جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والفتوى ، بل ربما يكون في بعض الأحوال أولى من جهة عدم خشية التلف عليه.

والمدار في القيمة على يوم الأكل لا يوم الأخذ ولا أعلى القيم ، وهل له ذلك من أول الأمر أو لا بد من التأخير إلى آخر زمان الخوف من الفساد؟ وجهان ، أحوطهما بل أقواهما الثاني ، وعن جماعة الجزم بأنه لا يجوز له إبقاء ذلك حتى يتلف ، فان فعل ضمن ، بل نفى الريب عنه الكركي.

وهو متجه مع إمكان الدفع إلى الحاكم أو البيع على الغير ، أما مع فرض انحصار الأمر في التقويم على نفسه فقد يشكل بأن الأصل يقتضي عدم وجوبه ، والأمر في الخبرين (١) للرخصة ، لأنه في مقام توهم الحظر ، فلا يراد منه الإلزام ، خصوصا مع التضرر بذلك.

هذا كله مع اختياره البقاء عنده ( وإن شاء دفعه إلى الحاكم ) كما صرح به الشيخ والمصنف ومن تأخر عنه ، بل ربما ظهر من التذكرة عدم المخالف فيه إلا أحمد ( و ) لا ينافي ذلك توجه الخطاب إليه في الخبرين (٢) ضرورة ثبوت ولاية الحاكم على مثل ذلك. بل صرح أكثر من عرفت بأنه ( لا ضمان ) معه.

أما التعريف فهو كغيره من اللقطة يقوى عدم سقوطه عنه ، كما صرح به الفاضل ، لإطلاق دليله واستصحابه ، مع احتمال العدم ، بناء على أنه كولي الذات الذي لا تعريف مع الوصول إليه.

وعلى كل حال فظاهر الأصحاب بقاء التعريف في مفروض المسألة ، بل صرح به بعضهم ، لإطلاق دليله الذي لا ينافيه التصرف المزبور فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩ والباب ـ ٢٣ ـ منه الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩ والباب ـ ٢٣ ـ منه الحديث ١.

٣٠١

قبله ، وهو المراد مما في معقد إجماع الغنية السابق لا سقوط التعريف ، كما هو واضح ، فيعرفه حينئذ نفسه دون الثمن الذي هو عوض الملتقط ، والله العالم.

( ولو كان بقاؤها ) أي اللقطة ( يفتقر إلى العلاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى الحاكم ) الذي هو الولي ( ليبيع بعضا وينفقه في إصلاح الباقي ، وإن رأى الحاكم الحظ في بيعه ) أجمع ( وتعريف ثمنه جاز ) كما عن الشيخ والفاضل التصريح بذلك كله.

لكن قد يناقش في تعيين ذلك بما عرفت من ثبوت الولاية للملتقط على فعل ذلك ، ولعله لذا خيره في محكي التحرير والدروس بين ذلك وبين فعله ، بل عن موضع من التذكرة ذلك أيضا ، بل في المسالك هو حسن.

وكيف كان فمن هذا القسم الثوب الذي لا يبقى إلى آخر الحول إلا مع مراعاته بالهواء ونحوه كالصوف ، فيجب حينئذ مراعاته ، إلا أن ما لا يبذل في مقابله أجرة في العادة من العمل يجب على الملتقط تبرعا إن لم يدفعه إلى الحاكم ، والله العالم.

( وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف ، أظهره الجواز مع كراهية ) وفاقا للمشهور ، بل لم يحك الخلاف في الثلاثة إلا عن صريح الحلبي وظاهر الصدوقين وابن حمزة وظاهر سلار في الإداوة وزيادة المخصرة.

وعلى كل حال فلا دليل لهم إلا‌ خبر عبد الرحمن (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النعلين والإداوة والسوط يجده الرجل في الطريق أينتفع به؟ قال : لا يمسه » ونحوه آخر (٢).

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٠٢

وهما وإن أمكن تصحيح سنديهما إلا أنهما مع ذلك قاصران عن إفادتها على وجه يخرج به عن إطلاق ما دل على الجواز مما هو أولى من ذلك مما تكثر قيمته ، كقوله عليه‌السلام في مرسل الصدوق (١) « أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها » وغيره المعتضد بعمل الأصحاب عدا من عرفت.

بل وخصوص‌ حسن حريز (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه ، قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس لهذا طالب » بناء على دخول الثلاثة في‌ قوله عليه‌السلام : « وأشباهه » فضلا عما هو كالتعليل له من‌ قوله عليه‌السلام : « ليس لهذا طالب » وإن كان فيه ما فيه كما تسمعه.

ولكن عليه يستفاد منه عدم الكراهة أو عدم شدتها فيها ، وهو مناف لفتوى المشهور ، اللهم إلا أن يكون وجهه أن فتوى من عرفت بالحرمة يوجب مزيد مرجوحية لالتقاطها وإن لم نقل بها.

بل ربما كان في التقاطها مرجوحية أخرى إذا كانت من الجلود ، بناء على ما ذكره غير واحد من الحكم بكونه ميتة حينئذ وإن لم نقل به نحن إذا كان في أرض الإسلام.

قال في المسالك هنا : « ولا يخفى عليك أن الأغلب على النعل أن يكون من الجلد ، والإداوة بالكسر : هي المطهرة ، وهي تكون من الجلد أيضا ، وكذا السوط أيضا ، وإطلاق الحكم بجواز التقاطها إما محمول على ما لا يكون منها من الجلد ، لأن المطروح منه مجهولا ميتة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٠٣

لأصالة عدم التذكية ، أو محمول على ظهور أمارات تدل على ذكاته ، فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها ، وإطلاق النهي عن مسها يجوز أن يستند إلى ذلك ، إلا أن الأصحاب فهموا منه خلافه ».

قلت : وكفى بفهمهم حجة على أن ما يوجد في أرض الإسلام وفيه أثر الاستعمال محكوم بكونه مذكى ، ومنه خبر السفرة (١) وفي الرياض هنا نسبته إلى اتفاق النص والفتوى ، وحينئذ يتجه عدم الاختصاص بالثلاثة ، بل هو في كل جلد وشبهه.

وقد يقال : إن شدة الكراهة في الثلاثة لاختصاصها بالنهي وإن كان هو جوابا للسؤال عنه ، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن.

بل قد يقال : إن مراد المصنف ونحوه بيان أصل الكراهة في مقابل القول بالحرمة لا شدتها ، نعم يرد ذلك على من صرح بها.

( وكذا ) الكلام في قوله : يكره التقاط ( العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباه هذه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر قيمتها ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك إلا ما يحكى عن الحلبي أيضا من حرمة الشظاظ الذي لم نجد له ما يدل عليه.

بل في الحسنة (٢) المزبورة ما يدل على خلافه ، بل وعلى عدم الكراهة أو شدتها في نحو ذلك بناء على إرادة عدم الاعتناء بها من‌ قوله عليه‌السلام فيها : « ليس لهذا طالب ».

اللهم إلا أن يكون المراد منه أن الناس الملتقطين لا يطلبونه ، لأنه لا اكتساب فيه مع قلة قيمته وكثرة نفعه ، فيكون كلاما مستقلا ، لا أنه كالتعليل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٠٤

وربما يؤيده ما يظهر من المحكي عن المفيد من أن الوجه فيها أن فقدها قد يؤدي إلى هلاك صاحبها ، لأن الإداوة يحفظ ما يقوم به الرمق والحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة والآفات ، والسوط يسير البعير ، فإذا تلف خيف عليه من العطب.

ومنه حينئذ يتجه الكراهة في العنوان المزبور الذي ذكره المصنف وغيره وإن كان هو كما ترى ، ولعل الأولى الاكتفاء بفتوى من صرح بالشدة للتسامح ، وأما ما أرسله في المسالك من النهي فلم نتحققه.

هذا ومن الغريب ما في التنقيح من أن تحقيق المقام في هذه أجمع الحرمة مع بلوغ النصاب ، والكراهة الزائدة على كراهة أصل الالتقاط مع عدمه ، إذ هو كما ترى يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد عرفت سابقا ما يدل على أنه ( يكره أخذ اللقطة مطلقا ) بل في المتن وغيره ( خصوصا للفاسق ) الذي لا يأمن على نفسه القيام بحدودها ، وربما كان في بعض نصوص لقطة الحرم (١) نوع إيماء إليه وإن كان ستعرف ما فيه.

وأما لو علم الخيانة ففي القواعد والدروس وغيرهما الحرمة ، لأن الأخذ الذي يكون وسيلة إلى الحرام حرام.

لكن في التذكرة « إذا علم الخيانة من نفسه حرم ، وأما الأمين في الحال إذا علم أنه إذا أخذها خان فيها وفسق فالأقرب الكراهة الشديدة دون التحريم » ونحوه ما في التحرير من أنه « لو علم الخيانة من نفسه فالأقرب شدة الكراهة لا التحريم ».

وهو كما ترى ، بل في القواعد ولو خان ففي الجواز نظر ، بل في الإيضاح أن الأصح التحريم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢ و ٥ من كتاب الحج.

٣٠٥

وفي جامع المقاصد أنه أولى ، لأن الخوف من الوقوع في المحرم الموجب للنار يجب دفعه باجتناب ما يقتضيه ، ولأن الأمانة لا تليق لمن لا يثق بنفسه ، وإن كان فيه ما لا يخفى من عدم الحرمة ، ولذا جزم بالكراهة في الدروس ، للأصل وعدم معلومية تحقق المانع.

اللهم إلا أن يثبت من دليل خارج في كل ما علم ترتبها عليه بسوء اختياره أو يخاف من ذلك ، كما ذكروه في وجوب النكاح على من يخاف على نفسه الوقوع في المحرم باختياره مع للترك.

بل ذكروه في غير ذلك من قبول الولاية من الجائر وفي تولي القضاء ونحوه ، بل لعل جملة من النصوص تشعر بذلك ، بل ربما كانت ظاهرة فيه أو صريحة.

هذا كله فضلا عن احتمال انسياق إطلاق أدلة الاذن بالالتقاط لغيره ، فيحرم حينئذ للأصل.

وبذلك كله ظهر لك الحال في جميع صور المسألة ، وهي الخيانة حال الالتقاط ، ولا ريب في الحرمة ، والعلم بها بعد ذلك ، والخوف منها بعد ذلك أيضا ، وغيرها.

( و ) كيف كان فقد ذكر غير واحد أنها ( يتأكد ) أيضا ( فيه مع العسر ) الذي قد يكون سببا لعدم وصولها إلى مالكها لو ظهر ، بل صرح بعض بتأكدها فيه أيضا وإن لم يكن فاسقا ، والأمر في ذلك كله سهل بعد التسامح ، وإلا فقد يشكل إثبات الحكم الشرعي بمثل ذلك ، خصوصا بعد‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « عن اللقطة يجدها الفقير هو فيها بمنزلة الغني ، فقال : نعم ، قال : وكان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول لأهله : لا تمسوها » والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

٣٠٦

( ويستحب الاشهاد عليها ) إجماعا في محكي الخلاف وعند علمائنا في محكي التذكرة ، وهو كذلك ؛ فاني لم أجد خلافا بيننا في عدم الوجوب.

نعم عن أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه ذلك ، ولعله للأمر في‌ المروي من طرقهم (١) « من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ، ولا يكتم ولا يغيب » الذي لو لا التسامح في الندب وفتوى الأصحاب به ـ مؤيدا معه بأن فيه صيانة للنفس عن الطمع فيها وحفظا لها عن الخلط بماله لو عرض له عارض ـ لكان قاصرا عن إثباته فضلا عن الوجوب.

وينبغي له أن يعرف الشهود بعض الصفات دون الجميع مخافة شياع أمرها ، وربما احتمل ذكر جميع الصفات حتى يخلص من احتمال تملك الوارث مثلا لو مات ، والأمر في ذلك سهل وإن أطنب فيه بعض العامة ، والله العالم.

( مسائل خمس : )

( الأولى : )

( ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف ، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها ) سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا.

وفي النافع « ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده ».

ومزجه في الرياض « ما يوجد في أرض خربة قد جلا عنها أهلها‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٨٧.

٣٠٧

بحيث لم يعرفوا أصلا ، أو في فلاة : أي أرض قفرة غير معمورة من أصلها ، أو تحت الأرض التي لا مالك لها ظاهرا فهو لواجده ، فيملكه من غير تعريف إجماعا إذا لم يكن عليه أثر الإسلام من الشهادتين أو اسم سلطان من سلاطينه ، وعلى الأقوى مطلقا وفاقا للنهاية والحلي وغيرهما ».

وفي الكفاية بعد أن ذكر الثلاثة التي في المتن قال : « والمشهور عدم الفرق بين أن يكون عليه أثر الإسلام أو لم يكن ».

قلت : لم أتحقق الشهرة المزبورة فضلا عن الإجماع ، إذا المحكي عن المقنع « وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خرابا فهي لك ».

وفي النهاية « اللقطة على ضربين : ضرب منها يجوز أخذه ، ولا يكون على من أخذه ضمانه ولا تعريفه ، وهو كل ما كان دون الدرهم ، أو يكون ما يجده في موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه » ونحوه في التحرير ومحكي السرائر.

وقال فيها أيضا : « وإن وجد كنز في دار انتقلت إليه بميراث عن أهله كان له ولشركائه في الميراث إن كان له شريك ، فان كانت الدار انتقلت إليه بابتياع من قوم عرف البائع إن عرفه ، وإلا أخرج خمسه إلى مستحقه ، وكان له الباقي ، وكذلك من ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة فذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه ممن ابتاع ذلك الحيوان منه ، فان عرفه أعطاه وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس ، وكان له الباقي ، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك أخرج منها الخمس ، وكان له الباقي ».

وفي المقنعة « ومن وجد كنزا في دار » إلى آخر ما سمعته من النهاية.

٣٠٨

وفي الوسيلة « وإن وجد خافيا تحت الأرض في خراب لم يعرف له صاحب أخرج منه الخمس ، والباقي له ، وإن عرف له مالك عرف ، فان عرف رد عليه ، وإن لم يعرف أخرج منه الخمس على ما ذكرنا » إلى آخر ما ذكره.

وعن الغنية « وكذا إن وجد فيما لا يعرف له مالك من الديار الدارسة » وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها.

وعن فقه الراوندي « وما يوجد في موضع خرب مدفونا لا من أثر أهل هذا الزمان ».

وليس في شي‌ء منها ذكر الثلاثة ، والأصل في ذلك‌ صحيح محمد ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به ».

وصحيحه الآخر (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الورق يوجد في دار ، فقال : إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت ».

وفي‌ مرسل الفقيه (٣) « وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خرابا فهي لمن وجدها ».

وقد تقدم موثق إسحاق بن عمار (٤) المشتمل على قضية السبعين درهما التي وجدها في بعض منازل أهل مكة.

وليس في شي‌ء منها ذكر المفازة ، بل لم أعثر عليه في شي‌ء من النصوص سوى ما سمعته من مرسل الفقيه (٥) أيضا « فإن وجدت طعاما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

٣٠٩

في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله ، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة » وبه عبر في المقنعة والنهاية.

وهو غير ما نحن فيه قطعا ، فليس حينئذ إلا إلحاق القسمين بالخربة التي يمكن دعوى استفادة التعليل من تعليق الحكم عليها على وجه يشمل غيرها مما كان نحوها.

ومن هنا قال في الكفاية : « والرواية مختصة بالدار ، لكن لا يبعد استفادة التعليل منها ، فيلزم العموم ، وفيه أيضا تخصيص بالورق ولم أجد أحدا من الأصحاب قال بأحد القيدين ».

وفي الرياض بعد ذكرهما « وأخصيتهما من المدعى ـ باختصاصهما بالورق والموجود في الدار الخربة ، فلا يعمان مطلق اللقطة ، ولا الموجود منها تحت الأرض وفي المفاوز ـ مدفوعة بالإجماع المركب ، مع إمكان اندفاع الأخصية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إياها فيما عداها بطريق أولى ».

وكأنه أخذه من المقدس الأردبيلي ، فإنه بعد أن ذكرهما قال : « والظاهر أن لا خصوصية للورق ، وكأنه إجماع ».

هذا في الخربة ، وكأنه حمل عليه المفاوز ، فإن العلة هي كونها خربة وعدم أهلها فيها كما هو الظاهر منها ، بل المفازة أولى ، إذ الخربة كانت معمورة مسكونة في بعض المدة إلا أنه هلك وانجلى عنها بخلاف المفازة ، فإنها دائما بلا أهل ، وكذا الأرض التي لا مالك لها.

ومعلوم أن هذا الحكم فيما إذا لم يعلم له مالك بالفعل معين ولا غير معين ، وإلا فمع التعيين يجب دفعه إليه ، ومع عدمه لقطة أو مال موجود بيد شخص تعذر صاحبه ، فيتصدق به مثل المال المجهول صاحبه ، ويسمى برد المظالم ، وقد مر مثله مرارا فتذكر.

٣١٠

ومعلوم أيضا أن المراد عدم ملكية الخرابة وإلا فيعرف المالك فالمالك إلى أن ينتهي إلى العارف فيأخذه ، وإلا فهو لواجده ، وفي بعض العبارات « يتصدق به ».

ومن ذلك كله يظهر لك أنه ليس الحكم كما اشتهر في عصرنا لفتوى بعض أجلائه أن جميع ما يوجد في المفازة أي البرية قفرا أو غيرها وفي الدار الخربة وفي الأرض التي لا مالك لها مدفونا لواجده بلا تعريف حتى لو علم مالكه.

بل حكى بعض من أثق به أنه سقط منه في السفر بعض أسبابه فعثر عليه بعض خدامه فجاء به إليه فامتنع منه لصيرورته ملكا لواجده ، بل حكى لي أيضا أنه إذا سقط منه شي‌ء وهو واقف عليه فجاء به آخر إليه لا يأخذه منه حتى يستوهبه.

ولا ريب في أن ذلك كله من تخريب الفقه ، بل يمكن دعوى كون الضرورة على خلافه ، وظني أن من ادعى الإجماع في المقام حكاه على مضمون عبارة المتن من غير تحقيق لها إلا أنه لما رأى بعض الناس كالمقداد في التنقيح وثاني الشهيدين في المسالك جعلا الخلاف في مقابلة التقييد بأثر الإسلام وعدمه فظن الإجماع على الفاقد لأثر الإسلام ، وأن الخلاف منحصر فيما كان عليه أثره ، ثم اختار الإطلاق ، وجعل كل معلوم أنه لأهل ذلك الزمان ضائع منهم في المفازة والديار الدارسة لواجده ، وكذا المدفون في الأرض التي لا مالك لها ظاهرا.

وهذا كله من عدم إعطاء التأمل حقه فيما ذكروه سابقا في السفرة الموجودة في المفازة التي صرحوا بتقويمها على نفسه وأنه يعرف الثمن ، وقد سمعت حكمهم بكراهة التقاط الثلاثة والخبر (١) الوارد فيها ، وأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣١١

يجدها في الطريق الظاهر في طريق الصحاري كما سمعته من عبارة المقنعة.

وقال الفاضل في القواعد : « ولو التقط في الصحراء عرف في أي بلد شاء » ونحوه في التحرير ومحكي المبسوط.

وفي جامع المقاصد تعليله بعدم أولوية بلد على آخر « ولا يجب أن يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ السفر منه ، نعم إن اجتازت قافلة عرفها فيهم ، صرح بذلك كله المصنف في التذكرة ، وقال بعض الشافعية : يعرفها في أقرب البلدان ».

وقال في التذكرة : « ولو التقط في الصحراء فان اجتازت به قافلة تبعهم وعرفها فيهم ، وإلا فلا فائدة في التعريف في المواضع الخالية ، ولكن يعرف عند الوصول إليها ، ولا يلزمه أن يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ السفر منه ، وقال بعض الشافعية : يعرفها في أقرب البلدان إليه ، نعم لو التقطها في منزل قوم رجع إليه وعرفها ، فان عرفوها فهي لهم ، وإلا فلا ، لما‌ روى إسحاق بن عمار (١) « أنه سأل الكاظم عليه‌السلام عن رجل نزل بعض بيوت مكة » إلى آخره.

وفي الدروس « فان التقط في برية عرف من يجده فيها ، وأتم إذا حضر في بلده » إلى غير ذلك من كلماتهم التي ظاهرها المفروغية من ذلك لإطلاق أدلة اللقطة.

واحتمال كون المراد من الصحراء غير المفاوز والأماكن الخربة كما ترى ، فإنه وإن قيل : إن المفازة الأرض المهلكة ، وأنها سميت بذلك تفؤلا بالنجاة ، بل قيل : إن الفلاة كذلك. لكن قد عرفت تعليق حكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣١٢

الطعام عليها في المرسل (١) والمقنعة والنهاية ، ومن المعلوم إرادة مطلق البرية منها ، كما أنه علق حكم الشاة ونحوها على وجودها في الفلاة وليس المراد منها إلا البرية المقابلة للمعمور ، لا خصوص مكان مخصوص من البرية.

على أن من الطرق المستعملة للناس ما هو مفاوز لا كلأ ولا ماء فيها ومهلكة لغير المستعد من غيرها وقد سمعت تصريحهم بوجوب التعريف لما سقط فيها.

بل الظاهر أن كثير من الأراضي كانت مسكونة في الأعصار السابقة كما تشهد به الآثار ، ومقتضى ذلك كون جميع ما يسقط فيها من الناس يحل لواجده ، لأنه الموجود في الخربة وفي المفازة ، وهو شي‌ء من الغرائب نسأل الله تعالى شأنه الإقالة من هذه العثرات.

هذا كله مضافا إلى اختلاف كلماتهم في محل البحث ، فمنها ما سمعته.

ومنها ما في قواعد الفاضل « وما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو لواجده من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا فلقطة على إشكال ، وكذا المدفون في أرض لا مالك لها ».

وفي التذكرة « ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو لواحدة من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا فهو لقطة ، وكذا المدفون في أرض لا مالك لها ، ولو كان لها مالك فهو له قضاء لليد ـ إلى أن ذكر الصحيحين (٢) دليلا على ذلك ثم قال ـ : ولا ينافي هذا ما رواه‌ محمد بن قيس (٣) عن الباقر عليه‌السلام « قضى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة الحديث ٥.

٣١٣

علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها ، فان وجد من يعرفها وإلا تمتع بها » لأنه محمول على ما إذا كان لها مالك معروف أو كان على الورق أثر الإسلام ».

ومقتضاه أن الموضوع في الأول ما لم يكن له مالك معروف ، وهو مما يعلم أنه لأهل الزمان القديم.

وفي التحرير « وكذا ـ مشيرا به إلى ما دون الدرهم ـ ما يجده في موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه ».

وفي التبصرة « وما يوجد في فلاة أو خربة فلواجده ، ولو كان في مملوكة عرف المالك ، فان عرفه فهو له ، وإلا فللواجد ».

وفي الإرشاد « المدفون في الأرض التي لا مالك لها أو المفاوز أو الخربة فهو لواجده ».

وعن المبسوط أنه فصل فقال : « إن كان مدفونا عليه سكة الإسلام فلقطة ، وإلا أخرج خمسه والباقي له » وعن المختلف أنه استحسنه.

وفي الإيضاح بعد أن حكى عن النهاية وابن إدريس عدم التعريف بما يوجد في موضع خرب لصحيح ابن مسلم (١) قال : « وأجاب المصنف بحمله على انتفاء سكة الإسلام أو بعد التعريف حولا ، وذهب في المبسوط إلى أنه لقطة مع أثر الإسلام عليه ، لدلالته على سبق ملك المسلمين ، وهو الأقوى عندي ».

وقال في التنقيح في شرح ما سمعته من عبارة النافع : « هذا قول الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن إدريس ، والمستند رواية محمد مسلم (٢) ـ إلى أن قال ـ : وقال في المبسوط واختاره العلامة : إن كان عليه سكة الإسلام فلقطة ، وإلا أخرج خمسه والباقي له ، وعليه الفتوى ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣١٤

مع وجود الأثر يثبت يد مسلم ، فلا يحل إلا عن طيب نفسه أما مع عدمه فالأصل الإباحة ، وعليه تحمل الرواية ».

وقال أيضا : « في ما يوجد مدفونا في الأرض المملوكة بشراء مثلا أنه يعرف المالك الأول ، فإن عرفه فهو له من غير بينة ولا وصف ، وإلا فاما أن يكون عليه أثر الإسلام أو لا ، والأول لقطة إجماعا ، ويجب تعريفه ، ولا يحل تملكه إلا بعد التعريف ، والثاني للشيخ فيه قولان : أحدهما أنه لقطة ، لانطباق تعريفها عليه ، فيراعى فيه أحكامها من غير اعتبار الدرهم والتعريف فيه ، وثانيهما أنه لواجده ، وعليه الخمس ، والفتوى على ذلك ، لصدق الكنز عليه ، وقد تقدم أن الكنز فيه الخمس ، وهذا تحقيق هذه المسألة ».

وقال في اللمعة : « والموجود في المفازة والخربة ومدفونا في أرض لا مالك لها ظاهرا يملك من غير تعريف إذا لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا وجب التعريف » ونسبه في الروضة إلى الأشهر.

وفي الدروس « وكذا ـ أي دون الدرهم ـ ما يوجد في أرض لا مالك لها أو خربة باد أهلها وإن تجاوز الدرهم ، وقيده في المبسوط ببقاء أثر الإسلام وإلا وجب تعريفه ، وصحيحة محمد بن مسلم (١) مطلقة ، حيث قال : « وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت » ويمكن حملها على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه أثر الإسلام ».

وفي جامع المقاصد في شرح ما سمعته من عبارة القواعد « أي وإن كان عليه أثر الإسلام فإشكال ينشأ من عموم صحيح محمد بن مسلم (٢) ومن أن أثر الإسلام يقتضي سبق يد للمسلمين ، فيكون لقطة يجب تعريفه ، ويشكل بأن أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلمين ، إلا أن يقال : إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣١٥

ضميمة الدار إليه يؤيد كونه للمسلمين ، ولأنه أشهر وأقرب إلى يقين البراءة ، وعليه تنزل رواية محمد بن قيس (١) عن الباقر عليه‌السلام وهو الأقرب ، ويتحقق أثر الإسلام بإحدى الشهادتين إذا كانت مكتوبة عليه ، وكذا اسم سلطان من سلاطين الإسلام ونحو ذلك ، وهذا إذا كان في بلاد الإسلام ، كما سبق في الخمس ».

إلى غير ذلك من عباراتهم التي هي على اختلافها أجنبية عما سمعته من أجلاء بعض أهل العصر ، خصوصا ما اشتمل منها على التفصيل بأثر الإسلام الذي منه يعلم عدم تملك اللقطة التي تكون من أموال أهل هذا الزمن في المفازة والخربة ، ضرورة أولويتها مما عليه أثر الإسلام القديم.

بل ظاهرهم إقعاد قاعدة وهي احترام مال المسلم ، وأنه لا يكون كالمباح نحو مال غيره ، لعموم ما دل (٢) على احترام ماله إلا ما كان بعنوان الالتقاط المعروف.

ولذا اعتبروا في الذي يكون لواجده أن لا يكون عليه أثر الإسلام ، ليستدل به على عدم الاحترام وإن كان في أرض الإسلام ، بخلاف ما كان عليه أثره ، أو فاقد الأمرين ولكن كان في أرضهم الملحق ما فيها أيضا بهم ، فإنه يبقى على الاحترام الذي يناسبه التعريف اللفظي أو غيره مما يخرج به عن كونه مباحا لمن وجده ، نحو الموجود في دار أهل الحرب الذي صرح غير واحد بأنه لواجده وإن كان فيه أثر الإسلام ، تغليبا للأرض على الأثر وإن كان قد يشكل الفرق بينهما بالنسبة إلى ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٩ من كتاب الحج والباب ـ ٣ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣ والمستدرك ـ الباب ـ ١ ـ منه ـ الحديث ١٧ من كتاب الحدود.

٣١٦

كما أنه قد يشكل أصل القول بالتفصيل المزبور بعدم دليل عليه يعارض ما عرفت سوى ما قيل من دلالة الأثر على سبق يد المسلم فيستصحب ، ومن الجمع بين الصحيحين (١) السابقين والموثق (٢) « قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها ، فان وجد من يعرفها ، وإلا تمتع بها » بحمل الأولين على ما لا أثر عليه ، والأخير على ما عليه الأثر.

وفيه ـ مع أن الأثر المزبور قد يصدر من غير المسلم ، وفقد التكافؤ عددا وسندا ، وكون الموثق قضية في واقعة واقتضائه حمل الصحيحين على الفرد النادر ـ أنه لا شاهد عليه.

ومن ذلك يظهر لك أن الجمع بحمل ما في الأولين على ما يوجد في تلك الأماكن مما هو معلوم أو ظاهر في أنه للأعصر السالفة والموثق على الموجود فيها مما هو معلوم أو ظاهر لأهل ذلك الزمان ، ضرورة كونه المناسب للأمر بتعريفها دون الأول الذي يمكن دعوى كونه من غير اللقطة ، لعدم تحقق وصف الضياع فيه ، وإنما هو شي‌ء جعله الشارع لواجده وإن كان عليه أثر الإسلام ، بل لو علم كونه للمسلمين المنقرضين ، ولذا كان العنوان في أكثر كلام الأصحاب « ما يجده » من دون وصف كونه لقطة بالمعنى المتعارف.

وبذلك يظهر لك وجه إلحاق المفاوز والأرض التي لا مالك لها بالخربة التي لا مالك لها ، ضرورة اتحاد الجميع في الحكم المزبور ، بل العامر كذلك أيضا ، ولعل وجه التخصيص غلبة ذلك فيها دونه.

نعم لا فرق بين المدفون وغيره بل يتجه فيما دخل تحت اسم الكنز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٣١٧

من المدفون التفصيل بأثر الإسلام وعدمه ، فالأول لا يملكه واجده ، والثاني لواجده ، وعليه الخمس إن ثبت الإجماع الذي سمعته من التنقيح الذي يشهد له كلامهم في كتاب الخمس حتى ممن أطلق هنا ، كالمصنف وغيره ، فيكون المراد هنا حينئذ ما لا يدخل تحت اسم الكنز ، وإن كان دون ذلك خرط القتاد ، بل لعل الظاهر خلافه كما هو المستفاد من الروضة والمسالك.

بل تقدم لنا في كتاب الخمس (١) تحقيق الحال في ذلك ، وأن القاعدة المزبورة لا تعارض إطلاق الدليل ، نحو الموجود في جوف الدابة والسمكة الذي مقتضى إطلاق ما دل عليهما كونه للواجد ، وأنه من رزق الله تعالى بعد إنكار البائع كونه له في الأول (٢) ومطلقا في الثاني (٣) كما ستعرف.

بل مقتضاه أنه كذلك حتى لو علم كون ما فيها من أموال أهل زمن الواجد إلا أنه غير معين ، بل هو من موضوع اللقطة فضلا عن موضوع المسألة الذي هو معلوم أنه من مال أهل الأعصار السابقة الذي لا يعقل لزوم التعريف فيه بعد القطع بعدم مالك له يعرفه.

وعلى كل حال فما أدري أن المعاصر المزبور من أين أخذ الحكم المذكور مدعيا عليه الإجماع ، حتى اشتهر في البلدان واستباحوا به كثيرا من الأموال التي يجدونها في الفلاة ولو طريق وغيره ، مع أنك قد عرفت الاقتصار على الموضع الخرب في كلام القدماء ، بل وصفهم بكونه قد‌

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٢٩ ـ ٣٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة.

٣١٨

اندرس أهله واستنكر رسمه ، كالصريح في إرادة الموجود فيها مما كان تابعا لها لساكنها.

بل قد عرفت تصريح الراوندي بذلك ، كما أنك قد سمعت ما في مجمع البرهان من كون ذلك من المعلوم ، بل سمعت ما جمع فيه الفاضل في التذكرة بين الصحيحين والموثق.

بل قد عرفت أن أول من زاد المفاوز والفلاة المصنف وتبعه بعض من تأخر عنه ، وأن ذلك لإشعار تعليق الحكم على الخربة بالتعليل المقتضي للتعميم فيما هو كالخربة من المال الذي يعلم عدم كونه لأهل زمن الواجد أو يشهد به الحال ، لا أن المراد ما يكون فيها من أموال الناس الموجودين الذي هو باق على أصل الاحترام وعمومات الالتقاط أو حكم مجهول المالك أو غير ذلك.

نعم ربما تكون مناقشة في الإلحاق المزبور وفي التفصيل بين المدفون وغيره في الأرض التي لا مالك لها أو مطلقا ، كما سمعته من الإرشاد وغيره ، وإن ذكر بعض الوجوه الاعتبارية له ، مثل عدم العلم بكونه من القديم مع فرض كونه على وجه الأرض ، بخلاف ما إذا كان مدفونا ونحو ذلك مما يمكن منعه.

إلا أن ذلك كله لا مدخلية له فيما ذكرناه من تحقيق المقام الذي هو كون المراد من ذلك بيان كون المال الموجود في أمثال هذه الأماكن مما كان مملوكا لأهل الأعصار السالفة لواجده ، كما هو السيرة والطريقة في نقل الآجر وغيره مما يجدونه في خرابات الأوائل والأراضي التي لا مالك لها مخصوص يعتاد الادخار فيها ، ولعل هذه المسألة ليست من اللقطة وإنما هي مسألة مستقلة ذكرت فيها لمناسبة ما.

وليس المراد كل ما يوجد من أموال أهل عصر الواجد ساقطا أو‌

٣١٩

ضائعا في هذه الأراضي أو في المفاوز أو مدفونا في مسجد أو خان أو أرض مفتوحة عنوة أو موات لواجده ؛ ضرورة عدم دليل صالح لقطع ما دل (١) على احترام مال المسلم وأنه كدمه وعرضه ، بل لعل الضرورة على خلافه ، فإنه لم يسمع أن من جملة أسباب الإباحة لأموال الناس المحترمة ذلك.

وما أبعد ما بين ذلك وبين الاقتصار في حل ما دون الدرهم من ماله الضائع منه.

وأطرف شي‌ء ما يحكى من الاستدلال‌ بالصحيح (٢) الذي تقدم في الضالة وهو « من أصاب بعيرا أو مالا في فلاة قد كلت وسيبها صاحبها لما لم تتبعه » إلى آخره الذي قد عرفت إرادة الدابة من المال فيه بقرينة التأنيث ، والإجماع على عدم حل المال بمجرد وجوده في الفلاة ، على أنه ظاهر في الاعراض.

نعم غيره من الخبرين (٣) السابقين ظاهر في ملك من وجد دابة قد تركت من جهد في غير كلأ ولا ماء فأحياها ، وقد ذكرنا أنه أعم من الاعراض ، إلا أنه مخصوص بالحيوان ، فلا يشمل المال الصامت الموجود في فلاة إلا بالقياس الممنوع ، خصوصا مع الفارق بالإحياء الذي أشير إليه في النصوص (٤) المفقود في الفرض.

وبالجملة فالمدار على ما عرفت من حل ما يوجد من المال الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥٢ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٩ من كتاب الحج والباب ـ ١ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٣ والمستدرك ـ الباب ـ ١ ـ منه ـ الحديث ١٧ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٣٢٠