جواهر الكلام - ج ٣٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( كتاب الفرائض )

جمع فريضة من الفرض ، بمعنى التقدير والقطع ، ومنه ( نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (١) وفرض الثوب : أي قطعه ، و ( أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها ) (٢) : أي فصلناها ، لا منه بمعنى الإيجاب والإلزام ، أو العطية باعتبار كون الإرث عطية من الشارع ، يقال : فرضت له في الديوان : أي أعطيته ، بل لعل استعماله في هذين بمعنى القطع والتقدير عند التأمل ولو مجازا.

وحينئذ فالمراد هنا السهام المقدرة في كتاب الله ، فتكون أخص من المواريث ، ولكن عنون بها الكتاب تغليبا أو تبعا للنص ، ففي‌ النبوي (٣) « تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، فإني امرؤ مقبوض ، وإن العلم سيقبض ، وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما ».

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ١.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٠٨.

٥

أو يراد بها مطلق السهام ولو الحاصلة من السنة (١) وآية ( أُولُوا الْأَرْحامِ ) (٢) فتساويها ، والأمر سهل.

والأصل فيها ـ بعد إجماع المسلمين بل الضرورة من الدين ـ الكتاب والسنة ، بل ورد الحث على تعلمها وتعليمها (٣) وأنها نصف العلم (٤) وأنها أول ما تنتزع من أمتي (٥).

وقد ذكر العلماء وجوها كثيرة في توجيه التنصيف لا يخلو جميعها أو أكثرها من التعسف. والأولى كون ذلك مبالغة في كثرة شعبها وتشتتها وشدة الحاجة إليها ، فاستحقت بذلك كونها نصف العلم الذي قد ورد (٦) الحث عليه ، خصوصا مع شدة تسامح الناس ، سيما الأعراب ومن شابههم في المواريث من الجاهلية إلى يومنا هذا ، فإنهم لا يورثون النساء والصبيان.

حتى أنه لما مات أوس الأنصاري (٧) عن زوجة وولد وبنات عمد أبناء عمه وأخذوا المال ، فشكت زوجته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاهم ، فقالوا : يا رسول الله إن ولدها لا يركب ولا ينكأ عدوا ، فأنزل الله تعالى ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ ) ـ إلى آخرها ـ (٨) ثم أنزل ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) ـ إلى آخرها ـ (٩).

ولقد نسخ بذلك وبآية أولي الأرحام وغيرها ما كان في الجاهلية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد والباب ـ ٢٠ ـ منها والباب ـ ٣ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد والباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال والباب ـ ١ ـ من أبواب ميراث الأزواج.

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٠٩.

(٤) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٠٩.

(٥) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٠٩.

(٦) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٢٠٩.

(٧) تفسير الدر المنثور ـ ج ٢ ص ١٢٢.

(٨) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٧.

(٩) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١١.

٦

من التوارث بالحلف والنصرة الذي أقروا عليه في صدر الإسلام ، وعلى التوارث بالهجرة ، فقال عز من قائل (١) ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) وقال (٢) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ) إلى آخرها.

( و ) كيف كان فـ ( ـالنظر ) فيها يكون ( في المقدمات والمقاصد واللواحق ، والمقدمات أربع : )

( الأولى )

( في موجبات الإرث ) وأسبابه

( وهي إما نسب ) وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر ، كالأب والابن ، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق النسب عرفا على الوجه الشرعي أو ما في حكمه ، فالتولد من الزنا لا إرث به بخلاف الشبهة ونكاح أهل الملل الفاسدة.

( أو سبب و ) هو الاتصال مما عدا الولادة من ولاء أو زوجية فـ ( ـالنسب مراتب ثلاث ) مترتبة لا يرث أحد من غير الاولى مع وجود وارث منها ، وكذا الثانية بالنسبة إلى الثالثة.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٣.

(٢) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٢.

٧

( الأولى : الأبوان ) من غير ارتفاع ( والولد ) ذكرا كان أو غيره ( وإن نزل.

( الثانية : الاخوة ) ولو إناثا ( وأولادهم وإن نزلوا ، والأجداد وإن علوا ).

( الثالثة : الأخوال والأعمام ) وأولادهم وإن نزلوا بشرط بقاء صدق اسم القرابة عليهم وإلا لعم النسب وبطل الولاء.

( والسبب اثنان : زوجية وولاء ، والولاء ) مترتب على النسب والزوجية تجامعه ، وهو ( ثلاث مراتب : ولاء العتق ثم ولاء تضمن الجريرة ثم ولاء الإمامة ) فإنه وارث من لا وارث له.

وزاد المحقق الطوسي فيما حكي عنه بينه وبين من تقدمه ولاء من أسلم على يده كافر ، وولاء مستحق الزكاة إذا اشتريت الرقبة منها وأعتقت للأخبار (١) في الأول والموثق (٢) في الثاني.

ويضعفه ضعف الأخبار وشذوذ القول بها مع جواز دخول الأخير في ولاء العتق كما عن جماعة. فلا يزداد به أقسام الولاء ، كما أنه لا تزداد المراتب بأعمام أبي الميت وجده وأخواله كذلك ، لاندراج الجميع في الأعمام والأخوال.

وعلى كل حال فلطبقات النسب ـ عدا الثالثة ـ أقسام تسمى أصنافا في كل طبقة صنفان : ففي الأولى الأبوان والأولاد. وفي الثانية الاخوة والأجداد ، وأما الثالثة ـ وهي طبقة اولي الأرحام ـ فصنف واحد : هم إخوة الآباء والأمهات وأولادهم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب جهاد العدو ـ الحديث ١ من كتاب الجهاد والمستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ منها ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢ من كتاب الزكاة.

٨

والأقرب من كل صنف يحجب الأبعد عنه دون الآخر ، فالأولاد للصلب يحجبون الحفدة ، ولا يحجبهم الأبوان ، والجد الأدنى يحجب الأعلى دون أولاد الاخوة ، والاخوة يحجبون أولاد الاخوة دون الصاعد من الأجداد ، والعم القريب يحجب البعيد من الأعمام والأخوال وأولاد العمومة والخؤولة ، وكذا الخال لاتحاد الصنف.

لكن عن مجمع البرهان والكفاية توريث البعيد من الأعمام مع القريب من الأخوال وبالعكس ، وهو غريب.

والضابط في النسب اعتبار العمود والحاشية ورعاية الطبقات والدرجات ، فعمود النسب الآباء وإن علوا ، والأولاد وإن هبطوا ، ومن عدا هؤلاء من الأقارب فهم في حاشية النسب.

والحواشي مختلفة في القرب والبعد ، فالأقرب منها الاخوة والأخوات وأولادهم المجتمعون بالميت في الأبوين ، ثم الأعمام والأخوال وأولادهم المجتمعون به في الأجداد ، ثم أعمام الأبوين وأخوالهما وأولادهم المنتهون إلى آباء الأجداد ، وهكذا.

وقد عرفت أن الأبوين والأولاد من العمود هم أهل الطبقة الأولى لا يرث معهم مناسب من غيرها ، والأجداد من العمود ، والاخوة وأولادهم من الحاشية هم أهل الطبقة الثانية المحجوبة بمن قبلها الحاجبة لمن بعدها ، والحواشي الباقية كلها أهل الطبقة الثالثة ، لكنهم يترتبون فيها ، فلا يرث أحد من العليا مع وجود واحد من الدنيا ، فيحجب ابن العم وإن نزل عم الأب ، وابن عم الأب كذلك عم الجد ، وهكذا.

وأما الدرجة فهي معتبرة في الطبقات كلها ، لكنها في الأوليين تراعى في الأصناف ، وفي الثالثة في الحواشي ، فالبطن الأسفل من الأجداد‌

٩

يمنع الأعلى ، والأعلى من غيرهم مطلقا يمنع الأسفل ، ولا يشتركون في الإرث إلا إذا تساووا في الدرج.

وستعرف إنشاء الله أن المتقرب بالأبوين في جميع حواشي النسب ولو واحدا أنثى يمنع المتقرب بالأب خاصة وإن كان متعددا ذكرا بشرط اتحاد القرابة وتساوي الدرج ، كالاخوة للأبوين مع الاخوة للأب والأعمام والأخوال لهما مع الأعمام والأخوال له ، فلو اختلفت القرابة اشتركا إن استوى القرب كالعم لهما مع الخال له وبالعكس. فهما من هذه الجهة حينئذ كالصنفين.

( و ) كيف كان فـ ( ـينقسم الوارث ( الوارث خ ل ) فمنهم من لا يرث إلا بالفرض ـ وهم الأم من بين الأنساب ـ إلا على الرد ، والزوج والزوجة من بين الأسباب إلا ) على الرد أيضا في الزوج خاصة ( نادرا ) وهو فيما لا وارث عداه غير الامام (ع) فإن الأصح كما ستعرف الرد حينئذ عليه ، أما الزوجة فلا رد عليها مطلقا كما سيأتي.

ومن هنا كان على المصنف عد ذلك قسمين : أحدهما من لا يرث إلا بالفرض دائما من غير رد ، وهو الزوجة ، والثاني من لا يرث إلا بالفرض دائما ولكن مع الرد في بعض الأحيان ، وهو الأم من الأنساب والزوج من الأسباب.

( ومنهم ) وهو القسم الثالث ( من يرث تارة بالفرض وأخرى بالقرابة ، وهم الأب والبنت أو البنات والأخت أو الأخوات ) فإن الأب يرث بالفرض مع وجود الولد ومع عدمه بالقرابة ، وبالعكس البنت والبنات والأخت والأخوات مع وجود الأخ بالقرابة ومع عدمه بالفرض ( وكلالة الأم ) التي ترث بالفرض إذا اتحدت عن الجد وبالقرابة إذا كانت معه.

١٠

( ومن عدا هؤلاء ) كالإخوة والأعمام والأخوال والأجداد وغيرهم ( لا يرث إلا بالقرابة ) وهو القسم الرابع ، لعدم الفرض لهم.

الخامس : الوارث بالولاء ، وهو المعتق والضامن والامام عليه‌السلام فتكون حينئذ أقسام الوارث بالنسبة إلى ذلك خمسة : ( فإذا كان الوارث ) ممن ( لا فرض له ولم يشاركه آخر فالمال ) كله ( له مناسبا كان ) كالعم ( أو مساببا ) كالمعتق بلا خلاف ولا إشكال.

( و ) كذا ( لو شاركه من لا فرض له ) أيضا ( فالمال لهما ) ولو على التفاوت في بعض الأحوال فإن الأولاد في الطبقة الأولى يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذا المتقربون بالأب من أخيرتي النسب بخلاف المتقرب منهم بالأم ، فإن القسمة بينهم بالسوية ، للأنثى مثل الذكر ، هذا كله مع اتحاد الوصلة.

( فإن اختلفت ) أي ( الوصلة فلكل طائفة نصيب من يتقرب به كالخال أو الأخوال ) والخالة أو الخالات ( مع العم أو الأعمام ) والعمة أو العمات ( فللأخوال نصيب الأم ، وهو الثلث ) يقتسمونه بالسوية للأنثى مثل الذكر ( وللأعمام نصيب الأب ، وهو الثلثان ) يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين ، كما عرفت وتعرف بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك وفي الصحيح (١) « أن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه ».

وكذا لو اجتمعت الكلالتان فلكلالة الأم الثلث والأب الثلثان إلا إذا دخل معهما أحد الزوجين ، فلكلالة الأب الباقي بعد فرضهما ، أو كانت الكلالة للأم ـ مع اتحادها ـ ذات فرض ، كالأخ أو الأخت ، فلها السدس ولكلالة الأب الباقي.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ١.

١١

( وإن كان الوارث ذا فرض أخذ نصيبه ، فان لم يكن معه مساو ) في طبقته ( كان الرد عليه ) لعدم إرث غيره معه ( مثل بنت مع أخ أو أخت مع عم ، فلكل واحدة نصيبها ، والباقي يرد عليها ، لأنها أقرب و ) لما عرفت.

نعم ( لا يرد على الزوجة مطلقا ) بل ( ولا على الزوج ) أيضا ( مع وجود وارث عدا الامام عليه‌السلام ) بل ينتقل الزائد إلى غيرهما من الورثة على حسب طبقات الإرث.

( وإن كان معه مساو ذو فرض وكانت التركة بقدر السهام قسمت على الفريضة ، وإن زادت كان الزائد ردا عليهم على قدر السهام ) لا الرؤوس ( ما لم يكن حاجب لأحدهم ) عن الرد عليه ، فيختص الآخر بالرد حينئذ ( أو ينفرد بزيادة في الوصلة ) فيختص هو أيضا بالرد.

( ولو نقصت التركة كان النقص داخلا على البنت أو البنات أو من يتقرب بالأب دون من يتقرب بالأم ) كما ستعرفه فيما يأتي في مسألة عدم العول عندنا.

( مثال الأول ) وهو مساواة التركة لقدر السهام ( أبوان وبنتان فصاعدا ) فإن للأولين الثلث وللبنتين فصاعدا الثلثين ( أو اثنان من ولد الأم ) ذكرين أو أنثيين أو مختلفين ( مع أختين للأب والأم أو للأب ) فإن للأولين الثلث وللأخيرين الثلثين ( أو زوج وأخت لأب ) فإن لكل منهما النصف.

( ومثال الثاني ) وهو زيادة التركة على قدر السهام ( أبوان وبنت وإخوة ) فإنها تزيد واحدا يرد على البنت والأب أرباعا : ثلاثة منها للبنت وواحد للأب على قدر السهام ، لكون الام محجوبة بالإخوة‌

١٢

عما زاد على السدس ، فيختص الرد حينئذ بهما ، فهذا مثال لوجود الحاجب.

وبدون الاخوة مثال للرد على قدر السهام ، فيرد الواحد حينئذ أخماسا خمسان للأبوين وثلاثة للبنت ، وكان عليه ذكره مثالا لذلك.

كما أن عليه ذكر المثال للانفراد بزيادة الوصلة ، وهو كما في المسالك أن يجتمع كلالة الأم مع أخت للأبوين ، فإن الرد يختص بالأخيرة ، لزيادة وصلتها إلى الميت بزيادة القرب بالأب.

وهو مبني على أنه لا ترجيح في الرد للأخت من الأب خاصة على كلالة الأم ، لتساوي الوصلة من الطرفين ، حيث كانت في إحداهما من الأب وفي الأخرى من الام ، أما من جعل الرد مختصا بالأخت فلا يصلح له التعليل بزيادة الوصلة ، لعدم تحققها ، وإنما مستنده النص (١) والنقص كما سيأتي ، والأمر سهل.

( ومثال الثالث ) وهو نقص التركة عن السهام ( أبوان وزوج وبنتان ) لعدم اجتماع الثلثين والثلث والربع ( أو أبوان وزوج وبنت ) لعدم اجتماع الربع والنصف والثلث ( أو زوج أو زوجة واثنان من ولد الام مع أختين للأب والام أو للأب ) لعدم اجتماع النصف أو الربع مع الثلث والثلثين ، فلا بد من رجوع النقص على البعض ، لعدم العول على الجميع عندنا ، وهو البنات أو من يتقرب بالأب ، كما تعرفه في محله إنشاء الله.

( وإن لم يكن المساوي ) في الطبقة ( ذا فرض كان له ما بقي ) بعد أن أخذ ذو الفرض فرضه بلا خلاف ولا اشكال ( مثاله : ) ( أبوان أو أحدهما وابن ) فان الابن معهما لا فرض له ( أو أب وزوج

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث الاخوة ـ الحديث ٥.

١٣

أو زوجة ) فإنه لا فرض له مع عدم الولد ( أو ابن وزوج أو زوجة ) إذ لا فرض له ( أو أخ وزوج أو زوجة ) أو غير ذلك مما هو غير خفي.

هذا وقد عرفت فيما تقدم أن الدرجة معتبرة في الطبقات كلها ، لكن على حسب ما تقدم ، فلا إرث حينئذ للأبعد مع الأقرب إلا إذا كان الأبعد ابن عم للأبوين ، فإنه يحجب العم للأب بالنص (١) والإجماع.

ولا يمنع البعيد القريب في غيره.

ولا يرث معه إلا إذا لم يزاحمه في استحقاقه كما في أخ حر وولد نصفه حر ، فان المال بينهما نصفان.

وقد يتصور نحو ذلك في الاخوة والأجداد من غير حجب على ما جزم به في المصابيح تبعا للدروس ، كما لو ترك جد الام وابن أخ لأم مع أخ لأب ، فإن ابن الأخ لا يحجبه الجد للام ولا يزاحم الأخ للأب فيرث مع الجد للام ، وبه صرح في القواعد أيضا.

أو ترك إخوة لأم وجدا قريبا لأب وجدا بعيدا لام ، سواء كان هناك إخوة للأب أم لا.

أو ترك مع الاخوة للأب جدا بعيدا لأب ، ومع الاخوة للام جدا قريبا للام.

فان الجد القريب في المسألة الأولى يأخذ ثلثي المال ، وللإخوة للأم الثلث.

قال في الدروس : « ويمكن هنا مشاركة الجد البعيد لهم ، لأن الأخ لا يمنع الجد البعيد ، والجد القريب لا يزاحم البعيد ».

وفي المسألة الثانية لأقرباء الأم الثلث وللإخوة الباقي ، ويمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ـ الحديث ٣ و ٥.

١٤

مشاركة الجد البعيد إياهم لما قلناه ، لكن في القواعد « أن الأقرب منع الجد الأدنى للأعلى ».

هذا وستعرف فيما يأتي إنشاء الله حكم ما لو اجتمع للوارث سببان من أنه يرث بهما ما لم يحجب أحدهما الآخر ، فتأمل جيدا ، فان ما ذكرناه لك في هذه المقدمة جملة أصول الميراث وأكثرها مجمع عليه ، وسيأتي إنشاء الله التنبيه على مواضع الخلاف فيها مع الإشارة إلى دليل المختار في تفاصيل الأسباب ، والله العالم الموفق.

( المقدمة الثانية )

( في موانع الإرث )

( وهي ) كثيرة حتى أنه في الدروس أنهاها إلى عشرين ، لكن ذكر المصنف وغيره منها هنا ال ( ثلاثة ) المشهورة ( الكفر والقتل والرق ) ثم ألحق بها في آخر المقدمة أربعة ، والأمر في ذلك سهل.

( و ) على كل حال فـ ( ـالكفر المانع ) عنه ( هو ما يخرج به معتقده ) أو قائله أو فاعله ( عن سمة الإسلام ، فلا يرث ذمي ولا حربي ولا مرتد ) ولا غيرهم من أصناف الكفار ( مسلما ) بلا خلاف فيه بين المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر كالنصوص (١).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث.

١٥

( و ) لا ينعكس عندنا بل ( يرث المسلم الكافر أصليا ومرتدا ) فإن الإسلام لم يزده إلا عزا ، كما في النصوص (١) ولا ينافيه‌ النبوي (٢) « لا يتوارث أهل ملتين » إذ المراد نفيه من الطرفين ، بأن يرث كل منهما الآخر ، كما ورد تفسيره بذلك في بعضها (٣) لا أن المراد منه نفي إرث المسلم للكافر ، خلافا لأكثر أهل الخلاف ( و ) هو كما ترى.

بل المسلم يحجب الوارث الكافر فـ ( ـلو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم ) غير الامام (ع) ( والزوجة كان ميراثه للمسلم ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة دون الكافر وإن قرب ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المنقول منه نصا وظاهرا في محكي الموصليات والخلاف والسرائر والنكت والتنقيح وكشف اللثام مستفيض.

مضافا إلى‌ الخبر (٤) المنجبر بذلك « المسلم يحجب الكافر ويرثه ، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه ».

والآخر المرسل (٥) « لو أن رجلا ذميا أسلم وأبوه حي ولأبيه ولد غيره ثم مات الأب ورث المسلم جميع ماله ، ولم يرث ولده ولا امرأته مع المسلم شيئا ».

والمعتبرة (٦) المتضمنة لمنع الكافر إذا أسلم بعد القسمة ، فإنها تعم الإرث من المسلم والكافر مع المسلم وبدونه ، خرج الأخير بالإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٤ و ٦ و ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث.

١٦

فيبقى غيره. وفي بعضها (١) « من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فهو له » وظاهره الاختصاص به مطلقا ، خرج منه اجتماعه مع المسلم المساوي له في الدرجة ، فيختص في غيره بأحد أمرين من القرب والإسلام.

أما الامام عليه‌السلام فلا يحجب الكفار عن الإرث من الكافر ، لثبوت التوارث بينهم كما سيأتي ، فلو منعهم الامام امتنع.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو لم يخلف الكافر مسلما ورثه ) الوارث ( الكافر ) نعم يقيد ذلك بما ( إذا كان ) الكافر ( أصلياً ).

( و ) أما ( لو كان الميت مرتدا ) عن ملة أو فطرة ( ورثه الإمام عليه‌السلام مع عدم الوارث المسلم ) أو ما في حكمه ، كولده المنعقدة نطفته حال إسلام أبويه أو أحدهما ، فإنه كالمسلم بلا خلاف أجده فيه في الفطري ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وعلى المشهور بين الأصحاب في الملي شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك ، لتحرمه بالإسلام ، ولذا لا يجوز استرقاقه ، ولا يصح نكاحه لكافرة ولا مسلمة.

( و ) لكن ( في رواية ) رواها إبراهيم بن عبد الحميد (٢) ( يرثه الكافر ) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات ، قال : ميراثه لولده النصارى ، ومسلم تنصر ثم مات ، قال : ميراثه لولده المسلمين ».

( وهي شاذة ) بل لم يعرف بها قائل سوى ما يظهر من تعبير الصدوق في المقنع بلفظها ، ومن الشيخ في كتابي الحديث ، مع أنه‌ قال في الفقيه : « الكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون » بل عن ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣ و ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١.

١٧

الجنيد أنه روي هذه الرواية عن ابن فضال وابن يحيى ، وقال : « لنا في ذلك نظر ».

بل ظاهرها أن الميراث للولد النصارى وإن كان له ورثة مسلمون ، وهو خلاف الإجماع والنص ، فلا ريب حينئذ في أن وارثه الامام (ع).

( و ) كذا لا ريب في أنه ( لو كان للمسلم وراث كفار : ) ( لم يرثوه ، وورثه الإمام عليه‌السلام ) أيضا ( مع عدم الوارث المسلم ) بلا خلاف ولا إشكال بعد ما عرفت من عدم إرث الكافر المسلم ، فلا وارث له حينئذ ، فيرثه الإمام الذي هو وارث من لا وارث له.

( وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك أهله إن كان مساويا في الدرجة ، وانفرد به إن كان أولى ) إجماعا بقسميه ونصوصا‌ منها (١) « من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فهو له » وقد عرفت أن ظاهره الاختصاص ، وفي آخر (٢) : « فله ميراثه » وهو أعم منه ومن الاشتراك. ولا ريب في أن المراد ولو بقرينة الإجماع ما سمعت من المشاركة مع المساواة والانفراد مع الأولوية.

نعم ظاهر النص والفتوى كون ذلك له بحق الإرث ، وليس ذلك إلا لكون إسلامه كاشفا عن استحقاقه له بالموت ، بل هو الضابط في كل شرط متأخر عما ظاهره التسبيب ، فيتبعه النماء المتجدد مطلقا ، كما عن الفاضل والشهيدين وغيرهم التصريح به.

لكن عن ظاهر الإيضاح التوقف فيه ، مما ذكر ومن حجب الكافر عن الأصل قبل أن يسلم ، فيملكه الوارث ملكا متزلزلا مستتبعا للنماء ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٣ و ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ٢.

١٨

فلا يخرج عنهم بخروج الأصل ، للأصل وعدم جريان ملك المورث عليه ، فلا يكون ميراثا.

وفيه أن توريث المسلم يقتضي الانتقال إليه بموت المورث ، فلو صار إلى الورثة لزم انتقاله إليه من الوارث الحي ، وليس من الإرث في شي‌ء ، والكفر المانع هو المستمر إلى القسمة لا مطلق الكفر ، فلا إشكال.

( ولو أسلم ) الكافر ( بعد القسمة ) لم يرث إجماعا ، لعموم الأدلة وخصوص النصوص (١).

وكذا لو اقترن إسلامه بها ، عملا بالأصل وعموم عدم إرث الكافر للمسلم السالمين عن معارضة النص ، لتعارض مفهومية في صورة الاقتران ، والرجوع إلى عمومات المواريث بعد تخصيصها بما دل على عدم إرث الكافر المسلم الشامل للفرض لا وجه له ، فلا إرث له لو كان إسلامه بعد القسمة ( أو ) مقارنا.

وكذا لو ( كان الوارث واحدا ) غير الامام وأحد الزوجين ( لم يكن له نصيب ) أيضا لو أسلم ، لما عرفت من أصالة عدم الإرث بعد عدم صدق القسمة مع الوحدة ، مضافا إلى ما عن السرائر والتنقيح وظاهر النكت من الإجماع على عدم إرثه أيضا ، خلافا لابن الجنيد فورثه مع بقاء التركة في يد الأول ، وهو شاذ.

( أما لو لم يكن له وارث سوى الامام عليه‌السلام فأسلم الوارث فهو أولى من الامام عليه‌السلام ) كما في المسالك ومحكي المعالم ، بل عن ابن فهد حكايته عن شيخه ، وفخر المحققين عن المحقق وكثير من الأصحاب ، والكفاية عن المشهور.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث.

١٩

( لرواية أبي بصير ) في‌ الصحيح (١) المروي في الكتب الثلاثة « في مسلم مات وله قرابة نصارى إن أسلم بعض قرابته فان ميراثه له ، فان لم يسلم أحد من قرابته فان ميراثه للإمام ».

وظاهر‌ الصحيح الآخر (٢) « في مسلم قتل ولا ولي له من المسلمين على الامام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام ، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه ، فإن شاء قتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية ، فان لم يسلم أحد كان الامام ولي أمره ، فإن شاء قتل ، وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين ، لأن جناية المقتول كانت على الامام ، فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين ».

لكن فيه دلالة على وجوب العرض على الوارث واستقرار إرث الإمام بامتناعه عنه ، ولم أعرف أحدا اعتبر ذلك ، نعم عن المصنف في النكت التنبيه عليه ، قيل : ويوافقه الاعتبار ، إذ لو لم يستقر به لزم تعطيل المال حتى يسلم الوارث أو يموت ، إذ لا يستقر إرث الإمام بالتصرف ولا بالتلف ، لا طلاق النص والفتوى ، فلو أسلم الكافر بعد تلف العين انكشف استحقاقه لها ، فيرث النماء.

بل قد يتجه ضمانها على متلفها وإن كان له ذلك ، لصدق‌ « من أتلف » أو « على اليد » (٣) وغيرهما مما يقتضي الضمان ، والاذن شرعا في الإتلاف لا ينافيه ، مع احتمال عدم الضمان ، لتنزيله في تلك الحال منزلة الملك ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١ مع اختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ١ من كتاب القصاص.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٩٥.

٢٠