق إرث القاتل خطأ في الصحيحين (١) وعموم منع القاتل من الدية في المعتبرة (٢) منها‌ الحسن (٣) : « المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه » بتقييد الأول بغير الدية.

ومعارضة ذلك بإمكان تخصيص الثاني بالعمد يدفعها ترجيح الأول بالشهرة ومحكي الإجماع وعموم منع القاتل ، وبعد استحقاقه لما ثبت بجنايته ووضوح دلالة النفي على العموم ، وخروج الدية عن حقيقة الإرث ، ومخالفتها له في بعض الأحكام.

ولما عن المفيد وغيره من حصول الجمع به بين إطلاق ما دل على إرث القاتل خطأ ومنعه منه كذلك ، بحمل الثاني على خصوص الدية ، وإن كان قد يناقش بأن إطلاق المنع كالصريح في التسوية بينه وبين العمد والجمع ـ مع احتياجه إلى شاهد ـ فرع التكافؤ ، وهو منتف ، لضعف حديث المنع وشذوذه ومخالفته المشهور عندنا وموافقته المشهور عند الجمهور فالمتجه طرحه أو حمله على التقية.

( و ) على كل حال فقد بان لك أن هذا الأخير إلى ( الأول ) أقوى وإن كان هو ( أشبه ) بعمومات المواريث كتابا وسنة.

هذا وظاهر المصنف وغيره بل المعظم ـ حيث قابلوا العمد بالخطإ ـ أن المراد بالخطإ ما يشمل شبيه العمد ، كما عن جماعة التصريح به ، كالديلمي والعلامة في المختلف والتحرير وابن فهد في غاية التنقيح ، بل عن الصيمري الميل إليه في كتابيه ، وعن أبي العباس حكايته عن الطوسي وشارح النصيرية عنه وعن كثير من المتأخرين ، فلا يمنع من التركة عند الجميع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موانع الإرث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٢.

٣٨

ولا من الدية عند الديلمي ، حيث خص المنع بالعمد وأطلق الإرث في الخطأ بنوعيه.

بل من البعيد إهمال المعظم لحكم شبيه العمد مع كثرة وقوعه ومسيس الحاجة إليه ، فليس هو إلا لكون المراد بالخطإ الذي ذكروا حكمه ما يشمله خصوصا مع وقوع ذلك منهم في مقام الاستقصاء ، بل عن بعضهم حصر القتل فيهما ، بل عللوا الإرث في الخطأ بما يعم ، بل احتج المانع بالتمانع بين ارث القاتل خطأ وبين أخذ الدية منه ، وعن المرتضى جوابه بأن تسليمه بها لا ينافي إرثه من غيرها.

وعن الحلبيين والحلي التصريح بأن إرثه مما عدا الدية المستحقة عليه ، مع أنها في الخطأ المحض على العاقلة دون القاتل ، فعلم دخول الشبيه فيما أطلقوه من الخطأ ، وظهر اتحاد حكم المسألتين عندهم ، واشتهار التفصيل فيهما ، وانطباق الإجماعات عليهما.

والمحكي عن خلاف الشيخ كالصريح في ذلك ، فإنه أطلق التفصيل في الخطأ وذكر اختلاف العامة في نوعيه ، ثم حكى الإجماع على ما أطلق.

وأما النصوص (١) فالظاهر منها أيضا حيث أطلق فيها الخطأ وقوبل به العمد على وجه يراد منه الحصر إرادة الأعم الذي هو إطلاق شائع ، كشيوع تقسيمه إليهما مضافا إلى كثرة القرائن هنا على إرادة الأعم كما عرفت ، فيتجه الترجيح فيه بما سمعت من أنه يرث مما عدا الدية ، لجميع ما عرفته من الإجماعات وغيرها.

فما عن الفضل والقديمين والعلامة في القواعد ووالده وولده والشهيد الثاني وابن القطان وشارح النصيرية من أنه كالعمد واضح الضعف وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث.

٣٩

استدل له بعموم حجب القاتل والجمع بين الصحيحين (١) والخبرين (٢) بحمل الأخيرين على الشبيه بالعمد ، وبأن المراد بالخطإ فيهما إما ذلك أو الأعم منه ومن المحض ، أو خصوص الأخير.

وعلى التقادير فالمنع ثابت ، أما على الأولين فظاهر ، وأما على الثالث فلأن منع الخطأ المحض يستلزم منع الشبيه بالعمد بالأولوية الظاهرة بل الإجماع المركب ، لكنه كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرنا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـيستوي في ذلك الأب والولد وغيرهما من ذوي الأنساب والأسباب ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل لعله إجماع ، لعموم الأدلة التي لا ينافيها اختصاص أخبار الخطإ ببعضها ، فما عن بعض العامة من تخصيص القتل المانع بما يوجب قصاصا أو كفارة ـ فيخرج حينئذ قتل الوالد الولد لأنه لا يوجبهما ـ باطل قطعا.

كما أنه يستوي في الخطأ السبب السائغ المؤدي إلى القتل كضرب الوالد الولد تأديبا وبط ما به من جرح أو قرح للإصلاح ، والممنوع كضرب غير المستحق وجرحه ، فيرث القاتل من التركة فيهما ، ويمنع من الدية في الثاني ، وأما الأول ففي ثبوت الدية فيه قولان ، من الاذن في الفعل فلا يتعقبه ضمان ، ومن تحقق الموجب وإن انتفت المؤاخذة كما في الخطأ المحض ، وقد تخلف في تأديب الحاكم بدليل ، فلا يقاس عليه غيره ، فيمنع منها كالممنوع على الأظهر.

وعن السيوري التفصيل بين الممنوع وغيره ، فمنع الإرث في الأول وأثبته في غيره ، كالمحكي عن ظاهر المعالم ، والأول أشبه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤ والمستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ منها ـ الحديث ٣.

٤٠