جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قال الباقر عليه‌السلام (١) في قول الله عز وجل (٢) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ) إلى آخرها : « إن بعضهم أولى بالميراث من بعضهم لأن أقربهم إليه رحما أولى به ، ثم قال : أيهم أولى بالميت وأقربهم إليه؟ أمه أو أخوه؟ أليس الأم أقرب إلى الميت من إخوته وأخواته؟ ».

وفي كشف اللثام « المراد من قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) إلى آخرها : الأقرب فالأقرب بلا خلاف ».

وفي المسالك « أن الخصم يوافق على ذلك ، ولذا قال بعضهم في العصبة : الأقرب يمنع الأبعد ، وقال في الوارث بآية أولى الأرحام : إن الأقرب منهم يمنع الأبعد ».

وذلك كله مقتض لفساد التعصيب ، ضرورة حصول جهة لذي الفرض يرث بها من غير فرض وهي القرابة ، فلم تبق الفريضة حينئذ شيئا ، إذ هو كوجود وارث قريب ليس له فرض ، فإنه لا تعصيب إجماعا ، لعدم إبقاء الفريضة حينئذ شيئا.

بل قد يقال : في كل مقام تبقى الفريضة شيئا إنما يرث ذو الفرض فرضه وغير الفرض بالقرابة ، كما يومئ اليه جملة من النصوص وتكون فائدة ذكر الفرض بيان مقدار إرثهم كما في مثال المتن الذي يرد منه أن المال يقسم بين البنت والأبوين أخماسا ثلاثة للبنت وخمسان للأبوين.

ومن ذلك يعلم الوجه في ذكر الفرض ، لا أن المراد منه عدم إرثه غيره أصلا الذي هو مقتضى مفهوم اللقب المفروغ من عدم حجيته في الأصول ومن الخروج عنه هنا بعد تسليمه في خصوص المقام ولو للقرائن الظاهرة في إرادة القيدية منه بالمتواتر من الأخبار عن أئمتنا عليهم‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ١١.

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

١٠١

التي هي عمدة أدلة الشيعة في إثبات ذلك وإن ذكر بعضهم زيادة عليه من طريق المجادلة مع الخصم.

كالاستدلال بقوله تعالى (١) ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) بناء على أن المراد منه بيان تساوي الرجال والنساء في الإرث ، والقائلون بالتعصيب لا يورثون الأخت مع الأخ ، ولا العمة مع العم.

وقوله تعالى (٢) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) بناء على أن المراد منه أن الإرث للأقرب فالأقرب ، ومعلوم أن البنت أقرب من ابن ابن الأخ ومن ابن العم ونحو ذلك.

لكن في كشف اللثام بعد ذكر الاستدلال بهما « وفيهما نظر ظاهر » وهو كذلك بالنسبة إلى الآية الأولى ، أما الثانية فالاستدلال بها تام بناء على ما عرفته سابقا ، كما سمعته من الباقر عليه‌السلام.

بل الآية الأولى قد يتم الاستدلال بها ـ بناء على أن المراد منها عدم خروج الإرث عن الأولاد وعمن هو أقرب إلى الميت من غير فرق بين الذكر والأنثى ـ ردا على الجاهلية الذين كانوا يحرمون النساء عن الإرث.

وإلى من شاركهم في ذلك في بعض الأحوال أشار‌ زيد بن ثابت فيما رواه عنه أبو نعيم الصحاف (٣) في كتابه مسندا إليه بقوله : « من قضاء الجاهلية أن يورث الرجال دون النساء ».

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧.

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٢ وفيه أبو نعيم الطحان كما في الكافي ج ٧ ص ٧٥.

١٠٢

كقول أبي بكر بن عياش (١) لما قيل له : ما تدري ما أحدث نوح بن دراج في القضاء؟ أنه ورث الخال وطرح العصبة وأبطل الشفعة : « ما عسى أن أقول لرجل قضى بالكتاب والسنة ، إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قتل حمزة بن عبد المطلب بعث علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأتاه علي بابنة حمزة فسوغها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الميراث كله ».

وقول ابن عباس (٢) لما جلس إليه قارية بن مضرب في مكة وقال له : يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاوس مولاك يرويه أن ما أبقت الفرائض فلا ولي عصبة ذكر : « أمن أهل العراق أنت؟ قلت : نعم ، قال : أبلغ من وراك إني أقول : إن قول الله عز وجل (٣) : ( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ) وقوله (٤) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وهل هذه إلا فريضتان؟ وهل أبقتا شيئا؟ ما قلت هذا ولا طاوس يرويه علي ( عني خ ل ) قال قارية : فلقيت طاووسا ، فقال : لا والله ما رويت هذا على ( عن خ ل ) ابن عباس ، وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم ، قال سفيان : أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس ، فإنه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك ، وكان يحمل على هؤلاء حملا شديدا ، يعني بني هاشم ».

والظاهر أن مراد ابن عباس التعريض بما يزخرفه الناس من أولوية العصبة ، وأنهم الحاملون لأثقال الميت المطالبون بدمه الثائرون بحقوقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٤.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٤) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

١٠٣

ونحو ذلك مما هو مبني على الاستحسان ونحوه الذي هو معلوم البطلان عندنا ، خصوصا بعد قوله تعالى (١) هنا ( لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ).

فلا ينبغي معارضة قوله تعالى (٢) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) المراد منه أن في كتاب الله ـ أي فيما كتبه الله تعالى على عباده ـ أولوية بعض الأرحام ببعض من بعضهم بمعنى انحصار الإرث في الرحم الأقرب ولو أنثى بهذه الوجوه الاستحسانية التي من أجلها خالفوا الكتاب والسنة المروية من طرقهم لقول (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن ترك بنتا وأخا : « إن المال كله للبنت » وغيره.

بل التزموا بأمور شنيعة ككون الابن للصلب أضعف سببا من ابن العم ، فإنه لو فرض ميت خلف ابنا وثمانية وعشرين بنتا كان للابن جزءان من ثلاثين بلا خلاف وإن كان مكانه ابن عم فنازلا كان له الثلث وهو عشرة أسهم من ثلاثين.

وككون الأخت عصبة عندهم مع الأخ دون البنت مع الأب ، فإن قالوا : إنها عصبها أخوها قلنا : لم لم يعصب البنت أبوها ، والأب أولى بالتعصيب من الأخ.

وكالتزامهم اشتراط توريث وارث بوجود وارث آخر فيما لو خلف بنتين وابنة ابن وعم ، فان للعم عندهم ما فضل من البنتين ، ولا شي‌ء لبنت الابن إلا إذا كان معها ذكر في درجتها أو فيما دونها ، فان الثلث يكون بينهم حينئذ أثلاثا ولا شي‌ء للعم.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ، والأولى هكذا « كقول. ».

١٠٤

مضافا إلى اقتضاء خبر العصبة (١) حرمان الأنثى واختصاص الإرث بالذكر ، بل هو أخص من قوله تعالى (٢) ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) إلى آخره فكان المتجه في الإرث بالتعصيب الاختصاص بالذكر ، وهم لا يقولون به ، إلى غير ذلك مما أطنب به أصحابنا في إلزامهم.

كما أنهم أطنبوا في ذكر أدلتهم على التعصيب وبطلانها وإن كان عمدتها ما أشرنا إليه من بعض الأخبار المفتراة ، وظهور التقدير في عدم استحقاق غيره ، خصوصا في آية الأخ والأخت الذي قد عرفت الجواب عنه ، وحيث كان التعصيب باطلا بالضرورة من مذهب الإمامية لم يكن للإطناب فيه ثمرة.

نعم لا بأس للامامي بإلزامهم به ، فله الإرث منهم بذلك ، عملا بما ورد (٣) من إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم الذي هذا من فروعه ، بل لا بأس بحمل بعض النصوص (٤) المتضمن لذلك عليه ، وإن أبته فعلى التقية ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

مما اختلف فيه الفريقان ( العول عندنا ) معاشر الإمامية ( باطل ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٢ و ٥.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث.

١٠٥

لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يقوم به ) والمراد به زيادة الفريضة لقصورها عن سهام الورثة على وجه يحصل به النقص على الجميع بالنسبة ، من العول بمعنى الزيادة أو النقصان أو الميل أو الارتفاع ، يقال : عالت الناقة ذنبها إذا رفعته ، لارتفاع الفريضة بزيادة السهام.

كما إذا كانت الفريضة ستة مثلا فعالت إلى سبعة في مثل زوج وأختين لأب ، فإن له النصف ثلاثة منها ، ولهما الثلثين أربعة ، فزادت الفريضة واحدا ، أو إلى ثمانية ، كما إذا كان معهم أخت لأم ، أو إلى تسعة بأن كان معهم أخت أخرى لأم ، وهكذا ، فان ذلك هو الضابط عند القائلين به ، فيجمعون السهام كلها وتقسم الفريضة عليها ليدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه ، كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم.

وأول مسألة وقع فيها العول في الإسلام في زمن عمر على ما رواه عنه أولياؤه قال : « ماتت امرأة في زمانه عن زوج وأختين فجمع الصحابة ، وقال لهم : فرض الله تعالى جده للزوج النصف وللأختين الثلثين ، فان بدئت بالزوج لم يبق للأختين حقهما ، وإن بدئت بالأختين لم يبق للزوج حقه ، فأشيروا علي ، فاتفق رأي أكثرهم على العول ».

وقد تواتر عنهم عليهم‌السلام أن السهام لا تعول ولا تكون أكثر من ستة (١) و‌كان أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) يقول : « إن الذي أحصى رمل عالج يعلم أن السهام لا تعول على ستة ، لو يبصرون ووجوهها لم تجز ستة ».

وأول من عال في الفرائض عمر كما حكاه عنه ابن عباس لما سأله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موجبات الإرث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٩.

١٠٦

عن ذلك‌ زفر بن أوس البصري (١) قال : « لما التفت الفرائض عنده ودافع بعضها بعضا قال : والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر الله؟ وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل حق ما دخل عليه من عول الفريضة ، وأيم الله أن لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة ، فقال له زفر بن أوس : وأيهما قدم وأيهما أخر؟ فقال : كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم الله ، أما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلا ما بقي فتلك التي أخر ، فأما الذي قدم فالزوج له النصف ، فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شي‌ء ، والزوجة لها الربع ، فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن ، لا يزيلها عنه شي‌ء ، والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ، ولا يزيلها عنه شي‌ء ، فهذه الفرائض التي قدم الله ، وأما التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان ، فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي ، فتلك التي أخر ، فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر الله بدأ بما قدم الله ، فأعطي حقه كاملا ، فإن بقي شي‌ء كان لمن أخر ، وإن لم يبق شي‌ء فلا شي‌ء له ».

والأصل في ذلك ما ذكره‌ أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) كما حكاه عنه الصادق عليه‌السلام قال : « قال : الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم ، ثم ضرب إحدى يديه على الأخرى ثم قال : يا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وجعلتم الولاية والوراثة لمن جعلها الله ما عال ولي الله ، ولا طاش سهم عن فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، ولا تنازعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٥.

١٠٧

الأمة في شي‌ء من أمر الله إلا وعند علي حكمه من كتاب الله ، فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم فيما قدمت أيديكم ، وما الله بظلام للعبيد ».

وكان عليه‌السلام يقول أيضا (١) : « لا يزاد الزوج عن النصف ولا ينقص من الربع ، ولا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص عن الثمن ، وإن كن أربعا أو دون ذلك فهن فيه سواء ، ولا تزاد الاخوة من الأم على الثلث ولا ينقصون عن السدس ، وهم فيه سواء الذكر والأنثى ، ولا يحجبهم عن الثلث إلا الولد والوالد ». وسمع سالم الأشل (٢) أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « إن الله أدخل الوالدين على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من السدس ، وأدخل الزوج والمرأة فلم ينقصهما من الربع والثمن » كقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « أربعة لا يدخل عليهم ضرر في الميراث الوالدان والزوج والمرأة ».

إلى غير ذلك من الروايات المتواترة عن الأئمة الهداة عليهم‌السلام في بطلان العول والإنكار عليهم فيه والتشنيع به عليهم ، فإنه مستلزم لجعل الله تعالى المال نصفين وثلثا ، وثلثين ونصفا ونحو ذلك مما لا يصدر من جاهل فضلا عن رب العزة المتعال عن الجهل والعبث وعما يقول الظالمون علوا كبيرا ، ضرورة ذهاب النصفين بالمال فأين موضع الثلث.

بل مستلزم لكون الفرائض على غير ما فرضها الله تعالى ، فإنه لو فرض الوارث أبوين وبنتين وزوجا وكانت الفريضة اثني عشر وأعلناها إلى خمسة عشر فأعطينا الأبوين منها أربعة أسهم من خمسة عشر فليست سدسين ، بل خمس وثلث خمس ، وأعطينا الزوج ثلاثا فليست ربعا ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٣.

١٠٨

خمس ، وأعطينا البنتين ثمانية فليست ثلثين ، بل ثلث وخمس.

وهو الذي أشار إليه‌ أمير المؤمنين عليه‌السلام لما سئل وهو على المنبر « فقام اليه رجل ، وقال : يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتين وأبوين وزوجة ، فقال عليه‌السلام : صار ثمن المرأة تسعا » فان الظاهر إرادته بذلك التعريض بالعول المؤدي إلى تغيير الفرائض كصيرورة الثمن تسعا في الفرض ، لأنه لما أعيلت الفريضة إلى تسعة وأعطينا الامرأة واحدا لم يوافق ما فرضه الله تعالى لذوي الفروض التي سماها ، إذ الواحد من التسع ليس ثمنها ، كما أن الاثنين منها ليسا سدسا الثمانية.

بل مستلزم في بعض الفروض زيادة نصيب الأنثى على فرضها ذكرا كما لو ماتت المرأة وخلفت زوجا وأبوين وابنا ، أو زوجا وأختين لأم وأخا لأب ، فإنه في كل من الموضعين يعطى الابن والأخ الباقي عندنا وعند الخصم ، وبتقدير أن يكون بدل الابن بنتا وبدل الأخ أختا أخذت أكثر من الذكر قطعا عند الخصم ، والكتاب المتضمن لتفضيل الرجال على النساء درجة (١) والسنة (٢) على خلاف ذلك.

ومن الغريب قياسهم ما نحن فيه على مسألة الدين الذي لا مانع عقلا من تعلقه وإن كثر بالمال وإن قل على وجه يقتضي التوزيع عليه ، بخلاف تعلق نحو النصفين والثلث الذي لا يرضى من له أدنى عقل أن ينسب ذلك إلى نفسه إلا أن ينص على إرادة العول ، وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه.

( و ) كيف كان فـ ( ـلا يكون العول إلا بمزاحمة الزوج أو

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨ وسورة النساء ٤ ـ الآية ١١ و ١٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.

١٠٩

الزوجة ) إما مع البنت أو البنات أو مع الأخت أو الأخوات من قبل الأبوين أو الأب.

وحينئذ ( فـ ) ـفي المتن وجملة من الكتب أنه ( يكون النقص داخلا على الأب أو البنت أو البنتين أو من يتقرب بالأب والأم أو بالأب من الأخت أو الأخوات دون من يتقرب بالأم ) الذي لا يرث إلا بالفرض بخلاف غيره ، فإنه يرث به تارة وبالقرابة أخرى ، كالبنت والبنتين اللتين ينقصن إذا اجتمعن مع البنين عن النصف أو الثلثين بنص الآية (١) لأن للذكر حينئذ مثل حظ الأنثيين ، والأخت والأخوات.

لكن فيه أن عد الأب مع هؤلاء لا وجه له ، ضرورة كونه مع الولد لا ينقص عن السدس ، ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ، ومن هنا تركه غير واحد واقتصر على ما عرفت.

ففي ( مثل زوج وأبوين وبنت ) يختص النقص بها فتأخذ الباقي بعد الربع والسدسين ( أو زوج وأحد الأبوين وبنتين فصاعدا ) يختص النقص بهما ، فتأخذان الباقي بعد الربع والسدس ( أو زوجة وأبوين وبنتين ) تأخذان أيضا الباقي بعد الثمن والسدسين ( أو زوج مع كلالة الأم وأخت أو أخوات لأب وأم أو لأب ) فيأخذ الزوج نصيبه الأعلى وهو النصف ، وكلالة الأم السدس أو الثلث ، والباقي للأخت أو الأخوات من قبل الأب ، كل ذلك بإجماع الطائفة وأخبارهم المتواترة (٢).

وقد أطنب أصحابنا في التشنيع على القول بالتعصيب والعول وكفى بوضوح بطلانه شنعة له ، وهذا غصن من شجرة إنكار الإمامة والضلال‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد والباب ـ ٣ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد.

١١٠

الذي أشار إليه‌ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمفهوم قوله : « ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا » (١) والحمد لله الذي عافانا من ذلك ومن كثير مما ابتلى به خلقه ولو شاء لفعل.

هذا كله في المقدمات‌ ( وأما المقاصد فثلاثة : )

( الأول )

( في ميراث الأنساب )

وهم ثلاث مراتب : )

( الأولى : )

( الأبوان والأولاد ) فإنه لا يتقدمهم أحد من الأرحام إجماعا وكتابا (٢) وسنة (٣).

( فان انفرد الأب ) عمن في درجته والزوج ( فالمال له ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٩ والباب ـ ١٣ ـ منها الحديث ٧٧ من كتاب القضاء وسنن البيهقي ج ١٠ ص ١١٤.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ١ والباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٧.

١١١

قرابة لآية أولي الأرحام (١) ( وإن انفردت الأم فلها الثلث ) فرضا ( والباقي رد عليها ) عندنا خلافا للعامة ، فللعصبة.

( ولو اجتمع الأبوان فللأم الثلث ) فرضا ( وللأب الباقي ) قرابة ( ولو كان هناك إخوة ) حاجبون ( كان لها السدس وللأب الباقي ، ولا ترث الإخوة شيئا ) وإن حجبوا ، وفي رواية (٢) شاذة عن ابن عباس أن لهم السدس الذي حجبوها عنه.

( ولو انفرد الابن فالمال له ) قرابة ( ولو كان أكثر من واحد فهم سواء في المال ) لعدم الترجيح ، والأصل التساوي.

( ولو انفردت البنت فلها النصف ) فرضا ( والباقي يرد عليها ) والعصبة بفيها التراب بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الكتاب (٣) والسنة (٤) والإجماع عليه.

نعم عن الفضل بن شاذان والحسن أنهما جعلا البنت والبنتين عند الانفراد كالابن في انتفاء الفرض ، وخصا فرض النصف والثلثين بحال الاجتماع ، ولا وجه له.

( و ) كذا ( لو كانت بنتان فصاعدا فلهما أو لهن الثلثان والباقي يرد عليهما أو عليهن ) والعصبة بفيها التراب.

( وإذا اجتمع الذكران والإناث فالمال لهم ) ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) كما أوصى الله تعالى شأنه بذلك في كتابه (٥).

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥ وسورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٢٧.

(٣) سورة النساء ٤ ـ الآية ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٥ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد والباب ـ ٨ ـ من أبواب موجبات الإرث.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

١١٢

( ولو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع الأولاد فلكل واحد من الأبوين السدس ) كما في الكتاب العزيز (١) ( والباقي للأولاد بالسوية إن كانوا ذكورا ، وإن كان معهم أنثى أو إناث ) ( فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) كما قال الله تعالى (٢).

( ولو كان معهم زوج أو زوجة أخذ حصته الدنيا ) الربع أو الثمن ( وكذا الأبوان ) يأخذان السدسين ( والباقي للأولاد ).

( ولو كان مع الأبوين بنت ) خاصة ( فللأبوين السدسان وللبنت النصف والباقي يرد عليهم أخماسا ) على حسب سهامهم.

( ولو كان إخوة للأب ) صالحون للحجب ( كان الرد على البنت والأب أرباعا ) على نسبة سهامهما ولا رد على الأم للحاجب الذي يحجب الأم عما زاد على السدس من غير فرق بين الرد وغيره بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك وكشف اللثام ومحكي المجمع الاتفاق عليه ، وهو الحجة في تخصيص أدلة الرد.

نعم عن معين الدين المصري أنه يرد عليهما أخماسا سهمان للأب وثلاثة للبنت ، لأن سهم الأم المحجوبة للأب.

ولكن المشهور على خلافه ، بل لم أجد له موافقا على ذلك ، بل هو مقتضى إرثهما بالقرابة التي بين مقداره بالسهام ، بل قد عرفت أن فائدة ذكر الفرض ذلك ، كما هو واضح.

( ولو دخل معهم زوج كان له نصيبه الأدنى ) وهو الربع ( وللأبوين كذلك ) وهما السدسان ( والباقي للبنت ) لعدم العول عندنا.

( ولو كان ) معهم ( زوجة أخذ كل ذي فرض فرضه ) ‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

١١٣

فتأخذ البنت النصف والأبوان السدسين والزوجة الثمن ( والباقي ) ربع السدس ( يرد على البنت والأبوين ) أخماسا ( دون الزوجة ) فإنه لا يرد عليها كما عرفت. ( ومع الاخوة ) الحاجبين للأم ( يرد الباقي على البنت والأب أرباعا ) كما تقدم.

قال‌ محمد في الصحيح (١) : « أقرأني أبو جعفر عليه‌السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخط علي بيده فوجدت فيها رجل ترك ابنته وأمه للابنة النصف : ثلاثة أسهم ، وللأم السدس : سهم يقسم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهما فهو للأم ، قال : وقرأت فيها رجل ترك ابنته وأباه فللابنة النصف : ثلاثة أسهم ، وللأب السدس : سهم يقسم المال على أربعة أسهم ، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهما فللأب ، قال محمد : وجدت فيها رجل ترك أبويه وابنته فللابنة النصف ثلاثة أسهم ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، لكل واحد منهما سهم ، يقسم المال على خمسة أسهم ، فما أصاب ثلاثة فللابنة ، وما أصاب سهمين فللأبوين ».

وفي الخبر (٢) « في رجل ترك ابنته وأمه أن الفريضة من أربعة ، لأن للبنت ثلاثة أسهم ، وللام السدس : سهم ، وما بقي سهمان ، فهما أحق بهما من العم ومن الأخ ومن العصبة ، لأن الله قد سمى لهما ولم يسم لهم ، فيرد عليهما بقدر سهامهما ».

( ولو انفرد أحد الأبوين معها كان المال بينهما أرباعا ) فرضا وردا.

( ولو دخل معهما زوج أو زوجة كان الفاضل ردا على البنت

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٦.

١١٤

وأحد الأبوين دون الزوج والزوجة ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص (١).

( ولو كان ) معهما ( بنتان فصاعدا فللأبوين السدسان وللبنتين فصاعدا الثلثان بالسوية ، ولو كان معهم زوج أو زوجة كان لكل واحد منهما نصيبه الأدنى ) وهو الربع والثمن ( وللأبوين السدسان والباقي للبنتين فصاعدا ) لعدم العول عندنا.

( ولو كان أحد الأبوين كان له السدس وللبنتين فصاعدا الثلثان والباقي يرد عليهم أخماسا ) على حسب السهام ، لظاهر التعليل في الخبر السابق (٢) بل لعله ظاهر الصحيح (٣) أيضا ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الإسكافي ، فخص الرد بهن لورود النقص عليهن بدخول الزوجين فيكون الفاضل لهن ، وللموثق (٤) « في رجل ترك ابنتيه وأباه أن للأب السدس وللابنتين الباقي ».

والتعليل ـ مع ضعفه ـ منقوض بالبنت ، لاعترافه بالرد عليها مع الأب ، والخبر ـ مع عدم صحته واحتمال كون الابنتين فيه تصحيف الابنين ، كما يشهد به وقوع التغيير في بعض النسخ ـ مردود بالشذوذ ، وربما حمل على وجود الذكر معهما ، وكذا كلام الإسكافي ، لكنه بعيد.

( ولو كان زوج كان النقص داخلا على البنتين فصاعدا ) خاصة لعدم العول عندنا ( ولو كان زوجة كان لها نصيبها ، وهو الثمن ، والباقي بين أحد الأبوين والبنات أخماسا ) بقدر السهام كما عرفت.

( ولو كان مع الأبوين ) خاصة ( زوج فله النصف ، وللأم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٧.

١١٥

ثلث الأصل ، والباقي للأب ، ومع الاخوة للام سدس ) الأصل ( والباقي للأب ) الذي لا فرض له مع عدم الولد ، فله حينئذ حالتان : حالة لا فرض له ، وهي إذا لم يكن ولد ، وحالة له السدس فرضا ، وهي إذا اجتمع معه ولد ، وحينئذ إما أن يرد عليه أو لا ، وللأم أيضا حالتان إما الثلث أو السدس ، وعلى كل حال إما أن يرد عليها أو لا ، والبنت إما لها النصف فرضا مع رد أو نقص أو لا فرض لها ، وهو فيما إذا كان معها ابن ، والبنتان إما لهما الثلثان مع رد أو نقص أو بدونهما أو لا فرض لهما وهو فيما إذا اجتمعا مع البنين الذين لا فرض لهم أصلا.

( ولو كان معهما ) أي الأبوين خاصة ( زوجة فلها الربع ، وللام ثلث الأصل إن لم يكن إخوة ، والباقي للأب ، ومع الاخوة لها السدس والباقي للأب ) بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف.

وملخصه أنه لو دخل أحد الزوجين على هذه الطبقة فإن كان على الأبوين أو أحدهما خاصة فله فرضه الأعلى : للزوج النصف ، وللزوجة الربع ، وللام بدون الحاجب الثلث ، ومعه السدس ، والباقي للأب إذا اجتمعا ، فلو انفرد فله الباقي بعد فرض الزوجية بالقرابة ، أو انفردت فلها الثلث بالفرض والباقي بالرد.

ولو دخلا على الأولاد فلهما فرضهما : للزوج الربع ، وللزوجة الثمن والباقي للولد بالقرابة ، إن كان ذكرا أو ذكورا أو مختلفين ، ولا نقص على الزوجين ولا رد ، ويرد على الأبوين من غير نقص.

ويدخل النقص على البنت والبنات إذا اجتمع معهما زوج وأبوان أو مع البنات زوج وأحد الأبوين ، أو أبوان وأحد الزوجين ، والمنقوص من البنت نصف سدس ، ومن البنات مع الزوج وأحد الأبوين كذلك ، ومنهن مع الأبوين وأحد الزوجين قدر نصيب الزوجين ، وحيث لا نقص‌

١١٦

فالرد ، لأن الفريضة هنا لا توافق السهام ، فالنقص في البنت في صورة واحدة ، والرد عليها في ثلاث ، وفي البنات بالعكس.

والمردود ربع السدس في البنات ، وكذا في البنت مع الزوجة والأبوين ، وفيها مع أحدهما والزوج نصف السدس ، ومع الزوجة سدس وربع سدس.

( مسائل : )

( الأولى )

المعروف بين الأصحاب أن ( أولاد الأولاد ) وإن نزلوا ذكورا أو إناثا ( يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين ) وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع من عداهم من الأقارب.

( وشرط ابن بابويه ) في الفقيه والمقنع ( في توريثهم عدم الأبوين ) قال في أولهما : « أربعة لا يرث معهم أحد إلا زوج أو زوجة : الأبوان والابن والابنة ، هذا هو الأصل لنا في المواريث ، فإذا ترك الرجل أبوين وابن ابن أو ابنة ابنة فالمال للأبوين للأم الثلث وللأب الثلثان ، لأن ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ، ولا وارث غيره ، والوارث الأب والام ، وقال الفضل بن شاذان خلاف قولنا في هذه المسألة وأخطأ ، قال : إن ترك ابن ابنة وابنة ابن فللأبوين السدسان وما بقي فلابنة الابن من ذلك الثلثان ولابن الابنة من ذلك الثلث تقوم ابنة الابن مقام أبيها وابن الابنة مقام أمه ، وهذا مما زل به قدمه‌

١١٧

عن الطريق المستقيم ، وهذا سبيل من يقيس ».

وقال في المقنع : « فان ترك ابن ابن وأبوين فللأم الثلث وللأب الثلثان وسقط ابن الابن ».

( و ) على كل حال فـ ( ـهو ) قول ( متروك ) قد نص المفيد والسيد والشيخ وأبو الصلاح وبنوا البراج وحمزة وزهرة وإدريس وسعيد والعلامة والشهيدان والمقداد وغيرهم على خلافه ، بل في الغنية والكنز والتنقيح الإجماع على خلافه ، بل في القواعد أنه قد سبقه الإجماع وتأخر عنه ، بل يمكن تحصيل الإجماع ، فالحجة حينئذ على المختار ذلك وكفى به.

مضافا إلى قوله تعالى (١) ( يُوصِيكُمُ اللهُ ) إلى آخره بناء على أن ولد الولد ولد حقيقة كما عن الأكثر ، بل عن ابن إدريس الإجماع عليه ، بل وعلى القول بالمجازية ، فإنه مراد هنا قطعا ، لإجماع الأصحاب على الاستدلال بهذه الآية على اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذكر ضعف الأنثى واحتجاجهم على بعض من شذ منهم في قسمة ولد الأنثى نصيبهم بالسوية ، وما ذاك إلا للإجماع على أن المراد بالولد هنا المعنى الأعم.

بل المراد بالولد في قوله تعالى (٢) ( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) ما يعم ولد الولد ، وقد حكى المرتضى وغيره الإجماع على ذلك وإذا كان ولد الولد حاجبا للأبوين إلى السدسين لم يكن لهما معه جميع المال ، كما قاله الصدوق رحمه‌الله.

ولا بعد في استعمال الولد فيما يشمل الولد وولد الولد ، لاشتراكهما في القرب الحاصل بالايلاد وإن كان في ولد الولد بالواسطة.

__________________

(١) سورة النساء ٤ ـ الآية ١١.

(٢) سورة النساء ٤ ـ الآية ١١.

١١٨

كما أن إطلاق ولد الولد يراد به ما يعم ولد ولد الولد وهكذا ، مع أن الكلام في كونه ولد الولد كالكلام في أن ولد الولد ولد ، فإنه ليس بولد على الحقيقة ، ولذا صح أن يقال : هذا ولد ولد ولدي وليس بولد ولدي ، كما يقال : هذا ولد ولدي وليس بولدي.

ومن الأصحاب من جعل المسألة من فروع التعارض بين الحقيقة والمجاز الراجح بناء على أن لفظ الولد حقيقة في الولد الصلب مجاز راجح في المعنى الأعم ، لكونه الغالب في الاستعمال ، فيترجح إرادته على القول بترجيح هذا النوع من المجاز. وفيه نظر.

وإلى النصوص كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كن مكان البنات ».

والموثق عنه عليه‌السلام (٢) أيضا « ابن الابن يقوم مقام أبيه ».

وحسن عبد الرحمن عنه عليه‌السلام (٣) أيضا « ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن قال : وابنه البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت ».

وخبر محمد بن سماعة (٤) قال : « دفع إلى صفوان كتابا لموسى ابن بكير فقال : هذا سماعي من موسى بن بكير وقراءة عليه ، فإذا فيه موسى بن بكير عن علي بن سعيد عن زرارة ، قال : هذا ما ليس فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد. الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد. الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد. الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٣ مع الاختلاف في كيفية النقل في صدر الرواية وسندها ورواها في الكافي ج ٧ ص ٩٧ بعين ما في الجواهر إلا أن فيه‌ « عن الحسن بن محمد بن سماعة قال : دفع الى صفوان كتابا لموسى بن بكر. » ‌

١١٩

اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد الله وعن أبي جعفر عليهما‌السلام ـ وذكر مسائل إلى أن قال ـ : ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة ، فان لم يكن ولد وكان ولد الولد ـ ذكورا كانوا أو إناثا ـ فإنهم بمنزلة الولد ، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين ، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ، ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر ، يرثون ما يرث الولد الصلب ويحجبون ما يحجب الولد الصلب » وهو نص في المطلوب.

والخبر المروي عن دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « في رجل ترك أبا وابن ابن قال : للأب السدس وما بقي فلابن الابن ، لأنه قام مقام أبيه إذا لم يكن ابن ، وكذلك ولد الولد ما تناسلوا إذا لم يكن أقرب منهم من الولد ، ومن قرب منهم حجب من بعد ، وكذلك بنوا البنت » الحديث.

والضعف منجبر بعمل الأصحاب والموافقة لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة كما في النهاية.

كل ذلك مع أنا لم نقف على ما يشهد للصدوق سوى‌ خبر سعد بن أبي خلف (٢) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام « بنات الابنة يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت أولاد ولا وارث غيرهن ».

وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ـ الحديث ٤.

١٢٠