جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثبوت الحق ـ لا يقتضي زواله بزوالها للأصل ، وخصوصا إذا أزاله الظالم أو غيره ، لا ما إذا زالت بنفسها.

نعم لو كان ثبوت حق التحجير بها على نحو ما تسمعه في الرحل اتجه حينئذ زوال الحق ، إلا أن ذلك مقطوع بخلافه ، إذ من جملة أفراد التحجير أن لا يكون مملوكا للمحجر كالحفر ونحوه ، فلا ريب في أن مقتضى القوانين الشرعية ثبوت الحق مطلقا ، إلا أن يكون إجماعا كما عرفت ، والله العالم.

هذا ( و ) في القواعد والمسالك ما في المتن من أنه ( لو بادر إليها من أحياها ) بعد إهماله لها ومخاطبة الإمام له بأحد الأمرين ( لم يصح ما لم يرفع السلطان يده أو يأذن في الاحياء ) بل لا خلاف أجده بين من تعرض له ، لأنه حينئذ أحيا ما هو باق في حق غيره ، كما لو أحيا قبل طلب الامام منه أحد الأمرين.

نعم حكي في المسالك عن بعض العامة قولا ببطلان حق المحجر بالامتناع من أحد الأمرين وإن كان غيره ممنوعا ، كما إذا دخل في سوم غيره واشترى.

وفي محكي التذكرة « لو لم يرفع أمرها إلى السلطان ولا خاطبه بشي‌ء وطالت المدة قيل : يبطل حذرا من التعطيل ، وقيل : لا يبطل ما لم يرفع الأمر إليه ، ويطالبه بالترك ، ولعل ذلك إذا بقيت الآثار » ولا يخفى عليك الحال بعد ما ذكرنا ، والله العالم.

( وللنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( أن يحمي ) بقعة من الأرض الموات ( لنفسه ولغيره من المصالح كالحمى لنعم الصدقة ) والجزية والضوال ونحوها ، قال في محكي المبسوط : « للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحمي لنفسه ولعامة‌

٦١

المسلمين بلا خلاف ».

( وكذا عندنا لإمام الأصل عليه‌السلام ) الذي هو بمنزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل ما لم يثبت أنه من خواصه بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون الموات لهم عليهم‌السلام وفي النبوي (١) « لا حمى إلا لله ولرسوله ». وزاد في آخر « ولأئمة المسلمين ».

والأصل فيه أن الأعزاء من العرب إذا انتجع أحد منهم بلدا مخصبا وأتى بكلب على جبل إن كان به أو على نشز إن لم يكن به جبل ثم استعوى الكلب وأوقف من كل ناحية من يسمع صوته بالعوى فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ، ويرعى مع العامة في ما سواه ، فنهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس (٢).

ولا ينافي ذلك ما وقع منه عليه‌السلام كما في‌ الخبر (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن بيع الكلأ والمرعى ، فقال :لا بأس ، قد حمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النقيع لخيل المسلمين » فإنه ليس حمى لنفسه.

ولذا قال في التذكرة : « إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحم لنفسه وإنما حمى النقيع لإبل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين ».

وبالجملة ذلك وإن كان جائزا له ولكن لم يفعله لنفسه إيثارا للغير وما وقع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو للمسلمين ، ولعل ذكر‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٦.

(٢) ذكره ابن قدامة في المغني ج ٦ ص ١٦٦ وفي الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغى ج ٦ ص ١٨٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

٦٢

المصنف الامام عليه‌السلام تنبيها على ما يحكى عن الشافعي من اختصاص ذلك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ( و ) فيه أنه لا دليل على أنه من خواصه ، بل الخبر المزبور المروي في طريقهم دال على خلافه.

نعم ( ليس لغيرهما من المسلمين أن يحمي ) بلا خلاف ، كما عن المبسوط ، بل إجماعا في المسالك ومحكي التحرير ، وما وقع من عمر بن الخطاب من أنه قد حمى موضعا وولى عليه رجلا (١) لا حجة فيه ، بل هو مخالف لما عرفت ، وما في الخبر المزبور (٢) الذي لا مطابقة فيه بين الجواب والسؤال ظاهرا إلا على تكلف محمول على ما إذا كان المرعى ملكا للحامي ، لأن الأرض أرضه.

كما أومى إليه‌ في بعض (٣) المعتبرة قال فيه : « إن لنا ضياعا ولها حدود وفيها مراعى ولرجل منا غنم وإبل يحتاج إلى تلك المراعي لإبله وغنمه أيحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال : إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي ويصير ذلك إلى ما يحتاج إليه ، فقلت : الرجل يبيع المراعى ، فقال : إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس ».

اللهم إلا أن يكون نائبا خاصا عنهما في ذلك ، بل يقوى جوازه لنائب الغيبة أيضا إن لم نقل إنه من خواص الإمامة ، أما غيره وسائر الناس فلا إشكال في عدم الجواز لما عرفت.

مضافا مفهوم الخبر المزبور (٤) وغيره مما دل على اعتبار كون‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٦٣

الأرض أرضا له في جواز الحمى ، لا إذا كانت مباحة مندرجة فيما دل (١) على اشتراك الناس في النار والماء والكلأ.

وعلى كل حال ( ف ) لا خلاف أجده في أنه ( لو أحياه محي لم يملكه ما دام الحمى مستمرا ) إذ المراد بالحمى هو منع الناس عن التعرض لبعض الأراضي التي لا تضيق على المسلمين برعي أو غيره لأجل كلأها ، ولا ريب في اقتضاء ذلك عدم جواز الاحياء وعدم ترتب الملك لو فعل لعدم الاذن بل النهي ، ولعله لذا تركه بعضهم في الشرائط وإن كان من ذكره شرطا قد لاحظ عدم تملكه بالاحياء ، فيكون الجميع متفقين على الحكم المزبور.

بل لا يجوز نقض الحمى ولا تغييره لأحد غيرهم عليهم‌السلام من دون إذن منهم مع فرض بقاء المصلحة.

( و ) إنما الكلام في أن ( ما حماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام لمصلحة فزالت ) هل يجوز نقضه؟ ففي المتن ( جاز نقضه ) كما هو خيرة الفاضل والشهيدين والكركي ، للأصل وغيره.

( وقيل : ما يحميه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة لا يجوز نقضه ، لأن حماه كالنص ) الذي لا يجوز الاجتهاد في مقابلته ، ولعله أشار بذلك إلى ما في محكي المبسوط والخلاف « فأما ما حماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه لا يجوز للإمام القائم مقامه نقضه وحله ، لأن فعله حجة يحب اتباعه فيه ، وما يفعله الإمام القائم مقامه لا يجوز لأحد تغييره ، وإن غيره هو أو من بعده من الأئمة أو أذن أحد منهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات.

٦٤

لغيره في إحياء ميت فأحياه فإنه يملكه » إلى آخره وإلا فلم نجده لغيره نعم هو قول للعامة مبني على مذهبهم في الامام ، ولا ريب في بطلانه عندنا ضرورة عدم الفرق بين حماهما بعد أن كانا معصومين ولا يحكمان بالاجتهاد.

وهل ينتقض بمجرد زوال المصلحة أو لا بد من التصريح بالنقض؟ وجهان أو قولان ، أقواهما الأول ، لأن أصل وقوعه مبني على المصلحة فيكفي حينئذ زوالها في زواله ، بل لا يبعد جواز تغيير الامام له لزيادة المصلحة في غيره فضلا عن زوالها ، والله العالم.

( الطرف الثاني )

( في كيفية ) ما يحصل به صدق ( الإحياء و )

لا خلاف بين الأصحاب في أن ( المرجع فيه إلى العرف ، لعدم التنصيص شرعا ) على كيفية خاصة له حتى تقدم عليه ( و ) لا ( لغة ) لو قلنا بتقدمها عليه ، وما كان كذلك فلا إشكال في الرجوع فيه إلى العرف.

وما عن ابن نما ـ من أن التحجير إحياء ـ ليس خلافا في ذلك كما ستعرفه إنشاء الله ، إلا أنه لما كان هو في بعض الأفراد محتاجا إلى تنقيح تعرض له الأصحاب.

( و ) لذا ( قد عرف أنه إذا قصد سكنى أرض فأحاط ) جميع أجزاء الدار ( ولو بخشب أو قصب أو سقف ) بعضا ( مما ) ‌

٦٥

( يمكن سكناه ) منها ( يسمى إحياء ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، كالشيخ والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم إلا ما ستسمعه من الحلي.

وحينئذ فلا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب ، خلافا لبعض العامة فاعتبره ، والعرف شاهد على خلافه وإن اعتيد وضعها للحفظ لا لأصل السكنى.

كما أنه شاهد أيضا على خلاف ما يحكى عنهم أيضا من عدم اعتبار السقف ، ل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « من أحاط حائطا على أرض فهي له » ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء ، كما لو جعلها حظيرة للغنم ، إذ القصد لا اعتبار به ، فإنه لو أرادها حظيرة فبناها بجص وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها وإن كان هذا العمل لا يعمل للغنم مثله ، ولأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط ، فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف وإن نفى عنه البأس في التذكرة ، بل في المسالك وجهه واضح.

إلا أنه كما ترى مناف لصدق الاحياء عرفا على متخذ الأرض دارا وملكه لها لو اتخذها حظيرة للصدق باعتبار أن إحياء كل شي‌ء بحسب حاله لا يقتضي صدقه مع عدم قصدها وإن جاز العدول عن القصد في الأول واتخاذها دارا ، كما يجوز العدول عن قصد الدار بعد التحويط واتخاذها حظيرة ، فإنه يملكها بذلك ، لصدق الاحياء عليها عرفا ولو باعتبار إخراجها عن التعطيل الأول وصيرورتها ذات منفعة تخرج بها عن اسم الموات.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٨.

٦٦

وفي التذكرة إشارة إلى ما ذكرنا ، قال : « لو قصد نوعا وفعل إحياء يملك به نوعا آخر ـ كما إذا حوط بقعة بقصد السكنى ، وهذا الاحياء إنما يتحقق في ملك حظيرة الغنم وشبهها ـ هل يفيد الملك؟ الوجه عندي ذلك ، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني أنه لا يملك به وإلا لزم الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا ، واستحالة التالي ممنوعة » بناء على أن المراد ملكه حظيرة بالقصد ولو أخيرا.

نعم قد يقال فيمن قصد أصل الاحياء من دون أمر مخصوص بكفاية إخراج الأرض عن التعطيل إلى الانتفاع ، فتأمل.

وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في محكي السرائر ، فإنه بعد أن ذكر أن الرجوع في الاحياء إلى العرف هو الحق اليقين الذي يقتضيه أصل المذهب قال : « ولا يلتفت إلى قول المخالفين ، فان لهم تعريفات وتقسيمات ، فلا يظن ظان إذا وقف عليها أن يعتقدها قول أصحابنا وأنها مما ورد بها خبر وقال به مصنف من أصحابنا ، وإنما أورد شيخنا أبو جعفر ذلك بعد أن حقق ما يقتضيه مذهبنا ، وجملة ما عند المخالف في ذلك أن الأرض تحيي للدار والحظيرة والزراعة ، فإحياؤها للدار عندهم بأن يحوط عليها بحائط ويسقف عليها ، وأما عندنا فلو خص عليها خصا أو حجرها أو حوطها بغير الطين والآجر والجص ملك ».

ثم ذكر تعريفهم لإحياء الحظيرة بما ذكره المصنف وفاقا لما عن المبسوط وغيره كما ستسمع ، ثم قال : « ولا يتوهم من يقف عليها في المبسوط أنها مقالة أصحابنا ، فإن هذا الكتاب أعني المبسوط قد ذكر فيه مذهبنا ومذهب المخالفين ، ولم يميز أحد المذهبين تمييزا جليا ، وإنما يحققه ويعرفه من اطلع على المذهبين وسبر قول أصحابنا وحصل خلافهم وإلا فالقارئ فيه يخبط خبط عشواء ».

٦٧

وكأنه عرض بذلك بابن البراج الذي ذكر فيه ما عن المبسوط من التعريفات المزبورة التي ذكرها أيضا من تأخر عنه كالفاضلين والشهيدين وغيرهم.

ومنه يعلم أنه هو وقع في خبط العشواء ، ضرورة عدم مدخلية الموافق والمخالف في تحقيق الصدق العرفي المعلوم عدمه بالتحجير ، كما توهمه وإن قلنا إنه الشروع في أثر الإحياء ، إذ بناء بعض الحائط لا يسمى في العرف معه شي‌ء من المذكورات كما هو واضح.

نعم قد يقال بصدق اسم الدار مع الحائط المزبور وبناء بعض البيوت ولو بقصب ونحوه بل وخيمة ونحوها.

( وكذا ) يتحقق الاحياء عرفا ( لو قصد الحظيرة ) للغنم أو لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب ونحوه ( فاقتصر على الحائط ) ولو بقصب أو خشب أو نحوهما ( من دون السقف ) بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال في ذلك ( و ) لا في أنه ( ليس تعليق الباب شرطا ) في الصدق المزبور ، بل عن غير واحد الإجماع على عدم اشتراط السقف وإن كان هو لا وقع له في المسائل العرفية ، والله العالم.

( ولو قصد ) بإحياء الأرض ( الزراعة كفى في تملكها التحجير بمرز أو مسناة وسوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها ) كما في جملة من كتب الفاضل ومحكي المبسوط والمهذب وإن أبدل التحجير بالترتب في بعضها.

وظاهر ما حضرنا من نسخة الأصل اعتبار الأمرين ، لكن في المسالك حكاية الاكتفاء بأحدهما عن المصنف في شرح العبارة ثم استحسن الجمع بينهما ، ولعل نسخته كانت بأو.

نعم في التذكرة زيادة على ذلك قال في الفرض : « يعتبر فيه أمور‌

٦٨

الأول جمع التراب حواليه ليفصل المحيا عن غيره ويسمى المروز ، وفي معناه نصب قصب وحجر وشوك وشبهه ، ولا حاجة إلى التحويط إجماعا ، فإن معظم المزارع بارزة. الثاني تسوية الأرض بطم الحفر التي فيها وإزالة الارتفاع من المرتفع ، وحراثتها ، وتليين ترابها ، فان لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتهيأ الأرض للزراعة. الثالث ترتيب ماؤها إما بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة وسقيها إن كانت عادتها أنها لا تكفي في زراعتها بماء السماء ، وإن اكتفت به فلا حاجة إلى سقي ولا ترتب ماء ، وإذا احتاجت في السقي إلى النهر وجب تهيأ ماء من عين أو نهر أو غيرهما ، فإذا هيأه فإن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء فيه كفى ، ولم يشترط إجراء الماء ولا سقي الأرض ، وإن لم يحفر بعد فللشافعية وجهان ، وبالجملة السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقق الإحياء ، إنما الحاجة إلى ترتب ما يمكن السقي منه ، وأراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يصيبها إلا ماء السماء قال بعض الشافعية :لا مدخل للاحياء فيها وبنى عليه ، أما إذا وجدنا شيئا من تلك الأراضي في يد انسان لم يحكم بأنه ملكه ، ولا يجوز بيعه وإجارته ، والوجه أنها تملك بالحراثة وجمع التراب على الحدود ، وكثير من المزارع يستغنى عن سوق الماء إليه بالمطر » وفيه ـ مع أنه متدافع بالنسبة إلى اعتبار السقي كما في جامع المقاصد اللهم إلا أن يفرق بين السقي للتهيئة والسقي لغيرها ، وكذا الكلام في الحرث ـ أن الأمر الثاني لم أجد من اعتبره.

نعم في جامع المقاصد حكايته عن بعض الشافعية ، ثم قال : « واعتبار تسوية الأرض وإزالة الارتفاع ليس ببعيد ، لعدم صيرورتها مزرعا من دونه ، أما الحرث والسقي فلا دليل على اعتبارهما ، ولأنهما بمنزلة‌

٦٩

الزرع ، وهو غير شرط ».

قلت : اعترف هو به ، بل في المتن ( و ) القواعد والتحرير والدروس ومحكي المبسوط والمهذب وغيرها أنه ( لا يشترط حراثتها ولا زراعتها ، لأن ذلك انتفاع كالسكنى ) وستسمع ما في الحكم الذي ذكره في أراضي الجبل التي تسقى بماء المطر كغيرها من الأراضي المهيأة بنفسها للانتفاع.

بل قد يقال بعدم اعتبار ما ذكره هو وغيره من المرز الذي فسر بجمع التراب حول ما يريد إحياءه أو المسناة المفسرة بأنها نحو المرز ، وربما كانت أزيد منه ترابا ، فان التمييز لا يتوقف عليه صدق الاحياء عرفا ، كالتحويط الذي سمعت في التذكرة الإجماع على عدم اعتباره ، والتمييز يحصل بانتهاء قابلية الانتفاع لا بالمرز ونحوه.

بل قد يشك أيضا في سوق الماء إن أريد به حصوله فعلا كما فهمه في جامع المقاصد ، قال : « وكلام الأصحاب في اشتراط سوق الماء يقتضي عدم الاكتفاء بالتهيئة » ضرورة عدم توقف الاحياء عليه ، بل يكفي فيه تهيئة ذلك عند الاحتياج كما سمعته من التذكرة.

نعم ينبغي اعتبار عضد الأشجار وإن كان فيها وقطع المياه الغالبة كما صرح به في اللمعة ، قال : « والمرجع أي في الاحياء إلى العرف ، كعضد الشجر وقطع المياه الغالبة والتحجير بحائط أو مرز أو مسناة وسوق الماء إليها أو اعتياد الغيث لمن أراد الزرع والغرس » ولكن ظاهر هذه العبارة كما اعترف به في الروضة أن الأرض التي يراد إحياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء مستولى عليها لا يتحقق إحياؤها إلا بعضد شجرها وقطع الماء عنها ونصب حائط وشبهه حولها وسوق ما تحتاج اليه من الماء إليها إن كانت مما يحتاج إلى السقي به ،

٧٠

فلو أخل بأحد هذه لا يكون إحياء ، بل تحجيرا ، وإنما جمع بين قطع الماء وسوقه إليها لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب للسقي بأن يكون وصوله على وجه الرشح المضر بالأرض من غير أن ينفع بالسقي ونحو ذلك ، وإلا فلو كان كثيرا يمكن السقي به كفى قطع القدر المضر منه وإبقاء الباقي للسقي ، وحينئذ فيشكل بما ذكرناه.

ولو جعل الواو في هذه الأشياء بمعنى « أو » كان كل واحد منها كافيا في تحقق الاحياء ، فهو أشد إشكالا ، لعدم صحته في بعضها.

وفي الدروس اقتصر على حصوله للزرع بعضد الأشجار والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث والسيح ، قال : « ويحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة » وظاهره الاكتفاء به عن الباقي أجمع كما في الروضة ، ويمكن أن يريد أن ذلك مع فرض عدم احتياجها إلى غيره. نعم يرد عليه بعض ما ذكرناه.

وفي الروضة أيضا « عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك كثيرا ، والأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأمور الثلاثة السابقة مع سوق الماء حيث يفتقر اليه ، وإلا اكتفى بأحدها خاصة ، هذا إذا لم يكن المانعان الأولان أو أحدهما موجودا وإلا لم يكتف بالباقي ، فلو كان الشجر مستوليا عليها والماء كذلك لم يكف الحائط وكذا أحدهما ، وكذا لو كان الشجر لم يكف دفع الماء وبالعكس ، لدلالة العرف على ذلك كله ، أما الحرث والزرع فغير شرط فيه قطعا ، لأنه انتفاع بالمحيا كالسكنى لمحيي الدار ، نعم لو كانت الأرض مهيأة للزراعة والغرس لا تتوقف إلا على الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها أو زرعها ، لأن ذلك يكون بمنزلة تمييزها بالمرز ».

٧١

وفيه منع الاكتفاء بالحائط خاصة عرفا ، لمنع صدق الاحياء بسوق الماء مع الغرس والزرع في الأخيرة ، ضرورة كونها حية فملكها يكون بالاستيلاء عليها لمن أبيح له ذلك من الأنفال.

وفي الدروس أيضا « ولا يشترط الحرث ولا الزرع ولا الغرس على الأقرب ، نعم لو زرع أو غرس وساق الماء فهو إحياء ، وكذا لا يشترط الحائط والمناة في الزرع ، نعم يشترط أن يبين الحد بمرز وشبهه ، وأما الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة مصيرا إلى العرف ، ولو فعل دون ذلك واقتصر كان تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا » الى آخره.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

واكتفى في المسالك في الزرع بالمرز أو المسناة أو نصب القصب ونحوه وترتيب الماء إن لم يكن فيه أشجار أو مياه غالبة ، وإلا اعتبر عضدها وقطعها أيضا.

وفيه ما عرفت من عدم اعتبار المرز عرفا ، ضرورة كون الموات المعطلة ، والحية المهيأة للانتفاع الذي قد أشير إليه في بعض النصوص السابقة بكري الأنهار ونحوه.

ولعله إلى ما ذكرناه يرجع قول المصنف ( ولو غرس أرضا فنبت فيها الغرس وساق إليها الماء تحقق الاحياء ، وكذا لو كانت مستأجمة فعضد شجرها وأصلحها ، وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة وهيأها للعمارة ، فإن العادة قاضية بتسمية ذلك كله إحياء ، لأنه أخرجها بذلك إلى الانتفاع الذي هو ضد الموات ).

لكن في المسالك في تفسير العبارة أنه اعتبر أحد أمور : إما غرسها بالفعل ونبات غرسها وسوق الماء إليها ، وإما عضد شجرها وإصلاحها‌

٧٢

بإزالة الأصول وتسوية الأرض إن كانت مستأجمة ، أو بقطع المياه الغالبة عليها وتهيئتها للعمارة.

وظاهره أن كل واحد من هذه الثلاثة كاف في الاحياء ، محتجا بدلالة العرف عليه ، وإنما اعتبر غرس الأشجار ونباتها لأن اسم البستان لا يقع على الأرض المهيأة له قبل الغرس ، بخلاف المزرعة ، فإنها تقع على الأرض قبل الزراعة ، ولأن الغرس يدوم فألحق ببناء الدار ، والزرع بخلافه.

ويشكل بأن قصد الغرس أعم من جعله بستانا ، ولا يلزم من توقف اسم البستان على الشجر توقف غيره.

ولا يخفى عليك ما في ذلك كله ، إذ المصنف لم يعتبر الغرس في الاحياء ، بل ذكر تحققه بوقوع الغرس مع سوق الماء ، ولا إشعار في شي‌ء من كلامه بتوقف صدق الاحياء على ذلك ، بل ولا بكفاية أحدها وإن لم يتحقق معه اسم التهيئة ، بل صريح كلامه الأخير الاكتفاء بالتهيئة للانتفاع.

ثم قال فيها : « والأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقا ، وعدم الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها أجمع بأن كانت الأرض مستأجمة والماء غالبا عليها ، بل لا بد حينئذ من الجمع بين قطع الأشجار ودفع الماء ، وإن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله ، وإن خليت عنهما واحتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي كما ذكرناه في الزرع.

ولو خلت عن الجميع بأن كانت غير محتاجة إلى السقي ولا مستأجمة ولا مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه ، وفي الاكتفاء بغرسها مع نبات الغرس وجه ، وفي كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار ما يعتبر من ذلك ، والمحصل ما ذكرناه ». وتبعه على ذلك كله في الكفاية.

٧٣

وفيه أن ما ذكره عين ما اختاره المصنف ، ولعل ما ذكره من اختلاف الفقهاء هو نحو ما ذكره في كلام المصنف من إرادة الجميع التهيئة المزبورة وإن اقتصر بعضهم على ذكر بعض باعتبار حصولها معه ، لفرض عدم مانع غيره لها ، وحينئذ فلا فرق في صدق الاحياء بذلك بين الزرع والغرس.

وأما ما ذكره أخيرا فقد عرفت أن الظاهر عدم تحقق إحياء فيها ، لصدق كونها حية ، فملكها إنما يكون كملك غيرها من الأنفال لمن أبيحت له ، إذ قد ذكرنا سابقا أنها للإمام عليه‌السلام وإن كانت غير ميتة باعتبار اندراجها في الأرض التي لا رب لها ، والله العالم.

( و ) كيف كان ففي المتن ( من فقهائنا الآن ) أي شيخه الفقيه نجيب الدين بن نما رحمه‌الله ( من يسمي التحجير إحياء ) مفيدا للملك ، كما عن بعض الشافعية ، لخروجه بالشروع في إحيائه عن حد الموات ، ومن ثم أفاد به حقا في الجملة إجماعا ، والاحياء كما تقدم غير منضبط شرعا ولا عرفا.

وزاد في المسالك أنه قد وافق الجماعة على أن الأرض إذا كانت غير مستأجمة ولا مشتملة على مانع ولا مفتقرة إلى السقي بالماء المجتلب يكفي تمييز المحيا عن غيره بتراب ونحوه في تحقق الاحياء ، وهذا من أضعف أفراد التحجير.

( و ) على كل حال ف ( هو بعيد ) جدا ، ضرورة عدم تحقق الاحياء بالتحجير الذي هو الشروع فيه أو نصب ما يدل على إرادة الاحياء ، ودعوى عدم انضباط الاحياء عرفا واضحة الفساد ، كدعوى حصول الملك بالتحجير في الأرض المزبورة.

ومن هنا حمل في الدروس كلامه على أرض ليس فيها استئجام‌

٧٤

ولا ماء غالبا وتسقيها الغيوث غالبا ، فان فعل ذلك يعد إحياء وخصوصا عند من لا يشترط الحرث والزرع ، لأنهما انتفاع ، وهو معلول الملك ، فلا يكون علة له.

وفيه ما عرفت من منع صدق تحقق الاحياء بذلك ، ومنه يعلم ما في الزيادة التي سمعتها في المسالك.

بل وكذا قوله فيها أيضا : « وحيث كان المحكم في الاحياء العرف فان وافق التحجير في بعض الموارد كفى وإلا فلا » ضرورة أنه بناء على ما عرفت لا يمكن موافقته للاحياء أصلا ، ولذا أطلقوا إفادته الحق دون التمليك ، كما هو واضح.

ويمكن حمل كلام ابن نما ـ إن لم يكن قد صرح بالملك ـ على إرادة كون التحجير كالأحياء في إفادته الأولوية دون الملك ، كما هو المحكي عن المبسوط والمهذب والسرائر.

قال في الأول : « إذا حجر أرضا وباعها لم يصح بيعها ، ومن الناس من قال يصح ، وهو شاذ ، فأما عندنا فلا يصح بيعه ، لأنه لا يملك رقبة الأرض بالاحياء ، وإنما يملك التصرف بشرط أن يؤدي للإمام عليه‌السلام ما يلزمه عليها ، وعند المخالف لا يجوز ، لأنه لا يملك بالتحجير قبل الاحياء ، فكيف يبيع ما لا يملك » ونحوه عن المهذب وكذا السرائر.

وهو كالصريح في اتحاد مفاد التحجير والاحياء وإن اختلف مسماهما.

ولو نزل منزلا فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء ، وكذا لو أحاط بشوك ونحوه ، نعم ذكر غير واحد من الأساطين أنه يكون تحجيرا يفيد أولويته به إلى أن يرحل ، بل في التذكرة وجامع المقاصد أنه يكون أولى أيضا بما حواليه مما يحتاج إليه للارتفاق ، ولا يزاحم في‌

٧٥

الوادي الذي سرح فيه مواشيه إلا أن يفضل ، وإذا ارتحل بطل الاختصاص وإن بقيت آثار الفساطيط والخيم.

وهو وإن كان موافقا لما أشرنا إليه سابقا من ثبوت الحريم بالتحجير كالملك لكن ما ذكره أخيرا لا يخلو من نظر بل منع ، بل قد يمنع كون مثله تحجيرا ، لعدم كونه شروعا في إحياء ، لعدم قصده ، وإنما هو سبق إلى الموات ، فيكون من قبيل ما تسمعه في.

( الطرف الثالث )

الذي هو ( في المنافع المشتركة ، وهي الطرق والمساجد ) والمشاهد ( والوقوف المطلقة كالمدارس ) والربط والخانات والمقابر ( والمساكن ) ونحوها مما هو مشترك المنفعة بين الناس أجمع حتى الموات الذي لم يرد إحياؤه.

وفي التذكرة كل رقبة أرض فاما أن تكون مملوكة ومنافعها تتبع الرقبة فلمالكها الانتفاع بها دون غيره إلا بإذنه بالإجماع ، وإما أن لا تكون مملوكة ، فاما أن تكون محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد والربط أو تكون منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة ، وهي الموات » ونحوه في المسالك.

ومقتضاه عدم ملك المسلمين لها على نحو ملكهم للمفتوحة عنوة ، وربما يترتب على ذلك ثمرة ، كالبيع ونحوه من الحاكم لو اقتضت مصلحة لذلك ، كما أشرنا إليه سابقا.

وعلى كل حال ففي المتن وغيره‌ ( أما الطرق ففائدتها الاستطراق ) ‌

٧٦

( والناس فيها شرع ، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضر بالمارة ) لإجماع الناس عليه في جميع الأمصار كما في التذكرة وجامع المقاصد والمسالك والروضة.

بل قد يقال : إن السيرة تقتضي جواز الارتفاق بالطرق بغير الاستطراق كوضع الأحمال ووقوف الدواب فضلا عن وقوف الشخص نفسه لأغراض تتعلق له بذلك ، فيتجه حينئذ عدم تسلط المستطرق على ما كان كذلك ، لاشتراك الجميع في حق الارتفاق.

وحينئذ فما في المتن كقول الفاضل في الإرشاد : « لا يجوز الانتفاع بالطرق في غير الاستطراق إلا بما لا يفوت معه منفعة » لا يخلو من نظر.

ولعله لذا قال في المفاتيح : « قيل : لا يجوز الانتفاع في الطرق بغير الاستطراق إلا ما لا يضر به ، كالوقوف والجلوس للاستراحة والمعاملة ونحوهما إذا لم يتضيق على المارة ـ إلى أن قال ـ : وقيل : بالمنع من ذلك مطلقا ، والأول أشهر » إلى آخره. وإن كنا لم نعرف القول المزبور لأحد.

إنما الكلام في الأول الذي قد عرفت الاشكال فيه ، بل قيل إنهم بنوا ضمان الواقف على الماشي فيما إذا تعثر بواقف غير مضر بالمارة وماتا وقالوا : إن دم الماشي هدر ، لأنه باشر تلف نفسه بلا تفريط من الواقف ، مستندين إلى ما ذكر من أن الوقوف من موضوعات الطريق ، لأن الماشي قد يحتاج إلى الوقوف ، ومقتضى ذلك أن الوقوف في الطريق من موضوعاته أيضا.

لكن قيل : إنهم قالوا فيما إذا تعثر الماشي بالقاعد غير المضر بالمارة أن ضمان الماشي على القاعد ، لأنه بجلوسه مفرط ، لوضع الطريق للمشي وقالوا : إنه لو تلف القاعد أو شي‌ء منه كان الضمان على العاثر أو أنه هدر.

٧٧

قلت : قد يقال : إن ذلك كله منهم غير مناف لما هنا من كون المنفعة الأصلية من الطريق الاستطراق ، والضمان وعدمه يتبع موجباته لا مدخلية للجواز وعدمه فيه ، كما تعرفه في محله إنشاء الله تعالى.

إنما الكلام فيما أشرنا إليه من تقديم حق الاستطراق على باقي المرافق عند التعارض ، ولعل السيرة خصوصا في بعض الأفراد تقتضي خلافه ، فيتجه أن يقال : إن جميع ما يعرض للمستطرق من الموافق التي يحتاجها في استطراقه من جلوس ووقوف ونحوهما لا فرق بينها وبين الاستطراق.

ومنه ما يحتاج اليه من كانت باب داره إلى الطريق من إدخال الأحمال والدواب ونحوها باعتبار أن ذلك كله من توابع استطراقه ، أما إذا لم يكن كذلك بل كان مرفقا لا من حيث الاستطراق كالجلوس للبيع ونحوه فلا ريب في تقدم حق الاستطراق عليه عند التعارض ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( إذا قام ) الجالس غير المضر بالمار بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود ( بطل حقه ) الذي لم يعلم ثبوته له زائدا على ذلك ، بل لعل المعلوم عدمه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

( و ) حينئذ ف ( لو عاد ) اليه ( بعد أن سبق الى مقعده ) غيره ( لم يكن له الدفع ) ضرورة ثبوت الحق حينئذ للسابق دونه.

( أما لو قام قبل استيفاء غرضه لحاجة ينوي معها العود قيل ) وان كنا لم نعرف القائل ( كان أحق بمكانه ) للأصل الذي يمكن منعة ، ومن هنا نسبه الى القيل مشعرا بضعفه ، بل صرح الفاضل وغيره بعدم بقاء حقه.

٧٨

نعم لو كان له فيه رحل ففي محكي المبسوط وجملة من كتب الفاضل والدروس وغيرها بقاء حقه ، لفحوى ما ورد (١) من ذلك في المسجد ، وعن التذكرة أنه أحق به الى الليل ، لقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق الى مكان فهو أحق به الى الليل » ولكن الجميع كما ترى.

ومن هنا أطلق غير واحد عدم بقاء حقه ، سواء استوفى غرضه أو لا ، وسواء كان له رحل أو لا ، وسواء كان مع نية العود أو لا ، وسواء كان الزمان طويلا أو لا ، وسواء أذن الامام أو لا.

ولعل الوجه في أصل المسألة أن حقية الطريق للجالس بالسبق ووضع الرحل ونحو ذلك ليست كحقية التحجير التي تنتقل بالصلح والإرث ونحوهما ، بل هي لا تزيد على حرمة الظلم بدفعه عن مكانه وبالتصرف برحله الموضوع في مكان كان يجوز له وضعه فيه.

ومن هنا صرح في التذكرة بأنه لو دفعه عن مكانه أثم وجل له مكثه فيه وصار أحق من غيره به.

وبذلك يظهر أنه لا يدخل في موضوع الغصب ولا يترتب عليه ضمان ، ضرورة عدم كونه من الأموال أو الحقوق المالية كما تقدم بعض الكلام فيه في الغصب.

وهذا وإن كان قد ينافيه لفظ الحق والأحق في كلامهم بناء على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة والباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٧٩

انسياق المعنى الزائد على الظلم منه ، لكن بمعونة عدم ذكر اللفظ المزبور هنا في شي‌ء من النصوص المعتبرة ـ ومعلومية عدم انتقاله للغير بالصلح ونحوه على وجه يكون للمصالح وإن لم يجلس فيه ، وعدم انتقاله بالإرث ، وعدم الفتوى ببقاء حقه لو انتقل عنه بنية العود مع عدم استيفاء الغرض الذي هو مقتضى الأصل لو كان هو من الحقوق الزائدة على الظلم ـ يقوى إرادة عدم جواز دفع أحد له عن المكث فيه وان كان هو بالأصل مشتركا بين الناس. وبهذا المعنى ملاحظا فيه الاشتراك المزبور أطلق عليه لفظ الأحق في عباراتهم.

بل لعله كذلك فيما ورد (١) فيه ذلك من حق المسجد والوقف ونحوهما باعتبار عدم الجابر لتلك النصوص على وجه يحصل الوثوق بإرادة المعنى الزائد من الظلم منه ، والفرض قصورها أجمع عن درجة الحجية.

وبذلك يتضح أن وضع الرحل الذي صرحوا فيه بالحق معه في المقام وفيما يأتي من المساجد ونحوها إنما هو باعتبار حرمة التصرف بنقل الرحل من الموضع الذي كان يجوز له وضعه فيه ، فهو من الاحتيال للاختصاص بالمكان ، لا لأن وضعه يثبت حقا للشخص في المكان على نحو آثار التحجير ، فإنه لم نجد في شي‌ء من النصوص إشارة الى ذلك.

وحينئذ فلو إطارة الريح أو نقله ظالم له أو غيره فالمكان على شركته الأصلية ، للغير المكث فيه والصلاة. وبالجملة وجود الشخص أو رحله السابق على مجيئه أو المتأخر عنه لا يرفع الاشتراك الأصلي في ذاته وان حرم الدفع ونقل المتاع والبساط ونحوه.

وبهذا التحقيق ينكشف لك الحال في المقام بل وغيره مما يأتي ، الا أنه مع ذلك كله يمكن أن يقال : ان الأحقية تحصل أيضا ما دام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة ـ من كتاب التجارة.

٨٠