جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كالمباح ، ومنه يعلم حينئذ صحة نسخة « سيبها » بالياء لا « نسيها » من النسيان.

وحينئذ يكون الضالة المجهودة في غير كلأ وماء على حكم غيرها من الضوال ، فيكون وجه التفصيل ما أشرنا إليه ونحوه مما يظهر منه ذلك مع ملاحظة إطلاق بعض النصوص السابقة الذي يمكن دعوى انسياقه من فحواه.

هذا وفي اللمعة والمفاتيح « إذا وجد البعير في كلأ وماء صحيحا » وظاهرهما اعتبار الأمرين معا ، وهو مخالف لما عرفت.

وعلى كل حال ( فلو أخذه ) في صورة عدم جواز أخذه ( ضمنه ) بلا خلاف أجده ، بل ولا إشكال ، لعموم « على اليد » (١) مع عدم الاذن لا شرعا ولا مالكا.

بل في الروضة « لا يجوز أخذه حينئذ بنية التملك مطلقا ، وفي جوازه بنية الحفظ لمالكه قولان : من إطلاق الأخبار بالنهي والإحسان ، وعلى التقديرين يضمن بالأحد حتى يصل إلى مالكه أو إلى الحاكم مع تعذره ».

وظاهره الضمان حتى مع قصد الإحسان ، ولعله كذلك ، للعموم المزبور الذي لا ينافيه قاعدة الإحسان المراد منها ما حصل فيه الإحسان لا ما قصد ولم يحصل.

نعم في‌ خبر الحسين بن يزيد (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فنفقت ، قال : هو ضامن ، فان لم ينو أن يأخذ لها جعلا فتنفق فلا ضمان عليه ».

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٩٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٢١

إلا أنه مع عدم جامعيته لشرائط الحجية لم أجد عاملا به من الأصحاب ، ضرورة إطلاقهم الضمان في صورة عدم الجواز ، وعدمه في صورة عكسه.

وكذا ما في‌ صحيح صفوان (١) أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها أو مثلها من مال الذي كتمها ».

ورواه في الكافي والفقيه بالواو ، وكأنه بمعنى « أو » على إرادة صورة التلف ، أو المراد أنه يدفع العين إلى مالكها بانضمام مثلها كفارة للكتمان أو تغريرا أو استحبابا ، وعلى كل حال فهو غير ما نحن فيه.

وأما القول بجواز أخذ ما يحرم التقاطه بعنوان الحفظ فقد اختاره في التذكرة منزلا النصوص على ما إذا نوى بالالتقاط التملك قبل التعريف أو بعده ، بل قال فيها : « أنه يجوز للإمام أو نائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملك ».

وفيه أن ذلك كله مناف لظاهر النهي عن الاهاجة وللأمر بالتخلية وقول الامام عليه‌السلام (٢) : « لا أحب أن أمسها » الدال على أنه كغيره في ذلك ( و ) نحوه.

ثم ( لا يبرأ ) الضامن للبعير المزبور ( لو أرسله ) إلى محله الذي أخذه بلا خلاف ولا إشكال.

خلافا لعمر وأبي حنيفة ومالك ، فقد قال الأول منهم للملتقط المزبور : أرسله في الموضع الذي أصبته فيه ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٢٢

وفيه أن ذلك ليس أداء كما في غيره من المال المضمون بسرقة ( و ) نحوها.

نعم ( يبرأ لو سلمه إلى صاحبه ) قطعا ( ولو فقده سلمه إلى الحاكم ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، كالشيخ والحلي والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد على ما حكي عن بعضهم ( لأنه منصوب للمصالح ) التي منها قبض نحو ذلك.

( فان كان له حمى أرسله فيه وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه ) كما صرح به غير واحد ، لكن الظاهر إرادة الجميع ما في التذكرة والدروس من تقييد تركه في الحمى ـ بما إذا رأى المصلحة في ذلك ، وإلا باعه ـ كما إذا لم يكن له حمى ـ بعد أن يصفها ويحفظ صفاتها ، ولذا استحسنه في جامع المقاصد والمسالك.

نعم قد يناقش في وجوب دفعه إلى الحاكم ـ بناء على ظهور عبارة المتن ونحوها في ذلك ـ بأنه مع عدم اليأس من صاحبه مخاطب بالفحص ، ومكلف بالحفظ حتى يرده إليه ، إذ هو مغصوب أو كالمغصوب بالنسبة إلى ذلك ، ومع اليأس له الصدقة به كغيره من مجهول المالك.

وولاية الحاكم عن صاحبه على وجه يكون كولاية الطفل لا دليل عليها وإن قلنا بوجوب الحفظ عليه لو دفع إليه باعتبار كونه منصوبا لأمثال هذه المصالح.

ومنه ينقدح الشك في براءة ذمته من الضمان لو دفعه إليه ، بل يبقى في ضمانه إلى أن يصل إلى يد المالك ، فان الحاكم على ما ذكرنا ولي حفظ لا ولي قبض على وجه يحصل معه البراءة كالمالك أو وكيله ، وإلا لوجب دفعه إليه ، وقد عرفت ما فيه. وقد تنبه لبعض ما ذكرناه المقدس الأردبيلي.

٢٢٣

اللهم إلا أن يقال : إن مراد الأصحاب جواز التسليم لا وجوبه ، ودعوى أنه متى جاز وجب لا حاصل لها هنا.

وكذا قد يناقش فيما قيل من أنه لو لم يجد الحاكم هل يجوز له بيعه أم لا؟ الظاهر الثاني ، وعلى تقدير عدم البيع يبقى في يده مضمونا عليه إلى أن يجد المالك أو الحاكم ، ويجب عليه الإنفاق عليه ، وفي رجوعه به مع نيته وجهان ، من دخوله على التعدي الموجب لعدم الرجوع ، ومن أمره بالإنفاق شرعا حين يتعذر عليه أحد الأمرين ، فلا يتعقب الضمان.

إذ لا يخفى عليك ما في جواز بيعه أولا مع عدم الولاية له ، بل يده يد عدوان ، وما في احتمال الرجوع بنفقته مع النية ثانيا ، مع أن ذلك واجب عليه ، وليس هو من الأمناء شرعا ولا مالكا ، والأمر الشرعي مقدمة للحفظ الواجب عليه حتى يرده إلى مالكه. فمن الغريب تردد بعضهم في الحاكم من غير ترجيح.

وأغرب من ذلك ما في التذكرة من أن الأقرب الرجوع ثم قال : « ولا يبعد من الصواب التفصيل ، فان كان قد نوى التملك قبل التعريف أو بعده أنفق من ماله ولا رجوع ، لأنه فعل ذلك لنفعه ، وإن نوى الحفظ دائما رجع مع الاشهاد إن تمكن وإلا فمع نيته ».

( وكذا حكم الدابة ) التي هي الفرس في كلامهم بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، كما أشعر به بعض العبارات ، قيل لخبري مسمع (١) والسكوني (٢) السابقين ، بل والصحيح (٣) بناء على إرادة الضالة من المال فيه ، بقرينة « قامت » ونحوه فيه.

وعلى كل حال فقد ألحق البغل في كشف الرموز والمسالك ومحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٢٤

الخلاف والمبسوط ، بل لعل لفظ الدابة في النصوص (١) المزبورة شامل له ولغيره من ذات القوائم الأربع ولو المتعارف منها الذي يدخل هو فيه ، بل لو سلم إرادة خصوص الفرس منها فيها أمكن إلحاقه بها أيضا ، خصوصا بعد ملاحظة تحقق حكمة الجواز وعدمه أو علته المستفادة من فحوى النصوص.

( و ) كيف كان ففي جريان الحكم المزبور ( في البقرة والحمار تردد ) ينشأ مما عرفت ( أظهره المساواة ) في الأول ، وفاقا للشيخ والآبي والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد وظاهر الحلي على ما حكي عن بعض ( لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير ) باعتبار استغنائه بالرعي والشرب ، وكونه محفوظا من صغار السباع. نعم لو فرض تحقق التلف لبعد الماء والكلأ على وجه لا يصل إليه ولا يهتدي إليه لم يحرم الأخذ.

لكن في الكفاية قرب العدم ، ولعله للفرق بينها وبين البعير والدابة ، باعتبار عدم العدو وعدم الامتناع عن الذئب ونحوه وعدم الصبر على العطش كالبعير ، ولعل ذلك ونحوه وجه التردد فيها.

وأولى من ذلك التردد في الثاني ، وإن ألحقه الشيخ والفاضل والآبي والكركي والمقداد وفاضل الرياض على ما حكي عن بعض بالبعير.

لكن في التحرير والمسالك والكفاية قد قرب الجواز ، بل قيل : إنه يقتضيه كلام الجماعة ، إذ لا ريب في عدم امتناع الحمار من الذئب ، ومن هنا استوجه بعض الناس التفصيل بين الأرض ذات الذئاب وغيرها ، فيؤخذ في الأولى دون الثانية.

بل قيل : إن الحمار شابه البعير في الصورة وفارقه في العلة ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

٢٢٥

لا صبر له على الماء ، وساوى الشاة في العلة لأنه لا يمتنع من الذئب ، وإلحاق الشي‌ء بما ساواه في العلة وإن فارقه في الصورة أولى من العكس ، وإن كان فيه ما لا يخفى.

هذا ولكن قد يقال : إنه لا دلالة في النصوص على عدم جواز أخذ الدابة ـ فضلا عن غيرها ـ إذا كانت صحيحة وإن لم تكن في كلأ ولا ماء ، بل لعل ظاهر بعض النصوص (١) خلافها ، فلا وجه للإلحاق بالبعير الذي‌ ورد فيه « لا تهجه » (٢) و « خل عنه » (٣) ونحو ذلك وقياس غير البعير عليه خصوصا مثل البقرة والحمار كما ترى.

اللهم إلا أن يقال : إن صحيح الجميع بعد إمكان بقائه ولو بالنسبة إلى حاله كصحيح البعير وإن اختلفا في الصبر ونحوه ، فالمتجه جعل المدار في الدواب المزبورة جميعها على وجود المعنى المستفاد من‌ « خفّه حذاؤه وكرشه سقاؤه » (٤) فيها ، فلا يجوز التعرض لها ، وعدمه فيجوز التقاطها ، ويجري عليه حكمها ، لا أنها بقول مطلق ، كالبعير المعلوم تفاوت ما بينه وبين الجاموس مثلا والحمار في الصبر عن الماء وسرعة العدو وغير ذلك كما هو واضح ، بل التفاوت بينه وبين الفرس ظاهر في ذلك وغيره فضلا عن غير الفرس.

بل في التذكرة لا حظ الفحوى المزبورة في المال الصامت قال : « إن الأحجار الكبار كأحجار الطواحين والحباب الكبيرة وقدور النحاس العظيمة وشبهها مما ينحفظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه ، بل هو أولى منه ، لأن الإبل في معرض التلف ، إما بالأسد أو بالجوع أو العطش أو غير ذلك ، وهذه بخلاف تلك ، ولأن هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تخرج من مكانها بخلاف الحيوان ، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٢٦

أولى ، وكذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها ، والأخشاب الموضوعة على الأرض ، أما السفن المحلولة الرباط السائرة في الفرات وشبهها بغير ملاح فإنها لقطة إذا لم يعرف مالكها ».

قلت : هو لا يخلو من وجه ، وإن كان يقوى أن جميع ما ذكره مع فرض صدق اسم الضائع عليه ولو لنسيان مالكه أو غير ذلك لقطة ، إذ لا يعتبر في صدقه سقوطه من المالك ، وقد سمعت سابقا جريان اسم اللقطة على الدار في كلام بعض الأفاضل.

هذا وقد سمعت ما في النصوص (١) المزبورة من اعتبار الأمن ، لكن لم أجد تصريحا به من الأصحاب ، ولعله لا يخلو من وجه ، ضرورة مراعاة مصلحة المالك في ذلك ، ولا ريب في عدمها مع فرض الخوف الذي لا تبقى معه البهيمة في مرعاها ، فلا يبعد جواز أخذها حفظا لمالكها.

بل لا يبعد جواز التقاطها مع فرض صدق اسم الضياع عليها.

بل إن كان الخوف خوفا يخشى منه تلفها على وجه لا ينتفع بها المالك كقتل أسد ونحوه يتأكد ذلك ، إذ هي حينئذ كالشاة التي هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد ظهر لك الحال من ذلك كله في البعير وما ألحق به إذا كان صحيحا أو في ماء وكلأ.

( أما لو ترك البعير من جهد في غير كلأ وماء جاز أخذه ، لأنه كالتالف ، ويملكه ( ملكه خ ل ) الآخذ ، ولا ضمان ، لأنه كالمباح ، وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار إذا ترك من جهد في غير كلأ وماء ) بلا خلاف صريح أجده بين القدماء والمتأخرين إلا ما في الوسيلة.

قال : « وإن تركه صاحبه من جهد وكلال في غير كلأ وماء لم يجز أخذه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

٢٢٧

بحال » ولعله لإطلاق الأدلة السابقة المقيد بما سمعته من النصوص (١) اللاحقة ، خصوصا صحيح ابن سنان (٢) منها المشتمل على الفلاة المفسرة بالأرض التي لا ماء فيها أو القفر المفسر بالخلاء من الأرض ، كما فسر المفازة بالقفر.

نعم قد يقال : إن ظاهر النص والفتوى في صورة الاعراض لا الضائع في غير الكلأ والماء ، وأما هو فلا يجوز أن يتملكه ، بل يدفعه إلى السلطان أو يستعين به في نفقته ، فان تعذر أنفق ورجع إذا نواه ، وحينئذ فالأقرب وجوب تعريفه سنة وجواز التملك بعد.

بل ربما كان في التذكرة بعض ذلك أيضا قال : « لو ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخلصها تملكها ، وبه قال الليث والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق إلا أن يكون تركها بنية العود إليها وأخذها ، أو كانت قد ضلت منه ـ إلى أن قال في الاستدلال على ذلك ـ : لأن مالكه نبذه رغبة عنه وعجزا عن أخذه ، فيملكه آخذه ، كالساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه وزهدا فيه ».

فان قوله : « أو كانت قد ضلت » يدل على عدم جواز تملكها بإحيائها إذا كانت قد ضلت منه وإن وجدت في غير كلأ ولا ماء ، ولعله لأن النص (٣) والفتوى بلفظ « ترك » الظاهر في غير الضائع.

نعم هي ظاهرة في كون المراد أن إحياء الحيوان الذي هو في غير كلأ ولا ماء وقد أصابه الجهد والكلال سبب لتملك الحيوان المزبور ، سواء كان قد تركه أو أعرض ، وإن كان ظاهر الصحيح (٤) منها التعرض لصورة الاعراض ، إلا أنه غير مناف لغيره مما ذكر فيه الترك الشامل له ولغيره مما يترك لحصول مزعج أو لأمر آخر من الأمور.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٢٨

نعم في نسخة من الصحيح المزبور « نسيها » ولكن لا يناسب ما فيه من كونه كالشي‌ء المباح الظاهر في إعراض المالك وجعله كالمباح ، وإن كان قد يحتمل كون المراد كالمباح شرعا لا مالكا ، إلا أن الأول أولى ، لموافقته للنسخة المشهورة. نعم‌ قوله عليه‌السلام : « من أصاب بعيرا في فلاة » قد يشعر بالالتقاط أو بما هو أعم منه.

بل أطلق في الدروس على الآخذ في مفروض المسألة اسم الملتقط ، كما أنه في التنقيح جعل الصور الأربعة من صور الالتقاط.

ولكن يمكن إرادتهما معا من الالتقاط مطلق الأخذ ، لا المعروف منه ، خصوصا بعد اشتمال كلاميهما على ما هو كالصريح في عدم الالتقاط المصطلح. كما أن المراد من الإصابة إصابة البعير الموصوف بما وصف به المال.

إلا أن الانصاف مع ذلك كله وجود التشويش في كلامهم ، ضرورة أن معقد البحث في لقطة الحيوان التي لا تدخل فيها مسألة الإعراض الذي لا يشترط فيه الشرطان المزبوران ، ودعوى شهادة الحال بحصوله معهما بخلاف الفاقد لهما ينافيهما اتحاد موضوع الترك المفروض في خبري مسمع (١) والسكوني (٢).

وأما الصحيح (٣) المزبور فالمعروف من نسخته « سيبها » وهو صريح في الاعراض الخارج عما نحن فيه ، بل لا يناسبه البحث في الضمان وعدمه الذي ذكر بعض الناس أن فيه قولين ، ضرورة عدم الضمان معه في التلف قطعا.

بل لا يناسبه الاشكال من العلامة في خصوص رد العين لو جاء المالك ، وذكر منشئه من الصحيح المزبور والاستصحاب ومما دل عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٢٩

في نصوص اللقطة التي قد فرض البحث في غيرها ، فكلامهم هنا غير منقح ، ولا يبعد أن يقال : إن الترك الموجب للتملك في خبري السكوني ومسمع أعم من الاعراض.

إنما الكلام في شموله للقطة ، وقد ذكرنا احتماله سابقا إلا أنه لا ظن بإرادة الأصحاب ذلك حتى يكون جابرا ، لأن تعبير المعظم « لو تركه من جهد » ونحوه مما هو ظاهر في غير اللقطة. بل قد سمعت تصريح الفاضل في التذكرة.

بل في الوسيلة أيضا مقابلة الضال للمتروك ، وذكر الحكم لكل منهما ، فلا يبعد حينئذ بقاء حكم الضال على التعريف ونحوه.

بل لعله كذلك أيضا لو كان ضالا صحيحا أو مجهودا في كلأ وماء ، ولكنه مشرف على التلف لا يبقى لصاحبه ، نعم لو لم يكن ضالا لم يجز توليه إلا من قاعدة الإحسان والحسبة إن قلنا بجوازهما لغير الحاكم ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير منقحة ، ولكن ظني أن من أحاط بجميع ما ذكرناه مع التأمل يقف فيها على حاصل.

وكذلك الكلام في المجهود في غير كلأ ولا ماء ولكن لا يستطيع واجده إحياءه حتى يملكه به ، ولم يكن الترك ترك إعراض ، فان تملكه بأخذه حينئذ مشكل ، كما يشكل تملك المتروك في كلأ وماء غير ضال وكان مشرفا على الهلاك ، أو كان صحيحا في غير كلأ وماء وصار كذلك ، فتأمل جيدا ، فإنه مما ذكرنا يمكن معرفة جميع الصور في المسألة.

وأما اعتبار الأمرين في التملك ففي الرياض أن ظاهر الصحيح كالعبارة ونحوها من عبائر جماعة وصريح آخرين اشتراطهما ، أي الترك في جهد وفي غير كلأ ولا ماء معا ، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلأ وماء أو من غير جهد في غيرهما أو انتفى من كل منهما بأن ترك‌

٢٣٠

من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ ، وعليه الإجماع في ظاهر التنقيح وصريح الصيمري.

وربما يستفاد من بعض متأخري المتأخرين ما يعرب عن كفاية أحدهما ولا ريب في ضعفه مع عدم وضوح دليله.

قلت : قد سمعت ما يعلم منه الحال في ذلك بناء على أن المسألة من باب الاعراض وعلى غيره ، كما أنك قد سمعت معقد إجماع الصيمري سابقا.

وأما التنقيح فقد ذكر الصور الأربعة ونسب الرابعة إلى المشهور ، ثم حكى خلاف ابن حمزة فيها ، وظاهره أن الثلاثة لا خلاف فيها.

كما أنه لم أعرف ما حكاه عن بعض متأخري المتأخرين المكتفي بأحدهما ، نعم قد سمعت معقد إجماع الصيمري الذي مقتضاه الاكتفاء بالكلأ أو الماء.

وقد ذكرنا هناك أنه يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، ضرورة عدم الفرق بين الأرض الفاقدة لهما معا وبين المشتملة على أحدهما خاصة ، بل والمشتملة عليهما مع عدم تمكن البعير ـ مثلا لمرضه ـ من الانتفاع بهما أو بأحدهما وإن أطنب بعض الناس في ذلك وجعل لكل حكما ، لكن لا يخفى عليك ظهور النص والفتوى في إرادة ما يتحقق به التلف إن لم يؤخذ.

وأما عدم الضمان فلا خلاف فيه ولا إشكال ، ضرورة ظهور الأدلة في تملكه المنافي للضمان معه ، فما عن المفاتيح والرياض من أن في الضمان هنا قولين في غير محله.

بل في التنقيح الإجماع عليه ، قال : « لو أخذ الجائز أخذه فهو له ، ولا يجب عليه دفع القيمة مع التلف للمالك لو ظهر وإن أقام بينة وصدقه‌

٢٣١

الملتقط إجماعا ».

نعم في القواعد « في رد العين مع طلب المالك إشكال » بل في الإيضاح أنه الأقوى.

ولكن لا يخفى عليك أن الأصح عدم الرد ، لأصالة بقاء الملك المتفق على حصوله للآخذ ، وإنما الكلام في انفساخه بالطلب المزبور.

مضافا إلى ظهور الصحيح (١) المزبور وغيره في الملك اللازم في صورة الاعراض وغيره ، وبه يخص‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) : « من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه » بناء على شموله لمثل المقام ، إذ أقصاه كون التعارض بينهما من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح للأول من وجوه ، منها : الاستصحاب ، ومنها : التشبيه بالمباح ، ومنها : الصحة في السند ، ومنها : استفادة الملك الاحيائي وغير ذلك.

ثم إنه على القول برد العين فلا إشكال في عدم جواز المطالبة بما حصل منها من النماء كالولد والصوف واللبن ونحوها مما هو نماء ملكه وإن وجد عينه كما صرح به في التنقيح ، لأنه إن كان له تسلط فعلي فسخ العين خاصة ، كالمبيع بالخيار.

وكيف كان فما نحن فيه غير مسألة اللقطة ، إذ قد عرفت أن مضمون النصوص المزبورة منه ما هو إعراض كالصحيح (٣) المراد منه وصف البعير بما وصف به غيره ، ومنه الترك الذي هو أعم من الاعراض ، إلا أنه غير الضلال ، ولعله لذا اتفقوا على عدم الضمان هنا إلا النادر بخلافه في الشاة الضالة كما تسمعه إنشاء الله تعالى ، هذا كله في الحيوان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٣٢

الممتنع عن صغار السباع.

( و ) أما ( الشاة ) الضالة فلا خلاف في أنها ( إن وجدت في الفلاة ) التي يخشى عليها فيها من التلف إن شاء ( أخذها الواجد ، لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرضة للتلف ) فكانت بحكم التالفة ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن المهذب البارع والمقتصر وغاية المرام الإجماع عليه ، بل عن ابن عبد البر إجماع العامة على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف له أكلها مضافا إلى ما سمعته من النصوص (١) الصحيحة والحسنة.

( و ) كذا لا خلاف أجده في أن ( الآخذ بالخيار إن شاء ملكها ويضمن ) مطلقا حين النية على وجه يكون دينا من ديونه كما هو المشهور ، أو إذا جاء صاحبها وطالب ، أو أنه يغرم له غرامة إذا جاء وطالب ( على تردد ) وخلاف ستعرفه إنشاء الله تعالى ( وإن شاء احتسبها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان ، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ) الذي هو ولي الغائب ومنصوب للمصالح ( ل ) يفعل فيها ما يراه من المصلحة بأن ( يحفظها أو بيعها ويوصل ثمنها إلى المالك ) وإن نسبه بعض الناس إلى الأكثر مشعرا بالخلاف فيه ، لكن لم أتحققه.

على أنه موافق للقواعد العامة في الأخيرين ، ضرورة الإحسان إليه والإيصال إلى نائبه ، وكون ذلك حكم مطلق اللقطة حتى الأول الذي حكى الإجماع عليه في المحكي عن المهذب ، قال : « يجوز تملكها في الحال من غير تعريف بإجماع العلماء » كالمحكي في التحرير من إجماعهم أيضا على جواز أكلها في الحال.

نعم في المقنعة والنهاية ومحكي المراسم « أنه يأخذها ، وهو ضامن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

٢٣٣

لقيمتها من غير تصريح بالمطالبة ولا بالملك » وعن المبسوط والسرائر بل والوسيلة « له أن يأكلها على أن تكون القيمة في ذمته إذا جاء صاحبها ردها إليه » وعن الإيضاح « أنه يغرم إذا وجد وطلب ».

ولعل مراد الجميع الملك أيضا لما سمعته من النصوص المقتضية له من‌ قول : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » (١) مضافا إلى ما سمعته من نصوص مطلق اللقطة (٢).

وأما عدم الضمان عليه في الثاني والثالث فمع أنه مقتضى قاعدة الأمانة والإيصال إلى الولي قد حكي عليه الإجماع هنا في الإيضاح والمسالك وغاية المرام ، لكن الظاهر اعتبار مصلحة المالك في ذلك ، فمع فرض عدمها يتجه بيعها وحفظ ثمنها ، ويتولى الحاكم ذلك ، لعدم ثبوت ولاية للملتقط عليه ، مع احتماله ، بل جزم به في التحرير ، لأنه أولى من أكلها.

وحيث تكون المصلحة في بقائها ينفق عليها بنية الرجوع إن شاء مع تعذر الحاكم وإلا رفع أمره إليه على نحو ما سمعته في نفقة اللقيط ، لاحترام النفس في كل منهما.

هذا والأشهر بل المشهور الضمان في الأول ، بل لم أجد مصرحا بعدمه ، بل ولا من يظهر منه ذلك عدا ما عن مقنع الصدوق ورسالة والده من التعبير بمضمون‌ النصوص (٣) « إذا وجدت الشاة فخذها ، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب ».

وعن المقتصر أنه قواه ، وفي الكفاية ولعله أقرب ، لمكان اللام في الروايات الصحيحة ، ونحوه في المفاتيح ، وقد سمعت ما عن الإيضاح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٥ و ٧.

٢٣٤

من الغرامة إذا وجد وطلب ، وعنه وعن أبي العباس أن الفرق بين الضمان والغرامة الثبوت في الذمة في الأول قبل مجي‌ء المالك ومطالبته ، وأما الغرامة فتطلق على معنى شامل لها وللضمان وعلى معنى خاص ، وهو ما يتجدد عند المطالبة ، وتظهر الثمرة في وجوب الوصية به ، وتعلقه بالتركة إن لم يجي‌ء المالك.

والحاصل أنه يكون مديونا على الأول ، وعلى الغرامة تتوقف هذه الأحكام على مطالبته ، فلو مات قبلها لم تجب في تركته ، ولا يكون مديونا.

وكأن الذي ألجأه إلى ذلك ظنه عدم اجتماع الضمان مع كون الشي‌ء مملوكا له ، وتعليق الضمان في بعض النصوص (١) والفتاوى على مجي‌ء المالك ومطالبته مع أنه ليس من أسباب الضمان ، فلا وجه حينئذ إلا الغرامة.

وفيه أنه لا مانع من تملكه بقيمته ، على معنى الولاية له على إدخاله في ملكه بالنية على نحو ما يقع من الولي في مال المولى عليه ، فيكون حينئذ شبه القرض الذي يملك عينه بعوض في ذمته ، بل هو كاد يكون صريح ما ورد (٢) في السفرة الملتقطة من الأمر بأكلها مقوما لها على نفسه.

ومن ذلك يظهر لك عدم المنافاة بين كونه ملكا له وانفساخه إذا طلب المالك مع وجود العين ، للنصوص (٣) المصرحة بذلك ، وإلا فالقيمة في ذمته.

وربما احتمل انكشاف عدم التملك بمجي‌ء الصاحب ومطالبته ، لكنه خلاف ظاهر النصوص والفتاوى. وعلى كل حال فلا منافاة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

٢٣٥

بل لا منافاة أيضا بين الضمان على الوجه المزبور وبين مفاد اللام في‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك » كما أومأ إليه‌ الصحيح المروي عن قرب الاسناد (١) « عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فخذها وعرفها حيث أصبتها ، فإن عرفت فردها إلى صاحبها ، وإن لم تعرف فكلها وأنت لها ضامن إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها ».

والظاهر إرادة ضمان ردها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها ، فالشرط للرد ، لا لأصل الضمان حتى يكون من قبيل الغرامة.

بل الظاهر سوق الشرط المزبور مساق الغالب ، لا أنه يراد منه مفهومه فيقضى بعدم الرد إن لم يجي‌ء المالك ، مع احتماله في‌ صحيح علي ابن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال : يعرفها سنة ، فان لم تعرفها جعلها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها ، وهو لها ضامن ».

ولعل المراد منه ضمانها مع نية التملك لها أو التصرف بها. والمراد بالوصية بها الوصية بقيمتها ، نحو ما سمعته من قوله : « يردها » في الصحيح الأول ، فيكون حينئذ شاهدا أيضا لما عرفته من الضمان ، وأنه على معنى شغل الذمة به ، نحو القرض. ولكن يؤديه للمالك إذا جاء ، وإن آيس منه كان له حكم مجهول المالك.

بل يمكن القطع بإرادة المعنى المزبور من الصحيح بملاحظة غيره من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٣٦

نصوص اللقطة (١) المعبر فيه بنحو ذلك على إرادة المعنى الذي ذكرنا كما لا يخفى على من لاحظها ، فالمسألة حينئذ خالية عن الاشكال.

مضافا إلى ما قيل من أنه مال الغير ، ولم يوجد دليل ناقل عن ضمانه ، وإنما المتفق عليه جواز التصرف فيه ، فيبقى‌ عموم « على اليد » (٢) ونصوص أدلة رد المال الملقوط إلى صاحبه ، نحو‌ « من وجد شيئا فهو له ، فليتمتع به حتى يجي‌ء طالبه ، فإذا جاء طالبه رده إليه بحاله » (٣).

ولا ينافي ذلك‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لك » (٤) إلى آخره المراد به الانتفاع به ، نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « للذئب » أو أنه ملك غير مستقر ولا لازم ، كسائر الأموال الملقوطة التي ورد فيها في‌ الصحيح (٥) « فان جاء له طالب وإلا فهي كسبيل مالك » مع الإجماع على وجوب رده أو قيمته إلى مالكه.

بل لعل الشاة من المال الملقوط الذي هو معقد الإجماع وإن كان ذلك كله أو أكثره محلا للنظر ، إلا أن فيما تقدم الكفاية ، سيما مع عدم دليل معتد به على عدم الضمان ، سوى الأصل المقطوع بما مر ، وظهور اللام في التمليك المنافي له الذي قد سبق جوابه ، وصحيح ابن سنان (٦) المتقدم الذي هو في الاعراض.

وما في الرياض ـ من دفعه بعدم القول بالفرق بين الأصحاب ـ واضح الفساد ، ضرورة معلومية الفرق بين الاعراض وبين اللقطة ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٣٧

وبينها وبين ملك المتروك من جهده في غير كلأ ولا ماء الذي هو غير ضال.

ولذلك قد عرفت ندرة القول بالضمان فيه ، بل حكي الإجماع على عدمه ، بخلاف المقام الذي إن لم يكن الإجماع على ضمانه ، فلا ريب في كونه المشهور ، بل الإجماع محصل على وجوب رد ثمنه لو جاء المالك ، بخلاف الأول وإن تردد فيه العلامة ، لكن قد عرفت ضعفه.

كما إنك قد عرفت ما يعلم منه ضعف الاستدلال بمفهوم‌ صحيح صفوان (١) السابق « من وجد ضالة فلم يعرفها فهي لربها » ضرورة كونه بعد تسليم إرادة كونها لغير ربها بعد التعريف ـ مع أنه فاسد من وجوه ـ لا ينافي كونها مضمونة عليه وإن صارت ملكا له ، كما عرفته مفصلا ، بل الظاهر عدم جواز فسخه نفسه الملك بعد أن نواه بقيمته وإرجاعه أمانة ، لعدم الدليل القاطع للاستصحاب.

ثم إن الظاهر مما سمعته من النصوص (٢) السابقة وجوب تعريفها ، بل في بعض (٣) تعريف سنة ، مضافا إلى‌ قوله عليه‌السلام في خبر المدائني (٤) : « لا يأكل الضالة إلا الضالون إذا لم يعرفوها » والشاة أظهر أفرادها إن لم ينحصر المصداق فيها ، كالدابة في الصحيح السابق (٥) الذي يمكن استفادة حكم الشاة منه ، حتى إذا قلنا بكون المراد منها غيرها ، لعدم الفرق بين أفراد الضالة ، بل لعل ذلك هو الأصل في كل لقطة.

ولا ينافي ذلك تملكها في الحال والتصرف فيها بإتلاف عينها ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ـ ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ـ ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ـ ١٣.

٢٣٨

ثمرة التعريف حينئذ غرامة القيمة ، والأوصاف يمكن حفظها والشهادة عليها.

ولعله لذلك وغيره جعل في التحرير الوجه وجوب التعريف كغيرها وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه.

لكن يحتمل في كلامه اختصاص ذلك بما إذا أراد حفظها لا الأعم منه ومن التملك والتصرف فيها ، إلا أنه خلاف الظاهر بل والدليل ، ضرورة أنه مقتضى الجمع بين ما دل على تعريفها وبين ما دل على التصرف فيها والتملك في الحال من النص والإجماع.

هذا ولكن في جامع المقاصد « وهل يجب تعريف الشاة المأخوذة من الفلاة؟ قال في التذكرة : الأقرب العدم ، لظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك » فان المتبادر منه تملكها من غير تعريف ؛ وليس تقييده بالتعريف أولى من تقييد دليل التعريف بما عدا الشاة ، وهذا قوي متين ».

قلت : بل هو المحكي عن بعضهم في صغار الإبل ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم توقف التمليك عليه ، للإجماع في محكي المهذب وغيره الذي يشهد له التتبع.

ومن الغريب ما في الرياض من تحرير محل النزاع في التملك قبل التعريف ، قال : « وهل له التملك قبل التعريف سنة؟ قيل : لا ، للاستصحاب وعموم الأمر بالتعريف في اللقطات ، وقوى جماعة العدم ، لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به مع ورودها في مقام الحاجة ، وبه يخص عموم الأمر المتقدم مع الاستصحاب ، مع أنه لا عموم له ، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر وسياق جل من النصوص المشتملة عليه إلا إلى لقطة الأموال غير الضوال » إلى آخر ما ذكره.

٢٣٩

وفيه ما عرفت من الإجماع بقسميه على التملك والتصرف فيها في الحال.

وخبر قرب (١) الاسناد ـ مع أنه ظاهر في غير تعريف اللقطة الذي لا يختص بموضع الالتقاط المفروض كونه في موضع البحث الفلاة ـ محمول على ضرب من الندب والاحتياط وكذلك الصحيح الآخر (٢) لمعارضتهما بما هو أقوى منهما من إجماعي المهذب والتحرير المؤيدين بالتتبع لكلام الأصحاب وبظهور قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك » ونحوه وظهور قولهم بالتخيير حين الالتقاط ، لا بعد تعريف سنة المقتضي لكون الشاة كغيرها من المال الصامت ، فلا ينبغي أن يجعل قسما مستقلا عنه ، على أنه مناف لمصلحة المالك لو أراد الإنفاق عليها والرجوع عليه ، فإنه قد يستغرق أضعاف قيمتها ، والله العالم.

( و ) كيف كان فالمشهور كما في المسالك وغيرها أن ( في حكمها ) أي الشاة ( كل ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل والبقر والخيل والحمير ) وغيرها حتى الدجاج والإوز ، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وإن كان ما عثرنا عليه من عبارتها ليس بتلك الصراحة ، لكن يؤيده أن أساطين الأصحاب كالشيخ وسلار والحلي والفاضلين والشهيدين قد صرحوا بذلك.

نعم جزم بالعدم في الكفاية والمفاتيح ، وعن الآبي وأبي العباس الاقتصار على جواز الأخذ ، بل قال ثاني الشهيدين والمقدس الأردبيلي والخراساني : إن الإلحاق قياس.

ولكن فيه منع واضح ، ضرورة ظهور‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٢٤٠