جواهر الكلام - ج ٣٨

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وعلى كل حال ف ( الظاهرة منها وهي التي لا تفتقر إلى إظهار ) بمعنى عدم احتياج الوصول إليها إلى مئونة ( كالملح والنفط والقار ) والكبريت والموميا والكحل والبرام وغيرها مما هي ظاهرة بلا عمل وإنما السعي والعمل لأخذه ( لا تملك بالاحياء ) معدنا ، لعدم تصوره بعد أن كان هو الحفر ونحوه لاظهاره ، كما ستعرفه في المعادن الباطنة ، والفرض هنا ظهوره.

نعم لو أراد إحياؤها دارا مثلا أو غيرها مما لا ينافي كونها معدنا أمكن القول بصحته ، فيملكه حينئذ إن لم يكن إجماعا على خلافه ولو لإطلاقهم عدم إحيائها ولكن لم أجد ذلك محررا في كلامهم.

( و ) عليه ف ( لا يختص بها المحجر ) الذي هو الشارع في الاحياء الذي عرفت انتفاؤه.

( وفي جواز إقطاع السلطان المعادن ) المزبورة ( والمياه تردد ) من عموم ولايته المستفادة من قوله تعالى (١) ( أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) وغيره ، وكونها من الأنفال في‌ خبر إسحاق بن عمار المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأنفال فقال : هي التي خربت ـ إلى أن قال ـ : والمعادن منها » وفي المرسل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « أنه سئل عن الأنفال ، فقال : منها المعادن والآجام ». و « الناس مسلطون على أموالهم » (٤)

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠ من كتاب الخمس.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٨ من كتاب الخمس.

وهو خبر أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام كما نقله ( قده ) في كتاب الخمس راجع ج ١٦ ص ١٢١.

(٤) البحار ـ ج ٢ ص ٢٧٢ ـ الطبعة الحديثة.

١٠١

خصوصا بعد ما في بعض‌ نصوص (١) الأنفال « أن ما كان لله فهو لرسوله يضعه حيث شاء وكذلك الامام بعده ».

ومن أن مورد الإقطاع الموات باعتبار كونه كالتحجير ، وقد عرفت أنه لا تندرج فيه المعادن ، ولو لما ستسمع من أن المشهور كون الناس فيها شرعا فلا وجه لاقطاعها حينئذ.

وعن حنان (٢) قال : « استقطعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معدنا من الملح بمازن فأقطعنيه ، فقلت : يا رسول الله إنه بمنزلة الماء العد ، ـ يعني أنها لا تنقطع ولا تحتاج إلى عمل ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فلا آذن ».

لكن في المسالك « هذه الرواية على تقدير صحتها محتملة للقولين ، لكنها قد تشكل على أصول أصحابنا ، لتغيير رأيه في الحكم بسبب اختلاف النظر في المعدن ، وهي نظير ما‌ روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) « لو بلغني هذه الأبيات قبل قتله لما قتلته » يعني النظر بن الحارث لما بلغه أبيات أخته ترثيه بها ، والجواب عنهما واحد ».

قلت : لعله هو من تغير الحكمة التي يدور معها الحكم الشرعي ، كما أنه قد يجاب عن رواية المقام بأن ظاهر استقطاع السائل كون المعدن مواتا يحتاج إلى إحياء ، فلما أظهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كون المعدن ظاهرا حيا منع من إقطاعه ، فلا دلالة فيها حينئذ إلا على منع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١ و ١٠ و ١٢.

(٢) نقله ابن قدامة في المغني ج ٦ ص ١٥٦ عن أبيض بن حمال وفيه « بمأرب » بدل « بمازن » ورواه البيهقي باختلاف يسير في سننه ج ٦ ص ١٤٩.

(٣) سيرة ابن هشام ج ٣ ص ٤٥ ط مصر عام ١٣٥٥.

١٠٢

إقطاع الظاهرة منها التي هي محل البحث ، إذ لا كلام في جواز إقطاع الباطنة كما ستعرفه.

وبالجملة هذه المسألة كنظائرها المذكورة في هذا الكتاب قد ذكرها العامة بناء على أصولهم في أئمتهم الذين يجوز عليهم ـ إن لم يكن قد وقع منهم ـ كل قبيح ، لأن الأحكام الصادرة منهم عن اجتهاد ورأي وغير ذلك من الأمور الفاسدة ، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأحوالهم بخلاف الامام عليه‌السلام عندنا الذي لا ينطق عن الهوى ، وإن هو إلا وحي يوحي ، ولاطلاعه على المصالح الواقعية وكونه معصوما عن ترك الأولى فضلا عن غيره صار أولى من المؤمنين بأنفسهم. فالمتجه حينئذ سقوط هذا البحث ، ضرورة أن له الفعل وإن لم يسم إقطاعا عرفا.

نعم لا يجوز ذلك ونحوه عما هو متوقف على المصالح الواقعية للنائب العام ، لعدم عموم لنيابته على وجه يشمل مثل ذلك مما هو مبني على معرفة المصالح الواقعية ، وليس له ميزان ظاهر أذنوا عليهم‌السلام فيه فهو من خواص الإمامة لا يندرج في إطلاق ما دل (١) على نيابة الغيبة المنصرف إلى ما كان منطبقا على الموازين الشرعية الظاهرة ، كالقضاء والولاية على الأطفال ونحو ذلك لا نحو الفرض.

( وكذا ) التردد ( في ) جواز ( اختصاص ) السلطان ( المقطع بها ) مما سمعت من كونه أولى وغيره ، ومن أن الناس فيها شرع سواء ، ولكن قد عرفت تحقيق الحال.

( و ) كيف كان فكل ( من سبق إليها فله أخذ حاجته ) بلا خلاف ولا إشكال ( بل ولو تسابق اثنان ) مثلا ( فالسابق أولى ) بلا خلاف ولا إشكال ، لعموم (٢) « من سبق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٩ من كتاب القضاء.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

١٠٣

إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به » ولغيره مما تقتضيه من حرمة الظلم ونحوه بعد أن كان الشي‌ء مشتركا بين الجميع وسبق إليه أحدهم ، فيأخذ حينئذ بغيته وإن زاد على ما يعتاد لمثله ، وفاقا للفاضل والشهيدين والكركي ومحكي المبسوط وغيرهم خلافا للمحكي عن بعض ، فلا يجوز له إلا ما يعتاد لمثله ، ولا ريب في ضعفه ، لإطلاق الأحقية.

لكن في المسالك « وعليه فلو أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق ففي إجابته وجهان من تحقق الأولوية بالسبق ، ومن أن عكوف غيره يفيد أولوية في الجملة ، والأصح الأول » وفيه أن ما ذكر من الوجه الأول لا يوافق ما فرضه ، ومنه يعلم ما في قوله : « الأصح ».

والأولى من ذلك ما ذكرناه إلا مع وصول الأمر إلى حد المضارة بالغير ، ولعله إلى ذلك يرجع ما في جامع المقاصد من التقييد بما إذا لم يصر مقيما.

كما أن مرجع قول بعض الأصحاب : أخذ بغيته وحاجته ونحوهما إلى شي‌ء واحد ، وهو جواز الأخذ ولو زائدا على الحاجة ما لم تحصل المضارة ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( لو توافيا ) على وجه لم يسبق أحدهما الآخر ( و ) لكنهما بالنسبة إلى غيرهما سابق فإن ( أمكن أن يأخذ كل منهما بغيته ) دفعة أو تدريجا برضاهما ( فلا بحث ، وإلا أقرع بينهما مع التعاسر ) ولو بالنسبة إلى تقديم أحدهما إذا فرض وفاء المعدن بحاجتهما معا ولكنه ضيق عن اجتماعهما في الأخذ.

كما أومأ إليه في المحكي عن جامع الشرائع بقوله : « فان ضاق أقرع » كقوله في القواعد وغيرها : « فان تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجميع » بل وكذا قوله في الإرشاد : « أقرع مع تعذر الاجتماع ».

١٠٤

وعليه ينزل إطلاق ما عن الخلاف والمبسوط والسرائر : فإن تسابق اثنان أقرع بينهما الامام عليه‌السلام كما ينزل إقراع الامام مع فرض رجوعهما إليه وإلا رجعا بأنفسهما إلى القرعة ، لأن ذلك حكمهما في الواقع.

وعلى كل حال فقد قيل : إن الوجه في ذلك استوائهما في الأولوية وعدم إمكان الاشتراك واستحالة الترجيح ، فأشكل المستحق فيقرع لذلك ، وقد يناقش بمنع عدم إمكان الاشتراك بعد استوائهما في السبب المقتضي له.

ولعله لذا قال في المتن ( وقيل : يقسم ، وهو حسن ) وعن الإيضاح أنه قواه وإن كنا لم نتحقق القائل المزبور منا ممن تقدم عليه ، وإنما هو بعض وجوه الشافعية ، وفي التذكرة عن بعض علمائنا أن الحاكم ينصب من يقسم بينهما ، نعم في الدروس واللمعة إن تعذرت القسمة أقرع ، وإليه يرجع ما في المسالك من أن القول بالقسمة جيد مع قبوله لها ، أما مع عدمه فالقرعة أحسن.

ولعل المراد بما في الأولين من عدم قبول القسمة كونه واسعا ، لا كما في الروضة من حيث القلة ونحوها.

وحينئذ فيرجع إلى ما أطنب فيه في جامع المقاصد ، فإنه بعد أن ذكر وجه القسمة قال : « وهذا إنما يكون في غير المعدن الواسع جدا بحيث يزيد على مطلوب كل واحد منهما ، إذ لا معنى للقسمة حينئذ ، نعم ما قل عن مطلوبهما لا يبعد القول فيه بالقسمة ، لإمكانها واستوائهما في سبب الاستحقاق ، والقرعة إنما هي في الأمور المشكلة التي لا طريق إلى معرفة حكمها ، أما ما ثبت حكمها بدليل شرعي فلا وجه لإجراء القرعة فيها ، فان تشاحا في التقدم في النيل لضيق المكان فليس ببعيد القول بالقرعة حينئذ ، فمن أخرجته أخذ حقه من المقسوم ، فتلخص من هذا أنه مع السعة لمطلوبهما المرجع في القرعة في التقديم ، ومع عدمه فالقسمة‌

١٠٥

فإن تشاحا في التقديم أقرع ، ولو أن أحدهما قهر الآخر وأخذ مطلوبه أثم قطعا ، ثم إن كان المعدن واسعا ملك ما أخذه ، لأنه لم يأخذ ما استحقه الآخر وإلا لم يملك إلا ما تقتضي القسمة استحقاقه إياه ، ومثله ما لو ازدحم اثنان على الفرات مثلا فقهر أحدهما صاحبه وحاز ماء ، فان الظاهر أنه يملكه ، بخلاف ما لو ازدحما على ماء غدير ونحوه مما لا يقطع بكونه وافيا بغرضهما ، فلان الأولوية لهما ، فلا يملك القاهر ما أخذه إلا بعد القسمة ».

وتبعه على ذلك في الروضة بل والمسالك ، ولكن زاد عليه العمل بالقرعة مع عدم إمكان القسمة لقلة المطلوب أو لعدم قبوله لها.

ولكن لا يخفى عليك عدم جريان ذلك على ما قلناه من أن الأحق في هذه المقامات لا يزيد على ما يقتضيه الظلم ، ضرورة عدم حصول الملك إلا بالحيازة التي هي النيل ، وإنما السبق في الفرض قد أفاد عدم جواز مزاحمة الغير لهما من حيث إنه ظلم ، وحيث أشكل الحال في استحقاق كل منهما إيجاد السبب الذي يحصل به الملك فلا طريق لترجيح أحدهما على الآخر إلا القرعة ، لا قسمة الباقي على الإباحة ولم يتعلق لأحدهما في عينه حق ، وكونهما سابقين مشمولين‌ لعموم « من سبق » (١) لا يقتضي إلا ما ذكرناه ، لا أزيد منه من تعلق حق بالعين نفسها فضلا عن الملك.

ولا فرق في ذلك بين الواسع والضيق.

ومن الغريب دعوى القرعة بينهما في التقديم للنيل مع ضيق المكان وعدم الزيادة على الحاجة ، ثم إن من خرجت القرعة له يأخذ حقه من المقسوم.

وأغرب منه دعوى عدم ملك الظالم في غير الواسع ما زاد على القسمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب آداب التجارة ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

١٠٦

أو ما أخرجه إن لم يكن قابلا لها ، بناء على إرادة ذلك من عدم قبولها مع فرض حصول السبب المملك منه الذي ليس في شي‌ء من الأدلة ما يقتضي منع تعلق الحق المزبور عن الملك به ، بخلاف ما لو كان المعدن أو الماء زائدا على الحاجة ، فإنه يملك الظالم وإن أثم مع إمكان أن يقال بسبقهما ملكا أيضا مقدار حاجتهما أو مقدار ما ينالان منه أو غير ذلك.

وبالجملة كل ذلك مجرد تهجس لا تطابق عليه الأدلة التي مقتضاها ما ذكرناه ، مضافا إلى منع عدم قبول القسمة للقلة ونحوها على ما فسره به في الروضة ، للاشتراك وإن قل ، إذ أقصاه البقاء على الإشاعة في مثل الياقوتة ونحوها.

وبذلك كله ظهر أن الأولى القرعة في التقديم مع فرض ضيق المكان سواء كان المعدن واسعا أو ضيقا ، فيملك حينئذ من أخرجته القرعة ولا يشاركه الآخر.

بل المتجه أيضا ترتب الملك على الحيازة المزبورة لو قهر صاحبه فمنعه منها وإن كان ظالما.

نعم لو كان المعدن لا يفي بحاجتهما ومكان النيل غير ضيق فكل من حصل منه النيل ملك به ما ملكه ، ونحو ذلك في ماء الفرات والغدير.

ولعله لذا قال في الكفاية : « المشهور أنه إذا تغلب أحدهما على الآخر أثم » وفيه إشكال ، ولعله لما سمعته من تعلق الحق الذي لم يثبت كونه مانعا عن الملك بالسبب ، بل مقتضي إطلاق الأدلة ترتبه عليه وإن أثم في مقدماته أولا.

هذا وعن بعض الشافعية احتمال أن الامام يجتهد ويقدم من يراه أحوج وأحق. لأن سبب الاستحقاق الحاجة ، ومتى كان سببه أقوى استحق التقديم ، واحتمله بعض أصحابنا أيضا.

١٠٧

لكنه واضح الضعف ، ضرورة عدم أثر في شي‌ء من الأدلة يقتضي ترجيح الأحوج على غيره. نعم قد تقدم في المباحث السابقة وجوب بذل الماء مثلا في إحياء النفس المحترمة ، وهو أمر آخر غير ما نحن فيه كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) كيف كان ف ( من فقهائنا ) وهو المفيد وسلار بل حكي عن الكليني وشيخه علي بن إبراهيم وعن الشيخ أيضا ( من يخص المعادن ) مطلقا ( بالإمام عليه‌السلام فهي عنده ) حينئذ ( من الأنفال ) للخبر المزبور (١) أو لأنها من الأرض التي لا رب لها.

( وعلى هذا لا يملك ما ظهر منها و ) لا ( ما بطن ) إلا بتمليك منه ( ولو صح تملكها بالاحياء ) بفرضه فيما تصور حصوله فيها ( لزم من قوله اشتراط إذن الامام ) عليه‌السلام حال حضوره أو مطلقا على الكلام السابق.

( و ) لكن ( كل ذلك لم يثبت ) لعدم جابر للخبر المزبور (٢) بل الموهن متحقق ، فان المشهور نقلا وتحصيلا على أن الناس فيها شرع سواء. بل قيل : قد يلوح من محكي المبسوط والسرائر نفي الخلاف فيه.

مضافا إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمن تسلطهم وغيره على الأخذ منها بلا إذن ، حتى ما كان في الموات الذي قد عرفت أنه لهم منها ، أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين ، فإنه وإن كان ينبغي أن يتبعهما ، فيكون ملكا للإمام (ع) في الأول وللمسلمين في الثاني ـ لكونه من أجزاء الأرض المفروض كونها ملكا لهما ، بل لو تجدد فيهما فكذلك أيضا ـ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠ من كتاب الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠ من كتاب الخمس.

١٠٨

إلا أن السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة ولقوله تعالى (١) : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) ولشدة حاجة الناس إلى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء والنار والكلأ وفي‌ خبر أبي البختري (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « لا يحل منع الملح والنار » وغير ذلك مما لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن ذلك.

فما عن بعضهم من التفصيل فيها بين ما كان في مواته عليه‌السلام وبين غيره واضح الضعف.

ومن الغريب ما في الدروس من أنه قال : « وبعض علمائنا يخص المعادن بالإمام ، سواء كانت ظاهرة أو باطنة ، فتوقف الإصابة منها على إذن في حضوره لا مع غيبته ، وقيل باختصاصه في الأرض المملوكة له ، والأول يوافق فتواهم بأن موات الأرض للإمام ، فإنه يلزم من ملكها ملك ما فيها ، والمتأخرون على أن المعادن للناس شرع ، إما لأصالة الإباحة ، وإما لطعنهم في أن الموات للإمام ، وإما لاعترافهم به وتخصيص المعادن بالخروج عن ملكه ، والكل ضعيف » إذ هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

ثم إنه قال في المسالك تفريعا على الأول : « ما كان منها ظاهرا لا يتوقف على الاحياء يجوز في حال الغيبة أخذه كالأنفال ، وما يتوقف على الاحياء فان كان الامام (ع) ظاهرا فلا إشكال في عدم تملكه بدون إذنه ومع غيبته يحتمل كونه كذلك عملا بالأصل وإن جاز الأخذ منه كغيره من الأنفال ، لأن تملك مال الغير يتوقف على إذنه ، وهو مفقود وإنما الموجود الاذن في أخذه ».

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

١٠٩

وفيه ( أولا ) مع فرض شمول دليل التملك بالاحياء له لا ينبغي التوقف في ملكه ، ضرورة كونه حينئذ كالموات من الأرض إن لم يكن منها. و ( ثانيا ) أن الاذن منهم في الأنفال لمن هي له ظاهرة أو صريحة في لوازم الملك كالبيع والنكاح ونحوهما ، فلا محيص عن القول بالملك فيما يؤخذ منها لمن أذنوا له فيها ، كما هو واضح ، والله العالم.

( ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق إليها الماء صار ملحا ضح تملكها بالإحياء ) الذي منه حفرها لذلك ( واختص بها المحجر ) الذي شرع في حفرها. ( ولو أقطعها الإمام عليه‌السلام صح ) بلا خلاف أجده في شي‌ء من الثلاثة ، بل ولا إشكال ، ضرورة كون الأرض حينئذ من الموات الذي عرفت صحة الثلاثة فيه وصيرورة الماء فيها ملحا لا يجعلها معدنا ، كما أن كونها بجنب المملحة كذلك أيضا ، فان كلا منهما حينئذ على حكمه ، كما هو واضح والله العالم. هذا كله في المعادن الظاهرة.

( و ) أما ( المعادن الباطنة التي لا تظهر إلا بالعمل ) والمعالجة ( كمعادن الذهب والفضة والنحاس و ) الرصاص ونحوها حيث تكون كذلك ، وإلا فلو فرض احتياج بعضها إلى كشف تراب يسير أو كانت على وجه الأرض لسيل ونحوه فلها حكم المعادن الظاهرة ، وهو الملك بالحيازة لا غيره على حسب ما عرفت ، كما أن ما كان من الظاهرة لو فرض كونه في طبقات الأرض على وجه يحتاج إلى حفر وعمل كان له حكم ما تسمعه من حكم الباطنة.

وعلى كل حال ( فهي ) أي الباطنة ( تملك بالإحياء ) الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ وابني البراج وإدريس والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي‌

١١٠

عن بعضهم ، بل عن ظاهر المبسوط والمهذب والسرائر الإجماع على ذلك.

بل الظاهر أن الحكم كذلك سواء قلنا إنها للإمام أو للناس ، ولعله لصدق الاحياء الذي هو سبب الملك ، ولو بملاحظة ما سمعته من فتوى الأصحاب ، فإن إحياء كل شي‌ء بحسبه ، ومن هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي فيها ، إذ هو كالجوهر الكائن فيها ويبلغه بحفرها. وحينئذ فلو قهره ظالم وأخرج منه شيئا كان ملكا للمحيي ، بل ولا اجرة للظالم.

( و ) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أنه ( يجوز للإمام إقطاعها قبل أن تملك ) بل ربما ظهر من التذكرة الإجماع عليه ، لأنه إن لم يكن مواتا داخلا في ملكه فهو بحكم الموات المندرج في عموم ولايته وللخبر (١) السابق الدال على جواز إقطاع المعدن الباطن.

نعم عن الشافعي أنه لا يقطع إلا بقدر ما يتمكن المقطع من العمل عليه والأخذ منه حذرا من التعطيل والتضييق على الناس.

مع أنه في التذكرة مقابلا لذلك « وقال علماؤنا : للإمام أن يقطعه الزائد » بل قيل : إنه ظاهر إطلاق المبسوط أو صريحه وظاهر إطلاق الباقين ، وإن كان قد يقال بأن ما ذكره الشافعي مناسب لما تسمعه من المصنف والشيخ وابن البراج والفاضل والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم من أنه إذا أهمل المحجر له بعض العمل أجبره الامام على إتمامه أو الترك ، فان اعتذر بعذر ينتظر أنظره ، ثم يلزمه أحد الأمرين نحو ما سمعته سابقا ، إذ ليس ذلك إلا لما سمعته من الشافعي من التعطيل والضيق. ولعله لذا اختار في التحرير مذهب الشافعي.

بل لو اعتذر بالإعسار أمكن عدم إجابته كما في جامع المقاصد ، لعدم الأمد الذي يخشى منه التطويل المفضي إلى التعطيل ، هذا.

__________________

(١) راجع التعليقة (٢) من ص ١٠٢.

١١١

( و ) قد عرفت أن ( حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها ) بلا خلاف أجده ، نعم زاد بعضهم مع ذلك قصد التملك ، وهو جيد مع فرض اشتراطه في مطلق الاحياء وإن كان قد عرفت البحث فيه ، ضرورة أن المقام كغيره ، وإلا فلا وجه له قطعا ، لعدم احتمال ما يخصه من بين أفراد الاحياء.

( و ) على كل حال ف ( لو حجرها وهو أن يعمل فيها عملا لا يبلغ به نيلها كان أحق بها ولم يملكها ) على حسب ما سمعته في التحجير الذي ما نحن فيه فرد منه ، إذ هو شروع في إحيائها.

( و ) من هنا قد عرفت عدم الخلاف في أنه يجرى فيه ما تقدم في التحجير من أنه ( لو أهمل أجبر على إتمام العمل أو رفع يده عنها ، ولو ذكر عذرا أنظره السلطان بقدر زواله ثم ألزمه أحد الأمرين ) كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.

ثم قد عرفت سابقا أيضا أن من ملك مواتا بإحيائه ملك حريمه معه ، وهو مرافق ذلك العامر التي يرجع فيها إلى العرف المختلف باختلاف الأحوال والأمكنة ، وهو معنى ما عن المبسوط والمهذب من أنه إذا أحيا المعدن فهو أحق به وبمرافقه التي لا بد منها على حسب الحاجة إليه إن كان يخرج منه ما يخرج بالأيدي ، وإن كان يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات ، وقد ذكرا هناك أن المدار على الحاجة مما يتوقف عليه الدواب والدولاب والمستقي ونحو ذلك.

لكن في القواعد « لا يقتصر ملك المحيي على محل النيل ، بل الحفر التي حواليه وتليق بحريمه يملكها أيضا » وقيل : إن مراده بها ما يريد أن يحفرها ، فهي الحفر بالقوة لا بالفعل ، ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك.

١١٢

ونحوه ما في المسالك « وإذا اتسع الحفر ولم يوجد المطلوب إلا في بعض جهاته لم يقتصر الملك على محله ، بل كما يملكه يملك ما حواليه مما يليق بحريمه ، وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب ، ومن جاوز ذلك وحفر ( بئرا خ ) لم يمنع وإن وصل إلى العرق » ولا يخفى عليك ما فيه من الإجمال أيضا.

وكذا ما في الدروس وغيرها « من ملك معدنا ملك حريمه ، وهو منتهى عروقه ومطرح ترابه وطريقه وما يتوقف عليه عمله إن عمله عنده » فإنه إن لم يحمل على إرادة ما لا يزيد على حريمه من منتهى عروقه أشكل بما هو المعلوم المصرح به في كلام غير واحد من أنه لو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر في ناحية أخرى ، فإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه ، لأنه يملك المكان الذي حفره وحريمه.

وما في التحرير من أنه « إن وصل الأول إلى العرق فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع ، فإن الأول يملك حريم المعدن » محمول بقرينة التعليل وغير ذلك من كلامه على ما إذا كان موضع الآخر حريما للأول ، والله العالم.

( فرع ) بل

فروع :

الأول :

( لو أحيا أرضا وظهر فيها معدن ) باطن ( ملكه تبعا لها ) بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط والسرائر الاعتراف به ، بل قيل‌

١١٣

إن ظاهر الأول بل الثاني نفيه بين المسلمين ( لأنه ) جزء ( من أجزائها ) وإن استحال إلى حقيقة أخرى غيرها ، إلا أن ذلك لا يخرجه عن ملكه فيها ، سواء كان عالما به حين أحياها أو لا ، خلافا للشافعي فملك الثاني دون الأول.

وفيه ما لا يخفى من أنه على الحالين من أجزاء الأرض التي ملكها بالاحياء. ومن هنا افترق عن الكنز المدفون فيها الذي هو إن كان ركازا لا أثر للإسلام عليه جاز تملكه كالمعادن الظاهرة بعد إخراج خمسه ، وإلا كان لقطة. وكذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن.

وكيف كان فلا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من عدم ملك الامام (ع) المعدن في مواته المملوك له ، بل وكذا المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين وإن كان مقتضى ذلك كونه تابعا للملك.

لكن قد عرفت سابقا ما يقتضي خلافه ، ولعله للفرق بين ملك الامام عليه‌السلام والمسلمين وبين ملك المحيي المخصوص ، بل لا يتم ذلك إلا بذلك ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

الثاني :

لو حفر أرضا فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون فعن المبسوط والمهذب والتذكرة والتحرير أنه غنيمة للغانمين لا أنه للمسلمين كالأرض ، وعن الفخر أنه قواه ، والكركي استظهره.

لكن في القواعد الإشكال في ذلك ، ولعله من كونه بحكم المنقول وغير مندرج في الأرض التي دلت الأدلة أنها للمسلمين ، ولعدم علم قصد التملك للحافر له ، فيكون حينئذ على أصل الإباحة ، نحو من حفر بئرا‌

١١٤

في البادية ثم ارتحل عنها ، ومن أنه جزء من الأرض التي لا تنقل أو مشابه لها في ذلك.

ولكن لا يخفى عليك ضعف الأخير ، بل ولا بعض ما ذكر للأول الذي لا يقدح في قوته ذلك ، والله العالم.

الثالث :

لو قال رب المعدن لآخر : « اعمل فيه ولك نصف الخارج » ففي القواعد وجامع المقاصد ومحكي المبسوط والتذكرة بطل ، لجهالة العوض إجارة كان أو جعالة ، وهو كذلك في الأول ، أما الثاني فقد تقدم في كتاب الجعالة ما يعلم منه صحة ذلك وعدمه بعد فرض كون المعدن مملوكا للجاعل بالإحياء أو بغيره.

ولو قال له : « اعمل فما أخرجته فهو لك » ففي محكي المبسوط « لا يصح ، لأنه هبة مجهول ، فكل ما يخرجه حينئذ فهو لصاحب المعدن إلا أن يستأنف له هبة ، ولا اجرة للعامل ، لأنه عمل لنفسه » إلى آخره ونحوه عن المهذب ، بل عن التذكرة اختياره.

لكن قد يشكل ذلك ـ بعد توجيهه بإرادة المعدوم حال الهبة من الجهل ، فان ما يخرجه لم يكن حاصلا قبله ـ بأنه إباحة تملك ، كما أومأ إليه في محكي التحرير قال : « يكون ذلك إباحة للإخراج والتملك ، وإن كان للمالك الرجوع في العين مع بقائها ولا اجرة له » إلى آخره.

وبعد التسليم قد يمنع عدم استحقاق الأجرة مع جهالته بالحكم ، لأصالة احترام عمل المسلم الذي صار في الواقع لصاحب المعدن وإن زعم أنه له ، كما أومأ إليه في الدروس ، اللهم إلا أن يمنع جعل الجهل بالحكم‌

١١٥

عذرا لعدم تحقق الإغراء.

( وأما الماء ) الذي هو أحد المشتركات للأصل والإجماع بقسميه والنبوي (١) « الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلأ » والكاظمي (٢) « إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلأ » ( ف ) قد يعرض له الملك بالاحراز في آنية أو مصنع أو حوض أو نحوها بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعله ضروري ، وإن حكي عن بعض العامة عدم الملك بذلك ، وإنما يفيد الأولوية ، لإطلاق النص المزبور إلا أن مثل ذلك لا ينافي الضرورة المزبورة ، كما أن الخبر المزبور لا ينافي عروض الملك بالحيازة التي هي أحد أسبابه.

مضافا إلى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : « من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له » وغير ذلك من السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على تملك ذلك وبيعه وجريان جميع أحكام الملك ، من غير فرق بين المسلمين وغيرهم.

ولا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته من هذا الماء المحوز بلا خلاف ، كما عن الشيخ وغيره الاعتراف به ، إذ ليس هو كالبئر التي ستسمع الكلام فيها مع أن المشهور أن ( من حفر بئرا في ملكه أو ( في خ ) مباح ليملكها فقد اختص بها كالمحجر ، فإذا بلغ الماء فقد ملك الماء والبئر ) بل لا أجد خلافا في التحجير المزبور وإن كان هو غير واضح.

الوجه في الملك ، وإن قيل : المراد به أنه يختص بمائها فلو أن أحدا‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٤٢.

١١٦

غلبه عليها وتمم حفرها لم يملك ماءها.

ولا كذلك لو حفرها غاصب في ملكه ابتداء ، فإنه يملكه أو يكون أولى ، إلا أنه كما ترى ، ضرورة كونه كذلك قبل الحفر ، ودعوى ملك الغاصب الماء أو كونه أحق لو حفر ابتداء في غاية الفساد ، كما تقدم في كتاب الغصب (١) وعلى كل حال فالأمر سهل بعد وضوح الأمر.

نعم قد يقال بظهور الفائدة في ذلك بالنسبة للحريم لمن أراد حفر بئر أخرى في المباح المجاور لملكه ، فإنه إذا كان حافرا فيها له منعه مع فرض تضرره ، بخلاف ما إذا لم يكن حافرا.

وأما ملك الماء ببلوغه الذي نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، بل لعله كذلك نظرا إلى السيرة المستمرة فقد يقال إن الوجه فيه إمكان دعوى أنه نماء ملكه ، كثمرة الشجرة ولبن الدابة مثلا ، أو دعوى أن ذلك حيازة له أو سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون له ، وفحوى ما تسمعه من نصوص (٢) بيع الشرب ، أو أنه إحياء للأرض بالسراية على نحو ما سمعته في المعدن ، أو أن ملك الأرض يقتضي ملك الماء الكامن فيها وإن لم يكن من أجزائها ، أو غير ذلك.

لكن عن الشيخ في المبسوط بعد أن ذكر الملكية على نحو ما ذكرها الأصحاب أنه قال : « كل موضع قلنا فيه بملك البئر فإنه أحق بمائها بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقى زرعه ، فإذا فضل بعد ذلك شي‌ء وجب بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته ـ إلى أن قال ـ : أما لسقي زرعه فلا يجب عليه لكنه يستحب » واستدل على‌

__________________

(١) راجع ج ٣٧ ص ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ من كتاب التجارة.

١١٧

ذلك بخبر ابن عباس (١) « الناس شركاء » إلى آخره ، وب‌ خبر جابر (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنه نهى عن بيع فضل الماء ».

ونحوه عن الخلاف مع زيادة الاستدلال بخبر أبي هريرة (٣) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله « من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته ».

وفي المختلف حكايته أيضا عن أبي علي ، بل وعن الغنية ، لقوله : « إذا كانت البئر في البادية فعليه بذل الفاضل لغيره لنفسه وماشيته » لكن يمكن أن يريد السابق لها لا حافرها ، فلا يكون مخالفا.

هذا وفي المسالك « أن الفرق بين سقي الحيوان والزرع حيث منع من منعه للأول دون الثاني أن الحيوان محترم لروحه بخلاف الزرع ».

وفيه أن ذلك غير مجد بعد فرض كون أحقيته بقدر حاجته ، كما هو ظاهر ما سمعته منه.

ثم قال في جوابه فيها أيضا : « إن هذه الأخبار كلها عامية ، وهي مع ذلك أعم من المدعى ، ومدلولها من النهي عن منع فضله مطلقا لا يقول به ولا غيره ممن يعتمد هذه الأحاديث ، وهي ظاهرة في إرادة الماء المباح الذي لم يعرض له وجه تملك ، كمياه الأنهار العامة والعيون الخارجة في المباح والسابقة على إحياء الأرض الموات ومياه العيون والآبار المباحة ، فإن الناس في هذا شرع حتى لو دخل شي‌ء منه في أملاك الناس لم يملكوه إلا بنية الحيازة ، كما لو نزل مطر واجتمع في ملكهم ، لكن ليس لأحد أن يدخل الملك لأخذه من حيث التصرف في الملك لا من‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٥.

(٣) كنز العمال ـ ج ٣ ص ٥١٨ ـ الرقم ٣٩٧٥ ط عام ١٣٧٠ عن أبي قلابة.

١١٨

حيث الماء ، ولو فرض دخوله أساء وملك ما أخذه من الماء ».

وفيه أن الأخبار المزبورة كما هي موجودة في طرق العامة موجودة في طرق الخاصة (١) بسند معتبر كما ستعرف ، وما دل (٢) على الاشتراك منها غير مانع من الملك بسببه كحيازة أو أحياء أو نحو ذلك ، كما أن ما دل منها على منع الفضل منزل على منع مباح الماء وبيعه بالتغلب ونحوه أو على الكراهة.

ك‌ موثق أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع النطاف والأربعاء ، قال : والأربعاء أن تسنى مسناة لتحمل الماء وتسقي به الأرض ثم يستغنى عنه ، قال : فلا تبعه ، ولكن أعره جارك ، والنطاف أن يكون له الشرب فيستغني عنه ، فقال : لا تبعه أعره أخاك وجارك ».

وموثق عبد الرحمن (٤) عنه عليه‌السلام « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المحاقلة ـ إلى أن قال ـ : والنطاف شرب الماء ليس لك إذا استغنيت عنه أن تبيعه جارك تدعه له ، والأربعاء المسناة تكون بين القوم فيستغني عنها صاحبها ، قال : يدعها لجاره ولا يبيعها إياه » لقصورهما عن معارضة ما يقتضي صحة البيع من إطلاق الأدلة والإجماع وخصوص‌ صحيح سعيد الأعرج (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة له فيها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ١.

(٤) ذكر صدره في الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

١١٩

شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع شربه؟ قال : نعم إن شاء باعه بورق ، وإن شاء بكيل حنطة » ونحوه رواية سعيد بن يسار (١) وفي‌ حسن الكاهلي أو صحيحه (٢) « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قناة بين قوم لكل منهم شرب معلوم فاستغنى رجل منهم عن شربه أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال يبيعه بما شاء ، هذا مما ليس فيه شي‌ء » وفي المروي عن قرب الاسناد (٣) « عن قوم كانت بينهم قناة لكل إنسان منهم شرب معلوم ، فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام هل يصلح؟ قال : نعم » وغير ذلك مما دل على بيع الشرب.

فظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في ملك الماء المستبطن (٤) ( و ) حينئذ ( لم يجز لغيره التخطي إليه ) إلا بإذنه كغيره من الأموال المحترمة ( ولو أخذ منه ) شيئا من دون إذنه ( أعاده ).

( ويجوز بيعه كيلا ووزنا ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل ومشاهدة إذا كان محصورا على وجه لا يتعذر تسليمه باختلاطه بما يتجدد من غيره ( و ) إلا ف ( لا يجوز بيعه أجمع ، لتعذر تسليمه ، لاختلاطه بما يستخلف ) فيتعذر تسليمه ، نعم قد يقوى جواز بيعه على الدوام ، لما سمعته من النصوص المزبورة.

ولعله لذا قال في الدروس : « يباع كيلا ووزنا ومشاهدة إذا كان محصورا ، أما ماء البئر والعين فلا إلا أن يريد على الدوام ، فالأقرب الصحة ، سواء كان منفردا أو تابعا للأرض ».

ولا يقدح عدم معلومية المتجدد التي يكفي فيها معرفة حالها في الزمان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ٣ من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب عقد البيع ـ الحديث ٥ من كتاب التجارة.

(٤) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، وفي المسودة بقلمه الشريف « المياه المستبطنة ».

١٢٠