جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

منه ( نعم ) يشترط ، بل في مجمع البرهان « يمكن دعوى الإجماع عليه » ولعله كذلك ، إذا لم أجد فيه خلافا وإن أشعرت عبارة المصنف هنا والنافع بالتردد فيه ، بل ومنه تسرى إلى تلميذه الآبي.

ومن الغريب ما في التنقيح من أن الأصحاب أطلقوا جواز الالتقاط من غير تقييد ، ضرورة عدم معرفة من أطلق هنا ، وإنما هو كذلك في المال ، والفرق بينهما في كمال الوضوح ، كوضوح الفرق بين محل البحث هنا وبين اللقيط المحكوم بكفره الذي لا خلاف ـ كما اعترف به غير واحد ـ في جواز التقاط الكافر له ، بل عن المهذب البارع جواز ذلك قولا واحدا ، وإن كان ظاهر التنقيح أيضا اتحاد المقامين ، وهو غفلة.

وما عن الكركي في حاشية الإرشاد ـ من اشتراط الإسلام وإن لم يكن الولد محكوما بإسلامه ـ يمكن حمله على إرادة غير المحكوم بكفره ، كولد الزنا من الكافرين أو المسلمين وإلا كان مخالفا للإجماع.

بل قد يناقش في اشتراطه أيضا على التنزيل المزبور بإطلاق الأدلة السالم عن معارضة نفي السبيل (١) الذي هو دليل المنع في الأول في المتن وغيره. قال ( لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم بإسلامه ظاهرا ، ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين ).

ودعوى أنه مولود على الفطرة فيكون مسلما واضحة المنع ، لعدم عامل بما دل عليها على هذا الوجه ، بل ظاهر حكمهم بإسلام الطفل بالتبعية يقتضي خلافه ، وربما ردت باقتضائها المنع من التقاط ولد الكافر ، وفيه أن التبعية شرعا محققة بالفراش الشرعي ، لأن لكل قوم نكاحا ، فالأولى ردها بما ذكرناه.

وأما التعليل الثاني فهو مناسبة لا تصلح دليلا ، إذ عدم أمن المخادعة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

١٦١

لا يمنع من ذلك وإن ورد نحوه في تزويج العارفة غير العارف (١) لكن قد عرفت في محله أنه حكمة لا علة.

وهل اختلاف مذاهب المسلمين يقتضي بمنع التقاط ولد العارف لغير أهل مذهبه؟ لا أجد فيه تصريحا ، ولكنه محتمل ، وإن كان الأقوى خلافه ، لما عرفت من أن احتمال الخدع حكمة لا علة وإلا لمنعت في الفسق الذي مقتضي إطلاق الأكثر جواز الالتقاط معه.

بل لم نعرف القائل بخلافه الذي أشار إليه المصنف بقوله ( ولو كان الملتقط فاسقا قيل : ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه إلى عدل ، لأن حضانته استئمان ولا أمانة للفاسق ) إلا ما يحكى عن المبسوط مع أن المحكي عنه والخلاف في التنقيح عدم الاشتراط على كراهة ، نعم هو خيرة الفاضل في بعض كتبه وولده.

( و ) من هنا كان ( الأشبه أنه لا ينتزع ) وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين ، بل في كشف الرموز أن الفاسق يجوز له أخذه بلا خلاف عندنا ، ويترك عنده من غير انضمام يد آخر إليه. خلافا لبعضهم ، مع أنه لم نتحقق البعض المزبور ، إذ الشيخ قد سمعت ما حكي عنه وإن كان هو أنسب منه ، إذ لا معنى لانتزاع خصوص الحاكم بعد أن لم يكن له ولاية الالتقاط كالصبي والمجنون والكافر ، فكل من هو أهل لذلك يجوز التقاطه منه.

ويمكن تحصيل القطع بخلاف ذلك من السيرة ، مضافا إلى إطلاق الأدلة الذي لا يعارضه الأصل المزبور ، خصوصا بعد الاعتضاد بما عرفت على وجه لا يقدح فيه عدم عموم في الأدلة ، ضرورة الاكتفاء بالاندراج تحت اسم اللقيط الذي هو عنوان الحكم الشرعي ، والأصل عدم اشتراط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

١٦٢

شي‌ء آخر حتى ضم يد اخرى معه.

مؤيدا ذلك كله بعدم الخلاف في عدم اعتبار العدالة في لقطة المال الذي هو محل الخيانة ، وبأن الأصل في المسلم الائتمان وعدم فعل المحرم وإن كان فاسقا ، ولذا ائتمنه الشارع في أمور كثيرة كالطهارة والتذكية وغيرهما.

وما في التذكرة ـ من الفرق بين المال والطفل بأن لقطة الأول تكسب ، لأنه يرد المال إليه بعد التعريف ، لإمكان نية التملك ، وبأن المقصود في المال حفظه ، ويمكن الاستظهار بنصب الحاكم من يعرف ، بخلاف لقطة الطفل المطلوب فيها حفظ النفس وكونه حرا ، ولا يؤمن عليهما ، لإمكان ترك مراعاته أو استعماله في الأمور التي يخشى منها التلف أو يسافر به إلى بلد لا يعرف فيه فيدعى رقيته ويبيعه ـ لا حاصل له ، إذ هو مجرد اعتبار يمكن الجواب عنه ولو بفرض عدم ما يخشى منه ذلك.

على أن ائتمان الكافر على الكافر ليس أولى من ائتمان المسلم على المسلم ، فان كلا منهم ولي لصنفه ، نعم لو علم من قرائن الأحوال أو ظن ظنا معتدا به عدم ائتمان ملتقطة عليه ـ لكونه جنديا من أهل الفساد ونحو ذلك ـ اتجه المنع ، هذا كله في معلوم الفسق.

أما مستور الحال فلا يرد فيه شي‌ء من ذلك وإن لم يكن الأصل فيه العدالة ، كما هو محرر في محله.

ودعوى لزوم توكيل الحاكم من يراقبه معه أيضا لا دليل عليها ، وإن كان لا بأس بذلك إذا رأى الحاكم مراقبته ليعرف أمانته ، لكن بحيث لا يؤذيه كما في الدروس.

كدعوى انتزاعه منه لو أراد السفر به مخافة دعوى استرقاقه ، ضرورة أن ذلك كله مجرد اعتبار لا يوافق أصول الإمامية ، فضلا عن‌

١٦٣

أن يخرج به عن إطلاق الأدلة الذي يمكن دعوى ندرة العادل معه ، والله العالم.

( ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه أو حضري يريد السفر به قيل ) والقائل الشيخ في المبسوط ـ وإن كنا لم نتحققه وخصوصا الثاني ـ ( ينتزع من يده ، لما لا يؤمن من ضياع نسبه فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه ، والوجه الجواز ) وفاقا للفاضل والكركي وثاني الشهيدين ، بل وظاهر أولهما ولو اقتضى التقاطهما له استصحابهما إياه ، لإطلاق الأدلة الذي لا يفيد بالاعتبار المزبور ، مع أنه يمكن ظهور نسبه بذلك ، لاحتمال كونه من بلدة بعيدة ، فالإطلاق المزبور حينئذ بحاله ، ولا معارض له إلا اعتبارات تناسب مذاق العامة ، وإلا فالمتجه على أصولنا العمل بالإطلاق المزبور المقتضي جواز السفر به إذا كان مصلحة له ، وجواز استيطان بلد غير بلد التقاطه بل وقطر غير قطرة ، وجواز التقاطه مسافرا إلى غير بلد الالتقاط ، بل أو إلى غير قطرة أيضا ، لصيرورة الملتقط وليا كغيره من الأولياء من غير حجر عليه بشي‌ء بعد عدم ثبوت ما يقتضيه ، كعدم ثبوت وجوب التعريف عليه وتطلب ما يعرف به اللقيط ونحو ذلك مما ذكروه من دون ذكر لمستنده.

وحينئذ فما عن المبسوط ـ من « أنه إن أراد السفر به فان كان أمينا ظاهرا وباطنا ترك في يده ، وإن كان أمينا في الظاهر منع منه ولا يترك أن يحمله ، لأنه يخاف أن يسترقه » ونحوه عن الإيضاح ، بل في جامع المقاصد ذلك أيضا غير أنه أبدل الأمين بالعدل ـ لا يخلو من نظر ، ضرورة اقتضاء السيرة وإطلاق الأدلة تبعية اللقيط للملتقط على نحو ما يتبعه من له حضانته من أولاده.

وبذلك كله يظهر لك ما في جملة من العبارات من التشويش ،

١٦٤

كالمبسوط والتذكرة وغيرهما حتى الكركي الذي لم يشترط العدالة في التقاط منشئ السفر أو المسافر مثلا ولو مع إرادة التوجه إلى مقصده المسافر إليه ولو كان قطرا غير قطر التقاطه فضلا عن كونه بلدا غير بلده ، مضافا إلى الإجمال في اعتبار العدالة ظاهرا وباطنا ، وإلى غير ذلك مما لا يخفى عليك حاله بعد الإحاطة بما ذكرناه ، والله العالم.

( ولا ولاء للملتقط عليه ، بل هو سائبة يتولى من شاء ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب وأكثر أهل العلم ، للأصل والنصوص السابقة (١) وحصر الولاء في المعتق بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « إنما الولاء لمن أعتق » فما عن بعض العامة من ثبوت الولاء له واضح الفساد ، والله العالم.

( وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به ) وجوبا مع عدم مال للقيط ولا متبرع بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخرين.

وما في المقنعة والنهاية من التعبير بلفظ « ينبغي » يراد منه الوجوب كما أنه المراد مما في محكي المبسوط « أنفق عليه السلطان من بيت المال بلا خلاف ».

قلت : وإن حكى عن أحد وجهي الشافعي عدم الإنفاق منه ، لأنه معد لما لا وجه له سواه ، واللقيط يجوز أن يكون رقيقا نفقته على سيده أو حرا له مال ، فالمتجه حينئذ إنفاق السلطان عليه منه بعنوان القرض فإن بان أنه حر لا مال له قضاه من سهم الغارمين أو غيره مما ينطبق عليه ، لكنه كما ترى بعد الحكم بحريته وإسلامه وفقره في ظاهر الشرع وإعداد بيت المال لمصالح المسلمين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٢) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٩٥.

١٦٥

وهل يلحق بالسلطان نائب الغيبة على وجه يجب على الملتقط رفع الأمر إليه؟ لم أجد به تصريحا ولكنه محتمل.

( و ) على كل حال ف ( الا ) يكن سلطان كذلك ولم يوجد من ينفق عليه من الزكاة أو ما أعد لمثله أو ما كان يصح صرفه فيه ( استعان بالمسلمين ) الذين منهم الملتقط بلا خلاف أجده فيه أيضا.

( و ) لعله لأن ( بذل النفقة ) لمثله ( عليهم واجب على الكفاية ، لأنه دفع ضرورة مع التمكن ) على المشهور ، كما في المسالك.

قال : « وإنما جاز الاستعانة بهم مع كونه كأحدهم لرحاء أن يوجد فيهم متبرع ، إذ لا يجب عليه التبرع ، فإن أنفق المتبرع وإلا كان الملتقط وغيره سواء في الوجوب ، لأنه من باب إعانة المضطر الواجبة كفاية في جميع الأبواب ».

( و ) لكن في المتن ( فيه تردد ) وفي المسالك « مما ذكر ومن أصالة عدم الوجوب ، لإمكان تأدية بالاقتراض عليه والرجوع به مع قدرته » وفي الدروس « وتوقف المحقق هنا ضعيف ».

قلت : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغبار ، ضرورة أنه إن كان المراد منه وجوب الإنفاق على المسلمين تبرعا أو قرضا ـ كما حكاه في جامع المقاصد عن التذكرة ، بل في جامع المقاصد « هو ظاهر فان الواجب على الكفاية رفع حاجة المحتاج لا التبرع » ـ أشكل الترتيب المزبور مع أن الملتقط من جملتهم ، فلا وجه لترتب إنفاقه على التعذر.

اللهم إلا أن يقال : إنه وإن كان من جملتهم ، لكن لما لم يجب عليه التبرع كما لا يجب على المسلمين وقد رجى وجود متبرع أو متصدق لم يجز له الإنفاق بقصد الرجوع قبل اليأس ، كما جزم به في جامع المقاصد‌

١٦٦

إلا أنه كما ترى مناف لظاهر كلماتهم ، خصوصا عبارة المتن وما شابهها الظاهرة في إرادة التبرع.

بل ما حكاه عن التذكرة لم نتحققه ، وإن حكاه في أثناء بعض وجوه الشافعية ولم يرتضه.

بل قال فيها : « فان لم يكن في بيت المال شي‌ء ـ إلى أن قال ـ : وجب على المسلمين القيام بكفايته ، ولم يجز لهم تضييعه ، ثم طريقه طريق النفقة ، لأنه محتاج عاجز ، فأشبه الفقير الزمن والمجنون والميت إذا لم يكن له كفن ، فعلى هذا إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، فحصل الغرض به ، وإن امتنعوا بأسرهم استحقوا العقاب وطالبهم الإمام ، فإن امتنعوا قاتلهم ، فان تعذر استقرض الامام على بيت المال وأنفق عليه ، وهو قول الشافعية ، والثاني أن طريقه طريق القرض حتى يثبت الرجوع ، لأن هذا يجب دفعه لاحيائه ، فأشبه المضطر يدفع إليه بالعوض ، كما يبذل الطعام للمضطر بالعوض ، لما تقدم من أنه يجوز أن يكون رقيقا أو يكون له مال أقرب كما تقدم ، فعلى هذا إن تيسر الاقتراض استقرض وإلا قسط الامام نفقته على الموسرين من أهل البلد ـ إلى أن قال ـ : ولو احتاج الإمام إلى التقسيط على الأغنياء قسط مع إمكان الاستيعاب ، ولو كثروا وتعذر التوزيع يضربها السلطان على من يراه بحسب اجتهاده ، فان استووا في نظره تخير ، والمراد أغنياء تلك البلدة أو القرية ، ولو احتاج إلى الاستعانة بغيرهم استعان ، ولو رأى المصلحة في التناوب عليه في الإنفاق منهم فعله ».

وهو كما ترى ظاهر في اختياره الأول مع أنه قد اشتمل على مسألة التقسيط التي أشار إليها في الدروس.

قال : « لو احتاج الملتقط إلى الاستعانة بالمسلمين في الإنفاق عليه‌

١٦٧

رفع أمره إلى الحاكم ليعين من يراه ، إذ التوزيع غير ممكن ، والقرعة إنما تكون في المنحصر ، ولا رجوع لمن يعين عليه الإنفاق ، لأنه يؤدى فرضا ، وربما احتمل ذلك جمعا بين صلاحه في الحال وحفظ مال الغير في المال ، وقد أومأ إليه الشيخ في المبسوط ، ويتوجه على قول المحقق بالاستحباب الرجوع ، ويؤيده أن من يطعم الغير في المخمصة يرجع إليه إذا أيسر ، ولو قلنا بالرجوع فمحله بيت المال أو مال المنفق عليه ، أيهما سبق أخذ منه ».

ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة للترتيب المزبور ، ومن عدم الانطباق على أصول الإمامية التي منها عدم القول بغير دليل ، وكثير من الأحكام المزبورة لا دليل عليها ، بل فيها ما ينافيه.

مضافا إلى ظهور كثير منها إن لم تكن صريحة في كونها على مذاق العامة ، كمقاتلة الامام للمسلمين مع امتناعهم ، ووجوب الكفن على الناس والرجوع بها على القريب الذي لم تجب عليه إلا من حيث الصلة ، فلا تكون دينا إلا أن يجعلها الحاكم كذلك ، إلى غير ذلك مما هو مناف لأصولنا.

هذا كله إن أريد وجوب الإنفاق على الوجه المزبور ، وحينئذ ما ذكره في الدروس من ضعف التردد فيه في محله ، ضرورة اقتضاء عدم وجوبه تلف النفس المحترمة. وإن أريد به البذل التبرعي كان التردد فيه في محله ، ودعوى ضعفه ضعيفة ، لعدم دليل يقتضي وجوب الإنفاق على جهة عدم الرجوع في غير الأرحام على الوجه الذي سمعته في كتاب النكاح.

لكن عليه ينبغي حينئذ تقييد رجوع إنفاق الملتقط بما ينفقه بما إذا لم يتمكن من التبرع وإلا وجب ، لأنه من المسلمين ، ولم نجد في كلام‌

١٦٨

أحد منهم إشارة إلى ذلك ، وهو من جملة الغبار في كلامهم.

مضافا إلى الإجمال في ما ذكروه من الاستعانة بالمسلمين ، فإذا آيس جاز له الإنفاق الذي يرجع به ، إذ لا يعلم إرادة المسلمين أجمعهم أو بعضهم في خصوص القرية والبلد أو مطلقا.

بل فيه شي‌ء آخر : وهو أنه مع فرض وجوب ذلك عليهم يتجه إجبار الإمام لهم ولو الملتقط.

بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أن ما سمعته من المسالك أشده غبارا ، حيث لم يبين الحال أن الواجب على المسلمين التبرع في النفقة أو الإقراض ، فإن كلامه مختلف في ذلك وإن تبعه عليه في الرياض.

وخلاصة الكلام أنه لا يتم ما ذكروه من وجوب الاستعانة بالسلطان ثم بالمسلمين إلا على دعوى وجوب ذلك تبرعا عليهم ، وهما معا محل منع ؛ إذ لا دليل على وجوب الإنفاق على مجهول الحال على جهة التبرع ، ووجوب حفظ النفس أعم من ذلك ، كما أنه لا دليل على وجوب السعي في تحصيل المتبرع على الملتقط حتى يتجه ما ذكروه من الرجوع إلى المسلمين ، لاحتمال حصول متبرع.

ولعله لذلك عبر في المقنعة والنهاية بلفظ « ينبغي » مشعرا بالندب.

قال في الأول : « إذا لقط المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك ، وينبغي له أن يرفع خبره إلى سلطان الإسلام ليطلق النفقة عليه من بيت المال ، فان لم يوجد سلطان ينفق عليه استعان واجده بالمسلمين في النفقة ، فان لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه ، وكان له الرجوع بنفقته عليه إذا بلغ وأيسر إلا أن يتبرع بما أنفقه عليه » إلى آخره ، وبعين هذه العبارة عبر في النهاية.

وفي الوسيلة « إذا التقط حرا صغيرا رفع خبره إلى الحاكم لينفق‌

١٦٩

عليه. فان لم يجد أنفق هو عليه إن لم يعنه أحد ، فإذا بلغ وأيسر رجع عليه إن شاء ».

وفي الغنية « وإذا تبرع ملتقطة بالإنفاق عليه لم يرجع بشي‌ء إذا بلغ وأيسر ، وإذا لم يرد التبرع ولم يجد من يعينه على الإنفاق من سلطان أو غيره فأنفق للضرورة جاز له الرجوع ».

وبالجملة كلماتهم في تأدية هذا المعنى في غاية التشويش. فإن عبارة المتن غير ظاهرة في وجوب الرفع إلى السلطان ، نعم يمكن دعوى الإجماع على أنه لا رجوع للملتقط بما أنفق وإن نوى الرجوع مع وجود المتبرع من سلطان أو غيره ، لا أنه يجب على الملتقط تحصيله حتى ييأس ، ولا أنه يجب على الإمام أو على المسلمين الإنفاق التبرعي ، وعلى فرضه كانوا مطالبين بدليله.

بل ظاهر خبر المدائني (١) وخبر محمد بن أحمد (٢) جواز إنفاق الملتقط والرجوع بما أنفق إن شاء من دون رجوع إلى سلطان أو مسلمين ، وهو الموافق للضوابط بعد عدم دليل يدل على وجوب الإنفاق التبرعي على أحد ، وهذا هو التحقيق في المسألة ، والله العالم والهادي.

وكيف كان فقد قالوا تفريعا على ما سمعته منهم ( فان تعذر الأمران أنفق عليه الملتقط ، ورجع بما أنفق إذا أيسر ) اللقيط ( إذا نوى الرجوع ) بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن الحلي ، للأصل المقطوع بما سمعته من الخبرين (٣) المعتضدين بعمل الأصحاب وقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » المقتضية لوجوب ذلك عليه ، لكن لا على وجه المجانية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة الحديث ٢ و ٤.

١٧٠

بل ليس في الخبرين المزبورين اعتبار نية الرجوع ، نعم الإجماع والسيرة القطعية بل الضرورة على عدم الرجوع مع نية التبرع ، أما إذا لم ينو شيئا منهما فقاعدة اليد والإتلاف وإطلاق الخبرين يقضي بجواز رجوعه أيضا ، بل هو مقتضى ما سمعته من المقنعة وغيرها من اعتبار التبرع في عدم الرجوع ، ولعله مراد الجميع وإن قصرت العبارة.

هذا وفي المسالك « لو أنفق عليه حينئذ غير الملتقط بنية الرجوع فكذلك على الأقوى ، لاشتراك الجميع في المقتضي ».

وكأنه أخذه مما في جامع المقاصد ، قال في شرح نحو عبارة المتن : « ينبغي أن يراد أنه إذا تعذرت إعانة المسلمين تبرعا ، لأنهم إذا بذلوا النفقة قرضا لم يكن بينهم وبين الملتقط فرق بالنسبة إلى مصلحة اللقيط ، فلا وجه لتوقف إنفاقه قرضا » وهو مبنى على ما ذكروه سابقا من كون وجوب الإنفاق على المسلمين تبرعا أو قرضا ، وقد عرفت ما فيه بخلاف ما سمعته من المسالك الظاهر في إرادة الإنفاق التبرعي.

وحينئذ يمكن أن يقال : إن الملتقط باعتبار ولايته عليه جاز له الإنفاق بنية الرجوع ، للخبرين المزبورين ، أما غيره فلا دليل على ذلك في حقه ، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار الاجتهاد كما صرح به غير واحد ، لإطلاق الخبرين وإن توقف إثبات ذلك من دون يمين عليه.

خلافا للمحكي عن التذكرة أو ظاهرها فاعتبره ، لأنه مع عدم الحاكم قائم مقام إذنه ، وهو كما ترى اجتهاد في مقابلة الإطلاق المزبور ، وكذا ما في جامع المقاصد من أن ذلك ـ أي الاكتفاء بنية الرجوع ـ إذا تعذر عليه الاستئذان ، وإلا تعين ، إذ هو كما ترى أيضا.

( و ) على كل حال فلا خلاف أجده في أنه ( لو أنفق مع ) ‌

١٧١

( إمكان الاستعانة بغيره ) تبرعا ( أو تبرع ) هو ( لم يرجع ) بل قد عرفت كونه في الأخير من القطعيات ، أما الأول فإنه وإن كان منافيا للإطلاق المزبور إلا أنه بعد انسياقه إلى غيره وفتوى الأصحاب يضعف الاعتماد عليه.

ثم إن ظاهر الفاضل في القواعد إتيان التفصيل المزبور بتمامه في العبد الملتقط ، بل في جامع المقاصد أنه هو مقتضى كلامهم.

وفيه أن كلامهم ظاهر أو صريح في نفقة الحر لا العبد الذي هو مال ، كالدابة التي يمكن الإنفاق عليها منها ، كما عساه يشهد له في الجملة ما تقدم في الوديعة.

ثم إن ظاهر خبر المدائني (١) كون النفقة صدقة مع الإعسار ، إلا أني لم أجد عاملا به ، فيمكن أن يراد به جواز جعل ذلك صدقة ، لا أنه يكون كذلك قهرا ، أو يراد به جواز احتسابه صدقة ، أي زكاة من سهم الفقراء أو الغارمين ، كما صرح به في القواعد.

لكن في جامع المقاصد بعد أن فهم من عبارة الفاضل ثبوت ذلك جزما قال : « ويشكل في سهم الفقراء بأن قبض الفقير الزكاة مما يتوقف عليه الملك ، وهو نوع اكتساب ، فلا يجب لما قلناه ، ويبعد جواز أخذ المنفق ذلك بدون قبض اللقيط ، لتوقف ملكه له على قبضه ، نعم يتصور ذلك في سهم الغارمين ، لأن صيرورته ملكا للمديون غير شرط ، فيجوز الدفع إلى صاحب الدين وإن لم يقبضه المديون ».

وفيه أنه لا يتم لو كانت الزكاة له ، ضرورة جواز احتسابها عليه من سهم الفقراء وإن لم يرض ، لكونه أحد أموال المالك ، والفرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

١٧٢

أنه مقبوض كما تقدم في كتاب الزكاة (١).

بل من التأمل فيما ذكرنا هناك وهنا يظهر لك النظر فيما فيه أيضا قال : « ولا يخفى أن هذا الحكم إنما هو بعد بلوغه ، أما قبله فلا يمكن الرجوع عليه ، نعم يمكن الأخذ من ماله باذن الحاكم ومن سهم الغارمين ».

ضرورة إمكان الاحتساب عليه أيضا بعد أن كان مديونا ، والله العالم والهادي.

المقصد ( الثالث )

( في احكامه )

( وهي مسائل : )

المسألة ( الأولى: )

قال الشيخ رحمه‌الله : أخذ اللقيط واجب على الكفاية ) وتبعه الفاضل والشهيد وغيرهما ، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الأكثر ، بل في الأول نسبته أيضا إلى معظم الأصحاب ، بل في غيره نسبته إلى الشهرة وإن كنا لم نتحققه ( لأنه تعاون على البر ، ولأنه دفع لضرورة المضطر ) ولكن في الأول « أن الأمر به للندب وإلا لزم أكثرية الخارج من الداخل لو قيل بالتخصيص ».

__________________

(١) راجع ج ١٥ ص ٤٦٦.

١٧٣

وفي الثاني « منع كون الالتقاط كذلك مطلقا على أن البحث في التقاطه لا في حفظه من التلف الذي هو أعم من الالتقاط ، نعم هو راجح عقلا ونقلا ، لكونه إحسانا ».

ولعله من ذلك قال المصنف هنا ( و ) في النافع ( الوجه الاستحباب ) للأصل ، وفي اللمعة التفصيل بالوجوب مع الخوف على النفس والاستحباب مع عدمه ، واستوجهه في المسالك وغيرها.

وربما نوقش بعدم تحقق صورة للندب ، لكون الطفل في محل التلف ، ومنه يظهر الإشكال في الأول أيضا.

ولكن فيه أنه يمكن خصوصا في الطفل المميز بناء على صحة التقاطه.

نعم قد يناقش بأن الكلام في الالتقاط من حيث كونه كذلك ، لا فيما إذا توقف عليه حفظ النفس ، فإنه لا كلام في وجوبه حينئذ مقدمة لحفظ النفس المحترمة المعلوم وجوبه ضرورة.

فالتحقيق وجوبه في صورة التوقف خاصة ، وإلا فقد يجب الحفظ من دون التقاط ، كما أنه قد لا يخشى التلف عليه على وجه يجب عليه الحفظ ، فلا يجبان معا حينئذ ولكن لا بأس برجحانهما للإحسان.

ثم إنه يجب على الملتقط الحضانة بالمعروف ، وهو القيام بتعهده على وجه المصلحة بنفسه أو زوجته أو غيرهما على حسب ما يجب عليه لولده مثلا ، فقد يكون إخراجه من البلد أصلح من بقائه وبالعكس ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، وربما كان في النصوص المزبورة نوع إشعار به نعم إن عجز سلمه إلى القاضي الذي هو ولي مثله بلا خلاف أجده فيه.

وهل له ذلك مع عدم العجز؟ في القواعد نظر ينشأ من شروعه في فرض كفاية ، فلزمه أي الإتمام ، للنهي عن إبطال العمل (١).

__________________

(١) سورة محمد (ص) : ٣٧ ـ الآية ٣٣.

١٧٤

وفيه منع ذلك على وجه الكلية ، والآية قدمنا في كتاب الصلاة (١) عدم سوقها لبيان ذلك ، نعم استصحاب حق الحفظ ثابت عليه ، ولذا كان خيرة الفخر والكركي الوجوب.

خلافا للفاضل في التذكرة ، فالجواز للأصل المقطوع بما عرفت ، ولأنه ولي الضائع ، وهو ممنوع بعد ولاية الملتقط عليه ، والله العالم.

( المسألة الثانية : )

( اللقيط ) بعد الحكم بحريته ( يملك كالكبير ، ويده دالة على الملك كيد البالغ ، لأن له أهلية ) الملك و ( التملك ) كما صرح به الشيخ والفاضلان والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له ، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه.

وحينئذ ( فإذا وجد عليه ) حال الالتقاط أو علم أنه كان عليه ثم زال بريح أو نحوها ( ثوب ) مثلا ( قضى له به ، وكذا ما يوجد تحته أو فوقه ) من فراش أو غطاء أو غيرهما ( وكذا ما يكون مشدودا في ثيابه ) أو في جيبه أو مشدودا عليه.

بل ( و ) كذا ( لو كان على دابة أو ) على ( جمل أو وجد في خيمة أو فسطاط قضى له بذلك وبما في الخيمة والفسطاط ) فان يد كل شي‌ء بحسب حاله ( وكذا لو وجد في دار لا مالك لها ) غيره ظاهرا.

إلا أن ذلك لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا ـ سيما إذا كان‌

__________________

(١) راجع ج ١١ ص ١٢٣ ـ ١٢٤.

١٧٥

الطفل غير مميز ولا فعل اختياري له ، وكان الفعل لغيره ـ بأنه لا دليل يدل على الحكم بالملك بمثل اليد المزبورة بعد سلب الشارع أفعال الصبي والمجنون وأقوالهما فضلا عما علم أنه من فعل الغير وأن الاستيلاء المزبور للطفل كان بواسطة فعل آخر ، واحتمال الاستناد في الملك إلى يد الواضع على وجه يقتضي كونه ملكا له يدفعها منع دلالته على الملك عرفا وشرعا بعد احتمال البذل له.

نعم إن تم ذلك إجماعا على وجه يكون الحكم بالملك تعبدا فذاك وإلا كان محلا للنظر.

( و ) أولى من ذلك النظر ( فيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه ) الذي قال المصنف فيه ( تردد ، أشبهه أنه لا يقضى له ) به وتبعه الفاضل والكركي والشهيدان.

وفي محكي المبسوط « وأما ما كان قريبا منه مثل أن يكون بين يديه صرة فهل يحكم بأن يده عليها أم لا؟ قيل : فيه وجهان : أحدهما لا تكون يده عليه ، لأن اليد يدان يد مشاهدة ويد حكمية ، وهي ما يكون في بيته وبتصرفه ، وهذا ليس بأحدهما ، والوجه الثاني أن تكون يده عليه ، لأن العادة جرت بأن ما بين يديه يكون له ، مثل الإناء بين يدي الصراف والميزان وغيرهما ».

قلت : كأن الشيخ أشار بذلك إلى مساواة يد الصغير ليد الكبير التي صرح بها في أول كلامه كالمصنف ، ولا ريب في الحكم بأن الأمتعة الموضوعة في السوق قرب الشخص البالغ له ، فكذا هنا ، خصوصا مع انضمام قرينة أخرى إلى ذلك ، كما لو وجدت رقعة معه أو في ثيابه فيها أن ذلك له.

بل عن الفاضل في التذكرة أنه استقرب الحكم بأنه له معها ،

١٧٦

لأنها في الدلالة على ذلك أقوى من الوضع تحته ، بل وكذا لو أرشدت الرقعة إلى دفين تحته.

وفي المسالك « الأقوى عدم الحكم به له بذلك إلا مع القرينة القوية الموجبة للظن الغالب ، بأن كانت الرقعة بخط مسكون إليه ونحو ذلك ».

وقد سبقه إلى ذلك الكركي ، فإنه قال في شرح قول الفاضل في القواعد : « ولا يحكم له بما يوجد قريبا منه أو ما بين يديه أو على دكة هو عليها ولا بالكنز تحته ، وإن كان معه رقعة أنه له على إشكال » بعد أن استظهر رجوع الإشكال إلى الجميع قال : « الأصح أنه إن أثمرت الكتابة ظنا قويا كالصك الذي تشهد القرائن بصحته خصوصا إن عرف فيه خط من يوثق به عمل بها ، فانا نجوز العمل بالأمور الدينية بخط الفقيه إذا أمن تزويره ، وإنما يستمر الظن القوي ، هذا إذا لم يكن له معارض من يد أخرى ولا دعوى مدع ولا قرينة أخرى تشهد بخلاف ذلك ، وإلا فلا ».

بل قال أيضا : « لا يشترط في الحكم كون الرقعة معه ، بل لو كانت في المتاع أو كان مكتوبا عليه لا تفاوت ».

وسبقهما معا الشهيد في الدروس قال : « لا يقضى بما قاربه مما لا يد له عليه ، ولا هو بحكم يده ، إلا أن تكون هناك أمارة قوية كالكتابة عليه ، فان العمل بها قوي ».

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الإشكال ، ضرورة عدم اعتبار مثل هذه الأمارات بعد أن لم يكن صاحب يد يحكم بها له تعبدا ، ودعوى إثبات اليد أو الملكية بمثل هذه الأمارات الظنية لا نعرف لها وجها على أن دعوى المدعي بعد فرض ثبوت اليد أو الملك بنحو ذلك لا تجدي ، ولا إجماع في المقام قطعا ، وقياس ما نحن فيه على الأحكام الدينية المنحصر طريقها الآن بالكتابات كما ترى ، وقد ذكرنا في كتاب القضاء حكم الكتابة‌

١٧٧

في مثله ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم والهادي.

( وكذا ) يظهر لك ( البحث لو كان ) اللقيط ( على دكة ) مثلا ( وعليها متاع و ) نحوه ، بل في المتن ( عدم القضاء له هنا أوضح ) وإن لم يتضح لنا وجه الأوضحية مما كان بين يديه وفي جنبه ، اللهم إلا أن يفرض كون الدكة له لا في أرض مباحة.

وأما قوله ( خصوصا إذا كان هناك يد متصرفة ) فإنه لا يخص ذلك ، بل هو كذلك فيما تقدمه أيضا ، كما هو واضح.

وأما الكنز تحت الأرض الملقى عليها فلا إشكال في عدم يد له عليه إذا كانت مباحة ، نعم لو كانت ملكه اتجه الحكم بكونه له بناء على ما عرفت.

ولو كان الصبي مميزا فادعى أن ما بجانبيه وبين يديه أو الكنز الذي تحته أو على الدكة ملكه فالمتجه بمقتضى الضوابط الشرعية عدم ثبوت ذلك بقوله الذي لا دليل على صحته ، ولعل من اعتبر الامارات السابقة يعتمد مثل ذلك.

هذا وفي القواعد « نفقته في ماله ، وهو ما وقف على اللقطاء أو وهب لهم أو أوصى لهم ، ويقبله القاضي » ونحوه في الدروس. وفي التحرير التعبير بما وقف عليه أو أوصى له به ، وقبله الحاكم أو وهب له.

لكن في التذكرة « ينقسم مال اللقيط إلى ما يستحقه لعموم كونه لقيطا وإلى ما يستحقه بخصوصه ، فالأول مثل الحاصل من الوقوف على اللقطاء أو الوصية ، وقال بعض الشافعية أو ما وهب لهم ثم اعترض عليه بأن الهبة لا تصح لغير معين ـ وقال آخرون : ، يجوز أن تنزل الجهة العامة منزلة المسجد حتى يكون تمليكها بالهبة كما يجوز الوقف ، وحينئذ ويقبله القاضي ، وليس بشي‌ء ، نعم تصح الوصية لهم ».

١٧٨

ومن هنا قال في جامع المقاصد : « ما ذكره في التذكرة حق ، وهو المعتمد ، وما ذكره هنا إن أراد جواز الهبة للجهة فليس بجيد ، وإن أراد لمعينين من اللقطاء ومن جملتهم لقيط مخصوص فلا شبهة في الحكم ، لكن المتبادر غير هذا ».

قلت : قد ينافيه ما حكى عنه في كتاب الهبة من أنه لا مانع من العموم مع قبول الحاكم ، كالوقف على الجهات العامة ، وإن كان فيه منع التشبيه المزبور بعد ثبوت العموم فيه وفي الوصية دون الهبة ، والأصل يقتضي العدم بعد الشك إن لم يكن الظن أو القطع بعدم تناول إطلاقها لمثل ذلك ، كإطلاق البيع والصلح والإجارة ونحوها من العقود الظاهر في غير الفرض.

نعم لو كان مال موصى به مثلا للتجارة به لهم أو نماء وقف كذلك صح ، لكونه من توابع الوقف والوصية المعلوم جوازهما كذلك ، بخلاف تمليك الجهة ابتداء ، ويمكن حمل عبارة الفاضل في القواعد وغيره على إرادة إباحة الصرف للقطاء من الهبة ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة : )

( لا يجب ) عندنا ( الاشهاد عند أخذ اللقيط ) كما في جامع المقاصد مشعرا بالإجماع عليه ، كنسبته إلى الأصحاب في الكفاية ، بل في المسالك هذا موضع وفاق عندنا ، للأصل و ( لأنه أمانة ، فهو كالاستيداع ) الذي لا يجب فيه الاشهاد.

خلافا لبعض العامة فأوجبه للاحتياج إليه في حفظ الحرية والنسب كالنكاح ، وهو كما ترى في جهة الشبه وفي حكم المشبه به.

١٧٩

نعم في الدروس وجامع المقاصد والمسالك « أنه مستحب ، لأنه أقرب إلى حفظه وحريته ، فإن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط » ولا بأس به بعد التسامح به.

بل في الأخير « ويتأكد استحبابه في جانب الفاسق والمعسر » ولا بأس به أيضا لما عرفت.

وإذا أشهد فليشهد على اللقيط وما معه ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم ) بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، كالشيخ والفاضلين والشهيدين على ما حكي عن الأول منهم ، بل في الكفاية هو المعروف من مذهبهم ( لأنه لا ولاية له في ماله ) للأصل وغيره وإن كان له حضانته وتربيته.

وحينئذ ( فإن بادر فأنفق عليه منه ضمن ) كما صرح به غير واحد أيضا ( لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة ) لأن الفرض إمكان الاستئذان من الحاكم الذي هو الولي ( و ) من هنا لم تكن ضرورة.

نعم ( لو تعذر الحاكم ) ووكيله ( جاز الإنفاق ولا ضمان ) كما عن الشيخ وغيره التصريح به أيضا ( لتحقق الضرورة ) حينئذ.

لكن قد يناقش بمنافاته لما ذكروه سابقا في الأولياء الذين منهم عدول المؤمنين مع تعذر الحاكم ، فيتجه حينئذ مراعاة تعذرهم كالحاكم وإن كان الملتقط منهم أيضا.

١٨٠