جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه » مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » في كون المدار على الامتناع والاستغناء حتى يأتي صاحبه وعدمهما ، فليس هو قياسا ممنوعا.

ولعله مما عرفت قال المصنف ( على تردد ) خصوصا بعد معلومية مذهبه من عدم حجية منصوص العلة ، فلا يلحق حينئذ ، ويكون حكمه حكم لقطة المال الصامت ، ولم نره لأحد ممن تقدمه ، نعم تبعه عليه بعض من تأخر عنه.

والتحقيق خلافه في المقام ، خصوصا بعد اعتضاد ذلك بفتوى المعظم ، وخصوصا بعد اعتباره الفحوى المزبورة في الدابة وغيرها.

بقي شي‌ء : وهو أنه في الإرشاد بعد أن ذكر الشاة كما ذكر الأصحاب وألحق بها صغار الممتنعات قال : « ولو أخذ غير الممتنع في الفلاة استعان بالسلطان ، فان تعذر أنفق ورجع مع نيته على رأي ».

ومقتضاه أنه قسم آخر غير الشاة وما ألحق بها ، ولم نعرفه لغيره كما اعترف به شارحه المقدس الأردبيلي. وعن بعض المحشين تفسيره بنحو البعير المريض والأعرج لكن صاحبه لم يتركه بل ضل عنه.

وفيه أن ذلك بحكم الشاة أيضا مع فرض عدم امتناعه كما أوضحناه سابقا ، والله العالم.

( ولا يؤخذ الغزلان واليحامير ) وما شابهها ( إذا ملكا ثم ضلا ) بلا خلاف أجده فيه ( التفاتا إلى عصمة مال المسلم ، ولأنهما يمتنعان عن السباع بسرعة العدو ) ويستغنيان بالرعي في الفلاة ، فأشبهت البعير الذي خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه في ذلك ، فألحقت بالحكم ، للفحوى المزبورة التي ألحق بها غير ذلك مما عرفت من الدواب.

نعم قيده الفاضل في التذكرة بما إذا لم يخف الواجد لها عجز مالكها‌

٢٤١

عن استرجاعها أو ضياعها عن مالكها وإلا جاز التقاطها ، معللا له بأن تركه أضيع له منه ، والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها ، وإلا لم يجز التقاط الدينار مثلا ، فإنه محفوظ حيث كان.

ومقتضاه حينئذ جواز التقاط البعير الضال إذا خيف تلفه على مالكه وإن كان صحيحا أو في كلأ وماء مجهودا ، فضلا عما إذا تحقق التلف عليه لو بقي ، كما أومأنا إليه سابقا.

لكن في الدروس اقتصر على الأخير ، قال : « ولا يجوز التقاط الممتنع بعدوه كالظباء والطيور ، سواء كانت في الصحراء أو العمران ، إلا أن يخاف ضياعها ، فالأقرب الجواز ، لأن الغرض حفظها لمالكها لا حفظها في نفسها ، وإلا لما جاز التقاط الأثمان ، لأنها محفوظة في نفسها حيث كانت ، وينسحب الاحتمال في الضوال الممتنعة ، كالإبل وغيرها ، وجوز الفاضل التقاط ذلك كله بنية الحفظ ، وحمل الأخبار الناهية عن ذلك على الأخذ بنية التملك ، وفي المبسوط جعل الأخذ للحفظ من وظائف الحكام ، وعلى الجواز فالظاهر أنه يرجع بالنفقة إذا نوى الرجوع وتعذر الحاكم ، وحينئذ الأقرب وجوب تعريفه سنة وجواز التملك بعده ، وهو ظاهر ابن إدريس والمحقق ، ولم أقف على قول بالمنع من التعريف والتملك ، وعلى هذا يتجه جواز الأخذ إذا كان بنية التعريف والتملك بعد الحول ، ويحرم إذا كان بنية التملك في الحال ، وعن علي عليه‌السلام (١) في واجد الضالة إن نوى الآخذ الجعل فنفقت ضمنها ، وإلا فلا ضمان عليه ، وفيه دليل على جواز أخذها ، وقال الفاضل بجواز أخذ الآبق لمن وجده ، ولا نعلم فيه خلافا ، ولا يضمن لو تلف بغير تفريط ، ومنع من تملكه بعد التعريف ، لأنه يتحفظ بنفسه كضوال الإبل ، وفيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٤٢

إشعار بعدم جواز تملك الضالة ، وهو حسن في موضع المنع من أخذها » إلى آخره.

ونقلناه بطوله لاشتماله على ما هو محل للنظر ، كما ستعرف.

قال في التذكرة : « الأقرب عندي أنه يجوز لكل أحد أخذ الضالة ، صغيرة كانت أو كبيرة ، ممتنعة عن السباع أو غير ممتنعة بقصد الحفظ لمالكها ، والأحاديث الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى بالالتقاط التملك إما قبل التعريف أو بعده ، أما مع نية الاحتفاظ فالأولى الجواز ، كما أنه لا يجوز للإمام (ع) ولا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملك ».

وهو كالصريح في خلاف ما فرعه عليه في الدروس من التفصيل بين نية التملك في الحال أو بعد التعريف ، بل هو ظاهر في أن ذلك قسم آخر غير الالتقاط ، وهو الاستيلاء على مال الغير بقصد الحفظ.

ولعل هذا هو الذي قوى في محكي المبسوط والسرائر عدم جوازه لغير الامام عليه‌السلام ونائبه ، بل لعله لا يخلو من قوة ، لأنه المتيقن مما دل في الشرع على كونه ولي الحفظ عن الغائب دون غيره ، وآية الإحسان (١) لو أخذ بظاهرها لاقتضت فقها جديدا لا ينطبق على مذهب الإمامية ، فالمتجه جعل الميزان لها ما اعتضد بفتوى الأصحاب ، وعلى تقدير الجواز فهو أمر آخر غير اللقطة لا تعريف له ولا تملك بعده ولا قبله.

ومنه يعلم ما في تفريعه وما في حكايته عن ظاهر ابن إدريس والمحقق ، وأنه لم يقف على قول بالمنع من التعريف والتملك ، مع أن الفاضل في التحرير قال : « لو وجدها في موضع يخاف عليها منه مثل أن يجدها في‌

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٩٠.

٢٤٣

أرض مسبعة يغلب على ظنه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها أو قريبا من دار الحرب يخاف عليها منهم أو في برية لا ماء لها ولا مرعى فالوجه جواز أخذها للحفظ ولا ضمان ، فإذا حصلت في يده دفعها إلى الامام عليه‌السلام ونائبه ، ولا يملكها بالتعريف ، نعم ورد الشرع بذلك فيها » إلى آخره. وإن كان هو لا يخلو من نظر أشرنا إليه سابقا ، وهو قوة جريان حكم الالتقاط عليها ، لفحوى ما هو كالتعليل للمنع في البعير المقتضى لجواز الالتقاط مع انتفائه ، فيجري عليه حينئذ حكم لقطة الضال الذي عرفته في الشاة.

ومنه يعلم ما في الدروس من النظر في التفصيل المزبور إن كان مراده في هذا القسم ، ضرورة كونه حينئذ من لقطة الضال الجائزة كالشاة وما ألحق بها ، وقد عرفت أن له تملكها والتصرف فيها في الحال وإن وجب التعريف كما سمعته مفصلا.

وأما ما رواه (١) عن علي عليه‌السلام فقد عرفت عدم عامل به ليكون جابرا له.

وأما ما دل عليه من جواز الأخذ فهو مفروغ منه في غير مقام المنع الذي قد عرفته مفصلا.

كما أن ما ذكره في الآبق لا مدخلية له في الالتقاط ، ضرورة عدم ضياعه ، وإنما هو هارب عن سيده وجواز أخذه وعدم ضمانه قد استفيدا من النصوص التي لا مدخل لها هنا. وكذا الجعل عليه كما قدمناه في محله ، فأي مدخلية للتعريف فيه.

فتلخص من ذلك كله أنه لا إشكال في عدم جواز التقاط ما دل على المنع كالبعير وما ألحق به في الحالين السابقين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٤٤

وهل يجوز فيها أخذه لا بعنوان الالتقاط؟ الأقوى عدم جوازه ، لإطلاق أدلة المنع من النهي عن الهيجان (١) والأمر بالتخلية عنه (٢) وعلى تقديره فليس لقطة قطعا ، نعم لو فرض كونه بحال لا يبقى لصاحبه ولا يجديه خفه وحذاؤه زائدا على الاحتمال المتعارف في المال الضائع لم يبعد جواز التقاطه وجريان حكم اللقطة عليه ، وهو ما سمعته في الشاة ، لمفهوم فحوى التعليل.

ومنه يعلم صحة تقييد الفاضل موضوع مسألة المقام بالوجهين ، ولعل اقتصاره في الدروس على الأخير منهما للاكتفاء به مثالا لا لإرادة خصوصه.

هذا كله في الضالة في الفلاة التي قد سمعت بعض الكلام في تفسيرها. وفي التنقيح « ما ليس بعامر ، أي الذي فيه قرى مسكونة أو أهل طنب قاطنون ».

وفي جامع المقاصد « العمران ما بين البيوت سواء كانت بيوت أهل الأمصار والقرى وأهل البادية ـ إلى أن قال ـ : وأهل المزارع والبساتين المتصلة بالبلد ، ولا تنفك غالبا من الناس من العمران ، وحينئذ فالفلاة ما عداه ».

وفي الوسيلة ومحكي المبسوط إلحاق ما يتصل بالعمران بنصف فرسخ به في الحكم.

وعن الصحاح والقاموس ومجمع البحرين الخراب ضد العمران ، والعمارة ضد الخراب ، وأن المعمور هو المأهول.

وحينئذ فالمراد بالفلاة المقابلة به هو غير المأهول ، ولذا قابلها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٤٥

المصنف بقوله ( ولو وجد الضوال في العمران ) الذي هو المأهول ـ ومرجعه إلى العرف لا إلى نصف فرسخ ، فإنه ربما يكون كذلك وربما يكون أزيد أو أنقص. وبالجملة هي ليست في فلاة يخشى عليها التلف من صغار السباع ، بل هي مأمونة من هذه الجهة ، فمتى كانت كذلك ـ ( لم يحل أخذها ممتنعة كانت كالإبل أو لم تكن كالصغير من الإبل والبقر ) كما في المتن وغيره.

بل حكى غير واحد الشهرة عليه ، بل عن التذكرة نفي الخلاف فيه إلا مع خوف التلف والنهب.

بل ينبغي القطع به في الممتنع ، ضرورة أولويته من الفلاة الممنوع إهاجته فيها ، ولذا نفى الشبهة فيه في المسالك.

أما غير الممتنع فهو محفوظ لمالكه ، لأن الفرض عدم الأمن عليه فيها ، بل لعل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « خفه حذاؤه » ـ إلى آخره ـ الذي هو تعليل لعدم الجواز أو كالتعليل يقتضي ذلك أيضا.

مضافا إلى إشعار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « لك أو لأخيك أو للذئب » به أيضا ، ضرورة عدم الذئب غالبا في العمران ، بل وإلى أصالة عدم جواز الاستيلاء على مال الغير الذي لا يقطعه استفادة الاذن من نصوص اللقطة المنصرفة لغير الضالة.

وأما‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « الضوال لا يأكلها إلا الضالون إذا لم يعرفوها » فليس مساقا لبيان جواز التقاط كل ضالة ، فيمكن كون المراد منه بيان حكم جواز ما يلتقط منها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٢٤٦

وكذا صحيح صفوان (١) وصحيح علي بن جعفر (٢) المتقدمان سابقا المشتملان على بيان وجوب تعريف الضالة ، لا على بيان جواز التقاط كل ضالة في عمران وغيره.

بل وكذا‌ خبر البزنطي (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين وهو يعرف صاحبه أيحل له إمساكه؟ قال : إذا عرف صاحبه رده عليه ، وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له ، وإن جاءه طالب لا يتهمه رده عليه ».

بل هو ظاهر في الحكم بكون الصيد مباحا مع عدم معرفة مالك له ، فلا لقطة فيه أصلا.

وحينئذ فما في محكي المبسوط ـ من أنه إذا كان في العمران وما يتصل به إلى نصف فرسخ أو أقل له أخذه سواء كان ممتنعة أو غير ممتنع ومثله في الوسيلة ـ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي منه يفهم ما عساه يستدل به له ، وقد عرفت جوابه.

وحينئذ فالمتجه على هذا ضمان الآخذ له ، وعدم الرجوع بالنفقة على نحو ما سمعته فيمن أخذ البعير الضال ، حيث لا يجوز له أخذه ، إذ هو كالغاصب ، لعدم الإذن الشرعية والمالكية ، فلا يجري عليه حكم الالتقاط.

لكن في المسالك بعد أن جزم بعدم جواز أخذ غير الشاة قال : « يجب مع أخذه كذلك تعريفه سنة ، كغيره من الأموال عملا بالعموم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٤٧

ويحفظه لمالكه أو يدفعه إلى الحاكم من غير تعريف ».

وفيه أن أدلة التعريف في غير المفروض الذي هو مغصوب أو كالمغصوب ، سيما بعد كون التعريف مقدمة لجواز تملكه المعلوم عدمه هنا ، ولذا لم أجد أحدا ذكره في من التقط البعير وما ألحق به مما عرفت عدم جواز التقاطه.

نعم يتجه جريان حكم الضالة عليها في صورة الجواز التي أشار إليها الفاضل في التذكرة ، وهي حالة الخوف عليها من التلف زائدا على احتماله في اللقطة من حيث كونها كذلك ، لحصول ما يقتضي ذلك من مرض أو غيره ، فإنه حينئذ يجوز التقاطها ، نحو ما سمعته في البعير لفحوى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « خفه حذاؤه » إلى آخره‌ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « لك أو لأخيك أو للذئب ».

والظاهر حينئذ تخييره بين الأمور الثلاثة المتقدمة في التقاط الشاة في الفلاة ، ويجب التعريف وإن تصرف فيها في الحال ، كما سمعته هناك.

ومن ذلك يعلم ما في دعوى جواز أخذه في الفرض من كونه على وجه الحسبة ، ضرورة أنك قد عرفت كونه لقطة لا حسبة ، نعم أخذه في مقام المنع بنية الحفظ إن قلنا بجوازه فيها كذلك ، لكن قد عرفت أن الأقوى عدم جوازه لغير الحاكم ، وعلى تقديره فلا يجري عليه شي‌ء من حكم اللقطة ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

( و ) من ذلك ـ مضافا إلى ما تقدم فيمن أخذ البعير حيث لا يجوز أخذه ـ يظهر لك أنه ( لو أخذها ) أي الضوال في العمران ( كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانة ) مضمونة ( وعليه نفقتها من غير رجوع بها ) نحو العين المغصوبة ( وبين دفعها إلى الحاكم ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٤٨

الذي هو ولي الحفظ للغائب ، كما صرح به الفاضل وأبو العباس وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، وهو شاهد على ما ذكرناه سابقا من عدم وجوب الدفع إلى الحاكم على من أخذ البعير في مقام المنع وإن كان ظاهرهم هناك ذلك.

وربما علل بأنه ولي ، وفيه ما عرفت من أنه يجوز له تولي حفظ مال الغائب لا ولي ذاته.

ومن هنا يتجه عدم وجوب القبول عليه ، خصوصا إذا لم تكن مصلحة للغائب في ذلك باعتبار تعلق خطاب الرد بالآخذ ، وربما احتاج إلى مئونة وخطاب الإنفاق وغير ذلك مما يكون قيام الآخذ به مصلحة للغائب ، اللهم إلا أن يفرض المصلحة للغائب بقبض المال من الآخذ وتكليفه بالأحكام المزبورة.

ثم إن قول المصنف كالتذكرة وغيرها : « أمانة » قد يشعر بعدم الضمان ، وفيه منع واضح ، بعد اتفاقهم عليه في من أخذ البعير في صورة المنع ، على أنه مقتضى‌ عموم « على اليد » (١) وغيره.

بل قد ذكرناه هنا قوة احتمال عدم براءته منه مع التسليم للحاكم الذي هو ولي الحفظ وإن كان ظاهرهم هناك ذلك.

بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المتن ( و ) التحرير من أنه ( لو لم يجد حاكما أنفق ورجع بالنفقة ) وإن علل بأنه حينئذ محسن ، وقد تعذر عليه المالك ووليه ، فصار مأمورا من الشارع الذي به يزول التبرع.

ولكن فيه أنه غاصب لا محسن مكلف بالحفظ الذي يتوقف على الإنفاق.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٩٥.

٢٤٩

بل في المسالك « يرد مثله في النفقة قبل الوصول إلى الحاكم والمالك ، فإنه مأمور بها أيضا شرعا وجانب العدوان مشترك » إلى آخره.

وقوله في الوسيلة ومحكي المبسوط : « هو بالخيار بين أن ينفق عليها تبرعا أو يرفع خبرها إلى الحاكم » مع أنه غير ما نحن فيه مبني على ما ذهبنا إليه من جواز الالتقاط ، فيتجه فيه حينئذ نحو ما سمعته منهم في نفقة اللقيط.

وكذا ما في النهاية « من وجد شيئا مما يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال ، فان لم يجد وأنفق هو عليه كان له الرجوع على صاحبه بما أنفق هو عليه ». ونحوه في المقنعة فإنه إن لم يفرض في مقام الجواز كانا مطالبين بدليله ، بل الأدلة على خلافه.

بل قد عرفت في اللقيط ما يعلم منه النظر في اعتبار الرفع إلى الحاكم في الرجوع ، خصوصا بعد عدم جواز الإنفاق عليه من بيت المال المعد للمصالح التي ليس منها ذلك بعد أن كانت النفقة على المالك ، فلا حظ وتأمل جيدا كي تعرف ضعف ما حكيناه هناك عن ابن إدريس من عدم الرجوع بالنفقة في صورة الجواز وتعذر الحاكم ، وستسمع مثله فيما يأتي.

لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه من عدم جواز الالتقاط كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

وليس في الدروس هنا بعد أن ذكر حكم الشاة في العمران إلا قوله : « وهل يلحق بها غيرها؟ قال في المبسوط : ما كان في العمران وما يتصل به على نصف فرسخ من الحيوان يجوز أخذه ممتنعا أو لا ، ويتخير الآخذ بين الإنفاق تطوعا أو الدفع إلى الحاكم ، وليس له أكلها ، ومنع الفاضل من أخذها في العمران عدا الشاة ، إلا أن يخاف عليه النهب أو‌

٢٥٠

التلف. وقال في النهاية : إذا أخذ شيئا يحتاج إلى النفقة رفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال ، فان تعذر أنفق ورجع ، وإن كان له ظهر أو در أو خدمة كان بإزاء ما أنفق ، وأنكر ابن إدريس رجوعه إذا كان النفقة في الحول لتبرعه ، وجوز الفاضلان الرجوع ، وأوجبا المقاصة » إلى آخره.

ولم يختر شيئا فيما نحن فيه وإن حكي عنه ذلك ، نعم كلامه غير محرر ، حيث إنه لم يفرق بين ما جاز التقاطه ولم يجز ، كما سمعت الكلام فيه ، وما حكاه عن ابن إدريس وغيره إنما هو في الجائز مطلقا ، هذا كله في غير الشاة.

وأما إن كان الضال في العمران شاة ففي‌ خبر ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « جاء رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة قال : فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها ، فان جاء صاحبها وإلا باعها وتصدق بثمنها » وإليه أشار المصنف بقوله ( وإن كان شاة حبسها ثلاثة أيام ، فان لم يأت صاحبها باعها الواجد وتصدق بثمنها ).

وهو وإن كان ضعيفا وغير خاص بالعمران إلا أنه منجبر بفتوى الأساطين كالشيخ والحلي الذي لا يعمل إلا بالقطعيات والفاضلين والفخر والشهيدين وأبي العباس والمقداد والكركي على ما حكي عن بعض ، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة ، بل إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع.

بل في الرياض « قد حمله الأصحاب على المأخوذ من العمران » وظاهرهم الإطباق على العمل بها ، وإطلاقه مقيد بالنصوص المعتبرة المشتملة على حكمها في الفلاة المقابلة للعمران ، فتعين المراد بها فيه ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٦.

٢٥١

فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه حينئذ في غير محلها ، بل الظاهر عدم اعتبار الحاكم وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد ، إلا أن النص والفتوى خاليان عن ذلك ، واحتمال أن ما وقع من الصادق عليه‌السلام من الاذن خلاف الظاهر.

نعم الظاهر عدم وجوب البيع إذا أراد حفظها ، وعدم وجوب التصدق بثمنها لو أراد حفظه لصاحبه فرارا من الضمان الذي صرح به الفاضل وأبو العباس والمقداد وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وإن تردد فيه في الكفاية.

لكن فيه أنه لا إشعار في الخبر المزبور ولا في الفتاوى بجواز الأخذ فبقي حينئذ على الحرمة ، كما صرح به الفاضل وغيره.

وحينئذ فالعين في ضمانه على تقديري البيع وعدمه ، وإن كان ضمانه الثمن مع فرض عدم إجازة المالك الصدقة ، وإلا فمع رضاه بها لا ضمان ، كما صرح به غير واحد ، منهم الشهيد في الدروس.

لكن قال فيها متصلا بذلك : « وهل له تملكها مع الضمان؟ جوزه ابن إدريس وله إبقاؤها بغير بيع. فيكون أمانة وكذا ثمنها ».

وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من كونه عاديا لا يجوز له الأخذ.

وكذا ما في القواعد من الصدقة بالثمن مع ضمانه ، أو حفظه ولا ضمان وإن حكي أيضا عن أبي العباس وثاني الشهيدين ، لأن البيع جائز ، فيكون مأذونا شرعا في قبض الثمن.

ولكن فيه أن جواز البيع لا ينافي حرمة الأخذ التي هي السبب في الضمان ، نعم لو قلنا بجواز الأخذ اتجه عدم الضمان للعين وللثمن مع عدم التصرف به.

وعلى كل حال فلا وجه للتعريف ، لعدم تناول أدلة التعريف لمثلها‌

٢٥٢

كغيرها من اللقطة الغير الجائزة ، وعلى تقديره فظاهر الخبر (١) المزبور كون التعريف على الوجه المذكور.

فما عن أبي العباس من التعريف طول الحول في غير محله وإن قال ليس له تملكه بعد الحول ، بل وكذا ما في القواعد من أن في الصدقة بعينها أو قبل الحول إشكالا ، بل عن الفخر وأبي العباس اختيار عدم الصدقة بعينها وقوفا على النص.

ولكن الذي يقوى الجواز ، لعدم ظهور الفرق خصوصا مع عدم وجود المشتري.

وأما الصدقة بالثمن قبل الحول فان كان مراده هل يجوز بيعها قبل الحول والتصدق بثمنها أو يجب تعريفها سنة ثم يبيعها ويتصدق بثمنها فلا ريب في أن الأصح الأول ، ضرورة عدم إشارة في النص والفتوى إلى التعريف المزبور ، بل ظاهرهما أو صريحهما خلافه ، وخصوصا بعد أن قلنا بعدم جواز الالتقاط ، فلا يجري عليه حكمه ، واحتمال أنه وإن كان محرما يجري عليه حكمه ، لإطلاق ما دل عليه يدفعه منع شمول الإطلاق للغرض كما لا يخفى على من لاحظه.

وكذا إن كان المراد هل تجوز الصدقة بالثمن قبل التعريف حولا ، لعين ما عرفته أيضا ، بل لو كان مشروطا بالتعريف حولا كان تركه في النص المزبور كتأخير البيان عن وقت الحاجة.

ودعوى أنه أقرب إلى وصول المال إلى مستحقه وإلى الاحتياط يدفعها أنها كالاجتهاد في مقابلة النص ، وكذا دعوى وجوبه لو أراد بقاءها عنده كما عن أبي العباس.

نعم ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (٢) فيه : « ويسأل عن صاحبها » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٦.

٢٥٣

وجوب التعريف ثلاثة أيام ، مع أنه ربما يظهر من الأكثر عدم وجوبه أيضا ، وعلى تقدير التعريف فالظاهر ضمان العين عليه ، لأن يده عادية.

فما في التحرير والمسالك والروضة ومحكي المهذب والمقتصر من كونها أمانة في غير محله ، وليس له التملك بعده لما عرفت.

ثم إن الضالة حيث يجب تعريفها يعتبر فيها زيادة قيمتها على الدرهم وإلا لم يجب ، أو يجب التعريف مطلقا؟ قد استظهر بعض الناس الثاني ويأتي إنشاء الله تعالى ما يعرف منه حقيقة الحال ، والله العالم.

( و ) كيف كان فظاهر المبسوط أنه ( يجوز التقاط كلب الصيد ، ويلزم تعريفه سنة ثم ينتفع به إذا شاء ، ويضمن قيمته ) قال فيه : « إذا وجد رجل كلبا فإنه يعرفه سنة ، فان لم يجي‌ء صاحبه بعد السنة فله أن يصطاد به ، فان تلف في يده ضمنه ، لأن كلب الصيد له قيمة » فإن الاذن في الانتفاع مع ضمانه دليل على جوازه ، وإلا كان عاديا لا يجوز له التملك مع الضمان.

كما أن قوله : « لأن له قيمة » يقتضي عدم الفرق بينه وبين غيره من الكلاب وإن كان هو متفقا على جواز بيعه المقتضي لكونه مالا بخلاف غيره ، كما تقدم الكلام فيه في محله.

ومن هنا قال الفاضل في قواعده : « يجوز التقاط الكلاب المملوكة ويلزم تعريفها سنة ثم ينتفع به إن شاء ، ويضمن القيمة السوقية ».

نعم قد يناقش فيه بأن المتجه عدم جواز التقاطه في الفلاة فضلا عن العمران ، لكونه من الممتنع المستفاد من الفحوى المزبورة ، بل هو أولى من غيره بذلك. ولعله لذا منعه في التذكرة والتحرير.

اللهم إلا أن يفرض تحقق تلفه أو خوفه زائدا على الاحتمال الحاصل في الضائع من حيث كونه كذلك ، فيجوز حينئذ التقاطه كما احتمله في‌

٢٥٤

الدروس ، للفحوى المزبورة أيضا ، بل يتجه جريان حكم الشاة فيها كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، والله العالم.

( الثاني في الواجد )

( ويصح أخذ الضالة ) في مقام الجواز ( لكل بالغ عاقل ) حر مسلم عدل إجماعا أو ضرورة.

( أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ رحمه‌الله فيهما بالجواز ) أيضا في لقطة المال الذي هو كالضالة ( لأنه ) على كل حال ( اكتساب ) يصح وقوعه منهما. ( و ) لكن ( ينتزع ذلك الولي ) منهما كغيره مما هو في أيديهما من المال ( ويتولى ) هو ( التعريف عنهما سنة ) إذ لا وجه لتأخيره إلى البلوغ والإفاقة ، لاقتضائه ضياع المال على مالكه بعد معلومية عدم اعتبار المباشرة منه ، ولأنه من توابع اكتسابهما.

( فان لم يأت مالك ف ) في القواعد « تخير مع الغبطة في إبقائها أمانة وتملكه مع التضمين » ولم أجده لغيره ، فيمكن تنزيله على ما لا ينافي المشهور من أنه ( إن كان الغبطة ) لهما ( في تملكه وتضمينه إياها فعل ) ذلك الولي ( وإلا أبقاها أمانة ) وهو يتولى حفظها أو يدفعها إلى الحاكم.

وعلى كل حال فلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك وإن كان نسبة جواز التقاطهما إلى الأكثر في المسالك وغيرها مشعرا به ، نعم قد تشعر نسبته في المتن إلى الشيخ بذلك.

٢٥٥

فما في المفاتيح من أنه يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم ، وأهلية الحفظ عند آخرين وإحداهما عند الثالث في غير محله.

وكأنه استعذب التعبير بذلك عما ذكره أولا في المسالك من أن « مبنى الخلاف في هذه المسألة وما بعدها على أصل ، وهو أن اللقطة فيها معنى الأمانة والولاية والاكتساب ، أما الأمانة والولاية ففي الابتداء فان سبيل الملتقط سبيل الأمناء في مدة التعريف لا يضمن المال إلا بتفريطه ، والشرع فوض إليه حفظه ، كالولي يحفظ مال الصبي ، وأما الاكتساب ففي الانتهاء ، حيث إن له التملك بعد التعريف ، وأما المغلب منهما ففيه وجهان : أحدهما معنى الأمانة والولاية ، لأنهما ناجزان والملك منتظر ، فيناط الحكم بالحاضر ويبنى الآخر على الأول ، والثاني معنى الاكتساب ، لأنه مآل الآمر ومقصوده ، فالنظر إليه أولى ، ولأن الملتقط مستقل بالالتقاط ، وآحاد الناس لا يستقلون بالأمانات إلا بائتمان المالك ويستقلون بالاكتساب ، فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات : الإسلام والحرية والتكليف والعدالة فله أن يلتقط ويتملك إجماعا ، لأنه أهل الأمانة والولاية والاكتساب ، وإن تخلف بعضها بنى على اعتبار ما ذا ، وجاء فيه الوجهان » إلى آخره.

لكن لا يخفى عليك أنه على طوله لا حاصل له ، ضرورة اعترافه هنا وفي الكافر بعدم نقل خلاف فيه في الجواز ، وأولى منه عدم اعتبار العدالة ، وكذا في العبد الذي لم يحك فيه الخلاف إلا عن أبي علي لخبر أبي خديجة (١) كما ستعرفه ، فما أدري موقع هذه المقدمة التي ذكرها.

على أن اللقطة منها ما لا تعريف فيها ، بل يملكها الواجد لها ، ومنها ما فيه ذلك إلا أنه لم يعتبر أحد فيه المباشرة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٥٦

كما أنه لا إشعار في شي‌ء من النصوص بتوقف التملك بعد الحول على كون الملتقط أهلا للأمانة والولاية ، بل ولا صحة الالتقاط ، خصوصا بعد ملاحظة طر الجنون مثلا على الملتقط.

وكان هذا هو السر في الاتفاق ظاهرا على جواز التقاطهما وإن كان ظاهر نصوص اللقطة في الملتقط القابل للتصدق والتعريف والحفظ ، إلا أنه ليس ظهور اشتراط في صحة الالتقاط على وجه يتوقف جريان أحكامه على كونه كذلك ابتداء أو واستدامة ، بل في لقطة الخربة ونحوها الذي وجد المال أحق به ، ولا ريب في اندراجهما فيه ، ولا قائل بالفصل ، بل ولا وجه له ، ضرورة عدم الفرق بعد صلاحيتهما للالتقاط وعدم اعتبار المباشرة في الأمانة والتعريف.

كل ذلك مضافا إلى عدم اكتساب في الالتقاط قابلان له ، ضرورة عدم كونه كالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما مما هو سبب للحيازة الموجبة للملك من كل من حصلت منه ، بخلاف الالتقاط الموقوف تكسبه على نية التملك بالقيمة ، شبه القرض الذي لا يحصل فيهما ، ولا عموم في الالتقاط على وجه يشملهما إلا ما ذكرناه في قسم مخصوص ، بل ظاهر سوق نصوصه في خصوص المكلفين.

وبذلك يظهر لك ما في المسالك من الاستدلال على الجواز بالعموم والتشبيه بالاحتطاب ، كما أنه ظهر لك عدم وقع لما ذكره من المقدمة التي في آخرها أيضا ما فيه ، بل وغير ذلك.

بل وعدم حاصل لما سمعته من المفاتيح إلا عذوبة عبارة ، وإلا فلم نجد في المقام أقوالا ثلاثة مبنية على ما ذكر.

فالتحقيق حينئذ الجواز ، لما عرفت مع ضميمة عدم الخلاف في المسألة الذي لولاه لأمكن المناقشة في صحة التقاطهما ما فيه التعريف ونحوه مما لا‌

٢٥٧

ينكر ظهور النصوص في كونه مكلفا ، ولا أقل من أن يكون ذلك هو المذكور فيها ، فيبقى غيره على أصالة المنع ، نحو ما سمعته في التقاطهما الإنسان.

على أنه لا ينكر ظهور النصوص في أن خطاب التعريف على الملتقط وإن جاز له الاستنابة ، لا أن الملتقط شخص والمخاطب بالتعريف شخص آخر ، كما في المقام الذي ذكروا فيه أن الخطاب به للولي ، وأن نية تمليكهما بالقيمة في ذمتهما منه ، وأنه المخاطب بالحفظ على وجه إن لم ينتزع المال من يدها يكون ضامنا ، لأنه مفرط ، إلى غير ذلك مما لا ينطبق على القواعد العامة ، ولا إشعار في نصوص اللقطة به ، بل ظاهرها خلافه ، فليس حينئذ إلا ما سمعت.

وكأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار في الرياض ، فإنه بعد أن ذكر أنه لا معنى لإرادة ما يقابل الحرمة من الجواز المعلوم أنه من صفات المكلفين قال : « ويتعين الثاني ، أي تترتب أحكام اللقطة عليه من الملك والصدقة بها بعد التعريف وغيرهما ، ولا دليل عليه ، لاختصاص النصوص المثبتة لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلف بحكم التبادر وتضمنها الأمر بالحفظ أو التصدق أو التملك ، ولا يتوجه إلى غيره ، فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء الأصل العدم ـ ثم قال ـ : ويمكن أن يقال : إن وجه الاشكال المزبور مقتض لاعتبار الأهليتين معا ، وليس هو لأحد قولا ، فيكون الإجماع مخالفا ، فينبغي ترجيح أحد الأقوال الثلاثة على تقدير ثبوتها ، ولا ريب أن المشهور منها أولى ، لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه أو كونه نادرا » إلى آخره.

وإن كان لا يخفى عليك بعض ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه أيضا مما يصلح دليلا غير الشهرة المزبورة ، والله العالم.

٢٥٨

( وفي ) التقاط ( العبد ) من دون إذن مولاه ( تردد ) ينشأ من الأصل بعد ظهور مساق النصوص في غيره وخبر أبي خديجة (١) الذي هو هنا سالم بن مكرم كما في الفقيه وبقرينة رواية أحمد بن عائذ عنه إلا أن في عدالته بحثا‌ عن الصادق عليه‌السلام « سأله المحاربي عن المملوك يأخذ اللقطة ، فقال : ما للمملوك واللقطة ، لا يملك من نفسه شيئا فلا يتعرض لها المملوك ، ينبغي للحر أن يعرفها سنة في مجمع ، فان جاء طالبها دفعها إليه وإلا كانت في ماله ، فان مات كان ميراثا لولده ولمن ورثه ، فان لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم ، إن جاء طالبها دفعوها إليه » إلى آخره ، وعدم قابلية العبد للتملك الذي تضمنته النصوص والفتاوى.

ومن أنه أهل للأمانة وعدم ظهور النصوص في اعتبار الحرية وإن اشتملت على ما لا ينطبق إلا عليها من التملك ونحوه ، إلا أنه يمكن تنزيله على ما إذا كان الملتقط كذلك لا أنه معتبر في أصل الالتقاط ، إذ هي أحكام تعذر بعضها أو كتعذر بعض أفراد التخيير.

ولعله لذا قال المصنف ( أشبهه الجواز ) وفاقا للمشهور ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه ، بل لم يحك فيه الخلاف إلا من أبي علي ، كما اعترف به غير واحد ، بل لم يتردد فيه أحد قبل المصنف ، نعم تبعه عليه في الدروس ، ولا ريب في ضعفه ( لأن له أهلية الحفظ ) والائتمان شرعا بل والاكتساب وإن كان لسيده ، بل له أهلية سائر الخطابات الشرعية.

وخبر أبي خديجة (٢) لو قلنا بصحته موهون بمصير ما عدا ابن الجنيد إلى خلافه ، ورواية الفقيه له أعم من العمل به ، بل في كشف الرموز‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٥٩

حكاية الجواز عنه فيه ، فلا بأس بحمله على ضرب من الكراهة التي صرح بها غير واحد ، هذا خلاصة ما ذكروه في المقام.

إلا أن التأمل هنا وفيما تقدم لهم في اللقيط يقتضي جواز التقاطه مع إذن مولاه ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا.

لكن ذكر غير واحد منهم هناك أنه يكون السيد حينئذ هو الملتقط ، فيلزمه حكم الالتقاط ، وهو كذلك لو كان إذن استنابة ، أما إذا كانت رفع حجر فالمتجه كونه هنا هو الملتقط ، ويلزم حينئذ بالحفظ والتعريف نحو الاذن له في قبول الوديعة ، وعدم قابليته للتملك لا يرفع غيره من أحكام اللقطة ، ولا وجه لرجوع ذلك إلى السيد بعد أن كان الملتقط غيره.

اللهم إلا أن يثبت أن كل ما يكون للعبد لو كان حرا يكون للسيد على وجه يشمل المقام ، ولم يحضرني الآن ما يقتضي ذلك.

ثم إنه ذكر أيضا غير واحد هناك أن تعقب الاذن كابتدائها ، ولنا فيه نظر. نعم لو كان المال باقيا في يده فأذن له على الوجه الذي عرفت يجري عليه حكم الالتقاط من حين الاذن على الوجه الذي عرفت.

أما لو صرح بعدم الاذن له بعد التقاطه فالمتجه حينئذ دفعه إلى الحاكم بعد تعذر التعريف عليه والحفظ بتصريح السيد بعدم الاذن ، والفرض تقدم حقه على حق غيره ، وليس التقاط العبد فاسدا حتى يكون المال في يده كما كان في الأرض ، بل التقاطه صحيح ولكن تعذر عليه التعريف والحفظ ، فيكون كحر تعذر عليه ذلك ولو الاستنابة ، فليس إلا الدفع إلى الحاكم.

نعم لو نهاه من أول الأمر عن الالتقاط أمكن فساد التقاطه على وجه لا يكون ليده احترام ، فحينئذ يكون فيها كما هو على الأرض مع‌

٢٦٠