جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

احتمال الإثم في الالتقاط ، ووجوب الدفع إلى الحاكم ، وليس لأحد انتزاعه من يده.

وبذلك ظهر لك أن التقاط العبد يكون على وجوه : مع الاذن سابقا أو لاحقا ، إذن استنابة أو رفع الحجر ، ومع النهي ، ولكن لم يحرروا موضع الخلاف مع أبي علي في أي حال ، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح الحال.

وسيأتي في لقطة المال ما له مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله تعالى ، كما أنه يأتي هناك بيان حكم المبعض.

أما المكاتب فالظاهر عدم وقع للخلاف فيه ، ضرورة قابليته للائتمان والتملك وإن كان يأتي أيضا تحقيق ما لو عاد إلى الرق في الأثناء.

نعم لا فرق بين القن والمدبر وأم الولد فيما ذكرناه من الحكم ، لكن في كشف الرموز جواز التقاط الأخيرين كالمكاتب بلا تردد ، وهو كما ترى ، والله العالم.

( وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده أنه ( لا ) يشترط وفاقا لجميع من تعرض له من الأصحاب ، بل اعترف في المسالك بأنه لم ينقل فيه خلاف ، ولعله لاندراجه في نصوص اللقطة لكونه أهلا لجميع ما تضمنته من التعريف والإبقاء أمانة والتملك بالقيمة وغير ذلك.

( وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة ) للأصل وغيره ، كما تقدم في اللقيط فضلا عن المقام ، وما تسمعه من اعتبار الائتمان على التعريف في لقطة الحرم محمول على ضرب من الندب.

نعم الظاهر عدم جوازه للمرتد عن فطرة ، لعدم قابليته للتملك ، وفي جامع المقاصد « لو التقط بني على أنه لو حاز المباحات هل تنتقل إلى‌

٢٦١

ورثته أم لا؟ فيجوز انتزاعها من يده لكل أحد ، فمهما حكم به هناك يأتي مثله هنا ».

قلت : قد تقدم في محله أولوية عدم قابليته لابتداء التملك من الاستدامة ، والله العالم.

( الثالث في الأحكام )

( وهي مسائل : )

( الأولى : )

( إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة ) من بيت المال أو يأذن له في ذلك وكان هو قد اختار حفظها للمالك ولو لعدم مشتر بالقيمة مثلا أو غير ذلك ( أنفق من نفسه ) بلا خلاف أجده فيه ، بل قال بعضهم. إنه طفحت به عباراتهم من دون تأمل ولا خلاف.

بل في جامع المقاصد « لا ريب فيه لوجوب الحفظ ، ولا يتم إلا به ، بل قيل أيضا : إنه طفحت عباراتهم بأن السلطان إذا وجد رفع أمره إليه ، وأنفق عليه من بيت المال ، وصرح به في المقنعة والنهاية والسرائر والنافع والتحرير واللمعة والمهذب والمقتصر والمسالك والروضة ».

قلت : قد تقدم في اللقيط ما يعلم منه النظر في المقام الذي لم يذكروا فيه الاستعانة بالمسلمين مع فقد الحاكم المنفق التي ذكروها هناك.

كما أنه لم يذكروا فيهما استئذان عدول المؤمنين مع فقد الحاكم ، بل‌

٢٦٢

لم يحرروا أن الواجب على الحاكم أو المسلمين التبرع بذلك أو الإنفاق ولو مع نية الرجوع.

وقد عرفت عدم الدليل على الأول ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، والثاني لا يقتضي وجوب رفع أمره إلى الحاكم بعد أن كان هو أمينا على الحفظ الذي لا يتم إلا بذلك كالودعي.

ولعل خلو نصوص (١) الرجوع بالنفقة في ملتقط الطفل عليه من الحاكم وغيره شاهد على ما ذكرناه ، إذ الظاهر عدم الفرق بين نفقة الضالة واللقيط بعد أن كان كل منهما نفسا محترمة والملتقط مكلف بحفظهما معا.

وفي‌ صحيح أبي ولاد (٢) « جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه ، فقال عليه‌السلام : لا ، لأنك غاصب ». ومقتضاه رجوع غير الغاصب بما ينفق.

وعلى كل حال ففي المتن وغيره أنفق ( ورجع به ) بل هو المشهور ، لكن مع نية الرجوع أو مع عدم قصد التبرع به ، كما حققنا ذلك في اللقيط.

لكن عن الفخر هنا أنه متى أوجب الشارع النفقة أو أمره المالك أو الحاكم فشرط رجوعه عدم قصد التبرع ، ويكفي فيه البناء على الأصل وإن لم توجد هذه الثلاثة ولا واحد منها وجازت النفقة شرعا ولم تكن من إذن المالك أو الحاكم فلا بد فيه من قصد نية الرجوع ، وإلا فلا رجوع له.

وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من كتاب الإجارة ـ الحديث ١.

٢٦٣

( و ) كيف كان فقد ( قيل ) والقائل ابن إدريس : ( لا يرجع لأن عليه الحفظ ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق ) ولفظه المحكي عنه « الذي ينبغي تحصيله في ذلك أنه إن كان انتفع بذلك قبل التعريف والحول وجب عليه أجرة ذلك ، وإن كان انتفع بلبنه وجب عليه رد مثله ، والذي أنفقه عليه يذهب ضياعا ، لأنه بغير إذن من صاحبه ، والأصل براءة الذمة ، وإذا كان بعد التعريف والحول لا يجب عليه شي‌ء ، لأنه ماله ».

ولم أجد من وافقه على ذلك ، بل فيه ما لا يخفى من محال النظر ، خصوصا الحكم بكونه ماله بعد التعريف والحول ، مع أن المعلوم عدم دخوله في ملكه قهرا ، بل إن شاء تملكه بقيمته فعل ، فيأتي البحث حينئذ مع عدم الاختيار. بل وكذا قوله : « يذهب ضياعا » إلى آخره ، ضرورة منافاته لقاعدة الضرر والضرار وقاعدة الإحسان.

( و ) من هنا كان ( الوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر بالالتقاط ) المقتضي للتقاعد عن الالتقاط المضر باللقطة ومالكها ، والوجوب مسلم لكنه مجانا ممنوع ، بل لعل الإذن المستفادة من أمر المالك الحقيقي بالحفظ أولى منها في الوديعة ونحوها مما صرحوا بوجوب الرجوع مع نيته أو مع عدم نية التبرع.

كل ذلك مضافا إلى النصوص (١) المتقدمة في اللقيط التي منها يستفاد الحكم في المقام ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

٢٦٤

المسألة ( الثانية : )

( إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة قال ) الشيخ ( في النهاية : كان ذلك بإزاء ما أنفق ) ولعله لخبر السكوني (١) المتقدم في كتاب الرهن في العين المرهونة‌ عن الصادق عليه‌السلام « إن الظهر يركب ، والدر يشرب ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة إذا كان مرهونا ».

وصحيح أبي ولاد (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « وإن كان الذي يعلفها فله أن يركبها ».

وصحيح ابن محبوب (٣) المتقدم سابقا في اللقيطة « ولكن استخدمها بما أنفقت عليها ».

إلا أن الأول في المرهون الذي هو غير ما نحن فيه ، ولا دلالة فيه على المعاوضة التي ذكرها الشيخ ـ كالصحيحين ـ على وجه ترفع به اليد عن القواعد المعلومة المقررة المستفادة من العقل والكتاب والسنة والإجماع.

( و ) من هنا ( قيل : ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصان ) فلا يظلم أحدهما الآخر.

( و ) لا ريب في أنه ( هو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ولذلك كان هو خيرة جميع من تأخر عن المصنف.

نعم فيه أن المقاصة مشروطة بشروط ذكرناها مفصلة في كتاب القضاء ، ولكن لم نر أحدا اعتبر شيئا منها هنا ، بل في الروضة ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الرهن ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الرهن ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٢٦٥

النص والفتوى جواز الانتفاع لأجل الإنفاق سواء قاص أم جعله عوضا ، بل في الروضة نفي الخلاف عنه ، وهو كذلك ، ولعله لظاهر النصوص المزبورة ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( لا تضمن الضالة بعد الحول ) على وجه تكون ملكا له بقيمتها ( إلا مع قصد التملك ) بالقيمة ( و ) حينئذ ف ( لو قصد حفظها ) لا تملكها ( لم يضمن إلا مع التفريط أو التعدي ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأنها حينئذ أمانة ( و ) حكمها كذلك.

نعم ( لو قصد التملك ) بالقيمة ( ثم نوى الاحتفاظ لم يزل الضمان ) للأصل ، فهي حينئذ باقية على ملكه وعليه قيمتها ، للاقتصار على فسخ ذلك بمجي‌ء المالك وطلبه لها.

( و ) لكن ( لو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزم الضمان ) الذي هو بمعنى كون قيمتها في ذمته وصيرورة العين ملكا له ، لإطلاق ما دل على جواز ذلك ، وليس اختياره إذا الحفظ أولا مقتضيا لعدم جواز التملك له ، كما هو واضح.

هذا وفي التذكرة « لو قصد الملك ضمن ، فان نوى الحفظ بعد ذلك لم يبرأ من الضمان ، لأنه قد تعلق الضمان بذمته ، كما لو تعدى في الوديعة ، ولو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزمه الضمان من حين نية التملك ».

وكأن ما في المسالك هنا مأخوذ منه ، قال : « حيث جاز الالتقاط فالعين في يد الملتقط أمانة مع قصد التعريف ، فلو قصد التملك بدونه‌

٢٦٦

ضمن لعدوانه ، كما لو نواه بالوديعة ، وكذلك لو نوى التملك بعد التعريف المعين ، لانتقالها إلى ملكه حينئذ على وجه الضمان بناء عليه ، ولا يزول الضمان مع التملك بنية عدمه ، سواء كان قبل تمام التعريف أم بعده ، أما الأول فلأن نية العدوان لا تزول إلا برده إلى مالكه ، كما لو تعدى بالوديعة ثم نوى الحفظ ، وأما الثاني فلأن ملكه لا يزول عن العين بذلك ، فيستمر ضمان العوض ».

قلت : بعد تسليم كونه نية التملك في غير محلها توجب الضمان ، باعتبار كونها خيانة مقتضية لانقطاع الإذن الشرعية على نحو اقتضائها انقطاع الاذن المالكية في الوديعة ، لا يتم فيما نحن فيه بناء على ما ذكرناه من عدم ضالة عندنا لا يجوز تملكها إلا بعد الحول حتى الكلاب الأربعة ، فلا يتصور فيه حينئذ ضمان الخيانة ، ضرورة أن له نية التملك في أثناء الحول وإن وجب عليه التعريف لغرامة القيمة لو كان قد أتلف العين ، نعم يتصور ذلك فيما لا يجوز تملكه إلا بعد الحول ، فلو قصده قبله كان خيانة على نحو الوديعة ، ولعلهما بنيا ذلك على القول به أو في خصوص الكلاب عند القائل ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

( قال الشيخ ) في المحكي من مبسوطه ( إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان كالضالة الممتنعة ) المحفوظة لصاحبها التي قد عرفت عدم جواز التقاطها ، فمن فحوى دليلها يستفاد العدم ، بل لعله أولى.

( و ) من هنا ( لو كان صغيرا ) لا يمنع الآفات عن نفسه‌

٢٦٧

( جاز أخذه ) كما يجوز أخذ الصغير الممتنع.

( و ) في المتن ( هذا حسن ، لأنه مال معرض للتلف ) لكن قد سلف له سابقا إطلاق جواز التقاط المملوك ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا.

وفي المسالك « تفصيل الشيخ بالفرق بين الكبير والصغير إنما يحسن إذا لم يخف على الكبير الذهاب على مالكه بالإباق ، وإلا اتجه جواز أخذه إن لم نوجبه ، لأنه وإن كان منحفظا بنفسه لكنه غير منحفظ على مالكه ، فكان كالمال الضائع الذي يخاف تلفه في نفسه ، وأما الصغير فان كان غير مستقل بدفع المؤذيات عن نفسه فلا إشكال في جواز التقاطه ، بل وجوبه ، وإن كان مميزا يقدر على الدفع عن نفسه فالأظهر إلحاقه بالكبير ، وقد أطلق المصنف كالشيخ جواز أخذه من غير أن يتعرض لجواز تملكه وعدمه ، وفيما سبق صرح بعدم تملكه ، وقد تقدم البحث في ذلك ».

قلت : قد ذكرنا الكلام في ذلك ، لكن نقول هنا : إن العمدة في عدم جواز التقاط الكبير الفحوى المزبورة التي لها قد ألحقوا بالبعير غيره كما عرفته مفصلا ، إلا أنه مع عدم تماميته في الكبير الذي لا يدفع الآفات عن نفسه لجنون أو خبل أو نحوهما كما أومأنا إليه سابقا قد يفرق بينهما بالاختيار الذي يخشى من سوئه إتلاف نفسه على سيده بخلاف البعير ونحوه.

نعم لو فرض كون العبد مثلا عاقلا عالما بتكليفه عاملا به مسارع في إيصال نفسه إلى سيده قد يشكل التقاطه ، لما هو أولى من الفحوى المزبورة ، أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من ملاحظة جهة المالية فيه ، فيلتقط وإن كان لا يتملك كتمليك اللقطة ، بل يجب حفظه وتعريفه أو إيصاله إلى الحاكم.

٢٦٨

لكن كل ذلك بعد تحقق وصف الضياع فيه على وجه يدخل في موضوع اللقطة. وربما كان في الصحيح (١) المزبور شهادة على ما ذكرناه ، بل منه يمكن أن يخرج عن مقتضى الفحوى المزبورة حتى في العاقل المزبور ، فلا حظ وتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( من وجد عبده ) أو دابته مثلا ( في غير مصره ) في يد آخر ملتقط أو غيره ( فأحضر ) فيه ( من شهد على شهوده بصفته ) فان فرض إمكان انطباقها على وجه يقتضي التشخيص دفع إليه وإلا ( لم يدفع إليه ، لاحتمال التساوي في الأوصاف و ) حينئذ ( يكلف إحضار الشهود ) إن أراد أخذه ( ليشهدوا بالعين ) كي يستحق انتزاعها.

( ولو تعذر إحضارهم لم يجب ) على من في يده ( حمل العبد إلى بلدهم ) خصوصا إذا كان على ظاهر الملكية له ( ولا بيعه على من يحمله ) إليها ، لعدم ثبوت حق عليه. ( و ) لكن ( لو رأى الحاكم ذلك صلاحا ) في مثل العبد الملتقط ونحوه إذا رجع أمره إليه ( جاز ) حينئذ.

وفي المسالك التعبير عن المعنى المزبور « ولا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود على وصفه ليشهدوا على عينه ، لأن الحق لم يثبت بعد على المتشبث ، فلا يكلف نقل ماله بغير إذنه ، ولا على بيعه على المدعي أو غيره ليحمله إلى الشهود ، لتوقف البيع على رضا البائع إلا ما استثنى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٢٦٩

إلا أن يرى الحاكم صلاحا في أحد الأمرين ، ويرى جوازه كذلك ، فله حينئذ أن يأمر به ، وخالف في ذلك بعض الشافعية ، فجوز للحاكم بيعه من المدعي ، ويقبض الثمن ويضعه عند ثقة أو يكفله ، فان حكم للمدعى به بطل ورد الثمن إليه ، وإلا فالبيع صحيح ».

قلت : لا سبيل للحاكم في التكليف فيهما مع فرض كون العبد على ظاهر ملكية المتشبث ، وما حكاه عن بعض الشافعية إن كان المراد منه فعل الحاكم ذلك قهرا على المالك فهو من الغرائب ، وأغرب منه لو كان مراده ذلك في صورة الصلاح ، ضرورة اعتبار مراعاة القوانين الشرعية في ما للحاكم فعله.

( و ) كيف كان ف ( لو تلف قبل الوصول أو بعده ولم تثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد وأجرته ) إذا كان قد قبضه على وجه يكون مضمونا عليه كذلك ، وإلا فلا وجه للضمان ، كما هو مقتضى إطلاق المصنف بل والمسالك.

قال : « وحيث يرى الحاكم صلاحا في حمله فهو مضمون على المدعي ، فان تلف قبل الوصول أو بين يدي الحاكم ولم تثبت دعواه لزمه القيمة والأجرة ، وحينئذ فللمتشبث الامتناع إلا بكفيل على العين أو القيمة والأجرة ».

قلت : وفيه أيضا أن الامتناع المزبور مشروط بما إذا لم يكن من رأي الحاكم عدم ذلك ، اللهم إلا أن يقال : إن وجه الضمان بعد إرادة الحمل بيد المدعي‌ عموم « على اليد » (١) نحو ضمان المقبوض بالسوم ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالذي تقتضيه القواعد العامة ما ذكرناه ، دون‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

٢٧٠

ما قيل من احتمال جواز الحكم بالصفات وإن لم يشخص ، لدعاء الضرورة إلى ذلك ، أو احتمال ذكر القيمة دون الصفات ؛ أو احتمال سماع البينة ولا يحكم عاجلا ، بل ينتظر اتفاق اجتماع الشهود على عينه ، وفائدته نفوذ الحكم معجلا موقوفا تمامه على شهادة الشهود بالعين ، بخلاف الأول الذي يتوقف الحكم على شهود العين.

وتظهر الفائدة فيما لو تعذر الحكم بموت أو غيره قبل وقوف شهود العين عليه ، فإنه لا يقدح في الحكم على الأخير ، ولا أثر له على الأول.

إلا أن الجميع كما ترى لا يستأهل ردا ، كما هو واضح ، والله العالم.

( القسم الثالث )

( في اللقطة )

بالمعنى الأخص التي هي قسم منها بالمعنى الأعم ( وهو يعتمد على بيان أمور ثلاثة : )

( الأول )

( اللقطة ) لغة وعرفا ( كل مال ) غير الحيوان الذي هو القسم الثاني ( ضائع أخذ ولا يد عليه ) ولو يد ملتقط سابق ، فإنه وإن صدق عليه أنه مال ضائع إلا أنه سبقت عليه يد الالتقاط.

٢٧١

وبذلك يظهر لك وجه الحاجة إلى القيد الثاني الذي هو لا يغني عن الأول ، ضرورة صدقه بدونه على مجهول المالك الذي لا يد عليه ، ولكنه غير ضائع من مالكه.

وحينئذ فالفرق بين موضوعي مجهول المالك واللقطة هو اعتبار صدق اسم الضياع من المالك في الثاني دون الأول ؛ بل الأصل عدم ترتب أحكام اللقطة مع عدم تحقق اسم الضياع.

ولذا قال في جامع المقاصد : لا بد منه فيها ، فليس منها حينئذ ما يؤخذ من يد السارق والغاصب ونحوهما ، لعدم صدق اسم الضياع من المالك ، كما ستسمع تحقيق الحال فيه عند تعرض المصنف له.

نعم الظاهر كفاية شاهد الحال فيها ، فمتى لم يكن لم يحكم بأنه لقطة ، ولعله لذا أمر بالصدقة بمثله في‌ موثق إسحاق بن عمار (١) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحو سبعين درهما مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : فاسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها ، قلت : فان لم يعرفوها ، قال : يتصدق بها ».

وأما دعوى أصالة الحكم باللقطة في كل مال لا يد عليه وإن لم يعلم تحقق وصف الضياع فيه ولو بشاهد الحال فلا أجد لها شاهدا ، بل لعل ظاهر الأدلة خلافها ، ضرورة كون العنوان فيها اللقطة وهي عرفا ولغة المال الضائع لا مطلق ما لا يد عليه من المال وإن لم يعلم كونه ضائعا.

بل الظاهر عدم جواز أخذ المال المزبور مع عدم مظنة تلفه ، لأصالة حرمة الاستيلاء على مال الغير بعد عدم اندراجه في عنوان المأذون شرعا في تناوله ، فإذا قبضه كان له ضامنا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٢٧٢

وكذا لا يدخل فيها كل مال وقع في اليد لشخص مثلا ثم ضاع مالكه على وجه لا يعرفه ، ولعل من ذلك ما في‌ خبر العبيدي عن يونس (١) « سألت عبدا صالحا عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة وارتحلنا عنهم ، وحملنا بعض متاعهم بغير علم ، وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم ، وقد بقي المتاع عندنا فما نصنع به؟ قال : فقال : تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة ، قال يونس : فقلت له : لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال : فقال : بعه واعط ثمنه أصحابك ، قال : فقلت : جعلت فداك أهل الولاية ، قال : نعم ».

إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة حكم ما لا يدخل تحت اسم اللقطة من المفقود والمجهول الذين يلحق بهما ما يتعذر وصوله إلى مالكه ، وقد عقد لبعضها في الوافي بابا متصلا بباب اللقطة عنوانه « باب المال المفقود صاحبه ».

والبحث هنا في ما كان مندرجا تحت اسم اللقطة التي قد عرفتها لغة وعرفا ، وأنه مما يعتبر فيها الالتقاط والأخذ ، فلو رآها وأخبر غيره بها فالتقطها كان حكمها على الآخذ دون من رأى وإن تسبب منه ، ضرورة صدقه عليه كالاحتطاب والاصطياد دونه بلا خلاف ولا إشكال ، بل لو قال له : ناولنيها فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دونه أيضا.

بل قد يشكل جريان الحكم على الآمر لو لم ينو وناولها إياه بناء على عدم ثبوت مشروعية التوكيل في نحو ذلك ، فيجري الحكم حينئذ على‌

__________________

(١) ذكر قريبا منه في الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ بإسناده عن الشيخ ( قده ) ورواه الكليني ( قده ) بعينه في الكافي ج ٥ ص ٣٠٩.

٢٧٣

الآخذ دون الآمر وإن نوى أنه له.

ولعله لذا قال في القواعد : « ولو قال : ناولنيها فان نوى الآخذ لنفسه فهي له ، وإلا فللآمر على إشكال » إذ ليس هو إلا من حيث صدق الالتقاط على الآخذ وإن نواه لغيره ، فان ذلك لا يخرجه عن كونه آخذا وملتقطا ، إلا إذا ثبت مشروعية التوكيل فيه كي يكون فعله فعله شرعا ، فيكون الآخذ هو الآمر مع نية أنه له ، وقد سلف لنا في كتاب الوكالة (١) ما يعلم منه تحقيق الحال.

كما أنه قد ذكرنا في كتاب إحياء الموات (٢) أن حيازة المباحات توجب الملك بمجرد تحقق مسماها وإن لم يقصده ، بل وإن قصد عدمه.

ولا يرد عدم تملك الصائد الدرة في جوف السمكة مع الجهل بها في النصوص الكثيرة (٣) لإمكان منع صدق الحيازة فيه ، لأن المحوز السمكة دون ما في بطنها الذي استيلاؤه عليه شبه استيلاء النائم ونحوه على الشي‌ء فإذا الحيازة لا بد من قصدها ، وهي غير قصد التملك.

نعم في جامع المقاصد « لا بد من أن لا يقصد الآخذ عدم التملك ، فلو حول شجرا أو حجرا مباحا في الطريق من جانب إلى آخر قاصدا بذلك تخلية الطريق ونحو ذلك فدخوله في ملكه بمجرد هذا مستبعد جدا ومثله ما لو نحى المال الضائع من جانب إلى آخر ، فإنه ينبغي أن لا يكون ملتقطا وإن ضمن مال الغير ، لإثبات اليد عليه على إشكال في هذا ».

قلت : بل ينبغي القطع بعدمه ، للصدق لغة وشرعا وعرفا ، بل‌

__________________

(١) راجع ج ٢٧ ص ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) راجع ص ٦٥ ـ ٧٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب اللقطة.

٢٧٤

لعل‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا تمسها » مشعر بذلك أيضا ، بل هو كذلك حتى لو وافقناه على ما ذكره في تحويل الشجر والحجر وإن كان التحقيق خلافه.

نعم لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فدفعه برجله ليتعرفه لم يكن ملتقطا على الظاهر بل ولا ضامنا ، لعدم صدق « على اليد » فيه ، لا أقل من الشك ، والأصل البراءة.

وما في بعض النصوص (٢) من النهي عن المس باليد والرجل محمول على إرادة بيان شدة النهي عنها ، لا أنه بالمس بالرجل يكون ملتقطا ، نعم لو تحقق الأخذ بذلك تعلق به حكم الالتقاط ، ولا يسقط عنه بطرحه.

وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي خديجة (٣) : « كان الناس في الزمن الأول إذا وجدوا شيئا فأخذوه احتبس ، فلم يستطع أن يخطو حتى يرمي به ، فيجي‌ء صاحبه من بعده فيأخذه ، والناس قد اجترؤوا على ما هو أكبر من ذلك ، وسيعود كما كان » محمول على إرادة رميه وانتظاره حتى يجي‌ء صاحبه أو على نحو ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا.

هذا وقد يشك أيضا في جريان حكم اللقطة على ما يوجد من الثياب المشتبهة والنعال كذلك في حمام أو مسجد أو غيرهما إذا لم يكن قرينة على الضياع فضلا عما لو كانت بعكسه ، كأخذ الجيد وترك الردي.

لكن في القواعد « ولو وجد عوض ثيابه أو مداسه لم يكن له أخذه ، فإن أخذه عرفه سنة إن شاء ، إلا أن يعلم بشاهد الحال أنه تركه عوضا فيجوز أخذه من دون تعريف ». ونحوه في التحرير وإن ذكر الأخير احتمالا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ وفيه « لا تمسوها ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٦.

٢٧٥

وفي الدروس « ولو وجد عوض ثيابه أو مداسه فليس له أخذه إلا مع القرينة الدالة على أن صاحبه هو آخذ ثيابه بكونها أدون وانحصار المشتبهين ، ومع عدم القرينة فهي لقطة ».

والأصل في ذلك كله ما في التذكرة « لو أخذت ثيابه في الحمام ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك بدله لم يملكه بذلك ، ولا بأس باستعماله إن علم أن صاحبه تركه عوضا ، ويعرفه سنة ، أي إذا لم يعلم أن صاحبه تركه عوضا ـ إلى أن قال ـ : إلا أن يعلم أن السارق قصد المعاوضة بأن يكون الذي تركه أردأ من الذي سرقه ، وكان لا يشتبه على الآخذ بالذي له ، فلا يحتاج إلى التعريف ، لأن مالكها تركها قصدا والتعريف إنما جعل للضائع عن صاحبه ليعلم به ويأخذه ، وتارك هذا عالم به وراض ببدله عوضا عما أخذه ، فصار كالمبيح له أخذه بلسانه ، وهو أحد وجهي الحنابلة ، ولهم آخران : أحدهما الصدقة ، والثاني الدفع إلى الحاكم ليبيعها ويدفع ثمنها إليه عوضا عن ماله ، وما قلنا أولى ، لأنه أوفق بالناس ، لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه ، لحصول عوضها له ، وللسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع ، وقد أبيح لمن له على انسان حق من دين أو غصب أو غير ذلك أن يأخذ من مال من عليه الحق بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك ».

بل في جامع المقاصد القطع بذلك ، قال في شرح المستثنى منه من عبارة القواعد : « لو كان في الحمام أو المسجد أو نحوهما فلم يجد ثيابه أو مداسه أو فراشه ولكن وجد مثل المفقود لم يكن له تملكه عوضا عما ذهب له ، لأنه مال الغير ، فلا يحل من دون طيب نفسه ، وقول المصنف رحمه‌الله : ولو وجد عوض ثيابه إلى آخره لا يريد به على قصد العوض ، أما أخذه لقطة فجائز قطعا ، فإن أخذه لم يكن إلا لقطة ،

٢٧٦

فيجب تعريفه سنة إن كان درهما فصاعدا ، فإذا عرفه تملكه إن شاء ، فان جاء المالك قاصه بماله وترادا الفضل إن أوجبنا العوض ورضي الملتقط بجعل ماله عوضا ، وإلا ترادا وكان للملتقط المطالبة بالأجرة والنقص دون الآخر ».

ثم قال في شرح المستثنى بعد أن حكي عن التذكرة ما يناسبه : « ولقائل أن يقول : إن تم ما ذكره من الدلالة على المعاوضة لم يكن للمأخوذ ما له التصرف في هذه الحالة إلا إذا رضي بتلك المعاوضة ، ومن الممكن أن لا يرضى ، لأن الفرض أن ماله أجود ، فكيف يستقيم إطلاق جواز التصرف على ذلك التقدير ، ثم إنه لا يجوز أن يتصرف بها مطلقا ، سواء شهد الحال بأخذ الآخذ على قصد المعاوضة أو غلطا ، لأن الآخذ غاصب ، فيجوز للمأخوذ ماله التصرف في مقداره للحيلولة ، فإن أمكنه إثبات ذلك عند الحاكم رفع الأمر إليه ليأذن له في الأخذ على الوجه المذكور ، وإلا استقل به على وجه المقاصة ».

ثم اعترض على ما ذكره أخيرا من كونه أرفق بالناس بأن « ما ذكرناه أنفع وأرفق ، لأنه شامل لجميع صور الأخذ كما لا يخفى. ثم إن الأخذ على جهة المقاصة لا يتوقف على رضا من عليه الحق ، فلا يشترط شهادة الحال بقصد المعاوضة كما ذكره ، وما استشهد به من أخذ من له على انسان دين أو حق إنما ينطبق على ما ذكرناه ، نعم إن جوز أن يكون الآخذ غير صاحب المتروك فالمتروك لقطة قطعا ، إلا أن مقتضى كلامه التعويل على القرينة الدالة على أن الآخذ هو المتروك ماله ، وما أحسن عبارة الدروس بالنسبة إلى هذا » ثم حكاها كما سمعتها.

قلت : لا يخفى عليك ( أولا ) ما في الحكم باللقطة مع عدم القرينة على تعمد الترك ، ضرورة عدم تحقق الضياع مع فرض احتمال ذلك احتمالا مساويا.

٢٧٧

و ( ثانيا ) ما في الحكم بالمقاصة معها إذا لم يحصل منها العلم باشتغال ذمته ، بل قد يقال باعتبار تحقق ذلك حال المقاصة ، أما مع احتمال عدم العدوان ودفع ما في يده إلى الحاكم الذي هو الولي المقتضي للبراءة عندهم فلا يخلو من إشكال ، خصوصا مع النظر إلى مخالفتها للقواعد المقتضي للاقتصار فيها على المتيقن ، فتأمل جيدا.

و ( ثالثا ) ما في أخذ قيمة الحيلولة مع احتمال الغلط بناء على مخالفتها للأصول ، والمتيقن منها في صورة العدوان ، كالغصب والسرقة ، ولعله لذا فرضها في ذلك في التذكرة.

و ( رابعا ) ما في دعوى كونه معاوضة مع التراضي ، اللهم إلا أن يكون من الإباحة بالعوض ، إلى غير ذلك مما يظهر لك بالتأمل فيما ذكرنا ، والله العالم.

وكيف كان ( فما كان ) قيمته ( دون الدرهم ( درهم خ ل )) من اللقطة في غير الحرم ( جاز أخذه والانتفاع به ) على وجه الملك ( بغير تعريف ) بلا خلاف أجده فيه.

بل في التذكرة « لا يجب تعريفه ، ويجوز تملكه في الحال عند علمائنا أجمع » بل في موضع آخر منها « لا نعلم خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريف ».

وفي الغنية الإجماع على جواز التصرف فيه من غير تعريف.

وفي محكي الخلاف إجماع الفرقة على أنه لا يجب تعريفه ، وفي كشف الرموز نفي الخلاف عن ذلك إلى غير ذلك مما يراد من التعبير بالانتفاع به وحل التصرف ونحوهما التملك.

لكن في القواعد « لو تملك ما دون ثم وجد صاحبه فالأقرب وجوب دفعه إليه ، لأصالة بقاء ملكية صاحبه عليه ، وتجويز التصرف‌

٢٧٨

للملتقط لا ينافي وجوب رده ».

إلا أنه قد حمل كلامه على إرادة حدوث الفسخ جمعا بين قوله : « تملك » وقوله أخيرا ما سمعت ، وحينئذ فالاستدلال بالأصل في غير محله.

وفي مرسل الفقيه (١) قال الصادق عليه‌السلام : « أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها ، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه ، وإن كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرفها ، فان وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفها ، فان وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله ، فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة ، وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها ، وإن كانت خرابا فهي لمن وجدها ».

وفي‌ مرسل محمد بن أبي حمزة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن اللقطة ، قال : تعرف سنة قليلا أو كثيرا ، قال : فما كان دون الدرهم فلا يعرف ».

مضافا إلى ما عساه يفهم من فحوى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح حريز (٣) : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه ، قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس لهذا طالب ».

إنما الكلام في تملكه بمجرد الالتقاط كما هو مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك » بل وجملة من الفتاوى ، بل هو المناسب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٧٩

لما قلناه في حيازة المباح ، بناء على أن ذلك مثله في التملك بحصول الالتقاط كالحيازة ، أو هو متوقف على قصد التملك ، أو على عدم قصد العدم وجوه.

وفي موضع من القواعد « الأقرب وجوب دفع العين مع وجود صاحبها ، ويحتمل القيمة مطلقا كالكثير إذا ملكه بعد التعريف ، والقيمة إن نوى التملك وإلا فالعين ، وهو أقرب ».

وهو صريح في اعتبار نية التملك ، ولعله الأقوى ، لأصالة عدم الملك بدونه بعد عدم الجابر للمرسل المزبور ، إذ المتيقن من الإجماع ما سمعته من التذكرة من أن له تملكه في الحال ، مضافا إلى ظهور الأدلة في عدم الفرق بين القليل والكثير إلا بالتعريف ، ومن المعلوم اعتبار النية في الثاني.

واحتمال الفرق بينه وبين الكثير ـ باحتياجه إلى التعريف المقتضي لإحداث سبب للملك بعده ، لامتناع انتقال ملك الغير إلى آخر بدونه ، بخلافه فإنه لا حاجة فيه إلى التعريف ـ واضح الفساد ، ضرورة كون المتبع الدليل فيهما ، والأصل عدم الملك حتى يثبت.

ومن هنا يتجه القول بتوقفه على ضمان القيمة مع نية التملك ، كما في الكثير ، ولعله لذلك كان خيرة الفاضل في جملة من كتبه وولده والمقداد الضمان عند مجي‌ء المالك ، لأن تملكه على حسب تملك الكثير بالقيمة.

بل في الإيضاح والتنقيح ول‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه » بعد الإجماع على عدم وجوب رد العين ، فليس إلا القيمة ، كما أنه ليس المراد إلا دون الدرهم ، لأن غيره يحتاج إلى التعريف سنة مع النية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٨٠