جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

٣

٤

٥

٦

ِبسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

( كتاب إحياء الموات )

من الأرض

بفتح الميم وضمها الذي اتفقت الأمة على جوازه بل استحبابه ، والمرجع فيه العرف كغيره مما ليس له حقيقة شرعية.

والأصل فيه‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح (١) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحيا مواتا فهو له ».

وقوله عليه‌السلام أيضا وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في الحسن كالصحيح (٢) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحيا أرضا مواتا فهي له ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

٧

وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله ورسوله ».

وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح ابن مسلم (٢) : « أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها ، وهي لهم ».

كقوله عليه‌السلام أيضا في الصحيح الآخر (٣) : « أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها ».

وفي النبوي (٤) : « من أحاط حائطا على أرض فهي له ».

وفي آخر (٥) : « عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني ».

وفي ثالث (٦) : « موتان الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني أيها المسلمون ».

إلى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها إنشاء الله.

( و ) كيف كان ف ( النظر في أطراف أربعة : )

( الأول في الأرضين )

بفتح الراء ( وهي إما عامرة وإما موات ، فالعامر ملك لمالكه ) الذي هو في يده إذا كان على الوجه الشرعي الذي ستعرفه ، مسلما كان أو كافرا ، مباح المال كالحربي أم لا كالذمي وإن جاز أخذه قهرا من الحربي ، فإن ذلك لا ينافي الملك كباقي أمواله.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

(٦) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٣ مع اختلاف في ذيله.

٨

وحينئذ فالمراد من قول المصنف ولو بقرينة ما يأتي له ( لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه ) عدا ما يجوز للمسلمين تملكه من مال الحربي.

( وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب ) نهرا وغيره ( والقناة ) ونحوها ، فان ذلك كله من العامر الذي هو ملك لمالكه.

( ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد الشرك ، غير أن ما في بلاد الإسلام لا يغنم ، وما في ( ما كان من خ ل ) بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه ) وستعرف البحث في العامر في يد الكافر إذا كان بإحياء منه بعد أن صار للإمام عليه‌السلام.

( وأما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع ) على وجه يكون به ميتا ( فهو للإمام عليه‌السلام لا يملكه أحد وإن أحياه ما لم يأذن له الامام عليه‌السلام وإذنه شرط ، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ، ولا يملكه الكافر ، ولو قيل : يملكه مع إذن الامام عليه‌السلام كان حسنا ).

وتفصيل البحث في ذلك أن ما ذكره من الموات هو المطابق للعرف وعرفه به في النافع وجامع الشرائع والتحرير والدروس واللمعة والمسالك والروضة والكفاية على ما حكي عن بعضهم.

ولعله لا ينافيه ما في الصحاح ومحكي المصباح من أنه الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد. بل عن القاموس أنه اقتصر على الأول وعن النهاية أنها الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك أحد ، بل وما في التذكرة من أن الموات هي الأرض الخراب التي باد أهلها واندرس رسمها ، ضرورة كون مراد الجميع من الموات العطلة المزبورة سواء كان لها مالك سابقا أو لم يكن ، فان ذلك لا مدخل له في صدق اسم الموات‌

٩

كما أنه لا مدخل لبقاء رسوم العمارة وآثار الأنهار فيه أيضا.

واحتمال منع بقاء الآثار عن الاحياء كالتحجير مدفوع بالنص والفتوى بعد حرمة القياس على التحجير المقارن لقصد العمارة.

قال الباقر عليه‌السلام في صحيح الكابلي (١) : « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ( إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله تعالى الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها ويؤد خراجها إلى الامام عليه‌السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، فليؤد خراجها الى الامام عليه‌السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعها ، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم » ونحوه غيره في تحقق الاحياء مع العطلة وإن بقيت الآثار السابقة ، لصدق الموات عليه ، فإنه كالحي لا حقيقة لهما شرعا ، ومرجعهما إلى العرف الذي ستسمع تعرض المصنف لما يصدق به عرفا ، فأحدهما حينئذ مقابل للآخر.

نعم لا يكفي مطلق استيلاء الماء أو انقطاعه أو الاستئجام ، بل لا بد من أن يكون ذلك على وجه يعد مواتا عرفا ، وإلا فقد يتفق بعض ذلك في الأرض العامرة عرفا ، كما هو واضح.

وأما أن الموات أصلا أو عارضا بعد أن باد أهله للإمام عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) سورة الأعراف : ٧ ـ الآية ٢٨.

١٠

فما لا خلاف فيه ، بل الإجماع محصلا عليه ، فضلا عن المنقول في الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك صريحا ، وظاهرا في المبسوط والتذكرة والتنقيح والكفاية على ما حكي عن بعضها عليه.

مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها (١) وفيها الدال على أنه من الأنفال (٢) فتدل عليه حينئذ الآية (٣) بل في جملة من النصوص (٤) أن الأرض كلها للإمام عليه‌السلام وذهب إليه بعض الرواة إلا أن التحقيق خلافه ، كما حررنا ذلك في كتاب الخمس (٥).

وأما أن إذنه شرط في تملك المحيا فظاهر التذكرة الإجماع ، بل عن الخلاف دعواه صريحا ، بل في جامع المقاصد « لا يجوز لأحد الاحياء من دون إذن الامام عليه‌السلام وأنه إجماعي عندنا » وفي التنقيح الإجماع على أنها تملك إذا كان الإحياء بإذن الإمام عليه‌السلام وفي المسالك « لا شبهة في اشتراط إذنه في إحياء الموات ، فلا يملك بدونه اتفاقا ».

مضافا إلى قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، وفي‌ النبوي (٦) « ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه » بل تقدم في كتاب الخمس (٧) ما يدل على ذلك أيضا فلاحظ.

إنما الكلام في اعتبار كون المحيي مسلما كما هو ظاهر أول المتن ، فلا يملكه الكافر بذلك وإن أذن له الامام عليه‌السلام بل ظاهر التذكرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٣) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ١.

(٤) الكافي ـ ج ١ ص ٤٠٧.

(٥) راجع ج ١٦ ص ١١٧ ـ ١١٩.

(٦) كنوز الحقائق المطبوع على هامش الجامع الصغير ـ ج ٢ ص ٧٧ ـ ٧٨.

(٧) راجع ج ١٦ ص ١٣٤.

١١

الإجماع عليه ، قال فيها : « إذا أذن الامام عليه‌السلام لشخص في إحياء الأرض ملكها المحيي إذا كان مسلما ، ولا يملكها الكافر بالاحياء ولا بإذن الإمام عليه‌السلام له في الاحياء ، فان أذن له الامام عليه‌السلام فأحياها لم يملك عند علمائنا ».

وفي جامع المقاصد « يشترط كون المحيي مسلما ، فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا وإن كان الإحياء بإذن الإمام عليه‌السلام ».

لكن في الدروس « الشرط الثاني ـ أي للملك بالإحياء ـ أن يكون المحيي مسلما ، فلو أحياها الذمي بإذن الإمام عليه‌السلام ففي تملكه نظر ، من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين ، والنظر في الحقيقة في صحة إذن الامام له في الاحياء للتملك ، إذ لو أذن كذلك لم يكن بد من القول بملكه وإليه ذهب الشيخ نجم الدين ».

وفي جامع المقاصد « والحق أن الامام عليه‌السلام لو أذن له بالتملك قطعنا بحصول الملك له ، وإنما البحث في أن الامام عليه‌السلام هل يفعل ذلك نظرا إلى أن الكافر أهل أم لا؟ والذي يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب العدم ».

وفي الروضة « وفي ملك الكافر مع الاذن قولان ، ولا إشكال فيه لو حصل ، إنما الإشكال في جواز إذنه عليه‌السلام له نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك أم لا؟ » ونحوه في المسالك.

قلت : لا إشكال ـ بعد عصمة الامام عليه‌السلام ـ في حصول الملك له بالاذن له في التملك. ضرورة أنه لو لم يكن أهلا لذلك لم يأذن له ، إلا أنه يمكن تحصيل الإجماع فضلا عن النصوص (١) على عدم اعتبار الاذن من الامام في التملك بالاحياء ، بل يكفي الإذن منه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات.

١٢

بالإحياء الذي هو سبب حصول الملك مع فرض وقوعه على الوجه المعتبر.

إنما الكلام في اعتبار الإسلام مع الاذن وعدمه ، فهو على تقديره شرط آخر لترتب الملك على الاحياء ، ولا مانع عقلا ولا شرعا في عدم ترتب الملك على الاحياء للكافر وإن أذن في الاحياء الإمام عليه‌السلام إذ الاذن في أصل إيجاده غير الاذن في تملكه به ، وما أدري من أين أخذ ذلك الشهيد في الدروس؟! حتى أنه أوقع غيره في الوهم.

وقد سمعت دعوى الإجماع من الفاضل في التذكرة على عدم ترتب الملك على إحياء الكافر وإن أذن له الامام عليه‌السلام فيه. بل وفي أثناء كلام الكركي أيضا ، وإن كان التحقيق خلافه ، لظهور النص (١) والفتوى في كونه سببا شرعيا لحصول الملك مع حصول شرائطه التي منها الاذن أيضا ، سواء كان المحيي مسلما أو كافرا.

بل هو صريح‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) « سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى ، فقال : ليس به بأس ، وقد ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها ويعمرونها ، وما بها بأس إذا اشتريت منها شيئا ، وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها ، وهي لهم ».

وصحيح أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمة ، فقال : لا بأس بأن يشترى منهم إذا عملوها وأحيوها ، فهي لهم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أمر ، وترك الأرضين في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الجهاد ـ الحديث ٢ من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

١٣

أيديهم يعملونها ويعمرونها » إلى غير ذلك من النصوص (١).

بل لو لا الإجماع على اعتبار الاذن لكان مقتضاها الملك بالاحياء مطلقا ، نعم قد سمعت ما في المرسل (٢) وصحيح الكابلي (٣) إلا أن الأول غير حجة والثاني لا ينافي ما دل على الأعم.

وأما الإجماع المزبور فلم نتحققه ، بل لعل المحقق خلافه ، فإن المحكي عن صريح المبسوط والخلاف والسرائر وجامع الشرائع وظاهر المهذب واللمعة والنافع عدم اعتبار الإسلام.

قال في المبسوط : « الموات عندنا للإمام عليه‌السلام لا يملكها أحد بالاحياء إلا أن يأذن له الامام عليه‌السلام ، وأما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام إلا أن يأذن له الامام عليه‌السلام » وبعينه عبارة محكي السرائر.

بل عنه في الخلاف نسبة الخلاف في ذلك إلى الشافعي وأنه قال : « لا يجوز للإمام عليه‌السلام أن يأذن له ، فان أذن له فيه فأحياها لم يملك ».

فمن الغريب دعوى الإجماع المزبور ، وأغرب منه ما سمعته من جامع المقاصد من أن الذي يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب أن الامام عليه‌السلام لا يأذن.

وقد عرفت أن هذا الخلاف غير محرر في كلام الأصحاب ، بل لا وجه له ، ضرورة كون الامام عليه‌السلام مع وجوده أعرف بالمصالح المقتضية لذلك وعدمها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٤ ـ من كتاب إحياء الموات.

(٢) المتقدم في ص ١١.

(٣) المتقدم في ص ١٠.

١٤

كل ذلك مضافا إلى ما يمكن القطع به من ملك المسلمين ما يفتحونه عنوة من العامر في أيدي الكفار وإن كان قد ملكوه بالاحياء ، ولو أن أحياءهم فاسد لعدم الاذن لوجب أن يكون على ملك الامام عليه‌السلام ولا أظن أحدا يلتزم به.

ومضافا إلى قوله بتملك الكافر حال الغيبة ، مع أنه لا تفصيل في النصوص ، قال : « لا يخفى أن اشتراط إذن الامام عليه‌السلام إنما هو مع ظهوره ، أما مع غيبته فلا ، وإلا لامتنع الاحياء ، وهل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الأنفال من الخمس أنه يملك به ، ويحرم انتزاعه منه ، وهو محتمل ، ويدل عليه أن المخالف والكافر يملكان في زمن الغيبة حقهم من الغنيمة ، ولا يجوز انتزاعه من يد من هو بيده إلا برضاه ، وكذا القول في حقهم عليهم‌السلام من الخمس عند من لا يرى إخراجه ، بل حق باقي أصناف المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد حل ذلك ، فالأرض الموات أولى ، ومن ثم لا يجوز انتزاع أرض الخراج من يد المخالف والكافر ، ولا يجوز أخذ الخراج والمقاسمة إلا بأمر سلطان الجور ، وهذه الأمور متفق عليها ، ولو باع أحد أرضى الخراج صح باعتبار ما ملك فيها وإن كان كافرا ، وحينئذ فتجري العمومات ـ مثل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « من أحيا أرضا ميتة فهي له » ـ على ظاهرها في حال الغيبة ، ويقصر التخصيص على حال ظهور الامام عليه‌السلام فيكون أقرب للحمل على ظاهرها ، وهذا متجه قوي متين ».

قلت : لكن بعد الإغضاء عن البحث في جملة مما ذكره يقتضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

١٥

عدم الفرق بين حالي الحضور والغيبة ، لإطلاق النصوص المزبورة ، ولا معارض لها بعد كون المرسل (١) غير حجة ، ولا دلالة فيه على التخصيص بل لا ظهور يعتد به في صحيح الكابلي (٢) على وجه يقاوم ما عرفت.

فالمتجه الملك بالاحياء مطلقا ولو لحصول الاذن منهم عليهم‌السلام في ذلك حال الحضور ، ولعل المصلحة فيه إرادة تعمير الأراضي.

واحتمال أن جميع النصوص لبيان السبب الشرعي ـ الذي لا ينافيه توقفه بعد ذلك على شرائط أخر ـ يدفعه أنه لا منافاة فيه بين إرادة الإذن منه مع ذلك ولو بطريق من طرق الدلالة ، مضافا إلى ظهور بعضها في الاذن كما أومأ إليه في التذكرة ، قال في موات المفتوحة عنوة وميت الغيبة : « وإن كان الاحياء حال الغيبة ملكها المحيي لما تضمنه كتاب علي عليه‌السلام (٣) فكأن الاذن هنا محقق ».

وحينئذ فلا وجه لدعوى سقوط الاشتراط في زمن الغيبة بدعوى أن دليله الإجماع والمسلم منه ما كان في زمن الحضور.

على أن مقتضى السقوط ملكهم حينئذ بالاحياء حقيقة ، لا من باب الإقرار ، لشبهة اعتقاد الحل.

وأيضا إن كان مقتضى العمومات المزبورة سقوط الشرطية فلا ريب في ظهورها في حال الحضور أيضا ، بل لعله أظهر من حال الغيبة.

على أن دليل الشرطية غير منحصر في الإجماع ، بل يكفي فيه قبح التصرف في مال الغير بغير إذن ، والشك في الملك بالإحياء بإذنه إن لم يكن ذلك معلوما مما ذكروه من الإجماع على اعتبارها فيه من غير إشارة‌

__________________

(١) المتقدم في ص ١١.

(٢) المتقدم في ص ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

١٦

إلى زمن الحضور والغيبة التي لا فرق بينهما أيضا لو فرض حصول الاذن من هذه العمومات ، ولكن الأمر سهل حيث لا فائدة تترتب على ذلك.

نعم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المسالك وغيرها من تحرير أصل المسألة ، والله العالم والهادي.

ولا فرق فيما ذكرنا بين الموات في بلاد الإسلام وغيره ، لإطلاق الأدلة ، خلافا لما يظهر من بعض ، ولا بين الذمي وغيره من أقسام الكفار وإن كان لنا تملك ما يحييه الحزبي كباقي أمواله.

( و ) كيف كان فلا خلاف أجده في أن عامر ( الأرض المفتوحة عنوة ) وقهرا وقت الفتح ( للمسلمين قاطبة ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ولو من يتولد أو يدخل فيه إلى آخر الأمر ، على معنى أنها لمجموعهم لا لكل واحد منهم ، ف ( لا يملك أحد ) منهم بالخصوص ( رقبتها ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١).

( و ) حينئذ ف ( لا يصح ) لأحد بخصوصه منهم فضلا عن غيرهم ( بيعها ولا رهنها ) ولا هبتها ولا غير ذلك مما يتوقف صحته على الملك ، كما ذكرنا ذلك كله مفصلا في كتاب البيع (٢) ومنه ما وقع من بعض من ملكها تبعا لآثار التصرف أو أنها تنفذ التصرفات المزبورة فيها زمن الغيبة.

وذكرنا أيضا في كتاب المكاسب (٣) البحث في الخراج المتعلق بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧١ ـ من أبواب الجهاد ـ الحديث ١ من كتاب الجهاد والباب ـ ٢١ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ٤ و ٥ و ٩ من كتاب التجارة.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ٣٤٧ ـ ٣٤٩.

(٣) راجع ج ٢٢ ص ١٨٠ ـ ٢٠١.

١٧

وبغيرها ، فلا حظ وتأمل.

( و ) حينئذ ف ( لو ماتت لم يصح إحياؤها ) على وجه يترتب عليه الملك للمحيي ( لأن المالك لها ) بغير الاحياء ( معروف ، وهو المسلمون قاطبة ) المغتنمون لها ، وستعرف اشتراط عدمه في الملك بالاحياء ، للاستصحاب وغيره.

( وما كان منها مواتا ( موات خ ل ) وقت الفتح فهو للإمام عليه‌السلام ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه مستفيضا أو متواترا ، مضافا إلى النصوص (١) التي أشرنا إليها آنفا ، ومر كثير منها في كتاب الخمس (٢).

ومنه يعلم أنها ليست من الغنيمة ، لأنها قد كانت مالا للإمام عليه‌السلام قبل الفتح ، نعم في المسالك « يعلم كونها مواتا حينئذ بالنقل والقرائن وبوجودها ميتة الآن مع الشك في كونها عامرة وقت الفتح لأصالة عدم العمارة أصلا ، بخلاف ما علم كونه معمورا قبل الفتح ثم خرب وشك في وقت خرابه ، فإنه يحكم بعمارته فيه استصحابا بالحكم الموجود وعدم تقدم الحادث ».

وقال فيها أيضا قبل ذلك : « وأنه يعلم ـ أي العامر وقت الفتح ـ بنقل من يوثق به ودلالة القرائن الكثيرة المفيدة للعلم أو الظن المتآخم له ».

وفي الروضة : « ويرجع الآن في المحيا منها والميت في تلك الحال إلى القرائن ، ومنها ضرب الخراج والمقاسمة ، فإن انتفت فالأصل يقتضي عدم العمارة ، فيحكم لمن بيده منها شي‌ء بالملك لو ادعاه ».

قلت : لا يخفى أن واقع الأمر عدم قرائن تفيد ما ذكر في هذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ من كتاب الخمس.

(٢) راجع ج ١٦ ص ١١٧ ـ ١٢١.

١٨

الزمان الذي اشتبه الحال فيه ، فلم يعلم المعمور منه وقت الفتح ومواته ، فلا بد من تأصيل أصل يرجع إليه.

وقد يقال : إن الأصل الموات ، فيكون كل ما لم يعلم كونه معمورا وقت الفتح للإمام عليه‌السلام من غير فرق بين ما لا يوجد فيه أثر عمارة وبين ما يوجد ولكن لم يعلم أنها وقت الفتح أو متجددة بعده ، خصوصا بعد ملاحظة ما دل (١) على أن الأرض كلها لهم عليهم‌السلام فتأمل جيدا ، وخصوصا بعد ظهور النصوص في كون الاحياء سببا للملك ، خرج ما علم كونه مملوكا للغير بغير الاحياء ، فيبقى ما عداه على مقتضى السببية المزبورة ، والله العالم.

( وكذا ) له عليه‌السلام ( كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم (لمسلم خ ل) ) بلا خلاف أجده فيه ، بل قيل : إنه طفحت به عباراتهم ، وفي التذكرة الإجماع عليه ، نعم في التحرير وعن غيره فرضه في موات أرض الإسلام.

وفيه أن إطلاق الأدلة وعمومها يقتضي أن الموتان جميعه للإمام عليه‌السلام من غير فرق بين بلاد الإسلام وغيره ، على أنه منقوض بالذمي الذي ملك أرضا في بلاد الإسلام معمورة فماتت ، كما أنه ينقض به من اقتصر على تقييدها بالموات من غير ذكر بلاد الإسلام.

وبالجملة هذه الكلية المزبورة مع تقييدها بما عرفت منقوضة بما سمعت وغيره فضلا عما لو بقيت على إطلاق المتن ، مع أنه لا داعي لها من تعبير في نص وغيره ، فالأولى إيكال التفصيل إلى المستفاد من الأدلة.

نعم الظاهر عدم الفرق بين الموات وبين المعدة للانتفاع في كونها معا للإمام عليه‌السلام ، كما صرح به في المسالك وغيرها ، لا لاندراجها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ـ ١٢ ـ من كتاب الخمس.

١٩

في اسم الموات ، فإنك قد عرفت عدمه عرفا ، بل للنصوص (١) الواردة في تعداد الأنفال المصرحة بأن منها ـ مضافا إلى الموات ـ كل أرض لا رب لها ، ولا ريب في شمولها للفرض الذي يمكن أن يكون منه شطوط الأنهار ، والله العالم.

( وكل أرض جرى عليها ملك المسلم ) فما دامت عامرة ( فهي له أو لورثته بعده ) وان ترك الانتفاع بها ، بلا خلاف ولا إشكال ، بل في المسالك الإجماع عليه ، وهو كذلك ، بل إن لم يكن لها مالك معروف كانت من مجهول المالك ، بل في المسالك « وإن خربت فان كان انتقالها بالقهر كالمفتوحة عنوة بالنسبة إلى المسلمين أو بالشراء والعطية ونحوها لم يزل ملكه عنها أيضا إجماعا على ما نقله في التذكرة عن جميع أهل العلم ».

قلت : الموجود فيما حضرني من نسخة التذكرة « لو لم تكن الأرض التي من بلاد الإسلام معمورة في الحال ولكنها كانت قبل ذلك معمورة وجرى عليها ملك مسلم فلا يخلو إما أن يكون المالك معينا أو غير معين ، فان كان معينا فاما أن تنتقل إليه بالشراء أو العطية وشبهها أو بالإحياء ، فإن ملكها بالشراء وشبهه لم تملك بالاحياء بلا خلاف ، قال ابن عبد البر :أجمع الفقهاء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه » إلى آخره.

وهو كما ترى إنما حكى الإجماع عمن لا نعرفه ، وإنما اقتصر هو على نفي الخلاف ، فان تم إجماعا كان هو الحجة ، وإلا فقد يشكل ما كان ملك البائع له مثلا بالاحياء‌ بما دل (٢) على أن موتان الأرض لله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

٢٠