جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إليه فمئونة ذلك المصرف على جميعهم ، لأنهم يشتركون في الحاجة والانتفاع به ، فكانت مئونته عليهم كأوله ، ولا ينافي ذلك انتهاء حق الأدنى عند أرضه ، فاما أن يجب عليه حصة من المئونة في الجميع أو لا يجب شي‌ء لما بعد ملكه على حال ، فان المراد عدم لزوم مئونة الحفر لما يزيد عن ملكه عليه بعد فرض عدم توقف الحفر إلى ملكه على ذلك ، أما مصرف الفاضل عن الجميع الذي يعود نفعه إليهم أجمع فلا وجه ، لعدم لزومه له مع وصول النفع والضرر إليه وعليه ، كحفر أول النهر.

ولو فرض عدم ضرر ولا نفع له فيه اتجه حينئذ عدم التزامه بشي‌ء ، اللهم إلا أن يقال به باعتبار الشركة معه ، فيستحق الثاني عليه من جهتها مقدار ما يقتضيه التقسيط من جهتها وإن لم يكن لذلك دخل في ملكه.

ولعل من ذلك يظهر لك وجه التشريك باعتبار أن ما بعد ملكه وإن لم يكن مملوكا إلا أنه من ضروريات ملكه ، لأنه مصب لمائه ، وهو جيد مع الفرض المزبور. ولعله لذا حكي عن الشهيد في الحواشي اختياره.

لكن في جامع المقاصد « أن الأول أصح ، لأنه لا حق له بعد ذلك الموضع ، لانحصار الاستحقاق في الباقين ».

وفيه أنه كذلك إلا أن الاشتراك المزبور يوجب عليه ذلك ، كما أوجب عليه في مصرف الماء الفاضل. اللهم إلا أن يفرض أن وضع شركته معه إلى الحد المزبور ، وأنه لا مدخل له بعده في شي‌ء أصلا ، ولم يكن عليه ضرر ولا نفع ، وهو خروج عن الفرض ، فتأمل جيدا.

ثم إنه لا يتوهم من إطلاق الفاضل وغيره هنا الالتزام بالمئونة المنافاة لما تقدم من عدم إجبار أحد الشريكين الآخر على العمارة باعتبار منافاة الوجوب لعدم الإجبار ، إذ احتمال كون المراد منه الإثم إن لم يفعل وإن لم يجبر كما قوى ، ضرورة أنه متى تحقق الوجوب اتجه الإجبار ، واحتمال‌

١٤١

منعه على كل واجب واضح الضعف ، إلا أن المراد هنا اللزوم بعد البناء منهم على التعمير وأداء المئونة ، أو كان أحدهما غائبا وتولى أمره الحاكم مثلا أو غير ذلك ، لا اللزوم الذي يجبر عليه الشريك مع الامتناع ، أو يقال المراد أنه حيث يتحقق الوجوب بأحد أسبابه.

وحينئذ فإذا امتنع ففي جامع المقاصد « كان للحاكم التسلط على إجباره على واحد من أمور متعددة : إما الإصلاح أو البيع أو الإجارة أو القسمة إن أمكنت إلى آخر الأمور المتعددة ، فكان له إجباره في الجملة ، ومتعلقة واحد غير معين من متعدد ، وكل واحد لا يجبر عليه بخصوصه وإن أجبر على واحد غير معين » وهو جيد ، إذ المدار حينئذ على رفع ضرر الشريك ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

التي قد ذكرها المصنف في النافع ولكن لا تعلق لها في هذا الكتاب وهي ما رواه الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر في‌ الموثق عن إسحاق ابن عمار (١) عن عبد صالح عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها ، قال : ما أحب أن يبيع ما ليس له ، قلت : فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي ، ولا أظنه يجي‌ء لها رب أبدا ، قال : ما أحب أن يبيع ما ليس له ، قلت : فيبيع سكناها ومكانها فيقول لصاحبه أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي؟ قال : نعم يبيعها على هذا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ٥ من كتاب التجارة.

١٤٢

وإليه أشار في النهاية « إذا كان الإنسان في يده دار أو أرض ورثها عن أبيه عن جده غير أنه يعلم أنها لم تكن ملكا وإنما كانت للغير ولم يعرف المالك لم يجز له بيعها ، بل ينبغي له أن يتركها بحالها ، وإن أراد بيعها فليبع تصرفه فيها ، ولا يبيع أصلها على حال ».

وقال ابن إدريس « يمكن أن يقال : إنما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث ، والوجه في ذلك ، وكيف يجوز له تركها في يده وبيع ما جاز له بيعه وهو يعلم أنه لم يكن لمورثه؟! ومن كان بيده شي‌ء ولم يعلم لمن هو فسبيله سبيل اللقطة ، فبعد التعريف المشروع يملك المتصرف ، فجاز أن يبيع ما له فيها ، وهو التصرف الذي ذكر في الخبر دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتوحة عنوة ، فهذا وجه تأويل في الخبر ، وبعد هذا كله فهذه أخبار آحاد أوردها شيخنا في نهايته لئلا يشذ من الأخبار شي‌ء ».

وفيه أولا منع كونها من اللقطة ، ضرورة تعاقب الأيدي فيها على التصرف المحمول على الوجه الصحيح شرعا ، وكونها لغيرهم أعم من كونها غصبا أو نحوه.

ولذا قال الفاضل بعد أن حكى ذلك عنه : « أقول : ليس بعيدا من الصواب أن يكون المراد بقوله : « فليبع تصرفه فيها » أي الآثار الموجودة من الأبنية والسقوف ، ولا يلزم من كون الدار ليست له كونها غصبا ، بل جاز أن تكون عارية ، وهو الظاهر ، إذ تصرف المسلم إنما يبنى في الظاهر على المشروع » وإن كان هو غير نقي أيضا.

وفي النافع أنه يمكن تنزيله على أرض عاطلة مملوكة أحياها غير المالك بإذنه ، إلا أنه مع ذلك كله لا بد من تنزيل البيع فيه على بيع الآثار ، أو إرادة الصلح الذي يقع مثله على حق السكنى الذي يقضي به تعاقب‌

١٤٣

الأيدي بعد عدم منافاة اعتراف كونها للغير المحتمل وجوها لذلك.

نعم قد يظهر من قول : « لا أحب » فيه بجواز (١) بيع الرقبة ولكن على الكراهة ، ولا ريب في منافاته للقواعد. اللهم إلا أن يريد بذلك الاستئذان منه عليه‌السلام في البيع باعتبار كونها مجهول المالك فأجابه عليه‌السلام بذلك. لعدم إظهار الراوي الوصول إلى حد اليأس بقوله : « ولا أظن يجيئها أحد ».

أما بيع السكنى المستحقة بتعاقب الأيدي بمعنى نقلها بما ينقل مثلها إن لم تحمل على الآثار التي له فيها فلا بأس به ، ولعل تنزيل الخبر المزبور عليه أولى من ذلك كله ، وخصوصا ما ذكره ابن إدريس من التنزيل على دار في المفتوحة عنوة أو ما سمعته من المصنف.

والغرض أنه لا ينبغي الجرأة على مخالفة القوانين الشرعية بالخبر المزبور خصوصا مع عدم العلم بإرادة الإمام من قوله : « عبد صالح » فيه ، وإن كان المتعارف منه الكاظم عليه‌السلام لكن بغير هذه التأدية ، ووجود عليه‌السلام في التهذيب لم يعلم كونها من الراوي ، بل من المحتمل كونها من الكاتب ، والله العالم بحقيقة الحال.

ويتلوه كتاب اللقطة‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة ، والصحيح « جواز ».

١٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.

( كتاب اللقطة )

بضم اللام وفتح القاف وإسكانها : المال المخصوص على ما هو المعروف بين أهل اللغة كالأصمعي وابن الأعرابي والفراء وأبي عبيدة.

بل عن الأخير أن التحريك عليه عامة أهل العلم. بل عن الأزهري انه قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين. وفي الإيضاح « أجمعت الرواة على رواية خبر زيد الجهني (١) بالتحريك ».

ولكن مع ذلك كله ففي التذكرة « عن الخليل بن أحمد أنها بالسكون للمال ، وبالفتح للملتقط ، كما هو في كل ما كان على وزن « فعلة » نحو « همزة » « ولمزة » وغيرهما » ومن الغريب اختياره في التنقيح مع ندرته ، بل عن الأزهري عن الليث السكون ، ولم أسمعه لغيره.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٨٥.

١٤٥

بل عن بعضهم عد السكون من لحن العوام ، وذلك لأن الأصل « لقاطة » فثقلت عليهم ، لكثرة ما يلتقطون في النهب والغارات وغير ذلك فتلعبت بها ألسنتهم اهتماما بالتخفيف فحذفوا الهاء تارة وقالوا : « لقاط » والألف أخرى فقالوا : « لقطة » فلو اسكن مع ذلك اجتمع على الكلمة إعلالان ، وهو مفقود في فصيح الكلام ، وإن كان هو كما ترى من إثبات اللغة بالاجتهاد ، على أنه في مقابلة تصريح الأعاظم منهم بها وإن اقتصر على الفتح جماعة منهم ، لكن ذلك لا يدل على نفي السكون.

وعلى كل حال فهي لغة وعرفا المال ، إلا أن الفقهاء تجوزوا وأطلقوها على ما يشمل الآدمي الحر ، ومنهم من خصها بالأول ، وأفرد للقيط كتابا آخر ، وأما احتمال أنها حقيقة شرعية للأعم فهو واضح الضعف ، والإطلاق في بعض النصوص لا يقتضيه.

والأصل فيها بعد الإجماع أو الضرورة على مشروعيتها في الجملة النصوص من الطرفين التي ستمر عليك جملة منها في الأثناء ، كخبر زيد ابن خالد الجهني (١) « جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن اللقطة ، فقال : اعرف عقاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، فان جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، قال : فضالة الغنم ، قال : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، قال : فضالة الإبل ، قال : مالك ولها ، معها سقاؤها وحذاؤها ، فإنها تشرب الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ».

وصحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إني وجدت‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٨٥.

(٢) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ٦ ص ٣٩٤ ـ الرقم ١١٨٤.

١٤٦

شاة ، فقال : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : إني وجدت بعيرا ، فقال : خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه ».

والعقاض : الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة وغير ذلك ، والأصل فيه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة.

والوكاء : الخيط الذي يشد به المال ، والله العالم.

وكيف كان ف ( الملقوط إما إنسان وإما حيوان أو غيرهما ) ولكل من الثلاثة أحكام تخصه.

( فالقسم الأول )

( يسمى لقيطا وملقوطا ) وإن كانا هما بمعنى واحد ، لأن فعيل كجريح بمعنى مفعول ( ومنبوذا ) بمعنى مطروحا ، فترجع الأسماء الثلاثة إلى الأمرين باعتبار حالتيه ، فإنه ينبذ أولا ثم يلتقط.

( وينحصر النظر ) في هذا القسم ( في ثلاثة مقاصد : )

( الأول )

( في اللقيط )

( وهو ) كما في النافع والقواعد والتذكرة والتحرير ( كل صبي ضائع لا كافل له ) حال الالتقاط ، بل لا أجد خلافا في غير المميز‌

١٤٧

منه ، بل الإجماع بقسميه عليه.

مضافا إلى أنه المنساق مما في النهاية « اللقيط : الطفل الذي يؤخذ مرميا ». وفي القاموس « أنه المولود ينبذ » وعن المصباح المنير « أنه غلب على المولود المنبوذ ». وفي الصحاح « أنه المنبوذ ».

وربما كان هو المراد مما في محكي الحواشي للشهيد « اللقيط : كل صبي طرحه أهله عجزا عن الصلة أو خوفا من التهمة ».

وعلى كل حال فلا يشمل شي‌ء منها ـ نحو ما سمعته من النصوص أيضا ـ المجنون كما في الدروس ، وإن وافقه عليه الشهيد الثاني والكركي وبعض متأخري المتأخرين ، بل لعل العرف أيضا يساعد عليه.

ووجوب حفظه عن التلف وإنقاذه من الهلكة كالعاقل لا يثبت له حكم الالتقاط ، فيكفي فيه حينئذ إيصاله إلى الحاكم المتولي لأمره وأمر غيره ينصب له من يحفظه ، فأصالة عدم جريان حكم الالتقاط حينئذ بحالها.

وحينئذ فزيادة المجنون في تعريف المصنف كما في المسالك في غير محله ، نعم لا بأس بزيادة الصبية المعبر عنها في النصوص (١) باللقيطة في مقابل اللقيط ، لكن قد يريد المثال لها وللخنثى من الصبي في المتن وغيره.

وبذلك كله ظهر لك أن قول المصنف ( ولا ريب في تعلق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز ) في محله ، لأنه المتيقن من النصوص (٢) وكلام أهل اللغة وجرت السيرة به.

( و ) كذا لا ريب في ( سقوطه في طرف البالغ العاقل ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل وغيره ( و ) إن وجب استنقاذه من الهلكة وحفظ نفسه.

نعم ( في الطفل المميز تردد ) من أنه مستقل بالامتناع خصوصاً

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

١٤٨

إذا كان مراهقا ، فلا يتولى أمره إلا الحاكم ، ومن حاجته إلى التربية والتعهد وإن كان محفوظا في نفسه.

( أشبهه ) وفاقا لصريح الفاضل والشهيدين والكركي وظاهر محكي الوسيلة والغنية ( جواز التقاطه ، لصغره وعجزه عن دفع ضرورته ) وصدق كونه لقيطا بعد أن يكون ضائعا ومرميا ومنبوذا ، بل لعل إطلاق الالتقاط على يوسف عليه‌السلام (١) أقوى شاهد على ذلك ، ضرورة أنه كان مميزا كما يشهد له رؤياه التي قصها على أبيه قبل أن يرمى في البئر.

بل لعل منه ينقدح النظر في استثناء الكركي وثاني الشهيدين المراهق منه تبعا للمحكي عن المبسوط ، بل مال إليه في الدروس ، لأنه مستغن عن التعهد والتربية ، فكان كالبالغ في حفظ نفسه.

مضافا إلى عدم منافاة ذلك لصدق اللقيط الذي به ينقطع أصالة عدم جواز التقاطه ، ضرورة ظهور فحوى النصوص في جواز الالتقاط ، بل في التذكرة المفروغية من وجوبه كفاية ، وستسمع الكلام فيه عند تعرض المصنف.

وإنما الكلام في مشروعية أصل الالتقاط ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « اللقيط لا يشترى ولا يباع ».

وقال عليه‌السلام في خبر إسماعيل المدائني (٣) : « المنبوذ حر ، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه ووالاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وإن كان معسرا كان ما أنفقه عليه صدقة ».

وعنه عليه‌السلام أيضا في خبر عبد الرحمن العرزمي (٤) عن‌

__________________

(١) سورة يوسف : ١٢ ـ الآية ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣ عن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام كما في الكافي ج ٥ ص ٢٢٥.

١٤٩

أبيه عن الباقر عليه‌السلام « المنبوذ حر ، فإذا كبر فان شاء توالى الذي التقطه وإلا فليرد عليه النفقة ، وليذهب فليوال من شاء ».

وقال محمد بن أحمد (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اللقيطة فقال : لا تباع ولا تشترى ، ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها ».

وفي‌ صحيح ابن مسلم أو حسنه (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن اللقيطة ، فقال : حرة ، لا تباع ولا توهب ».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة بفحواها على جواز التقاط غير الكبير الشامل للمراهق بعد فرض صدق كونه ضائعا ولا كافل له.

بل لعل ظاهر ما في بعضها ـ من بقائه على حكم الالتقاط حتى يكبر فيتوالى من شاء ـ يقتضي ذلك بعد معلومية إرادة البلوغ من الكبير فيه ولو بقرينة المطالبة بالنفقة ، ولو أن المراهق لا يلتقط لكان المناسب خروج الملتقط عن حكم الالتقاط بوصول الصبي إلى الحد المزبور لا إلى البلوغ ، اللهم إلا أن يفرق بين الابتداء والاستدامة ، وهو كما ترى.

نعم لا بد من تحقق وصف كونه ضائعا في جواز التقاطه ، لكن في المسالك « أن المصنف احترز بالضائع عن غير المنبوذ وإن لم يكن له كافل ، فإنه لا يصدق عليه اسم اللقيط وإن كانت كفالته واجبة كالضائع إلا أنه لا يسمى لقيطا » وظاهره عدم صدق الضائع على غير المنبوذ.

وفيه منع ، خصوصا بعد فتواه بجواز التقاط المميز غير المراهق.

وكأنه أخذه مما في التذكرة قال : « وقولنا : ضائع نريد به المنبوذ فان غير المنبوذ يحفظه أبوه وجده لأبيه أو وصيهما ، فإذا فقد أقام القاضي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥ وفيه‌ « عن اللقيط فقال : حر. » ‌كما في الكافي ج ٥ ص ٢٢٥.

١٥٠

مقامها ، أما المنبوذ فيشبه اللقطة ، ولهذا سمى لقيطا ، نعم يختص حفظه بالقاضي ».

وكأنه يريد بغير المنبوذ من كان له كافل معروف ، لا تخصيص اللقيط بكونه منبوذا وإن كان هو مقتضى ما سمعته في كتب أهل اللغة إلا أن العرف يقتضي خلافه ، ضرورة صدقه على الضائع من أهله وإن لم ينبذوه ، والنصوص وإن وجد فيها المنبوذ لكن وجد فيها اللقيط وهو أعم منه ، فلا منافاة بينهما.

وعلى كل حال ففي المسالك أيضا « وبقوله : لا كافل له عن الضائع المعروف النسب ، فإن أباه وجده ومن يجب عليه حضانته مختصون بحكمه ، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعا ، نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من تجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة ، ويجوز الاحتراز بقوله : « لا كافل له » عن الصبي الملقوط ، فإنه في يد الملتقط يصدق أن له كافلا ، ومع ذلك لا يخرج عن اسم الضائع بالنسبة إلى أهله ».

قلت : لعل الثاني أولى ، لإمكان منع صدق الضائع على الإطلاق على معروف الأهل ، فإن أول مراتب الضياع الذي يتحقق به الالتقاط كونه ضائعا على الملتقط وإن لم يكن ضائعا على أهله ، كالمنبوذ الذي لا ريب في كونه من اللقيط مع أنه غير ضائع على أهله ، وإنما هو ضائع على الملتقط.

بل عن الشهيد في الحواشي « أن اللقيط كل صبي طرحه أهله عجزا عن النفقة أو خوفا من التهمة ».

وفي الإسعاد لبعض الأفاضل من الشافعية « اللقيط عند الفقهاء اسم للطفل المنبوذ في شارع أو مسجد ونحوهما ضائعا » وإن كان في حصر‌

١٥١

اللقيط بذلك ما عرفته سابقا ، فلا حظ وتأمل ، وربما تسمع لذلك مؤيدا إنشاء الله تعالى ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( لو كان له ) أي الطفل ولو غير المميز ( أب أو جد أو أم ) أو غيرهم ممن يجب عليه حضانته كما في المسالك ( أجبر الموجود منهم على أخذه ) لعدم كونه لقيطا حينئذ ، ضرورة وجود الكافل له ، وعدم صدق كونه ضائعا عليه عرفا.

( وكذا لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر ألزم الأول أخذه ) لتعلق الحكم به بأخذه ، ولا دليل على سقوطه عنه بنبذه.

وعلى كل حال فظاهر المصنف التنبيه بذلك على وجه اعتبار عدم الكفيل في التعريف المزبور ، إلا أنهم اختلفت عباراتهم في تأدية ذلك.

ففي المتن والسالك ما عرفت ، وفي التحرير كالمتن بدون ذكر الملتقط ، وفي الإرشاد واللمعة ترك الأم وزيادة الوصي.

وفي الدروس « يجبر الأب وإن علا والأم وإن تصاعدت والملتقط » ونحوه في الروضة مع زيادة الوصي.

وفي محكي المبسوط « أن التربية والحضانة ولاية ، وكذلك الإنفاق ، وذلك لا يكون إلا للوالد أو الجد أو الوصي أو أمين الحاكم ».

وفي التذكرة « قولنا : لا كافل له نريد أن لا أب له ولا جد للأب ومن يقوم مقامهما ، فالملتقط ممن هو في حضانته أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه ، نعم لو وجد في مضيعة أخذ ليرده إلى حاضنه ».

وفي القواعد « فان كان له من يجبر على نفقته أجبر على أخذه ».

وفي الدروس « ولو كان له أب وإن علا أو أم وإن تصاعدت أو ملتقط سابق أجبر على أخذه ».

١٥٢

وفي الإرشاد « وشرط الأول ـ أي اللقيط ـ الصغر وانتفاء الأب أو الجد أو الملتقط ».

إلى غير ذلك من العبارات التي لا تخلو من تشويش وإيهام لحصر الحضانة والكفالة في خصوص ما ذكروه ، وهو مناف لما سمعته في النكاح (١).

بل قد يشكل عد الوصي مع عدم المال للولد ممن له الحضانة أو عليه ، كما أنه قد يشكل عدم اعتبار المتبرع بالكفالة والحضانة وإن كان بعيدا ، فإنه لا يسمى من له مثله ضائعا ولقيطا ، وأولى من ذلك الأعمام والأخوال والأخوات والخالات ونحوهم ، وإن كان بعض العبارات المزبورة تقتضي كونه لقيطا ، لعدم الكافل الشرعي ، وهو كما ترى.

ومن ذلك كله يظهر لك أن إيكال اللقيط إلى العرف لعدم الحقيقة الشرعية له أولى من هذه الكلمات التي لا يخفى عليك ما فيها بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وخصوصا عبارة التذكرة التي أطنب في مجمع البرهان في بيان إشكالها ، وكذا عبارة الإرشاد.

والتجشم لدفع بعض ما ذكرناه بإرادة المثال مما ذكروه في المقام يمكن القطع بعدمه بملاحظة إرادة التقييد من المعبر بها ، كقوله : « الجد للأب » مع أن الجد للأم من الحاضنين أيضا وإن لم يكن وليا ، بل الأصل في الحضانة للأم التي تركها بعضهم هنا.

والحاصل أن التعريف المزبور وما ذكروه في بيان وجه الاحتراز في قيوده في غاية التشويش ، والله العالم.

( ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى ) صغيرا كان أو كبيرا مع‌

__________________

(١) راجع ج ٣١ ص ٢٨٣ ـ ٣٠١.

١٥٣

تحقق وصف الضياع فيه جاز ، لإطلاق ما دل (١) على جواز التقاط كل مال ضائع صامت أو ناطق ، وخصوص الصحيح الآتي (٢) فهو حينئذ لقطة لا لقيط ، لما سمعته من نصوص الثاني (٣) التي هي صريحة في ما لا يشمله ، فليس حينئذ إلا لقطة لا لقيطا وإن كان صغيرا منبوذا ، مضافا إلى وجود حكمة مشروعية الالتقاط فيه من خوف التلف ونحوه.

خلافا للمحكي عن المبسوط وغيره ، فمنع من التقاط الكبير ، للأصل وفحوى ما ورد في منع التقاط البعير (٤) من عدم الخوف عليه.

وفيه ـ مع أنه غير تام في مثل الكبير الذي لا يستقل بحفظ نفسه لجنون أو خبل أو قصور أو نحو ذلك ـ أن الكلام مع فرض صدق اسم الضياع الذي يندرج به تحت موضوع لقطة المال التي أشير إليها في‌ صحيح علي بن جعفر (٥) عن أخيه موسى « سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحل فرجها لمن التقطها؟ قال : لا ، إنما يحل له بيعها بما أنفق عليها ».

الظاهر أو الصريح في جواز التقاطها كبيرة قابلة لأن يستحل فرجها ، أو أنها التقطت صغيرة حتى كبرت عنده ، ولكن لم تخرج بذلك عن حكم اللقطة ، والقياس على البعير ليس من مذهبنا مع إمكان الفرق بينهما أيضا.

كما أن الاستدلال على المختار بالمعاونة والإحسان عند خوف التلف ـ حتى أنه قال في الروضة : « ينبغي القطع بالجواز مع ذلك » ـ لا يخلو من نظر ، ضرورة عدم ثبوت الالتقاط الذي له أحكام مخصوصة بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ وغيره من كتاب اللقطة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب اللقطة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من كتاب اللقطة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

١٥٤

وإلا فنصوص رد الآبق (١) كثيرة.

فالعمدة حينئذ ما ذكرناه في قطع الأصل المزبور.

ومنه يستفاد أولوية مشروعية الالتقاط في الصغير منه ولو كان مراهقا بعد فرض تحقق وصف الضياع ، وإن كان المحكي عن الشيخ أيضا وخيرة الفاضل والشهيد في اللمعة العدم ، للعلة المزبورة ، لكنه واضح الضعف.

ودعوى أنه يعلم مالكه فلا يكون ضائعا يدفعها خروجها عن محل البحث ، لما قد تكرر منا من أن البحث فيما تحقق فيه وصف الضياع.

كما أنه أيضا بعد تحقق كونه مملوكا يفرض ما يدل على ذلك أو العلم به ، نعم لا عبرة باللون ونحوه ، كما هو واضح ، والله العالم.

إنما الكلام في تملكه بعد التعريف سنة الذي قد يظهر من قول المصنف ( لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ) العدم مطلقا ، كالفاضل في الإرشاد.

وفي التحرير « ويجوز أخذ الآبق لمن وجده ، فان وجد صاحبه دفعه إليه ، ولو لم يجد سيده دفعه إلى إمام أو نائبه ، فيحفظه لسيده أو يبيعه مع المصلحة ، وليس للملتقط بيعه ولا تملكه بعد تعريفه ، لأن العبد يحفظ نفسه بنفسه ، فهو كضوال الإبل ».

وظاهره العدم في الكبير خاصة ، بل صرح في القواعد يتملك الصغير بعد التعريف ، كما عن المبسوط ، وقواه في المسالك.

لكن قد يقال : إن ظاهر نفي الحل في الصحيح (٢) المزبور وحصره في جواز البيع بالإنفاق يقتضي عدم مشروعية التملك مطلقا ، كما صرح به في الدروس ، ولا بأس به مقيدا لما دل (٣) على أن من حكم اللقطة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ و ٥٠ ـ من كتاب العتق.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

١٥٥

بعد التعريف التملك لو سلم شمولها للمفروض وعدم انسياقها في المال الصامت ، من غير فرق في المملوك بين الصغير والكبير ، لما عرفت من شمول الصحيح المزبور لالتقاط الكبير والصغير حتى يكبر مضافا إلى الأصل.

ومن الغريب احتمال بعض تملكه من غير تعريف كالضالة ، ضرورة عدم دليل عليه يخرج به عن الأصل.

وقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح زرارة (١) « في لقيطة أخذت فقال : حرة لا تباع ولا تشترى ، وإن كان ولد مملوك لكن من الزنا فأمسك أو بع إن أحببت ، هو مملوك لك » لا دلالة فيه على اللقيط المملوك ، وإنما هو دال على ملك ولد الزنا من المملوك ، وهو غير ما نحن فيه ، والله العالم.

( و ) على كل حال ف ( لو أبق منه أو ضاع من غير تفريط ) مع عدم نية التملك حيث تكون له ( لم يضمن ) بلا خلاف كغيره من ملتقط المال.

( ولو كان بتفريط ضمن ) بلا خلاف ولا إشكال.

( و ) كذا ( لو اختلفا في التفريط ولا بينة ف ) ان ( القول قول الملتقط مع يمينه ) للأصل وغيره.

( ولو أنفق عليه باعه في النفقة إذا تعذر ) عليه ( استيفاؤها ) من المالك ، للصحيح المزبور (٢) الظاهر في جواز الإنفاق والبيع فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩٦ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ من كتاب التجارة وفيه « ولد مملوك لك من الزنا » كما في الفقيه ج ٣ ص ٨٦ ـ الرقم ٣٢٠ والتهذيب ج ٨ ص ٢٢٨ ـ الرقم ٨٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

١٥٦

من دون استئذان الحاكم ، ولعله كذلك ، لأنه بجواز الالتقاط له صار أمينا شرعيا.

لكن في المسالك « إذا التقط العبد ولم يوجد له من ينفق عليه تبرعا رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه أو يبيع شيئا منه فيها أو يأمره بها ليرجع ، فان تعذر أنفق عليه الملتقط بنية الرجوع إلى أن يستغرق قيمته ثم باعه فيها ، ولو أمكن أن يبيعه تدريجا وجب مقدما على بيعه جملة ، وحينئذ يتعذر بيعه أجمع في النفقة ، لأن الجزء الأخير لا يمكن إنفاق ثمنه عليه لصيرورته حينئذ ملكا للغير ، فلا ينفق عليه الثمن الذي هو ملك الأول ، بل يحفظ ثمنه لصاحبه الأصلي ».

ولا يخفى عليك ما فيه من مخالفته مقتضى الصحيح المزبور (١) بلا داع ، اللهم إلا أن يكون ما تسمعه إنشاء الله في الضالة.

على أنه قد يناقش في ولايته على البيع للجزء الأخير مع أنه ليس في النفقة ، فينبغي أن يرجع أمره إلى الحاكم.

ثم إن الظاهر من بعضهم أن من تعذر الاستيفاء إذا لم يكن للمولى غير العبد.

وفيه إمكان منع جواز بيعه حينئذ إذا كان من مستثنيات الدين بعد عدم دليل على تعلق الدين في رقبة العبد ، بل هو من جملة ديون المولى.

وإن اعترف المولى بعتقه ففي القواعد « الوجه القبول فيرجع الملتقط عليه بما أنفق إن كان العتق بعده قبل البيع » ولعله‌ لعموم « إقرار العقلاء » (٢) وحق الإنفاق إنما هو في ذمة المولى لا في رقبة العبد حتى يكون إقرارا في حق الغير.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.

١٥٧

نعم لو كان إقراره بذلك بعد البيع لم يقبل ، لكونه حينئذ إقرارا في حق الغير ، بل وكذا لو أقر بالعتق مسندا له إلى ما قبل الإنفاق ، فتكون النفقة على العبد ، لأنه حال الإنفاق حر ، كما صرح به في جامع المقاصد.

ولكن لا يخلو من نظر ، بل لا يخلو منه الرجوع بها عليه مع فرض ثبوت العتق كذلك وإن كان هو الأقوى كما أوضحناه في رجوع الوكيل على الإنفاق إذا بان أنه أنفق بعد موت الموكل على الزوجة المباشرة لإتلاف المال ، فتأمل.

هذا وفي الدروس « ليس للسيد المطالبة بثمنه ، أي بعد الاعتراف بعتقه إلا أن ينكر العتق بعد ذلك ، ولو ادعى رقه فصدق اللقيط المدعي فالأقرب القبول إذا كان أهلا للتصديق ».

قلت : قد تقدم في كتاب الإقرار ما يعلم منه النظر في ذلك ، والله العالم.

المقصد ( الثاني )

في الملتقط

ويراعى فيه البلوغ والعقل والحرية ) بلا خلاف أجده في الأولين بين العامة والخاصة ، بل ولا إشكال ، لقصورهما عن ولاية الالتقاط.

١٥٨

وحينئذ ( فلا حكم لالتقاط الصبي ) وإن كان مميزا مراهقا ( ولا المجنون ) ولو أدوارا حال جنونه.

وما في التذكرة « لو كان الجنون يعتوره أدوارا أخذه الحاكم من عنده ، كما لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي » يمكن حمله على إرادة أن للحاكم أخذه ، لا أنه مخصوص به وإلا كان مطالبا بدليله ، كما هو واضح ، وعدم صدق المنبوذ عليه مع أنه لا يقتضي اختصاص الحاكم به لا ينافي صدق اللقيط ، والله العالم.

بل ( ولا العبد ) على المشهور ، بل لم أتحقق فيه خلافا وإن اقتصر المصنف على اعتبار التكليف ، بل في الكفاية « أنه مما قطع به الأصحاب » بل في مجمع البرهان « الظاهر الإجماع على ذلك » بل في جامع المقاصد نفي الريب فيه ، للأصل و ( لانه ) لا يقد على شي‌ء إذ هو ( مشغول باستيلاء المولى على منافعه ) حتى أنه ورد (١) في التقاطه المال : أينه وأين اللقطة ، وهو مشغول بخدمة سيده ( و ) اللقطة تحتاج الى تعريف سنة.

نعم ( لو أذن له المولى صح ، كما لو أخذه المولى ودفعه إليه ) كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد خلافا فيه ، بل ولا في الصحة مع الإجازة أيضا ، نعم في الدروس والمسالك « فيكون في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه ، فيلحقه أحكامها دون العبد ».

قلت : قد يحتمل كون الولاية حينئذ للعبد بعد رفع الحجر عنه بالاذن ، بل لعله أقوى وألصق بالأدلة مع كونه مأذونا لا نائبا عن السيد.

وعلى كل حال لا يجوز للمولى الرجوع على ما صرح به الفاضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ وفيه‌ « وما للمملوك واللقطة ، والمملوك لا يملك من نفسه شيئا. » ‌

.

١٥٩

والكركي وثاني الشهيدين.

كما أنه لا فرق بين القن والمدبر والمكاتب ولو تحرر بعضه وأم ولد ، لما عرفت.

والمهاياة للمبعض بعد عدم لزومها لا تجدي كما في جامع المقاصد والروضة والمسالك ، وإن كان قد يناقش في ذلك وخصوصا مع فرض لزومها بصلح ونحوه ، هذا كله في الالتقاط.

أما الإنقاذ فواجب عليه بلا خلاف ولا إشكال ، إلا أن ذلك لا يثبت حكم الالتقاط وإن عبر به في الدروس وغيرها ، وحينئذ فلمن كان له أهلية الالتقاط انتزاعه منه ، ومنهم سيده ، كما هو واضح.

ثم إن ظاهر المتن وغيره ، بل نسب إلى الأكثر ما صرح به الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما من عدم اعتبار الرشد ، فيصح التقاط السفيه ، لعدم كونه تصرفا ماليا محجورا عليه فيه ، فيندرج في إطلاق الأدلة.

لكن في القواعد والدروس استقربه ، بل في التذكرة الجزم به ، قال : « إنه ليس بمؤتمن عليه شرعا وإن كان عدلا » وفي جامع المقاصد « أنه لا يخلو من قوة ».

قلت : لا ينبغي التأمل في الجواز مع عدم اشتراط العدالة لما عرفت ، وعدم ائتمانه على ماله لا يمنع ائتمانه على حضانة الطفل الذي إن فرض وجود مال له لم يمكن منه ولا من الإنفاق عليه ، ودعوى حصول الضرر على الطفل بالتفريق المزبور واضحة الفساد.

نعم لو قلنا باعتبار العدالة اتجه عدم جواز التقاطه بناء على استلزام سفهه الفسق ، لحرمة التبذير ، وستعرف الكلام فيها.

( و ) على تقدير عدم اعتبارها ف ( هل يراعى الإسلام ) في التقاط المحكوم بإسلامه؟ ( قيل ) والقائل الشيخ وجميع من تأخر‌

١٦٠