جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وهو تراخى ، وإن كان لا يخلو من نظر.

خلافا لظاهر المتن والإرشاد والتبصرة والمحكي عن الشيخين وسلار وابن حمزة فلا يضمن ، بل في النهاية والغنية التصريح بذلك ، بل في المختلف أنه المشهور ، بل في الغنية الإجماع عليه ، للأصل وظاهر‌ قوله عليه‌السلام : « لك » في المرسل (١) المنجبر بالشهرة المزبورة والإجماع المحكي.

ولا ريب أن الأول أحوط وأولى ، بل يتجه عليه وجوب رد العين لو جاء الطالب كالكثير ، وإجماع الفخر والتنقيح لم نتحققه ، بل لعل المتحقق خلافه ، لإطلاق الخبر المزبور.

هذا وفي الرياض بعد أن نفى الخلاف عن جواز التقاطه والانتفاع به وحكى الإجماع على ذلك عن التنقيح وأرسله عن التذكرة قال : « وهل يجب ضمانه مع ظهور المالك؟ قولان : أحوطهما ذلك ، وفاقا للقواعد والتنقيح وغيرهما ، للأصل وعدم صراحة النصوص في التملك بناء على عدم صراحة اللام فيه ، مع أن بعضها الذي هو المعتبر سندا ـ دون ما تضمن اللام ، لإرساله مع عدم جابر له فيه ـ لم يتضمن عدا نفي وجوب التعريف في هذا المقدار ، وهو لا يستلزم التملك ، لاجتماعه مع جواز التصرف فيه » إلى آخره ، وظاهره عدم التملك وأن المراد من ضمانه رد عينه.

ولا يخفى عليك ما فيه من عدم تحرير المسألة التي قد عرفت أن حاصلها يقع في أمرين : أحدهما في وجوب رد العين مع وجودها وطلبه ، وثانيهما في ضمان المثل والقيمة مع التلف والحق فيهما معا ذلك إن لم يثبت إجماع الغنية المعتضد بالشهرة المحكية ، وكأن الذي أوقعه في ذلك عبارة التنقيح ونحوها ، فإنها غير منقحة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

٢٨١

هذا وظاهر المحكي عن ابن إدريس التفصيل ، فأوجب رد العين مع وجودها ، ونفى الضمان عنه مع تلفها ، فلا تناقض في كلامه إلا مع ثبوت استلزام وجوب الرد الضمان مع التلف وبالعكس ، وله منعه وإن كان التحقيق خلافه بعد أن استظهرنا كونه كالكثير الذي حكمه ذلك.

وأما الدرهم فالأقوى كونه كالزائد في وجوب التعريف ، وفاقا لظاهر الصدوق والمفيد والنهاية والحلي ، بل صريح الخلاف وابن زهرة والفاضل والشهيدين وأبي العباس والمقداد وغيرهم. بل في محكي الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم ، بل هو من معقد عموم إجماع الغنية أيضا ، لإطلاق ما دل عليه ، وخصوص مفهوم الخبرين (١) السابقين والصحيح (٢) « عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة ، قال عليه‌السلام : يعرفه سنة ».

خلافا للمحكي عن سلار وابن حمزة والتقي ، فجعلوه كدون الدرهم ، ولم نقف لهم على دليل وإن قال في النافع : « فيه روايتان » إلا أنا لم نتحقق الرواية الدالة على عدم تعريفه ، ويمكن تنزيله على إرادة روايتين دالتين على التعريف وإن كان هو كما ترى.

والظاهر أن المدار على حال الالتقاط ، فلو كان دون الدرهم حينه ثم بلغ قيمته أزيد بعد ذلك أو بالعكس لم يتغير الحكم ، لأنه المنساق من الأدلة.

هذا كله في غير الحرم ، أما فيه فظاهر إطلاق جماعة الحرمة ، بل في الروضة نسبة الإطلاق المزبور إلى الأكثر ، بل في غيرها مستفيضا حد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩ والباب ـ ٤ ـ منه الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٨٢

الاستفاضة نسبته إلى الشهرة.

بل مقتضاه عدم الفرق بين نية التملك وعدمها ، ونية الإنشاد وعدمها ، لكن في اللمعة حرمة الالتقاط بنية التملك قليلا أو كثيرا ، وجوازه بنية الإنشاد ، بل قيل : إنه خيرة الخلاف.

بل عنه وعن المبسوط إجماع الفرقة وأخبارهم على عدم الجواز بنية التملك ، ونفي الخلاف ـ بل قيل : أي بين المسلمين ـ عن الجواز ، للتعريف والحفظ لصاحبها.

وظاهر الغنية عدم الفرق بين لقطة الحرم وغيره إلا بعدم جواز التملك في الأول وعدم لزوم ضمانها إذا تصدق بها ، بل لعل ذلك من معقد إجماعه ، بل لعله الظاهر من المقنعة ، بل قيل : ونحوه في المراسم إلا أن ظاهره كما هو المحكي عن القاضي الانتفاع بما دون الدرهم من دون تعريف.

بل ظاهر المتن عدم الخلاف فيه ، لأنه جعل مورد الخلاف غيره ، قال بعد ما سمعت ( وما كان أزيد من ذلك فان وجد في الحرم قيل ) والقائل من عرفت ( يحرم أخذه ، وقيل : يكره ، وهو أشبه ) بل ظاهره عدم الكراهة فيه ، كما هو المحكي عن موضع من المبسوط والخلاف ، بل وعن ظاهر لقطة السرائر ، بل هو ظاهر لقطة النافع وكشف الرموز ، بل هو صريح الدروس وكذا الروضة ، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة واخبارهم.

وأما القائل بكراهة الأزيد فهو الصدوق ووالده وأبو علي والتقي والمفيد والشيخ وبنوا حمزة وزهرة وإدريس والآبي والفاضل في بعض كتبه والشهيدان والخراساني والكاشاني على ما حكي عن بعضهم ، بل عن السرائر هو الحق اليقين ، بل قد سمعت ما عن الخلاف والمبسوط والغنية ، إلى‌

٢٨٣

غير ذلك من كلماتهم المختلفة حتى من المصنف الواحد في الكتاب الواحد في الحج بشي‌ء وفي اللقطة بآخر.

ومحصل الجميع الحرمة مطلقا من غير فرق بين الدرهم وأقل منه وأزيد. ، وبنية الإنشاد وعدمها ، وبنية التملك وعدمها ، والكراهة كذلك ، والتفصيل بين الأقل من الدرهم وغيره ، فيجوز الأول بلا كراهة والثاني معها أو مع الحرمة ، وبين نية التملك ، فلا يجوز مطلقا ، وبنية الإنشاد فيجوز كذلك ، وبين الفاسق والعدل ، فيحرم على الأول ويحل الثاني.

وأما التملك ففي المختلف « لا يجوز تملك لقطة الحرم إجماعا ، بل يجب تعريفها » وفي التذكرة « لا يجوز تملكها عند أحد من علمائنا أجمع » لكن عن التقي القول بجواز تملكها بعد التعريف ، وربما مال إليه بعض من تأخر عنه.

والتحقيق الجواز في الأقل من الدرهم ولو بنية التملك وإن كان لا يخلو من كراهة في الجملة ، لإطلاق ما دل على جوازه مما عرفت الذي لا يعارضه إلا إطلاق ما سمعته من النهي (١) المحمول على الكراهة ، بل حتى لو قيل على الحرمة ، ضرورة كون التعارض من وجه ، ولا ريب في ترجيح الأول ولو لما سمعته من إجماع الخلاف المؤيد بما سمعته من ابن إدريس وإشعار المتن وغيره ، بل قد يدعى انصراف الإطلاق المزبور إلى غيره.

وأما الأزيد فلا إشكال في الحرمة مع نية التملك قبل التعريف أو بعده بناء على عدمه فيها مطلقا ، فالالتقاط معها حينئذ خيانة محرمة نحو الالتقاط معه قبله في غير الحرم.

أما لا معه فالظاهر شدة الكراهة ، وخصوصا إذا كان فاسقا لا يثق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٨٤

من نفسه بتعريفها ، لما سمعته من نفي الخلاف في محكي المبسوط والخلاف عن الجواز بنية الإنشاد وإجماع الغنية ، وقوله في السرائر أنه الحق اليقين ، وعن التذكرة نفي الخلاف عن جوازها للمنشد لأنه أمانة.

بل لعله على ذلك تجتمع النصوص من الطرفين ، ففي‌ النبوي (١) « لا تحل لقطتها ـ أي مكة زادها الله شرفا ـ إلا لمنشد » أي معرف ، وفي آخر (٢) « لا يحل ساقطها إلا لمنشد ».

وفي حسن الفضيل بن يسار (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجد اللقطة في الحرم ، قال : لا يمسها ، وأما أنت فلا بأس لأنك تعرفها ».

وخبره الآخر (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن لقطة الحرم ، فقال : لا تمس أبدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها ، قلت : فان كان مالا كثيرا ، قال : فان لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها ».

وإليهما نظر من اعتبر العدالة ، ولكن لا دلالة فيهما على ذلك ، كما ستعرفه إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف لذلك.

وخبر علي بن حمزة (٥) عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي أن يأخذه ، قلت : قد ابتلى بذلك ، قال : يعرفه ، قلت : فإنه قد عرفه فلم يجد له باغيا ، قال : يرجع به إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن ».

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٩٩.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٩٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٥ من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ عن علي بن أبي حمزة.

٢٨٥

ومرسل إبراهيم بن أبي البلاد (١) قال الماضي أي العسكري عليه‌السلام : « لقطة الحرم لا تمس بيد ولا برجل ، ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها » الذي هو مع ضعفه قد ورد مثله في لقطة غير الحرم (٢) المعلوم أن المراد به الكراهة.

وخبر يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى ، فقال : أما بأرضنا فلا تصلح ، وأما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ، ثم هي كسبيل ماله ».

وخبر اليماني (٤) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « اللقطة لقطتان : لقطة الحرم تعرف فان وجدت صاحبها وإلا تصدق بها ، ولقطة غيرها تعرف سنة ، فان وجد صاحبها ، وإلا فهي كسبيل مالك ».

وخبر سعيد بن عمر الجعفي (٥) قال : « خرجت إلى مكة وأنا من أشد الناس حالا ، فشكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فلما خرجت من عنده وجدت على بابه سبعمائة دينارا ، فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته ، فقال : يا سعيد اتق الله عز وجل ، وعرفه في المشاهد ، وكنت رجوت أن يرخص لي ، فخرجت وأنا مغتم ، فأتيت منى ، فتنحيت عن الناس ، ثم تقصيت حتى أتيت المأفوقة ، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس ، ثم تقصيت حتى أتيت المأفوقة ، فنزلت في بيت متنحيا عن الناس ، ثم قلت : من يعرف الكيس؟ قال : فأول صوت صوته إذا رجل على رأسي يقول : أنا صاحب الكيس ، قال : فقلت في نفسي :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ١.

من كتاب الحج.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٤.

من كتاب الحج.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٨٦

أنت فلا كنت ، قلت : ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته فدفعته إليه ، قال : فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها ، ثم عد منها سبعين دينارا ، فقال : خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما فأخذتها ، ثم دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فأخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت ، فقال : أما أنك حيث شكوت إلى أمرنا بثلاثين دينارا ، فيا جارية هاتيها ، فأخذتها وأنا من أحسن الناس حالا » بناء على أن ذلك قد كان في مكة.

وخبر الفضيل بن غزوان (١) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له الطيار : إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحق كتابته ، قال : هو له ».

وقد تقدم ما في‌ مرسل الفقيه (٢) : « إن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك ، لا تعرفها ».

وخبر محمد بن رجاء الخياط (٣) قال : « كتبت إلى الطيب عليه‌السلام إني كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا بآخر ، ثم نحيت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها وعرفتها ولم يعرفها أحد ، فما ترى في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : إني فهمت ما ذكرت من أمر الدنانير ، فان كنت محتاجا فتصدق بثلثها ، وإن كنت غنيا فتصدق بالكل ».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بالجواز من النظر فيها وترك التعرض في جملة منها للنهي عن ذلك ، والتعبير بلفظ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٧ ـ من كتاب الحج.

٢٨٧

« لا يصلح » و « لا ينبغي » والتعليل بالتعريف والتفصيل بأنه « لا يأخذها إلا مثلك » واتحاد التعبير عنها مع التعبير عن لقطة غير الحرم المعلوم كون ذلك منه للكراهة ، لعدم القائل بالحرمة أو ندرته ، بل يمكن دعوى القطع بفساده أو الضرورة فضلا عن الإجماع وغير ذلك مما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم ورموزهم الذي‌ ذكروا فيه أنه « لا يكون الفقيه فقيها حتى نلحن له في القول فيعرف ما نلحن له » (١) فان سردها أجمع يشرف الفقيه المزبور على القطع بجواز الالتقاط ، ولكنه مكروه أشد من الكراهة في غير الحرم ، إلا إذا كان مأمونا فلا كراهة أو هي أخف.

ومن الغريب ما في الرياض من إتعاب نفسه وشدة أطنابه في بيان تنقيح دلالتها على الحرمة بعد دعوى انجبار أسانيدها بالشهرة الظاهرة والمحكية والاعتضاد بالأصل قال : « ولا ينبغي وإن أشعر بالكراهة إلا أن « بئس ما صنع » أظهر دلالة على الحرمة منه على الكراهة ، على أن استعمالها في الحرمة أو الأعم شائع ، لا أنها صريحة فيها ، ودلالة « إن لا يأخذها إلا مثلك » غير نافعة للقائلين بالكراهة ، لعدم تفصيلهم بين الفاسق والعدل ، نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين بالحرمة ، فتكون ضارة لهم لا نافعة ، ونصوص النهي عن مطلق اللقطة تؤيد الحرمة التي هي الأصل في النهي ، والخروج عنه في لقطة غير الحرم للإجماع وغيره لا يقتضي الخروج عنه فيه ، ولو سلم إرادة غير الحرم منه لندرة الحرم بالنسبة إلى غيره التي تمنع من حمل الإطلاق عليها فلا يقتضي الخروج عن حقيقة النهي هنا ، وخبر « لا يصلح » ظاهر في‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٥ من كتاب القضاء ، مع اختلاف في اللفظ.

٢٨٨

أرض منى خاصة ولا قائل به ، فليطرح أو يؤل بحمل « لا يصلح » على الحرمة ، ويلحق مكة وما في الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، ولا محذور ، ولا كذلك لو بقي على ظاهرها من الكراهة ، إذ عدم القول بالفرق المزبور إنما يتم به الكراهة في لقطة جميعه ، ولا يدفع محذور اختصاصها به ، فان مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره ، ولا قائل به ، وحمل « لا يصلح » على تأكد الكراهة وإن أمكن ويندفع به هذا المحذور إلا أنه مجاز كالحمل على الحرمة لا يمكن اختياره خاصة إلا بعد قرينة معينة هي في الرواية مفقودة ، اللهم إلا أن يقال : إنه أقرب المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو الحقيقة ، لكنه معارض بظهور الروايات السابقة في الحرمة مع اشتهارها بين الطائفة ، كما اعترف به هو وغيره وأخبارهم عليهم‌السلام يكشف بعضها عن بعض ، فان لم يكن الحمل بهذا راجحا على الحمل الآخر فلا أقل من التساوي بينهما ، وهو يوجب الإجمال المنافي للاستدلال ».

إلا أن الجميع كما ترى ، ولعل الذي دعاه إلى هذا التجشم تخيله الشهرة ، وقد عرفت أنها غير محققة ، بل عرفت دعوى الإجماع من الشيخ وغيره على عدم الحرمة على الوجه الذي ذكره.

والمناقشات المزبورة ـ مع أن فيها ما فيها بل الأخير منها واضح الفساد بعد ما عرفت من أن الخبر سأله وهو بمنى ، لا أن اللقطة بخصوص منى ـ لا تنافي انسياق الجواز من مجموعها على وجه لا ترفعه المناقشات المزبورة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فبناء على جواز الالتقاط في الحرم ( لا يحل إلا مع نية الإنشاد ) لظاهر النبويين السابقين (١) المستفاد منهما أيضا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٩٩.

٢٨٩

خصوصية الحرم بالنسبة إلى ذلك.

ولكن قد يقال : إن المراد عدم جواز التملك ، وإلا فلا فرق بين الحرم وغيره في عدم جواز الالتقاط مع عدم نية التعريف ، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير المقتصر في الخروج منها على المنساق المتيقن ، وهو المجامع لنية الإنشاد.

اللهم إلا أن يقال : بإطلاق الإذن بالالتقاط وإطلاق وجوب التعريف من دون تقييد الأول بالثاني وإن وجب العزم عليه باعتبار كونه من أحكام الإيمان ، فيفرق حينئذ بين لقطة الحرم وغيره بذلك ، ولذا اقتصر المصنف عليه فيه دون غيره.

ولكن فيه أنه يمكن التزام ذلك فيهما معا بعد ما عرفت من كون المراد بالنبويين عدم التملك لا ما نحن فيه ، خصوصا بعد إشعار خبر الكيس بذلك في الجملة.

( و ) على كل حال فلا خلاف في أنه ( يجب تعريفها حولا ( كاملا خ )) بل في الغنية الإجماع عليه ، بل قيل : لعله الظاهر من الخلاف أيضا ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص وإلى ما جاء في التعريف في مطلق اللقطة ، بل لعل في التعريف إشعارا بجواز الالتقاط وإلا لم يقيد بالسنة ، وليس هو تعريف اللقطة ، لما عرفته من كون المحرمة من قسم العدوان ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك للنصوص المزبورة ، وفيه أن حملها على الجواز مع التعريف أولى من حملها على الحرمة معه ، كما هو واضح.

وعلى كل حال ( فان جاء صاحبها ) دفعها إليه ( وإلا تصدق بها أو استبقاها أمانة ، وليس له تملكها ) بلا خلاف أجده في الأخير إلا ما سمعته من المحكي عن التقي الذي قد تقدم الإجماع من الفاضل على خلافه.

٢٩٠

مضافا إلى الأصل المعتضد بخلو كثير من النصوص المزبورة ، بل ظاهر بعضها (١) أو صريحه ذلك وأنه الفارق بين الحرم وغيره.

ومكاتبة ابن رجاء (٢) يمكن حملها على أن ذلك إذن منه بعد العلم باليأس عن معرفة المالك.

وكذا خبر الفضيل بن غزوان (٣) ومرسل الفقيه (٤) اللذين لم نجد بهما عاملا على غير الوجه المزبور إلا ما حكي عن نادر.

وإطلاق ما دل على التملك في مطلق اللقطة مع أن المنساق منه في غير الحرم مقيد بما عرفت.

وأما التخيير المزبور فقد صرح به الشيخ وابنا زهرة وإدريس والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في المسالك أنه المشهور ، بل في الغنية الإجماع عليه ، لكن لم أجده في شي‌ء مما وصل إلى من النصوص.

نعم في الخبرين (٥) السابقين الأمر بالتصدق الظاهر في التعيين كالمحكي عن اقتصار المقنع والمقنعة والنهاية والمراسم ، اللهم إلا أن يقال بقرينة الإجماع المزبور يحمل الأمر على الوجوب التخييري ، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته في الشاة.

ولعل التخيير المزبور المحكي عن بعض القائلين بالحرمة أيضا ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٧ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ والباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٤ من كتاب الحج.

٢٩١

أو صريح في جواز الالتقاط ، ضرورة المنافاة بين حرمته وإبقائها أمانة التي اعترف غير واحد بالتعبير بها من القائلين بالكراهة والتحريم ، والله العالم.

( ولو تصدق بعد الحول فكره المالك فيه قولان ، أرجحهما ) عند المصنف ( أنه لا يضمن ) للأصل ، و ( لأنها ) في يده ( أمانة وقد دفعها دفعا مشروعا ) فلا يتعقبه ضمان ، وفاقا للشيخين في المقنعة والنهاية وابني حمزة وزهرة وسلار والآبي والفاضل وأبي العباس وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل في النافع أنه الأشهر ، بل في الغنية ومحكي الخلاف الإجماع عليه وإن كنا لم نتحقق الثاني منهما.

لكن في الكفاية أن الأشهر الضمان ، بل في المسالك أنه المشهور ، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب ، بل في محكي السرائر أنه الحق اليقين ، ولعله لخبر ابن حمزة (١) المنجبر بما عرفت ، وعموم « على اليد » (٢) وأولويته منه في لقطة غير الحرم ، بل ينبغي القطع به بناء على الحرمة في صورة العمد ، ضرورة كون يده حينئذ عادية ، ويتم بعدم القول بالفصل في غير صورة العمد.

ومن ذلك يعرف ما في إطلاق القائل بالتحريم أن العين أمانة ، واحتمال إرادته حرمة نفس الالتقاط وإن صارت أمانة بعد ذلك كما صرح به الفخر كما ترى ، إذ هو استيلاء على مال الغير بلا إذن شرعية ولا مالكية ، وليس العدوان إلا هذا ، ولا ينافيه الأمر بالصدقة به مع الضمان وإن كان ذلك كله مؤيدا للقول بالكراهة ، كما أومأنا إليه سابقا ، وعدم تعقب المأمور به شرعا الضمان لو سلم كون الأصل كذلك يدفعه الخبر (٣) المزبور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ وهو خبر ابن أبي حمزة.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ وهو خبر ابن أبي حمزة.

٢٩٢

المنجبر بما عرفت ، فيكون كلقطة غير الحرم.

ومن الغريب ما في جامع المقاصد ، فإنه بعد أن ذكر القولين واختار الضمان منهما قال : « هذا إن أخذ المال على قصد الالتقاط ـ يعني التملك والاكتساب ـ فإن أخذه على قصد الحفظ للمالك فالذي يحضرني أن المصنف في التذكرة قال : إن أخذها على هذا القصد جائز ، وادعى الإجماع ، فعلى هذا يضمن أم لا؟ ينبغي الضمان » ضرورة ظهور بعض كلام الأصحاب أو جميعه في بناء الضمان وعدمه على قولي الحرمة والكراهة.

قال في التحرير الذي هو غالبا محط نظره بعد أن ذكر القول بالحرمة والكراهة : « وعلى التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنية الإنشاد ، ولا يجوز أخذه بنية التملك لا قبل الحول ولا بعده ، فإن أخذه على هذا الوجه كان ضامنا ، وإن أخذ بنية الإنشاد وجب عليه التعريف سنة ، فان جاء صاحبه وإلا تخير بين احتفاظه دائما وبين الصدقة ، فإن تصدق به ففي الضمان قولان ، أقربهما يضمن » وبذلك كله بان لك أن الضمان أقوى.

نعم لو اختار حفظها فتلفت بلا تعد ولا تفريط اتجه عدم الضمان على المختار ، لكونها حينئذ أمانة كغيرها ، بل صرح غير واحد من القائلين بالتحريم بذلك أيضا ، معللين له بأنها أمانة وأنه محسن ، فلا سبيل عليه ، وقد عرفت ما فيه من الاشكال.

وفي جامع المقاصد في شرح قول الفاضل : « لا ضمان مع اختيار الاحتفاظ » : « أي بعد التعريف ، لأنه محسن ، هذا إن كان أخذه لها على قصد الحفظ واضح ، فأما إن أخذها على قصد الالتقاط فكيف تكون يده يد أمانة مع أنه عاد بأخذها ، ويمكن أن يقال : إن الالتقاط لا يقتضي التملك جزما ، ولهذا لا يملك لقطة غير الحرم بعد التعريف إلا بالنية‌

٢٩٣

واللفظ على الخلاف ، فلا يدخل في ضمانه من أول الأمر ، لأن مجرد أخذ اللقطة لا ينافي الحفظ دائما ، فحينئذ يكون أخذ لقطة الحرم غير مناف للحفظ والأمانة وإن حرم من حيث إن الالتقاط اكتساب ، ويشكل على هذا كون الأخذ محرما ، فكيف يكون أمانة ».

ولكنه كما ترى ، ولا يبعد كون العبارة غلطا ، وإلا فشأنه أجل من ذلك ، إذ قد عرفت ضمان لقطة الحرم بنية التملك من أول الأمر.

وإنما الكلام فيما إذا التقطها بنية الإنشاد وقد عرفها حولا ولم يتصدق بها بل اختار احتفاظها ، فان قلنا بالحرمة اتجه الضمان للعدوان ، وإلا فالمتجه عدمه ، للأمانة والإحسان ، فالكلام المزبور أجنبي عن ذلك.

ثم إنه لم أجد من ذكر هنا أن من التخيير له أن يدفعها إلى الحاكم الذي جعلوه بحكم ولي الذات ، فيتجه حينئذ براءته من الضمان مع فرض العدوان بالتقاطها ، نحو ما سمعته منهم في التقاط البعير الممنوع عن التقاطه ، ولعلهم تركوه اتكالا على ما ذكروه هناك ، وإن كان قدمنا الكلام معهم فيه ، والله العالم.

هذا كله في لقطة الحرم.

( وإن وجدها ) أي لقطة الأزيد مما دون الدرهم ( في غير الحرم عرفها حولا ) مع إرادة التملك بعده أو مطلقا كما ستعرف البحث فيه ( إن كان ) الملتقط ( مما يبقى كالثياب والأمتعة والأثمان ) ونحوها مما لا يفسد ببقائه في الحول المزبور ، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في كشف الرموز ، بل عن الخلاف والمبسوط والغنية وظاهر التذكرة الإجماع عليه ، للمعتبرة المستفيضة (١) التي فيها الصحيح وغيره وقد مر جملة منها في تضاعيف المباحث السابقة وتأتي أخرى إنشاء الله تعالى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

٢٩٤

بل يمكن دعوى القطع بذلك منها وإن لم يكن على جهة التواتر المصطلح.

( ثم هو مخير بين تملكها وعليه ضمانها ، وبين الصدقة بها عن مالكها و ) لكن ( لو حضر المالك وكره الصدقة لزم الملتقط ضمانها إما مثلا أو ( وإما خ ل ) قيمة ، وبين إبقائها في يد الملتقط أمانة لمالكها من غير ضمان ) إلا بتعد أو تفريط ونحوهما في مدة الحول ، كما صرح بذلك الشيخ وابن زهرة والفاضل والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في الغنية ومحكي الخلاف الإجماع عليه.

نعم عن المقنع الاقتصار على جعلها كسبيل المال بعد التعريف ، وعن المقنعة والمراسم الاقتصار على ذكر التصرف المراد به الملك ، وعن الوسيلة التخيير بين التصرف والحفظ لصاحبها لا غير ، وفي النهاية ومحكي السرائر الاقتصار على التملك والصدقة ، بل في الأخير إجماع أصحابنا على ذلك ، وأنه الحق اليقين ، بل منع من الإبقاء أمانة ، وقال : « إنه مذهب الشافعي ـ إلى أن قال ـ : إن التخيير بين الثلاثة خلاف مذهبنا وقول أصحابنا ورواياتهم ».

بل مقتضى ما حكاه في الدروس عنه الانحصار في التملك ، قال فيها : « وقيل : يملكها بعد الحول بغير نية ولا اختيار ويضمن » وهو ظاهر النهاية والمقنعة وخيرة الصدوقين وابن إدريس ناقلا فيه الإجماع.

وفي الخلاف « لا بد من النية واللفظ فيقول : قد اخترت تملكها ».

وفي المبسوط « تكفي النية ، والروايات محتملة للقولين ، وإن كان الملك بغير اختياره أشهر ، وتظهر الفائدة في اختيار الصدقة والنماء المتجدد والجريان في الحول والضمان ، ثم هل يملكها بعوض يثبت في ذمته أو‌

٢٩٥

بغير عوض ثم يتجدد بمجي‌ء مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين ، والأقرب الأول ، فيلحق بسائر الديون » انتهى.

ولا ريب في حصول الملك القهري بتمام التعريف حولا بناء على ما حكاه عنه ، فلا صدقة عن المالك بها ولا أمانة ، لكنه خلاف ما حكاه غيره عنها ، كما أن ما حكاه من الأشهر لم أتحققه.

بل في المختلف والتذكرة والمسالك والروضة وغيرها حكاية الشهرة بخلافه ، بل في الغنية الإجماع على ذلك ، وستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله عند تعرض المصنف له.

وكيف كان فلا إشكال في استفادة الفرد الأول منها من النصوص ، مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه.

ففي‌ خبر أبي خديجة (١) السابق المتقدم في المملوك « ينبغي للحر أن يعرفها سنة في مجمع ، فإذا جاء طالبها دفعها إليه وإلا كانت في ماله ، فان مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه ، فان لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم ، إن جاء لها طالب دفعوها له ».

بل قيل بإرادة الملك من كل خبر اشتمل على كونها بعد التعريف « كسبيل المال » نحو‌ خبر داود بن سرحان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في اللقطة يعرفها سنة ثم هي كسائر ماله » وخبر حنان بن سدير (٣) « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة وأنا أسمع ، قال : تعرفها سنة ، فان وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها ، وقال : هي كسبيل مالك ، وقال : خيره إذا جاء بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٩٦

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها بالنسبة إلى ذلك وإن كان لا يخلو من نظر ، كما ستعرفه في ما يأتي إنشاء الله تعالى في المسألة الرابعة.

وأما الثاني فكذلك أيضا ، ففي‌ خبر حفص بن غياث (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرده عليه؟ فقال : لا يرده عليه ، فان أمكنه أن يرده على أصحابه فعل ، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها ، فيعرفها حولا ، فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم ، فان اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم فله الغرم ».

وفي‌ خبر كثير (٢) « سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن اللقطة ، فقال : يعرفها ، فان جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولا ، فان لم يجي‌ء صاحبها أو من يطلبها تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له ، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له » إلى غير ذلك.

وأما الثالث فيدل عليه ـ مضافا إلى الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة ـ صحيح ابن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن اللقطة فقال : تعرفها سنة ، فان جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك حتى يجي‌ء لها طالب ، فان لم يجي‌ء لها طالب فأوص بها في وصيتك » بناء على أن المراد بجعلها عرض المال حفظها فيه من غير عزل لها عنه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٠.

٢٩٧

قال الكاشاني : « أي في جملته وفي ما بينه ، من غير مبالاة بترك عزلها عنه ، فان مثل هذه اللقطة تستعمل في مثل هذا المعنى ، يقال : يضربون الناس عن عرض : أي لا يبالون من ضربوا ، وفي حديث ابن الحنيفة (١) « كل الجبن عرضا : أي اعترضه واشتره ولا تسأل عمن عمله ».

وصحيح علي بن جعفر (٢) « سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال : يعرفها سنة ، فان لم يعرف جعلها في عرض ماله حتى يجي‌ء لها طالب فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها ، وهو لها ضامن » بناء على إرادة أن ردها إذا جاء الطالب في عهدته من الضمان ، لا أن المراد قيمتها في ذمته وهي ملك له ، فإنه لا يناسب ما سبق من الحديث.

كل ذلك مضافا إلى انسياق الإباحة من الأمر بالصدقة والتملك باعتبار ورودهما في مقام توهم الحظر.

وإلى معلومية عدم وجوب التملك عليه بالقيمة والصدقة مع الضمان ، بل لعل الإبقاء أمانة من الإحسان الذي لا اعتراض عليه فيه ، بل قد يدعى أن ذلك هو الأصل فيها.

وإلى ما تقدم في الضالة والإنفاق عليها التي يمكن دعوى كون المقام أولى منها بذلك.

هذا ولكن في الرياض « أن الثالث لم يرد به نص ، كأصل التخيير بينه وبين أحد الأمرين ، لظهور النصوص الواردة فيها في تعين أحدهما لا التخيير مطلقا ، إلا أنه قيل : يفهم الإجماع عليه في التذكرة ، فإن تم وإلا كان مشكلا ، لما يأتي من الخلاف في توقف التملك على النية أو‌

__________________

(١) الوافي المجلد الثالث ـ ج ١٠ ص ٤٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٩٨

حصوله قهرا ، وعليه لا معنى للإبقاء أمانة ».

قلت : ولا الصدقة عن المالك بعنوان أنه ماله ، على أنك ستعرف إنشاء الله تعالى ما في القول المزبور ، والله العالم.

هذا كله إذا كانت اللقطة مما تبقى حولا.

( و ) أما ( لو كانت مما لا يبقى كالطعام ) والرطب الذي لا يثمر والبقول ونحوها ( قومه على نفسه وانتفع به ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ل‌ خبر السكوني (١) بل قوية « عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين ، قال : تقوم ما فيها ثم يؤكل ، لأنه يفسد وليس له بقاء » إلى آخره.

وفي آخر (٢) « فان وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله ، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة ».

نعم قد يقال بعدم اعتبار التقويم على النفس وإن كان هو المذكور في كلام الأكثر ـ بل لم يذكر أحد قبل الفاضل بيعه على غيره ـ واشتمل عليه ما في الخبرين الذي يمكن تنزيل أولهما عليه.

لكن معقد إجماع الغنية التصرف فيه والتعليل في الأول واحتمال جريان التقييد مجرى الغالب من عدم وجود غيره في المفازة والقطع بعدم الفرق بينه وبين غيره يؤيد الأول.

ولذا صرح الفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم بجواز بيعه وحفظ ثمنه ، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع على التخيير بين البيع وتعريف الثمن وبين التقويم والتملك والتعريف حولا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

٢٩٩

وكأنه فهم ممن تقدمه إرادة المثال من التقويم على النفس ، إلا أن مقتضى ذلك عدم اعتبار كون البيع من الحاكم.

لكن فيها « لا يجوز له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم لأنه مال الغير ، ولا ولاية له عليه ولا على مالكه ، فلم يجز بيعه إلا له كغير الملتقط » بل قال فيها : « إذا باع بدون إذنه مع وجوده كان البيع باطلا ».

وهو وإن كان أحوط إلا أن مقتضى إرادة المثالية في النص والفتوى جواز تولي ذلك مطلقا ، كما يقومه على نفسه من غير إذن الحاكم ، بل لعل ثبوت ولاية التملك له والصدقة بعد التعريف يومئ إلى ذلك.

بل لعل ثبوتها له مع تعذر الحاكم يومئ إليه أيضا ، ضرورة عدم ثبوتها في غير المقام لغير الحاكم مع تعذره ، بل يبقى الشي‌ء معطلا ، إلا إذا حصل عدول المؤمنين وقلنا بثبوت ولايتهم حينئذ.

بل قد عرفت سابقا منا قوة القول بما يستفاد من صحيح الجارية (١) المشتمل على حل بيعها لمن التقطها بما أنفق عليها.

ودعوى أن التقويم على النفس يحتاج إلى الحاكم أيضا مع وجوده فلا يتم الاستظهار المزبور يدفعها ظهور النص والفتوى في خلافه ، حتى من التذكرة التي هي العمدة في الخلاف قد أطلق فيها جواز الأكل له مع التقويم ، واعتبر الحاكم في البيع.

ولذا أشكله الكركي بعدم الفرق بينهما في الاشتراط وعدمه وإن قال : إن مراجعة الحاكم فيهما أوجه لكن فيه ما لا يخفى. ومنه يعرف النظر فيما في الرياض من انسحاب الخلاف إليه.

وعلى كل حال فلا ريب أن الثمن حينئذ أمانة مع قبضه لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط ، وله عدم إفرازه عما في ذمته ، لإطلاق النص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

٣٠٠