جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

السابق على حال البيع ، وإشكاله بالجهالة بعدم العلم بقدر ما يسلم إليه كأنه من الاجتهاد في مقابلة النص ، مع إمكان منع تحققها عرفا في مثله ، فان العلم المزبور كاف ، إذ لا دليل على اشتراط أزيد من ذلك.

ودعوى أن الشهرة هنا محكية على عدم جواز البيع ـ فتكون عاضدة لما دل على النهي عن بيع الغرر. مضافا إلى إمكان إرادة غير البيع من البيع في النصوص المزبورة ، فإنه مجاز شائع ، وإلى أنها غير مساقة لبيان ذلك ، وإنما هي لبيان جواز بيعه بما يشاء ـ يدفعها منع تحقق الشهرة في الفرض المزبور.

بل ظاهرهم في صورة الاختلاط التي لولاها لأمكن القول بالجواز فيها أيضا بعد مشاهدته ومعلوميته والإقباض بالتخلية بينه وبينه ، وإن اقتضى ذلك اختلاطه بما يتجدد من الماء فإن أقصاه حينئذ للشركة المقتضية للصلح بينه وبين البائع ، لا بطلان البيع الذي مقتضى إطلاق الأدلة صحته على وجه لم يثبت مثل ذلك مانعا لها ، بل يمكن منع الشهرة في مثل ذلك ، كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل.

وأولى من ذلك نقله بالصلح أو الهبة أو غير ذلك مما هو أوسع دائرة من البيع.

ثم إن ظاهر المتن التقييد بقصد الملك في المباح دون الحفر في الملك الذي لا يحتاج إليه ، بل هو ملكه حتى لو قصد العدم ، لكونه من نماء ملكه.

لكن في المسالك « يفهم من قيد التملك الاحتياج إليه في ملكه وفي المباح ، لجعله علة لهما ، وهو يتم في المباح ، أما المملوك فالأظهر أن ما يخرج منه من الماء مملوك تبعا له ، كما تملك الثمرة الخارجة ، وربما قيل‌

١٢١

بعدم تملكه وإن كان أولى به ، ومثله القول في الكلأ النابت فيه بغير قصد ».

وفيه منع كونه علة لهما ، بل هو للمباح المتصل به ، كما هو المحكي عن صريح المبسوط والسرائر ، بل قد يناقش في أصل اعتبار ذلك في المباح ، خصوصا بعد عدم ذكره في شرائط الإحياء كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا.

واحتمال اختصاص البئر بالشرط المزبور واضح الفساد.

نعم قد يقال : إن نظر المصنف إلى الحفر المقصود به عدم التملك الذي سيذكره ، فلا دلالة فيه على اشتراط القصد ، بل يكفي عنده عدم قصد العدم الذي قد عرفت البحث فيه أيضا إن لم يكن المنساق والمتيقن من الإطلاق المزبور الظاهر في تسبيب الاحياء الملك من غير اشتراط أمر آخر كما عرفت سابقا ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

( ولو حفرها ) في المباح مثلا ( لا للتملك بل للانتفاع ) بها ما دام في ذلك المكان ( فهو أحق بها مدة مقامه عليها ) كما صرح به الشيخ وابن إدريس والفاضل والشهيدان والكركي على ما حكي عن بعضهم ، معللين له بأنه لا ينقص عن التحجير بعد انتفاء الملك بعدم قصده للمحيي ، وحينئذ فإذا تركها حل لغيره الانتفاع بها.

بل لو عاد الأول بعد المفارقة ساوى غيره على ما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له.

لكن قد يناقش في الأول بمنع كونه كالتحجير الذي هو الشروع في الاحياء المملك في الأحقية المزبورة بعد فرض عدم قصده التملك بالاحياء بناء على اعتباره فيه ، نعم قد يكون مندرجا في « من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به » فلا يكون كحق التحجير الذي قد عرفت مخالفته لغيره في كثير من الأحكام.

١٢٢

( و ) كيف كان ف ( قيل ) ولكن لم نتحقق القائل ، ولعله الشيخ باعتبار لزوم ذلك ، لقوله السابق إن لم يكن أولى ( يجب عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته ) نعم عن موضع من التذكرة لو حفر البئر ولم يقصد التملك ولا غيره فالأقوى اختصاصه به ، لأنه قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحق ، وهذا ليس له منع المحتاج عن الفاضل عنه ، لا في شرب الماشية ولا الزرع.

وعلى كل حال ففيه أن مقتضى الأصل عدم وجوب بذله أيضا بعد أن كان له فيه حق نحو حق التحجير ، ضرورة كونه حينئذ كالمملوك بالنسبة إلى ذلك.

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك لا يزيد على السبق إلى الماء المباح الذي لا يجوز له المنع عما زاد على حاجته ، لإطلاق ما دل (١) على أن الناس فيه شرع سواء وغيره مما سمعته سابقا ، ولعله لذا ذكر في التذكرة ما سمعته ، بل عنها أيضا أن الأقرب الوجوب دفعا لحاجة الغير ، لكنه كما ترى ، ضرورة الفرق بينهما.

( وكذا قيل في ماء العين والنهر ) لما سمعته من الأدلة السابقة ، وفيه ما عرفت.

( و ) من هنا قال المصنف ( لو قيل : لا يجب ) بذل الزائد مطلقا مع قصد التملك ( كان حسنا ) لعموم « الناس مسلطون على أموالهم » (٢) وغيره ، بل قد عرفت ندرة المخالف ، وأما مع عدم قصد التملك فقد يشكل عدم الوجوب بما عرفت بناء على أن ذلك كالسبق إلى المباح.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) البحار ـ ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

١٢٣

ودعوى معلومية خلاف ذلك شرعا يمكن شهادتها على حصول الملك بذلك وإن لم يقصد الدوام ، كما سمعته سابقا في الاحياء الذي ما نحن فيه فرد منه عندهم على ما هو الظاهر من كلماتهم بل هو صريح بعضهم.

( و ) على كل حال ف ( إذا فارق ) مفارقة إعراض ( فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها ) بلا خلاف بين من تعرض له ولا إشكال ، بناء على سقوطه بمثل الاعراض المزبور ، وإلا كان مشكلا ، وأولى منه بذلك إذا لم يكن مفارقة إعراض ، ضرورة أنه لو كان كحق التحجير لم يسقط بمطلق المفارقة ، كما هو مقتضى المتن وغيره ، نعم لو كان كحق السبق إلى الماء المباح اتجه حينئذ ذلك ، ولكن كان عليه وجوب بذل الزائد نحو غيره من المياه المباحة التي يكون للسابق حق فيها بقدر حاجته.

ومن ذلك يظهر لك أن كلامهم في ذلك غير منقح ، لأن مقتضى السقوط بمطلق المفارقة كونه كالسبق إلى المباح ، ومقتضى عدم وجوب بذل الزائد أن يكون له فيه حق كحق التحجير ، ولكن قد عرفت عدم الدليل عليه ، فالمتجه إن لم نقل بالملك قهرا بالحفر الذي هو فرد من الاحياء الذي سمعت البحث فيه سابقا حتى مع قصد العدم أن يكون ذلك كالسبق إلى المباح ، والله العالم.

( وأما ) ما كان منها مباح الأصل كـ ( ـمياه العيون والآبار ) غير المملوكة لأحد ( والغيوث فالناس فيها سواء ) كما تقدم سابقا.

( و ) حينئذ ف ( من اغترف منها شيئا بإناء أو حازه ) قاصدا لتملكه ( في حوضه أو مصنعه فقد ملكه ) بلا خلاف ولا إشكال كما عرفت الكلام فيه سابقا.

والبئر العادية إذا طمت وذهب ماؤها فاستخرجه انسان ملكها ،

١٢٤

كما صرح به في القواعد ، وهو كذلك مع فرض كونها من الموات الذي يملك بالإحياء ، أما إذا كانت لمسلم فينبغي أن يكون فيها البحث السابق في الأرض الميتة بعد إحياء المسلم لها.

ومنه ينقدح البحث في ملك ماء البئر في المملوك للمسلمين من الأرض المفتوحة عنوة ، ويتجه فيه عدم ملكه لها ، لما عرفته من اشتراط الملك به أن لا يتعلق به حق مسلم.

بل لعل الأمر كذلك في المعدن الباطن فيها أيضا بناء على أن إخراجه من الاحياء.

لكن قد سمعت ظهور كلام الأصحاب إن لم يكن صريحه ملكه لمحييه مطلقا ، اللهم إلا أن يريدوا مع إحراز ما ذكروه سابقا من شروط الاحياء.

وأما حفر البئر في الأرض الموقوفة للمسلمين مثلا فالمتجه عدم الملك أيضا ، بل تكون لهم أيضا.

ولكن لم أجد شيئا من ذلك محررا في كلامهم هنا ، وقد تقدم جملة منه في كتاب الغصب وغيره من الكتب السابقة.

إلا أنه ينبغي أن يعلم أن من أراد أن يسبل بئرا في أرض مملوكة للغير أن ينقل مقدار أرضها إليه ليكون الماء له فيسبله ، وفي الأرض المباحة ينوي تملكها ثم يسبله ، والله العالم.

١٢٥

( وهنا مسائل : )

( الأولى : )

( ما يقبضه النهر المملوك ) ولو بإحيائه نهرا ( من الماء المباح ) كشط الفرات ودجلة ( قال الشيخ ) في المبسوط ( لا يملكه الحافر ) للأصل ( كما إذا جرى السيل إلى أرض مملوكة ؛ بل الحافر أولى بمائه من غيره ، لأن يده عليه ) وسابق إليه إلا أنه لم نجد له موافقا على ذلك إلا ما يحكى عن بعض العامة.

نعم عن أبي علي اعتبار عمل ما يصلح لسده وفتحه في تملك الماء ، ولعله لتوقف صدق الحيازة التي هي فعل من أفعال المكلف المقدور له فعلا وتركا على ذلك.

لكن فيه منع واضح ، ضرورة صدقها بدونه ، كوضوح الفرق بين الفرض وبين ماء السيل في ملك الغير الذي لم يقصد حيازته ولو بجعل آلة معدة لذلك ، وإنما هو نحو شبكة مثلا لصيد ، ومن هنا اتفق من عداه من الأصحاب ممن تعرض لذلك على الملك بذلك.

مضافا إلى‌ خبر إسماعيل بن الفضل (١) المروي في الكافي والفقيه « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بيع الكلأ إذا كان سيحا يعمد الرجل إلى مائه فيسوقه إلى الأرض فيسقيه الحشيش وهو الذي حفر النهر وله الماء يزرع به ما شاء ، فقال : إذا كان الماء له فليزرع به ما شاء وليبعه بما أحب » بل وإلى غيره من النصوص السابقة في القناة.

وحينئذ ( فإذا ) كان الحافر واحدا فلا بحث ، وأما إذا ( كان ) ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

١٢٦

( فيه جماعة فان وسعهم ) على وجه لا يقع بينهم تعاسر ( أو ) لم يسعهم ولكن ( تراضوا ) على المهاياة ( فيه ف ) كذلك ( لا بحث ، وإن تعاسروا ) قسم بينهم بالأجزاء بأن توضع خشبة صلبة لا يحصل فيها التفاوت بمرور الأزمنة ، أو صخرة ذات ثقب متساوية على قدر حقوقهم في صدر الماء على وجه لا يكون دخول الماء في تلك الثقوب متفاوتا ، ويجري كل منهم ساقية لثقوبه ، ويجعل الثقوب على أقلهم سهما فإذا كان لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقوب ستة ، ثلاثة منها لذي النصف ، واثنان لذي الثلث ، وواحد لذي السدس ، وهكذا. فيصنع كل منهم حينئذ بمائه ما شاء ولو بأن يسقي به ما لم يكن له شرب من هذا النهر ، لقاعدة تسلط الناس على أموالها بعد كون القسمة قسمة عدل.

بل الظاهر عدم جواز رجوع أحدهم بعد استيفاء الآخر ، نعم له ذلك في المهاياة التي لا إشكال في صحتها مع الاتفاق منهم عليها ، إلا أنها غير لازمة ، للأصل وغيره ، فلأحدهم الرجوع قبل استيفاء الآخر نوبته وإن كان الراجع قد استوفى سابقا تمام نوبته.

ولكن قيل : يضمن له اجرة مثل نصيبه من النهر للمدة التي أجرى الماء فيها ، لأنه لما تعذر ضبط الماء المستوفي بالكيل والوزن امتنع إيجاب مثله وإن كان مثليا ، وأولى منه قيمته فلم يبق إلا الرجوع إلى الزمان الذي استوفى فيه ، فوجبت الأجرة على حسبه.

إلا أنه كما ترى لا يصلح مخصصا لما دل على ضمان المثلي بمثله ، ومع التعذر فقيمته وإن أدى ذلك هنا إلى الرجوع للصلح ونحوه ، والله العالم.

١٢٧

وكيف كان فعن الشيخ مع التعاسر ( قسم بينهم على سعة الضياع ) التي هي لهم لا على قدر عملهم ولا نفقاتهم ، لعدم ملكهم الماء وإنما هم أحق به لأجل ملكهم ، فلو كان لبعضهم حينئذ مأة جريب من الأرض ولآخرين ألف جريب جعل للأول جزء من أحد عشر جزء وللباقين عشرة أجزاء ، وقد عرفت فساد الأصل الذي بنى عليه هذا التفريع.

ومن هنا قال المصنف ( ولو قيل : يقسم بينهم على قدر أنصبائهم من النهر ) الذي ستعرف أنه قدر النفقة على العمل ( كان حسنا ) بل هو الموافق للقوانين الشرعية كما عرفت.

ثم إنه قد يظهر من قول المصنف وغيره : « ما يقبضه النهر » عدم ملك ما لو فاض ماء من هذا النهر طغيانا إلى ملك انسان على وجه يدخل في النهر طاغيا ، بل صرح الفاضل بأنه مباح مشبها له بالطائر يعشش في ملك انسان مثلا.

ولعله لعدم ملك ذي النهر له لخروجه عن نهره ، ولا لذي الملك لعدم حيازة منه له تقتضي ملكه ، فهو بالنسبة إليهما خصوصا الثاني كالطائر المزبور ، إذ مجرد الدخول في الملك لا يقتضي كونه حيازة مع عدم الاستيلاء ، كما هو واضح. والله العالم.

١٢٨

المسألة ( الثانية : )

( إذا استجد جماعة نهرا ) ليملكوه ( فبالحفر يصيرون أولى به ) لأنه تحجير ( فإذا وصلوا منتزع الماء ) ومجراه على وجه إذا أريد إجراؤه فيه جرى ( ملكوه ) سواء جرى فيه الماء أو لا بعد أن تهيأ له ، فان ذلك إحياؤه ( وكان بينهم على قدر النفقة على عمله ) إذا كان قد استأجروا غيرهم على عمله فأدوا أجرتهم على السوية أو التفاوت ، فإنه يكون النهر ملكا لهم على حسب نسبة النفقة ، ضرورة مساواتها للعمل حينئذ ، وإلا فلو فرض تفاوتها كما إذا كان أجير أحدهم أزيد اجرة من الآخر ولكن العمل متفقا كان المدار على العمل لا عليها ولعل إطلاق ما في محكي المبسوط من أن ملكية النهر على قدر النفقة منزل على ذلك أيضا ، ضرورة عدم مدخلية زيادتها بعد اتفاق العمل في التفاوت في الملكية.

نعم هذا كله مع الاشتراك في الحفر على وجه يكون جميع أجزاء الحفر مشتركا. أما إذا حفر كل منهم بعضه مستقلا عن الآخر فالمتجه ملك كل واحد مقدار حفره إلا أن يتعاوضوا فيجعل كل منهم من حفره قدر ما له في حفر الآخر بعد مراعاة النسبة بين الجميع ، فيكون ملك النهر حينئذ على حسبها ، ويتبعه الماء الجاري فيه عندنا في الملكية على الأصح وفي الأحقية على ما سمعته من الشيخ.

وكذا ما في قواعد الفاضل « لو حفرها جماعة ملكوها على نسبة الخرج » خصوصا بعد ملاحظة كلامه في غيرها.

بل في محكي الحواشي عن إملائه « أن هذا مختص بما إذا اشتركوا‌

١٢٩

في الحفر ، أما لو حفر بعضهم شيئا والآخر بعضا آخر ملك كل واحد بقدر عمله لا خرجه إذا لم يكن لصعوبة الأرض بل لتفاوت سعر الأجرة » فإن مرجعه أيضا إلى ما ذكرنا ، كما هو واضح.

ولو كان لإنسان رحى مثلا على هذا النهر المملوك لغير ذيها ففي النافع « لم يجز لصاحب النهر أن يعدل بالماء ويصرفه عنها إلا برضا صاحبها ».

ولعله‌ للصحيح (١) « كتب رجل إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل أو رجلين فأراد صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى ويعطل هذه الرحى إله ذلك أم لا؟ فوقع عليه‌السلام يتقي الله عز وجل ، ويعمل بالمعروف ، ولا يضار أخاه المؤمن ».

مؤيد (٢) بقاعدة نفي الضرر والضرار.

ولكن فيه أنه مناف لقاعدة تسلط الناس على أموالهم ، ودعوى ترجيحها عليها واضحة المنع ، فلا بد من حمل الصحيح المزبور على صورة وضع الرحى بحق واجب على صاحب النهر مراعاته ، كما عن ابن إدريس التصريح بتقييده بذلك جمعا بينه وبين القاعدة المزبورة المعتضدة بعمل الأصحاب على وجه ترجح على قاعدة نفي الضرر والضرار ، والله العالم.

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١ وذكره في التهذيب ـ ج ٧ ص ١٤٦ الرقم ٦٤٧.

(٢) هكذا في النسختين الأصليتين : المبيضة والمسودة ، والصحيح « مؤيدا ».

١٣٠

المسألة ( الثالثة : )

( إذا ) اجتمعت أملاك على ماء واحد مباح و ( لم يف ) ذلك ( النهر المباح ) مثلا ( أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعة ) ووقع في التقدم والتأخر تشاح ( بدئ بالأول ، وهو الذي يلي فوهته ) أي أصله ( فأطلق ) الماء ( إليه ) على قدر حاجته ف ( للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنخل إلى الساق ، ثم يرسل إلى من دونه ، ولا يجب إرساله قبل ذلك ولو أدى إلى تلف الأخير ) بلا خلاف أجده في أصل الحكم ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

مضافا إلى النصوص من الطرفين ، ف‌ من طريق العامة (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن يسقي قبل الأسفل ثم يرسله إلى الأسفل ».

وفي آخر (٢) « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى في السيل أن يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل ».

وفي ثالث (٣) « أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج (٤) الحرة التي يسقون بها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، فقال : أن كان ابن عمتك ،

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٤.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٤.

(٣) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٣ و ١٥٤.

(٤) بالشين المعجمة والجيم : جمع شرج بالإسكان ، قال في الصحاح : هو مسيل مياه الحرة إلى السهل ، والحرة أرض ذات حجارة سود ونخرة كأنها أحرقت بالنار ( منه رحمه‌الله ).

١٣١

فتلون وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال : يا زبير اسق واحبس الماء حتى يصل إلى الجدر ثم أرسله ».

ومن طرق الخاصة خبر غياث بن إبراهيم (١) عن الصادق عليه‌السلام الذي رواه المشايخ الثلاثة وفي سنده ابن أبي عمير الذي هو من أصحاب الإجماع ومراسيله كالصحيح فضلا عن مسنده قال : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سيل وادي مهزور الزرع إلى الشراك والنخل إلى الكعب ، ثم يرسل الماء إلى أسفل من ذلك ».

وكأنه إليه أشار‌ في النهاية « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب ، وللزرع إلى الشراك ، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه ، ثم كذلك يعمل من هو دونه ».

وفي الغنية « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الأقرب إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق ، وإلى الزرع إلى أن يبلغ الشراك ».

وفي محكي المبسوط « روى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل ، وللشجر إلى القدم ، وللزرع إلى الشراك » ومثله في محكي السرائر.

وعن الفقيه بعد أن روى خبر غياث كما سمعت‌ قال : وفي خبر آخر (٢) « أن للزرع إلى الشراكين وللنخل إلى الساقين ».

وفي‌ خبر عقبة بن خالد (٣) عن الصادق عليه‌السلام « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شرب النخل بالسيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ، يترك الماء إلى الكعبين ، ثم يسرح الماء إلى الأسفل الذي يليه ، وكذلك حتى تنقضي الحوائط ويفنى الماء ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

١٣٢

إلا أن جميعها كما ترى متفقة على إطلاق تقديم الأعلى على الأسفل نحو إطلاق المتن والفاضل في جملة من كتبه ، بل والمحكي عن المبسوط والسرائر والغنية وغيرها.

نعم قيده الشهيد في الدروس بما إذا لم يعلم السابق في الاحياء وإلا قدم ، وتبعه عليه الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما.

بل في الكفاية تعليله بأن النصوص لا عموم فيها بحيث تشمل هذا القسم ، وفيه منع واضح ، والأولى التعليل بأن السابق في الاحياء قد تعلق حقه بالماء قبل غيره وإن كان في آخر النهر ،

لعموم « من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به » (١).

ودعوى التعارض بينهما من وجه يدفعها أن الرجحان لتقديم الأخير بالشهرة ، ولو بملاحظة كلامهم الآتي في من أحيا أرضا على هذا الوادي بعد تعلق حق الأملاك وإن تردد فيه المصنف كما ستعرف ، إلا أن المحكي عن غيره عدم مشاركته للسابقين.

ومنهم من أطلق هنا ، وكذا صرح أيضا بأنه لو سبق إنسان إلى مسيل ماء أو نهر فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا فوقه مواتا آخر كان للأول السقي ثم الثاني ثم الثالث ، إلى غير ذلك من كلماتهم التي تشهد على إرادة ما إذا لم يعلم السابق من الإطلاق المزبور ، فتأمل جيدا.

بقي الكلام في خلو نصوصنا المروية في الكتب الأربعة عن الشجر بعد اتفاقها أجمع كالفتاوى على التحديد بالشراك للزرع ، فلا إشكال فيه ، ولكن يكفي فيه مرسل المبسوط والسرائر بعد عمل المشهور.

وأما اختلاف التحديد بالساق والكعب للنخل فقد نزله الصدوق‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

١٣٣

على قوة الوادي وضعفه ، وأولى منه تنزيله على إرادة العظمين الناتيين المتصلين بالساق ، فيكون الوصول إليه هو الوصول إلى مبتدأ الساق ، كما سمعته من الغنية ، أو على أن وصوله إلى الكعب الذي هو العظم الناتي في ظهر القدم يستلزم وصوله إلى ذلك.

على أن التعبير بالكعب قد وقع في النافع والنهاية التي هي متون أخبار ، وإلا فالمشهور التعبير بالساق الذي هو منطبق على ما في أخبار العامة من التحديد بالجدر.

بل لعل خبر الزبير (١) مبني على ذلك ، أي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان متنزلا له عن حقه ، فلما وقع من الأنصاري ما وقع أمره باستيفاء تمام حقه.

بل قد يؤيد ذلك أن ظاهر المسالك وغيرها أن ذلك ليس محلا للخلاف ، ولذا استدل له بنصوص الكعب (٢) نعم جعل محل الخلاف عدم تعرضها للشجر وإن قال في الرياض : « إني لم أفهمه بعد وضوح الفرق بين الكعب والساق ، وأنه أعلى منه بكثير ، سيما إذا أريد من الساق منتهاه أو أوسطه ».

لكن فيه أنه لا مجال لاحتمال إرادة منتهى الساق أو أوسطه ، لصدق اسمه على ابتدائه الذي هو متصل بالكعب العرفي الذي هو وإن كان خلاف ما ذكرناه من معناه في كتاب الطهارة (٣) إلا أنه لا بأس بإرادته هنا لقرائن كثيرة في النصوص والفتاوى تقتضي الجمع بذلك.

وكذا ما فيه من أنه « لم يتضح الفرق ـ أي على القول المزبور ـ

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب إحياء الموات.

(٣) راجع ج ٢ ص ٢١٥ ـ ٢٢٤.

١٣٤

بين تحديد الشجر إلى القدم والنخل إلى الساق ، لتقاربهما على ذلك التقدير قربا لم يكن معه الفضل محسوسا بحيث كاد يكون أحدهما عين الآخر ، وعليه بنى التوجيه في دفع الاختلاف ، فلا بد من تصحيح وجه الفرق بين التحديدين بأن يراد من الساق غير مبدئه ، ومعها لم يرتفع الاختلاف لمخالفة الكعب على أي تفسير للساق على هذا التقدير » إلى آخره ، فإنه لا يخفى عليك ما فيه ، خصوصا بعد وضوح الفرق بينهما بتحقق صدق القدم قبل الوصول إلى منتهى الكعب المتصل بالساق.

فلا محيص حينئذ عن العمل بمرسلي الساق المعتضدين بشهرة الأصحاب وبأصالتي بقاء الحق وعدم سلطنة الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر الزائد على المجمع عليه.

وعلى كل حال فالظاهر بناء الإطلاق المزبور نصا وفتوى على استواء الأرض ، وإلا فلو فرض اختلافها هبوطا وعلوا ففي القواعد وجامع المقاصد والمسالك سقي كلا على حدته ، ولعله لما في الكفاية من أنهما لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة عن الحد السائغ شرعا ، فيخرج عن المنصوص ، فوجب إفراد كل بالسقي توصلا إلى متابعة النص بحسب الإمكان.

ولو كانت كلها منحدرة لم يقف فيها الماء كذلك ففي المسالك « سقيت بما تقتضيه العادة. وسقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذره » واستحسنه في الكفاية.

قلت : قد يقال باعتبار الغاية لجميع ما فيها وإن استلزم الزيادة في بعضها ، نحو ما لو فرض اشتمال الأرض على زرع وشجر ونخل ، ويلاحظ التقدير بالنسبة إلى المنحدرة ، نعم لو احتيج سقي الأرض لغير ذلك اعتبرت الحاجة عادة ، فإن الظاهر كون التحديد المزبور في النصوص‌

١٣٥

مراعاة لها ، لا أنه تحديد تعبدي حتى لو علم زيادته على الحاجة ، ولكن لا حق للثاني إلا بعد استيفاء الأول تمام حاجته وإن أدى ذلك إلى ضرر الغير ، بل إن لم يفضل لا شي‌ء له بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لأنه أحق بمقدار حاجته ، بل لا حق للثاني إلا بعدها.

نعم لو تساويا في التحاذي عن يمين النهر وشماله فالذي صرح به الفاضل والشهيدان والكركي القسمة بينهما ، فان تعذرت فالقرعة. نعم ذكر الشهيدان المهاياة مع الضيق ، فان تعاسرا فالقرعة ، ولعل ترك غيرهما المهاياة باعتبار عدم لزومها عليهما مع التعاسر ، فلا يجبران عليها.

ولكن قد يناقش بأن المتجه في المقام ما سمعته من السابق في المعدن الذي هو باق على الإباحة أيضا كالماء هنا ، وقد أطلق الأكثر هناك القرعة ، وظاهرهم تقديم من خرجت القرعة له في أخذ تمام حاجته.

نعم قد سمعت ما سمعت من الكركي وغيره ، وتقدم الكلام معهم هناك ، والمقام مثله ، ضرورة أن ذلك ليس إلا لكونهما متساويين في الأحقية المزبورة ، إما باعتبار كونهما معا في فوهة النهر ، أو لعدم العلم بتقدم أحدهما على الآخر ، ومع فرضه وجهله فليس إلا القرعة ، لاستيفاء تمام حاجته قطعا.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما ذكروه هنا من القسمة ، ومع تعذرها فالقرعة في التقديم خاصة بعد فرض النقص عليهما ، وفرض تعذرها يكون لعدم تمكن كل منهما من ساقية تصل إلى ملكه أو لغير ذلك.

قال في القواعد بعد أن ذكرها « فان لم يفضل عن أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ثم يتركه للآخر ، وليس له السقي بجميع الماء ، لمساواة الآخر له في الاستحقاق ، والقرعة تفيد التقديم بخلاف الأعلى مع الأسفل ».

١٣٦

ومعناه كما في جامع المقاصد « أن القرعة إذا أخرجت أحدهما قدم في السقي ، وليس له أن يسقي مقدار حاجته ، لأنه يفسد زرع الآخر كله أو بعضه ، بل ينظر إلى مقدار زمان السقي لهما ومقدار صبر الزرعين وعدم تطرق الفساد إليهما ، والمفروض أن زمان الثاني قاصر عن زمان الأول ، لأن المفروض أن الفاضل عن سقي الأول غير كاف في سقي الثاني ، فمقدار ما قصر به الزمان الثاني يوزع على كل من المالك الأول والثاني ، فيسقي الأول مقدار حقه ، وهو ما يبقى بعد إسقاط حصته من التوزيع لا مقدار حاجته ثم يرسله إلى الثاني ، مثاله لو كان زمان سقي الأول أعني الذي أخرجته القرعة ستة أيام والآخر مثلها والباقي ثمانية أيام ، فلكل منهما أربعة ، ولو تفاوتا في ذلك بأن كان زمان سقي الأول ستة أيام والآخر أربعة ومجموع المدة التي لا يبقى الزرعان بعدها ثمانية أيام فللأول ثلاثة أخماس ثمانية أيام وللآخر خمساها ، فإذا انقضت ثلاثة أخماس الثمانية أرسل الماء الأول ، وهو من أخرجته القرعة إلى الثاني ، لمساواتهما في أصل الاستحقاق ، وأما قوله : والقرعة إلى آخره ، فهو جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنه لا فائدة في القرعة بعد الحكم باستوائهما في السقي ، وجوابه أن فائدتها تقديم أحدهما على الآخر ، ولولاها لم تتحقق ذلك ، لعدم الأولوية ».

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله ، ضرورة اقتضاء تساويهما في الاستحقاق قسمة الماء بينهما ، كما لو كانا مالكين ، فيأخذ كل منهما نصيبه وإن لم يكف لحاجته ، لا القرعة التي هي بعد تعذر القسمة ليتحقق الاشكال.

كما لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا ولاحقا من تساويهما في حق الأولوية التي لا ترجع إلى حق في الماء نفسه ، فلا يتصور فيه القسمة ، على أنه قد يفرض التضرر بابتداء أحدهما على وجه لا يمكن‌

١٣٧

فيه مراعاة التوزيع ، كما أنه يمكن كون أحدهما مقدما على الآخر في تمام حاجته وقد أخرجته القرعة ، كما هو مقتضى إطلاق الأكثر في المتسابقين إلى المعدن فضلا عن المقام الذي من صورة التقدم في الاحياء مع الاشتباه.

ولو كانت أرض أحدهم أكثر قسم على قدرها ، لأن الزائد مساو في القرب ، فيستحق جزء من الماء ، إذ المعتبر في قرب الأرض من الماء جزء منها وإن قل ، حتى لو اتسعت إحداهما على جانب النهر وضاقت الأخرى وامتدت إلى خارج فهما متساويان ، لصدق القرب بذلك.

ولو أراد أحد أن يستجد بناء رحى على النهر المزبور فان عارض الاملاك على وجه يحصل ضرر عليهم أو بعضهم لم يكن له ذلك إلا برضاهم ، سواء بناها في ملكه أم في الموات ، وإن لم يعارض أحدا جاز وإن كانت أعلى من الجميع ، لأن لهم حق الانتفاع لا حق الملك ، فلا يتوقف على إذنهم ما لا ينافي انتفاعهم.

ولو كان على النهر أرحية متعارضة فهي كالأملاك في تقديم ما كان منها ما يلي الفوهة إن لم يكن غيرها السابق في الاحياء ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

( لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي ) الذي تعلق به حق الأملاك السابقة فان لم يكن فيه تضييق فلا منع لما عرفت وإلا ( لم يشارك السابقين ) الذين هم أولى منه بإحياء أرضهم الذي به استحقوا مرافقها ، والماء من أعظم المرافق ، فلا يستحق إلا بعد استيفاء الأولين ، فان لم يفضل عن كفايتهم شي‌ء بأن احتاج الأول إلى السقي عند فراغ المتأخر رجع الحق إليه ، وهكذا ، ولا شي‌ء لهذا المحيي أخيرا‌

١٣٨

( و ) إن كان الأرض التي أحياها أقرب من غيرها إلى فوهة الوادي.

نعم لو لم يحتج أحد منهم ( قسم له مما يفضل عن كفايتهم ) ومن ذلك يعلم الوجه في تقييد النص والفتوى سابقا ، لأن لم أجد خلافا فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضل والكركي وغيرهم.

لكن في المتن ( وفيه تردد ) ولم نجده لغيره ، واحتمل فيه أمران : أحدهما أن يكون الاحتمال الآخر مشاركة هذا المحيي للسابقين ، بمعنى استحقاقه نوبة بعد نوبتهم كالذي قبله وإن احتاج السابق قبل أخذه النوبة ، لأن النهر مباح بالأصل ، وانما استحقه من سبق بسبب الاحياء ، وقد شاركهم المتأخر في ذلك ، كما يشارك من قبله السابق عليه.

وفي المسالك « هذا الاحتمال يتوجه إذا قلنا بأن الأعلى يجب عليه الإرسال لمن بعده بعد سقيه وإن احتاج إليه مرة أخرى ، وهو وجه في المسألة ، أما إذا قلنا بأنه أولى من اللاحق مطلقا ولا حق للآخر إلا مع استغنائه فلا يظهر للاحتمال المذكور وجه ، لأنه مع غناء السابقين لا إشكال في استحقاقه ، ومع حاجتهم يقدمون عليه ، وفي التذكرة نقل الخلاف فيما لو احتاج الأعلى بعد استيفاء حقه إلى السقي مرة أخرى هل يمكن أم لا؟ ثم قوى عدم التمكين ، وأنه يجب عليه الإرسال لمن بعده ، محتجا بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خبر عبادة بن الصامت (١) : « ويرسل الماء إلى الأسفل حتى تنتهي الأراضي » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية الصادق عليه‌السلام (٢) : « ثم يرسل الماء إلى الأسفل » وغيرهما من الأحاديث ».

قلت : قد يقال بانسياق تلك النصوص إلى الإرسال مع استغناء‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥٤ مع اختلاف يسير في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

١٣٩

الأول وإلا فمع فرض حاجته فهو مقدم كما في أول الدور ، لاستمرار سبب التقديم وهو كونه في الفوهة مثلا ، وحينئذ فيسقط الاحتمال المزبور الذي جعل وجها للتردد ، ولذا لم نره لغيره ممن تقدمه أو تأخر عنه.

وأما الاحتمال الثاني ـ فهو أنه لا يصلح لهذا المتأخر مع ضيق الماء الاحياء إلا بإذن السابقين لئلا يصير ذريعة إلى منع حقهم من النهر على طول الأزمنة واشتباه الحال ، خصوصا إذا كان أقرب إلى فوهته من غيره ـ فهو مع أنه بعيد عن العبارة واضح الفساد منطبق على أصول العامة التي منها اعتبار أمثال هذه الخرافات دون أصولنا ، ضرورة أن حقهم في النهر لا في الموات ، وعليهم ضبط الأمر على وجه لا يكون اشتباها فيما يأتي من الأزمنة ، لا منع المستحق عن الأخذ بحقه مخافة حصول ذلك ، كما هو واضح.

ولو احتاج هذا النهر إلى حفر وإصلاح وسد خرق ونحو ذلك فالظاهر كونه كالنهر المملوك الذي صرح في القواعد بأنه عليهم على حسب ملكهم ، فهنا أيضا على حسب استحقاقهم ، نعم قد تقدم في تزاحم الحقوق أنه لو امتنع بعض الشركاء من الإصلاح لم يجبر وإن كان لا يخلو من نظر ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة نفي الضرر والضرار ، وقاعدة حفظ المال ، والنهي عن ضياعه.

وعلى كل حال ففي القواعد في النهر المملوك أنه يشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الأدنى من أوله أي الذي هو في فم النهر ، ثم لا شي‌ء عليه ، ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني وهكذا ، ويحتمل التشريك.

ولعل وجه الأول أن نفعه ينتهي بانتهاء ملكه ، ولا ملك له فيما وراء أرضه ، فيختص الباقون بمئونة ما بقي على حسب استحقاقهم ، نعم لو كان الماء يفضل عن جميعهم واحتاج الفاضل إلى مصرف ينصب‌

١٤٠