جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اندرس أهله لواجده ، دون غيره الذي يكون الاستيلاء عليه بعنوان الالتقاط أو مجهول المالك أو غير ذلك مما لا يحل به لواجده بمجرد وجدانه بل بالتعريف على الوجه المزبور أو بالصدقة به عن صاحبه أو نحو ذلك.

ولعل الأصل في كل ما شك فيه ولم يكن ثم شاهد حال يقتضي كونه لمن اندرس أو أهل العصر الاحترام ، فلا بد من تعريفه إن كان لقطة ، والفحص إن كان مجهول المالك ، ثم الصدقة به بعد اليأس أو الدفع إلى الحاكم.

وقد يقال : إن الأصل في الموجود في الخربة أن يكون من توابع سكانها حتى يعلم أنه لغيرهم ، كما عساه يومئ إليه الحكم في الصحيحين (١) بكون الموجود في المعمورة لأهلها ، وإن كان هو مقيدا بما في موثق إسحاق (٢) بما إذا لم ينكروه.

وفيه أن الظاهر تقييده بما إذا عرفوه ، والفرض انعدام الشرط بانعدام أهله ، فينعدم المشروط ، فلا يحكم بكونه لهم ، ويبقى على أصل الاحترام.

ودعوى اشتراطه بمعلومية سبب الاحترام يدفعها أن الظاهر كفاية وجوده في أرض الإسلام مع عدم شاهد حال يقتضي كونه لمن اندرس.

نعم لو كانت اللقطة في دار الحرب لم يكن لها احترام ، وكانت لواجدها على ما صرح به غير واحد ، ووجهه واضح ، ولكن في الدروس تقييد ذلك بما إذا لم يكن فيها مسلم ، وكأنه أخذه مما سمعته في حكم اللقيط ، وفيه نظر.

وعلى كل حال فهو أمر آخر ، كما أن ما ذكرناه في كتاب الخمس

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٢١

في تحرير مسألة الكنز (١) كذلك ، وربما اقتضى ما سمعته هنا ملك الواجد له بعد العلم بكونه لمن اندرس ولو من المسلمين ، ويجب عليه فيه الخمس إن لم يكن إجماعا منهم على عدم ملك الواجد له بعد العلم بكونه من كنوز أهل الإسلام ، كما هو الظاهر من كلامهم في كتاب الخمس.

وعليه يتجه حينئذ تقييد كلامهم هنا بغير الكنز الإسلامي أو على أن المراد من الدفن ما لا يتحقق به اسم الكنز ، كالدفن بالانهدام ونحوه وإن كان الآن لنا شك في تحقق الإجماع المزبور على وجه يخرج به عن إطلاق الصحيحين القاطع لقاعدة احترام مال المسلم مؤيدا بالسيرة المستمرة على ذلك.

وقد تقدم لنا بعض الكلام في كتاب الخمس جريا منا على ما ذكروه هناك الذي لا يخلو من مخالفة لما هنا في الجملة ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

هذا كله فيما ذكروه من الثلاثة.

( و ) أما ( لو كان لها ) أي الأرض ( مالك ) معروف ( أو بائع عرفه ، فان عرفه فهو أحق به ، وإلا فهو لواجده ) كما صرح به غير واحد ، بل قيل : لا خلاف فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه إذا لم يكن عليه أثر الإسلام للصحيحين (٢) في الحكم الأول ، بل وموثق إسحاق بن عمار (٣) المشتمل على السبعين دينارا.

بل ظاهرهم عدم اشتراط البينة والوصف ، بل مقتضى الصحيحين الحكم بكونه له وإن لم يعرفه ، بل لعل ذلك مقتضى اليد أيضا ، إلا أنه لم أجد عاملا بهما على الوجه ، كما اعترف به في الرياض.

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٢٧ ـ ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٢٢

ولعله لما في الموثق من سؤال أهل المنزل لعلهم يعرفونها ، قلت : « فان لم يعرفوها قال : تصدق » إلا أنه كما ترى مشتمل على الأمر بالتصدق به ، لا أنه يكون لواجده كما أفتى به الجماعة.

وربما حمل على الاستحباب أو غيره جمعا ، وفيه أنه لا معارض له ، ضرورة عدم دليل على كونه للواجد كي يجمع بينهما ، وإرساله له في المسالك لم نتحققه ، بل الظاهر أنه توهم دلالة الصحيحين المعلوم خلوهما عن الحكم بكونه للواجد مع عدم معرفة المالك له.

بل لعل مقتضى الأصل عدمه أيضا إذا كان من المعلوم أنه لأهل زمان الواجد أو مشكوكا فيه ، ولعله لذا حكي عن التحرير الاشكال.

بكونه للواجد.

نعم لو علم أنه للقديم أمكن حينئذ القول بكونه لواجده بناء على ما ذكرناه في الموجود في الخربات ونحوها من التعليل الشامل لنحو الفرض.

أو يقال يدل عليه صحيح (١) الدابة الآتي بناء على حصول القطع بعدم الفرق بينهما وبين الأرض وإن كان هو محلا للنظر ، بل إن لم يكن إجماعا أمكن منعه في الدابة إذا كان المال معلوما أنه لأهل زمان الواجد ضرورة كونه مالا ضائعا ، فيندرج تحت موضوع اللقطة ، والأصل احترام مال المسلم ، بل لعله كذلك في المشكوك فيه للأصل المزبور.

نعم لو علم كونه من القديم اتفق أكل الدابة له بالرعي في المباح ونحوه اندرج حينئذ فيما قلناه في الخربات.

بل ربما يؤيد ذلك ما في التنقيح من الإجماع على أن ما في الأرض المملوكة لقطة إذا كان عليه أثر الإسلام وأنكره المالك ، وليس هو إلا للأصل المزبور ، مع أن الأثر المفروض لا يقتضي كونه لأهل زمان الواجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٢٣

فيرد عليه حينئذ نحو ما سمعته سابقا في الموجود في الخربة مما كان عليه أثر الإسلام السابق. بل في الرياض استظهر عدم تمامية الإجماع ناسبا له إلى الظاهر المستفاد من الروضة والمسالك حيث أجريا الخلاف السابق فيه في المسألة ، ثم قال : « فالإطلاق أصح ».

قلت : قد يقال : إن المتجه ـ مع عدم هذا الإجماع والإجماع على كونه للواجد مطلقا ـ ما قلناه سابقا من كونه له إذا كان من المال القديم ، وإلا كان لقطة مع تحقق وصف الضياع ولو بشاهد الحال ، وإلا كان من مجهول المالك أو بحكمه يدفع إلى الحاكم أو يتصدق به.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره كما اعترف به غير واحد عدم الفرق في ابتداء التعريف بين القليل والكثير ، للأصل واختصاص ما دل على تملك الأول من غير تعريف باللقطة ، وهذا ليس منها.

لكن في الرياض « إنما يصح هذا على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، ولا يصح على غيره ، لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق بينهما ، وحكى في التنقيح قولا عن الشيخ بكون ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك ولا البائع أيضا ، ويدفعه النص جدا ».

قلت : إنما الكلام في التعريف ابتداء لمالك الأرض ، ولا ريب في عدم الحكم بكونه لقطة حينئذ ، نعم لو أنكره ففيه البحث السابق.

ويتجه حينئذ تملك القليل منه إذا كان عليه أثر الإسلام وتحقق فيه وصف الضياع من أهل زمان الواجد ، ويعرف الكثير منه.

أما مع عدم تحققه فيه للدفن ونحوه مما يقتضي عدم كونه ضائعا فهو من مجهول المالك أو بحكمه على حسب ما عرفته سابقا.

وأما ما لا أثر عليه فان شهد الحال بكونه لمن تقدم من الأعصار السالفة فهو لواجده حتى لو كان مستعيرا للأرض أو مستأجرا.

٣٢٤

وما عن الخلاف من أنه « إذا وجد ركازا في دار ملك لمسلم أو ذمي فليس له التعرض إجماعا » محمول على غير المعلوم عدم تملكه له بوجه من الوجوه ، كما هو واضح.

وإن لم يشهد الحال بذلك ، بل علم كونه من مال أهل زمن الواجد ولو لعثور أحد قبله عليه أو كونه مالا له بشراء ونحوه يدا عن يد فان تحقق فيه وصف الضياع كان لقطة ، وإلا فيحكم مجهول المالك.

وأما مع الشك في أنه من أهل زمن الواجد أو غيرهم ففيه البحث السابق ، ولعله يختلف الحكم باختلاف فرض موضوعه.

وقد تقدم في كتاب الخمس (١) كثير من الفروع المتعلقة في المقام بالنسبة إلى ترتب الملاك وتعددهم واتفاقهم واختلافهم ، فلا حظ وتأمل.

نعم بقي شي‌ء : وهو إن ظاهر عبارة المتن وغيره فرض موضوع المسألة في المدفون ، بل في الروضة التصريح بأنه « لو وجده في المملوكة غير مدفون كان لقطة إلا أنه يجب تعريف المالك فان ادعاه فهو له وإلا عرفه » وربما يؤيده ما تسمعه من الخبر (٢) المشتمل على الحكم بكون ما يجده صاحب الدار في داره مما هو ليس له ويدخلها غيره لقطة يجب تعريفها.

لكن في الرياض مازجا عبارة النافع قال : « ولو وجده في أرض لها مالك أو بائع ولو كان ما وجد فيها مدفونا عرفه المالك أو البائع ، فإن عرفه وإلا فهو للواجد ».

ومقتضاه عدم الفرق في الحكم المزبور بين كونه مدفونا أو ظاهرا بل أولوية الثاني من الأول بذلك ، ولا ينافي ذلك تصريحه في أثناء المسألة‌

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٢٨ ـ ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٢٥

بكونه ليس من اللقطة ، لأن مراده باعتبار كونه محكوما بأنه لواجده لا أنه ليس من موضوعها.

وهو كما ترى في غاية الإشكال ، بل لعله من المنكرات بين المتشرعة وإن كان قد يشهد له أن الحكم في ما نحن فيه بأنه للواجد إنما جاء من صحيح الدابة (١) الذي لا ريب في كون موضوعه مندرجا تحت موضوع اللقطة بعد إنكار البائع له وكون المال من أهل هذا الزمن.

إلا أن الانصاف عدم الجرأة على الحكم المزبور بمثل ذلك ، خصوصا بعد الصحيح (٢) الآتي في الدار والصندوق المؤيد بأصالة احترام مال المسلم.

ومما ذكرنا يظهر لك النظر في كثير من الكلمات في المقام مع خلع حبل التقليد والنظر بعين الانصاف وعدم الالتفات إلى دعوى الإجماع بفتوى ثلاثة من الفقهاء أو أربعة ، وخصوصا مع تعدد الكتب منهم ، فان في ذلك إفسادا للفقه ، والله الهادي والموفق والمسدد.

( وكذا ) يعرفه المالك أو البائع ( لو وجده في جوف دابة ولم يعرفه البائع ) فإنه يكون للواجد ، كما صرح بذلك كله غير واحد ، بل يظهر من جماعة الإجماع عليه ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، كما عن المهذب البارع والمقتصر الإجماع على تعريف البائع.

والأصل في ذلك‌ صحيح عبد الله بن جعفر (٣) « كتبت إليه أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن يكون ذلك؟ قال : فوقع عليه‌السلام : عرفها البائع ، فان لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٢٦

إياه » وإن أيد بأنه مع معرفة البائع يقتضي سبق اليد وظهور اعتلافها له من ماله ، لبعد كونه في الصحراء.

بل في الروضة أن ظاهر النص والفتوى عدم الفرق فيه بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، وفي المدارك أطلق الأصحاب من غير فرق بين ما عليه أثره وغيره ، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام.

لكن في جامع المقاصد « ينبغي أن يقال مع وجود أثر الإسلام يكون لقطة ، لكن الصحيحة على خلافه » بل هو الذي استقر عليه رأيه في مسألة السمكة ، وقال : « هو الذي يقتضيه النظر ، بل قيل : هو خيرة المختلف والمسالك في الخمس والروضة في البابين ، بل عن الأول نفي البعد عن القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن الدابة مطلقا ، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ».

قلت : قد ذكرنا ذلك كله وغيره في كتاب الخمس (١) ويتجه أيضا إن لم يكن إجماعا ما ذكرناه من التفصيل ، ويحمل حينئذ‌ قوله عليه‌السلام : « هو لك رزقك الله إياه » على ما بعد التعريف إذا كان لقطة ، كل ذلك للأصل الذي عرفته.

إلا أن الانصاف ظهور الصحيح المزبور في خلاف ذلك كله ، ولا يبعد الجمود عليه من غير تعدية ، والله العالم.

( أما لو وجده في جوف سمكة فهو لواجده ) كما صرح به جماعة ، بل نسبه غير واحد إلى إطلاق الأصحاب ، ولعله للنصوص (٢)

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة.

٣٢٧

التي ذكرناها في كتاب الخمس (١) المشتملة على ملك المشتري لما وجده في جوفها من الدرتين ، إلا أنها نصوص ضعيفة وخاصة بما يوجد في جوفها مما هو مخلوق في البحر ويعلم عدم كونه من مال البائع.

نعم هناك احتمال ملك الصائد له بالحيازة بناء على عدم اشتراط النية الذي يشهد له هذه النصوص ، ولعله إلى ذلك أشار الفاضل هنا بعد الحكم بكون ما في جوفها لواجده بقوله : « وتحتها دقيقة ».

لكن قد يمنع هنا صدق الحيازة باعتبار عدم علمه به وعدم كونه من أجزاء السمكة فاشتمال يده حينئذ عليه كاشتمال يد النائم لا يوجب ملكا ، لعدم حصول الحيازة ، وهذا أمر آخر غير اشتراط النية ، كما أشرنا إليه سابقا ، وحينئذ يتجه ملك الواجد له إذا كان الموجود من هذا القبيل كما تضمنته النصوص المزبورة.

أما إذا كان من أموال الناس فيتجه فيه ما ذكرناه من التفصيل بأنه لواجده مع العلم بكونه من القديم ، وكونه لقطة مع العلم بكونه من مال أهل زمن الواجد ، ومع الشك يجري فيه الكلام السابق.

ولا ريب في أن الأحوط عدم ملك الواجد له ، للأصل الذي عرفته ، ولكن هل يكون لقطة؟ وجهان أشرنا إليهما سابقا.

وعلى كل حال فلا وجه لتعريف البائع بعد العلم بعدم كونه من أمواله ، بل لعله كذلك في الدابة إذا فرض انتقالها عن ملكه حين انتقالها إليه فلم تأكل من ماله شيئا.

نعم لو فرضت السمكة في ماء محصور للبائع يمكن التقاطها لما يسقط من ماله اتجه حينئذ تعريفه ، وإلا كان مالا ضائعا بعد العلم بكونه من مال أهل زمن الواجد.

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٣٨.

٣٢٨

ولكن في محكي المراسم إطلاق التعريف قال : « إن ما يوجد في بطون ما يذبح للأكل والسموك إن انتقل إليه بميراث أو من بحر أخرج خمسه والباقي ملكه ، فان انتقل إليه بالشراء عرف ذلك البائع ، فإن عرفه رده إليه وإلا أخرج خمسه والباقي له ».

بل في محكي السرائر « لا فرق بين الحيوان المذبوح والسمكة إذا وجد في جوفها شيئا في أنه يجب تعريفه للبائع قل عن الدرهم أو كثر ، فان عرفه وإلا أخرج خمسه وكان له الباقي ، لأن البائع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري ، فلذلك وجب تعريف البائع ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل وما في تحقيق الفاضل في المحكي من مختلفه من « أن الموجود إما أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا ، فان كان وجب تعريفه من البائع وغيره ، لسبق ملك المسلم عليه ، ويكون حكمه حكم اللقطة ، لأنه مال مسلم ضائع ، فوجب التعريف حولا ، إذ الحيوان هنا كالآلة ، وإن لم يكن عليه أثره فليس ببعيد من الصواب القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن السمكة مما ليس البحر أصله ، أما إذا كان أصله البحر فلا بأس ».

بل عن أبي العباس اختياره في كتابيه ، بل عن المهذب منهما « أن المستند إجماع علمائنا وإطلاق سلار يحمل على التفصيل ، ولا عبرة بندور ابن إدريس ».

وعن التذكرة نفي البأس عنه ، ولكن قال : « ما كان أصله البحر للصياد ».

بل وكذا ما عن موضع من التحرير من أنه « لو اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي له ، فان باعها الصياد ولم يعلم فيه قولان : أحدهما أنه يعرفها البائع ، فإن طلبها كان له أخذها ، وهو الوجه عندي ، والثاني‌

٣٢٩

للمشتري ، وكذا لو وجد فيها غيرها أو شيئا مما يخلق في البحر ، ولو وجد دراهم أو دنانير فالوجه أنها لقطة ، فإن وجدها الصياد لزمه التعريف ، وإن وجدها المشتري فعليه التعريف ـ ثم قال ـ : وأطلق علماؤنا القول في ذلك ، فأوجبوا تعريف البائع ، فإن عرفها فهي له ، وإلا أخرج خمسه وحل له الباقي ».

ولم أتحقق ما ذكره من النسبة المزبورة إلى العلماء ، بل لعل المحقق خلافها ، بل وكذا ما في التنقيح من أن ما عليه أثر الإسلام في بطن السمكة يجب تعريفه ، وما ليس عليه أثره فإن اشترطنا في تملك المباحات النية فهو للواجد ، وإن لم نشترط نظرنا في الغالب من حال الحيوان ، والغالب من الدابة تبتلع من دار البائع والسمكة من البحر ، وقد تنعكس لكنه نادر ـ إلى أن قال ـ : فالفتوى إذن على ما ذكره الشيخان ».

بل وكذا ما في جامع المقاصد « من أن الذي يقتضيه النظر أن ما في جوف السمكة المأخوذة من غير المياه المحصورة وليس عليه أثر ملك مالك للواجد على ظاهر مذهب الأصحاب ، وما عداه لقطة ».

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا توافق تمام ما ذكرناه ، حتى ما في الرياض ، فإنه بعد أن حكى عن المتأخرين كافة أنه لواجده وخص الخلاف بالديلمي والحلي خاصة قال : « ومبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط النية في تملك المباحات وعدمه ، فعلى الأول يقوى الأول ، وعلى الثاني يقوى الثاني ـ ثم مال إلى الأول مستظهرا من المختلف الإجماع عليه ـ لكون المأخوذ مباحا في الأصل ، فإذا حيز مع النية ملك. هذا مضافا إلى اعتضاده بالنصوص (١) المستفيضة المروية في الوسائل في الباب عن الكافي وقصص الأنبياء والأمالي وتفسير مولانا العسكري عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة.

٣٣٠

لتضمنها تقريرهم لكثير في تصرفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء من دون تعريف على ما هو الظاهر منها ، وأسانيدها وإن كانت قاصرة إلا أنها بالشهرة منجبرة ، فلا وجه للقول الثاني ».

إذ هو كما ترى ، ضرورة عدم اختصاص ما يوجد في جوف السمكة بالمباح حتى يكون بناء الحكم في المسألة على الخلاف المزبور الذي قد عرفت الترجيح فيه ، وأنه وإن لم يشترط النية إلا أنه لا بد من قصد الحيازة للمباح ، وهو مفقود في الصائد دون الواجد ، إذ الدرة ليس من أجزاء السمكة.

وأما النصوص فظاهرها الاختصاص بالمباح ، وهي شاهدة على ما ذكرنا.

( فمنها ) خبر أبي حمزة (١) المروي في الكافي عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم ، فجاء سائل فدق الباب ، فقال له الرجل : ادخل فدخل ، فقال له : خذ أحد الكيسين ، فأخذ أحدهما وانطلق ، فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب ، فقال له الرجل : أدخل فدخل ، فوضع الكيس في مكانه ، ثم قال : كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك ، إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا ، ثم ذهب ».

و ( منها ) خبر حفص بن غياث (٢) المروي عن قصص الأنبياء للراوندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا ، فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣٣١

فقال : درهمان من حل ، فقال : تحت رأسك فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه ، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها ، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم ».

وخبر أبي حمزة (١) المروي عنه أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام ما يقرب من الأول ، وحاصله أنه « كان في بني إسرائيل عابد محارف تنفق عليه امرأته ، فدفعت إليه يوما غزلا ليشتري به شيئا ، فجاء إلى البحر فإذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا ، فأعطاه الغزل ، وقال له : انتفع به في شبكتك ، فدفع إليه سمكة فأخذها وجاء إلى زوجته ، فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة ، فباعها بعشرين ألف درهم ».

و ( منها ) خبر الزهري (٢) المروي عن الأمالي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام في حديث « إن رجلا شكا إليه الدين والعيال فبكى ، وقال : أي مصيبة أعظم على حر من أن يرى على أخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها ـ إلى أن قال ـ : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام قد أذن الله في فرجك يا جارية احملي إليه سحوري وفطوري ، فحملت قرصتين فقال للرجل : خذهما فليس عندنا غيرهما ، فان الله يكشف بهما عنك ويريك خيرا واسعا فيهما ، ثم ذكر أنه اشترى سمكة بإحداهما وبالأخرى ملحا ، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين ، فحمد الله عليهما ، فقرع بابه فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح يقولون جهدنا أن نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه أسناننا فقد رددنا إليك هذا الخبز وطيبنا ما أخذته منا ، فما استقر حتى جاء رسول على بن الحسين عليهما‌السلام وقال : إنه يقول : إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٣٣٢

فإنه لا يأكله غيرنا ، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله ».

و ( منها ) المروي في تفسير العسكري عليه‌السلام في حديث طويل (١) « إن رجلا فقيرا اشترى سمكة فوجد فيها أربعة جواهر ، ثم جاء بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاء تجار غرباء فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم ، فقال الرجل : ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا بتوقيرك محمدا وتوقيرك عليا أخاه ووصيه ، وهو عاجل ثواب الله لك ، وربح عملك الذي عملته ».

وجميعها مع أنه في مقام الاعجاز ظاهرة في المباح ، إذ احتمال كون اللؤلؤة مملوكة سابقا مقطوع بعدمه.

وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت ، ونحوه يجري فيما يوجد في جوف الدابة من هذا القبيل ، كما أن ما يوجد في جوف السمكة من المال المملوك حكمه ما عرفت.

هذا وقد تقدم لنا في كتاب الخمس (٢) جملة من الكلام في هذه المسائل قد جرينا بها على ما عند الأصحاب هناك ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) راجع ج ١٦ ص ٣٥ ـ ٣٩.

٣٣٣

المسألة ( الثانية : )

( من أودعه لص ) مثلا ( مالا وهو يعلم أنه ليس للمودع ) بعد أن قبضه أو قبله ـ بناء على جواز الاستيلاء عليه بعنوان الحفظ لصاحبه ورده عليه ، أو أثم وفعل ـ ( لم ) يجز له أن ( يرده عليه ) مع اختياره ( مسلما كان ) اللص ( أو كافرا ) بلا خلاف ولا إشكال ، لكونه حينئذ مخاطبا برده إلى مالكه أو من يقوم مقامه ، ولحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه الذي منه الرد إلى اللص ، ولا ينافي ذلك سبق خطاب الرد للص بعد تعلق الخطاب بمن قبض أيضا.

( ف ) المتجه حينئذ أنه ( إن عرف مالكه دفعه إليه وإلا كان حكمه حكم اللقطة ) عند المصنف وجماعة ، لخبر حفص بن غياث (١) عن الصادق عليه‌السلام « سأله رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟ قال : لا يرده ، فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل ، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا ، فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم ، فان اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له ».

وفي المسالك « أن مضمونه موافق للأصول الشرعية ، فإنه بعد التعريف يصير مالا مجهول المالك ، وقد تقدم أنه يجوز الصدقة به عن مالكه ، ولا يقدح زيادة التعريف هنا ، لأنه زيادة في الاستظهار والتفحص على ( عن خ ل ) المالك ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٣٤

وفيه أن مجهول المالك لا يحد بتعريف السنة ، وليس هو زيادة استظهار ، إذ الظاهر وجوب التعريف عليه حتى يحصل اليأس من مالكه ، وهو قد يحصل بأقل من السنة وبأكثر.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن وهب (١) : « في رجل كان له على رجل حق ففقد ولا يدري أين يطلبه؟ ولا يدري أحي هو أم ميت؟ ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا ، قال : اطلب ، قال : إن ذلك قد طال فأتصدق به ، قال : اطلبه » وفي الكافي وقد روي في هذا‌ خبر آخر (٢) « إن لم تجد له وارثا وعلم الله منك الجهد فتصدق به ».

على أن مقتضى إطلاق المصنف جواز تملكه لها بعد التعريف ، لعموم المنزلة ، ولا ريب في كونه غير حكم مجهول المالك ، وإن كان قد يناقش بمنع العموم المزبور بعد تعيينه بالتعريف حولا ثم الصدقة بها المشعر أو الظاهر بكون المراد من التنزيل ذلك.

ولعله لذا ذكرها المصنف في كتاب الوديعة مقتصرا على الصدقة بها من دون قوله كاللقطة ، وقد تقدم الكلام هناك في المسألة.

ونبه بقوله : « مسلما كان أو كافرا » على عدم اختصاص الحكم بالأول وإن كان هو المورد في الرواية ، إلا أن الظاهر كونه على المثال ، بل لا فرق بين محترم المال وعدمه بعد العلم بعدم كونه مالا له ، والأصل احترام مال بلد الإسلام حتى يعلم.

وكيف كان فما عن المفيد وسلار ـ أنه يتصدق بخمسها على مستحق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الخنثى ـ الحديث ٢ من كتاب الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث الخنثى ـ الحديث ١١ من كتاب الفرائض وهو مرسل الفقيه لا الكافي ، فإن الكليني ( قده ) لم يذكر ذلك ابدا راجع الكافي ج ٧ ص ١٥٣ ـ ١٥٥.

٣٣٥

الخمس والباقي على فقراء المؤمنين ـ غير واضح الوجه.

نعم ما عن ابن إدريس ـ من دفعها لإمام المسلمين ، ولا يجوز له التصدق بها ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، وهو منهي عنه (١) ـ لا يخلو من وجه بناء على مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد ، بل قد يناقش بإطلاق ما دل على الأمر بالصدقة بمجهول المالك على وجه يظهر منه أن ذلك حكمه ، لا أنه إذن من الامام عليه‌السلام في ذلك.

ولكن مع ذلك لا ريب في كون الأحوط الدفع إليه خصوصا بعد ظهور كلماتهم في كونه الولي في ذلك.

بل في‌ خبر داود بن أبي يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال له رجل : إني أصبت مالا وإني خفت فيه على نفسي ، فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لو أصبته كنت دفعته إليه؟ فقال : إي والله ، قال : فلا والله ما له صاحب غيري ، فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره ، قال : فحلف ، قال : فاذهب وقسمه في إخوانك ، ولك الأمن عما خفت منه ، قال : فقسمه بين إخوانه » بناء على أن المراد لا ولاية لأحد عليه إلا لي من حيث كونه مجهول المالك ، فتأمل جيدا.

بقي شي‌ء : وهو أن ظاهر الخبر المزبور بل وغيره من أخبار اللقطة يقتضي عدم تسلط المالك بعد عدم الرضا بالصدقة على نفس العين لو كانت موجودة في يد من تصدق عليه ، وإنما له الغرم على الفاعل دونه ، وهو مناف لقاعدة الفضولي ، ولعله لكونه وليا على ذلك مأمورا به شرعا ، ومقتضاه حينئذ عدم التخيير له ، ولكن ثبت بالنصوص فتأمل جيد ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦ من كتاب الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٣٦

المسألة ( الثالثة : )

( من وجد في داره أو في صندوقه مالا ولا يعرفه ) أنه له أو لغيره ( فان كان يدخل الدار غيره أو يتصرف في الصندوق سواه فهو لقطة وإلا فهو له ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، كالشيخ والفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى إطلاق الأصحاب ، وفي الرياض نفي ظهور الخلاف فيه.

والأصل فيه‌ صحيح جميل (١) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : رجل وجد في بيته دينارا ، قال : يدخل منزله غيره؟ قلت : نعم كثير ، قال : هذه لقطة ، قلت : فرجل وجد في صندوقه دينارا ، قال : فيدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت : لا ، قال : فهو له » المؤيد بالظاهر مع عدم مشاركة الغير ، فإنه قد يعرض له النسيان.

نعم لو قطع بانتفائه عنه لم يحكم بكونه له ، إذ احتمال أنه رزق جعله الله في ماله لا يعول عليه في مثل ذلك ، بل يمكن منع دلالة الخبر عليه كالفتاوى بعد كون المتيقن منهما حال عدم العلم الذي ليس وراءه شي‌ء ، وعليه المدار في جميع الأحكام.

لكن في الرياض « قد يشكل بعد إطلاق النص والفتوى مع عدم صدق اللقطة على مثله ظاهرا ، فمتابعة الإطلاق لعلها أولى ، ولا ينافيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٣٧

القطع بالانتفاء ، فقد يكون شيئا بعثه الله تعالى ورزقه إياه » وفيه ما لا يخفى.

هذا وفي المسالك « وإطلاق الحكم بكونه لقطة مع المشاركة يقتضي عدم الفرق بين المشارك في التصرف وغيره ، فيجب تعريفه حولا ، وهو يتم مع عدم انحصاره ، أما معه فيحتمل جواز الاقتصار عليه ، لانحصار اليد ووجوب البدأة بتعريفه للمشارك ، فان عرفه دفعه إليه ، وإلا وجب تعريفه حينئذ تمام الحول كاللقطة ».

بل في الرياض بعد أن حكى عن بعض أنه احتمل الأول قويا ـ لأنه بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه ـ قال : « وهو حسن يمكن تنزيل إطلاق النص والفتوى عليه ».

والأصل في ذلك الكركي ، قال : « وينبغي أن يقيد بما إذا كان المشارك غير محصور ، فان كان محصورا وجب تعريف المشارك خاصة ، لكن يشكل كونه ملكا له إذا لم يعرفوه مع كونه لا يعرفه ، ولذلك أطلق الأصحاب ».

قلت : قد يقال : إن الأصل بمعنى الظاهر في كل ما كان في بيته وداره أن يكون له حتى يعلم عدمه ، كما يقتضي به صحيحا (١) الخربة الظاهران في أن المال مع كونها معمورة لهم ، والموثق (٢) يقيدهما بما إذا لم ينكروه بناء على إرادته من‌ قوله عليه‌السلام فيه : « إذا لم يعرفوه » بل لو لا ظهور اتفاق الأصحاب على كونه لقطة مع مشاركة غير المحصور شركة لا تنافي كون اليد له أشكل ذلك بعدم تحقق وصف الضياع فيه ، فلا يجب تعريفه عليه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٣٨

ولعله لذا قال الأردبيلي : « وأيضا ظاهر أن التعريف للمشركين ، ومنه يحتمل كونه لهم على وجه الاعلام لا تعريف اللقطة » وإن كان هو خلاف ظاهر النص والفتوى ، بل وما ذكرناه من الأصل الذي مقتضاه الحكم بكونه له مع فرض كون المشاركة إنما هي في الدخول والخروج ، وإلا فالدار داره واليد يده وكذا الصندوق.

وفي الروضة « لا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما زاد ، لاشتراكهم في اليد بسبب التصرف ـ قال ـ : ولا يفتقر مدعيه منهم إلى البينة ولا الوصف ، لأنه مال لا يدعيه أحد ، ولو جهلوه جميعا فلم يعترفوا به ولم ينفوه فان كان الاشتراك في التصرف خاصة فهو للمالك منهم ، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك ، وإن كان الاشتراك في الملك والتصرف فهم فيه سواء ». ولعله للأصل الذي ذكرناه ، فيتجه حينئذ الاقتصار في الخروج منه على الدار التي يدخلها كثير دون غيرها.

نعم يتجه مع ثبوت اليد الاشتراك ، إلا أن تزيد يد أحدهما على الآخر قوة ، كما أومأ إليه ثاني الشهيدين بما سمعت ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة في غاية الغموض ، وكلامهم فيها غير محرر ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( لا يملك ) الملتقط ( اللقطة ) التي هي مما تبقى ( قبل ) تعريف ( الحول ولو نوى ذلك ) إجماعا بقسميه ، للأصل وغيره ، بل يمكن دعوى القطع بدلالة النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

٣٣٩

الظاهر ضمانه حينئذ بالنية المزبورة ، بناء على أن مثلها خيانة كالوديعة ، أو مقتضية لانتفاء الاذن شرعا في قبضها ولو الاستدامي ، فتكون مضمونة وإن كان له تملكها مع ذلك إذا عرفها التعريف المعتبر مصاحبا للنية المزبورة ، كما ستعرفه إنشاء الله تعالى في الأحكام.

( و ) كذا ( لا ) يملكها أيضا ( بعد ) تعريف ( الحول ما لم يقصد التملك ) بل ويتلفظ بقول : « تملكت » في قول ، بل ويتصرف معها في آخر على ما في المسالك حاكيا له عن الشيخ ، وإن كنا لم نتحققه ، نعم هو محكي عن بعض العامة.

وعلى كل حال فالمراد توقف تملكها بعد تعريف الحول على القصد كما هو خيرة الشيخ في محكي المبسوط وموضعين من الخلاف وابني حمزة وزهرة والتقي والفاضلين والآبي والفخر والشهيدين والكركي وأبي العباس وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الأشهر كنسبته إلى الأكثر في المختلف ، بل في الروضة نسبته إلى المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل هو لازم ما سمعته من التخيير بين الثلاثة الذي قد عرفت ما يدل عليه من الإجماع المحكي والنصوص (١) وغيرهما.

( و ) لكنه مع ذلك ( قيل ) والقائل ابن إدريس : ( يملكها بعد التعريف حولا وإن لم يقصد ) مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم وإن كنا لم نعرفه لغيره صريحا ، نعم في الدروس نسبته إلى ظاهر المقنعة والنهاية وإلى الصدوقين ، بل قال فيها : إنه الأشهر.

ولكن في المقنعة « وإن كان الموجود في غير الحرم عرفه سنة ، فان جاء صاحبه وإلا تصرف فيه الذي وجده ، وهو له ضامن » ونحوها المحكي من عبارة المراسم ولا ظهور فيهما بذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

٣٤٠