ترجمة الإمام الحسين عليه السلام

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]

ترجمة الإمام الحسين عليه السلام

المؤلف:

كمال الدّين عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي [ ابن العديم ]


المحقق: محمّد الطباطبائي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-7528-91-4
الصفحات: ٢٥٤

[ مقتل الحسين عليه‌السلام ]

قرأت في « الأخبار الطوال » (١) تأليف أبي حنيفة أحمد بن داوود الدينوري ايراد ذكر قتله ومن قتل معه من أهله ، لأنّه استوعب ذكره مع الاختصار ونقله عن رواة السير.

قال بعد ما أورده من تسيير مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة وأخذه البيعة على ثمانية عشر ألف من أهل الكوفة ونكثهم والظفر به وقتله ، قال (٢) :

قالوا : ولمّا رجع رجل الحسين من « ذرود » (٣) تلقّاه رجل من بني أسد ، فسأله عن الخبر ، فقال : لم أخرج من [ ٧٠ ـ ب ] الكوفة حتّى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ورأيت الصبيان يجرّون أرجلهما.

فقال : إنّا لله وإنا إليه راجعون ، عند الله نحتسب أنفسنا.

فقيل له : ننشدك الله يا ابن رسول الله في نفسك ، وأنفس أهل بيتك هؤلاء الذين نراهم معك ، انصرف إلى موطنك ، ودع المسير إلى الكوفة ، فو الله مالك بها ناصر.

__________________

(١) كتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري ( م ٢٨٢ ه‍ ) من أهمّ المصادر التاريخيّة الاولى طبع باهتمام عبد المنعم عامر في القاهرة ، سنة ١٩٦٠ في دار احياء التراث العربي ، وطبعته بالاوفست منشورات الشريف الرضي في قم المقدسة ثانيا سنة ١٤٠٩ ه‍ ، وقد ترجمه إلى الفارسية الدكتور محمود المهدوي الدامغاني وطبع في طهران سنة ١٤٠٤ ه‍.

(٢) الأخبار الطوال : ص ٢٤٧.

(٣) ذرود : رمال بين الثعلبية والخزيميّة بطريق الحاجّ من الكوفة. معجم البلدان.

ذكره الخطيب الخوارزمي في مقتل الحسين عليه‌السلام : ١ / ٣٠٩.

١٤١

فقال بنو عقيل ـ وكانوا معه ـ : ما لنا في العيش بعد أخينا مسلم حاجة ، ولسنا براجعين حتّى نموت.

فقال الحسين : « فما خير في العيش بعد هؤلاء » ، وسار.

فلمّا وافى « زبالة » (١) وافاه بها رسول محمّد بن الأشعث وعمر بن سعد بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره ، وخذلان أهل الكوفة إيّاه بعد أن بايعوه ، وقد كان مسلم سأل محمّد بن الأشعث ذلك ، يعني حين ظفر به ابن زياد سأل ابن الأشعث وعمر بن سعد أن يكتبا إلى الحسين بذلك (٢).

فلمّا قرأ الكتاب استيقن بصحّة الخبر ، وأفظعه قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ثمّ أخبره الرسول بقتل قيس بن مسهر رسوله الذي وجّهه من بطن الرمّة (٣) ، وقد كان صحبه قوم من منازل الطريق ، فلمّا سمعوا خبر مسلم وقد كانوا ظنّوا أنّه يقدم على أنصار وعضد تفرّقوا عنه ، ولم يبق معه إلاّ خاصّته!

فسار حتى انتهى إلى بطن العقيق (٤) ، فلقيه رجل من بني عكرمة ، فسلّم عليه وأخبره بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسيّة إلى العذيب (٥) رصدا له.

ثمّ قال له : انصرف ـ بنفسي أنت ـ فو الله ما تسير إلاّ إلى الأسنّة والسيوف! ولا تتكلنّ على الذين كتبوا إليك ، فإنّ اولئك أوّل الناس مبادرة إلى حربك [ ٧١ ـ ألف ].

فقال له الحسين : « قد ناصحت وبالغت فجزيت خيرا » ، ثمّ سلّم عليه ومضى. حتّى نزل

__________________

(١) زبالة بضمّ أوّله : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبيّة. ( معجم البلدان : ١ / ١٢٩ ).

(٢) لم توجد هذه العبارة ـ يعني حين ظفر به ... بذلك ـ في النسخة المطبوعة من الأخبار الطوال.

(٣) بطن الرمّة : بضم الراء وتشديد الميم ، وقد يقال بالتخفيف ، وقد ذكر في الرمة : وهو واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمة قاع عظيم بنجد ، تنصبّ إليه أودية. معجم البلدان : ١ / ٤٤٩.

(٤) موضع بالقرب من ذات عرق قبلها بمرحلة ، وذات عرق منزل معروف من منازل الحاج ، ويحرم أهل العراق بالحجّ منه.

(٥) ماء لبني تميم على مرحلة من الكوفة ، سمّي بذلك لأنّه طرف أرض العرب.

١٤٢

بسراة فبات بها ، ثمّ ارتحل وسار ، فلمّا انتصف النهار واشتدّ الحرّ ، وكان ذلك في القيض ، تراءت لهم الخيل.

فقال الحسين لزهير بن القين : أما هاهنا مكان نلجأ إليه أو شرف نجعله خلف ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟

قال له زهير : بلي ، هذا جبل ذي جشم (١) يسرة عنك ، فمل بنا إليه ، فإن سبقت إليه فهو كما تحبّ.

فسار حتّى سبق إليه وجعل ذلك الجبل وراء ظهره ، وأقبلت الخيل وكانوا ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي ثمّ اليربوعي ، حتّى إذا دنوا أمر الحسين ـ عليه‌السلام ـ فتيانه أن يستقبلوهم بالماء ، فشربوا وتغمّرت خيلهم ، ثمّ جلسوا جميعا في ظلّ خيولهم واغتّها في أيديهم حتّى إذا حضر الظهر قال الحسين ـ عليه‌السلام ـ للحرّ : أتصلّي معنا ، أو تصلّي بأصحابك وأصلّي بأصحابي؟

قال الحرّ : بل نصلّي جميعا بصلاتك ، فتقدّم الحسين ـ عليه‌السلام ـ فصلّى بهم جميعا.

فلمّا انفتل من صلاته حوّل وجهه إلى القوم ، ثمّ قال :

أيّها الناس! معذرة إلى الله ثمّ إليكم ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ، فإن أعطيتموني ما أطمئنّ به من عهودكم ومواثيقكم دخلنا معكم مصركم ، وإن تكن الأخرى انصرفت من حيث جئت.

فاسكت القوم ، فلم يردّوا عليه شيئا! حتّى إذا جاء وقت العصر نادى مؤذّن الحسين ، ثمّ أقام وتقدّم الحسين فصلّى بالفريقين ، ثمّ انفتل إليهم ، فأعاد مثل القول الأوّل.

فقال الحرّ بن يزيد : والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر (٢)!

فقال الحسين ـ عليه‌السلام ـ : ايتني بالخرجين اللذين فيها كتبهم [ ٧١ ـ ب ] فاتي بخرجين مملوءين كتبا ، فنشرت بين يدي الحرّ وأصحابه.

__________________

(١) مرتفع بالقرب من عسفان. معجم البلدان.

(٢) أنساب الاشراف : ٣ / ١٧٠ ، تاريخ الطبري : ٥ / ٤٠٢.

١٤٣

فقال الحرّ : يا هذا! لسنا ممّن كتب إليك شيئا من هذه الكتب ، وقد أمرنا أن لا نفارقك إذا لقيناك أو نقدم بك الكوفة على الأمير عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين ـ عليه‌السلام ـ : « الموت دون ذلك ».

ثمّ أمر بأثقاله فحملت ، وأمر أصحابه فركبوا ، ثمّ ولّى وجهه منصرفا نحو الحجاز ، فحال القوم بينه وبين ذلك.

فقال الحسين للحرّ (١) : ما الذي تريد؟! قال : أريد والله أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله ابن زياد.

قال الحسين : اذا والله أنابذك الحرب.

فلمّا كثر الجدال بينهما قال الحرّ : إنّي لم اومر بقتالك وإنّما امرت أن لا افارقك ، وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك ، وهو أن تجعل بيني وبينك طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى الحجاز ، تكون نصفا بيني وبينك حتّى يأتينا رأي الأمير.

قال الحسين : فخذ هاهنا وأخذ متياسرا من طريق العذيب (٢) ومن ذلك المكان إلى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، فساروا جميعا حتّى انتهوا إلى عذيب الحمامات (٣) ، فنزلوا جميعا وكلّ فريق منهما على غلوة (٤) من الآخر.

ثمّ ارتحل الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفة حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل ، فنزلوا جميعا هناك.

* * *

__________________

(١) في أنساب الأشراف : فقال الحسين للحرّ : ثكلتك امّك ، ما تريه؟ فقال الحرّ : والله لو غيرك يقولها ما تركت ذكر امّه! ولكنه والله ما ذكر امكّ من سبيل إلاّ بأحسن ما أقدر عليه ..

(٢) العذيب : تصغير العذب ، وهو الماء الطيب : وهو ماء بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلا ، وقيل : هو واد لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة. معجم البلدان : ٤ / ٩٢.

(٣) في أنساب الأشراف : عذيب الهجانات ، وهي التي كانت هجائن النعمان بن المنذر ترعى بها.

(٤) الغلوة : قدر رمية بسهم.

١٤٤

فنظر الحسين إلى فسطاط مضروب ، فسأل عنه ، فاخبر أنّه لعبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وكان من أشراف أهل الكوفة وفرسانهم ، فأرسل الحسين إليه بعض مواليه يأمره بالمصير إليه.

فأتاه الرسول فقال : هذا الحسين بن علي يسألك أن تصير إليه.

فقال عبيد الله : والله ما خرجت من الكوفة إلاّ لكثرة [ ٧٢ ـ ألف ] من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته ، فعلمت أنّه مقتول ولا أقدر على نصره ، فلست أحبّ أن يراني ولا أراه.

فانتعل الحسين حتّى مشى ، ودخل عليه قبّته ودعاه إلى نصرته.

فقال عبيد الله : والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة ، ولكن ما عسى أن أغني عنك ، ولم اخلّف لك بالكوفة ناصرا ، فأنشدك الله أن تحملني على هذه الخطّة ، فإنّ نفسي لم تسمح بعد بالموت! ولكن فرسي هذه الملحقة ، والله ما طلبت عليها شيئا قطّ إلاّ لحقته ، ولا طلبني وأنا عليها أحد قطّ إلاّ سبقته ، فخذها فهي لك (١)!

قال الحسين : أما إذ رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة بنا إلى فرسك (٢)!

* * *

وسار الحسين ـ عليه‌السلام ـ من قصر بني مقاتل ، ومعه الحرّ بن يزيد ، كلّما أراد أن يميل نحو البادية منعه ، حتّى انتهى إلى المكان الذي يسمّى « كربلاء » ، فمال قليلا متيامنا حتى انتهى إلى « نينوى » (٣) ، فإذا هو براكب على نجيب مقبل من القوم ، فوقفوا جميعا ينظرونه ،

__________________

(١) جاء لقاء عبيد الله بن الحر الجعفي مع الحسين عليه‌السلام في مصادر كثيرة منها : ترجمة الحسين عليه‌السلام لابن سعد : ص ٩٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٧٤ رقم ٣٥ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ١٣٠ ، والكامل في التاريخ : ٣ / ٢٨٢ ومقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ولأبي مخنف.

وقال البلاذري بعد ذكره هذا الكلام : ثمّ انه أظهر الندم على تركه نصرة الحسين ، وقال في ذلك شعرا سنكتبه في موضعه ان شاء الله تعالى.

(٢) وفي بعض المصادر : ثمّ تلا عليه‌السلام : ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ).

(٣) قال الياقوت الحموي : وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى منها كربلاء التي قتل بها الحسين رضي‌الله‌عنه ،

١٤٥

فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين!

ثمّ ناول الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد فقرأه ، فإذا فيه :

« أمّا بعد ، فجعجع (١) بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافيك كتابي ، ولا تحلّه إلاّ بالعراء على غير خمر (٢) ولا ماء ، وقد أمرت حامل كتابي هذا أن يخبرني بما يكون منك في ذلك ، والسلام ».

فقرأ الحرّ الكتاب ثمّ ناوله الحسين وقال : لا بدّ من انفاذ أمر الأمير عبيد الله بن زياد ، فانزل بهذا المكان ، ولا تجعل للأمير عليّ علة.

فقال الحسين ـ عليه‌السلام ـ : تقدّم بنا قليلا إلى هذه القرية التي هي منّا [ ٧٢ ـ ب ] على غلوة وهي « الغاضريّة » (٣) أو هذه الأخرى التي تسمى « السبقة » فننزل في إحداهما؟

قال الحرّ : إنّ الأمير كتب إليّ أن احلّك على غير ماء! ولا بدّ من الانتهاء إلى أمره.

فقال زهير بن القين للحسين : بأبي وأمي يا ابن رسول الله! والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية ، فكيف بمن سيأتينا [ من غيرهم ] ، فهلمّ بنا نناجز هؤلاء ، فإنّ [ قتل ] هؤلاء أيسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم.

قال الحسين ـ عليه‌السلام ـ فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال حتّى يبدءونا (٤).

__________________

معجم البلدان : ٥ / ٣٣٩.

(١) قال ابن الأثير في النهاية : ١ / ٢٧٥.

ومنه كتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد « أن جعجع بحسين وأصحابه » أي : ضيّق عليهم المكان.

وقال جار الله الزمخشري :

جعجع بالحسين : أي أنزله بجعجاع ، وهو المكان الخشن الغليظ ، وهذا تمثيل لإلجائه إلى خطب شاقّ وإرهاقه. الفائق في غريب الحديث : ١ / ٢١٨.

(٢) أي : شجر وظلّ.

(٣) الغاضرية : منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي قرية من نواحي الكوفة قريب من كربلاء. معجم البلدان : ٤ / ١٨٣.

(٤) في « س » : يبدءوا.

١٤٦

فقال له زهير : فها هنا قرية بالقرب منّا على شطّ الفرات ، وهي في عاقول (١) حصينة ، الفرات تخذف (٢) بها إلاّ من وجه واحد.

قال الحسين : وما اسم تلك القرية؟ قال : العقر ، قال الحسين : نعوذ بالله من العقر (٣)!

فقال الحسين للحرّ : سر بنا قليلا ثمّ ننزل ، فسار معه حتّى أتوا كربلاء ، فوقف الحرّ وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير ، وقال : انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب.

قال الحسين : وما اسم هذا المكان؟ قيل له : كربلاء.

قال : ذات كرب وبلاء! وقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين وأنا معه ، فوقف فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : « هاهنا محطّ ركابهم وهاهنا مهراق دمائهم ».

فسئل عن ذلك ، فقال : « ثقل لآل محمّد ينزلون هاهنا ».

ثمّ أمر الحسين بأثقاله ، فحطّت بذلك المكان يوم الأربعاء غرّة المحرّم من سنة إحدى وستّين ، وقيل : بعد ذلك بعشرة أيام ، وكان قتله يوم عاشوراء.

* * *

فلمّا كان يوم الثاني من نزوله كربلاء وافاه عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس.

وكانت قصّة خروج عمر بن سعد أنّ [ ٧٣ ـ ألف ] عبيد الله بن زياد ولاّه الري وثغر دستبي (٤) والديلم ، وكتب له عهده عليها ، فعسكر للمسير إليها ، فحدث أمر الحسين ، فأمر ابن زياد أن يسير إلى محاربة الحسين ، فإذا فرغ منه سار إلى ولايته.

__________________

(١) عاقول الوادي ما اعوج منه ، والأرض العاقول التي لا يهتدى إليها.

(٢) في المطبوعة : يحدق بها ، وكذا في « س ».

(٣) أورده الياقوت الحموي في معجم البلدان : ٤ / ١٣٦ بعد كلام له حول مادة « عقر » ، قال : والعقر عدّة مواضع ، منها : عقر بابل قرب كربلاء من الكوفة ، وقد روي أن الحسين رضي‌الله‌عنه لمّا انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد قال : ما اسم تلك القرية؟ .. الحديث.

(٤) دستبى : كورة كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان ، قسم منها يسمى دستبي الرازي وهو يقارب التسعين قرية ، وقسم منها يسمى دسبتي همذان وهو عدّة قرى.

معجم البلدان : ٢ / ٤٥٤.

١٤٧

فتلكأ عمر بن سعد على ابن زياد وكره محاربة الحسين.

فقال له ابن زياد : فاردد علينا عهدنا ، قال : فأسير إذا! فسار في أصحابه اولئك الذين ندبوا معه إلى الري ودستبي حتّى وافى الحسين ، وانضمّ إليه الحرّ بن يزيد في من معه.

ثمّ قال عمر بن سعد لقرّة بن سفيان الحنظلي : انطلق إلى الحسين فسله ما أقدمك؟ فأتاه ، فأبلغه.

فقال الحسين : أبلغه عنّي أنّ أهل المصر كتبوا إليّ يذكرون ألاّ إمام لهم ، ويسألوني القدوم عليهم ، فوثقت بهم ، فغدروا بي بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل ، فلمّا دنوت فعلمت غرور ما كتبوا به إليّ أردت الانصراف إلى حيث منه أقبلت ، فمنعني الحرّ بن يزيد ، وسار حتّى جعجع بي في هذا المكان ، ولي بك قرابة قريبة ورحم ماسّة فأطلقني حتّى انصرف!

فرجع قرّة إلى عمر بن سعد بجواب حسين بن علي ، فقال عمر : الحمد لله ، والله إنّي لأرجو أن أعفى عن محاربة الحسين.

ثمّ كتب إلى ابن زياد بخبره ذلك ، فلمّا وصل كتابه إلى ابن زياد كتب إليه في جوابه :

قد فهمت كتابك ، فأعرض على الحسين البيعة ليزيد ، فإذا بايع في جميع من معه ، فأعلمني ذلك ليأتيك رأيي.

فلمّا انتهى كتابه إلى عمر بن سعد قال : ما أحسب ابن زياد يريد العافية.

فأرسل عمر بن سعد كتاب ابن زياد إلى الحسين ، فقال الحسين للرسول : لا أجيب ابن زياد إلى ذلك أبدا! فهل [ ٧٣ ـ ب ] هو إلاّ بالموت فمرحبا به!

فكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بذلك ، فغضب ، فخرج بجميع أصحابه إلى النخيلة ، ثمّ وجّه الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ؛ وشبث بن ربعي ، وشمر بن ذي الجوشن ليعاونوا عمر بن سعد على أمره.

فأمّا شمر فنفذ لمّا وجّهه له ، وأمّا شبث فاعتلّ بمرض ، فقال له ابن زياد : أتتمارض؟ وإن كنت في طاعتنا فاخرج إلى قتال عدوّنا ، فلما سمع شبث ذلك خرج ؛ ومعه أيضا الحرث بن

١٤٨

يزيد بن رويم.

قالوا : وكان ابن زياد إذا وجّه الرجل إلى قتال الحسين في الجمع الكثير يصلون إلى كربلا ، ولم يبق منهم إلاّ القليل ، كانوا يكرهون قتال الحسين ، فيروغون (١) ويتخلّفون.

فبعث ابن زياد سويد بن عبد الرحمن المنقري في خيل إلى الكوفة ، وأمره أن يطوف بها ، فمن وجده قد تخلّف أتاه به.

فبينا هو يطوف في أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له ، فأرسل به إلى ابن زياد ، فأمر به ، فضربت عنقه! فلمّا رأى ذلك الناس ذلك خرجوا.

* * *

قالوا : وورد كتاب ابن زياد على عمر بن سعد أن امنع الحسين وأصحابه الماء ، فلا يذوقوا منه حسوة (٢) كما فعلوا بالتقي عثمان بن عفان (٣)!

فلمّا ورد على عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في خمسمائة راكب ، فينيخ على الشريعة ، ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وذلك قبل مقتله بثلاثة أيام ،

__________________

(١) في المطبوعة من الأخبار الطوال : فيرتدعون.

(٢) الحسوة بالضم : الجرعة بقدر ما يحس مرة واحدة.

(٣) ذكره البلاذري في أنساب الأشراف : ٣ / ١٨٠ ، والطبري في تاريخه وابن الأعثم في الفتوح وغيرهم من المؤرخين ، وفي لفظ ابن الأعثم : « كما فعلوا بالتقي النقي ... » ثم أضاف : فعندها ضيّق عليهم عمر بن سعد غاية التضييق.

وفي بعض المصادر : ونادى عبد الله بن الحصين الأزدي بأعلى صوته : يا حسين ، ألا تنظر إلى الماء وكأنّه كبد السماء ، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتّى تموتوا عطشا!

فقال الحسين عليه‌السلام : « اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا ».

قال حميد بن مسلم : والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فو الله الذي لا إله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء ، ثمّ يعود فيشرب الماء حتّى يبعثر ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ نفسه!

وتقدّم نحوه ـ رقم ١٢٦ ـ عن رجل يقال له زرعة فأهلكه العطش لدعاء الإمام عليه‌السلام « اللهم ظمّئه » فراجع ان شئت.

١٤٩

فمكث أصحاب الحسين عطاشى.

قالوا : ولمّا اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش أمر أخاه العباس بن عليّ ، وكانت امّه من بني عامر بن صعصعة ، أن يمضي في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ، مع كلّ رجل قربة حتّى يأتوا الماء ، فيحاربوا من [ ٧٤ ـ ألف ] حال بينهم وبينه.

فمضى العبّاس نحو الماء وأمامهم نافع بن هلال حتّى دنوا من الشريعة ، فمنعهم عمرو بن الحجّاج ، فجادلهم العباس على الشريعة بمن معه حتّى أزالوهم عنها ، واقتحم رجّالة الحسين الماء ، فملئوا قربهم ، ووقف العباس في أصحابه يذبّون عنهم حتى أوصلوا الماء إلى عسكر الحسين (١).

ثمّ إنّ ابن زياد كتب إلى ابن سعد :

أما بعد : فإنّي لم أبعثك إلى الحسين لتطاوله الأيام ، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ، ولا لتكون شفيعه إليّ ، فأعرض عليه وعلى أصحابه النزول على حكمي ، فإن أجابوك فابعث به وبأصحابه إليّ ، وإن أبوا فازحف إليه فإنّه عاقّ شاقّ ، فإن لم تفعل فاعتزل جندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا.

فنادى عمر في أصحابه أن انهدوا إلى القوم ، فنهض إليهم عشيّة الخميس وليلة الجمعة لتسع ليال خلون من المحرّم ، فسألهم الحسين تأخير الحرب إلى غد ، فأجابوه.

قالوا : وأمر الحسين أصحابه أن يمضوا مضاربهم بعضهم من بعض ، ويكونوا أمام البيوت ، وأن يحفروا من وراء البيوت أخدودا ، وأن يضرموا فيه حطبا وقصبا كثيرا ، لئلاّ يؤتوا من أدبار البيوت فيدخلوها.

* * *

قالوا : ولما صلّى عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه ، وعلى ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ـ واسم شمر شرحبيل بن عمرو بن معاوية ، من آل الوحيد من بني عامر بن صعصعة ـ وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن

__________________

(١) أنساب الاشراف : ٣ / ١٨١.

١٥٠

ربعي ، والراية بيد زيد مولى [ ٧٤ ـ ب ] عمر بن سعد.

وعبّأ الحسين ـ عليه‌السلام ـ أيضا أصحابه ، وكانوا اثنتين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا.

فجعل زهير بن القين على ميمنته ، وحبيب بن مظاهر على ميسرته ، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي ، ثمّ وقف ووقفوا معه أمام البيوت.

وانحاز الحرّ بن يزيد الذي كان جعجع بالحسين إلى الحسين ، فقال له : قد كان منّي الذي كان ، وقد أتيتك مواسيا لك بنفسي ، أفترى ذلك لي توبة ممّا كان منّي؟

قال الحسين : نعم ، إنّها لك توبة فأبشر ، فأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة إن شاء الله.

قالوا : ونادى عمر بن سعد مولاه زيدا أن قدّم الراية ، فتقدّم بها وشبّت الحرب ، فلم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويقتلون ، حتّى لم يبق معه غير أهل بيته.

فكان أوّل من تقدّم منهم فقاتل علي بن الحسين ، وهو عليّ الأكبر ، فلم يزل يقاتل حتّى قتل ، طعنه مرّة بن منقذ العبدي ، فصرعه وأخذته السيوف فقتل.

ثمّ قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ، رماه عمرو بن صبيح الصيداوي فصرعه.

ثمّ قتل عديّ بن عبد الله بن جعفر الطيّار ، قتله عمرو بن نهشل التميمي.

ثمّ قتل عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، رماه عبد الله بن عروة الخثعمي بسهم فقتله ، ثمّ قتل محمّد بن عقيل بن أبي طالب ، رماه لقيط بن ناشر الجهني بسهم فقتله ، ثمّ قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ضربه عمرو بن سعد بن مقبل الأسدي ، ثمّ قتل أبو بكر بن الحسن بن علي ، رماه عبد الله بن عقبة الغنوي بسهم فقتله.

قالوا : ولما رأى ذلك العبّاس بن [ ٧٥ ـ ألف ] علي قال لأخوته عبد الله وجعفر وعثمان بني عليّ ـ عليه وعليهم السلام ـ وأمّهم جميعا أمّ البنين العامرية من آل الوحيد :

١٥١

« تقدّموا ـ بنفسي أنتم ـ ، فحاموا عن سيّدكم حتّى تموتوا دونه ».

فتقدّموا جميعا ، فصاروا أمام الحسين ـ عليه‌السلام ـ يقونه بوجوههم ونحورهم ، فحمل هاني بن ثويب الحضرمي على عبد الله بن علي فقتله ، ثمّ حمل على أخيه جعفر بن علي فقتله أيضا.

ورمى يزيد الأصبحي عثمان بن علي بسهم فقتله ، ثمّ خرج إليه ، فاحتزّ رأسه ، فأتى به عمر بن سعد ، فقال له : أثبني.

فقال عمر : عليك بأميرك ـ يعني عبيد الله بن زياد ـ فسله أن يثيبك!

وبقي العبّاس بن علي قائما أمام الحسين يقاتل دونه ، ويميل معه حيث مال حتّى قتل ـ رحمة الله عليه ـ.

* * *

وبقي الحسين ـ عليه‌السلام ـ وحده ، فحمل عليه مالك بن بشر الكندي ، فضربه بالسيف على رأسه ، وعليه برنس خزّ فقطعه ، وأفضى السيف إلى رأسه فجرحه ، فألقى الحسين البرنس ودعا بقلنسوة فلبسها ، ثمّ اعتمّ بعمامة وجلس ، فدعا بصبي له صغير ، فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد وهو في حجر الحسين بمشقص (١) فقتله.

وبقي الحسين ـ عليه‌السلام ـ مليّا جالسا ، ولو شاءوا أن يقتلوه قتلوه ، غير أنّ كلّ قبيلة كانت تتّكل على غيرها وتكره الإقدام على قتله.

وعطش الحسين فدعا بقدح من ماء ، فلمّا وضعه في فيه رماه الحصين بن نمير بسهم ، فدخل فمه وحال بينه وبين شرب الماء.

فوضع القدح من يده ، ولما رأى القوم قد [ ٧٥ ـ ب ] أحجموا عنه قام يتمشّى على المسناة (٢) نحو الفرات ، فحالوا بينه وبين الماء ، فانصرف إلى موضعه الذي كان فيه ، فأسرع له رجل من القوم بسهم ، فأثبته في عاتقه ، فنزع ـ عليه‌السلام ـ السهم ، وضربه

__________________

(١) المشقص : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.

(٢) المسناة : ضفيرة تبنى للسيل لترد الماء.

١٥٢

زرعة بن شريك التميمي بالسيف ، واتّقاه الحسين بيده ، فأسرع السيف في يده ، وحمل عليه سنان بن أوس النخعي فطعنه ، فسقط.

ونزل إليه خولي بن زيد الأصبحي ليحزّ رأسه فأرعدت يداه ، فنزل أخوه سبل بن يزيد فاحتزّ رأسه ، فدفعه إلى أخيه خولي.

ثمّ مال الناس على ذلك الورس الذي كان أخذه من العير ، وإلى ما في المضارب ، فانتبهوه.

يعني بذلك أنّ الحسين ـ عليه‌السلام ـ لما فصل من مكة سائرا ووصل إلى التنعيم (١) ، لحق عيرا مقبلة من اليمن عليها ورس وحناء ينطلق به إلى يزيد بن معاوية فأخذها وما عليها (٢).

عدنا إلى الحديث :

قالوا : ولم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلاّ ابناه عليّ الأصغر ـ وقد كان راهق ـ والاّ عمر ـ وقد كان بلغ أربع سنين ـ ولم يسلم من أصحابه إلاّ رجلان :

أحدهما : المرقع بن ثمامة الأسدي ، بعث به عمر بن سعد إلى ابن زياد ، فسيّره إلى الربذة (٣) ، والآخر : مولى الرباب أمّ سكينة ، أخذوه بعد قتل الحسين ، فأرادوا ضرب

__________________

(١) التنعيم : موضع قريب من مكة في الحلّ على فرسخين منها ، وهي فعلا محلّ ميقات العمرة المفردة.

(٢) لم توجد هذه العبارة ( يعني بذلك ان الحسين ... فأخذها وما عليها ) في المطبوعة من الأخبار الطوال وانما ذكرها الدينوري في مقام آخر من كتابه : ص ٢٤٤ ـ ٢٤٥ بلفظ أطول من هذا.

وفيها تأمّل جدّا! اذ هي خلاف ما ثبت من سيرته عليه‌السلام والصحيح ما ذكره الشيخ المفيد قدس‌سره في الارشاد في بيان ما وقع في مسيره عليه‌السلام من مكة الى العراق ، قال : وسار حتّى أتى التنعيم ، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن ، فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه ، وقال لأصحابها : من أحبّ أن ينطلق معنا الى العراق وفيناه كراءه وأحسّنا صحبته ومن أحبّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراء على قدر ما قطع من الطريق.

فمضى معه قوم وامتنع آخرون ، الارشاد : ٢ / ٦٨.

فعلى هذا كان المأخوذ جمالا على نحو الاستيجار لا شيئا آخر كما ذكره المؤلف.

(٣) الربذة ـ بفتح أوّله وثانيه : من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد ملّة ، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري ـ رضي‌الله‌عنه ـ واسمه جندب بن جناده ، وكان قد

١٥٣

عنقه ، فقال : « إنّي عبد مملوك » ، فخلّوا سبيله.

وبعث عمر بن سعد برأس الحسين من ساعته إلى عبيد الله بن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي ، وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد [ ٧٦ ـ ألف ] مقتل الحسين يومين ، ثمّ أذن في الناس بالرحيل.

وحملت الرءوس على أطراف الرماح! وكانت اثنين وسبعين رأسا ، جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأسا ، وجاءت تميم بأربعة عشر رأسا مع الحصين بن نمير ، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا مع قيس بن الأشعث ، وجاءت بنو أسد بستّة رءوس مع هلال الأعور ، وجاءت الأزد بخمسة رءوس مع عيهمة بن زهير ، وجاءت ثقيف باثني عشر رأسا مع الوليد بن عمرو.

وأمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه في المحامل المستورة على الإبل.

وكانت بين وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وبين قتل الحسين خمسون عاما.

* * *

قالوا : ولما ادخل رأس الحسين ـ عليه‌السلام ـ على ابن زياد فوضع بين يديه ، جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانة ثنايا الحسين ، وعنده زيد بن أرقم صاحب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، فقال له :

مه! ارفع قضيبك عن هذه الثنايا (١) ، فلقد رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يلثمها ، ثمّ خنقته العبرة فبكى.

فقال له ابن زياد : ممّ تبكي؟ أبكى الله عينيك! والله لو لا أنّك شيخ قد خرفت

__________________

خرج إليها مغاضبا لعثمان بن عفان! فأقام بها إلى أن مات في سنة ٣٢. معجم البلدان : ٣ / ٢٤.

أقول : وفي العبارة سقط نظرا إلى المطبوعة من الأخبار الطوال : ص ٢٥٩ ، وهي بعد قوله فسيّره إلى الربذة [ فلم يزل بها حتّى هلك يزيد ، وهرب عبيد الله إلى الشام ، فانصرف المرقع إلى الكوفة ].

(١) ثنايا الانسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه ، ثنتان من فوق وثنتان من أسفل.

١٥٤

لضربت عنقك (١)!

قالوا : وكانت الرءوس قد تقدّم بها شمر بن ذي الجوشن أمام عمر بن سعد.

قالوا : واجتمع أهل الغاضرية ، فدفنوا أجساد القوم.

وروى حميد بن مسلم ، قال : كان عمر بن سعد لي صديقا ، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين ، فسألته عن حاله؟ فقال : لا تسأل عن حالي ، فإنّه ما رجع غائب إلى منزله بشرّ ما رجعت به [ ٧٦ ـ ب ] قطعت القرابة القريبة ، وارتكبت الأمر العظيم (٢).

* * *

قالوا : ثمّ إنّ ابن زياد جهز عليّ بن الحسين ومن كان معه من المحرم ، وجّه بهم إلى يزيد ابن معاوية مع زحر بن قيس ومحقن بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن ، فساروا حتى قدموا الشام ودخلوا على يزيد بن معاوية بمدينة دمشق ، وأدخل معهم رأس الحسين ، فرمي به بين يديه.

ثمّ تكلّم شمر بن ذي الجوشن فقال : يا أمير المؤمنين! ورد علينا هذا في ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستّين رجلا من شيعته ، فسرنا إليهم ، فسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد الله بن زياد أو القتال ، فغدونا عليهم عند شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ جانب!

فلمّا اخذت السيوف منهم مأخذها جعلوا يلوذون إلى غير وزر ، لوذان الحمام من الصقور ، فما كان إلاّ مقدار جزر جزور أو نوم قايل حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجرّدة ، وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة ، تسفي عليهم الرياح ، زوّارهم العقبان (٣) ، ووفودهم الرخم (٤).

__________________

(١) والحكاية جاءت في مصادر كثيرة ، منها : المنتظم : ٥ / ٣٤١ ، الرد على المتعصّب العنيد : ص ٤٢ و ٤٦ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٩٠ ، تذكرة الخواص : ٢٥٧ ، أسد الغابة : ٢ / ٢٢ ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٥ ، الصواعق : ١١٨ وفي ترجمة الإمام عليه‌السلام لابن سعد : ص ٨٠.

(٢) سير اعلام النبلاء : ٣ / ٣٠٣ ، تذكرة خواص الامّة : ٢٥٩ ، ترجمة الحسين عليه‌السلام لابن سعد : ص ٨١.

(٣) العقبان : نوع من الطير موصوف بالغدر.

(٤) الرخم : نوع من الطير موصوف بالغدر.

١٥٥

فلمّا سمع ذلك يزيد دمعت عينه وقال : ويحكم! قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو كنت صاحبه لعفوت عنه ، رحم الله أبا عبد الله.

ثمّ تمثّل :

نفلق هاما من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا اعقّ واظلما (١)

ثمّ أمر بالذريّة ، فادخلوا دار نسائه ، وكان يزيد إذا حضر غداؤه دعا عليّ بن الحسين وأخاه عمر ، فيأكلان معه (٢).

قال : ثمّ أمر بتجهيزهم بأحسن جهاز [ ٧٧ ـ ألف ] وقال لعليّ بن الحسين : انطلق مع نسائك حتّى تبلغهنّ وطنهنّ ، ووجّه معه رجلا في ثلاثين فارسا يسير أمامهم ، وينزل حجرة عنهم ، حتّى انتهى بهم إلى المدينة.

* * *

__________________

(١) البيت للحصين بن الحمام بن ربيعة المري الذبياني ، شاعر فارس جاهلي كان سيد بني سهم بن مرة ، ويلقّب « مانع العنيم » وهو ممّن نبذوا عبادة الأوثان في الجاهليّة ، والبيت من قصيدة مطلعها :

جزى الله أفناء العشرة كلّها

بدارة موضوع عقوقا ومأثما

انظر ديوان الحماسة بشرح التبريزي : ١ / ١٩٣ ، وهي في « المفضليات » : ٦٤ ـ ٦٩ فانظر تخريجها ثمّة.

(٢) وفي المطبوعة من الاخبار الطوال بعد هذا الكلام : فقال ذات يوم لعمر بن الحسين : هل تصارع ابني هذا؟

يعني خالدا ، وكان من أقرانه.

فقال عمر : بل اعطني سيفا ، واعطه سيفا حتّى اقاتله ، فتنظر أيّنا أصبر!

فضمّه يزيد إليه وقال : شنشنة أعرفها من أخزم ، هل تلد الحيّة إلاّ حيّة؟!

قال : ثمّ أمر بتجهيزهم .. الاخبار الطوال ـ تحقيق عبد المنعم عامر ـ ص ٢٦١.

١٥٦

[ حديث أنس بن مالك في مجلس ابن زياد ]

[١٢٩] ـ أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن خلف بن راجح المقدسي ، قال : أخبرنا أبو الحسين عبد الحقّ بن عبد الخالق بن يوسف ، قال : أخبرنا أبو غالب محمّد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان ، قال : أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن زياد القطان ، قال : حدّثنا عبد الكريم بن هيثم ، قال : حدّثنا سليمان بن حرب ، قال : حدّثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن محمّد.

عن أنس ، قال : شهدت عبيد الله بن زياد حيث اتي برأس الحسين ـ عليه‌السلام ـ ، قال : فجعل ينكت بقضيب في يده ، قال : فقلت : أما إنه كان أشبههم بالنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

[١٣٠] ـ أخبرنا أبو الفضل مرجى بن أبي الحسن التاجر الواسطي بحلب ، قال : أخبرنا

__________________

(١٢٩) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة : ٢ / ٧٨٤ رقم ١٣٩٥ بهذا الطريق ، وبالأرقام ١٣٩٤ و ١٣٩٧ بطريقين آخرين كما سيأتي.

ورواه البلاذري في أنساب الأشراف : ٣ / ٢٢٢ رقم ٧٩ بطريقه عن وهب بن جرير عن أبيه عن هشام.

ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء : ٣ / ٢٨٠ ، وفي تاريخ الاسلام حوادث سنة ٦٢ ه‍ ـ : ص ١٠٥ بطريقين عن محمّد.

ورواه ابن كثير في البداية والنهاية : ٨ / ١٥٠ عن محمّد بن سيرين واخته حفصة ، والبزار كما في كشف الأستار بطرق ثلاث بالأرقام ٢٦٤٦ و ٢٦٤٧ و ٢٦٤٨.

ورواه المتقي الهندي في كنز العمّال : ١٣ / ٦٥٤ رقم ٣٧٦٦٠ عن أبي نعيم.

(١٣٠) ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام لابن عساكر : رقم ٥٠ و ٥١ ، فضائل الصحابة لأحمد : رقم ١٣٩٤ ،

١٥٧

العدل أبو طالب محمّد بن علي بن الكتاني ، قال : أخبرنا أبو الفضل محمّد بن أحمد ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن مخلد ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن الصلحي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عثمان بن سمعان الحافظ ، قال : حدّثنا هشام بن حسان ، قال : حدّثنا أسلم بن سهل بحشل ، قال : حدّثنا حسين بن عبد الله ، قال : حدّثنا النضر بن شميل قال : حدّثنا هشام بن حسان ، قال : حدثتني حفصة بنت سيرين ،

قالت : حدّثني أنس بن مالك قال : كنت عند عبيد الله بن زياد إذ جيء برأس الحسين بن علي ـ رضوان الله عليه ـ فوضعه بين يديه ، فجعل يقول بقضيبه في أنفه ويقول : ما رأيت مثل هذا حسنا! فقلت : إنّه كان أشبههم برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ [ ٧٧ ـ ب ].

[١٣١] ـ أخبرنا أبو الفرج ابن القبيطي في كتابه ، قال : أخبرنا أبو الكرم ابن

__________________

سنن الترمذي : ٥ / ٦٥٩ رقم ٣٧٧٨ ، تيسير الوصول : ٣ / ٢٧٧ ، المعجم الكبير للطبراني : رقم ٢٨٧٩ ، سير اعلام النبلاء : ٣ / ٢٨١ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبّان : ٩ / ٥٩ رقم ٦٩٣٣ ، موارد الضمآن : رقم ٢٢٤٣ ، تهذيب الكمال : ٦ / ٤٠٠ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٥٠ وفي ص ١٩٠ عن الترمذي وذكر قوله : حسن صحيح.

(١٣١) أخرجه بهذا الإسناد الحافظ ابن عساكر برقم ٣١٨ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى : رقم ٢٩٣ ، والإمام أحمد في فضائل الصحابة : رقم ١٣٩٧ ، والحافظ الطبراني في المعجم الكبير : رقم ٢٨٧٨ كلّهم في ترجمة الحسين عليه‌السلام.

وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده : ٧ / ٦١ رقم ٣٩٨١ ، ورواه عنه ابن كثير في البداية والنهاية : ٨ / ١٩٠ ثمّ قال : ورواه قرّة بن خالد عن الحسن عن أنس فذكره.

ورواه البوصيري في اتحاف السادة المهرة ـ كتاب الفضائل ـ : رقم ٧٥٧٨ وقال : رواه أبو يعلى والترمذي مختصرا وقال : حديث حسن غريب.

وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني : ١ / ٣٠٧ رقم ٤٢٣.

ورواه المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ١٢٦ بحذف السند وقال : خرّجه ابن الضحاك ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : ٣ / ٣١٤ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ١١٨ عن الترمذي.

ورواه أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الردّ على المتعصّب العنيد : ص ٤٢ من طريق أبي بكر ابن أبي الدنيا ، والبزّار كما في كشف الأستار ـ باب مناقب الحسين ـ : رقم ٢٦٤٧ بهذا الطريق وبالأرقام ٢٦٤٦ و ٢٦٤٨

١٥٨

الشهرزوري قال : أخبرنا أبو القاسم الإسماعيلي ـ اجازة إن لم يكن سماعا ـ قال : أخبرنا أبو عمرو الفارسي ، قال : أخبرنا أبو أحمد بن عدي ، قال : حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي سويد ، قال : حدّثنا سليمان بن حرب ، قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ،

عن أنس بن مالك ، قال : شهدت رأس الحسين بن علي حين جيء به إلى عبيد الله بن زياد ، فجعل ينكت ثناياه بقضيب ويقول : ان كان لحسن الثغر ، قال : قلت : والله لأسؤنّك ـ لقد رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقبّل موضع قضيبك من فيه!

[١٣٢] ـ أنبأنا علي بن المفضل المقدسي الحافظ ، عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال ، قال : أخبرنا أبو محمّد بن عتاب وأبو عمران ابن أبي تليد ـ اجازة ـ قالا :

أخبرنا أبو عمر ابن عبد البر ، قال : أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم ، قال : أخبرنا سعيد ابن عثمان بن السكن ، قال : حدّثنا محمّد بن هارون الحضرمي ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي ، قال : حدّثنا أبو عبيدة الحذاء (١) ، قال : حدّثنا الحسن بن أبي الحسن النبال ، قال : حدّثنا أبو العالية البدّاء ، قال :

لمّا قتل الحسين بن علي ، أرسل عبيد الله بن زياد إلى أبي برزة فقال : كيف ترى شأني وشأن الحسين يوم القيامة؟ قال : وما علمي بما يصنع الله يوم القيامة؟ فقال : لك الأمان أن

__________________

و ٢٦٤٩ بطرق آخر عن أنس ، والبزّار في مجمع الزوائد : ٩ / ١٩٥ وقال : رواه البزار والطبراني بأسانيد ورجاله وثقوا.

ورواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب ، والقطيعي في زيادات الفضائل عن الكجي عن سليمان بن حرب ، ورواه أسلم بن سهل بحشل في تاريخ واسط ص ٢٤٥ ـ ٢٤٦ باسناد آخر عن أنس بلفظ ما تقدم في الرقم ١٣٠.

(١٣٢) رواه الخطيب الخوارزمي في مقتل الحسين عليه‌السلام : ٢ / ٤٩ رقم ١٤ بطريق آخر عن أبي العالية.

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٢٥٧ :

« وذكر ابن جرير : انّ الذي كان حاضرا عند يزيد أبو برزة الأسلمي ، وقال الشعبي : كان عند ابن زياد قيس ابن عباد ، فقال له ابن زياد : ما تقول فيّ وفي حسين؟ فقال : يأتي يوم القيامة جدّه وأبوه فيشفعون فيه ، ويأتي جدّك وأبوك فيشفعون فيك! فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس ».

(١) نخ : الحداد.

١٥٩

لا اضيرك ولكن أخبرني برأيك.

فقال : أما إذ سألتني عن رأيي فإنّ رأيي أن يشفع لحسين رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويشفع لك زياد!

فقال : اخرج! اخرج! فلمّا بلغ باب الدار قال : ردّوه ، فقال له : لئن لم تغد إليّ [ ٧٨ ـ ألف ] وتروح ضربت عنقك!

أبو برزة هذا هو : نضلة بن عبيد الأسلمي (١) من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

[١٣٣] ـ أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن ، عن أبي بكر محمّد بن عبد الباقي ، قال : أخبرنا الحسين بن علي ، قال : أخبرنا محمّد بن العباس ، قال : أخبرنا أحمد بن معروف ، قال : حدّثنا

__________________

(١) نضلة بن عبيد بن الحارث بن جمال بن الربيع أبو برزة الأسلمي صاحب النبي صلّى الله عليه وسلّم ، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن أبي بكر الصديق و ... سكن البصرة حديثه عند أهلها ، مات في إمارة يزيد بن معاوية بعد الحرة في المفازة بين سجستان وهراة كذلك قاله حماد بن سلمة عن قتادة.

نقلا عن كتاب الثقات لابن حبان : ٣ / ٤١٩ ، وتهذيب التهذيب لابن حجر : ١٠ / ٤٤٦ ، وراجع : سير أعلام النبلاء : ٣ / ٤٠

(١٣٣) رواه ابن سعد في ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام من الطبقات برقم ٢٧١.

« كنز العمال : ٢ / ١٢٧ عن ابن سعد ، ورواه الحافظ ابن عساكر : ٢٢٩ بإسناده عن ابن سعد ، وفي علل الدارقطني : ج ٥ ق ٨٣ / أ : وسئل عن حديث محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عائشة في قتل الحسين ، فقال : يرويه يزيد [ كذا ، والصحيح زيد ] بن الحباب ، واختلف فيه فرواه أحمد بن عمر الوكيعي عنه ، وقال : عن سعيد [ كذا ] بن عمارة الأنصاري ، ولا ينسبه ولا يقول فيه عن أبيه ، وهو الصحيح :

حدّثنا جعفر بن أحمد الواسطي ، حدّثنا إبراهيم [ كذا ] أحمد بن عمر الوكيعي ، حدّثنا أبي ، حدّثنا أبو الحسن العكلي ، حدّثنا شعبة ، عن عمارة بن غزيّة الأنصاري ، عن أبيه ، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي.

عن عائشة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها وهو مع جبريل صلّى الله عليه وسلّم في البيت ، فقال : عليك الباب ، ففعلت فدخل حسين بن علي فضمّه رسول الله إليه ، فقال : إنك تحبّه؟ قال : نعم ، قال : أما انّ امتّك ستقتله ، قال : فدمعت عينا النبي ، فقال : أتحبّ أن اريك التربة التي يقتل فيها ، فتناول [ من ] الطفّ تربة حمراء.

حدّثنا الحسين بن إسماعيل ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيد ، حدّثنا زيد بن الحباب أبو الحسين ، حدّثنا سفيان بن عمارة الأنصاري ، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث ، عن عائشة ، ولم يقل عن أبيه »!

١٦٠