جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لزومه على وجه يترتب عليه جميع أحكامه حتى بعد الموت من الميراث والعدة ، لا البطلان وعدم الصحة حقيقة ، وإلا لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بذلك العقد ، مع أن صدرها كغيرها من الأخبار الدالة على جواز نكاح المريض (١) بقول مطلق يدل على خلافه.

بل زاد بعضهم أنه لو كان كذلك لزم الدور ، ضرورة توقف جواز الوطء على الصحة ، وهي متوقفة عليه.

وفيه أنه يمكن كون ذلك على جهة الكشف ، بمعنى أنه إن حصل الدخول علم صحة النكاح من أول الأمر وإلا انكشف فساده كذلك ، وله الوطء بالعقد الصادر ، لظاهر النصوص وغيرها.

ومنه حينئذ يعلم قوة القول بعدم الإرث لو ماتت هي في مرضه ثم هو مات بعدها في ذلك المرض ، لانكشاف فساد العقد بعدم الدخول والموت في المرض وإن أشكل على جماعة ذلك مما ذكرناه ومن أن الحكم على خلاف الأصول ، فيقتصر فيه على مورده وهو موته ، فيبطل حينئذ من أحد الطرفين دون الآخر ، ويتجه إرثه لها في الفرض.

وفيه أن المعلوم من قاعدة العقود كفاية البطلان من أحد الطرفين في فسادها.

فما وقع من بعضهم ـ من الجزم بإرثه لها لما عرفت ولاحتمال الفرق بين موته وموتها باحتمال كون الحكمة في وجه المنع عن الإرث مقابلة المريض بضد قصده من الإضرار بالورثة بإدخال الزوجة عليهم ، وبعبارة أخرى كون الحكمة مراعاة حال الورثة ، وهي في الفرض الثاني مفقودة بل منعكسة ، فينتفي الحكم فيه بالصحة ـ لا يخفى عليك ما فيه ، بل المتجه الجزم بعدم الإرث ، لظاهر النصوص المزبورة ، وعدم العدة ونحوهما من الأحكام الثابتة للنكاح الصحيح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

٢٢١

نعم ترثه ويرثها لو تزوجت هي مريضة وماتت قبل الدخول ، لحرمة القياس ، فالعمومات حينئذ بحالها.

والمراد بالدخول معناه المتعارف لا مجرد اختلاطها معه وتمريضها إياه كما عن بعضهم ، فإنه تهجس بلا داع ولا شاهد ، نعم لا فرق على الظاهر بين القبل والدبر.

كما أن الظاهر جريان حكم التداعي فيما لو حصل الخلوة بها فادعت هي الدخول وأنكره هو أو الوارث ، بل لو قيل : أن القول قولها فيه أمكن أن يكون ذلك بالنسبة إلى استحقاق المهر دون الإرث ، فلاحظ ما تقدم في النكاح (١) وتأمل.

وإن مات المريض في مرض آخر بعد برئه من المرض الأول أو مات بعد الدخول فلا ريب في صحة العقد ولزومه وترتب أحكامه ، عملا بالعمومات وخصوص هذه الروايات جميعها في الفرض الثاني ، وما قيد فيه البطلان بالموت في مرضه منها في الأول ، وبه يقيد الموت المطلق الموجب للبطلان في الأخيرين ، مع أن المتبادر منه فيهما المقيد خاصة.

بل لعل المتبادر الموت بذلك المرض ، فلو فرض الموت بمرض آخر أو فرض قتله أو نحو ذلك ورثته وإن كان قد مات قبل البرء من مرضه ، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال الناشئ من احتمال السببية في لفظ « في » والزمانية.

بل قد يستشكل أيضا في طول المرض بحيث بقي سنين ، خصوصا إذا كان يمشي به ، وكذا لو كان مرضه شبه الأدوار ونحو ذلك من أقسام المرض التي قد يتوقف في شمول إطلاق نصوص المقام لها على وجه يخصص بها عمومات الكتاب والسنة ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

__________________

(١) راجع ج ٣١ ص ٧٦ ـ ٧٩.

٢٢٢

( المقصد الثالث

( في الميراث بالولاء )

الذي هو أحد أسباب الإرث بعد فقد النسب إجماعا أو ضرورة من المذهب بل الدين. ( وهو ثلاثة أقسام ) مترتبة :

( الأول : ولاء العتق )

والأصل فيه بعد الإجماع بقسميه السنة المستفيضة بل المتواترة من طرق العامة (١) والخاصة (٢) نعم ( إنما يرث المنعم ) به بشروط ثلاثة : الأول ( إذا كان ) المعتق ( متبرعا ) بالعتق ( و ) الثاني إذا ( لم يتبرأ من ضمان جريرته و ) الثالث إذا ( لم يكن للمعتق وارث مناسب فلو ) كان قد ( أعتق في واجب كالكفارة والنذور لم يثبت للمنعم ميراث ) لأنه سائبة حينئذ بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في محكي السرائر ، بل عنها وعن الانتصار والغنية الإجماع عليه.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٤٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق.

٢٢٣

و‌قال الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن الفضل (١) : « إذا أعتق لله فهو مولى للذي أعتقه ».

وسأله عليه‌السلام الهاشمي (٢) « عن الرجل إذا أعتق أله أن يضع نفسه حيث شاء ويتولى من أحب؟ فقال : إذا أعتق لله فهو مولى للذي أعتقه ، وإذا أعتق وجعل سائبة فله أن يضع نفسه حيث شاء ، ويتولى من شاء ».

وسأل ابن أبي الأحوص (٣) أبا جعفر عليه‌السلام « عن السائبة فقال : انظر في القرآن فما كان فيه ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٤) فتلك يا عمار السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا لله ، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان ولاؤه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن ولاؤه للإمام عليه‌السلام جنايته على الامام وميراثه له ».

وسأله (ع) أيضا يزيد بن معاوية (٥) « عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق رقبة فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه ، وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالا ثم مات وتركه لمن يكون ميراثه؟ قال : فقال : إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر واجب عليه فان المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه ، وإن كان توالى قبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١ والأول قطعه من الثاني وليس خبرا مستقلا.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١ والأول قطعه من الثاني وليس خبرا مستقلا.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١ والباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ـ الحديث ٦ وفي الموردين ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) كما في الكافي ج ٧ ص ١٧١.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ عن بريد العجلي.

٢٢٤

أن يموت إلى أحد من المسلمين فضمن جنايته وحدثه كان مولاه ووارثه إن لم يكن له قريب يرثه ، قال : وإن لم يكن توالى أحدا حتى مات فان ميراثه للإمام : إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين ، وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال ، ويكون الذي اشتراه وأعتقها عن أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه ، قال : وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فان ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته ».

فما عن المبسوط في فصل الكفارات من ثبوت الولاء على المعتق في الكفارة واضح الضعف ، بل في الدروس « الظاهر أن ذلك حكاية منه لتصريحه قبله بعدمه » وإن دل عليه‌ الصحيح (١) « عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار لمن يكون الولاء؟ قال : للذي يعتق » الواجب طرحه أو حمله على ما إذا توالاه بعد العتق ، أو على التقية ، أو على من يتبرع بذلك عن كفارة غيره إن قلنا بكون ذلك من التبرع كما ستعرف ، وحينئذ فلا إشكال بل ولا خلاف بناء على عدم تحقق ذلك عن الشيخ.

نعم في المحكي عنه وابن حمزة ثبوته على أم الولد لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها ، بل نفى الخلاف عنه فيه ، إلا أنه مع تبين خلافه بمسير المشهور إلى ما عرفت معارض بما سمعت.

مضافا إلى عدم صدق الإعتاق الذي هو سبب للولاء ، بل هو غير صادق على سائر أفراد الانعتاق قهرا بالقرابة أو غيرها بعوض كان أو بغيره ، وسواء كان الدخول في الملك اختيارا أو اضطرارا ، خلافا لهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٥.

٢٢٥

أيضا ، فأوجبا الولاء لمن ملك أحد قرابته فانعتق عليه سواء ملكه اختيارا أو اضطرارا ، للموثق (١) « في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه ويستعبده؟ قال : لا يصلح أن يبيعه ولا يتخذه عبدا ، وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورثه صاحبه إلا أن يكون وارث أقرب منه ».

وفيه أن الظاهر إرادة الإرث الحاصل بالقرابة دون الولاء من الإرث فيه ، ويؤيده الحكم فيه بالتوارث من الطرفين فلا حجة فيه لهما.

وكذا لو انعتق عليه بتنكيله إياه ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في كشف اللثام لما عرفت من عدم اندراجه في المنساق من إطلاق الإعتاق ، بل لا يعد مولاه منعما عليه بذلك ، مضافا إلى‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٢) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في من نكل بمملوكه أنه حر ولا سبيل له عليه ، سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب ، فإذا ضمن جريرته فهو يرثه ».

هذا ويتصور الإرث بالولاء مع كون العتق بالقرابة واشتراط الإرث. به بعدم المناسب مطلقا فيما إذا كان صاحب الولاء غير مناسب للمعتق أصلا مع كونه نازلا منزلة من كان العتق سبب قرابته ، بأن يكون صاحب الولاء قريبا لذلك القريب مع عدم قرابة للعتيق ، وقد مات ذلك القريب فصار قريبه الذي ليس من أقرباء العتيق صاحب الولاء ، كما إذا اشترى رجل أمه فانعتقت عليه فمات الرجل وكان له أخ من أبيه خاصة ولا وارث للأم نسبا أصلا ، فإن ولاء الأم للأخ حينئذ.

ويثبت الولاء على المدبر إجماعا في الدروس ، لظهور اندراجه في إطلاق الأدلة ، بل والموصى بعتقه كذلك أيضا ، واحتمال عدم الولاء له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

٢٢٦

لعدم جواز إحداثه له بعد موته كما لا يجوز إحداث نسب له بعيد يدفعه ـ مضافا إلى خبر يزيد بن معاوية (١) السابق ـ أنه ليس إحداثا بعد الوصية به ، بل قد يمنع عدم جواز إحداثه له بعد موته فيما لو أعتق وصيه مثلا من ثلثه عنه تطوعا.

وأما المكاتب فقد يقوى بملاحظة بعض النصوص السابقة عدم الولاء عليه ، لعدم صدق التبرع به وعدم صدق كون عتقه لله ، بل هو كشراء العبد نفسه بناء على جوازه.

بل في‌ مرسل ابن أبي عمير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل كاتب مملوكة واشترط عليها أن ميراثها له فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأبطل شرطه ، وقال : شرط الله قبل شرطك » عدم الولاء مع الشرط فضلا عن عدمه وإن كان قد يشكل‌ بعموم « المؤمنون » (٣).

وخصوص‌ مرسل أبان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « عن المكاتب ، فقال : يجوز عليه ما اشترطت عليه ».

وحسن محمد بن قيس (٥) عن الباقر عليه‌السلام « وإن‌

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٢٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المكاتبة ـ الحديث ١ من كتاب التدبير والمكاتبة عن ابن أبي عمير عن عمرو صاحب الكرابيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور ـ الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المكاتبة ـ الحديث ٤ من كتاب التدبير والمكاتبة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المكاتبة ـ الحديث ١ من كتاب التدبير والمكاتبة.

٢٢٧

اشترط السيد ولاء المكاتب فأقر الذي كوتب فله ولاؤه ».

وصحيحه (١) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أعتق فنكح وليدة لرجل آخر ، فولدت له ولدا فحرر ولده ، ثم توفي المكاتب ، فورثه ولده فاحتقوا في ولده من يرثه؟ قال : فألحق ولده بموالي أبيه ».

وخبر ابن سنان (٢) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في من كاتب عبدا أن يشترط ولاؤه إذا كاتبه ».

ومن هنا كان المحكي عن الخلاف والإيجاز والمبسوط والسرائر والوسيلة والغنية والجامع والإصباح والتحرير ثبوته مع الشرط ، وهو الأقوى ، لما عرفت مع إمكان حمل المرسل المزبور القاصر عن معارضة ذلك على وجود القريب ونحوه مما لا يصح معه الشرط قطعا لا مطلقا.

بل لا يبعد ما عن المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع من صحة شرط الولاء على العبد الذي اشترى نفسه بناء على صحته وصيرورته بذلك حرا لا ولاء لأحد عليه ، للأصل وانتفاء التبرع بالعتق‌ لعموم « المؤمنون » (٣) وكونه كالمكاتب.

وأما العبد المنذور عتقه فقد يقال بالولاء عليه‌ لعموم « من أعتق لله » (٤) وغيره كما عن الشيخ ، ويحتمل العدم ، لكونه من الواجب الذي ينتفي معه صدق التبرع ، إذ هو حينئذ كمن كان عليه نذر عتق ثم اختار عبدا مخصوصا فأعتقه عن نذره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المكاتبة ـ الحديث ٢ من كتاب التدبير والمكاتبة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور ـ الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١ وفيه‌ « إذا أعتق لله ».

٢٢٨

ودعوى التزام الولاء في هذا أيضا كما ترى ، بل خبر يزيد بن معاوية (١) كالصريح في فسادها. بل قد يستفاد من صدره عدم الولاء لمن تبرع بالعتق عن غيره وكان واجبا على الغير ، ولعله لصدق عدم التبرع به المأخوذ فيه المجانية.

خلافا لظاهر المحكي عن الشيخ أيضا ، وإن كان هو لا يخلو من وجه أيضا ، بل ربما ظهر من الرياض كونه مفروغا منه ناسبا له إلى دلالة بعض الصحاح ، لكن لا يخفى عليك ما فيه.

وكيف كان فيثبت الولاء للكافر ولو على مسلم ، لإطلاق الأدلة لكن إرثه مشروط بإسلامه أو إسلام من ينتقل إليه ، ولو مات عتيق الكافر وهو حي والعتيق مسلم كان ولاؤه للإمام عليه‌السلام.

ولو كان للكافر ولد مسلم أو قريب ففي الدروس في إرثه هنا نظر من أنه لحمة كلحمة النسب ، ومن فقد شرط الانتقال.

قلت : لعل الأقوى الأول ، لإطلاق الأدلة ، وتنزيل الكافر منزلة العدم الذي هو شرط الانتقال.

( و ) أما الشرط الثاني فـ ( ـكذلك ) لا خلاف أجده في اعتباره ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، فـ ( ـلو تبرع ) المولى بالعتق ( واشترط سقوط الضمان ) لم يرثه ( و ) إن لم يصرح في التبري بعدمه ، للمعتبرة الصريحة في ذلك ، كالخبر (٢) القريب من الصحيح « عن السائبة ، فقال : الرجل يعتق غلامه ثم يقول اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شي‌ء ولا علي من جريرتك شي‌ء ، ويشهد على ذلك » وغيره.

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٢٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

٢٢٩

نعم ( هل يشترط في سقوطه ) أي الضمان ( الإشهاد بالبراءة؟ ) ( الوجه ) أنه ( لا ) يشترط وفاقا للمحكي عن الأكثر ، للأصل بعد انسياق الإرشاد من الأمر بالإشهاد في الخبر المزبور (١) وغيره بملاحظة نظائره وإن دخل في تعريف السائبة ظاهرا في هذا الخبر ، لكن قد يراد منه تأكد الإرشاد إلى ذلك.

فما عن النهاية والسرائر والجامع من اشتراطه فيه كالطلاق ضعيف.

وهل يسقط التبري بعد العتق للولاء أم لا ، بل لا بد منه حينه؟ وجهان ، ظاهر المحكي عن الأكثر وصريح الفاضل في التحرير والشهيد في الدروس الثاني اقتصارا في الخروج عن‌ عموم « الولاء لمن أعتق » (٢) على المتيقن ، وهو التبري حال الإعتاق الذي يكون بذلك كالشرط في العتق.

لكن في الرياض هو حسن لو لا إطلاق التبري فيما مر من النص (٣) المحتمل لوقوعه حال الإعتاق وبعده ، سيما مع عطف التبري بثم في الكافي والفقيه ، وهي حقيقة في التراخي.

وفيه منع الإطلاق المزبور على وجه يتناول التبري بعد العتق بمدة ، و « ثم » للترتيب الذكري ، وإلا لكان التراخي معتبرا في السائبة ، وهو معلوم العدم ، ويمكن أن يكون ذلك من الراوي ، بقرينة كون الموجود في المحكي من نسخة التهذيب (٤) والاستبصار (٥) الواو بدل « ثم ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٤) ج ٨ ص ٢٥٦ الرقم ٩٢٩.

(٥) ج ٤ ص ٢٦ ـ الرقم ٨٤.

٢٣٠

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن السائبة من لم يتبرع (١) بعتقه بل كان في كفارة ونحوها والمتبرئ من ضمانه.

( و ) كذا ( لو نكل به فانعتق ) بل قد عرفت أن كل من انعتق قهرا ( كان سائبة ) لما تقدم.

( و ) أما الشرط الثالث فلا خلاف ولا إشكال في اعتباره ، ضرورة أن الإرث بالولاء بعد فقد النسب إجماعا بقسميه وكتابا (٢) وسنة (٣) متواترة أو قريبة من ذلك.

وحينئذ فـ ( ـلو كان للمعتق ) بالفتح ( وارث مناسب قريبا كان أو بعيدا ذا فرض أو غيره لم يرث المنعم ) لأن « أولى الأرحام بعضهم ( أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) » (٤) وفي‌ الصحيح (٥) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في خالة جاءت تخاصم مولى رجل مات فقرأ هذه الآية ودفع الميراث إلى الخالة ولم يعط المولى شيئا ».

( أما لو كان ) له وارث سببي كـ ( ـزوج أو زوجة ) لم يمنع المنعم بل ( كان سهم الزوجية ) الربع أو النصف ( لصاحبه والباقي للمنعم أو من يقوم مقامه مع عدمه ) كما هو واضح.

ولو أعتق عبد ولم يعلم كونه سائبة أو لا فالظاهر كون ولاية للإمام عليه‌السلام لأن الشك في الشرط شك في المشروط ، واحتمال‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية المبيضة « من يتبرع » والصحيح ما أثبتناه كما في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف ( قده ).

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق.

(٤) إشارة إلى الآية الكريمة في سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ٣.

٢٣١

التمسك بظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « الولاء لمن أعتق » بعد العلم باشتراطه بما عرفت لا وجه له. نعم يتم ذلك لو كانت الأمور المزبورة من الموانع التي يمكن نفيها بالأصل.

( و ) من هنا قال المصنف وغيره ( إذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا ، وإن كانوا أكثر فهم شركاء في الولاء ب ) مقدار شركتهم في ( الحصص رجالا كان المعتقون أو نساء أو رجالا ونساء ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ولا إشكال.

( ولو عدم المنعم قال ابن بابويه : يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث ) سواء كان رجلا أو امرأة ، بل في اللمعة أنه المشهور وإن كنا لم نعرفه لغير الصدوق كما اعترف به في الروضة. نعم حكاه في كشف اللثام عن السرائر أيضا ، كما أنه في الدروس عن الحسن أن الولاء لأولاد المرأة مطلقا ، وعن المبسوط أن وارثه وارث المال حتى قرابة الأم.

وعلى كل حال فالوجه فيه أنه من الحقوق الموروثة المندرجة تحت عموم أدلته الشاملة للذكر والأنثى ، أو أنه لحمة كلحمة النسب ، والذكور والإناث يشتركون في إرث النسب ، فيكون ذلك في الولاء أيضا.

مضافا إلى ما في‌ موثق عبد الرحمن بن الحجاج (٢) من أنه « مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميراثه إلى بنت حمزة » الدال على بعض المدعى وقول (٣) أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يرث الولاء من يرث المال ».

ولعله لذا قال في المتن ( وهو حسن ) لكن فيه أنه مخالف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٠.

(٣) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣١٦ وفيه‌ « يرث الولاء من يرث الميراث ».

٢٣٢

لصريح النصوص (١) التي تسمعها خصوصا في الامرأة ( ومثله في ) محكي ( الخلاف ) والاستبصار إلا أنه قال ( إن كان ) المنعم ( رجلا ) واستدل على استثناء المرأة بالإجماع ، وتبعه في الدروس ومحكي السرائر وإن كنا لم نتحققه ، لكن فيه أنه مخالف أيضا للنصوص (٢) الدالة على تخصيصه بالذكور وإن كان المنعم رجلا.

( و ) لذا ( قال المفيد : الولاء للأولاد الذكور دون الإناث رجلا كان المنعم أو امرأة ) وتبعه في محكي الغنية والإصباح ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمد بن قيس (٣) : « قضى علي في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء ، ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبة فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل ».

ومكاتبة محمد بن عمر (٤) لأبي جعفر عليه‌السلام « عن رجل مات وكان مولى لرجل وقد مات مولاه قبله وللمولى ابن وبنات لمن ميراث المولى؟ فقال : هو للرجال دون النساء ».

وقول الصادق عليه‌السلام في حسن يزيد بن معاوية (٥) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ والباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٨ وفيه « كتب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ولكن في التهذيب ج ٩ ص ٣٩٧ ـ الرقم ١٤١٩ « كتب الى أبي جعفر عليه‌السلام ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ عن بريد العجلي.

٢٣٣

« وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال ».

لكن فيه أن الصحيح الأول أخص من المدعى أولا كالأخيرين ، وخارج عما نحن فيه ثانيا ، ضرورة ظهوره في كون الاحتقاق ـ أي التخاصم ـ بين بنات المولى وعصبة المعتق ، ولا ريب في تقديم عصبته عليهن ، لأن الإرث بالولاء إذا لم يكن وارث بالنسب.

اللهم إلا أن يكون بقرينة فهم الأصحاب ومعلومية تقديم النسب على الولاء ـ فلا يحسن التخاصم بين عصبة العتيق وبنات المعتق ـ يتعين إرادة الذي أعتق من الضمير ، وعلى كل حال فليس في أدلته ما يقضي بارث الأولاد الذكور.

( و ) من هنا كان الأقوى ما ( قالـ ) ـه ( الشيخ في النهاية ) وجماعة ، بل قيل هو المشهور من أنه ( يكون ) الولاء ( للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا ) للنصوص المزبورة ( ولو كان امرأة كان الولاء لعصبتها ، و ) ذلك لأنه ( بقوله تشهد الروايات ) التي تقدم منها ما يدل على الأول منه.

وأما الثاني فالصحاح‌ ( منها ) « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها » (١).

و ( منها ) صحيح يعقوب بن شعيب (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن امرأة أعتقت مملوكا ثم ماتت ، قال : يرجع الولاء إلى بني أبيها ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

٢٣٤

و ( منها ) صحيح أبي ولاد (١) « سألته عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك وكانت أمه قبل أن تموت سألته أن يعتق عنها رقبة من ماله فاشتراها هو فأعتقها بعد ما ماتت أمه ، لمن يكون ولاء العتق؟ قال : يكون ولاؤها لأقرباء أمه من قبل أبيها ، ويكون نفقتها عليهم حتى تدرك وتستغني ، قال : ولا يكون للذي أعتقها عن أمه من ولائها شي‌ء ».

ولا معارض لها مع كثرتها واشتهارها ونفي الخلاف عنها في محكي الاستبصار والخلاف ، بل في الأخير عن السرائر الإجماع عليها ، فيجب الخروج عن خبر اللحمة (٢) وإطلاق أدلة الإرث ببعض ذلك فضلا عن جميعه.

على أن المراد من خبر اللحمة عدم البيع والهبة ، كما يشعر به‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب » فلا إشكال حينئذ في إرث عصبة المعتقة دون أولادها.

بل ولا إشكال في الأول أيضا وإن كان يعارضه موثق عبد الرحمن (٤) إلا أنه مع اتحاده وكونه موثقا أو مرسلا وعدم صراحته ـ لاحتمال دفع ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أحد عصبة حمزة وأولى بالمؤمنين من أنفسهم وبرضا غيره وكونه مملوكا أو سائبة ميراثه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ غير مقاوم وإن كان هو مخالفا للعامة ، بخلاف الصحاح السابقة التي يبعد خفاء خروجها مخرج التقية على أساطين الأصحاب والرواة الذين كانوا إذا سمع أحدهم قولا منه لآخر قال : أعطاك من جراب النورة ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٠.

٢٣٥

( و ) كيف كان فـ ( ـيرث الولاء الأبوان ) للمنعم ( والأولاد ) أي يقومون مقامه في إرث العبد عند موته لا أن المراد إرثهم الولاء من المنعم عند فقده ، لأن التحقيق عدم كونه من الحقوق الموروثة ، وفاقا لصريح جماعة ، بل عن الشيخ الإجماع عليه تارة ، ونفي الخلاف أخرى ، لأنه لحمة كلحمة النسب الذي هو غير موروث ، ولعدم تصور انتقال حق النعمة الحاصلة للمنعم بالعتق ، ولثبوته في العتق عن الميت الذي أوصى بالعتق ، ولا يتصور الإرث للحاصل بعد الموت ، ولأنه لو كان موروثا على الكيفية التي ذكرنا لكان منافيا لآية أولي الأرحام (١) التي قد سمعت الإنكار بها على مخالفينا في تقديمهم العصبة على البنات ، وليس كذلك إذا كان يورث به.

ومن ذلك يعلم وجوب إرادة الانتقال كالميراث من الموروث في حسن بريد (٢) السابق ، كما أنه يعلم عدم ظهور المتن والنافع وغيرهما في ذلك ، ودعوى كونه خلاف ظاهر العبارة يدفعها وقوعها ممن صرح بعدم كونه موروثا ، كالفاضل في القواعد.

فمن الغريب اختياره في الرياض له مستدلا عليه بحسن بريد السابق (٣) وبالصحاح السابقة المتضمنة لكون الولاء للعصبة في الامرأة (٤) ثم قال : « والعجب من الأصحاب عدم استدلالهم بها له » والعجب من عجبه ، ضرورة عدم دلالة فيها ، وإنما في بعضها (٥) كونه للعصبة ، وهو أعم من كونه موروثا أو يورث به.

ودعوى ظهور كونه لهم في الإرث ممنوعة ، خصوصا والفرض‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

٢٣٦

حصول العتق عنها بعد موتها الذي لا يتصور ملكها له كي ينتقل إلى الوارث.

وكونه كصيد الشبكة وكالدية واضح المنع بعد بطلان القياس لو سلمنا الحكم في المقيس عليه.

وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى كونه يورث به لا يورث ، بل لم أجد مصرحا بذلك غيره.

وأما عبارة المصنف رحمه‌الله فالظاهر منها ما قلناه ، كما يشهد له وقوعها من العلامة رحمه‌الله بعد تصريحه بكونه يورث به لا يورث وما ذاك إلا لمعروفية كون المراد قيامهم مقامه عند عدمه.

وتظهر الفائدة في مقامات عديدة : منها ما لو مات المنعم قبل العتيق وخلف وارثا غير الوارث عند موت العتيق ، مثل ما لو مات عن ولدين ثم مات أحدهما عن أولاد ثم المعتق ، فعلى المختار يختص الولاء بالولد الباقي ، وعلى الآخر يشاركه أولاد الابن الآخر ، لانتقال حصة أبيهم إليهم ، وقد أطنب العلامة رحمه‌الله في القواعد في التفريع على ذلك وعلى إرث البنات له بما هو ظاهر لمن أحكم الأصل.

وعلى كل حال فشركة الأبوين مع الأولاد إنما هي في الرجل خاصة لما عرفته من أن المختار كون الولاء في الامرأة بعد موتها لعصبتها دون الأولاد ، واحتمال أن الأولاد والأب منها مناف لما تقدم من الفرق بينها وبين الرجل بذلك.

نعم قد يحتمل كونه للأب ، لعدم الدليل على نفيه بخلاف الأولاد إلا أن‌ قوله عليه‌السلام (١) « بني أبيها » و « قرابتها من قبل أبيها » (٢) ينفيه أيضا ، بل‌ قوله عليه‌السلام : « عصبتها » (٣) كذلك أيضا بناء على عدم كون الأب منها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

٢٣٧

وحينئذ يكون الولاء في المرأة بعد فقدها لعصبتها وإن وجد الأب والأولاد ، إلا أنه يبعده إرث المتقرب به كالأخ والعم دونه ، فيمكن إرادة الأب ومن يتقرب به حينئذ من النصوص ، ويقتصر في الخارج على الأولاد.

ومن الغريب عدم تنقيح ذلك في كلمات الأصحاب ، كعدم تنقيح العاقلة للعتيق في محله أيضا وأن الإرث هل يدور مدار العقل هنا كما هو مقتضى الصحيح (١) السابق أو لا؟ وعلى الأول يشكل إرث الأب والأولاد بناء على أن العصبة هي العاقلة وهم ليسوا منهم ، كل ذلك غير منقح في كلامهم.

وعلى كل حال فالمراد من إطلاق المصنف رحمه‌الله وغيره التعريض بابن الجنيد القائل باختصاص الابن في الولاء حيث يكون له كما فيما لو كان المعتق رجلا ، ضرورة كونهما من طبقة واحدة ، ولأنه كلحمة النسب ، وحسن بريد (٢) لا يراد منه الحصر بالنسبة إلى الأب.

نعم قد يشكل مشاركة الأم بظهور النصوص خصوصا المكاتبة (٣) السابقة في أن الإرث بالولاء للذكور دون الإناث ، ولذا حرمت البنات منه ، بل في حرمانهن إيماء إلى حرمانها.

والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤) « يرث الولاء من يرث الميراث » بعد الغض عن إرساله منزل على إرادة بيان ترتبه.

بل لعل خبر اللحمة (٥) لا إطلاق فيه على وجه يشمل ذلك ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٨.

(٤) دعائم الإسلام ـ ج ٢ ص ٣١٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

٢٣٨

بعد ما ذكرناه من ظهور‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه متصلا به : « لا يباع ولا يوهب » إلى آخره.

على أنه هو وغيره يخرج عنه بما عرفته من ظهور النصوص في اختصاصه بالذكور ، فما في الرياض من دعوى الشهرة على إرثها لم نتحققه ، وعلى تقديره فالمتبع الدليل لا هي.

( و ) كيف كان فـ ( ـمع الانفراد ) أي انفراد الأبوين والأولاد عن قريب للمعتق ( لا يشاركهما أحد من الأقارب ) وكذا بعضهم ، لمعلومية ترتب الإرث بالولاء كالنسب بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع على الظاهر عليه ، بل قد عرفت إرادته من مرسل أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) كاحتماله في خبر اللحمة (٢) مضافا إلى ظهور حسن يزيد (٣) في الفرض.

( و ) حينئذ فـ ( ـيقوم أولاد الأولاد ) الذكور منهم ( مقام آبائهم عند عدمهم ، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به كالميراث في غير الولاء ) فلو خلف أحدهم مثلا واحدا والثاني عشرة كان الميراث بينهم نصفين.

( ومع عدم الأبوين والولد ترثه الاخوة ) الذين هم الطبقة الثانية لكن الظاهر هنا مشاركة المتقرب بالأب وحده المتقرب بالأبوين كما صرح به في الروضة ، لما عرفت من عدم مدخلية قربها ، لأن الإرث بالولاء للذكور خاصة.

ومنه يعلم ما في قوله ( وهل ترث الأخوات؟ على تردد ، أظهره ) ‌

__________________

(١) دعائم الإسلام ـ ج ٢ ص ٣١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ عن بريد العجلي.

٢٣٩

كما عن المبسوط والخلاف ( نعم لأن الولاء كلحمة النسب و ) قد سمعت ما فيه.

نعم ( تشترك الاخوة والأجداد ) خلافا للإسكافي ، فجعل الجد أولى ، وهو شاذ ضعيف ، بل لعل الأخ أدخل في الحكم لأنه من العاقلة اتفاقا بخلافه ، فإن فيه خلافا ( و ) أما ( الجدات ) فقد عرفت أن الأقوى عدم إرثهن لما سمعت.

( ومع عدمهم ) فالولاء ( للأعمام ، و ) أما ( العمات ) فلا يرثن منه شيئا لما عرفت ( و ) يقوم ( بنوهم ) مقامهم مع عدمهم كالاخوة. ( و ) حينئذ فـ ( ـيترتبون الأقرب فالأقرب ) في التعصيب بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع ظاهرا عليه.

ومن الغريب ما في المسالك من موافقته هنا على عدم إرث الإناث من الأخوات والعمات والجدات ومخالفته في الأم ، فجعلها وارثة كالأب مع عدم دليل يخصها ، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص (١) السابقة الصريحة والظاهرة في أن الإرث به ليس إلا للرجال خاصة.

( و ) من هنا ( لا يرث الولاء من يتقرب بالأم من الاخوة والأخوات والأخوال والخالات والأجداد والجدات ) بل مثله يرد على المصنف أيضا ، ضرورة عدم دليل يصلح للفرق بين الأم والأخوات والجدات والعمات التي حكم بإرثهن وبين من تقرب بها من أولئك ، فالأصلح حينئذ بناء على ما عرفت عدم إرث إحدى النساء له من غير فرق بين من كان متقربا بالأب منهن ومن كان متقربا بالأم ، لاختصاص الإرث به بالذكور دون الإناث ، بل الذكور المتقربون بهن مثلهن في عدم الإرث وإن كن من قبل الأب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ٢ والباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث ولاء العتق ـ الحديث ١٨.

٢٤٠