جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

التخصيص بالحكم ، بل التنبيه على مأخذ الحكم وإلحاقه بكل ما حصل فيه الاشتباه.

قلت : ومن ذلك ـ مضافا إلى ما عرفت ـ تقوى ما قلناه من عدم تعيين القرعة ، لكن في الروضة « أن القول بالقرعة في غير موضع النص هو الأقوى ، بل فيه إن لم يحصل الإجماع ، والصلح في الكل خير ».

قلت : قد عرفت أن ما في النص والفتوى هو من الصلح الذي هو خير ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا زوج الصبية أبوها أو جدها لأبيها ) بالكفو بمهر المثل ( ورثها الزوج وورثته ، وكذا لو زوج الصغيرين أبواهما أو جدهما لأبيهما ) بالكفو بمهر المثل ( توارثا ) بلا خلاف محقق أجده فيه لتحقق الزوجية من الطرفين بذلك.

نعم عن الشيخ وجماعة من الأصحاب أن للصبي الخيار لو بلغ ، لخبر يزيد الكناسي (١) المعارض بما هو أقوى منه سندا وأكثر عددا ، مضافا إلى عموم الولاية ، ومع تسليمه لا ينافي الإرث ، ضرورة عدم منافاة الخيار لتحقق الزوجية المسببة للإرث ، فهو حينئذ كالعيب المسلط على الفسخ ونحوه من أقسام الخيار في النكاح وغيره المقتضي للفسخ من حينه.

ودعوى منع تحقق الإرث بالزوجية المتزلزلة واضحة الفساد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ٩ من كتاب النكاح.

٢٠١

وخصوصا بعد ما عرفت من إرث المطلقة رجعيا مع أنها أقوى في التزلزل من غيرها.

فما عساه يظهر مما حكى من تعليل الشيخ في النهاية التي لم تعد للفتوى من دوران الإرث وعدمه على الخيار وعدمه لا ينبغي الالتفات اليه.

ومن ذلك يعلم الحال فيما لو زوج الولي الصبية بالكفو بدون مهر المثل توارثا أيضا وإن كان لها الخيار ـ لو بلغت ـ في المهر ، بل هو أولى من ذلك ، ضرورة كون الخيار في المهر نفسه لا في العقد ، فمن الغريب توقف بعضهم فيه.

نعم لو زوجها بغير الكفو بدون مهر المثل ونحو ذلك مما هو مفسدة في الظاهر أمكن القول بعدم التوارث بهذا العقد الذي هو فضولي ، لعدم نفوذ تصرف الولي ولو الإجباري مع المفسدة في الظاهر ، فيجري حينئذ فيه ما سمعته من الفضولي إلا أن يقوم دليل معتد به من إجماع أو غيره بصحة ذلك من الولي في خصوص النكاح مع جبره بأن لها الخيار في العقد بعد البلوغ على وجه يكون كخيار العيب ، وحينئذ يتجه التوارث فيه أيضا ، لما عرفت.

( و ) كيف كان فـ ( ـلو زوجهما غير الأب أو الجد كان العقد موقوفا على رضاهما ) سواء كانا موجودين ولكن لم يجيزا أو لم يردا أو قلنا بعدم اعتبار المجيز في الحال في صحة عقد الفضولي ، أو قلنا بجواز تزويج الحاكم لهما مع المصلحة التي يمكن فرضها في المقام.

وحينئذ فالحكم لو رضيا به ( عند البلوغ والرشد ) أو رداه أو أحدهما واضح ( و ) كذا لو ماتا قبل البلوغ ، لعدم تحقق العقد الموجب لصدق الزوجية المسببة للإرث.

٢٠٢

بل ( لو مات أحدهما قبل ذلك بطل العقد ) أيضا ( ولا ميراث ) لما عرفت.

( وكذا لو بلغ أحدهما وأجاز ثم مات الآخر قبل البلوغ ) ضرورة توقف العقد على رضاهما معا ، فلا يكفي رضا أحدهما في تحقق الزوجية ( و ) حصول سبب الإرث.

نعم ( لو مات الذي رضي عزل نصيب الآخر من تركة الميت وتربص بالحي ، فإن بلغ وأنكر ) العقد ورده ولم يرض به ( فقد بطل العقد ولا ميراث وإن أجاز صح وأحلف أنه لم يدعه إلى الرضا الرغبة في الميراث ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، لصحيح الحذاء (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن غلام وجارية زوجاهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر ، قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى الميراث إلا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك ، قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية »

ومن ذيله يعلم إرادة الولي العرفي من الوليين في صدره لا نحو الأب الذي صرح بجواز تزويجه على الغلام والجارية وأنه لا خيار لهما فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

٢٠٣

بعد البلوغ مع فرض عدم المفسدة فيه ، وأما اشتماله على نصف المهر فغير قادح في حجيته فيما نحن فيه مع احتمال كون النصف الآخر مدفوعا سابقا. وعلى كل حال فالأمر سهل في ذلك.

إنما الكلام في انسحاب الحكم إلى غير محل النص والفتوى ، كتزويج الفضولي الكاملين أو أحدهما ، أو الولي أحد الصغيرين والفضولي الآخر أو نحو ذلك ، ومبنى ذلك على موافقة هذه الأحكام لقاعدة الفضولي ، وليس فيها سوى طلب اليمين من المجيز مع أن القاعدة تقتضي عدمها منه ، لأنه مصدق فيما لا يعلم إلا من قبله ، بل لعل المتجه ترتب الحكم ولو كان الذي دعاه إلى الرضا الرغبة في الميراث ، ضرورة تحقق الرضا وإن كان دعاه إليه الطمع.

هذا ولكن في المسالك تارة أن « أكثر هذه الأحكام موافقة للأصول الشرعية لا تتوقف على نص خاص ، وإنما يقع الالتباس فيها في إثبات إرث المجيز المتأخر بيمينه مع ظهور التهمة في الإجازة ».

وأخرى فيما لو كانا كاملين وزوجهما الفضولي قال : « في انسحاب الحكم إليهما وجهان : من تساويهما في كون العقد فضوليا ولا مدخل للكبر والصغر في ذلك ، ومن أن في بعض أحكامه ما هو على خلاف الأصل ، فيقتصر على مورده ، وهذا أقوى ، وحينئذ فيحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر ، سواء قلنا : إن الإجازة جزء السبب أو كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد ، أما على الأول فظاهر ، لأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل ، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول ، وأما على الثاني فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد ، بل لا بد معها من اليمين ، وقد حصل‌

٢٠٤

الموت قبل تمام السبب ، خرج منه ما ورد النص فيه ، وهو العقد على الصغيرين ، فيبقى الباقي ».

وهو من غرائب الكلام ، ضرورة كون ثبوت اليمين من النص ، وإلا فمن المعلوم كون الأصل كفاية الإجازة من غير يمين ، خصوصا مع فرض عدم التهمة ، فيتجه حينئذ الصحة في غير محل النص بلا يمين لا البطلان ، لما ذكره مما هو ثابت بالنص لا القاعدة.

نعم لو قلنا بكون الإجازة كاشفة ولكن مع ذلك لها دخل في تأثير العقد أثره وفي تسبيبه مسببه ـ ولا يقدح في ذلك تأخر العلة من المعلول والسبب عن المسبب ، لأن الغرض من الأسباب الشرعية التي لا مانع على الشارع في جعلها الآن أسبابا للآثار السابقة ، نحو ما قيل في غسل الاستحاضة في الليل : إنه سبب في صحة الصوم في النهار ، وبهذا المعنى يسمى كشفا لا أن المراد به العلم بما كان خفيا ، وإلا فالرضا المتأخر لا مدخلية له ولا تأثير له ، كما أوضحنا ذلك في باب الفضولي (١) وإن قلنا إن الأقوى خلافه ـ لاتجه حينئذ البطلان في غير محل النص ، ضرورة حصول الموت قبل تمام السبب الناقل ، لكونه مساويا للقول بكون الإجازة ناقلة بالنسبة إلى ذلك وإن اختلفا في زمن التأثير.

وكذلك يتجه البطلان بناء على اعتبار بقاء ما وقع عليه العقد قابلا لتعلق العقد حال الإجازة وفي الفرض ليس كذلك ، لحصول الموت لأحدهما المانع عن قابلية تعلق العقد به حال الإجازة ، فهو كما لو تلف المبيع فضولا بآفة سماوية قبل إجازة المشتري ، وبالجملة إن اتجه البطلان فإنما هو لذلك لا لما ذكره.

__________________

(١) راجع ج ٢٢ ص ٢٨٥ ـ ٢٩٣.

٢٠٥

وأما دعوى أن الحكم وإن كان مخالفا للقواعد للصحيح (١) المزبور المعتضد بالعمل فقد يلحق به غيره للأولوية كالفضولي في الكبيرين وكالفضولي في أحدهما فواضحة الفساد ، ضرورة عدم حصول القطع بذلك ، خصوصا مع ملاحظة تفريق الشارع بين المجتمعات وجمعه بين المختلفات ، والظن بالمساواة أو الأولوية من القياس المحرم.

وكيف كان فظاهر النص (٢) والفتوى توقف الزوجية على اليمين فلو نكل سقطت ، ولو منع منها مانع كجنون أو نحوه انتظر ما لم يحصل ضرر بذلك على الوارث أو المال ، فيتجه حينئذ دفعه إلى الوارث إلى أن يتحقق اليمين ، لأصالة عدم تحقق ما يقتضي انتقاله عنه.

وهل اليمين واجبة للتهمة بمعنى أنها لا تجب مع ارتفاعها أو تعبدا والتهمة حكمة؟ وجهان ، قد اختار ثانيهما في المسالك ، ولا يبعد الأول لظهور النص (٣) فيه.

ولو كان المجيز المتأخر الزوج فهل يتوقف استحقاق المهر عليه على اليمين أيضا؟ وجهان ، أقواهما العدم.

نعم ليس للوارث المطالبة به وإن وجب عليه دفعه اليه بعد فرض كون رضاه لا للطمع في الميراث ، والظاهر استحقاقه الإرث منه ، فيدفع منه ما زاد على نصيبه منه إلى الوارث ، وهل له المقاصة بباقيه عن باقي التركة؟ وجهان أيضا ، ولعل أولهما أقواهما ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

٢٠٦

المسألة ( الخامسة )

لا خلاف بين المسلمين في أن الزوج يرث من جميع ما تركته زوجته من أرض وبناء وغيرهما.

كما أنه لا خلاف معتد به بيننا في أن الزوجة في الجملة لا ترث من بعض تركة زوجها ، بل في الانتصار مما انفردت به الإمامية حرمان الزوجة من أرباع الأرض ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع على حرمانها من العقار.

نعم عن الإسكافي أنه إذا دخل الزوج أو الزوجة على الولد والأبوين كان للزوج الربع وللزوجة الثمن من جميع التركة عقارا أو أثاثا وصامتا ورقيقا وغير ذلك.

وإطلاق الولد في كلامه الشامل لمن كان من الزوجة وغيرها يدل على أن مذهبه أن الزوجة مطلقا وإن لم تكن ذات ولد ترث الثمن من جميع تركة زوجها من دون تخصيص ، ويلزمه إرثها من جميع التركة الربع إذا لم يكن للزوج ولد.

وفي المحكي عن كشف الرموز أنه قول متروك ، بل عن غاية المراد بعد أن حكى إجماع أهل البيت على حرمان الزوجة من شي‌ء ما وأنه لم يخالف فيه إلا ابن الجنيد قال : « وقد سبقه الإجماع وتأخر عنه » ونحو ذلك عن المهذب وغاية المرام.

لكن ومع ذلك قد يقال : إن خلو جملة من كتب الأصحاب على ما قيل كالمقنع والمراسم والإيجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع‌

٢٠٧

والفرائض النصيرية عن هذه المسألة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في العموم ربما يؤذن بموافقة الإسكافي ، بل لعل الظاهر عدم تعرض علي بن بابويه وابن أبي عقيل لذلك أيضا وإلا لنقل ، بل لعل خلو الفقه الرضوي الذي هو أصل الأول منهما ومعتمدة مما يؤيد موافقته أيضا.

بل لعل جميع رواة الصحيح ـ الذي هو مستند ابن الجنيد بعد عموم الكتاب والسنة ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام مذهبهم ذلك ، لأن مذاهب الرواة تعرف بروايتهم ، وقد رواه‌ ابن أبي يعفور وأبان والفضل ابن عبد الملك (١) قال : « سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته شيئا أو أرضها من التربة شيئا أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ قال : يرثها وترثه من كل شي‌ء ترك وتركت ».

فدعوى سبقه بالإجماع ولحوقه به لا تخلو من نظر ، بل عن دعائم الإسلام أن إجماع الأمة والأئمة على قول ابن الجنيد.

قال : « عن أهل البيت عليهم‌السلام مسائل جاءت عنهم في المواريث مجملة ، ولم نر أحدا فسرها ، فدخلت على كثير من الناس الشبهة من أجلها ، فرأينا إيضاح معانيها ليعلم المراد فيها ، وبالله التوفيق ، وإن كنا لم نبن هذا الكتاب على فتح المقفل وإيضاح المشكل وبيان المختلف فيه ، وإنما قصدنا فيه الاختصار والاقتصار على الثابت من المسائل والأخبار ، ولكن لما كان ظاهر هذه المسائل يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأئمة والأمة ودخلت على كثير من أصحابنا من أجلها الشبهة ولمزهم بها كثير من العامة فرأينا إيضاحها ـ إلى أن ذكر من ذلك ـ ما روى عن أبي جعفر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١ عن أبان عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور كما في الاستبصار ـ ج ٤ ص ١٥٤ والفقيه ج ٤ ص ٢٥٢.

٢٠٨

وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : إذا هلك الرجل فترك بنين فللأكبر منهم السيف والدرع والخاتم والمصحف ـ وذكر عن بعض الأصحاب احتساب ذلك من القيمة ، ورده بمنافاته للشركة المقتضية للتسوية ، ثم أوله ـ بأن ذلك خاصة للأئمة والأوصياء عليهم‌السلام وفيما هو منقول من إمام إلى إمام من خاتم الامام ومصحف القرآن الثابت وكتب العلم والسلاح الذي ليس شي‌ء من ذلك لأحد منهم تجري فيه المواريث ، وإنما يدفعه الأول للآخر والفارط للغابر ، وقد ذكرنا في باب الوصايا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دفع إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام كتبه وسلاحه وأمره أن يدفع ذلك إلى ابنه الحسن عليه‌السلام وأمر الحسن عليه‌السلام أن يدفعه إلى الحسين عليه‌السلام وأمر الحسين عليه‌السلام أن يدفعه إلى ابنه علي عليه‌السلام وأمر علي بن الحسين عليهما‌السلام أن يدفعه إلى ابنه محمد بن علي عليهما‌السلام وأن يقرؤه منه السلام ، فهذا وجه ما جاء في الرواية التي لا تحتمل غيره ، فاما أن يكون جاء مفسرا فحذف الرواة تفسيره ، أو جاء مجملا كما ذكرنا اكتفاء بعلم المخاطبين أو رمزا من ولي الله ـ ثم ذكر‌ ما روي عنهما عليهما‌السلام أيضا من أن النساء لا يرثن من الأرض شيئا ، إنما تعطى قيمة النقض ، قال ـ : وهذا أيضا لو حمل على ظاهره وعلى العموم لكان يخالف كتاب الله والسنة وإجماع الأئمة والأمة ـ ثم أوله بالأرض المفتوحة عنوة لكونها ردا للجهاد ، وتقوية لرجال المسلمين على الكفار والمشركين أو بالأوقاف التي ليس للنساء فيها حظ ، ولا يشاركن الرجال فيها إلا في قيمة النقض ـ فأما ما كان من الأرض مملوكا للموروث فللنساء منه نصيب ، كما قال الله تعالى ، هذا الذي لا يجوز غيره » (١).

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٩٠ ـ ٣٩٥.

٢٠٩

وهو كما ترى من غرائب الكلام ، بل هو كلام غريب عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات ، وإنما نقلناه ليقضي العجب منه ، وإلا فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه المستفاد ذلك من تسالم النصوص عليه التي هي فوق مرتبة التواتر والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرض بعض الكتب للمسألة ، ولعله لوضوحه وظهوره ، بل العامة تعرف ذلك من الإمامية ، ومن هنا اتجه حمل الصحيح (١) المزبور على التقية ، كما يتجه تخصيص العمومات بالمتواتر من النصوص (٢) والإجماع المحكي ، بل وبالإجماع المحصل ، فلا ينبغي الإطناب في ذلك.

إنما الكلام في أن ذلك خاص بالزوجة غير ذات الولد من الزوج أو مطلقا ، وفي الذي تحرم منه عينا وقيمة وعينا لا قيمة ، وفي غير ذلك من فروع المسألة؟ خيره المصنف وجماعة بل قيل : إنه المشهور بين المتأخرين في الأول الأول ، وفي الثاني مطلق الأرض من الأول والآلات والأبنية من الثاني.

فقال ( إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك ، ولو لم يكن ) ولد ( لم ترث من الأرض شيئا ، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والأبنية ، وقيل : لا تمنع إلا من الدور والمساكن ، وخرج المرتضى رحمه‌الله قولا ثالثا : وهو تقويم الأرض وتسليم حصتها من القيمة ، والقول الأول أظهر ).

لكن لم نقف لهم على دليل معتد به في التفصيل المزبور ، بل ظاهر النصوص (٣) على استفاضتها خصوصا المشتمل منها على إعطاء الربع أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ وغيره ـ من أبواب ميراث الأزواج.

٢١٠

الثمن ومعاقد الإجماعات عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها ، بل من الأخيرة ما هو صريح في ذلك.

نعم في‌ مقطوع ابن أذينة (١) « في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع » وهو غير حجة وإن ظن أنه عن الامام عليه‌السلام ضرورة عدم حجية مظنون الرواية ، ودعوى القطع بكونه عن الامام عليه‌السلام واضحة المنع ، وليس هو كالمرسل المعلوم كونه رواية ، فإذا فرض جبر ضعفه بالشهرة ونحوها جاز العمل به.

ومن ذلك يعلم ما في الاستدلال له بأنه مقتضى الجمع بين ما دل (٢) على الحرمان وبين ما دل (٣) على إرثها من جميع ما ترك بحمل الأول على غير ذات الولد وحمل الثاني على ذات الولد ، إذ هو كما ترى جمع بلا شاهد.

ودعوى أنه بملاحظة الشهرة والمقطوعة ونسبة بعضهم له إلى الرواية وغير ذلك يضعف الظن بإرادة هذا الفرد من أدلة الحرمان ، كما أنه يقوى إرادته من عمومات الإرث ، مضافا إلى اقتضاء ذلك قلة التخصيص في تلك العمومات.

يدفعها منع الشهرة ( أولا ) بل ظاهر كثير من أصحابنا عدم الفرق ، كالكليني والمفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة والحلي وجماعة من المتأخرين ، بل عن السرائر الإجماع عليه صريحا.

ومنع ضعف الظن ( ثانيا ) بل لعل الأمر بالعكس بملاحظة كثرة هذه النصوص ، وربما بلغت سبعة عشر خبرا (٤) مع عدم إشعار شي‌ء منها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

٢١١

بهذا التفصيل ، بل ظاهرها جميعا من حيث التعبير بالزوجة الشاملة لهما خلافه.

بل من عرف طريقتهم في أمثال ذلك من عدم الإيكال على علم السامع ونحوه وعدم التعبير بالوهم ( بالموهم خ ل ) يكاد يجزم بعدم ذلك ، والتخصيص بعد قيام الدليل المعتبر عليه لا مانع منه وإن كثرت أفراد المخصص كما في المقام ، فلا ريب في أن الأقوى عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها في الحرمان.

كما أنه لا ريب في أن الأقوى حرمانها من عين مطلق الأرض من غير فرق بين الدور والمساكن وغيرهما ، وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد النصوص المستفيضة عنهم عليهم‌السلام التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما على اختلاف دلالتها.

ف‌ في بعضها (١) : « أن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك ، وتقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب ، فتعطى حقها منه ».

وفي آخر (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، فأما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه ، قلت : فالبنات ، قال : البنات لهن نصيبهن فيه ، قال : قلت : كيف صار لهذه الثمن ولهذه الربع مسمى؟ قال : لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وإنما هي دخيل عليهم ، وإنما صار هذا كذا لئلا تتزوج المرأة فيجي‌ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوما آخرين في عقارهم ».

وفي ثالث (٣) « النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٤.

٢١٢

وفي رابع (١) « أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها ».

إلى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها الاقتصار في بعض النصوص على حرمانها من الرباع (٢) ومن رباع الأرض (٣) ومن العقار (٤) ومن عقار الدور (٥) ومن الدور والعقار (٦) بعد الاتفاق في النفي ، إذ هو نحو « لا تضرب الرجال » « لا تضرب زيدا ».

فلا يضر حينئذ معروفية المنازل من الرباع بين اللغويين ، فعن العيني الربع : المنزل ، والوطن يسمى ربعا ، لأنهم يربعون فيه ، أي يطمئنون وقال : هو الموضع الذي يرتعون فيه في الربيع.

وعن الأزهري عن الأصمعي الربع : هو الدار بعينها حيث كانت والمربع : المنزل في الربيع خاصة.

وعن الفارابي الربع : الدار بعينها حيث كانت ، إلى غير ذلك ، مع أنه يمكن أن يمنع ذلك في نحو رباع الأرض.

وأما العقار فإنه وإن نقل عن الأزهري أنه حكاه بمعناه ، وفي النافع « وكذا المرأة عدا العقار ، وترث من قيمة الآلات والأبنية ، ومنهم من طرد الحكم في مزارع الأرض والقرى » وهي كالصريحة في اختصاص العقار بغير المنزل ، لكن المعروف في كتب اللغة كما في موضع من كشف اللثام : أنه الضيعة أو النخل أو ما يعمهما وسائر الأشجار ، وفي آخر : الأشهر في معناه الضيعة.

بل ما‌ في الصحيح (٧) : « لا يرثن النساء من العقار شيئا ، ولهن قيمة البناء والشجر والنخل » كالصريح في كونه للأعم ، بل ربما يومئ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١٦.

٢١٣

إليه إضافته إلى الدور ، كما في بعض‌ النصوص (١) : « لا ترث النساء من عقار الدور شيئا ».

بل قد يدعى أنه في خبر الدار أظهر منه فيها ، ولذا عطفه عليها‌ في البعض الآخر (٢) فقال : « ليس للنساء من الدور والعقار شي‌ء ».

بل في كشف اللثام « قيل : العقار كل مال له أصل من دار أو ضيعة » وبذلك كله يظهر لك قوة القول بالتعميم.

فما في النافع ومحكي المقنعة والسرائر ـ من الاختصاص بالدور والمساكن اقتصارا في تخصيص عموم أدلة الإرث على المجمع عليه المتواتر به الأخبار (٣) كما عن السرائر ـ واضح الضعف ، ضرورة عدم الالتزام بالمتيقن بعد فرض تسليم كونه الدار والمسكن هنا مع قيام الدليل المعتبر على الأعم من ذلك وإن كان ظنيا وآحادا والعام قطعي كتابي ، كما هو محقق في محله.

فما عن المختلف ـ من أن قول شيخنا المفيد جيد لما فيه من تعليل التخصيص ، فان القرآن دال على التوريث مطلقا ، فالتخصيص مخالف ، فكل ما قل كان أولى ـ لا يخفى عليك ما فيه.

وأضعف منه ما عن المرتضى من أنها تحرم من عين الأرض دون قيمتها جمعا بين أدلة الإرث وأدلة الحرمان مع حصول الغرض المذكور في الأخبار (٤) بالحرمان عن العين ، نحو ما سمعته منه في أعيان الحبوة ، إذ هو مع إمكان دعوى سبقه بالإجماع ولحوقه به مناف لظاهر نفي إرثها فيما هو كالمتواتر من النصوص التي بعضها صريح أو كالصريح في حرمانها من نفس الأرض عينا وقيمة ، من حيث ذكره لهما معا في الحرمان ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٢ و ٣ و ٧ و ٩.

٢١٤

واقتصاره على إعطاء القيمة من البناء والخشب ونحوهما دونها ؛ على أنه جمع بما هو مناف لظاهر الدليلين من دون شاهد ، فالتخصيص أرجح منه بمراتب.

ومن الغريب ما عن المختلف من أن قول المرتضى رحمه‌الله حسن لما فيه من الجمع بين عموم القرآن وخصوص الأخبار ، لما عرفت من عدم الحسن فيه ، بل الإنصاف أن قول ابن الجنيد على ضعفه خير منه.

اللهم إلا أن يدعى أن هذا الحرمان بمنزلة الإتلاف عليها الموجب لضمان القيمة ، كما يومئ إليه قيمة الآلات ـ كما ستعرفه فيما يأتي ـ وحديث نفي الضرر والضرار (١) وقاعدة الجمع بين الحقين وغير ذلك ، إلا أنه هو أيضا كما ترى.

وعلى كل حال فلا ريب في أن القول الأول أظهر ، وهو حرمانها من مطلق الأرض عينا وقيمة دارا أو بستانا أو غيرهما مشغولة بزرع أو غرس أو خالية ، لما سمعته مفصلا.

نعم ترث القيمة خاصة من آلات البناء كالطوب والجذوع والخشب والقصب والنقض بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للنصوص المستفيضة أو المتواترة فيه.

بل في‌ صحيح الأحول (٢) منها إلحاق الشجر والنخل بذلك ، قال : « لا ترث النساء من العقار شيئا ، ولهن قيمة البناء والشجر والنخل ولا بأس به » وفاقا لصريح جماعة ، بل ربما احتمل إمكان إرادتهما من الآلات في نحو عبارة المتن واللمعة وغيرهما عملا بالصحيح المزبور الذي به يحمل نفي إرثها من القرى والعقار الذي قد عرفت إرادة الضيعة منه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب إحياء الموات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١٦.

٢١٥

على عدم الإرث من عين ذلك كله أرضه وغيرها دون قيمة الشجر والنخل.

وطريق التقويم أن تقوم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض إلى أن تفنى مجانا لأنها كانت فيها كذلك بحق ، وتعطى حصتها من ذلك.

وربما احتمل ضعيفا أن تقوم باقية فيها بأجرة جمعا بين الحقين ، وهو مخالف لظاهر النصوص ، خصوصا المشتملة على إرثها ذلك البناء وقيمة البناء (١) الذي منه يعلم إرادة تقويم الآلات باقية على حالها وبناءها وهيئتها ، لا أن المراد تقويمها نفسها غير مبنية ، كما عساه يتوهم من‌ قوله عليه‌السلام : « قيمة الخشب والجذوع والقصب والطوب » (٢).

وربما قيل في طريق التقويم أن تقوم الأرض مجردة عن البناء والغرس وتقوم مبنية مغروسة فتعطى حصتها من تفاوت القيمتين ، ومرجعه إلى ما ذكرناه. ولعله أحسن منه ، إذ يمكن زيادة قيمة الأرض بملاحظة ما فيها من الغرس والشجر والنخل ، واستحقاقها لهذه الزيادة مناف لما دل (٣) على حرمانها من الأرض عينا وقيمة ، فالأولى الاقتصار في كيفية التقويم على ما ذكرناه.

وهل يجبر الوارث على التقويم أو تجبر هي على الرضا بالعين إذا رضي الوارث؟ وجهان : إلا أنه اختار الأخير منهما بعض المتأخرين ، تمسكا بما عساه يظهر هنا من كون التقويم رخصة جبرا لحال الوارث فهو كالأمر الوارد عقيب الحظر.

وفيه أنه مناف لما دل (٤) على عدم إرثها من ذلك ، ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١٣ و ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

٢١٦

ظهورها في أنه لا تملك شيئا من ذلك بالإرث ، فلا مدخلية لرضا الوارث فيه.

بل لعل الأول لا يخلو من قوة خصوصا بعد ملاحظة أنه كقيم المتلفات باعتبار تنزيل حرمان الشارع لها من العين وتخصيص من عداها بها منزلة إتلافه عليها ، فيضمنون لها القيمة.

ومنه يعلم عدم بناء ذلك على المعاوضة ، بمعنى عدم جواز تصرف الوارث حتى يدفع القيمة ، بل الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين وعدمه ، ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه وإن كان مع الامتناع يبقى في ذمته إلى أن يتمكن الحاكم من إجباره على أدائها أو البيع عليه قهرا كغيره من الممتنعين من أداء الحق ، ولو تعذر ذلك كله يبقى في ذمته إلى أن تتمكن الزوجة من تخليصه ولو مقاصة ، سواء في ذلك الحصة وغيرها.

ولو اجتمعت ذات الولد وغيرها وقلنا باختصاص الحرمان بالثانية ورثت ذات الولد كمال الثمن في رقبة الأرض من غير مشاركة أحد من الورثة معها ، ومن دون دفع شي‌ء إلى الثانية ، وورثت أيضا كما له من أعيان الآلات والشجر ، لكن عليها للأخرى مثلا نصف ثمن قيمتها ، كما هو واضح.

ثم إنه لا يخفى عليك أن الموافق للعدل توزيع الدين والكفن ونحوهما على مجموع التركة من غير ضرر على أحد من الورثة ، فلا يدفع جميعه من غير الأرض كي يلزم الضرر على الزوجة ، ولا منها خاصة كي يلزم على الورثة دونها ، بل يوزع عليهما جميعا وإن كان العمل من جميع من عاصرناه على خلاف ذلك.

وعلى كل حال فهل يدخل في الآلات الدولاب والمحالة والعريش‌

٢١٧

الذي يكون عليه أغصان الكرم ونحوها؟ وجهان ، أقواهما دخول كل ما يسمى من آلات البناء من غير فرق بين ما اتخذ السكنى وغيرها من المصالح ، كالرحى والحمام ومعصرة الزيت والسمسم والعنب والإصطبل والمراح وغيرها ، بل قد يدخل في وجه صفرية الحمام والمسبك ونحوهما فيها.

أما القدر المثبتة في دكان ليصنع فيها الرؤوس والهريس ونحوهما فيمكن عدم عدها في الآلات ، فترث من عينها ، كما أن الظاهر إرثها من آلات البناء المهدومة من آجر ونحوه ، لأن المراد منها المثبتة دون المنقولة كما عن الصيمري الإجماع عليه. نعم لو كانت مبنية فلها القيمة وإن كانت مستعدة للهدم.

وكذا ما كان ثابتا من الغرس والنخل ونحوهما وإن انتهى عمره واستعد للقطع على إشكال ، ونحوه السعف اليابس وأغصان الشجرة اليابسة ونحو ذلك مما صار حطبا إلا أنه متصل بأصله ، ويحتمل إرثها من عين ذلك كله اقتصارا في الخروج عن عموم الأدلة على المتيقن.

أما النخل الصغار المعد للقلع بل لا ينتفع به من دون قلع فالظاهر استحقاقها القيمة منه ، لصدق الشجر والنخل عليه.

نعم لو كان مقلوعا ورثت من عينه وإن كان معدا للغرس بخلاف التمر ولو على الشجر والزرع وإن لم يستحصل ، بل لو كان بذرا فإنها ترث من عينه.

هذا ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالصلح ونحوه في جميع محال الشك وربما كان منه بيوت القصب ونحوه مما يستعمله أهل القرى ، فيمكن حرمانها من العين فيها أيضا ، ضرورة كونه كالدور المتخذة من الأخشاب ويحتمل العدم.

٢١٨

وربما كان منه أيضا بعض ما يوضع في حجر الدار من المرآة ونحوها للزينة.

وأما القنوات والعيون والآبار والأنهار ونحوها فلا ريب في إرثها من قيمة الآلات إن كانت ، ومن عين الماء الموجود حال الموت الذي ملكه الميت قبل موته بخلاف المتجدد ، فإنه ملك للوارث على الأصح وإن قلنا : إنها ترث في حق الخيار مثلا لو كان في الأرض على معنى أن لها الفسخ فترث من الثمن ، كما أن للوارث فسخ الخيار لو فرض بيع الميت أرضا كي يعود المال أرضا فلا ترث منه ، والله العالم.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الولد بناء على التفصيل به بين الذكر والأنثى والخنثى ، بل يمكن إلحاق الحامل بها ، فإنها وإن لم تكن ذات ولد فعلا لكن قد عرفت سابقا إلحاقه به في الحكم ، فيراعى حرمانها وعدمه حينئذ بولادته حيا كما في إرثه وإرثها.

وولد الزنا منهما ليس ولدا شرعا بخلاف ولد الشبهة لهما ، فلو أولدها شبهة ثم تزوجها بعد ذلك ورثت من الجميع مع احتمال الاختصاص بذات الولد من النكاح التي ترث به أو نظيره ، فلو تمتعها حينئذ وأولدها ثم تزوجها بعد ذلك حرمت ، نعم لو تزوجها وأولدها ثم طلقها وبعد الخروج من العدة تزوجها ورثت وإن لم يكن الولد من التزويج الثاني إلا أنه من صنف الأول الذي ترث به ، ولو كان ولد شبهة لها دونه لم تستحق به على الظاهر ، بل وكذا العكس في وجه ، ولو لا مخافة الاطناب المورث للملل لاستوفينا الكلام فيما ذكرناه من فروع المسألة وغيره ، لكن لعل في ذلك الكفاية ، والله الموفق والهادي.

٢١٩

المسألة ( السادسة : )

( نكاح المريض مشروط ) إرث الزوجة به ( بالدخول ) أو البراءة من ذلك المرض ( فان مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد ولا مهر لها ولا ميراث ، وهي ) رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (١) « ليس للمريض أن يطلق ، وله أن يتزوج ، فان هو تزوج ودخل بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث ».

وفي‌ صحيح عبيد ولده (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض أله أن يطلق؟ قال : لا ، ولكن له أن يتزوج إن شاء ، فان دخل بها ورثته ، وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل ».

كخبر أبي ولاد (٣) سأله (ع) أيضا « عن رجل تزوج في مرضه ، فقال : إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته ، وإن لم يدخل بها لم ترثه ، ونكاحه باطل ».

لكن مع ذلك قد تشعر نسبته إلى الرواية في المتن وإلى الشهرة في الدروس بنوع تردد فيه ، ولم أجده لغيرهما عدا ما يحكى عن نصير الدين من أنه قال بعد نقله ذلك : « وفيه كلام » بل ولا لهما في غير الكتابين بل جزما به في النافع واللمعة المتأخرين عن الكتابين كباقي فتاوى الأصحاب.

نعم صرح بعضهم أن المراد ببطلان العقد في هذه النصوص عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ الحديث ١.

٢٢٠