جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأخذ إسقاط حق البائع وإن قال بعد ذلك : « إنا في ذلك من المتوقفين » نعم في الإرشاد يستحق الشفيع الأخذ بالعقد ، وإن اشتمل على خيار البائع فبعد انقضائه.

( وقيل ) والقائل الحلي والفاضل وولده والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم : يستحق الأخذ ( بنفس العقد وإن لم ينقض الخيار ، بناء على أن الانتقال يحصل بالعقد ، وهو أشبه ) بإطلاق أدلة الباب ، بل لا خلاف فيه في الحقيقة إلا من الفاضل في الإرشاد بعد أن كان مبنى الأول عدم الانتقال الذي قد عرفت فساده في محله.

بل قد يقال : إن مقتضى إطلاق أدلة الشفعة ثبوتها ببيع الشريك وإن لم نقل بالانتقال إلى المشتري ، إذ لعل تهيؤ ذلك له كاف في ثبوتها.

وأما احتمال كون المانع أنه ليس له أخذ العين قبل الخيار ـ كما تسمع حكايته في الروضة عن بعض ـ فمع أنا لم نتحققه واضح المنع ، فان حق الخيار لا يمنع من الأخذ كما في غير المقام.

وكذا احتمال أن المانع اقتضاء الأخذ سقوط خيار البائع الثابت بأصل العقد ، كما سمعته من تعليل التحرير ، ضرورة اندفاعه بأن ذلك ليس بأولى من القول بمنع سقوطه ، بل يبقى الأخذ حينئذ مراعى بالفسخ فيبطل ، وعدمه فيثبت ، كما هو خيرته في غيره وولده والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، وإن قال في الدروس بعد أن حكاه عن الفاضل : « لا أعلم به قائلا » إلا أن ذلك غير قادح بعد اقتضاء الدليل له ، وهو استصحاب بقائه.

نعم قد يناقش بأن ذلك إنما يقتضي فسخ ملك العقد ذي الخيار (١)

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، والعبارة غير واضحة ، والمراد : « انما يقتضي فسخ الملك الحاصل من عقد ذي الخيار ».

٣٢١

لا الملك الحاصل بسبب آخر الذي مقتضى الاستصحاب وإطلاق الأدلة لزومه ، لأنه متعلق بالعقد دون العين ، فالجمع بينهما ببقاء خياره ، واستحقاقه القيمة على المشتري ، كما لو تلفت العين أو تصرف المشتري. فيها تصرفا لازما ، كما حققناه في محله.

ولعل القائل بسقوطه كما عن ابن إدريس يريد هذا المعنى ، وإلا فلا معنى لسقوطه بفعل غيره ، والخروج عن الملك لا ينافي بقاؤه إلا أنى لم أجد هنا من احتمله.

ولعل وجه ما ذكروه من المراعاة أن الشفيع بشفعته صار بمنزلة المشتري ، ففي الحقيقة ملكه بالعقد الأول الذي فيه الخيار ، بل في بعض‌ النصوص (١) « ليس للشفيع إلا الشراء والبيع الأول » هذا كله في خيار البائع خاصة أو مع المشتري والأجنبي.

( أما لو كان الخيار للمشتري خاصة فإنه يستحق ) الأخذ بالشفعة ( بنفس العقد ) بلا خلاف كما في المسالك ، بل عن الكفاية الإجماع عليه ، والتذكرة أنه مذهبنا ، ولعله ( لتحقق الانتقال ) بذلك عند الشيخ ومن عرفت ، كما حكي عنه التصريح بذلك في المقام.

لكن عن خيار خلافه أنه قال : « ينتقل عن البائع بنفس العقد ، ولكن لا ينتقل إلى المشتري أيضا حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول » وحينئذ يتجه قوله بعدم الشفعة هنا ، لعدم انتقال الملك إلى المشتري ليؤخذ منه بالشفعة ، إلا أنه لما حكم بثبوت الشفعة هنا لو كان الخيار للمشتري ورجع عن ذلك القول ولم يقل غيره بذلك القول لم يتحقق الخلاف في المسألة زيادة على التفصيل المذكور.

وأما خيار المشتري ففي المسالك « أن ظاهرهم سقوط خياره » وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٢٢

كنا لم نتحققه ، بل ظاهر كلامه في الروضة خلافه ، لانتفاء الفائدة في فسخه ، بخلاف فسخ البائع ، لأن غرضه على تقدير الفسخ حصول الثمن ، وقد حصل من الشفيع.

ولكن في الدروس « ويلزم على قول الفاضل ـ أي المزبور ـ أن تكون المطالبة مراعاة » وفي المسالك « واللزوم غير واضح ، للفرق بين الأمرين بما ذكرناه من حصول الفائدة للبائع لا للمشتري ، إلا أن يقال بأن المشتري يتعلق غرضه في الخيار بغير الثمن ، كما إذا أراد أن يدفع دركه عنه ، ويمكن على هذا أن يراعى سقوط خياره باشتراط سقوط الدرك عنه ، مع أنهم حكموا بأنه ليس للمشتري الرد بالعيب لو رضي الشفيع بالعيب ، مع أن فيه الدرك ، فليكن هنا كذلك ».

قلت : هو حاصل ما في الدروس ، فإنه بعد أن ذكر لزوم المراعاة على قول الفاضل قال : « ويمكن القول بأن الأخذ يبطل خيار المشتري ، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع ، ولأن الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع ، إلا أن يجاب بأن المشتري يريد دفع الدرك ».

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع ، ضرورة عدم مدخلية حصول الفائدة وعدمها في ثبوت الحق مع فرض اقتضاء إطلاق الأدلة والاستصحاب بقاءه ، وعدم الرد بالعيب مع فرض أخذ الشفيع ورضاه به أنه انتقل الملك عنه ، ولا تسلط له على فسخه ، فيتعين له الأرش ، ولكن الأصل براءة الذمة منه هنا بعد أخذ الشفيع بالثمن الذي اشتراه ، فلم يلحقه منه ضرر.

فالتحقيق بقاء ماله من الخيار الذي لا يبطل بأخذ الشفعة ، كخيار الشرط ونحوه مثلا ، فيفسخ حينئذ إن شاء ، ويدفع القيمة أو المثل كما في غير الفرض ، إلا أني لم أجد أحدا احتمل هذا هنا ، وكذا ما ذكرناه سابقا وإن كان هو مقتضى قواعد الخيار ، فلاحظ وتأمل.

٣٢٣

نعم في اللمعة والروضة ويستحق الأخذ بالشفعة بنفس العقد وإن كان فيه خيار بناء على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به ، فلو أوقفناه على انقضاء الخيار كالشيخ توقف على انقضائه.

وعلى المشهور لا يمنع الأخذ من التخاير ، لأصالة بقاء الخيار ، فان اختار المشتري أو البائع الفسخ بطلت الشفعة وإلا استقر الأخذ ، وجعل بعض الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه بالعقد ، نظرا إلى عدم الفائدة به ، إذ ليس له انتزاع العين قبل مضي مدة الخيار ، لعدم استقرار ملكه.

والظاهر أن ذلك جائز لا لازم ، بل يجوز قبله وإن منع من العين ، والفائدة تظهر في النماء وغيره.

واحتمل المصنف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ ، لانتفاء فائدته ، إذ الغرض الثمن ، وقد حصل من الشفيع ، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع.

ويضعف بأن الفائدة ليست منحصرة في الثمن ، فجاز أن يريد دفع الدرك عنه.

ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا وفي بحث الخيار ما فيه من محال النظر.

وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك ثبوت الشفعة للمشتري الأول الذي فرض وجود الخيار لبائعه لو لم يأخذ شفيعه بالشفعة بل باع شقصه من آخر ، للاندراج في إطلاق الأدلة ، فإن فسخ بائعه بعد الأخذ فمشفوعه له ، وإن فسخ قبله فلا شفعة للبائع قطعا ، لتجدد ملكه حين الفسخ.

وأما المشتري فقد ذكرنا قوة سقوطها منه أيضا اقتصارا في ثبوت الشفعة المخالفة للأصل على المتيقن الذي هو وجود الملك وقت الأخذ ،

٣٢٤

كوقت البيع ، مع أنه احتمله غير واحد للأصل ، ولكن الأقوى الأول كما عن الكركي التصريح به.

هذا ولا يتوهم من ذكر العقد في المتن وغيره اعتبار كون البيع بصيغته في ثبوت الشفعة ، إذ الظاهر ثبوتها بالمعاطاة بناء على إفادتها البيع وإن كان متزلزلا ، لإطلاق الأدلة ، ويأتي البحث في الفسخ من البائع أو المشتري بعد الأخذ نحو ما سمعته في الخيار ، والله العالم.

( وليس للشفيع تبعيض حقه ) إذا كان انتقاله إلى المشتري على الوجه الذي قدمناه في الفرع الثاني ، كما صرح به الشيخ والفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم ، بل لا أجد فيه خلافا وإن ترك التعرض له جماعة ، بل قد سمعت ما في التذكرة في الشفعة في الدار بالشركة في الطريق الواسع ، لكنه ليس خلافا في المسألة ، للضرر بالتفريق الذي ينافي حكمه مشروعية الشفعة ، ولأنه المنساق من‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فشريكه أحق به من غيره بالثمن ».

( بل ) لا يبعد كونها من قبيل حق القصاص الذي لا يقبل التجزئة ، فلا يصح وإن رضي المشتري ، خصوصا مع ملاحظة مخالفة الشفعة للأصل التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن بعد الشك في الإطلاقات والعمومات ولو للمفروغية منه عند الأصحاب.

وحينئذ فـ ( ـيأخذ الجميع ويدع ) بل لو قال : « أخذت نصف الشقص خاصة » بطلت شفعته في الجميع ، لأن العفو عن البعض يبطلها حينئذ ، بل صرح الفاضل والكركي وثاني الشهيدين ببطلانها لو قال : « أخذت نصف الشقص » وإن لم يقل : « خاصة » للتبعيض وفوات الفورية ، كما عن محمد بن الحسن الشيباني.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢ والباب ـ ٢ ـ منه ـ الحديث ١.

٣٢٥

خلافا للمحكي عن أبي يوسف من الصحة في الجميع ، لاستلزام أخذ البعض أخذ الجميع ، لعدم صحة أخذه وحده ، وفيه منع واضح.

نعم قد يقال بالصحة مع فرض عدم فوات الفورية ولو بقول وكيله مقارنا لقوله : « وأخذت النصف الآخر له » وقد أشار إلى ما ذكرنا في الدروس ، قال : « لو قال : أخذت نصف الشقص خاصة بطلت ، لأن العفو عن البعض يبطلها ، ويحتمل أن يكون ذلك أخذا للجميع ، ولو اقتصر على قوله : أخذت نصفه فوجهان وأولى بالبقاء ، لأن أخذ البعض لا ينافي أخذ الكل إلا أن يؤدي إلى التراخي » وإن كان لا يخفى عليك ما في احتماله في الصورة الأولى المفروض فيها التصريح بالبعض خاصة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف بين الخاصة والعامة نصا (١) وفتوى في أن الشفيع ( يأخذ ب ) مثل ( الثمن الذي وقع عليه العقد ) لا أزيد من ذلك ( وإن كان قيمة الشقص أكثر أو أقل ).

( ولا يلزمه ما يغرم المشتري من دلالة أو وكالة أو غير ذلك من المؤن ) التي هي ليست من الثمن وإن كانت من توابعه ، نعم هو ظاهر فيما لو كان مثليا ، أما القيمي فستسمع الكلام فيه مفصلا إنشاء الله تعالى.

( و ) حينئذ فـ ( ـلو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار لم تلحق ) الشفيع ( الزيادة ) لعدم كونها من الثمن ( بل كانت هبة ) من المشتري للبائع ( فلا يجب على الشفيع دفعها ) للأصل ( و ) ظهور النص (٢) والفتوى في أنه ليس عليه إلا الثمن.

نعم ( لو كانت الزيادة في زمن الخيار قال الشيخ : تلحق بالعقد

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

٣٢٦

لأنها بمنزلة ما يفعل في العقد ) والشفيع يأخذ بالثمن الذي يستقر عليه العقد.

وكذا الكلام في النقيصة ، قيل : وهو مبني على مذهبه السابق من عدم الانتقال إلا بانقضاء الخيار.

ونوقش بأنه لو كان كذلك لخص الحكم بما إذا كان الخيار للبائع لاعترافه هنا بالانتقال إذا كان للمشتري خاصة وإن صرح بالتعميم في البيع ، وتعليله الحكم هنا بالاستقرار لا يدل على البناء على مذهبه ، بل لعله ظاهر في خلافه ، واحتمال بناء ذلك على مذهبه في البيع يزيد في الاضطراب ، لتصريحه هنا بالانتقال ، مع أنه لا داعي له.

بل لعل قول المصنف ( وهو يشكل على القول بانتقال الملك بالعقد ) ظاهر في عدم البناء على ذلك ، وإلا لكان مردودا لا مشكلا إذ أشكاله لا يكون إلا على معنى أنه لا يتم إطلاقه الإلحاق على تفصيله فإنه مع الانتقال للمشتري لا ينبغي أن تلحق الزيادة ولا النقيصة ، كما أنه لا يتم على القول بالانتقال في الحالتين.

ولعل الأولى أن يقال : إن الثمن عرفا ما وقع مدخولا للباء في العقد ، سواء قلنا بالانتقال وعدمه. خلافا للشيخ ، فجعله أعم من ذلك ومن المبذول في زمن الخيار مطلقا ، بدعوى كون الثمن لما يدفع قبل استقرار العقد وإن كانت ممنوعة عليه ، والأمر سهل بعد وضوح الحال.

( وكذا لو حط البائع من الثمن ) بعد العقد ( لم يلحق ب ) الثمن في ( العقد ) مطلقا أيضا كالزيادة ، لما عرفته من أن مدخول الباء ، والله العالم.

( ولا يلزم المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد ) أولا ، كما صرح به في القواعد واللمعة والروضة‌

٣٢٧

ومحكي المبسوط ، بل هو صريح المصنف فيما يأتي.

إلا أنه أشكل بمنافاته لمقتضى المعاوضة ، وهو التقابض ، ودفع بأنها معاوضة قهرية ، فجبروهن قهر المشتري بتسليم الثمن ، بخلاف البيع فان مبناه على الاختيار فلم يكن أحد المتبايعين ، أولى بالبدأة من الآخر ، إلا أنها كما ترى مجرد اعتبار لا يناسب مذاق الإمامية.

ومن هنا قال في المسالك : « لو قيل بالتقابض كان وجها » تبعا لما في جامع المقاصد من أنها معاوضة يجب فيها التسليم والتسلم دفعة واحدة ، والأصل عدم وجوب التقدم في التسليم على أحد بخصوصه ، نعم إن تم اشتراط تسليم الثمن في حصول الملك بالأخذ ثبت وجوب هذا.

قلت : يمكن أن يكون مدركه‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فهو أحق بها من غيره بالثمن » بناء على أن المراد من كونه أحق من غيره مع دفع الثمن.

بل قد يقال : إن منه يستفاد مدخلية دفع الثمن في حصول الملك أو في استحقاق الأخذ بالشفعة ، فلا وجه لوجوب التقابض هنا بعد توقف ملك الشفيع أو استحقاقه الأخذ بالشفعة على دفع الثمن ، كما سمعت الاعتراف به من الكركي.

ومن الغريب ما سمعته من المسالك مع ميلة إلى عدم تمامية ملك الشفيع بدون الدفع المزبور ، قال متصلا بما سمعته منه : « واعلم أن الملك للشفيع يحصل بالأخذ قبل دفع الثمن ، كما أن الملك يحصل في البيع بالعقد ، ووجوب التسليم حكم آخر بعد ، وهل الحكم هنا كذلك بمعنى عدم توقف الملك على التقابض أم لا يتم ملك الشفيع هنا بدون تسليم الثمن؟ ليس في عبارة المصنف ما يدل على زيادة على الأول ، وذهب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ والباب ـ ٧ ـ منه ـ الحديث ٢.

٣٢٨

بعضهم إلى الثاني ، وليس بذلك البعيد ، ثم على تقديره هل يكون دفع الثمن جزء من السبب المملك أم كاشفا عن حصول الملك بالأخذ القولي؟ وجهان أجودهما الثاني ، وتظهر الفائدة في النماء المتخلل » بعد الإغضاء عما في أول كلامه وأثنائه من التنافي ظاهرا.

وفي مجمع البرهان « لا بد ـ أي في الملك ـ من الأخذ ، وهو إما بالفعل أو القول ، كما تقدم عند علمائنا ، ذكره في التذكرة » والذي ذكره سابقا أنه « يأخذ إما بالفعل بأن يأخذ الحصة بدفع الثمن إلى المشتري أو يرضى بالصبر فيملكه ، وإما باللفظ ،

كقوله : أخذت وتملكت ونحو ذلك » إلى آخره.

وفي محكي الغنية والسرائر ما لفظه « واشترطنا عدم عجزه عن الثمن لأنه إنما يملك الآخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله للبائع ، فإذا تعذر عليه ذلك سقط حقه من الشفعة » بل قيل : إن ظاهر الأول أو صريحه أنه لا خلاف فيه.

والأصل في المسألة ما في قواعد الفاضل ، فإنه بعد أن ذكر ملك الشفيع الآخذ بالعقد قال : « وهو قد يكون فعلا بأن يأخذه الشفيع ويدفع الثمن أو يرضى المشتري بالصبر فيملكه حينئذ ، ولفظا كقوله :أخذته أو تملكته وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الأخذ مع دفع الثمن أو الرضا بالصبر ، وظاهره انحصار المملك في ذلك ، فلا يكفي حينئذ الأخذ القولي من دون دفع الثمن.

ولكن قال في التحرير : « يملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ يدل على أخذه » ولم يتعرض لدفع الثمن فيهما.

وقال في الدروس : « لا يملك الشفيع بالمطالبة ولا بدفع الثمن مجردا عن قول حتى يقول : أخذت الشقص أو تملكت بالثمن وشبهه‌

٣٢٩

إلى أن قال : ولو رضي المشتري بتأخير الثمن ملك بالأخذ ، وله التصرف أيضا ».

وفي جامع المقاصد « أن اشتراط دفع الثمن في حصول الملك لا دليل عليه ، والأصل عدمه ، والشفعة في معنى المعاوضة ، إذ هي من توابع العين ، ودفع أحد العوضين غير شرط في تملك الآخر ، ولأنه لو كان الدفع شرطا لوجب أن يكون فوريا كالأخذ ، فتبطل الشفعة بدونه مع التمكن ، وإمهال الشفيع ثلاثة أيام قد يدل على خلاف ذلك ، وليس في النصوص ما يدل على الاشتراط المذكور ، والذي في‌ رواية ابن مهزيار (١) « إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام إن أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض » وليس كلام الأصحاب صريحا في اشتراط ذلك » ثم حكى عن التذكرة ما هو ظاهر أو صريح في عدم اعتبار دفع الثمن في الملك بالأخذ القولي.

قلت : بل عن المبسوط في آخر الباب التصريح أيضا بأنه لا يشترط مع الأخذ باللفظ دفع الثمن في حصول الملك ، لكن الإنصاف أن كلامهم غير منقح في المقام.

والذي يقع في الذهن راجيا من الله تعالى أن يكون هو الصواب هو أن الشفعة من الحقوق كالخيار ونحوه ، لا المعاوضات المحتاجة للتقابض ، كما عساه يشهد له ما تسمعه من الأصحاب فيما يأتي من أنه لا يكلف المشتري قبض الشقص من البائع إن لم يكن قد قبضه وتسليمه للشفيع ، بل ويشعر به أيضا‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « فهو أحق به من غيره ».

وحينئذ فالمتجه حصوله وإسقاطه بالفعل والقول على نحو الخيار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣٣٠

فلا إشكال في تحقق الأخذ بالشفعة مع التخلية من المشتري والقبض من الشفيع مع دفع الثمن منه أو الرضا بالصبر عليه.

فما عساه يتوهم من عبارة الدروس السابقة من اعتبار القول في غير محله ، ضرورة صدق الأخذ بالشفعة التي هي عبارة عن استحقاق انتزاع حصة الشريك.

كما أنه لا إشكال في تحققه أيضا باللفظ مع الدفع المزبور أو الرضا بالصبر ، نعم يشترط لأصل الأخذ بهذا الاستحقاق إحضار الثمن ، فان ادعى غيبته أجل الأجل المزبور ، وبدونه لا أثر للأخذ بالاستحقاق المزبور لا قولا ولا فعلا ، وهو معنى ما سمعته من الغنية والسرائر.

بل يمكن حمل عبارة المتن وما شابهها على ذلك ، بل ورواية علي ابن مهزيار (١) أيضا ، وحاصله أن الشفعة التي هي عبارة عن الاستحقاق المزبور يعتبر في الأخذ به ذلك ؛ فلا أثر للأخذ به بدونه إلا مع الرضا بالصبر ، أو ادعى غيبة الثمن ، فيؤجل ثلاثة أيام كما عرفته سابقا ، ولا ينافي ذلك حصول الملك بعده ، بل ولا الفورية التي يعد مثل ذلك عذرا فيها.

بل قد يدعى أن ذلك من تمام ثبوت الاستحقاق ، على معنى أن الأحقية المزبورة لا تتحقق إلا مع دفع الثمن على الوجه المزبور ، نحو اشتراط الخيار برد الثمن.

بل يمكن إرادة هذا المعنى من‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « فهو أحق به من غيره بالثمن » على معنى أنه مع دفعه للثمن هو أحق من غيره ، وحينئذ فيقيد الإطلاق إن كان بما ذكرنا ، مثل‌ قوله عليه‌السلام (٣) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٣١

« وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له بالشفعة » الذي هو غير منساق لبيان ذلك.

وكذا إطلاق ما دل على ثبوت الشفعة ببيع الشريك وإن أيد بدعوى أن الأصل تسلط الناس على حقوقهم كأموالهم ، فله الأخذ بحقه ، والأصل عدم الاشتراط.

إذ قد عرفت أن المجتمع من النص والفتوى ثبوت الشفعة مع الحال المزبور دون غيره ، كما عرفت سابقا أن الأصل عدمها بعد الشك في تناول الإطلاق ، فضلا عن الظن بتوقف الأحقية على دفع الثمن أو عدم ترتب الأثر على الأخذ به بدونه ولو من فتاوى الأصحاب واستبعاد تملك الشفيع الشقص بقول : « شفعت » وهو غائب لا يتمكن من دفع الثمن ولو بالتوكيل ، بل يمكن القطع بعدمه ، كما أنه يمكن القطع بعدم وجوب القول المزبور على الغائب غير المتمكن والمحبوس كذلك ، ولو كان ذلك أخذا للشفعة لوجب المبادرة إليه ، إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل ، والله العالم.

( ولو اشترى شقصا وعرضا في صفقة أخذ الشقص ) خاصة بالشفعة ( بحصته من الثمن ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

( و ) ذكرنا هناك أيضا أنه ( لا يثبت بذلك للمشتري خيار ) لإقدامه ، و ( لأن استحقاق الشفعة تجدد في ملك المشتري ) فلم يحصل شرط خيار تبعيض الصفقة الذي هو كون التبعيض في العقد نفسه.

ومن هنا لا فرق في ذلك بين الجاهل والعالم ، كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره ، لكن في مجمع البرهان « يمكن ذلك إذا ادعى كونه جاهلا وقبل منه ، فيثبت له الخيار وإليه أشار المحشي » ولا يخفى عليك ما فيه ، والله العالم.

٣٣٢

( و ) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه ( يدفع الشفيع مثل الثمن إن كان مثليا كالذهب والفضة ) وغيرهما ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر ، مضافا إلى أنه المتيقن من المروي في نصوص الفريقين (١) من أنه يأخذ بالثمن بعد القطع بعدم إرادة نفس الثمن الذي ملكه البائع ( و ) لا تسلط للشفيع عليه.

إنما الكلام ( إن لم يكن له ) أي الثمن المدفوع للبائع ( مثل كالحيوان والثوب والجوهر ) وغيرها من القيميات فـ ( ـقيل ) والقائل الشيخ في الخلاف وابن حمزة والفاضل في المختلف والكركي والخراساني في الكفاية على ما حكي عن بعض ( تسقط ) الشفعة ( لتعذر المثلية ) المعتبرة في الشفعة ( و ) لرواية علي بن رئاب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام الآتية.

بل قيل : إنه ظاهر الإيضاح ؛ ومال إليه في التحرير ومجمع البرهان وهو المحكي عن الطبرسي ، وأنه يشعر به كلام النهاية والمهذب ، بل في الدروس أنه والقول الآتي مشهوران ، بل في الخلاف عليه إجماع الفرقة وأخبارهم.

( وقيل ) والقائل الشيخان في المقنعة والمبسوط وأبو الصلاح وابنا زهرة وإدريس والآبي والفاضل في التذكرة والإرشاد والتبصرة والشهيدان والمقداد وأبو العباس : لا تسقط الشفعة ، بل ( يأخذها بقيمة العرض ) بل في المسالك وغيرها أنه مذهب الأكثر ، وفي الرياض تارة نسبه إلى الشهرة العظيمة واخرى أنه أشهر ، بل لعل عليه عامة من تأخر إلا من ندر ممن تأخر عمن تأخر وإن كان فيه ما فيه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٣٣

نعم هي ( وقت العقد ) أو وقت الأخذ أو أعلى القيم من وقت العقد إلى وقت الأخذ؟ المعروف فيما بينهم الأول ، بل لم نعرف القائل بالثاني وإن حكي.

أما الثالث فهو المحكي عن الفخر ، والموجود في الإيضاح إلى وقت الدفع ، محتجا عليه بأنه أخذ قهري كالغصب. وفيه ما لا يخفي في المقيس والمقيس عليه. ومن هنا قال في غاية المراد : « إنه لا وجه له » بل جعل الثاني كذلك أيضا ، وهو في محله وإن رماهما غيره بالضعف.

وقيل كما عن أبي علي : لا شفعة إلا أن يأتي الشفيع بعين الثمن وفي الدروس أن في رواية هارون الغنوي (١) إلماما به ، لكن في الإيضاح أن الإجماع على خلافه.

( و ) على كل حال فـ ( ـهو ) أي القول الثاني ( أشبه ) عند المصنف بإطلاق نصوص الباب وفاقا لمن عرفت.

ولكن الإنصاف أن الأول أقوى ، ولو للشك من تعارض الأدلة ، وقد عرفت أن الأصل عدم الشفعة ، إذ حجة الأول ـ مضافا إلى الإجماع المزبور والأخبار التي أرسلها الذي لا يقدح في حجيته فتواه في المبسوط المتأخر عنه بخلافه المحتمل كونه عن غفلة أو غيرها ـ خبر علي بن رئاب (٢) الذي قيل إنه رواه في الفقيه وفي قرب الاسناد في الصحيح وفي التهذيب في‌ الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبر وجوهر ، قال : ليس لأحد فيها شفعة » وخبر هارون وغيره مما هو مروي عند الطرفين (٣) من أن « الشريك أحق من غيره بالثمن » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ وسنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٤.

٣٣٤

الذي لا يصدق عرفا على القيمة.

بل في‌ مرسل ابن محبوب (١) « كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاعا غير مقسوم ، وكان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا ، فلما قبضها وتحول عنها انهدمت الدار وجاء سيل خارق فهدمها وذهب بها ، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا ، فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا الذي نقد في ثمنها ، فقال : ضع عني قيمة البناء ، فان البناء قد تهدم وذهب به السيل ، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : ليس له إلا الشراء والبيع الأول إنشاء الله تعالى ».

ومن المعلوم عدم صدق ذلك على القيمي ، بل قد سمعت أن أبا علي اعتبر في الشفعة عين الثمن التي دفعها جمودا على حقيقة اللفظ ، وإن كان يمكن دعوى القطع بخلافه وأن المراد المثل.

وما في المسالك ـ من أنه « بعد تعذر العلم بعدم إرادة الحقيقة فالواجب أقرب المجازات إليها بحسبها ، فان كان مثليا فالأقرب إليه مثله ، وإن كان قيميا فالأقرب إليه قيمته ، وهذا واضح ، أما اختصاصه بالمثلي فلا ، إذ لو كان الثمن قيميا فلا بد من اعتبار مجازه حيث لا تراد الحقيقة ، وإلا لزم اختصاص الحكم بالحقيقة ، فيرد مثله في المثلي ، لأن المثل ليس بحقيقة » ـ يدفعه تعارف التجوز برد الثمن لو رد المثل في المثلي ، وأنه البيع والشراء الأول كما سمعته في المكاتبة (٢) بخلاف القيمي ، فتختص الرواية حينئذ الواردة في بيان محل الشفعة على وجه يراد منها القيدية في جميع ما ذكر فيها ، كالمتعارف في التعاريف بالمثلي دون القيمي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٣٣٥

الذي لم يدخل فيها حتى يحتاج إلى اعتبار مجازه.

ومنه يعلم ما في حملها على الغالب من كون قيمة الدار ونحوها المثلي وكذا ما فيها أيضا من المناقشة في الأولى بضعف السند ، لأن في طريقه الحسن بن سماعة وهو واقفي.

قال : « والعجب من دعوى العلامة في التحرير صحته مع ذلك ، ودلالته على موضع النزاع ممنوعة ، فان نفي الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيميا أو غيره ، إذ لم يذكر أن في الدار شريكا فجاز نفي الشفعة لذلك عن الجار وغيره ، أو لكونها غير قابلة للقسمة ، أو لغير ذلك. وبالجملة فإن المانع من الشفعة غير مذكور ، وأسباب المنع كثيرة فلا وجه لحمله على المتنازع أصلا. والعجب مع ذلك دعوى أنه نص في الباب مع أنها ليست من الظاهر فضلا عن النص.

إذ لا يخفى عليك ( أولا ) أنها مروية في الفقيه وغيره في الصحيح و ( ثانيا ) أنها على ما ذكر من قسم الموثق الذي فرغنا من حجيته في الأصول. و ( ثالثا ) أنها معتضدة ومنجبرة بما سمعت من الإجماع المحكي والروايات المرسلة والشهرة المحكية في الدروس.

كما أنه لا يخفى عليك انسياق كون الشفعة في الدار المزبور لمكان الثمن المذكور ، وإلا فلا فائدة في تعداده في السؤال ، وعدم ذكر الشريك لمعلومية كون الشفعة عند الإمامية له لا لغيره ، واحتمال نفيها لاحتمال عدم القسمة وغيره خلاف ما يشعر به تعداد الثمن في السؤال ، بل كان ينبغي التعبير بغير هذه العبارة ، على أن ترك الاستفصال فيها كاف.

بل قد يدعى الظهور أو الصراحة في ذلك بملاحظة إرادة الرد بها على ما هو المعروف من فتوى أبي حنيفة والشافعي ومالك بثبوت الشفعة في نحو ذلك.

٣٣٦

( ودعوى ) معارضة ذلك بأنها ذكر فيها أن المبيع الدار ، والمتبادر منها المجموع ، وهو مما لا يتأتى فيه بعد الشراء شركة توجب الشفعة ، ولا تثبت إلا من حيث الجوار ، فنفي الشفعة في الرواية يحتمل أن يكون مستندا إلى هذا ، ولو أريد من الدار بعضها تعين ما استظهر من السياق إلا أن إطلاقها على البعض مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة ، وهي في الرواية مفقودة. ( يدفعها ) ظهورها على كل حال في أن المسقط للشفعة كون الثمن المذكور منها.

وحينئذ تكون دالة على المطلوب الذي هو نفي الشفعة فيها لو حصل سببها بالشركة في الطريق أو البئر أو البعض أو الجوار أو غير ذلك ، لأن المراد ولو بقرينة الجواب أن السائل لما سأل عن الشفعة في الدار المشتراة بالثمن المزبور أجاب الإمام عليه‌السلام لا شفعة لأحد فيها على كل حال ، من حيث إن ثمنها ما ذكره السائل.

ومن هنا قال في جامع المقاصد : إنها نص في الباب ، ولعل التأمل الجيد يشهد له.

ومن الغريب ما في بعض الكتب من المناقشة في الخبر المزبور بأن الآبي في كشف الرموز رواه « رجل اشترى دراهم برقيق ومتاع » إذ هو وإن كان كذلك كما هو عندنا في نسخة قديمة لكنه من الغلط الذي لا يصلح معارضا لما في الجوامع العظام وكتب الفروع.

ومن الغريب ما في الكتاب المزبور أيضا في شرح ما في النافع « وقيل تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال » قال ما نصه : « لأنها مقصورة على من اشترى دراهم برقيق ومتاع وبز وجوهر ، فالتعدي إلى غير ذلك من المحتمل ، ويحتمل أن تكون الشركة في الدراهم » إذ هو كما ترى لا ينبغي أن يصدر من أصاغر الطلبة.

٣٣٧

وعلى كل حال فلا أقل من انقداح الشك مما ذكرنا في دعوى تناول إطلاق الأدلة للفرض ، مؤيدا بقيام القيمة مقام العين غالبا ، وبحصول العلة أو الحكمة التي هي الضرر ، وبكونه فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات وفتوى المقنعة التي هي متون أخبار ، وبأن ذلك يؤدي إلى سهولة الأمر في إسقاط الشفعة مع وهن إجماع الخلاف بمصيره إلى خلافه في المبسوط ، على أنها جميعها كما ترى ، والله العالم.

( وإذا علم ) الشفيع ( ب ) تحقق ( الشفعة ) لتحقق الشراء المقتضي لها ( فله المطالبة ) والأخذ بها ( في الحال ) بلا خلاف ولا إشكال. إنما الكلام في وجوب ذلك عليه على وجه إن لم يفعل لم تكن له شفعة كما سيأتي الكلام فيه.

وعلى كل حال ( ف ) لا خلاف ولا إشكال في أنه ( إن أخر لعذر عن مباشرة الطلب وعن التوكيل فيه لم تبطل شفعته ) وإن قلنا بالفورية ، فإنه على القول بها لا يضر عدمها للعذر العرفي ، كما يشعر به نصوص الغائب (١) وغيرها.

( وكذا لو ترك لتوهمه كثرة الثمن ) لأمارة أوجبته كاخبار مخبر ثم ظهر كذبه ( فبان قليلا ، أو لتوهم ) ه‍ كون ( الثمن ذهبا ) يصعب عليه قيمته ( فبان فضة أو حيوانا فبان قماشا ) سهل القيمة بناء على ثبوت الشفعة مع كون الثمن قيميا ، أو توهم كون المبيع سهاما قليلة فبانت كثيرة أو بالعكس ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو بالعكس أو أنه اشتراه لشخص فبان أنه لآخر ، أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو بالعكس ، أو أنه اشترى الشقص وحده فبان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢ والباب ـ ٩ ـ منه ـ الحديث ١ والباب ـ ١٠ ـ منه ـ الحديث ١.

٣٣٨

أنه اشتراه مع غيره أو بالعكس ، إلى غير ذلك مما هو عذر عرفا عن الفور بها ، لاختلاف الفرض باختلافه.

وفي محكي المبسوط أنه عقد لها ضابطا فقال : « وجملته أن الشفيع متى بلغته الشفعة ولم يأخذ لغرض صحيح ثم بان خلاف ذلك لم تسقط شفعته ».

ونحوه ضابط الكركي ، قال : « كل أمر ظهر له وقوع البيع عليه والغرض الصحيح قد يتعلق بغيره فتبين خلافه فالشفعة بحالها ، لا تبطل للعذر ».

ونحوهما ما في المسالك من أن التأخر لغرض صحيح أو عذر معتبر لا يخل بالفورية.

والأصل في ذلك أن المسلم من دليل الفورية ـ لو قلنا بها بملاحظة ما ذكروه من الأعذار المزبورة وما ورد من النص على الغائب (١) ودعوى غيبة الثمن ـ البطلان مع الإهمال وعدم الأخذ رغبة عنها من حيث هي ، لا لأمر غير ذلك وقد تبين خلافه ، نحو ما سمعته من الأعذار ، لإطلاق ما دل على كونه أحق من غيره المقتصر في تقييده على ما هو المتيقن من الإهمال المزبور ، دون الأعذار المذكورة التي يتعلق بها غرض العقلاء ، نعم لو أخبره بقلة الثمن مثلا أو تأجيله فلم يشفع ثم بان كثرته وحلوله فإنه من الإهمال المسقط على القول بالفورية ، لعدم ظهور كون الترك لعذر تبين خلافه. اللهم إلا أن يفرض تعلق غرض بكون الثمن كثيرا أو حالا. والله العالم.

( وكذا ) يعذر ( لو كان محبوسا بحق وهو عاجز عنه ) بخلاف ما لو كان قادرا ، لأن التأخير من قبله حينئذ ، إذ يجب عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٣٣٩

دفع الحق ليخلص من الحبس المانع من تعجيل المطالبة ، أو يوكل من يأخذ له بها كما في المسالك وغيرها.

وهو جيد مع علمه بها ، أما إذا كان الحبس المزبور مانعا له من العلم بها فالظاهر كونه عذرا وإن أثم هو بتأخير الحق المحبوس عليه.

كما أنه معذور لو كان محبوسا بباطل وإن قدر على أدائه قليلا كان أو كثيرا ( و ) قد علم بها ، إذ لا يجب عليه دفع ما ليس مستحقا عليه. نعم يشترط في بقائها أن يكون قد ( عجز ) مع ذلك ( عن الوكالة ) وإلا بطلت شفعته.

والمراد بالحق ما كان في ظاهر الشرع كذلك وإن لم يعترف هو به بل ادعى المظلومية ، وإن احتمل لكنه واضح الضعف.

( و ) كيف كان فبناء على أنها ( تجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم ) أي الأخذ بالشفعة عند العلم بتحقق سببها الاشتغال (١) بالأخذ ومقدماته ( لكن على ما جرت العادة به غير متجاوز عادته في مشيه ) وإن قدر على الأزيد منه وانتظار الصبح لو علم ليلا.

( ولو كان متشاغلا بعبادة واجبة أو مندوبة ) صلاة أو غيرها ( لم يجب عليه قطعها وجاز الصبر حتى يتمها ) وإن كان القطع سائغا له.

( وكذا لو دخل عليه وقت الصلاة صبر حتى يتطهر ويصلي متئدا ) أي متوانيا ومتثبتا ، وكذا بالنسبة إلى مقدماتها ومتعلقاتها الواجبة والمندوبة التي يعتادها ، وانتظار الجماعة ، وتحري الرفقة حيث يكون الطريق مخوفا ليصحبهم هو أو وكيله ، وزوال الحر والبرد المفرطين ،

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية : المبيضة والمسودة بقلمه الشريف ، ولكن في العبارة تشويش والصحيح « يكفي الاشتغال » أو « يجب الاشتغال ».

٣٤٠