جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

هذا وفي القواعد « ولا يفتقر في احتفاظه أي المال إلى الاذن » وفيه منع ذلك بعد عدم الولاية له على المال ، ودعوى تنزيل ذلك على ولاية التصرف دون الحفظ الذي هو دون حفظ النفس المعلوم ولايته عليه فكان أولى من الحاكم لا ترجع إلى حاصل ينطبق على أصولنا.

ومن هنا قال في التذكرة : « الأقرب عندي أن الملتقط لا يستولي حفظه ، بل يحتاج إلى إذن الحاكم ، لأن إثبات اليد على المال إنما يكون بولاية أما خاصة أو عامة ، ولا ولاية للملتقط ، ولهذا أوجبنا الرجوع إلى الحاكم في الإنفاق » والله العالم.

المسألة ( الخامسة : )

( الملقوط في دار الإسلام يحكم بإسلامه ولو ملكها أهل الكفر إذا كان فيها مسلم ، نظرا إلى الاحتمال وإن بعد ، تغليبا لحكم الإسلام ) الذي يعلو ولا يعلى عليه.

( وإن لم يكن فيها مسلم فهو رق ، وكذا إن وجد في دار الحرب ( الشرك خ ل ) ولا مستوطن هناك من المسلمين ) وذلك لأن الإسلام إما أن يحصل مباشرة أو تبعا ، فالأول من البالغ العاقل بأن يظهره بالشهادتين إن لم يكن أخرس وإلا فبالاشارة المفهمة.

وما عن خلاف الشيخ ـ من الحكم بإسلام المراهق ، فان ارتد بعد ذلك حكم بارتداده ، وإن لم يتب قتل ، بل في الدروس أنه قريب ـ مناف لمعلومية اعتبار البلوغ في التكليف نصا (١) وفتوى ، وسلب عبارته وفعله قبله إلا ما خرج بالدليل كوصيته.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

١٨١

وما أرسله في الخلاف ـ من رواية أصحابنا‌ (١) أن الصبي إذا بلغ عشرا أقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه وتنفذ وصيته وعتقه‌ ـ لا جابر له ، بل أعرض عنه الأصحاب ،

كالمرسل (٢) عنه « كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يعبر عنه بلسانه فاما شاكرا وإما كفورا » مضافا إلى إجمال دلالته.

وأما قبول إسلام علي عليه‌السلام قبل البلوغ فهو من خواصه وخواص أولاده المعصومين عليهم‌السلام وأمثالهم ، كيحيى وعيسى عليهما‌السلام والحجة صاحب الأمر روحي له الفداء.

ومن الغريب ما في مجمع البرهان « من أن الحكم بإسلام غير المراهق غير بعيد ،

لعموم « من قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم » و « قاتلوهم حتى يقولوا : لا إله إلا الله » وأمثاله كثيرة ، وأنهم إذا قدروا على الاستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحيد وما يتوقف عليه وجوب المعرفة والنظر يمكن أن يجب عليهم ذلك ، لأن دليل وجوب المعرفة عقلي ، ولا استثناء في الأدلة العقلية ، فلا يبعد تكليفهم ، بل يمكن أن يجب ذلك ، وإذا وجب صح ، كما أنه يلزم من صحته وجوبه ـ ثم حكى عن بعض العلماء التصريح بأن الواجبات الأصولية العقلية تجب على الطفل قبل بلوغه دون الفرعية ـ والظاهر أن ضابطه القدرة على الفهم والاستدلال على وجه مقنع ».

إذ لا يخفى عليك ما فيه من كونه كالاجتهاد في مقابلة المقطوع به‌

__________________

(١) الخلاف ج ٢ ص ٢٧.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٢٧.

١٨٢

نصا (١) وفتوى من رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ ، ولعلنا نقول بلزوم الإقرار عليه مع فرض وصوله إلى الواقع ، إلا أن ذلك لا ينافي عدم جريان الأحكام عليه ، وليس فيه تخصيص للدليل العقلي ، كما هو واضح.

نعم جزم الفاضل والكركي بأنه يفرق بينه وبين أبويه وجوبا مخافة الاستزلال مع أن الوجوب المزبور لا يخلو من نظر ، لعدم دليل عليه.

وعلى كل حال فغير المميز والمجنون لا إسلام لهما إلا بالتبعية التي تحصل بإسلام الأب أصالة ـ كمسلم يتزوج بكتابية مثلا ، فان ولدها منه مسلم بلا خلاف ، كما عن المبسوط ـ أو عارضا ، كما إذا أسلم الأب وهو حمل أو ولد منفصل ، فإنه يتبع الأب أيضا بلا خلاف كما عن المبسوط أيضا.

وفي‌ الخبر (٢) عن علي عليه‌السلام « إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فان أبى قتل » مضافا إلى السيرة القطعية في أولاد المسلمين ومجانينهم المتصل جنونهم بالبلوغ.

بل عن المبسوط والخلاف أيضا إجماع الفرقة على إسلام الحمل أو الولد بإسلام الأم ، مضافا إلى قوله تعالى (٣) ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ ).

بل الظاهر عدم الفرق في التبعية المزبورة بين إسلام الأب وإسلام الجد وإن علا ، والجدات للأب أو الأم مع فرض عدم وجود الأقرب ، أما معه فقد استشكل فيه الفاضل وولده ، والأقوى فيه التبعية تغليبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ من كتاب القصاص.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٧ من كتاب الحدود.

(٣) سورة الطور : ٥٢ ـ الآية ٢١.

١٨٣

للإسلام ولصدق القرابة المقتضية مع حياة الأقرب وموته ، وكذا الذرية والولد وغير ذلك مما هو دليل للتبعية مع موت الأقرب ، ولا ينافيها أحقية الأبوين من غيرهما من الأجداد والجدات في بعض الأحوال.

وتحصل أيضا بالسبي للطفل منفردا عن أبويه ، كما عن الإسكافي والشيخ والقاضي والشهيد وغيرهم للسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على إجراء حكم المسلم عليه حيا وميتا في طهارة وغيرها.

ومن الغريب ما عن بعض الناس من تسليم الاتفاق على طهارته دون إسلامه ، فهو حينئذ طاهر وإن لم يكن محكوما بإسلامه ، بل مقتضى بقاء تبعيته لأبويه أنه كذلك وإن كان محكوما بكفره ، بل قد تقدم في كتاب الكفارات عند البحث في الاجتزاء بعتقه عن الرقبة المؤمنة (١) ما يدل على ذلك أيضا.

نعم لو كان معه أحد أبويه الكافرين لم يحكم بإسلامه بلا خلاف أجده فيه ، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي انقطاعه بتبعية السابي ، خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل ، ولا ريب في ضعفه.

كضعف المحكي عن أحد وجهي الشافعية من الحكم بإسلام مسبي الذمي الذي لا حظ له في الإسلام وإن كان في داره أو باعه من مسلم ، فان ملكه له طرأ عليه وهو كافر ، فلا يجدي ملك المسلم حينئذ له بالشراء ، كما هو واضح ، وقد تقدم تمام الكلام في المسألة في الجهاد (٢).

ويحصل أيضا بتبعية الدار التي تعرض لها المصنف هنا خاصة ، لعدم مدخلية غيرها في لقيط دار الإسلام الذي لا خلاف بين الأصحاب في الحكم بإسلامه فيها.

__________________

(١) راجع ج ٣٣ ص ٢٠٢.

(٢) راجع ج ٢١ ص ١٣٦ ـ ١٤٠.

١٨٤

والمراد بها كما في الدروس ما ينفذ فيها حكم الإسلام ، فلا يكون بها كافر إلا معاهدا قال : « فلقيطها حر مسلم ، وحكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد ولو واجدا ، وأما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار فان علم فيها مسلم فهي كدار الإسلام وإلا فلا ، وتجويز كون المسلم فيها مخفيا نفسه غير كاف في إسلام اللقيط ، وأما دار الكفر فهي ما ينفذ فيها أحكام الكفار فلا يسكن فيها مسلم إلا مسالما ، ولقيطها محكوم بكفره ورقه ، إلا أن يكون فيها مسلم ولو كان تاجرا إذا كان مقيما ، وكذا لو كان أسيرا أو محبوسا ، ولا تكفي المارة من المسلمين ».

وفي محكي المبسوط « دار الإسلام على ثلاثة أضرب : بلد بنى في الإسلام لم يقربه المشركون كبغداد والبصرة ، فلقيطها يحكم بإسلامه وإن جاز أن يكون لذمي ، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، والثاني كان دار كفر فغلب عليها المسلمون ، أو أخذوها صلحا وأقروهم على ما كانوا عليه على أن يؤدوا الجزية ، فإن وجد فيها لقيط نظرت ، فان كان هناك مسلم مستوطن فإنه يحكم بإسلامه ، لما ذكرنا ، وإن لم يكن هناك مسلم أصلا حكم بكفره ، لأن الدار دار كفر ، والثالث دار كانت للمسلمين وغلب عليها المشركون مثل طرشوش ، فإذا وجد فيها لقيط نظرت ، فان كان هناك مسلم مستوطن حكم بإسلامه ، وإلا فلا ـ قال ـ : ودار الحرب مثل الروم ، فان وجد فيها لقيط نظرت ، فان كان هناك أسارى فإنه يحكم بإسلامه ، وإن لم يكن أسارى ويدخلهم التجار قيل : فيه وجهان : أحدهما الحكم بإسلامه ، والآخر الحكم بكفره ».

وفي التذكرة جعل دار الإسلام دارين : وهما الضرب الأول والثاني اللذان في المبسوط ، وجعل الثالث المذكور أخيرا في المبسوط دار كفر ،

١٨٥

فدار الإسلام عنده داران ، ودار الكفر عنده داران.

وفي القواعد « الثالث تبعية الدار ، وهي المراد ـ أي في اللقيط ، فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الإسلام إلا أن يملكها الكفار ولم يوجد فيها مسلم واحد ، فيحكم بكفره ، وبكفر كل لقيط في دار الحرب إلا إذا كان فيها مسلم ساكن ولو واحدا تاجرا أو أسيرا ».

وفي جامع المقاصد « أن المراد بدار الإسلام في عبارة الكتاب إما دار خطها المسلمون كبغداد أو دار فتحها المسلمون كالشام ـ ثم حكى عن الدروس تعريفها بما سمعت وقال : ـ إنه أضبط ».

وفي المسالك بعد أن ذكر ما في الدروس والتذكرة قال : « وظاهر هذه التعريفات أن المراد من دار الإسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأن سوق المسلمين يحكم على لحومه وجلوده بالطهارة كما سبق في أبوابه ، لأن المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين ، ولا يصدق عليه سوق المسلمين ».

قلت : لا أعرف ثمرة في الإطناب في ذلك بعد خلو النصوص عن تعليق الحكم على دار الإسلام ودار الكفر ، وإن جعلهما في الرياض وغيره العنوان لذلك.

لكن فيه أنه بعد اعتبار وجود المسلم في الإلحاق لم يفرق بينهما وبين دار الكفر ، واحتمال الاكتفاء بدار الإسلام وإن لم يوجد فيها مسلم صالح للتولد منه لا وجه له ، بل لا معنى لدار الإسلام معه إلا بإرادة نفوذ أحكام الإسلام فيها وإن كان أهلها كفارا ، وقد عرفت التصريح في الدروس باعتبار وجود المسلم فيها في الحكم بالإسلام.

ثم لا يخفى عليك أن التغليب المزبور للإسلام ولو بوجود واحد أسير أو محبوس في بلاد الكفر يمكن كون الولد منه مناف لمقتضى قاعدة إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب ، مع أنهم لم يعتبروه في المارين‌

١٨٦

والمستطرقين الذين يمكن احتمال التولد من أحدهم الذي هو أولى من المحبوسين.

وما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع اقتضاء الأصول العقلية عدم الحكم بإسلامه وكفره؟! لأن الأصل كما يقتضي عدم تولده من الكافر يقتضي أيضا عدم تولده من المسلم ، ولا أصل آخر يقتضي الحكم بكون المشكوك فيه على الوجه المزبور الإسلام ، والولادة على الفطرة قد عرفت إعراض الأصحاب عن العمل بمقتضاها ، ولذا أوله بعضهم بإرادة أنه يولد ليكون على الفطرة ، أي بعد البلوغ.

نعم قد يقال : إن السيرة تقتضي ذلك في بلاد الإسلام الغالب فيها المسلمون ، وأما الحكم في النصوص (١) بالحرية فهو أعم من الإسلام ، فلا ملازمة بينهما ، مع أن تناولها لبعض الأفراد المذكورة في كلامهم محل شك أو منع ، فليس حينئذ إلا الإجماع إن تم على سائر ما ذكروه ، ولعله محل شك في المحبوس في طامورة مثلا.

أو يقال : إن دليل ذلك كله‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » ولو بملاحظة الانجبار بفتوى الأصحاب ، على معنى ما يقتضي تغلب احتمال الإسلام على احتمال غيره ، ولا يقدح في ذلك عدم اعتبار الاحتمال الناشئ من غير الساكن في البلاد كالمستطرقين ونحوهم ، لعدم الانجبار فيه ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فان بلغ وأعرب عن نفسه الكفر لم يحكم بردته على الأقوى ، كما في الدروس ومحكي التذكرة والإيضاح.

ولعله إليه يرجع ما عن المبسوط من « أن الأقوى أنه لا يقتل ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١١ من كتاب الفرائض.

١٨٧

بل يفزع ويهدد ويقال : حكمنا بإسلامك قبل ، ارجع إلى الإسلام » إلى آخره. لأن الحكم بإسلامه وقع ظاهرا لا باطنا.

ولذا لو ادعى ذمي بنوته وأقام بينة على دعواه سلم إليه ، ونقض الحكم بإسلامه ، وليس إلا لأنها أمارة إنية تفيد الظن ، باعتبار الاستدلال بالمعلول على شي‌ء آخر ، بخلاف مباشرة الإسلام وتبعية أحد الأبوين أو السابي ، فإنه برهان لمي يفيد العلم ، ويستدل فيه بالعلة على المعلول.

لكن في القواعد التردد في ذلك ، ولعله مما عرفت ومن حيث سبق الحكم بإسلامه ، فهو مسلم كفر بعد إسلام ، فيندرج في تعريف المرتد.

بل في التحرير الجزم بأنه مرتد يستتاب وإلا قتل ، بل نفي البعد في جامع المقاصد عن الحكم بكونه مرتدا ، لسبق الحكم بطهارته وإجراء أحكام أولاد المسلمين عليه ، ولأن الإسلام هو الأصل ، لأن كل مولود يولد على الفطرة.

وفيه منع الأصل المزبور ، كمنع اقتضاء الأول الحكم بكونه مرتدا ضرورة عدم صدقه عليه لغة بل وشرعا ، فالتحقيق عدم جريان حكم المرتد عليه ، والله العالم.

المسألة ( السادسة : )

( عاقلة اللقيط ) عندنا كما في التذكرة والمسالك ( الامام عليه‌السلام ) الذي هو وارث من لا وارث له قولا واحدا ( إذا لم يظهر له نسب ولم ) يكبر ف ( يتولى أحدا ) على وجه يكون ضامنا لجريرته.

خلافا للمحكي عن العامة من أن عاقلته بيت المال ، لأن ميراثه له ،

١٨٨

وربما كان في عبارة الشيخين إيهام لذلك.

قال في المقنعة : « فان لم يتوال أحدا حتى مات كان ولاؤه للمسلمين وإن ترك مالا كان ماله لبيت مال المسلمين » ونحوه في النهاية.

وفي محكي المبسوط « فان كان عمدا فإنه للإمام ، فإن رأى المصلحة أن يقتص اقتص ، وإن رأى العفو على مال ويدعه في بيت المال لمصالح المسلمين فعل ، وإن كان خطأ فإنه يوجب المال ، فيؤخذ ويترك في بيت المال بلا خلاف ».

وفي محكي الخلاف « اللقيط إذا مات ولم يخلف وارثا فميراثه لبيت المال ، وبه قال جميع الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة ».

إلا أنه يمكن إرادتهما بيت مال الامام عليه‌السلام الذي هو للمسلمين في الحقيقة ، لأن جميع أنفاله يصرفها عليهم ، وعن الشيخ في المبسوط أنه قال : « إذا قلت : بيت المال فمقصودي بيت مال الامام عليه‌السلام ».

قلت : ويؤيد ذلك اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على أن ميراث من لا وارث له للإمام عليه‌السلام ، كاتفاق النصوص (١) على أنه من الأنفال.

بل عن الخلاف بعد ما سمعته بفاصلة يسيرة « ميراث من لا وارث له لإمام المسلمين ، وقال جميع الفقهاء : لبيت المال ، وهو لجميع المسلمين ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ».

ولا ريب في أن اللقيط المزبور مع الفرض المذكور ممن لا وارث له ، فيكون للإمام الذي هو عاقلته ، فإن الذي يعقله هو الذي يرثه ( سواء جنى عمدا أو خطأ ما دام صغيرا ) لأن عمد الصبي خطأ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ من كتاب الخمس.

١٨٩

بلا خلاف ولا إشكال.

( فإذا بلغ ) وعقل ولم يتوال أحدا ( ففي عمده القصاص ) كغيره ( وفي خطائه ) المحض ( الدية على الامام عليه‌السلام ) الذي هو عاقلته ( وفي شبيه العمد الدية في ماله ) كجنايته على المال عمدا أو خطأ ، فان لم يكن بيده مال انتظر يساره.

( ولو جني عليه وهو صغير فان كانت على النفس فالدية ) للإمام عليه‌السلام ( إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا ) لما عرفت من أنه هو الوارث له مالا وقصاصا ، فله العفو حينئذ على مال بلا خلاف ولا إشكال مع رضا المجني عليه كغيره على حسب ما سمعته في محله.

( وإن كانت ) الجناية ( على الطرف قال الشيخ ) في المبسوط ( لا يقتص له ولا تؤخذ الدية ) لأن القصاص للتشفي ، وهو ليس من أهله و ( لأنه لا يدري مراده عند بلوغه فهو ) حينئذ ( كالصبي ) غير اللقيط المجني على طرفه ( لا يقتص له أبوه ) ولا جده ( ولا الحاكم و ) لا تؤخذ له الدية ، بل ( يؤخر حقه إلى بلوغه ).

( ولو قيل بجواز استيفاء الولي ) هنا وفي الصبي ( الدية مع الغبطة إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا كان حسنا ، إذ لا معني للتأخير مع وجود السبب ) بل لا خلاف فيه ولا إشكال في الخطأ ، لعموم ولايته ، بل لا يجوز له التأخير المنافي لمصلحته كباقي حقوقه التي هي كذلك ، ووفاقا للأكثر كما في المسالك في العمد ، لعموم ولايته ، بل لعل تأخيره إلى وقت البلوغ مع احتمال فوات المحل تفريط في حق الطفل.

١٩٠

نعم عن التذكرة منع استيفاء الدية بدلا عنه ، وفيه منع أيضا ، لعموم الولاية.

وفي القواعد « لو أخذ الحاكم الأرش في العمد فبلغ فطلب القصاص فإشكال ، ينشأ من أن أخذ المال للحيلولة أو لإسقاط القصاص ».

وكأنه عرض بذلك إلى ما عن المبسوط قال : « فأما إذا كان الوارث واحدا مثل من قتلت أمه وقد طلقها أبوه فالقود له وحده ، فليس لأبيه أن يستوفيه ، بل يصبر حتى إذا بلغ كان ذلك إليه ، سواء كان ذلك طرفا أو نفسا ، وسواء كان الولي أبا أو جدا أو الوصي ، الباب واحد ، فإذا ثبت أنه ليس للوالد أن يقتص لولده الطفل أو المجنون ، فان القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون ، لأن في الحبس منفعتهما معا : للقاتل بالعيش ولهذا بالاستيثاق ، فإذا ثبت هذا فأراد الولي أن يعفو على مال فان كان الطفل في كفاية لم يكن له ذلك ، لأنه يفوت عليه التشفي ، وعندنا له ذلك لأن له القصاص على ما قلنا إذا بلغ ، فلا يبطل التشفي » ثم نقل الخلاف بين العامة فيما إذا كان معسرا وأراد أن يعفو الولي على مال ، واختار أن له العفو أيضا ، وللصبي القصاص إذا بلغ.

وفيه ما لا يخفى من أنه لا تسلط للولي على أخذ المال من الجاني بغير رضاه ، والصحة معه إذا كان على جهة إسقاط الحق يقتضي ترتب الأثر الذي هو السقوط الممتنع معه تسلط الصبي عليه.

ودعوى أن المشروع للولي تناول المال على الوجه المزبور ، أو أنه كذلك وإن دفع المال بعنوان الاسقاط وقبضه الولي كذلك لا شاهد لها ، بل الشواهد على خلافها.

وثبوت قيمة الحيلولة في المغصوب على وجه يملكها المالك إلى زمان‌

١٩١

حصول العين لا يقتضي الثبوت هنا إلا بالقياس الممنوع عندنا ، حتى لو تراضيا على ذلك ، إلا أن يكون بعقد مثلا يشترط فيه الخيار مثلا إلى مدة يتحقق فيها بلوغ الطفل ، فينتقل الخيار إليه ، وإلا فالفضولي لا يتحقق فيه ملك الدية فعلا ، كما هو واضح.

ثم إن الحبس في المجنون الذي لا غاية له تنتظر لا وجه له ، بل في التحرير « لو بلغ فاسد العقل تولى الامام عليه‌السلام استيفاء حقه إجماعا » بل لعل مطلق الحبس كذلك أيضا ، لأنه تعجيل عقوبة للمجني عليه بلا داع ولا مقتض ، فالتحقيق أن للولي ذلك كله بعد حصول المصلحة أو عدم المفسدة على ما عرفته في محله ، لعموم الولاية ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( لا يتولى ) شيئا من ( ذلك ) في المقام ( الملتقط ، إذ لا ولاية له في غير الحضانة ) خلافا للمحكي عن الإسكافي من أنه لو أنفق عليه وتولى غيره رد عليه النفقة ، فان أبى فله ولاؤه وميراثه ، ولا نعرف له شاهدا ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك ، ولعله لذا حمله الفاضل على أخذ قدر النفقة من ميراثه.

ثم إن ما تقدم من تبعية الدار في الإسلام ، واما الحكم بحريته حتى يتحقق رقيته بالطريق الشرعي فلا أجد فيه خلافا ، بل عن ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على أن اللقيط حر ، وروينا ذلك عن علي عليه‌السلام (١) مضافا إلى النصوص (٢) المزبورة وإلى أصالة الحرية المستفادة من النص (٣)

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

١٩٢

والفتوى بل والعقل ، ضرورة احتياج الرقية إلى سبب مقتضى الأصل عدمه.

بل عن التذكرة « إذا التقط في دار الحرب ولا مسلم فيها أصلا فالأقرب عندي الحكم بحريته ، لكن تتجدد الرقية بالاستيلاء عليه ، وإن قال علماؤنا : إنه يكون رقا ».

وفيه أن علماءنا يقولون باسترقاقه بالتقاطه الذي هو استيلاء على المحكوم بكفره شرعا ، لا أنه رق بدونه ، نعم هو كافر تبعا للدار بعد السلامة عما يقتضي التغلب على الإسلام.

وعلى كل حال فمقتضى ما ذكرناه من الحرية شرعا جريان جميع أحكامها له وعليه في القصاص وغيره ، كما هو ظاهر كلامهم في المسألة.

لكن في القواعد بعد الحكم بحريته للأصل قال : « فيحكم بها في كل ما لا يلزم غيره شيئا ، فنملكه المال ونغرم من أتلف عليه شيئا ، وميراثه لبيت المال ، وإن قتله عبد قتل به ، وإن قتله حر فالأقرب سقوط القود ، للشبهة واحتمال الرق ، فحينئذ تجب الدية أو أقل الأمرين منها ومن القيمة على إشكال ».

وإن وجه بانتفاء شرط القصاص ، وبأن فارط الدماء لا يستدرك ، فيجب فيها رعاية الاحتياط وبنحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد ثبوت حريته شرعا على وجه تجري عليه المناكحة المطلوب فيها الاحتياط أيضا وغيرها من أحكام الحر الجارية على كل من كان ظاهره الحرية شرعا وإن احتمل فيه غيرها ، وعلى فرض الخطأ فهو على بيت المال ، لأنه من خطأ الحكام وأصل البراءة ونحوه لا يعارض القاعدة الشرعية الثابتة نصا (١) وفتوى ، ولا دليل على سقوط القصاص الثابت بإطلاق قوله تعالى (٢) ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وغيره بمجرد الاحتمال المزبور ، كما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٥.

١٩٣

واضح. بل في المسالك نفي الخلاف فيه.

وكذا الكلام فيما ذكره من الاشكال وإن قيل : إنه نشأ من أنه حر في نظر الشارع ، وقد حكمنا بسقوط القود للشبهة ، فيجب الانتقال إلى الدية ، ومن الشك في الحرية والرقية فيجب أقل الأمرين ، لأنه المتيقن والزائد مشكوك فيه ، للشك في سببه.

لكنه كما ترى ، ضرورة عدم أثر للشك بعد الحكم شرعا بحريته وإن منع من القصاص مانع ، وهو الشبهة المفروض كونها في مثله أو الدية ، فلا مانع منها ، فهو حينئذ كحر تعذر استيفاء القصاص منه في الانتقال إلى الدية ، إذ لو كان الاحتمال ساريا إليها لاحتمل أيضا دية ذمي ، إذ الإسلام كالحرية أيضا ، بل هي أقوى دليلا منه ، كما عرفته.

بل ربما نوقش أيضا بأنه لقائل أن يقول : إن الواقع لا يخلو من رقية أو حرية ، فلا بد من إحداهما ، وعلى أي تقدير كان فلا يكون الواجب أحد الأمرين ، لأنه إن كان حرا فالواجب القصاص لا الدية ، والاحتياط المذكور معارض باحتياط مثله ، فإن الجاني ربما رضي بالقصاص ، فقهره على الدية إلزام له بما لم يثبت عليه ، فيكون باطلا ، وإن كان رقا فالواجب هو القيمة لا الدية ، فيبطل احتمال كون الواجب هو الدية على كل من التقديرين اللذين انحصر الواقع فيهما.

وكذا يمتنع أن يكون الواجب هو أقل الأمرين مطلقا على كل من تقديري الحرية والرقية ، على أنه يؤدي إلى إسقاط حق معلوم الثبوت قطعا ، وذلك إذا قطع منه طرفان : أحدهما أكثر قيمة والآخر أكثر دية ، وحيث بطلت اللوازم كلها تعين الحكم بالقصاص وإن كان في بعضه ما فيه ، والله العالم.

١٩٤

ومما ذكرنا يظهر لك الحال

في‌ المسألة ( السابعة : )

التي هي ( إذا بلغ فقذفه قاذف ) كان عليه الحد بلا خلاف ولا إشكال إن لم يدع القاذف الرقية ، كما اعترف به في المسالك ، لحصول مقتضية ، ولا شبهة.

( و ) إن ( قال ) القاذف ( أنت رق فقال ) المقذوف : ( بل ) أنا ( حر ) ف ( للشيخ فيها قولان : أحدهما ) في محكي الخلاف ( لا حد ) وتبعه ( عليه ) المصنف في حدود الكتاب ، والفاضل في حدود التحرير والمختلف والقواعد ولقطتها ، والأصبهاني في المحكي عن كشفه ( لأن الحكم بالحرية غير متيقن ، بل على الظاهر وهو محتمل ، فيتحقق الاشتباه الموجب لسقوط الحد ) الذي يدرأ بالشبهات نعم يثبت التعزير الذي هو متيقن على التقديرين.

( والثاني ) في محكي المبسوط في الحدود واللقطة ( عليه الحد ، تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا ، والأمور الشرعية منوطة بالظاهر ، فيثبت الحد كثبوت القصاص ) وتبعه الفاضل في لقطة التحرير والتذكرة والإرشاد والشهيدان والكركي.

بل في المتن ( والأخير أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، نعم عليه اليمين كما صرح به في الدروس ، ولعله ظاهر غيره أيضا.

لكن فيه أنه مناف لدرء الحدود بالشبهات التي لا ريب في كون الفرض منها ، لعدم القطع بفساد دعوى الرقية ، ولا يلزم من ذلك كون الاحتمال نفسه من دون دعوى المحدود شبهة ، كما أنه لا وجه لاحتمال عدم الشبهة في ذلك حتى مع الدعوى التي لم يعلم بطلانها وإن لم يتمكن من‌

١٩٥

إثباتها ، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق في الحدود إنشاء الله.

وبذلك يفرق بين المقام وبين القصاص الذي ليس من الحدود التي ورد (١) فيها الدرء بالشبهة.

ولعله إلى ذلك أشار الفاضل في القواعد بقوله : « تقابل أصل البراءة والحرية ، فيثبت التعزير ، ولو قطع حر يده تقابلا أيضا ، ولكن الأقرب القصاص هنا ، لأن العدول إلى القيمة مشكوك بخلاف التعزير المعدول إليه ، فإنه متيقن » إذ من المعلوم انقطاع أصل البراءة بقاعدة الحرية لا مقابلته له.

إلا أن يقال : إن المراد من ذلك تحقق الشبهة المسقطة للأول بخلاف الثاني وإن كان تعليله المزبور قاصرا عن تأدية ذلك.

بل لا يخلو كلامه من منافاة لما سبق منه في النفس ، إذ احتمال الفرق بينهما في غاية البعد ، خصوصا بعد ملاحظة احتمال سراية قصاص الطرف إلى النفس.

وكذا الكلام لو قال القاذف : أنا رق ليثبت نصف الحد عليه وقال المقذوف هو حر.

ومن الغريب ما عن مجمع البرهان من فرض المسألة في قذف اللقيط الصغير الذي يتولى حد القاذف فيه الحاكم ، لأنه وليه ، وتفسير عبارة الإرشاد بذلك ؛ مع أن قذف الصغير لا حد فيه ، وإنما فيه التعزير. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٤ من كتاب لحدود.

١٩٦

المسألة ( الثامنة : )

( يقبل إقرار اللقيط ) كغيره من مجهولي النسب ( على نفسه بالرق إذا كان بالغا رشيدا ولم تعرف حريته ) على وجه يعلم بطلان إقراره ( ولا كان مدعيا لها ) قبل إقراره ، ولا كان متعلقا بحق غيره كما صرح به غير واحد ، بل في محكي المبسوط وغيره ما يشعر بالإجماع.

ولعله كذلك ، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من الحلي ، فلم يقبله ، ناسبا له إلى محصلي أصحابنا ، لحكم الشارع عليه بالجرية.

وفيه أن حكمه بذلك لا ينافي جريان حكم الإقرار المستفاد من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) « إقرار العقلاء » مضافا إلى‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « الناس كلهم على الحرية ، إلا من أقر على نفسه بالعبودية ».

بل في قواعد الفاضل وإيضاح ولده وجامع المقاصد « أن الأقرب القبول لو أقر أولا بالحرية ثم بالعبودية ، للعموم المزبور ، ولأنه كما لو ادعى ملكية شي‌ء ثم أقر به لآخر ».

خلافا للمحكي عن المبسوط والتذكرة من عدم القبول ، لمنافاته للحكم الأول بحريته التي تترتب عليه أحكامها من الجهاد والحج وغيرهما ، فلا يقبل إقراره بما يقتضي سقوطها ، ولأنه بتأكيده لأصل الحرية بالإقرار المزبور صار كمن أعرب عن نفسه بالإسلام الذي اقتضته الدار ثم كفر ، فإنه لا يقبل منه ، ويجعل مرتدا ، ولأن الحرية حق لله تعالى ، فلا يقبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من كتاب العتق ـ الحديث ١ وفيه‌ « الناس كلهم أحرار. » ‌

.

١٩٧

رجوعه في إبطالها ، إلا أن الجميع كما ترى.

ونحوه ما عن المبسوط أيضا من أنه « لو أقر بالعبودية أولا لواحد فأنكر فأقر لغيره لم يقبل ، لأن إقراره الأول تضمن نفي الملك لغيره ، فإذا رد المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا ، فكان حرا بالأصل ، فليس له إبطالها بإقراره بها لآخر ».

إذ لا يخفى عليك أن إقراره الأول تضمن ثبوت الرقية ، وأنها لزيد ، ولا يلزم من بطلان الثاني بطلان الأول ، ورده لا يقتضي الحرية ، بل كون الرقية ليست له ، قيل : ولهذا لو رجع عن الإنكار إلى الإقرار قبل ، إذ ربما لم يكن عالما بالحال ، أو نحو ذلك مما لا ينافي احتمال الصدق ، ومن هنا كان خيرة الفاضل في التذكرة والتحرير وجامع المقاصد القبول ،

لعموم « إقرار العقلاء » (١) وقد تقدم في كتاب الإقرار تحقيق المسألة بما لا مزيد عليه ، فلا حظ وتأمل.

ولو سبق من اللقيط قبل الإقرار تصرف متعلق بالغير فمع البينة يكون كالتصرف الواقع من العبد بغير إذن سيده ، ولو لم يكن إلا بالإقرار لم ينفذ فيما يكون في حق الغير.

فلو كانت امرأة مثلا ونكحت زوجا ثم أقرت بالرق استمر نكاحها وثبت للسيد أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، أو من المسمى والعشر أو نصفه على الخلاف في المسألة التي قد تقدم تحقيقها في كتاب النكاح (٢) إن لم يكن قد سلم المهر إليها ، وإلا لم يكن للسيد مطالبته ، والأولاد أحرار ، وعدتها من الطلاق ثلاثة قروء ، لأنها حق الزوج ، بل قيل :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.

(٢) راجع ج ٣٠ ص ٢٢٢ و ٣٦٦ ـ ٣٦٨.

١٩٨

ومن الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لأن الحداد حق الزوج ، وفيه نظر أو منع.

وفي المسالك « وحيث حكم برقه على أحد الوجوه ففي بطلان تصرفاته السابقة على الإقرار أوجه ، من ظهور وقوعها حال الحرية ، ومن وقوعها حال الحكم بالحرية ، ثالثها الفرق بين ما لم يبق أثره كالبيع والشراء وما يبقى كالنكاح ، فينفذ الأول ويفسد النكاح إن كان قبل الدخول وعليه نصف المهر ، وإن كان بعده فسد وعليه المهر ، فيستوفي مما في يده وإلا يتبع به بعد العتق » ولعله لا يخلو من نظر في الجملة ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

( إذا ادعى أجنبي ) أو الملتقط عندنا ( بنوته قبل ) على وجه يثبت به النسب ( إذا كان المدعي أبا وإن لم يقم بينة ، لأنه مجهول النسب ، فكان أحق به ، حرا كان المدعي أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في الإيضاح وجامع المقاصد الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ عموم « إقرار العقلاء » (١) وخصوص قوله عليه‌السلام في القوي (٢) والمرسل (٣) : « إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا ».

فما عن الأردبيلي ـ من التشكيك في ذلك لبعض الأمور الاعتبارية كاحتمال كون الإقرار طمعا في مال الولد لو كان له مال ونحو ذلك ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ـ الحديث ٤ من كتاب الفرائض.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ـ الحديث ٣ من كتاب الفرائض.

١٩٩

في غير محله ، كما تقدم تحقيق المسألة في كتاب الإقرار ، بل قيل : لو قتله ثم استلحقه قبل وسقط القصاص.

وما عن بعض العامة ـ من عدم اللحوق بالكافر والعبد للحكم بإسلامه وحريته ـ يدفعه أنه يلحق بهما في النسب خاصة دونهما مطلقا أو إلا مع البينة مع فرض وجوده في دار يحكم بإسلامه ، فلا حضانة حينئذ لهما ، كما ستعرف.

هذا وفي محكي الخلاف والمبسوط ( وكذا ) تقبل الدعوى على وجه يثبت النسب ( لو كان ) المدعي ( أما ) كالأب ، بل قيل : هو خيرة مجمع البرهان وقضية إطلاق إقرار السرائر والكتاب والنافع والإرشاد والتذكرة والتحرير واللمعة وغيرها ، بل عن ظاهر الأول الإجماع على ذلك ،

للصحيحين (١) « عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير فتقول هو ابني والرجل يسبى فيلقى أخاه ويتعارفان وليس لهما على ذلك بينة إلا إقرارهما ، فقال : ما يقول من قبلكم؟ قلت : لا يورثونهم ، لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة ، إنما كانت ولادة في الشرك ، فقال : سبحان الله إذا جاءت بابنها أو بنتها ولم تزل مقرة وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما ولم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض ».

ولكن حيث لم يكونا بتلك الصراحة على وجه يفيدان ثبوت النسب مطلقا الذي مقتضى الأصل عدمه في غير المقر قال المصنف ( ولو قيل : لا يثبت نسبه إلا مع التصديق ) بعد البلوغ والرشد ( كان حسنا ) بل هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه وولده والكركي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ـ من كتاب الفرائض.

٢٠٠