جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولرسوله ، فضلا‌ عما دل (١) على أن الأرض كلها لهم عليهم‌السلام.

ولا يشكل ذلك باستصحاب الملك الذي لا يعارض الأدلة ، خصوصا ما دل (٢) منها على ملك المحيي الأرض الميتة بالاحياء وإن كان صاحبها موجودا من غير تفصيل بين كون ملكه لها بالإحياء أو غيره.

بل مقتضى ما ذكره أن من كان بيده أرض معمورة ثم ماتت ولم يعلم كيفية ملكه لها تبقى ملكا له ، ولا يجوز إحياؤها بدون إذنه.

وبالجملة المسلم من الإجماع المزبور إذا ملكه بغير الاحياء كالشراء من الامام عليه‌السلام مثلا ، أما إذا كان أصل الملك بالاحياء ثم باعه من آخر أو ورثه منه آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك لمن هو له على نحو الملك بالاحياء ، إلا أنه يسهل الخطب بقاء الملك للمحيي الأول وإن ماتت الأرض كما ستعرف.

وعلى كل حال فان ماتت بعد أن كانت معمورة في يد مالكها وعلم أن ملكه لها بالاحياء فضلا عمن لم يعلم وهو أو وارثه معلوم فالمحكي عن المبسوط والمهذب والسرائر والجامع والتحرير والدروس وجامع المقاصد أنها باقية على ملكه أو ملك وارثه ، بل قيل : إنه لم يعرف الخلاف في ذلك قبل الفاضل في التذكرة ، فإنه حكى نحو مالك ملك المحيي الثاني ، ثم قال : « لا بأس بهذا القول عندي ».

نعم قيل : ربما أشعرت به عبارة الوسيلة ، واختاره في المسالك والروضة بعد أن حكاه عن جماعة منهم العلامة في بعض فتاواه ، ومال إليه في التذكرة ، وفي الكفاية « أنه أقرب » وفي المفاتيح « أنه أوفق بالجمع بين الأخبار » بل في جامع المقاصد « أن هذا القول مشهور بين الأصحاب ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٢ ـ من كتاب الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

٢١

وكيف كان فالعمدة للقول الأخير بعد العمومات السابقة وصحيح الكابلي (١) السابق خصوص‌ صحيح معاوية بن وهب (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فان عليه الصدقة ، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله ولمن عمرها ».

وزاد في المسالك « أن هذه الأرض أصلها مباح ، فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة ، كما لو أخذ من ماء دجلة ثم رده إليها ، وأن العلة في تملك هذه الأرض الاحياء والعمارة ، فإذا زالت العلة زال المعلول ، وهو الملك ، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك ، فيثبت الملك له ، كما لو التقط شيئا ثم سقط من يده وضاع عنه ثم التقطه غيره ، فإن الثاني يكون أحق ».

إلا أنهما معا كما ترى لا يطابقان أصول الإمامية ، وإنما ذكرهما الفاضل في التذكرة دليلا لمالك على أصوله.

بل قد يناقش في دلالة الصحيح المزبور باحتمال كون المراد أنها للأول الذي عمرها ، خصوصا مع عدم فرض السؤال فيه عن وجود شخص آخر عمرها.

وأما العمومات فلا دلالة فيها على ذلك ، بل لعل ظاهر التمليك المستفاد من ظاهر اللام فيها عدم انقطاعه بموتها بعد إحيائها ، كما هي قاعدة الأملاك ومقتضى الاستصحاب الذي لا ينافيه سببية الإحياء للتمليك في الجملة ، إذ من المحتمل كونه سببا للابتداء والاستدامة وإن ماتت ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

٢٢

فانحصر الدليل حينئذ في صحيح الكابلي (١) الذي هو من جملة النصوص الدالة على أن الأرض كلها لهم عليهم‌السلام التي قد عرفت الحال فيها في الخمس (٢).

على أنه يمكن أن يكون من المتشابه الذي ينبغي أن يرد علمه إليهم عليهم‌السلام ضرورة أنه إن كان المراد وجوب دفع الخراج على المحيي للأرض الميتة في زمن الغيبة التي لا إمام فيها من أهل البيت إلا القائم روحي له الفداء الذي ذكره الصحيح المزبور فهو لا يرجع إلى حاصل ، خصوصا بعد استفاضة‌ النصوص (٣) منهم عليهم‌السلام على أن من أحيا أرضا ميتة فهي له‌ الظاهرة في الملك للمحيي ، فلا يستحق عليه الطسق الذي هو بمنزلة الأجرة ، وإن كان المراد في مقام ظهور الأمر فهو أشد إشكالا من الأول.

كل ذلك مضافا إلى ما ذكروه من الإشكال في آخره من انتزاع الأرض من يد مالكها ، وإلى ما عرفته من إعراض المشهور عنه.

وحينئذ فيكفي دليلا للمشهور أصالة بقاء الملك المستفاد من العموم الذي منه يعلم فساد الاستدلال به للثاني ، مؤيدا بقاعدة دوام الملك وعدم معلومية كون الخراب مزيلا له.

وبخبر سليمان بن خالد (٤) المنجبر بما سمعت أنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال : الصدقة ، قلت :فان كان يعرف صاحبها ، قال : فليؤد إليه حقه » بناء على إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) راجع ج ١٦ ص ١١٦ ـ ١٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

٢٣

ما ينافي ملك الثاني من الحق فيها من أداء نفس الأرض أو الأجرة.

وبالنبوي (١) « ليس لعرق ظالم حق » بناء على ما قيل في تفسيره بأن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها وإن كان قد يناقش بمنع كون الفرض ميتة للغير ، فإنه محل البحث بعد تسليم التفسير المزبور الذي هو عن هشام بن عروة الذي لا حجة في قوله. إلا أنك قد عرفت الغنية عن ذلك كله باستصحاب الملك وغيره مما سمعت.

ثم إن مقتضى ذلك عدم جواز الاحياء بدون الاذن ، وعدم ترتب الملك عليه لو فعل كما عن جماعة.

لكن في المسالك « عن المبسوط والمصنف في كتاب الجهاد والأكثر جواز الاحياء ، وصيرورة الثاني أحق بها ، لكن لا يملكها بذلك ، بل عليه أن يؤدي طسقها إلى الأول أو وارثه ، ولم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالاحياء وغيره من الأسباب المملكة حيث يعرض لها الخراب وتصير مواتا » ولعل مستندهم ما سمعت من خبر سليمان بن خالد (٢) بناء على إرادة الطسق من الحق فيه.

وأوجب في الدروس على المالك أحد الأمرين : إما الاذن لغيره أو الانتفاع ، فلو امتنع فللحاكم الاذن ، وللمالك طسقها على المأذون ، ولو تعذر الحاكم فالظاهر جواز الاحياء مع الامتناع من الأمرين ، وعليه طسقها.

وفي المسالك « إنما حاولوا في هذين القولين الجمع بين الأخبار بحمل أحقية الثاني في الأخبار الصحيحة على أحقية الانتفاع بها بسبب الاحياء وإن لم يكن مالكا ووجوب الطسق من خبر سليمان بن خالد (٣) ـ إلى‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

٢٤

أن قال : ـ وفي قيود الشهيد مراعاة لحق المالك وحق الأخبار ( الاحياء خ ل ) وأما القول الأول ففيه اطراح الأخبار الصحيحة جملة ، فكان ساقطا ».

قلت : قد عرفت أنه لا نصوص دالة إلا صحيح الكابلي (١) الذي سمعت البحث فيه ، مع أنه مشتمل على الطسق للإمام عليه‌السلام لا المحيي الأول ، كصحيح عمر بن يزيد (٢) « سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مما تركها أهلها فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس شجرا ونخلا ، قال عليه‌السلام كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤديه إلى الامام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه ».

وصحيح معاوية بن عمار (٣) الذي هو مجمل أو كالمجمل ، وخبر سليمان بن خالد (٤) الذي يمكن بل قيل : إن الظاهر إرادة نفس الأرض من حقه منها ، فلا مخرج عن قاعدة قبح التصرف في مال الغير ، فضلا عن أن يترتب له أحقية بذلك على وجه لا يجوز للمالك انتزاعها منه ، فالمتجه حينئذ ذلك ، خصوصا بعد أن لم يكن شاهد على الجمع المزبور ، سيما ما ذكره في الدروس.

بقي الكلام في وجه التقييد بالمسلم مع أن مثله جار في الذمي أيضا ، لاشتراكهما معا في الأدلة المزبورة ، ومن ذلك يعلم ما في الكلية المزبورة كما أنه من التأمل فيما ذكرنا يعلم ما في غيرها من الكليات المذكورة في المقام وغيره ، حتى ما في أول الكتاب ، نحو قولهم الأرض قسمان :عامر وموات ، فالعامر ملك لأربابه ، والموات للإمام عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٣ من كتاب الخمس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٣.

٢٥

ضرورة احتياج ذلك إلى تفصيل ، لا أنه كذلك مطلقا.

فكان الأولى ترك الكليات المزبورة والاقتصار على تفصيل الأحكام المستفادة من المدارك المخصوصة مع عدم استقصاء أقسام الأرضين هنا التي منها ما صولحوا أهلها عليها ، ومنها ما انجلى أهلها عنها ، ومنها ما باد أهلها وغير ذلك مما هو مذكور في الجهاد.

ولكن على كل حال ينبغي أن يعلم أن الأدلة وخصوصا ما تقدم منها في كتاب الخمس (١) ظاهرة في الاذن منهم عليهم‌السلام للشيعة أو مطلقا بالتصرف في الأرض التي لهم من الأنفال ، بل ظاهرة في ملك المحيي لها ، وأنه لا شي‌ء عليه غير الصدقة ، أي الزكاة.

بل قد يستفاد الاذن منهم عليهم‌السلام أيضا فيما لهم الولاية عليه ، كأرض الخراج فضلا عن غيره ، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب البيع (٢) وفي كتاب الخمس (٣).

بل قد تقدم في كتاب الجهاد (٤) ما يدل على صحة كلية كل أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام عليه‌السلام تقبيلها ممن يقوم بها وعليها طسقها لأربابها ، وكلية كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها ، وإن كان لها مالك معروف فعليه طسقها ، بل ستسمع في الإقطاع انتزاع الحاكم ما أقطعه إذا ترك المقطع العمارة ، وهو مع بعض النصوص هناك مؤيد لذلك في الجملة ، والله العالم.

هذا ( و ) لا يخفى عليك أن ذلك كله ( إن ) كان للأرض‌

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ١٣٤ ـ ١٤١.

(٢) راجع ج ٢٢ ص ١٨٦ ـ ١٨٩.

(٣) راجع ج ١٦ ص ١٥٦ ـ ١٥٩.

(٤) راجع ج ٢١ ص ١٧٦ ـ ١٨٥.

٢٦

المزبورة مالك معروف. وأما إذا ( لم يكن لها مالك معروف ) للجهل به أو لهلاكه وكانت ميتة ( فهي للإمام عليه‌السلام ) إجماعا محكيا عن ظاهر السرائر والتذكرة وجامع المقاصد وصريح المفاتيح في الثاني ، والخلاف في الأول.

إلا أن الجميع لم أتحققه ، بل لم أعرف وجهه ، ضرورة كونها من مجهول المالك مع فرض عدم زوال ملك الأول بالموات وعدم هلاكه. نعم لو مات هو ووارثه كانت للإمام عليه‌السلام باعتبار أنه وارث من لا وارث له.

وأولى من ذلك بذلك ما لو كانت حية ، وإن أطلق في بعض العبارات كونها للإمام عليه‌السلام حتى المتن لو لا إشعار قوله ( ولا يجوز إحياؤها إلا باذنه. ولو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه عليه‌السلام ) مع حضوره ( لم تملك ) في كون الأرض ميتة.

اللهم إلا أن يثبت من الأدلة إخراج خصوص الأرض من بين مجهول المالك في كونها للإمام عليه‌السلام ولو لاندراجها في الخربة التي ورد في النصوص (١) أنها من الأنفال أو فيما لا رب لها ، خصوصا مع عدم العلم بوجود المالك ، أو قلنا بخروجها عن ملك الأول بالموت إذا فرض أن ملكه لها بالاحياء ، ولكن قد عرفت ما في الأخير.

كل ذلك مع أنك قد عرفت سابقا أن العمومات المزبورة تقتضي الاذن في الاحياء ، فلا يكون حينئذ مورد لما ذكره المصنف إلا في الزمان السابق على صدورها أو بمنع دلالتها على الاذن ، وفيه البحث السابق.

ومما ذكرنا يظهر لك ما في المسالك من الفرق بين الحية والميتة مع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ من كتاب الخمس.

٢٧

جهل المالك ، فأخرج الأولى عن ملك الامام عليه‌السلام بالخصوص بخلاف الثانية ، هذا كله مع الحضور.

( و ) أما مع الغيبة ففي المتن وبعض كتب الفاضل أنه ( إن كان الامام عليه‌السلام غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها ، فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها ، ومع ظهور الامام عليه‌السلام يكون له رفع يده عنها ).

ولكن ـ مع أنه لا دليل له على ذلك ـ لا يخلو من تناف بين قوله أولا : « أحق » مشعرا بعدم الملك وبين قوله ثانيا : « ملكها » ولعله لذا فسرها في المسالك بأنه لم يملكها المحيي ملكا تاما ، لأن للإمام عليه‌السلام بعد ظهوره رفع يده عنها ، ولو ملكها ملكا تاما لم يكن له ذلك.

قلت : بل عن التذكرة التصريح بالأحقية وأنه لا يملكها ، ومقتضاه عدم جواز التصرف فيها ببيع ونحوه مما يمكن القطع بخلافه ولو من السيرة القطعية فضلا عن النص والفتوى.

فمع فرض إرادة نحو ذلك من عدم تمامية الملك التي سمعتها من ثاني الشهيدين كان واضح الفساد ، وإن أريد بها ما لا ينافي انتزاع الامام عليه‌السلام لها بعد ظهوره خاصة وإلا فقبله يتصرف فيها تصرف الملاك فهو نزاع قليل الجدوى ، إذ هو مع ظهوره أعلم بما يفعله.

وعلى كل حال فالمتجه بناء على ما ذكرناه سابقا ملك المحيي لها أولا ، وبقاؤها على ملكه وإن تركها وبادت آثارها ما لم تكن على جهة الإعراض عنها بحيث يملكها غيره إن قلنا به ، إما لحصول الاذن منهم عليهم‌السلام بالعمومات السابقة أو لسقوط اشتراط الاذن في زمن الغيبة.

وربما قيل : إن مستند التفصيل المزبور النصوص المزبورة ، وفيه‌

٢٨

أنه ليس في شي‌ء منها ما يدل على ذلك في الجملة إلا صحيح الكابلي (١) المشتمل على الطسق المؤدي للإمام عليه‌السلام من أهل البيت.

ولذا قال في المسالك : « إنه ظاهر في حال وجود الامام عليه‌السلام » وإن كان فيه أن‌ قوله عليه‌السلام بعد ذلك فيه : « إلى أن يظهر القائم » إلى آخره ظاهر في زمن الغيبة ، بل قد يدعى ظهوره في عدم الطسق حينئذ ، نعم هو ظاهر في إبقائها في يد الشيعة بعد الظهور مع المقاطعة ، ولم يشر إليه المصنف.

نعم في المسالك عن التحرير أنه اشترط ذلك ، فقال : « إن للإمام عليه‌السلام رفع يده عنها إذا لم يتقبلها بما يتقبلها غيره ».

وفيه أن ذلك غير مستفاد من الصحيح المزبور ، نعم هو دال على خصوص لطف وإكرام للشيعة في المقاطعة المزبورة ، لكن قد عرفت حال الصحيح المزبور.

بل يزيد ما ذكرنا أن مقتضاه عدم الفرق فيما ذكره بين الأراضي جميعها وبين حالي الحضور والغيبة في عدم الملك أصلا ، فالتحقيق ما ذكرناه.

كل ذلك مضافا إلى ما في ذلك من المنافاة لما ذكره أولا من أنه متى جرى عليها ملك مسلم كانت له ولورثته مع فرض كونه معينا ، فكيف يملكها الثاني ولو ملكا تاما؟ ومن هنا يظهر أن إرجاع الملكية في كلامه إلى الأحقية أولى ، حتى يكون موافقا لأحد الأقوال السابقة وإلا كان خارجا ، لكن المتجه دفع الأجرة للمحيي الأول ، كما سمعته من القائل به.

ولعل هذا من جملة التشويش الذي أشرنا إليه في كلمات بعضهم ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات.

٢٩

ومثله ما في القواعد ، فإنه بعد أن ذكر أن الميت من الأراضي يملك بالأحياء ، وأن المراد بالميت ما خلا عن الاختصاص ولا ينتفع به إما لعطلته أو لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو لغير ذلك ، وأنه للإمام عليه‌السلام خاصة لا يملكه الآخذ وإن أحياه ما لم يأذن له الامام عليه‌السلام فيملكه إن كان مسلما بالاحياء وإلا فلا قال : « وأسباب الاختصاص ستة : الأول العمارة ، فلا يملك معمور ، بل هو لمالكه وإن اندرست العمارة ، فإنها ملك المعين أو للمسلمين إلا أن يكون عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في أيدي المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها بالاحياء ، ولا فرق في ذلك بين الدارين ، إلا أن المعمور الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم ، ومواتها الذي لا يذب المسلمون عنه فإنها تملك بالاحياء ، ولو استولى طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ففي اختصاصهم بها من دون الاحياء نظر ، ينشأ من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك ».

مع أنه لا يخفى عليك ما في توقفه الأخير ، ضرورة أن استيلاء الطائفة إن كان بإذن الإمام عليه‌السلام فهو من المفتوح عنوة ومواته للإمام عليه‌السلام إجماعا ، وإلا فهو غنيمة بغير إذنه للإمام عليه‌السلام أيضا إجماعا.

ومن هنا قال في الدروس : « موات الشرك كموات الإسلام ، فلا يملك الموات بالاستيلاء وإن ذب عنه الكفار ، بل ولا تحصل به الأولوية ، وربما احتمل الملك أو الأولوية تنزيلا للاستيلاء كالأحياء أو كالتحجر ، والأقرب المنع ، لأن الاستيلاء سبب في تملك المباحات المنقولة والأرضين المعمورة ، والأمران منتفيان هنا » إلى آخره.

٣٠

نعم عن أحد وجوه الشافعية الملك كالمعمور ، وعن آخر الاختصاص به كالتحجير ، والثالث كما قلناه من عدم الملك بذلك وعدم التحجير ، بل قد يقال بعدم كونه من الغنيمة ، ضرورة كونه ملكا للإمام عليه‌السلام وهو في أيدي الكفار ، وأقصى ما حصل باستيلاء الطائفة المزبورة استخلاص المغصوب ورده إلى أهله.

وكذلك قوله قبل ذلك : « ومواتها » إلى آخره الصريح في الفرق بين موات الإسلام والكفر بالنسبة للكافر ، إذ فيه أنه لا دليل على ذلك.

بل المحكي عن الخلاف أنه قال : « الأرضون العامرة في بلاد الشرك التي لم يجز عليها ملك أحد للإمام عليه‌السلام خاصة لا يملكها أحد بالاحياء إلا أن يأذن له » ثم ادعى إجماع الفرقة وأخبارهم ، ونحوه عن المبسوط.

بل في محكي التذكرة « وإن لم تكن ـ أي أرض بلاد الكفر ـ معمورة فهي للإمام عليه‌السلام لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا » بل في الدروس إن ما لم يذبوا عنه كموات الإسلام قطعا.

كل ذلك مضافا إلى ما تقتضيه الأدلة السابقة التي لا فرق فيها بين موات الإسلام وموات الكفر وبين من بلغه الدعوى منهم ولم من تبلغه.

هذا مع ما في كلامه السابق أيضا من عدم الملك مع العمارة وإن اندرست ، ضرورة عدم تماميته إذا باد المالك الأول وانتقل إلى الامام عليه‌السلام ( و ) كذا لو جهل أو لم يعلم حاله إن قلنا بأن مثله يكون للإمام عليه‌السلام أيضا.

كما أنه لا فرق فيها بين ( ما هو بقرب العامر من الموات ) وغيره ، ف ( يصح ) حينئذ ( إحياؤه ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ،

٣١

ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة ( إذا لم يكن مرفقا للعامر ولا حريما له ) كما ستعرفه في الشرط الأول.

خلافا لأبي حنيفة والليث ، فمنعنا من إحيائه ، لأنه قد يحتاجه العامر ، وهو اجتهاد فاسد في مقابل إطلاق الأدلة ، مضافا إلى ما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) من أنه أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق‌ الذي هو قريب من عمارة المدينة.

والمدار في القرب والبعد العرف ، لكن عن أبي حنيفة تحديده بأنه الذي إذا وقف الرجل في أدناه وصاح بأعلى صوته لم يسمع المصغي إليه ، وعن الليث تحديده بغلوة. وهو كما ترى اجتهاد في اجتهاد.

والمرفق كمسجد ومقعد ومنبر من جملة الحريم الذي عرفه الشهيد كما قيل بأنه الموضع القريب من موضع معمور يتوقف انتفاع ذلك المعمور عليه ولا يد لغير مالك المعمور عليه ظاهرا حينئذ ، فعطفه عليه من عطف العام على الخاص ، وربما قيل باختصاص الحريم وعموم المرفق ، والله العالم.

( ويشترط في التملك بالإحياء ) زيادة على ما عرفته من اعتبار الاذن وما تعرفه من انتفاء الحمى ومن كيفية الإحياء ( شروط خمسة ) نعم زاد في الدروس على ذلك كله قصد التملك ، وفي المسالك أن المصنف أشار إليه بذكر الشرائط المزبورة للتملك الذي هو إرادة الملك ، فيستلزم القصد بخلاف ما لو جعلها شرطا للملك.

وفيه أنه لا دليل على اشتراط ذلك ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، والإجماع مظنة عدمه لا العكس ، كما أن دعوى الانسياق من النصوص ولا أقل من الشك واضحة المنع وإن مال إليه في الرياض لذلك.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٩.

٣٢

وعدم ملك الوكيل والأجير الخاص لا لعدم قصد تملكها وقصد تملك غيرهما ، بل لصيرورة الاحياء الذي هو سبب الملك لغيرهما بقصد الوكالة والإجارة ، فيكون الملك له ، فلا يستفاد من ذلك اشتراط قصد التملك كما توهم.

بل لا يستفاد منه اعتبار عدم قصد العدم فضلا عن القصد ، ضرورة ظهور الأدلة في أنه متى وجد مصداق إحياء ترتب الملك عليه وإن قصد العدم ، لأن ترتب المسبب على السبب قهري وإن كان إيجاد السبب اختياريا ، اللهم إلا أن يشك في السبب حينئذ.

وفيه منع ، لإطلاق الأدلة ، بل لعل ما سمعته من ملك الموكل والمستأجر بفعل الوكيل والأجير الخاص وإن لم يقصد الاحياء دليل على ما قلنا ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا ، فالمتجه حينئذ إرادة الملك من التملك وإنكار ذلك شرطا ، والله العالم.

وكيف كان ف ( الأول أن لا يكون عليها يد ) تعرف ( لمسلم ) أو ما لم يعلم فسادها كي تكون محترمة ( فإن ذلك يمنع من مباشرة الإحياء لغير المتصرف ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له.

نعم عن بعضهم ترك هذا الشرط معللا بأن اليد إن لم ترجع إلى أحد هذه الأمور لا أثر لها.

وفيه أن فائدتها تظهر مع اشتباه الحال ، فإنها محكوم باحترامها ما لم يعلم فسادها وإن لم يعرف خصوص الموجب لها.

وعن حواشي الشهيد أن المراد باليد اليد المصاحبة للإحياء أو العمارة ولو بالتلقي ممن فعل ذلك أو أرض أسلم عليها أهلها طوعا لا مطلق اليد.

وفيه عدم انحصار جهة الاحترام بهما ، إذ لعله بالحمى ونحوه.

نعم قيل : إن هذا الشرط مبنى على ما سبق من عدم بطلان الملك‌

٣٣

بالموت مطلقا ، أي في زمن الغيبة والحضور ، سواء كان الملك بالشراء أو الاحياء.

وفيه أنه على البطلان تكون حينئذ من اليد المعلوم فسادها كما صرح به في المسالك ، وعلى عدمه هي ملك للأول وإن اندرست آثاره ولم يبق له يد عليها.

نعم ربما أبدل اليد في الشرط المزبور بالملك كما وقع في بعض كتب الفاضل ، وكأنه من اقتضاء اليد ذلك مع عدم العلم بالفساد ، وربما كان حينئذ لبناء الشرط المزبور على المسألة وجه.

ولكن فيه أن الدليل كما ستعرف يقتضي عدم ترتب الملك بإحياء ما كان في اليد المحترمة وإن لم يعلم الملك بها ، بل كانت محتملة له وللحق.

بل يمكن دعوى ذلك حتى مع العلم بعدم كونها مالكة ولكن محتملة للحقية التي هي غير الملكية ، لأصالة احترام اليد ، وللشك في ترتب الملك بالاحياء معه إن لم يكن ظاهر الأدلة عدمه ، خصوصا بعد ملاحظة الفتوى ومفهوم‌ المرسل (١) « من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له » وإن لم يكن موجودا في طرقنا ، ولكنه منجبر بالعمل ، فيمكن أخذه دليلا مستقلا ، فضلا عن حصول الشك به ، مضافا إلى فحوى ما تسمعه في التحجير والحمى ونحوهما وصدق الظلم ونحوه ، والله العالم.

الشرط ( الثاني أن لا يكون ) الموات ( حريما لعامر : ) بستان أو دار أو قرية أو بلد أو مزرع أو غير ذلك مما يتوقف الانتفاع بالعامر عليه ( كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط ) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ، بل في التذكرة « لا نعلم خلافا بين علماء الأمصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر كالطريق والشرب ومسيل‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٤٢.

٣٤

ماء العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته ، أو لمصالح القرية كقناتها ومرعى ماشيتها ومحتطبها ومسيل مياهها لا يصح لأحد إحياؤه ، ولا يملك بالاحياء ، وكذا حريم الآبار والأنهار والحائط وكل مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلق بمصالحه ، لمفهوم المرسل المزبور (١) ولأنه لو جاز إحياؤه أبطل الملك في العامر على أهله ، وهذا مما لا خلاف فيه » بل عن جامع المقاصد الإجماع عليه.

وهو الحجة بعد قاعدة الضرر والمرسل المزبور وصحيح أحمد بن عبد الله (٢) على الظاهر « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا وأقل وأكثر يأتيه الرجل فيقول له : أعطني من مراعي ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما فقال : إذا كانت الضيعة له فلا بأس » ونحوه صحيح إدريس بن يزيد أو خبره (٣).

بل ربما كان ظاهرهما الملكية بناء على إرادة البيع ونحوه من الإعطاء فيهما ، كما عن الشيخ وبني البراج وحمزة وإدريس وسعيد والفاضل وولده وغيرهم ، بل في المسالك أنه الأشهر.

مضافا إلى أنه مكان استحقه بالاحياء فملك كالمحيي ، ولأن معنى الملك موجود فيه ، لدخوله مع المعمور في بيعه ، وليس لغيره إحياؤه ولا التصرف فيه بغير إذن المحيي ، ولأن الشفعة تثبت في الدار بالشركة في الطريق المشترك المصرح في النصوص المزبورة (٤) ببيعه معها ، ولإمكان‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ١ عن إدريس بن زيد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة.

٣٥

دعوى كونه محيا باعتبار أن إحياء كل شي‌ء بحسب حاله.

خلافا لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك ، بل هي من الحقوق لعدم الاحياء الذي يملك به مثلها.

وفيه ما عرفت من منع عدم حصول الإحياء الذي لا يعتبر فيه مباشرته كل جزء جزء ، فان عرصة الدار تملك ببناء الدار دونها ، ومنع توقف الملك على الاحياء ، بل يكفي فيه التبعية للمحيا ، وتظهر الثمرة في بيعها منفردة.

إلا أنه ينبغي أن يعلم أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار تقتضي عدم اجتناب بعض ما هو حريم للقرية مثلا.

بل لعلها تقتضي في ابتداء حدوث القرية أن لكل أحد النزول قريب الآخر وان اقتضى ذلك بعدا في مرمى قمامته مثلا ، كما إذا اتفق نزول أحد في مرعى ماشية البلد أو القرية أو محطبهم لم يكن عليه اعتراض بعد استبعاد نزول أهل البلد والقرية المتجاورين ، وحقوق بلدهم وقريتهم خارج عنهم دفعة ، فليس هو إلا لما ذكرنا من عدم التسلط على منع التنازل وان استلزم بعد بعض الحقوق ، وإلا لكان بين كل واحد أو جماعة مسافة بعيدة. اللهم إلا أن يقال بعدم العلم بالحال مع كون المدار على الضرر ، والله العالم.

( و ) على كل حال ف ( حد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه ) أي الطريق ( في الأرض المباحة خمس أذرع ) بمعنى على المحيي بعد الأول التباعد عنه بذلك ، كما يومئ إليه قوله بعد ذلك : « فالثاني يتباعد ».

لكن فيه أن التحديد المزبور للأعم من ذلك ، حتى لو أراد المحيي الأول أن يحيي بعد ما أحياه أولا شيئا آخر يحتاج معه إلى الطريق ، أو‌

٣٦

كان الاحياء من الاثنين مثلا دفعة ، بل ومن مباح كان يستطرق أو لا ولكن بإحيائه يستعد للاستطراق.

وبالجملة متى احتيج إلى الطريق في الأرض المباحة التي يراد إحياؤها فحده خمس أو سبع. ويمكن حمل عبارة المتن على ذلك أيضا.

وفي النافع وصف الطريق بالمبتكر ، ولعله يريد ما ذكرناه من وضع طريق لما هو معد للاستطراق لما يريد إحياؤه من الموات وإن لم يكن في السابق هذا الموات مستطرقا ، نعم فيه أيضا أن الأمر أعم من ذلك مع إمكان إرادته له أيضا.

وفي الرياض تفسير المبتكر بالملك المحدث في المباح من الأرض إذا تشاح أهله ، فحده خمس أذرع.

وفيه أن المسألة غير خاصة في صور التشاح ، بل لو اتفق المالكان على الأقل لم يجز لهم ذلك في الطريق العام.

وعلى كل حال فظاهر المصنف اختيار الخمس ، كالفاضل في بعض كتبه ومحكي المقتصر خاصة. لكن عن الفخر نسبته إلى كثير ، بل الحواشي والإرشاد نسبته إلى الأكثر وإن كنا لم نتحققه ،

للموثق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم :سبع أذرع وقال بعضهم : أربع أذرع ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : بل خمس أذرع » مؤيدا بما في المسالك من أصالة البراءة من الزائد ، والظاهر إرادته براءة ذمة المحيي الثاني عن وجوب اجتناب الأزيد من الخمس ، وحينئذ فيوافقه إطلاق الاذن في الاحياء المقتصر في المنع منه على المتيقن ، وهو الخمس.

لكن فيه أنه يمكن معارضته بأصالة حل المنع من الأول عن مقدار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الصلح.

٣٧

السبع التي هي المتيقن في جواز إحياء ما تعلق به حق الغير ، ومن هنا جعل ذلك في الرياض دليلا للتحديد بالسبع وإن كان هو لا يخلو من شي‌ء.

( وقيل ) والقائل الشيخ والقاضي والتقي والحلي ويحيي بن سعيد والفاضل في جملة أخرى من كتبه وولده والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ( سبع أذرع ) وحينئذ ( فالثاني يتباعد هذا المقدار ) لخبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الطريق إذا تشاح عليه أهله فحده سبع أذرع » ونحوه‌ خبر السكوني (٢) والنبوي (٣) « إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع ».

وفي جامع المقاصد « وقد ينزل خبر البقباق (٤) على ما إذا لم تدع الحاجة إلى أزيد من الخمس إن لم يلزم من ذلك إحداث قول ثالث ، فان لزم فالعمل على السبع ».

ولكن في المسالك « ويمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف الطرق ، فان منها ما يكفي فيه الخمس ، كطرق الأملاك والتي لا تمر عليها القوافل ونحوه غالبا ، ومنها ما يحتاج إلى السبع ؛ وقد يعرض احتياج بعضها إلى أزيد من السبع ، كالطريق التي يمر عليها الحاج بالكنائس ونحوها ، فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدر ، أما النقصان فلا ».

وهو أولى بكونه إحداث قول ثالث وإن نفى عنه البعد في الكفاية ومال إليه في المفاتيح ، بل هو كأنه من الاجتهاد في مقابل إطلاق الأدلة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الصلح ـ الحديث ١.

٣٨

مضافا إلى ما فيه من منع عدم جواز النقصان مع فرض الانحصار فيهما فان الحق لهما.

لكن في الدروس « لا فرق بين الطريق العام أو ما يختص به أهل قرى أو قرية في ذلك ، نعم لو انحصر أهل الطريق فاتفقوا على اختصاره أو تغييره أمكن الجواز ، والوجه المنع ، لأنه لا ينفك من مرور غيرهم ولو نادرا ».

وفيه أن الملك أو الحق لهم دون غيرهم ، والناس مسلطون على أموالهم ، نعم لا يجوز ذلك في الطريق العام ، فيلزموا به أجمع مع التساوي وإلا فالمحيي الثاني ، بل إن لم يكن حاكم يلزمه بذلك وجب على المكلفين من باب الحسبة ، ولو أدى نظر الحاكم إلى تغييره أو تبديله فالظاهر الجواز.

ولو زادوها على السبع واستطرقت ففي الدروس جواز إحياء ما زاد على السبع.

وفيه ـ مع منافاته لقاعدة تعلق حق الغير بإحيائه ـ أنه مناف‌ للموثق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الطريق الواسع هل يؤخذ منه شي‌ء إذا لم يضر بالطريق؟ قال : لا ».

واحتمال حمله على ما إذا كان سبعا لا داعي له ، ولعله لذا جزم في المسالك بعدم جواز إحداث ما يمنع المارة في الزائد.

والظاهر زوال حرمة الطريق باستئجامها وانقطاع المرور عليها وإن توقع عودها ، خلافا للدروس والمسالك فضلا عما لو استطرق الناس غيرها وأدى ذلك إلى الأعراض عن الأول رأسا لكون الثانية أسهل وأخصر الذي وافق في المسالك على أن الظاهر لحوق حكم الموات للأول مع شهادة القرائن على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٩

استمرار الأول على الهجران وإن كان فيه أنه لا حاجة إلى شهادة القرائن ، والله العالم.

( وحريم الشرب ) بكسر أوله الذي هو هنا النهر والقناة ونحوهما ( بمقدار مطرح ترابه والمجاز على حافتيه ) للانتفاع به ولإصلاحه على قدر ما يحتاج إليه عادة بلا خلاف أجده فيه ، ويومئ إليه ـ مضافا إلى أنه المحتاج إليه في تنقيته لإجراء مائه ـ مرفوع إبراهيم بن هاشم (١) « حريم النهر حافتاه وما يليهما ».

( ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له به مع يمينه ) في وجه ( لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر ) من الحريم الذي لا ينفك عن النهر غالبا.

( و ) لكن ( فيه تردد ) لأن يد مالك الأرض على ملكه الذي من جملته موضع التحريم ، وهو مانع من إثباته ، ومن ثم لم يثبت الحريم للأملاك المتجاورة ، ولأن ثبوت الحريم موقوف على التقدم في الاحياء أو المقارنة ، وكلاهما غير معلوم ، فسبب استحقاق الحريم حينئذ غير متحقق ، ولا يد لصاحب النهر إلا على النهر ، وإنما اليد لصاحب الأرض ، وهي أقوى من اقتضاء النهر الحريم على بعض الأحوال ، فلا يترك المعلوم بالمحتمل ، ولعله الأقوى.

ولا ينافي ذلك تبعية الحقوق لإطلاق البيع مثلا ، فان ذلك لا يقضي بتبعيتها لمطلق الملك الذي يمكن حصوله مجردا عن جميعها.

فمع فرض العلم بكون النهر في ملك الغير ويمكن كونه مملوكا بلا حريم كما لو باعه إياه كذلك يكون حينئذ هو المدعي ، وصاحب الملك هو المنكر ، لأنه الذي يدعي عليه استحقاق الزائد ، وهو معنى فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٤.

٤٠