جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وثاني الشهيدين ، وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الإقرار.

( و ) كيف كان ف ( لا يحكم برقه ولا بكفره ) بمجرد الإقرار بالبنوة ( إذا وجد في دار الإسلام ) وإن ثبت النسب بذلك إلا أنه لا تلازم بينه وبينهما.

خلافا للمحكي عن الشافعي من احتمال ذلك أو القول به ، كما احتمله بعض منا ، بل في الروضة أنه الأقوى ، لدعوى التلازم ، وهو واضح الضعف.

نعم لو ادعى المسلم بنوة من حكم بكفره تبعا للدار واسترق ألحق به ، وحكم بإسلامه ، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وللتلازم لعدم ولد محكوم بكفره مع إسلام الأب ، بل ويحكم بحريته أيضا مع فرض عدم احتمال تصور استرقاقه ، لقدم آبائه مثلا في الإسلام بخلاف الأول.

واحتمال القول بأن الحكم بإسلامه تبعا باعتبار أنه مجهول النسب أما الآن فقد علم يدفعه منع تناول ما دل على تبعية الأبوين في الحال المزبور ، ولا أقل من الشك ، فيأتي أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، ولو بملاحظة الشهرة ، والتلازم ممنوع ، لإمكان كونه مسلما ـ وإن كان ابن كافر ـ لإسلام جده أو أمه أو غيرهما مما يكون به مسلما ، كما أنه يمكن حريته لإطلاق الأدلة وإن كان أبوه رقا لحرية أمه مثلا.

فاتضح حينئذ أن إلحاق نسبه به من حيث الإقرار لا يقتضي الحكم بكفره ، بل ولا بالبينة على ذلك ، لاحتمال إسلام أحد أجداده أو جداته ، كما في صورة الإقرار الذي لا فرق بينه وبينها بعد فرض كل منهما طريقا شرعيا ظاهرا لثبوت النسب الذي قد عرفت عدم الدليل على التبعية بمثله ، ولا أقل من التعارض والترجيح لما عرفت ، والله العالم.

٢٠١

( وقيل ) والقائل الشيخ في المبسوط ( يحكم بكفره إن أقام الكافر بينة ببنوته ، وإلا حكم ) الحاكم ( بإسلامه لمكان الدار وإن لحق نسبه بالكافر ) وتبعه الفاضل في القواعد والتحرير ، لأن البينة أقوى من تبعية الدار ، ولكن فيه ما عرفت. ( و ) لذا كان ( الأول أولى ) والله العالم.

( ويلحق بذلك أحكام النزاع )

( ومسائله خمس : )

( الأولى : )

الملتقط واللقيط ( لو اختلفا في ) قدر ( الإنفاق ) فادعاه الملتقط وأنكره اللقيط ( فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف ) كما في القواعد والدروس وجامع المقاصد والمسالك ومحكي المبسوط معللا له في الجامع بأن الظاهر يساعد الملتقط ، ولم يلتفتوا إلى أن الأصل العدم فيما زاد على قدر الضرورة ، فيقدم قول اللقيط في نفي الزائد.

وزاد في المسالك « ولأنه أمين ومأمور بالإنفاق لدفع ضرورة الطفل ، فلو لم يقبل قوله في قدره كذلك أدى إلى الإضرار به إن أنفق وبالملقوط إن تقاعد عنها حذرا من ذلك ، ولهذا لا يلتفت إلى الأصل وإن كان موافقا لدعوى الملقوط ».

قلت : قد عرفت سابقا أنهم قالوا : لا ولاية للملتقط في الإنفاق‌

٢٠٢

ولو من ماله إلا مع إذن الحاكم أو مع تعذره ، فالمتجه حينئذ توقف أمانته على ثبوت الاذن أو تعذر الحاكم ، ومجرد دعواه الاذن أو التعذر لا يجدي في ثبوت أمانته ، نعم يتجه ذلك بناء على ما قلناه من دلالة فحوى النصوص (١) المزبورة أن له ولاية الإنفاق من ماله عليه ويرجع به عليه مع اليسار.

ولا يقال : إن النزاع هنا في أصل الإنفاق لا في صحته وفساده ، لأنا نقول : هو لا يكون نزاعا إلا بإرادة شغل ذمة اللقيط به وإلا فلا نزاع.

اللهم إلا أن يقال : إنه مع فرض ثبوت وقوعه بيمينه الأصل فيه الصحة المقتضية للرجوع به. وفيه منع واضح ، ضرورة اقتضاء ذلك عدم الفرق بين الملتقط وغيره ، وهو واضح الفساد ، لأن الأصل البراءة.

وحينئذ يتجه فرض المقام بعد معلومية ائتمان الملتقط على ذلك باذن من الحاكم أو بتعذره ، بناء على ثبوت الولاية له حينئذ ، ولا ريب في أن القول قوله حينئذ في أصل الإنفاق وفي قدره بالمعروف كغيره من الأمناء على ذلك ، كالوصي والقيم الشرعي ونحوهما.

بل الظاهر أن القول قوله أيضا في الزائد على المعروف مع دعوى الحاجة إليه أيضا ، لأنه أمين وولي.

وإليه يرجع ما في جامع المقاصد قال : « أما ما زاد على المعروف فلا يلتفت إليه في دعواه ، لأنه إن صح كان مفرطا ، ولا يحلف إلا أن يدعى الحاجة وينكرها اللقيط ، نعم لو وقع النزاع في عين مال أنه أنفقها صدق باليمين ، لتنقطع المطالبة بالعين ، ثم يضمن كالغاصب ».

لكن في المسالك « ولو كان دعواه زائدة على المعروف فان لم يدع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

٢٠٣

مع ذلك حاجة الملقوط إليها فهو مقر بالتفريط في الزائد فيضمنه ، ولا وجه للتحليف ، وإن ادعى حاجته إلى الزيادة وأنكرها الملقوط فالقول قوله عملا بالأصل مع عدم معارضة الظاهر هنا ، نعم لو وقع النزاع في عين مال » إلى آخر ما سمعته من جامع المقاصد.

وظاهره أنه أخذه منه ، لكن قد عرفت التفاوت بينهما ، والأصح ما فيه.

بل قد يقال بعدم الضمان مع فرض الزيادة من مال الطفل ، لأصالة براءة ذمة المنفق إذا لم يقر بالتفريط ، أو فرض موته أو جنونه ، لأنه أمين ، والأصل في تصرفه الصحة ، بل وكذا لو كان من مال نفسه وعلم منه إرادة الرجوع به ولم يعترف بالتفريط.

نعم لو لم يعلم ذلك لم يضمنه الطفل ، لاحتمال تبرعه بالزيادة مع احتماله إذا فرض عدم دعوى منه بموت أو جنون.

ومن ذلك كله ظهر لك أن المسألة غير منقحة في كلامهم حتى قول المصنف ( فان ادعى زيادة فالقول قول الملقوط في الزيادة ) أي نفيها ، ضرورة عدم تماميته على الإطلاق وإن كان الظاهر إرادته أن تقديم قول الملتقط للظهور المستفاد من العادة ، وهو مفقود في الزيادة.

وفيه أنها غير مطردة ، ضرورة اعتياد الاحتياج إلى الزيادة بمرض وغيره ، فمع فرض كونه وليا وأمينا مأذونا من الحاكم فالقول قوله إلا أن يعلم التفريط ، والله العالم.

( و ) مما ذكرنا يعلم الوجه فيما ( لو أنكر ) اللقيط ( أصل الإنفاق ف ) ان ( القول قول الملتقط ) مع يمينه ، لما عرفت.

( و ) كذا ( لو كان له ) أي الملقوط ( مال فأنكر اللقيط إنفاقه عليه ، ف ) ان ( القول قول الملتقط ) أيضا ( مع يمينه ، لأنه ) ‌

٢٠٤

( أمينه ) سواء كان المنفق مال الملتقط الذي يرجع به عليه أو مال اللقيط ، نعم بناء على ما عرفت يعتبر إذن الحاكم في إنفاقه ، وإلا كان مضمونا عليه وإن أنفقه عليه ، لأن السبب أقوى من المباشر ، نحو من قدم طعام الغير له بعنوان أنه ماله فأتلفه.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن القول قول الملتقط في أصل الإنفاق وفي قدره بالمعروف وفي الزائد مع الحاجة ، سواء كان للقيط مال أو لا ، وسواء ادعى اللقيط أن الإنفاق عليه كان من ماله أو لا ، كل ذلك لما عرفت.

إلا أنه ينبغي مراعاة ما ذكرناه بناء على كلامهم السابق الذي يعلم منه أنه لو كان للطفل مال وقد أذن له الحاكم في إنفاقه عليه وتركه لا لعذر وأنفق من ماله لم يكن له رجوع ، لأنه بحكم المتبرع مع عدم الاذن على الوجه المزبور ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( لو تشاح ملتقطان ) فلم يترك أحدهما للآخر ( مع تساويهما في الشرائط ) المعتبرة في الالتقاط على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ( أقرع بينهما ، إذ ) الفرض أن ( لا رجحان ) وفاقا للشيخ والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، للضرر عليهما وعلى الطفل باجتماعهما على الحضانة التي لا يمكن أن يكون عندهما في ساعة واحدة ، وفي التناوب واختلاف الأيدي والأغذية والأخلاق وغير ذلك ضرر على الطفل ، مضافا إلى تضررهما. ومن هنا قال الله تعالى (١) :

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٤٤.

٢٠٥

( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ).

وعن التذكرة « أن الاشتراك متعسر أو متعذر اجتماعا أو مهاياة » إلى آخره.

وتبعه في الدروس قال : « والتشريك بينهما في الحضانة بعيد ، لأنهما إن كلفا الاجتماع تعسر وإن تهايئا قطعا ألفه الطفل فيشق عليه » إلى آخره ، فليس حينئذ إلا القرعة بعد عدم إمكان الانتزاع منهما وعدم الترجيح لأحدهما.

( و ) لكن مع ذلك ( ربما انقدح الاشتراك ) فيها ، بل هو خيرة التحرير وإن احتمل القرعة فيه أيضا ، لتساويهما في مقتضاها ، وإمكان اشتراكهما فيها ، فلا إشكال كي يقرع ، وكفالة مريم (ع) إنما كانت لتبرع لا لحضانة شرعية.

ومنه يعلم ضعف ما عن الشهيد في تفسير قول الفاضل في القواعد : « فان تساويا أقرع أو يشتركان في الحضانة » من أن المراد من الترديد التخيير ، ضرورة كون القرعة للإشكال ، ومع التشريك لا اشكال ، فلا معنى للتخيير.

ولعل الأولى إرادته الإشارة إلى الاحتمال الذي ذكره المصنف ، ولا ريب في كونه متجها مع فرض التحرز عما يقتضي ضرر الطفل ، وهما معا مكلفان بدفعه ، ضرورة عدم اعتبار الاتحاد في الالتقاط الذي يجري في الحيوان والإنسان والمال ، فهما معا حينئذ ملتقط يجب عليهما الحضانة على وجه لا ضرر فيها على الطفل ، بأن يجعلاه في مكان واحد ويتعاهداه ويحسنا تربيته ، وكذا لو اشترك الرحم في الحضانة.

نعم لو قلنا باعتبار الاتحاد على معنى أنهما بالتقاطهما جعل الشارع الحاضن أحدهما لا هما وتشاحا اتجهت القرعة حينئذ ، كما أنه لو فرض‌

٢٠٦

تعذر حضانتهما معا على وجه لا يكون فيها ضرر على الطفل يأتي احتمال القرعة ، وإلا فليس إلا الاشتراك ، كما هو واضح. والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( لو ترك أحدهما للآخر ) حقه من الحضانة ( صح ) بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، كالشيخ والفاضل في التحرير الذي اختار الشركة فيه فضلا عن غيره ، والشهيدين والكركي وغيرهم.

نعم قيده جماعة بكون ذلك قبل القرعة لا بعدها ، معللين له بأنهما قبلها يملكانها على نحو ملك الشفيعين مثلا ، بناء على اختصاص أحدهما بتمام الشفعة مع إسقاط الآخر.

( ولم يفتقر الترك ) المزبور ( إلى إذن الحاكم ، لأن ملك الحضانة لا يعدوهما ) بخلاف ما بعدها ، فإنه بها يتعين على وجه يكون كالمنفرد ، ومقتضاه أن المنفرد لا يجوز له ترك الحضانة لآخر برضاهما ، وهو مناف لمقتضى الأصول ، بل ولحضانة الرحم التي لا إشكال في جواز تركها لغيره على وجه النيابة ، اللهم إلا أن يريد نفس الحق الذي لا دليل على انتقاله على وجه يسقط بحيث لو طلبه بعد ذلك لا يجاب إليه.

وفيه أن ذلك على الوجه المزبور لا يخلو من إشكال أو منع قبلها أيضا ، خصوصا بعد ظهور ما ذكروه من التعليل بالاشتراك في الحق قبلها ، والفرض أنه حق تكليفي ، ولهذا لا يمكن إسقاطه للمنفرد الذي لا فرق بينه وبين المشترك بالنسبة إلى هذا المعنى ، بل لعل إطلاق كلامهم جواز ترك أحدهما للآخر ينافي ما ذكروه من احتمال الاشتراك.

وأما على احتمال القرعة بناء على أن الحق لأحدهما المطلق لا المبهم فقد يشكل إسقاطه قبل تعيينه بالفرعة بعد فرض الاحتياج إليها في تعيينه بعدم ثبوت حق له كي يسقطه ، ومع الثبوت لا يصح له الاسقاط.

٢٠٧

وذلك كله مؤيد لما ذكرنا من أن المتجه ثبوت الاشتراك بينهما ، ولكل منهما الترك على وجه الإيكال ، نحو حضانة الرحم.

وكأنه حام حول بعض ما ذكرناه الكركي في حاشية الكتاب ، قال بعد قول المصنف : « ولو ترك » إلى آخره : « ليس على إطلاقه ، بل هو مشروط بأن لا يضعا أيديهما عليه ، أو على القول بالقرعة ، أما على القول بالتشريك فلا ، لأنه قد لزم كلا منهما نصيبه من الحضانة » وإن كان لا يخفى عليك ما في بعضه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

هذا وفي القواعد « ولو ترك أحدهما للآخر صح ، سواء كانا موسرين أو أحدهما ، حاضرين أو أحدهما ، أو كان أحدهما كافرا مع كفر اللقيط » ومقتضاه جواز ترك الموسر للمعسر والحاضر للمسافر والمسلم للكافر ، بل هو مقتضى قول المصنف في‌

المسألة ( الثالثة )

التي هي عين سابقتها ، وإنما أعادها لبيان عدم الفرق بين الملتقطين مع تساويهما وعدمه.

فقال ( إذا التقطه اثنان و ) كانا جامعين لشرائط الالتقاط بحيث ( كل واحد منهما لو انفرد أقر في يده ) لصلاحيته ( فتشاحا فيه أقرع بينهما ) ويحتمل التشريك كما سمعته ( سواء كانا موسرين أو أحدهما ، حاضرين أو أحدهما ) بل ( وكذا إن كان أحد الملتقطين كافرا إذا كان الملقوط كافرا ).

وفرض بقائه عليه بعد الالتقاط لعدم كونه ممن يملك به ، لعدم كونهم حربين وإن كانت دار كفر وليس فيها مسلم ، وإلا فلو فرض‌

٢٠٨

أنه يسترق بالالتقاط جاء فيه حينئذ احتمال تغليب المسلم ، فيحكم بإسلام اللقيط تبعا للسابي ، فلا يصلح للكافر استدامة حكم الالتقاط ، نعم يمكن بقاؤه على الملكية بينهما ، ولم أجد ذلك محررا فيما حضرني في المقام.

وكيف كان فالوجه في عدم الترجيح بشي‌ء من هذه الأمور إطلاق الأدلة المقتضي لتساويهما في الحق المزبور على كل حال مع فرض صلاحيتهما للالتقاط.

لكن في القواعد سابقا « ولو ازدحم ملتقطان قدم السابق ، فان تساويا ففي تقديم البلدي على القروي ، والقروي على البلدي ، والموسر على المعسر ، وظاهر العدالة على المستور نظر ، فان تساويا أقرع أو يشتركان في الحضانة ، ولو ترك أحدهما للآخر » إلى آخر ما سمعته سابقا عنها.

ومراده على الظاهر أنهما تساويا في أخذه ولم يكن أحدهما سابقا على الآخر ، وهو المراد من موضوع المسألة في الكتاب ، لا أنهما ازدحما على إرادة التقاطه ، فالنظر وعدم الترجيح في ذلك حينئذ ، كما عن الإيضاح والحواشي.

بل في التذكرة « إن تساويا في الصفات فان ترجح أحد الملتقطين بوصف يوجب تخصيصه به دون الآخر وكانا معا ممن يثبت لهما جواز الالتقاط أقر في يده وانتزع من يد الآخر ».

وجزم بالترجيح بما سمعته في القواعد وزاد تقديم الحر على العبد والمكاتب وإن كان التقاطه باذن سيده ، لأنه في نفسه ناقص ، وليست يد المكاتب يد السيد.

بل عن الكركي موافقته أيضا على تقديم معلوم العدالة على المستور وإن كنت لم أتحققه ، قال : « لأن الأحوط اشتراط العدالة ، فيكون‌

٢٠٩

الترجيح بهذا الاعتبار ، وأما الباقون فالأصح عدم ترجيح أحدهم على مقابله ، لأن كلا منهم أهل للالتقاط ، وتأثير واحد من الأوصاف المذكورة في الترجيح غير معلوم ، والأصل عدمه ».

وعن المبسوط التفصيل بتقديم الأمين على الفاسق ، وأنه حكى عن قوم تقديم الأيسر مع التساوي في الأمانة ، فإن تساويا في اليسار أقرع ، ولم يرجح هو ، وقدم القروي على البدوي إن وجداه في قرية أو حضر قال : « وإن وجداه في البادية وكان البدوي ممن له حلة قريبة فإنه يقرع بينهما ، وإن كان متنقلا فوجهان » ولم يرجح.

وفي الدروس « وإنما تتحقق القرعة مع تساويهما في الصلاحية ، فيرجح المسلم على الكافر ولو كان الملقوط محكوما بكفره في احتمال ، والحر على العبد ، والعدل على الفاسق على الأقوى ، ويشكل ترجيح الموسر على المعسر والبلدي على القروي والقروي على البدوي والقار على المسافر وظاهر العدالة على المستور والأعدل على الأنقص نظرا إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل نعم لا يقدم الغني على المتوسط ، إذ لا ضبط لمراتب اليسار ، ولا المرأة على الرجل ، ولا من يختاره اللقيط وإن كان مميزا » إلى غير ذلك من كلماتهم.

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد خلوص النصوص والفتاوى عدا ما عرفت عن ملاحظة هذه الأمور التي لم يصل العقل إلى اعتبارها شرعا وإن كان فيها صلاح للطفل على وجه يقتضي رفع اليد عما يقتضيه إطلاق الأدلة والأصول العقلية ، وينتزع من يد من يثبت له حق فيه ، بل مقتضى ذلك حتى مع الاستقلال المجمع على خلافه ، وعلى تقديره فلا ينبغي حصرها في الأمور المذكورة ، بل هي إلى عدم الحصر أقرب منه.

بل فتح هذا الباب يقتضي فقها جديدا لا ينطبق على أصول الإمامية‌

٢١٠

إذ منه تقديم الأنثى في التقاط الأنثى ، بل والصبي المحتاج إلى الحضانة ، ومنها التقاط ذي الشرف والعز والوقار ونحو ذلك ثم لو تعارضت المرجحات بعضها مع بعض وغير ذلك مما لا أثر له فيما وصلنا من نصوص أهل العصمة الذين كل ما خرج عنهم فهو زخرف ولعله لعدم التعارض المحتاج إلى الترجيح الذي يراعى فيه هذه الأوصاف ، لاتحادهما في الالتقاط الموجب للحق كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( لو وصف أحدهما ) أي المتنازعين ( فيه ) أي اللقيط ( علامة ) كالخال في رأسه ونحوه ( لم يحكم له ) به كما في القواعد وجامع المقاصد والمسالك ، لعدم ثبوت اعتبار ذلك شرعا في ثبوت الولاية عليه ، كعدم ثبوت اعتباره في النسب أيضا.

خلافا لأبي حنيفة ، بل عن الفاضل في التحرير احتمال الحكم به كاللقطة ، إلا أنه كما ترى.

ثم لا يخفى عليك أن هذا فيما إذا تنازعا في الاستقلال بالولاية ، بمعنى دعوى كل منهما الاستقلال بالتقاطه ، فذكر أحدهما وصفا فيه لإرادة الاستظهار به على خصمه ، وفرض المسألة السابقة معلومية اشتراكهما في الالتقاط بأن اشتركا معا في تناوله ، ولا مدخلية في ذلك لذكر الوصف قطعا ، ولعل مقصود المصنف بيان عدم الأثر لذلك لو كان تنازعهما في سبق الالتقاط.

وحينئذ قد يقال لو كان في يد أحدهما رجح على الآخر وإذا كان في يديهما معا ولا بينة لأحدهما أقرع كما إذا أقاما بينتين وتساويتا ، وفي ترجيح بينة الداخل والخارج على نحو الأملاك وجه.

وكأنه إلى ما ذكرنا أشار في التحرير ، قال : « لو اختلفا في سبق التقاطه حكم لمن هو في يده مع اليمين ، ولو كان في يدهما أقرع بينهما ،

٢١١

فيحلف من خرجت له ، ويحتمل عدم اليمين ، وكذا لو لم يكن في يدهما مع احتمال أن يسلمه الحاكم إلى من شاء من الأمناء ، ولو وصف أحدهما شيئا مستورا فيه كشامة في جسده لم يكن أولى ، كما لو وصف مدعي المتاع ، ويحتمل تقديمه ، كما لو وصف اللقطة ، ولو اختص أحدهما بالبينة حكم له ، ولو أقاما بينة قدم سابق التأريخ ، ولو تعارضا أقرع ، ولو كانت يد أحدهما عليه وأقاما بينة حكم للخارج » وهو عين ما ذكرناه ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا ادعى بنوته اثنان ) أجنبيان أو ملتقطان ( فان كان لأحدهما بينة حكم بها ).

( وإن أقام كل واحد منهما بينة أقرع بينهما ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعض. ( وكذا لو لم يكن لأحدهما بينة ).

( ولو كان الملتقط أحدهما فلا ترجيح باليد ، إذ لا حكم لها في النسب بخلاف المال ، لأن لليد فيه أثرا ) بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل ولا إشكال بعد عدم ثبوت اعتبارها شرعا في ذلك.

نعم في القواعد في كتاب القضاء « لو تداعيا صبيا وهو في يد أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على إشكال ».

وعن الفخر والأصبهاني تقييده بما إذا لم يعلم أن اليد يد التقاط ، بل عن الأخير لا ترجيح في يد الالتقاط قطعا.

وفي الدروس « إذا لم يعلم كونه لقيطا ولا صرح ببنوته فان ادعاه‌

٢١٢

غيره فنازعه فان قال : هو لقيط وهو ابني فهما سواء ، وإن قال : هو ابني واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه فالأقرب ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد ».

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من عدم ثبوت اعتبار اليد في النسب شرعا ، ولذا لا يحكم ببنوة من كان في يده صبي لم يعترف بنسبته إليه ، نعم لو سبق أحدهما في دعوى الولدية وحكم له بذلك كان مقدما على الآخر ، لثبوت نسبه شرعا ، فيكون الآخر مدعيا صرفا يطالب بالبينة ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا اختلف كافر ومسلم أو حر وعبد في دعوى بنوته قال الشيخ ) في المبسوط ( يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد ) لقاعدة التغليب فيهما ، وتبعه الفخر والشهيدان إلا إذا كان اللقيط محكوما بكفره أو رقه ، فيتجه التوقف أو ترجح الكافر أو الرق كما في الدروس ، أو يشكل الترجيح ، كما في الروضة.

بل عن الأردبيلي الميل إلى ترجيح المسلم والحر مطلقا ، وعن أبي علي ترجيح الحر ، فان قامت بينة أنه ولد العبد ألحقنا به نسبه وأقررناه على الحرية ، إلا أن تقوم البينة أنه ولد من أمة.

( و ) لكن ( فيه تردد ) بل عن الخلاف والتذكرة الجزم بعدم الترجيح والرجوع إلى القرعة.

وفي جامع المقاصد « أنه الظاهر ، سواء كان الالتقاط في دار الكفر أو الإسلام ».

٢١٣

وفي المسالك « الأظهر عدم الترجيح مطلقا إلا أن يحكم بكفره ورقه على تقدير إلحاقه بالناقصين ، فيكون ترجيح الأولين أقوى ، لظهور المرجح ».

بل عن المختلف أن المشهور عدم الترجيح مطلقا ، ولعله أخذها مما ذكروه في كتاب القضاء من أنه إذا وطأها اثنان شبهة ثم أتت بولد فإنه يقرع بينهما ، سواء كانا مسلمين أو أحدهما أو حرين أو أحدهما ، بل عن كشف اللثام الإجماع على ذلك. خلافا للقطة المبسوط ، وبه صحيح الحلبي (١) بناء على أنهما من سنخ واحد ، كما هو الظاهر.

وقاعدة التغليب على وجه تشتمل المقام ممنوعة ، وترجيح المسلم والحر بموافقتهما للحكم بإسلامه وحريته لو كان في بلاد الإسلام لا أثر له في ثبوت النسب المستند إلى الفراش أو الإلحاق أو البينة ، مع أنه لا يتم في المحكوم بكفره واسترقاقه.

مضافا إلى ما سمعته سابقا من بقاء الحكم بإسلامه وحريته مع إمكانهما وإن حكم بكفر أبيه ورقيته ، بل لو قلنا بالتبعية فيهما أيضا تبعا لاقتضاء الأدلة لم يكن بذلك بأس ، ولا ترجيح فيه لدعوى المسلم.

فالتحقيق مساواتهما وإن أطنب في الإيضاح ومجمع البرهان وغيرهما في بيان الترجيح ، لكنه ليس بشي‌ء ، إذ هو مجرد اعتبارات لا ترجع إلى دليل معتبر شرعا ، كدعوى العار في العبودية وحفظ الدين في الإسلام وتغليبه ونحو ذلك مما لا يرجع إلى محصل.

ولو ادعاه رجل وامرأة فلا تعارض وألحق بهما ، لاحتمال حصوله منهما عن نكاح.

ولو قال الرجل : ابني من زوجتي وصدقته الزوجة وقالت امرأة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ـ الحديث ١ من كتاب الفرائض.

٢١٤

أخرى : إنه ابني ففي التحرير هو ابن الرجل ، ولا ترجح دعوى الزوجة ، وهو كذلك مع فرض عدم سبقها على الأخرى في الإلحاق ، والله العالم.

( القسم الثاني )

( في الملتقط من الحيوان )

( و ) تمام ( النظر ) فيه ( في ) ثلاثة ( المأخوذ والآخذ والحكم ).

( أما الأول )

( فهو كل حيوان مملوك ) لا مثل الخنزير ونحوه ( ضائع ) في الفلاة عن مالكه لا غير الضائع عنه ( أخذ ولا يد ) لملتقط ( عليه ) إلا ما ستعرف. ( ويسمى ) الحيوان المأخوذ ( ضالة ).

( و ) لا خلاف بيننا في أن ( أخذه في صورة الجواز مكروه ) بل عن المبسوط والخلاف نسبة ذلك إلى رواية أصحابنا ، وفي التذكرة نسبة كراهة الالتقاط إلى علمائنا في موضعين.

وفي محكي السرائر « أخذ اللقطة عند أصحابنا على الجملة مكروه ، لأنه قد‌ روي في الأخبار (١) أنه لا يأخذ الضالة إلا الضالون ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥ و ٧ و ١٠.

٢١٥

وفي الصحيح (١) في الضالة « ما أحب أن أمسها » وفي النبوي المروي من طرق العامة (٢) « لا يأوي الضالة إلا ضال » وفي آخر (٣) « ضالة المؤمن من حريق جهنم » أي لهبها ، وفي الخبر (٤) أيضا « إياكم واللقطة ، فإنها ضالة المؤمن ، وهو حريق من حريق جهنم ».

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مطلق اللقطة أو في الصامت إلا أنه بفحواها يفهم منها أيضا ما نحن فيه.

بل ربما استدل أيضا بما‌ ورد (٥) من أن « الضالة لا يأكلها إلا الضالون » بناء على إرادة النهي عن الأخذ الذي هو مقدمة للأكل من ذلك وإن زاد‌ في بعضها (٦) « إذا لم يعرفوها ».

وكيف كان فالحكم مفروغ منه ، مضافا إلى ما في التعريض بفعلها لأحكام كثيرة يصعب التخلص منها على حسب ما أراده الشارع ، بل لعلها من الأمانة التي حملها الإنسان لجهله.

ومن ذلك كله يعلم عدم وجوب حفظ مال الغير ما لم يكن تحت يده ، كما ذكرناه في المباحث السابقة.

لكن عن أبي حنيفة في وجه وجوب أخذ اللقطة لكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، فيكون كولي الأيتام ، وأن حرمة مال المسلم كدمه.

وهو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت ، وكم له ، وما أبعد ما بينه وبين الشيخين في المقنعة والنهاية من ظهور التحريم في الحيوان كما حكاه عنهما في الدروس ، ولكن لا يبعد إرادة الكراهة من نفي الجواز فيهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٩٠.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٩٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٢١٦

كما هو المتعارف في كلاميهما.

وعلى كل حال فلا إشكال في الكراهة ( إلا بحيث يتحقق التلف ) إذا لم يلتقطه ( فإنه ) حينئذ ( طلق ) بلا كراهة ، كما صرح به الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم ، ولعله لعدم تناول أدلة الكراهة الملاحظ فيها فائدة المالك المفروض انتفاؤها ، فالعقل حينئذ يقضي بعدمها.

ولا ينافيه‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » بعد ظهوره في غير تحقق التلف الذي هو عنوان عدم الكراهة.

بل ربما قيل : الظاهر منه الترغيب في أخذ الضالة التي هي في معرض التلف ، على معنى أنك إن أخذتها ولم تعرف مالكها بعد التعريف تكون لك ، وإن عرفته فقد حفظت مال أخيك المؤمن ، وإن لم تأخذها أكلها الذئب أو أخذها غير الأمين الذي هو بمنزلة الذئب أيضا.

ولعله لذلك كان المحكي عن المبسوط استحباب أخذها إذا كان أمينا في مفازة أو في خراب أو في عمران ، وعن أبي علي لو أخذها لصاحبها حفظا عن أخذ من لا أمانة له رجوت أن يؤجر ، بل في الروضة « يجب كفاية إذا عرف صاحبها ».

ولكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الدليل على ذلك على ما أشرنا إليه في الوديعة (٢) وغيرها من الكتب السابقة.

كما أنه لا يخفى عليك منافاة‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله متصلا بالخبر المزبور : « وما أحب أن أمسها » للمعنى المذكور المقتضي للندب ، فلا يبعد إرادة بيان الجواز فيه ، بل الكراهة أيضا ، فتأمل.

( و ) كيف كان ف ( الاشهاد مستحب ) عندنا ( لما ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) راجع ج ٢٧ ص ٢٨.

٢١٧

فيه من التحرز عن الطمع ، وعما ( لا يؤمن من تجدده على الملتقط ) من موت أو فلس أو غيرهما ( ولنفي التهمة ) بإرادة تملكها. وفي‌ النبوي (١) « من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ، ولا يكتم ولا يغيب » خلافا لبعض العامة فأوجبه ، لظاهر الأمر القاصر عن إفادته كما هو واضح.

ولا بد فيه من التعدد المتوقف عليه ما عرفت دون شهادة الواحد وإن كان ظاهر الخبر المزبور ذلك ، لكن لا عامل به منا ، والله العالم.

وعلى كل حال ( فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلأ وماء ) يتمكن من التناول منهما وإن لم يكن صحيحا بلا خلاف أجده بين القدماء والمتأخرين منا ، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ولعله كذلك.

بل في غاية المرام ذلك صريحا قال : « وقع الإجماع على عدم جواز أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا ، سواء كان في كلأ أو ماء أو لم يكن ، وكذا إذا ترك من جهد في كلأ أو ماء » بل مقتضاه أن أحدهما كاف في عدم الجواز ، وإن كان هو كما ترى يمكن دعوى الإجماع بخلافه فضلا عن النصوص (٢).

وفي الغنية « من وجد ضالة الإبل لا يجوز له أخذها بإجماع الطائفة ».

( أو كان صحيحا ) وإن لم يكن في كلأ وماء بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل في الكفاية وغاية المرام نحو ما سمعته في الأول ، كدعوى الإجماع في الرياض عليهما معا و ( لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيما تقدم من النصوص السابقة.

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٨٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

٢١٨

كصحيح الحلبي (١) وحسن هشام بن سالم بإبراهيم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إني وجدت شاة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : يا رسول الله إني وجدت بعيرا فقال‌ خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه‌ ».

وفي‌ صحيح معاوية بن عمار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الشاة الضالة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : وما أحب أن أمسها ، وسأل عن البعير الضال ، فقال للسائل : مالك وله ، خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه ، خل عنه » ونحوه مرسل الفقيه (٤).

على أن مقتضى مصلحة المالك بعد أن لم يخش عليه التلف لامتناعه عن السباع واستقامته بالرعي عدم التعرض له ، لأن العادة جرت بطلب مالكه له حيث يفقده.

وحينئذ فقد يقال : إن وجه التفصيل المزبور ـ مضافا إلى ما سمعته من نفي الخلاف فيه وغيره ، وإلى ظهور فحوى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كرشه » إلى آخره أن ذلك لمصلحة المالك ، فمع فرض كونه فاقد الأمرين لا يكون له مصلحة ـ خبر السكوني (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل ترك دابته من‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ٦ ص ٣٩٤ ـ الرقم ١١٨٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٤) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ١٨٨ ـ الرقم ٨٤٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

٢١٩

جهد ، قال : إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها ، وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ فهي لمن أصابها ».

وخبر مسمع (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها ، قال : وقضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ترك دابته في مضيعة ، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له ، يأخذها متى شاء ، وإن تركها في غير كلأ وماء فهي للذي أحياها ».

وفي‌ صحيح عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال أو من الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنما هي مثل الشي‌ء المباح ».

بناء على إرادة ما يشمل الضائع من الترك في النصوص السابقة ، لا خصوص الاعراض ولا خصوص الترك الذي هو غير موضوع اللقطة ، خصوصا بعد ملاحظة ما هو المعتاد من أنه يراها متروكة ولم يعلم قصد صاحبها الاعراض عنها أو أنه تركها لخوف ونحوه أو أنها ضائعة منه أو يقال : إن موردها وإن كان المعرض عنه إلا أن المفهوم منه كون المدار على مطلق المتروكية على الوجه المزبور.

إلا أن الأخير كما ترى ، ضرورة معلومية الفرق بين الأعراض واللقطة ، لمعلومية الفرق بينهما وبين ما قصد تركه ويعلم به صاحبه ، كما هو ظاهر لفظ « تركه » وحينئذ فلا مدخلية لهذه النصوص فيما نحن فيه من الضالة ، خصوصا الصحيح الذي قد صرح فيه بلفظ التسييب وكونه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

٢٢٠