جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما أنه ليس في النهاية والمحكي عن الصدوقين إلا التعبير بما في النصوص من كونها كسبيل المال الذي لا صراحة فيه بل ولا ظهور ، ضرورة احتماله أمانة كسبيل المال ، خصوصا بعد ما سمعت من اشتمال بعض النصوص على ما يؤكد ذلك ، كقول أحدهما عليهما‌السلام في الصحيح (١) : « وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليه ما يجري على مالك حتى يجي‌ء لها طالب ، فان لم يجي‌ء لها طالب فأوص بها في وصيتك ».

وخصوصا بعد ورود مثل ذلك في مجهول المالك المعلوم إرادة ذلك فيه ، كما في‌ الموثق (٢) « سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده جالس ، قال : إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه ، وله عندنا دراهم ، وليس له وارث ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يدفع إلى المساكين ، ثم قال : رأيك فيها ، ثم أعاد عليه المسألة ، فقال له مثل تلك ، فأعاد عليه المسألة ثالثة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : تطلب له وارثا ، فان وجدت وارثا وإلا فهو كسبيل مالك ، ثم قال : وما عسى أن يصنع بها ، ثم قال : توصي بها ، فان جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل مالك ».

ورواه في‌ الفقيه عن هشام بن سالم (٣) قال : « سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : كان لأبي أجير وكان له عنده شي‌ء ، فهلك الأجير ولم يدع وارثا ولا قرابة وقد ضقت بذلك ذرعا فكيف أصنع؟ قال : رأيك المساكين رأيك المساكين ، فقلت : جعلت فداك إني قد ضقت بذلك ، فكيف أصنع؟ قال : هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ـ الحديث ٧ من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الخنثى ـ الحديث ١٠ من كتاب الفرائض.

٣٤١

كسبيل مالك ، وإن جاء طالب أعطيته ».

بل الأمر بالجعل في الصحيح الأول أقل مراتبه الإباحة ، وذلك يستدعي أن يكون المأمور به مقدورا ، وهو لا يجتمع مع الملك قهرا.

وفي الرياض ـ من أنه إنما يتم لو كان المأمور به جعلها مالا وليس ، فان جعله في عرض المال غيره ، كما صرح به في المختلف ـ لا حاصل له على وجه يبطل به الاستدلال على المطلوب ، ضرورة تماميته على تقدير الكناية بذلك عن جعلها أمانة بقرينة ما بعده أو التملك الاختياري.

اللهم إلا أن يراد من جعلها في عرض المال الكناية عن صيرورتها من أموالك ، فلا يكون الأمر مرادا به شيئا من معانيه ، وهو كما ترى.

وأوضح من ذلك‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) الذي قدمناه سابقا في مسألة التخيير : « يعرفها سنة ، فان لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء صاحبها فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها ، وهو ضامن » ضرورة منافاة الأمر بحفظها للملك القهري.

ومن الغريب ما في الرياض من رده بقوة احتمال أن يكون‌ قوله عليه‌السلام : « فان لم يعرف » بالتشديد ، ولا كلام فيه ، لا بالتخفيف المبتني عليه الاستدلال ، فإنه يمكن الجزم بعدمه بملاحظة سياق غيره من النصوص ، وإن كان قد ذكره بعض المحشين على التهذيب معترفا بكونه منافيا للظاهر ، موجها به ما اشتمل عليه من الضمان لها ، زاعما أن ترك التعريف يوجبه.

وهو كما ترى ليس بأولى من إبقائه على سياق غيره من النصوص مع حمل الضمان على إرادة تأدية العين أو إذا لم يوص بها أو غير ذلك مما لا ينافي الأول.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣٤٢

وبذلك كله ظهر لك ما في دعوى ظهور‌ « كسبيل مالك » (١) في التملك القهري مؤيدا بما‌ في بعضها (٢) مع ذلك « يجري عليها ما يجري على مالك » الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه ، ومن جملتها وجوب الزكاة بعد حؤل الحول إذا كانت نقدا ، وهذه إحدى ثمرات النزاع التي تترتب عليه.

وبأن مقتضى التشبيه الاتفاق في جميع الأحكام إلا أن يكون منها فرد متبادر ينصرف إليه وليس ، ويكفي في التغاير المصحح للتشبيه غير الأحكام من نحو تغاير الماهية أو غيرها.

إذ لا يخفى عليك ـ بعد الإحاطة بما ذكرناه في مسألة التخيير وفي المقام ـ ما في ذلك كله ، بل لو سلم ظهورها في ذلك لأمكن أن يقال بوجوب تنزيلها على إرادة الاختيار ، جمعا بينها وبين غيرها مما دل على ذلك.

وأغرب شي‌ء دعوى صحة إجماع ابن إدريس وصحة النسبة إلى الأشهر في الدروس بعد ما عرفت ، ولعله لذا قال المصنف ( وهو بعيد ).

مضافا إلى الأصل وظهور التخيير للمالك في الصدقة ، إذ احتمال كونها بمال الملتقط خلاف الظاهر ، كظهور‌ قوله عليه‌السلام في النبوي (٣) : « فشأنك فيها » في ذلك أيضا ، وإلى غير ذلك.

ودعواه الإجماع وتواتر الأخبار لم نتحققها ، بل في المختلف الجزم بخطائها ، قال : « فإن أكثر الأصحاب قالوا : إنه لا يملك إلا بالنية ، بل أبو الصلاح جعل الاحتفاظ وعدم التملك أولى ، والأخبار إنما تنطق بما قلناه ».

بقي الكلام فيما عن الخلاف من أنها لا تدخل في الملك إلا باختياره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٠.

(٣) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٨٥ وفيه « فشأنك بها ».

٣٤٣

بأن يقول : « قد اخترت ملكها » قيل : ووافقه عليه التقي وأبو الصلاح وهو ظاهر التذكرة في موضعين ، فإنه وإن كان مقتضى الأصل ذلك ، إذ القول بأن حصول الملك لا شك فيه ـ وتوقفه على سبب لا يستدعي سببا معينا ، والأصل عدم التعيين ، وذلك دليل على الاكتفاء بالنية ، فلا يستقيم نفي الدليل على ثبوت الملك بها ، وليس الدليل منحصرا في الإجماع ـ لا حاصل له إذا لم يرجع إلى دعوى ظهور النصوص في عدم اعتبار غير النية المستفادة من الجمع بين النصوص بالتخيير الذي مرجعه إن شاء تملك وإن شاء تصدق وإن شاء جعلها أمانة ، بل ومن‌ قوله عليه‌السلام (١) : « اجعلها في عرض مالك » بناء على إرادة التملك بذلك ، وكذا‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النبوي (٢) : « فشأنك فيها » ولأنه أقرب إلى‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « من وجد شيئا فهو له ، فليتمتع به حتى يجي‌ء طالبه » إلى آخره وغيره بعد ما سمعت من الأدلة على عدم الملك القهري.

بل الظاهر كونه كذلك في كل ولي على نحو ذلك ، كالأب والجد وغيرهما ممن هو ولي عن الطفل أو المجنون ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في خبر السفرة (٤) : « قوّمه على نفسك » مشعر أو ظاهر في ذلك وإن كان قبل التعريف ، ضرورة اتحاد كيفية التملك قبله وبعده ، كاشعار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٠.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٨٥ وفيه « فشأنك بها ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ والموجود فيه : « يقوم ما فيها » والجملة التي ذكرها ( قده ) من مرسلة الصدوق ( قده ) المروية في الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩ وقد وردت في الطعام الذي وجده في المفازة.

٣٤٤

خلو النصوص عن ذكر أمر معتبر في التملك بعد تأديته بما يقتضي القهرية لو لا معارضة ما عرفت مما يقتضي عدمه ، فينقطع حينئذ بذلك الأصل.

ودعوى أن الملك حصل بالعوض ـ وهو المثل أو القيمة ، فافتقر إلى اختياره واللفظ الدال عليه كالبيع وأخذ الشفيع ـ لا محصل لها بعد ما عرفت من ظهور النصوص في غير المقام من حصول الملك للولي بالتقويم ، بل قد يدعى أنه قسم مستقل ثابت بالنصوص لا يدخل في البيع ولا في غيره ، بل هو أشبه شي‌ء بالقرض.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك ، فإنه بعد أن حكى القولين المزبورين وحكى الثالث ـ وهو التوقف على التصرف ، بمعنى كونه تمام السبب المركب من التعريف ونية التملك أو لفظه الدال عليه لأن مالكه لو ظهر والعين باقية كان أحق بها ، ولو ملك الملتقط قبله لكان يرجع إلى المثل أو القيمة لا إلى العين ، وهذا كالقرض عند الشيخ ـ قال : « والأصل في الخلاف أن تملكها هل هو على سبيل المعاوضة أم لا؟ وعلى الأول هل هو على سبيل الاقتراض أم لا؟ وعلى الأول هل يتوقف تملك المقترض على التصرف أم لا؟ والحق أن المعلوم شرعا ملك الملتقط لها مع قصده بعوض يثبت في ذمته ، إما مطلقا أو مع ظهور المالك ، أما كونه على وجه المعاوضة وكونها على جهة القرض فلا دليل عليه » إلى آخره.

إذ فيه ـ بعد الإغضاء عما في كلامه مما يشبه التناقض ـ أنه لا يبتني الخلاف على ذلك ، ضرورة عدم لزوم القول بالتملك على سبيل المعاوضة لشي‌ء من ذلك ، بل وعلى القول بأنها كالقرض ، خصوصا بعد ما تقدم في محله من عدم توقف الملك به على التصرف.

ثم قال : « وأما ما ألزموه للقائل بتوقف الملك على التصرف بلزوم‌

٣٤٥

الدور ـ من حيث توقف جواز التصرف على الملك المتوقف على التصرف ـ فغير لازم ، لمنع توقف جواز التصرف على الملك ، بل على الاذن فيه من المالك أو الشارع ، وهو هنا متحقق ، ومثله ملك المشتري معاطاة بالتصرف المترتب جوازه على إذن المالك ، وما يقال من أن من التصرف ما يكون ناقلا للملك فكيف يحصله يندفع بتقدير الملك الضمني ، كعتق العبد عن الآمر ».

قلت : قد يناقش بأن ذلك يلتزم بعد ثبوت الدليل على نحوه ، بخلاف المقام الذي لم يثبت دليل عليه ، بل لم نعرف القول المزبور لأحد من أصحابنا وإن حكاه هو عن الشيخ ، نعم هو أحد أقوال الشافعي.

هذا وفي القواعد « ولو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده وإن لم يجدد قصدا » ومقتضاه حينئذ كون التعريف شرطا.

وفيه أن الأدلة لا تساعد على ذلك ، والأصل عدم الملك ، وصلاحيته للتملك بعد التعريف لظهور الأدلة لا يقتضي صلاحيته لها على الوجه المزبور ، كما هو واضح.

بل قد يشكل التملك لو فرض بقاء عزمه الأول إلا أنه لم ينشأ نية جديدة ، لما عرفته ، ومن هنا حكي عن التحرير التصريح باعتبار التجديد وأنه لا يكفي العزم الأول وإن بقي عليه ، خلافا لبعضهم فاكتفى به ، ولعله لأنه كابتداء النية عنده ، وإن كان فيه أنه خلاف ما ذكرناه من الأصل ، والله العالم.

٣٤٦

المسألة ( الخامسة: )

قال الشيخ رحمه‌الله : اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك ) ولفظه المحكي عنه في مبسوطه « قال قوم : يلزم الملتقط الضمان وقت مطالبة صاحبها بها ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ، ولا يكتم ولا يغيب ، فان جاء صاحبها فليردها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء » وقال آخرون : اللقطة بعد الحول تجري مجرى القرض ، والقرض يلزم بنفس القرض لا بمطالبة المقرض ، والأول أقوى ».

وأما في الخلاف فالمحكي عنه أنه « حكي إجماع الفرقة وأخبارهم على أنه إذا عرفها سنة وأكلها كان ضامنا » ولم يتعرض لمطالبة المالك ، بل ظاهر قوله : « ضامنا » ثبوت المال في ذمته قبل ذلك ، ولعله لذا نسبه في التحرير إليه في بعض كتبه : قال : « وفي أكثر كتبه تعلقه به بالنية » وهو ظاهر المحكي عن الغنية والسرائر بل حكي عن التحرير وإن كنا لم نتحققه ، وإنما الموجود فيه عدم الترجيح ، نعم هو خيرة الكركي وثاني الشهيدين.

بل في المسالك « الظاهر من الأخبار أن الضمان يحصل بظهور المالك وإن لم يطالب ، لكن الشيخ اعتبر المطالبة » بل في الروضة التصريح باختياره ، وجعل الضمان بالمطالبة احتمالا.

( و ) على كل حال ف ( هو بعيد ) مناف للمحكي عن المشهور ( لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق ) ضرورة عدم صحة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٨٧.

٣٤٧

وقوعها منه بدونه ، لا أنها توجب الحق ، فما في النصوص (١) من مطالبة المالك بها يقتضي سبق استحقاقه لا توقفه عليها وإلا دار.

وما في المسالك ـ من الجواب عنه بمنع توقفها على الاستحقاق ، بل على إمكانه وهو حاصل ـ لا حاصل له.

وكذا ما في جامع المقاصد من الجواب عنه بأن « اقتضاء المطالبة سبق الاستحقاق صحيح ، لكن لا يلزم منه ثبوت الضمان قبل مجي‌ء المالك ، بل غايته أنه إذا جاء المالك استحق ، فيطالب حينئذ » فإن مرجعه إلى دعوى تسبيب المجي‌ء الحق ، وتتبعه المطالبة.

وفيه منع تسبيبه الحق ، والمجي‌ء في النصوص إنما هو مقدمة للمطالبة التي مقتضاها سبق استحقاق المطالب بالمثل أو القيمة ، ولا سبب صالح لتسبب سبق ذلك إلا الملك ، ضرورة كون التلف إنما حصل على ملكه الذي لا يقتضي استحقاق الغير عليه شيئا ، فتأمل جيدا.

ثم قال : « إن الذي يقتضيه النظر ويرشد إليه‌ النص (٢) إن العين متى كانت باقية وظهر المالك وطالب بها وجب رد العين ، ولا بعد في ذلك ، بأن يكون ملك الملتقط إياها متزلزلا ، وإن جاء بعد تلفها وطالب وجب البدل من المثل أو القيمة يوم التلف أو يوم المطالبة على احتمال ، ورجح في التحرير قيمته يوم التلف لوجوب رد العين حينئذ ، وقد تعذر فيجب البدل ، لا يقال : لو لم يجب العوض قبل ذلك لم يكن له المطالبة به ، لأن العين قد تلفت على وجه غير مضمون ، لأنا نقول : لا يلزم من وجوب العوض قبل ذلك كون التلف غير مضمون ، لإمكان أن يقال : المراد بضمان العين من حين تملكها كون المالك إذا جاء ترد عليه العين ومع تعذرها فالبدل ، وهذا كاف في صدق معنى الضمان ، والحاصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

٣٤٨

أن الملتقط يملكها ملكا مراعى ، فيزول بمجي‌ء صاحبها ، وهذا أعدل الأقوال ، لأن فيه جمعا بين الأدلة ، والأصل عدم أمر زائد عليه وقد اختار المصنف هذا في التحرير ، وهو قوي متين ».

وفيه أنه قريب إلى ما تفرد به الفخر مما سمعته سابقا في الضالة من عدم الضمان ، ولكن إنما يستحق المالك الغرامة عليه إذا جاء وطالب ، وقد عرفت ضعفه في محله.

على أن ما حكاه عن التحرير من تعليل الضمان يوم التلف كالصريح في ثبوت المثل وقت التلف ، لقوله : « حينئذ » نحو المغصوب ، وهو يقتضي سبق الاستحقاق.

بل قد يقال : إن التملك الذي قلنا بحصوله بالنية مقتض لذلك ، لأصالة احترام مال المسلم على وجه لا يكون كالمباح ، ولأصالة عدم الملك بدون ذلك ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام في السفرة (١) « قومها على نفسك » نحو ما ورد (٢) في تقويم الولي مال المولى عليه ، وكون ذلك قبل التعريف غير مناف بعد ما عرفت من الاتحاد في الكيفية.

فيكون الحاصل أن الشك حاصل في حصول الملك بنية التملك خاصة ، أو بها مع ثبوت العوض في الذمة ، فالأصل عدم الملك بذلك ، وليس الملك متيقن الحصول والشك في وجوب شي‌ء آخر معها كي يكون الأصل عدمه.

( وأما الاستدلال ) بقوله عليه‌السلام (٣) : « من وجد شيئا فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده اليه ».

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) من ص ٣٤٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣٤٩

وقوله عليه‌السلام (١) : « فان وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها ، وقال : هي كسبيل مالك ، وقال : خيره إذا جاءك بعد سنين بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها » وقوله عليه‌السلام (٢) : « فان جاء طالبها وإلا فهي كسبيل مالك » فان كلا من الغاية والتخيير وكونها كسبيل المال ينافي الضمان من حين التملك ، بل قد سمعت‌ ما في صحيح قرب الاسناد (٣) من قوله عليه‌السلام : « فكلها وأنت لها ضامن إن جاء صاحبها أن تردها » ( ففيه ) أنها أدل على الضمان المزبور من عدمه ، ضرورة كون المراد وجوب الرد عند مجي‌ء المالك للعين أو البدل ونحو ذلك من أحكام الضمان ، لا أن الضمان يحصل حينئذ.

نعم قد يقال باختصاص ذلك بالمالك ووارثه ، لا أنها تكون من ديونه على وجه إن لم يظهر المالك ولا وارثه يتصدق بها عن صاحبها وتخرج من تركته ويشارك غرماؤه وغير ذلك ، لخلو النصوص ، بل لعلها ظاهرة في خلافه ، مع إمكان أن يقال : إن ذلك فيها جريا على الغالب وإلا فهو في ذمته كالقرض.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لا منافاة بين كونها مضمونة بالنية ووجوب الرد عليه إذا جاء المالك الذي ليس له الامتناع عن القبول ، كما أنه ليس للملتقط اختيار رد المثل أو القيمة من دون رضا المالك بعد ظهور النصوص أو صراحتها في ذلك.

فما عن المشهور من عدم وجوب رد العين واضح الضعف ، مع أنا لم نتحقق الشهرة المزبورة.

وأما احتمال كون التملك المزبور كالفضولي الذي ينكشف بمجي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

٣٥٠

المالك أو طلبه إياها عدم ملكه له فيدفعه النص والفتوى.

بل وفي‌ المرسل عن أبي العلاء (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وجد مالا فعرفه حتى إذا مضت السنة اشترى به خادما فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتريت بالدراهم هي ابنته ، قال : ليس له أن يأخذ إلا دراهمه ، وليس ( ليست خ ل ) له الابنة ، إنما له رأس ماله وإنما كانت ابنته مملوكة قوم » ولو كان من الفضولي لكان له أخذ البنت ، بل‌ قوله عليه‌السلام : « وإنما كانت » إلى آخره كالصريح في كون المراد أنها صارت ملكا لقوم ، أي الواجد.

وفي الدروس عن النهاية « لا يلزمه أخذها وإن أجاز شراعها عتقت » وفيه ما لا يخفى مع الشراء بعد التملك. وكذا ما عن ابن إدريس من منعه ذلك عليه ، لبطلان عقد الفضولي ، إذ قد عرفت خروجه عن ذلك ، نعم لو اشتراها بعين المال قبل الحول أو بعده وقلنا بعدم الملك قهرا اتجه كلام الشيخ وكلامه.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه يملك العين متزلزلا بالعوض ما دامت موجودة ، فإن تلفت استقر ، وهو معنى‌ قوله عليه‌السلام في الضالة (٢) : « فإنها لربها أو مثلها » لا أن المراد ثبوت مثلها عند التلف نحو المضمون من الأموال الباقية على ملك مالكها بخلاف المقام ( المخالف للمقام خ ل ) الذي خرج الملك عن صاحبه بالنية مضمونا فليس حينئذ إلا ثبوت العوض في الذمة ، إذ لا معنى لضمانه بعد خروجه عن الملك إلا هذا.

واحتمال كونه كالمبيع بالخيار الذي يضمن بالفسخ عند تلفه وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٥١

مملوكا للمشتري ـ فهذا أيضا ينفسخ التملك الذي حصل بالنية بمجي‌ء المالك أو مطالبته فينتقل إلى المثل أو القيمة ، وهذا كاف في كونه مضمونا ، نحو قولهم : « المبيع في زمن الخيار مضمون على المشتري » ـ يدفعه عدم وفاء الأدلة بذلك ، إذ لا أقل من احتمالها الأمرين ، والشهرة والقواعد العامة تقتضي ما قلناه.

ومن الغريب ما في جامع المقاصد من استبعاد ثبوت عوض في ذمة الغير على جهة القهر مع بقاء العين ، إذ قد عرفت أنه ثبوت عوض عن ملك العين اختيارا بالنية ، إنما المستبعد تملك مال الغير مجانا ثم الضمان بالمجي‌ء والمطالبة ، كما هو واضح.

وقد تقدم في ضمان واجد الضالة ماله نفع في المقام ، ضرورة عدم الفرق بينهما في الكيفية عند اختيار التملك ، هذا كله في الضمان بنية التملك.

أما الضمان بالصدقة به فلا يبعد كون المراد به استحقاق عليه بمجي‌ء المالك وعدم إرادته الأجر ، والله العالم.

( الثاني في الملتقط )

( وهو من له أهلية الاكتساب أو الحفظ ، فلو التقط الصبي جاز ، ويتولى الولي التعريف عنه ) والتملك والحفظ والصدقة ( وكذا المجنون ).

( وكذا يصح الالتقاط من الكافر ) مطلقا فضلا عن الفاسق ، نعم قيل غير المرتد عن فطرة ، ولا يخلو من نظر ، كما تقدم في محله‌

٣٥٢

( لأن له أهلية الاكتساب ) فيكفي في صحة الالتقاط ـ بناء على كون المعتبر فيه قابلية الملتقط لأحد أمرين ـ قابلية الاكتساب أو الائتمان على الحفظ ، نعم لو فقد الجميع لم يصح ، وإن كان هذا محل نظر أشرنا إليه سابقا ، وذلك لأنه إن كان هذا المذكور للملتقط المعبر عنه بلفظ « من » ونحوه من التملك والحفظ يقتضي تخصيصه بالقابل فالمتجه اعتبارهما معا فيه لا أحدهما ، وإن كان لا يقتضي ذلك وإنما هي أحكام لمن يقبلها من أفراده فلا يعتبر شي‌ء منهما.

ومن هنا يتجه صحة التقاط الصبي والمجنون في الحرم وإن خليا عن الائتمان والصدقة كما ستعرف ، وقد تقدم الكلام في ذلك كله.

نعم في المسالك هنا « وهل تقر يدهما أي الكافر والفاسق عليها إلى أن يتم الحول أم ينتزعها الحاكم من يدهما إلى أن يستحقا تملكها فيدفعها إليهما؟ وجهان من عدم كونهما من أهل الأمانة على مال الغير ، ومن عموم الاذن في الالتقاط ، ولأنه يخلى بينهما وبين الوديعة ؛ فكذا يخلى بينهما وبين اللقطة كالعدل ، وفيه نظر ، لأن الاذن في الوديعة جاء من قبل المالك بخلاف اللقطة ، فإن إذنها من الشارع ، ولم يستأمن غير العدل على مال الغير. وفي التذكرة أوجب مع علم الحاكم خيانته ضم مشرف إليه وإلا استحب ، وفي التحرير لم أقف لعلمائنا على نص في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق أو ضم حافظ إليه مدة التعريف ».

وفي القواعد « للعدل أن يحفظ بنفسه أو يدفع إلى الحاكم ، وغيره يتخير الحاكم بين انتزاعه منه وبين نصب رقيب إلى أن تمضي مدة التعريف ، ثم إن اختار الفاسق أو الكافر التملك دفعه الحاكم إليه وإلا فالخيار للملتقط إن شاء أبقاه أمانة في يد الحاكم أو غيره ، وليس للحاكم مطالبته بعد الحول بكفيل ».

٣٥٣

وظاهر المحكي عن المبسوط المفروغية من أحد الأمرين : الانتزاع أو ضم الرقيب ، لأنه حكى في ذلك قولين وإن لم يرجح بينهما.

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المقتضي لجواز الالتقاط بأحكامه ، ولذا كان خيرة الشهيد والكركي الإقرار في أيديهما من دون ضم رقيب.

وعلى كل حال فلا كلام في جواز الالتقاط في غير الحرم.

إنما الكلام هنا في قوله ( وفي أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردد ينشأ من كونهم ليسوا أهلا للاستئمان ) والفرض لا تملك فيها كي يكون اكتسابا ، فهي استئمان محض ، وهم ليسوا من أهله ، ومن إطلاق الأدلة.

لكن صرح في القواعد باشتراط العدالة ، وفي الدروس « أربعة لا يجوز لهم أخذ لقطة الحرم : الصبي والمجنون والكافر والفاسق ، لأنها أمانة محضة » وكذا المسالك ، بل والتذكرة وإن لم يصرح فيها بالمجنون ، بل والتحرير وإن تردد في الفاسق.

قلت : قد سمعت إطلاق النصوص فيما تقدم وأن الأقوى إرادة شدة الكراهة مما اشتمل على النهي فيها ، نعم في خبري الفضيل بن يسار ما يدل على ذلك في الجملة.

قال في أحدهما (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم ، قال : لا يمسها ، وأما أنت فلا بأس ، لأنك تعرفها ».

وفي الآخر (٢) : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن لقطة الحرم ، فقال : لا تمس أبدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها ، قلت : فان كان مالا كثيرا قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣٥٤

ولا جابر لهما على تقدير إرادة ذلك منهما ، بل لعل الموهن متحقق ، ضرورة حدوث التفصيل للفاضل ، بل الأول منهما مشتمل على التعليل القاضي بعدم الفرق بين الفاسق والعدل مع التعريف.

بل في المسالك « أن الثانية ظاهرة في الكراهة ، وأن أخذ الثقة غير مكروه أو أقل كراهة ، كمطلق اللقطة ».

فالتحقيق حينئذ الجواز ، ولكنه على شدة كراهة في المكلف منهم ، بخلاف الصبي والمجنون الذي ينتقل حكم التقاطهما إلى وليهما ، وعدم الاكتساب فيه لا يمنع من صحة التقاطهما بعد أن عرفت عدم ظهور الأدلة في اشتراط الصحة بذلك وإن ذكر فيها ( ذلك لكن على وجه يكون حكما للقابل له لا قيدا خ ) (١) ذكر حكم يكون على القابل له ، فيبقى ما دل على الصحة من العموم والإطلاق بحاله.

وبذلك يتضح لك الحال في كثير من أفراد المسألة التي يمكن أن يكون ذلك فيها من مسألة عدم تخصيص العام بذكر ما يرجع إلى بعض أفراده فتأمل جيدا.

وأما التعريف والحفظ والصدقة بها بعد ذلك فهي من التكليف الذي لا فرق فيه بين الفاسق والعدل ، وينتقل في الصبي والمجنون إلى وليهما.

وعلى كل حال فعلى تقدير عدم الجواز قد قالوا : أنه ينتزعها الحاكم ، لعدم ولاية لهم على حفظها ولا أولوية.

وفيه أن المتجه على ذلك جواز أخذ العدل أيضا ، لصدق اللقطة على ما في أيديهم بعد عدم الولاية والأولوية ، وهو واضح.

كما أن المتجه انتزاع الحاكم لها من يد العدل بناء على الحرمة ، إذ‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في النسخة الأصلية المخطوطة بقلمه الشريف ( قده ) وإنما أثبت في النسخة الأصلية المبيضة بعنوان ( نسخة ).

٣٥٥

لا فرق بينه وبين الفاسق بعد عدم جواز الالتقاط ، بل يخرج عن العدالة مع إصراره على بقائها في يده إن قلنا إنه صغيرة وإلا خرج بالالتقاط.

نعم قد يفرق بينهما بجواز إقرار الحاكم لها في يد العدل على أن تكون أمانة منه بخلاف الفاسق ، والله العالم.

( وللعبد ) القن مع الاذن أو عدم النهي ( أخذ كل واحدة من اللقطتين ) الحل والحرم ، بل والضالة والمال.

( و ) لكن‌ في رواية أبي خديجة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ( « لا يتعرض لها المملوك » ) ( و ) مع ذلك قد ( اختار الشيخ الجواز ) وتبعه من تأخر عنه.

( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل على إطلاق الأدلة و ( لأن له أهلية الاستئمان والاكتساب ) اللذين تضمنهما اللقطة ، فيحمل خبر أبي خديجة على ضرب من الكراهة أو غيرها ، كما تقدم الكلام في ذلك وغيره مفصلا.

( وكذا المدبر وأم الولد و ) غيرهما بل ( الجواز أظهر في طرف المكاتب ) بقسميه ( لأن له أهلية التملك ) أيضا ، بل يمكن القول بجواز التقاطه وإن قلنا بعدمه في القن ، وليس للمولى انتزاعها من يده ، لأنها من كسبه إذا لم تكن لقطة حرم ، ومن أمانته إن كانت ، نعم لو عجز فاسترق كان للمولى انتزاعها كالقن ، وبنى على تعريفه إن لم يعلم فساده.

ولو اشتغل المكاتب بالتعريف فأعتق أتمه وتملك ، ولو مات قبل التعريف أو تمامه فكالقن إلا إذا كان قد أعتق بعضه ، فإنه يقوم الوارث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٥٦

مقامه في نصيب الحرية ، ضرورة كونه حينئذ كالمبعض الذي أشرنا إليه سابقا.

وفي القواعد هنا « من انعتق بعضه حكمه حكم الحر في قدر الحرية وحكم العبد في الباقي » وهو كذلك ، فيكون حينئذ كرجلين التقطا معا.

نعم إن كانت بينه وبين سيده مهاياة فالظاهر كونها للمولى إن وقعت في نوبته ، فيلحقها حكم لقطة العبد ، وله إن وقعت في نوبته ، ويلحقها حكم لقطة الحر ، وأيهما وقعت له يعرفها ويتملكها ، والاعتبار بيوم الالتقاط لأنه يوم الكسب لا بوقت التملك ، فلو وقع الالتقاط في نوبة العبد مثلا وكان انقضاء مدة التعريف في نوبة السيد فالمدار على نوبة الالتقاط والحكم لها. أما مع عدم المهاياة فحكمها ما عرفت.

ومنه يعلم حكم ما إذا التقط اثنان معا دفعة ، فإنه يجب عليهما معا تعريفها حولا ، والأقرب الاكتفاء بتعريف أحدهما بإذن الآخر ، بل ومع عدمه بناء على أنهما معا ملتقط لا كل منهما ، فيكفي وقوعه من أحدهما ، فإذا انقضت مدة التعريف واتفقا على أحد الوجوه فلا إشكال ، ولو اختار أحدهما التملك دون الآخر قيل ملك النصف وبقي الآخر أمانة.

وقد يقال : إنهما بالتقاطهما معا يكونان بمنزلة ملتقطين لكل نصف ، فيجري حكم كل منهما على نفسه ، فلا يجزئ تعريف أحدهما عن الآخر مع عدم الاستنابة له ، ولو كان ما التقطاه معا درهم فما فوق ولكن قسط كل منهما دون الدرهم أمكن القول بملك كل منهما حصته من دون تعريف ويحتمل العدم ، لأنها لقطة واحدة.

ومن ذلك ينقدح لك فروع كثيرة لا يخفى عليك حكمها بأدنى‌

٣٥٧

التفات ، منها لو التقط من يصح التقاطه وغيره كالعبد المنهي مثلا بناء على عدم جواز التقاطه اختص حكم الصحة بالنصف ، وبقي النصف غير ملتقط إلا إذا اشتملت عليه يد.

وبالجملة الاشتراك في الالتقاط يجعلهما معا ملتقطا داخلا تحت عموم « من » مثلا أو يكون كل منهما ملتقطا ، لكن على الأول ينبغي أن ينصف بينهما كل ما كان قابلا لذلك من أحكامها ، كالتعريف والحفظ والتملك وغيرها ، للاشتراك في السبب الذي لا يقبل التقسيم ، فيرجع إلى متعلقة ، كحيازتهما معا الموجبة لتقسيم المحوز بينهما ، وحينئذ فيقسم التعريف بينهما أيضا ، فيعرف كل منهما نصف المدة ، وكذا يحفظها كل منهما.

وهو متجه إن ثبتت القاعدة المزبورة في الاشتراك في السبب ، أما على عدمه فيكون لقطة واحدة ليس لأحدهما تملك النصف دون الآخر لعدم كونه ملتقطا ، وليس لأحدهما قسمتها في الحفظ مثلا ، نعم لو قلنا بأن كلا منهما ملتقط نصفا صارا لقطتين وملتقطين ، يجري على كل منهما حكمها ، لكنه بعيد عن مذاق الفقه ، بل الموافق له الأول.

هذا وستعرف إنشاء الله تعالى جملة من أحكام العبد في المسألة الرابعة ، والله العالم والهادي.

٣٥٨

( الثالث في الأحكام )

(وهي مسائل : )

( الأولى : )

يجب التعريف سنة بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) مستفيضة أو متواترة فيه.

وما في‌ خبر أبان بن تغلب (٢) قال : « أصبت يوما ثلاثين دينارا فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال لي : أين أصبت ذلك؟ فقلت له : كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها ، قال : فقال : صر إلى المكان الذي أصبت فيه فعرفه ، فان جاء طالبه بعد ثلاثة أيام فأعطه وإلا فتصدق به » مطرح أو محمول على غير اللقطة أو على حصول اليأس بذلك أو ثلاثة أيام بعد السنة أو غير ذلك.

والمدار على صدق ذلك عرفا ، كما في غيره مما علق عليه الحكم ، ولكن صرح الشيخ والفاضلان والشهيدان والكركي وغيرهم بأنه لا يجب فيه التوالي ، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب.

وفي المتن ( ليس التوالي شرطا في التعريف ، فلو فرقه ( فرق خ ل ) جاز ) وفي المسالك وغيرها أن للتوالي المحكوم بعدم وجوبه تفسيرين : أحدهما استيعاب وقت الحول بالتعريف ، ولا خلاف ولا إشكال في عدم وجوبه ، بل في المسالك وغيرها الاتفاق عليه ، لصدق العرف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

٣٥٩

بدونه ، والثاني توالي التعريف في الحول الواحد بحيث يقع التعريف المعتبر في اثني عشر شهرا متوالية ، فإن ذلك أيضا غير لازم على ما صرح به غير واحد ، فيجوز له أن يعرف شهرين ويترك شهرين ، وهكذا حتى يتم له اثنا عشر شهرا ، وعن التذكرة تشبيهه بما لو نذر صوم سنة ، فإنه يجوز له التوالي والتفريق.

قلت : إن لم يكن إجماعا أمكن دعوى انسياق التوالي بالمعنى المزبور ، خصوصا بعد تصريح الفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم بكون مبتدئة حين الالتقاط مع الإمكان محتجين له بقوله عليه‌السلام (١) : « فإذا ابتليت بها فعرفها سنة » لظهور الفاء في ذلك ، وإن كان فيه منع دلالة فاء الربط على ذلك ، إلا أن مقتضى العرف الاتصال فيما عين مبتدؤه إلى تمام الحول ، ولعله لذا كان المحكي عن بعض الشافعية عدم جواز التعريف على الوجه المزبور.

وكيف كان فقد قيل : إن المشهور التعريف في الابتداء في كل يوم إلى سبعة أيام ، ثم في بقية الشهر في كل أسبوع ، ثم في كل شهر إلى آخر الحول ، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب.

ولعله إليه يرجع ما في القواعد « يعرف كل يوم في الابتداء ، ثم كل أسبوع ثم كل شهر بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى ».

نعم عن التذكرة « أنه يعرف في الابتداء في كل يوم مرتين في طرفي النهار ، ثم في كل يوم مرة ، ثم في كل أسبوع مرة أو مرتين ، ثم في كل شهر بحيث لا ينسى كونه تكرارا لما مضى ». وهو زيادة استظهار وإلا فالأول كاف ، ومرجعه إلى بضع وعشرين مرة.

لكن فيه أنه لا دليل على أقل صدق التعريف حولا بذلك على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٦٠