جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

صحة ما ذكره من باب تنقيح المناط القطعي لا القياس الخفي » وإن كان فيه منع العمل بالأصل حتى يتجه التنقيح المزبور ، ضرورة عدم قائل بسقوط الشفعة بانتظار البائع الثلاثة بل إطلاق الأدلة مناف لذلك.

وعلى كل حال ففي جامع المقاصد والمسالك « يتحقق العجز باعترافه ، وفي تحققه بإعساره وجهان » وفي الأخير منهما « أجودهما العدم ، لإمكان تحصيله بقرض ونحوه » وفيهما معا « ينتظر به ثلاثة أيام كمدعي غيبته ».

ولعل ذلك منهما بناء على عدم اختصاص التحديد المزبور في الحسن المذكور بغيبة الثمن مع وجوده ، بل هو للأعم من ذلك ومن تحصيله ، فان المراد من قوله : « لم ينض » لم يحصل ولم يتيسر ويتنجز.

بل في المسالك في شرح قول المصنف ( و ) كذا تبطل ( بالمماطلة ) « والمراد بالمماطل القادر على الأداء ولا يؤدي ، ولا يشترط فيه مضى الثلاثة ، لأنها محدودة للعاجز ، ولا عجز هنا ، ويحتمل إلحاقه به ، لظاهر‌ رواية ابن مهزيار (١) عن الجواد عليه‌السلام بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن ».

وكأنه أخذه مما في جامع المقاصد ، فإنه بعد تفسير المماطل بما عرفت قال : « وهل يتحقق كونه مماطلا قبل الثلاثة؟ ظاهر إطلاقهم يقتضي ذلك ، ولإشعار‌ رواية ابن مهزيار (٢) عن الجواد عليه‌السلام بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن ».

ولكن ليس فيه أن الثلاثة تحديد للعاجز كما سمعته من المسالك ، بل لم أعرفه لغيره ، بل ظاهرهم الاتفاق على عدمه ، وأنه لا شفعة له مع فرض عجزه المتحقق باعترافه أو بالقرائن أو بغير ذلك حال البيع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٨١

وإن تحدد له القدرة بعد ذلك بيسير ، بل ظاهرهم سقوطها بتحقق المماطلة كذلك.

بل ( وكذا لو هرب ) الذي ذكر فيه في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما « أنه إن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة له ، وإن كان بعده فللمشتري الفسخ » ولا يتوقف على الحاكم كما حكاه في الثاني منهما عن التحرير ، لعموم « لا ضرر ولا ضرار » (١) ولأن الأخذ لما كان مبنيا على القهر لم يلزم المشتري حكمه ، بخلاف ما إذا هرب المشتري عن أداء ثمن المبيع.

نعم في مجمع البرهان بعد أن ذكر دليل البطلان بالعجز قال : « وكذا دليل البطلان بالمماطلة مع الوجدان ، فإنه كالعجز بل أقبح ، وكذا الهرب بعد البيع لئلا يعطي الثمن معها ، ولكن ينبغي أن يكون المراد بالمماطلة والعجز إلى وقت يضر بحال المشتري أو البائع عرفا الصبر إليه ولو كان قليلا ، ويؤيده جواز الصبر ثلاثة أيام مع دعوى غيبة الثمن وصبر الثلاثة أيام بعد مدة الرواح إلى بلد الثمن ومجيئه ».

ولكن فيه أيضا أنه مناف لظاهر الأصحاب ، فإنهم اعتبروا في الشفيع القدرة على الثمن ، وفرعوا على ذلك أنه لا شفعة للعاجز ولا للمماطل ولا للهارب وإن كان هو على ضرب من التجوز في الأخيرين ، ضرورة صدق القدرة عليهما ، ثم ذكروا مسألة التأجيل لمدعي غيبة الثمن ، وظاهرهم أنه متى تحقق العجز حال البيع لا شفعة ، وكذا متى تحقق المطل والهرب المنافي للفورية مع فرض حصوله قبل الأخذ بها بعد تحقق سببها.

نعم لولا الأصل السابق قد يناقش في الشرط المزبور على الوجه المذكور إن لم يكن إجماعا بأنه لا دليل عليه بحيث يعارض إطلاق ما دل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من كتاب إحياء الموات.

٢٨٢

على ثبوتها ببيع الشريك نصيبه ، نعم فحوى الحسن المزبور يقتضي التأجيل ثلاثة أيام مطلقا ، فان لم يكن ثم إجماع اتجه جعلها غاية للجميع.

بل ظاهرهم عدم التقييد بالضرر في ثلاثة المصر وإنما قيدوه به لو ادعى غيبته في بلد آخر الذي هو مضمون الحسن السابق.

قال المصنف ( ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام ، فان لم يحضره بطلت شفعته ، فان ذكر أن المال في بلد آخر أجل بمقدار وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري ) ونحوه غيره ، بل لا أجد خلافا بينهم في ذلك ، بل عن الغنية بعد أن ذكر التأجيل المزبور على الوجه المذكور قال : « هذا إذا لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر ، فإن أدى إلى ذلك بطلت شفعته بدليل إجماع الطائفة ».

نعم في مجمع البرهان بعد أن ذكر أن وجه ذلك نفيه عقلا ونقلا قال : « لكنه غير ظاهر ، لأنا نجد وقوعه في الشرع كثيرا ، فليس له ضابط واضح ، خصوصا مع وجود النص » (١).

قلت : لا ريب في رجحان العمل بدليله مع فرض تحققه بالإحالة على بلد بعيد مثلا بعد الاعتضاد بما عرفت وأصالة عدم الشفعة التي كان الضرر منشأ مشروعيتها وإن كان التعارض بينهما من وجه ، والأمر في ذلك سهل.

ثم إن ظاهر الخبر المزبور أن ابتداء الثلاثة من حين شفعته لا من حين البيع ، والظاهر صدقها مع التلفيق لو وقعت خلال اليوم ، كما صرح به في جامع المقاصد والمسالك.

وفي الأول منهما « وهل تعتبر الليالي بحيث تلفق ثلاثة أيام وثلاث ليال؟ لا تصريح بذلك ، ولو قلنا : ان مسمى اليوم شامل لليل اعتبرت ، نعم لو وقع البيع أول الليل فالليالي داخلة تبعا ». وهو جيد إن لم يرد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٨٣

دخول الرابعة أيضا تبعا.

لكن في الثاني منهما « وتعتبر الثلاثة ولو ملفقة لو وقع الإمهال في خلال اليوم ، والليالي تابعة للأيام ، فإن وقع نهارا اعتبر إكمال الثلاث من اليوم الرابع ، ودخلت الليالي تبعا ، ولو وقع ليلا أجل ثلاثة أيام تامة وتمام الليلة من الرابعة كذلك ».

وفيه أنه لا حاجة إلى إكمالها مع فرض الصدق بدونها بل وبدون الأولى ، ولكن دخلت تبعا للأيام كدخول المتأخرة إذا احتيج إلى التلفيق من يومها كما هو واضح.

ويعتبر في الذهاب إلى بلد المال حصول ما يحتاج إليه عادة من رفيق وغيره ، ولا يجب تحصيله بأجرة حملا للإطلاق على المعتاد الذي هو مراعى أيضا في بقائه أيضا في نفس البلد لتحصيل المال.

ثم إن المحكي عن التذكرة وصرح به في جامع المقاصد والمسالك كون المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدة المضروبة سقوطها إن لم يكن أخذ ، وتسلط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ.

قيل : ولعله كذلك ، لأن الحكم بالبطلان إنما هو مراعاة للمشتري ، فإذا رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقه ، وليس في إطلاق الرواية ما ينافي ذلك ، لأن غايتها إسقاط حق الشفيع من التسلط على المطالبة ، وهو لا يستلزم إسقاط حق المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.

وبالجملة لا دلالة فيها على بطلان حق الشفيع ، وعلى تقديره لا ضير فيه أيضا ، وإن هي حينئذ إلا كما ورد (١) في خيار التأخير من بطلان البيع مع إطباق الأصحاب على بقاء الصحة وثبوت الخيار لا فساده من أصله.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

٢٨٤

فما في الكفاية ـ من أن هذا التفصيل غير مذكور في الرواية ـ محل مناقشة إن أراد الرد بها عليه ، وإن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن إلا أنه لم يستند إليها في ذلك ، ولعله أخذه مما قدمناه من الحجة.

وفيه ما لا يخفى من أنه لا حجة تقتضي العدول عن ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) : « بطلت شفعته » وقوله عليه‌السلام (٢) : « ولا شفعة له » إلى إرادة نفي اللزوم لا الصحة بعد تعبير الأصحاب أيضا بالبطلان الظاهر في الانفساخ لو وقعت وعدم استحقاق لها إن لم تقع. لكن مع بقاء طلب المشتري إرادة الثمن من الشفيع ، لأن ذلك هو ظاهر النص (٣).

أما لو رضي بالتأخير في ابتداء الأمر أو في أثناء الثلاثة فلا يندرج في النص (٤) المزبور ، فيبقى على ما تقتضيه القواعد من الصحة ، بخلاف ما لو مضت الثلاثة وهو مستمر على طلب الثمن فلم يأت به الشفيع ، فان ظاهر النص حينئذ عدم الاستحقاق والانفساخ ، فلو رضي بعد ذلك لم يجد في ثبوت حق الشفعة أو في بقاء الثمن في ذمة الشفيع ، كما لو كان في الابتداء مثلا ، خصوصا بعد إمكان الفرق بينها وبين العقد الذي له جهة صحة ولزوم ، بل قاعدة الضرر ونحوها إنما تزلزل لزومه الذي هو مناط الضرر.

ومن هنا ينصرف ما دل على نفي الصحة فيه إلى اللزوم بخلاف الشفعة التي هي أشبه شي‌ء بالإيقاع وباختيار الفسخ واللزوم ونحو ذلك مما لم يجر فيه التعارف المزبور ، فبقاء اللفظ على حقيقته حينئذ أولى ، لعدم الصارف عنه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٨٥

هذا كله على القول بعدم مدخلية دفع الثمن في ملك الشقص ، وإلا فلا ريب في عدم الصحة ، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله ، والله العالم.

( و ) لا خلاف ولا إشكال في أنها ( تثبت للغائب ) بل عن الخلاف والتذكرة الإجماع عليه ، وفي محكي الغنية يستحق الشفعة من علم بالبيع بعد السنين المتطاولة بلا خلاف وإن كان حاضرا في البلد ، وكذلك حكم المسافر إذا قدم من غيبته.

ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى إطلاق الأدلة ـ خبر السكوني (١) المنجبر بعمل الطائفة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « وصي اليتيم بمنزلة أبيه ، يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة ، وقال : للغائب الشفعة ».

ولا فرق نصا وفتوى بين طول الغيبة وقصرها. نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يتمكن من الأخذ بنفسه أو وكيله كما صرح به الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم ، وإلا فإن أخر مع إمكان المطالبة كذلك بطلت شفعته كما صرح به في محكي التذكرة.

بل في التحرير « لو أشهد على المطالبة ثم أخر القدوم مع إمكانه فالوجه بطلان شفعته ، وكذا لو لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل فترك ».

وكذا لا تسقط شفعته بترك الاشهاد وإن تمكن منه فضلا عما لو عجز عنه أو قدر على إشهاد من لا يقبل قوله أو على من لم يقدم معه أو من يحتاج إلى التزكية.

أما لو ترك الطلب بمعنى إنشاء الأخذ قولا بعد علمه بالحال وعدم تمكنه من المسير والتوكيل في دفع الثمن فلم أجد لهم تصريحا فيه ، ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٨٦

ينساق من فحواه عدم بطلان الشفعة ، لعدم ثبوت الفورية على الوجه المزبور ، والأصل بقاؤها.

ولو كان للغائب وكيل عام ففي التحرير فله الأخذ بالشفعة مع المصلحة للغائب ، وكذا لو كان وكيلا في الأخذ وإن لم يكن مصلحة.

وفيه أنه لا فرق بينهما في مراعاتها مع الإطلاق وعدمها مع التصريح.

وفيه أيضا أنه « لو ترك هذا الوكيل الأخذ كان للغائب المطالبة بها مع قدومه ، سواء ترك الوكيل لمصلحة أو لا » وهو كذلك إن لم يكن ذلك منه إسقاطا لها مع فرض عموم وكالته ووجود المصلحة فيه.

ومن لم يعلم بالحال كالغائب وإن كان حاضرا ، وكذا المريض الذي لا يتمكن من المطالبة بنفسه ولا بوكيله ، ونحوهما المحبوس ظلما أو بحق يعجز عنه ، أما إذا كان محبوسا بحق يقدر عليه فهو كالمطلق ، إلى غير ذلك من الفروع التي ذكروها في المقام. مضافا إلى غيرها مما هو حاضر في الذهن.

لكن لا يخفى على من تأمل كثيرا منها أنه قد يتوهم الفرق بين الحاضر والغائب ، حيث ذكروا التأجيل للأول بالنسبة إلى إحضار المال بالثلاثة أيام ، وأنه متى انقضت ولم يحضره بطلت شفعته ، سواء كان ذلك لعذر أو لغير عذر ، بخلاف الغائب ، فإنه على شفعته مع فرض عدم تمكنه من القدوم والتوكيل ولو سنين ، سواء قار ( بادر خ ل ) في إنشاء الشفعة أو لم يقر ( لم يبادر خ ل ).

ولعله لظهور الحسن (١) المزبور المشتمل على التأجيل بالثلاثة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٨٧

غيره ، أما هو فباق على إطلاق الأدلة المقتضي لبقاء الشفعة ، والأصل عدم سقوطها.

ولكن التحقيق عدم الفرق بين الحاضر والغائب الذي هو أحد أفراد المطلق ، وإنما ذكره الأصحاب بخصوصه تبعا للنص عليه ، وإلا فالحاضر أيضا إذا فرض كون المانع له عن إحضار الثمن عذر شرعي مثل مرض أو حبس بحق يعجز عنه أو غير ذلك كان حكمه حكمهم ، ولا ينافيه الحسن المزبور الظاهر في البطلان من حيث عدم نضوض الثمن بمعنى عدم تيسره ، لا من جهة أخرى.

بل قد يقال بجريانه في الغائب ، على معنى أنه ينتظر به زيادة على زمن قدومه على المتعارف ثلاثة أيام أيضا من حيث تيسر الثمن ونضوضه الذي هو حكم الشفيع في نفسه ، كما عساه يومئ إليه تضمنه ذكر الثلاثة لمن ادعى غيبة الثمن في بلد آخر ، فلاحظ وتأمل جيدا ، فإن المسألة غير منقحة في كلامهم.

والمغمى عليه كالغائب كما في القواعد والتحرير وجامع المقاصد والدروس ، أي ينتظر إفاقته وإن تطاول الإغماء ، إذ لا ولاية لأحد عليه ، فلا يتصور الأخذ عنه ، كما في الدروس وجامع المقاصد ، فإن أخذ أحد لغا ، وإن أفاق وأجاز ملك من حين الإجازة لا قبلها ، فالنماء للمشتري قبلها ، قيل : ولعله لأنه لا مجيز له في الحال ، فيكون كالصبي الذي لا ولي له في أحد القولين.

وفيه أنه خلاف ما اختاره في البيع من عدم اشتراط هذا الشرط ، كما أن مختاره هناك كون الإجازة كاشفة ، ولذا قيل : إن ذلك منه بناء على عدم جريان الفضولي في الشفعة.

٢٨٨

وفيه أن ما ذكرناه من دليله شامل لها ، على أن مقتضاه عدم النقل أيضا ، والله العالم.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في ثبوتها ( للسفيه ) أيضا ، لإطلاق الأدلة ، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك ، بل هو مندرج في المحكي من معقد إجماع الغنية على أن لولي غير كامل العقل أن يأخذ له بالشفعة ، إلا أن الذي يأخذ له الولي ولو بإجازته له ذلك أو إذنه له فيه على حسب غيره من التصرفات المالية.

ولا ينافي ذلك اقتصار غير واحد ـ بل الأكثر على ما قيل ـ على الصبي والمجنون ، وخصوصا مثل عبارة المتن المذكور فيها ثبوت الشفعة للسفيه ، ومع ذلك اقتصر في أخذ الولي على الصبي والمجنون ، فان ذلك قد يوهم اختصاص أخذ الولي بهما دونه.

ومن هنا قال في المسالك : « كان على المصنف جمع الضمير المضاف إلى الولي ، ليتناول السفيه ، لئلا يتوهم أنه يتولى الأخذ دون الولي ، بقرينة تخصيص الطفل والمجنون بأخذ الولي ».

قلت : يمكن أن يكون ذلك للفرق بينهما بسلب عبارتهما دونه ، فلا يأخذ لهما إلا الولي بخلافه ، فإنه له الأخذ بنفسه مع إجازة الولي ، بل قد يحتمل جواز ذلك له مع رضا المشتري بالبقاء في ذمته أو إبرائها له ، وإن كان هو خلاف ظاهر الأصحاب.

وكذا لا أجد خلافا بينهم في ثبوتها للمفلس ، لإطلاق الأدلة ، وإمكان رضا المشتري بالبقاء في ذمته أو إبرائها ، أو استدانته من غير ماله الذي تعلق به حق الغرماء ، أو رضوا هم بدفع ذلك من ماله ، وإن كان لا يجب عليهم ، بل لهم منعه من ذلك بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال.

٢٨٩

وعلى كل حال يتعلق حينئذ حقهم بالشقص إذا شفع به كما في غير ذلك من المال المتجدد له.

نعم في القواعد والتحرير وجامع المقاصد ليس للغرماء الأخذ بها ولا إجباره عليها وإن بذلوا له الثمن ، ولا منعه منه وإن لم يكن له فيه حظ ، لأنه لا ملك له قبل الأخذ ليتعلق به حقهم ، وكونها حقا ماليا لا يقتضي التعلق المزبور للأصل ، ولا يجب عليه الاكتساب لهم ، ولأن ذلك حق له ، وليس من لوازمه التصرف فيما تعلق حقهم به من ماله ، فلا دخل له بذلك وإن لم يكن فيه حظ له.

ولو أخذ ولم يتيسر له الثمن ولم يرض المشتري بالصبر كان له الانتزاع منه ، ولا ينافيه تعلق حق الغرماء ، لأنه انتقل اليه على الوجه المزبور ، كما هو واضح.

( وكذا ) لا خلاف ولا إشكال في ثبوتها أيضا ( للمجنون والصبي ) بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى إطلاق الأدلة وخصوص خبر السكوني (١) المتقدم في الثاني منهما.

( و ) لكن ( يتولى الأخذ ) عنهما ( وليهما ) كما في غير ذلك من أمورهما ، نعم قيده المصنف ومن تأخر عنه بكون ذلك ( مع الغبطة ) إلا أنه لم نجده في كلام من تقدم عليه حتى معقد إجماع الخلاف وغيره ، ولعله لحظ الرغبة المراد بها المصلحة في الخبر المزبور (٢).

وفيه أنه يمكن إرادته ذلك في خصوص الوصي لا مثل الأب والجد الذي قد ذكرنا في غير المقام أن المعتبر في تصرفهما له عدم المفسدة كما هو ظاهر النصوص (٣) بل عن فخر الإسلام إطلاق ذلك في مطلق الولي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ و ١١ ـ من أبواب عقد النكاح والباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المهور ـ من كتاب النكاح والباب ـ ١١ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب الإرث.

٢٩٠

إلا أن الأصح الفرق بينهما وبين الوصي مثلا ، والله العالم.

( ولو ترك الولي المطالبة ) بالشفعة مع الغبطة ( فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله ( فلهما خ ل ) الأخذ ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه.

ولا ينافي ذلك التراخي المزبور ( لأن التأخير لعذر ( للعذر خ ل ) ) وهو الصبا والجنون ، وتقصير الولي لا يسقط حقهما الثابت لهما حال قصورهما بالنص (١) والفتوى ، وإنما المتجدد لهما عند الكمال أهلية الأخذ لا أصل الحق ، بل لو عفا الولي في الحال المزبور لم يمض عفوه حتى من الأب والجد مع فرض مفسدة في ذلك للمولى عليه.

كما لا ينافيه أيضا الضرر على المشتري بطول الانتظار ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النص والفتوى ، خصوصا بعد أن كان هو السبب في إدخال الضرر على نفسه بذلك ، وخصوصا بعد ثبوت مثله في الغائب.

بل لعل الأقوى جواز تجديد الولي الأخذ وإن ترك سابقا أو عفا ، كما صرح به بعضهم ، لبطلان تركه وعفوه ، فلا يترتب على أحدهما أثر ، وليس هما من التراخي المسقط للشفعة قطعا ، لأن تقصيره السابق بمنزلة عدمه بعد فرض بقاء حق الشفعة للمولى عليه.

اللهم إلا أن يكون بذلك فاسقا على وجه ترتفع به ولايته ، وفيه منع واضح ؛ وعلى تقديره يمكن عودها بالتوبة حينئذ ، فاستشكال بعضهم في ذلك بالنسبة إلى الولي خاصة دون الطفل مثلا عند بلوغه فان له الأخذ في غير محله ؛ كما هو واضح ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٩١

( و ) على كل حال لا غرامة عليه كما عن بعضهم التصريح به للأصل وغيره.

نعم ( إذا لم يكن في الأخذ غبطة ) حيث تعتبر أو كان فيه فساد حيث يكون عدمه هو المعتبر ( فأخذ الولي ) مع ذلك ( لم يصح ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأن الفرض عدم تصرفه على الوجه المشروع ، وكان ضامنا لما دفعه من الثمن ، والشقص باق على ملك المشتري.

هذا وفي جملة من كتب الفاضل وجامع المقاصد والروضة أنه لا شفعة لهما بعد الكمال إذا كان الترك من الولي أصلح من الأخذ ؛ أو كان في الأخذ فساد على المولى عليه.

ولعله كذلك إذا كان ذلك لإعسار الصبي ونحوه مما يقتضي عدم ثبوت الشفعة له للعجز ، بناء على سقوط الشفعة به كما عرفت. أما إذا لم يكن كذلك فيشكل السقوط ، لإطلاق الأدلة. ولا ينافيه عدم جواز أخذ الولي المعتبر فيه المصلحة أو عدم المفسدة.

ولعله لذا قال في محكي الخلاف : « إذا كان للصبي شفعة والحظ له في تركه فترك الولي وبلغ الصبي رشيدا فله المطالبة بالأخذ وله تركه ، لأنها حقه ، وليس على إسقاطها دليل ، وأيضا جميع العمومات التي وردت في وجوب الشفعة تتناول هذا الموضع ، ولا دلالة على إسقاطها بترك الولي ».

وهو جيد جدا ، بل هو مقتضى كل من أطلق أن لهما الشفعة مع الكمال لو ترك الولي من غير تقييد بما إذا كان ذلك مع الغبطة.

فما في الرياض ـ من أنه لا يظهر خلاف في أنه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم بعد ارتفاع المانع الأخذ بالشفعة ـ في غير محله.

ودعوى أنه إذا كان حينئذ الحظ في الترك وجب أن يصح كما يصح الأخذ واضحة الفساد ، إذ ليس من آثار صحة الترك سقوط حق الشفعة‌

٢٩٢

للمولى عليه ، بل أقصاه موافقة الشارع فيما قرره له في الفعل والترك. نعم لو عفا وأسقط وفرض مصلحة تقتضي صحة ذلك كان من آثارها السقوط ، فلا شفعة لهما بعد الكمال لذلك.

ولو جهل الحال أن ذلك كان لمصلحة أو لا فهو كباقي تصرفات الولي ، لكن في القواعد « فلو ترك فلهما بعد الكمال المطالبة إلا أن يكون الترك أصلح » وفي جامع المقاصد « أن مقتضاه أن لهما المطالبة مع الجهل لظهور كون الاستثناء متصلا ـ ثم قال ـ : وفيه لأن المطالبة (١) فرع الثبوت حينئذ ، والثبوت إنما يتحقق مع المصلحة ، والفرض جهالة الحال ، فلا مقتضي للثبوت ، وهذا وجيه ».

قلت : مضافا إلى حمل فعل المسلم أو تركه على الوجه الصحيح ، وخصوصا الولي الذي لا اعتراض للمولى عليه إلا مع العلم بفساد فعله وتركه ، ولولا ذلك لكان المتجه الثبوت للاستصحاب ، ولا دليل على اشتراط ذلك بترك الولي له مع المصلحة فيه.

ومن ذلك يعلم ما في الروضة تبعا لما سمعته من جامع المقاصد « فان ترك في موضع الثبوت أي مع المصلحة فلهم عند الكمال الأخذ لا من ترك لعدم المصلحة ، ولو جهل الحال ففي استحقاقهم الأخذ نظرا إلى وجود السبب فيستصحب ، أم لا التفاتا إلى أنه مقيد بالمصلحة ولم يعلم؟ وجهان ، أجودهما الثاني » والله العالم.

( وتثبت الشفعة للكافر على مثله ) وإن كان البائع مسلما بلا خلاف ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن المعارض عدا إطلاق‌ الخبر (٢) « ليس لليهودي والنصراني شفعة » ‌

__________________

(١) وفي جامع المقاصد « وفي استحقاقهما المطالبة والحال هذه نظر ، لأن المطالبة فرع. ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٩٣

المقيد إجماعا بإرادة نفيها لهما على المسلم الذي أشار إليه المصنف بقوله :( ولا تثبت له على المسلم ولو اشتراه من ذمي ) أو غيره بلا خلاف فيه أيضا ، بل الإجماع بقسميه عليه. بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا ، مضافا إلى الخبر المزبور وقوله تعالى (١) ( لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) وإلى‌ أن « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٢) فلا يقهر الكافر المسلم على أخذ ماله من يده.

( وتثبت للمسلم على المسلم والكافر ) إجماعا أو ضرورة من المذهب إن لم يكن الدين ، والله العالم.

( وإذا باع الأب أو الجد ) وإن علا ( عن اليتيم ) أو المجنون ( شقصه المشترك معه ) لمصلحة إنفاق أو غيره ( جاز أن يشفعه ) كما صرح به الشيخ والفاضل في بعض كتبه وولده والشهيدان والكركي على ما حكي عن بعضهم ، لإطلاق الأدلة ، بل لا أجد فيه خلافا.

نعم في قواعد الفاضل « وللأب وإن علا الشفعة على الصغير والمجنون وإن كان هو المشتري أو البائع عنهما على إشكال » بل في مختلفه الجزم بالعدم في الوكيل على بيع ما يستحق الشفعة به ، محتجا بأن قبول الوكالة رضا منه بالتمليك للمشتري ، وحينئذ تسقط الشفعة ، بل في جامع المقاصد توجيه الاشكال المزبور بذلك.

ولكنه كما ترى ، ضرورة عدم الدلالة على ذلك ، بل لعل إيقاع العقد المذكور تمهيد للأخذ بها وتحقيق لسببه ، فلا يكون الرضا به مسقطا لها بل الرضا بالسبب رضا بالمسبب ، لا أن إيجاد العلة ـ وهي البيع ـ ينافي طلب المعلول وهو الشفعة.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث ـ الحديث ١١ من كتاب الإرث.

٢٩٤

( و ) دعوى أن عدم الشفعة للتهمة له بتقليل الثمن يدفعها ـ مع ان ذلك مناف لائتمانه الشرعي ـ إمكان فرض بيعه على وجه ( ترتفع التهمة ) بإحضار العدول والحضور عند الحاكم ونحو ذلك ( لأنه ) أي الأخذ بها ( لا يزيد عن بيع ماله من نفسه ) المعلوم جوازه ، فالإشكال في ذلك فضلا عن الجزم بالعدم في غير محله.

وكذا تثبت الشفعة للولد على والده ، لإطلاق الأدلة ، وإن قال في جامع المقاصد : « فيه احتمالان وفي الاستحقاق قوة ».

بل مما ذكرنا يعلم ثبوتها أيضا للوكيل في البيع والشراء ، بل في جامع المقاصد « أن ذلك له قولا واحدا » وإن كان فيه أن المخالف الشيخ فيما حكي من مبسوطة والفاضل في المختلف ، واستشكل فيه في محكي التذكرة ، لنحو ما سمعته سابقا ، وقد عرفت ضعفه.

لكن لم يظهر لنا الفرق بين الولي والوكيل حيث حكي عن المبسوط أن للأول الشفعة بخلاف الثاني ، كما أن المحكي عنه في التذكرة الجزم بها للأول والتوقف فيها في الثاني ، ونحوه الكلام في العبد المأذون.

( و ) كيف كان فـ ( ـهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ ) في مبسوطة ( لا ) يجوز له ذلك ( لمكان ( لإمكان خ ل ) التهمة ) ولفظه : « إذا باع ولي اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه لم يكن له الأخذ بالشفعة إلا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي متهم ، فيؤثر تقليل الثمن ، ولأنه ليس له أن يشتري لنفسه بخلاف الأب والجد ».

ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ولذلك قال المصنف ( ولو قيل بالجواز كان أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ( كالوكيل ) الذي قد عرفت الحال فيه ، بل جزم به الفاضل في بعض كتبه والشهيدان والكركي لما عرفته ، بل عن ظاهر المختلف الإجماع‌

٢٩٥

على أنه يجوز للوصي أن يشتري لنفسه كالأب والجد ، وفي جامع المقاصد والمسالك لا بحث في الصحة إذا رفع أمره إلى الحاكم فباع فأخذ بالشفعة لارتفاع التهمة حينئذ.

وهو جيد لو انحصر مستند الشيخ في ذلك ، وقد سمعت التعليل به وبغيره ، وإن كان هو فاسدا كما عرفت ، والله العالم.

( وللمكاتب ) المشروط والمطلق ( الأخذ بالشفعة ) بلا خلاف ولا إشكال ، لانقطاع سلطنة المولى عنه بالنسبة إلى ذلك ( و ) حينئذ فـ ( ـلا اعتراض لمولاه ) عليه حتى لو كان هو البائع أو المشتري.

ولو باع المكاتب شقصا على المولى ببعض مال الكتابة ثبتت الشفعة لشريكه ، فان كان مشروطا وفسخت الكتابة فالأولى بقاء الشفعة اعتبارا بحال البيع ، وربما احتمل سقوطها لخروجه بذلك عن كونه مبيعا ، والأول أصح.

( ولو ابتاع العامل في القراض شقصا وصاحب المال شفيعه ) لأنه مشترك بينه وبين غيره ( فقد ملكه بالشراء ) مع فرض عدم الربح ( لا بالشفعة ) بلا خلاف أجده فيه بيننا ولا إشكال ، لأن العامل كالوكيل عن المالك ، فكل ما يشتريه للقراض هو ملك لرب المال ، فلا يتصور شفعة له حينئذ في ماله ، إذ الملك لا يملك من جهتين ، واستحقاقه القصاص على عبده لو جنى عليه ليس ملكا لملكه.

فما عن الكركي في بعض حواشيه المكتوبة بخطه على جامع المقاصد ـ من أنه لا يمتنع أن يستحق الملك بالشراء ثم بالشفعة ، إذ لا يمتنع اجتماع العلتين على معلول واحد ، لأن علل الشرع معرفات ـ واضح الفساد وان كان ستسمع اختيار مثله من المصنف والفاضل وغيرهما في الفروع على القول بالكثرة ، ضرورة عدم وجود العلة بعد أن‌

٢٩٦

كان الشراء له بالوكالة عن العامل ، والفرض ظهور أدلة الشفعة بل صراحتها في بيع الشريك حصته من غير من له الشفعة ، كما هو واضح.

( و ) حينئذ فلو أراد المالك الاختصاص به بأن يفسخ المضاربة فيه ( لا اعتراض للعامل إذا لم يكن ظهر ربح ، و ) لكن ( له المطالبة بأجرة عمله ) المحترم كما في غير ذلك من أعيان المضاربة.

وإن لم يختر المالك الفسخ بقيت المضاربة بحالها ، وليس للعامل أجرة بل له شرطه من الربح ، ولا يلزم من ملك صاحب المال له الفسخ ، فان جميع مال القراض مملوك له ، وذلك كله واضح من قواعد الشفعة والمضاربة.

فمن الغريب ما عن المبسوط من عدم الترجيح في المسألة ، والاقتصار على نقل أقوال ثلاثة فيها : أحدها ما عرفته ، والثاني أنه يأخذه بالشفعة ، والثالث عدم أخذه بها ولا بغيرها ، وكأنها للعامة ، ولا وجه للأخيرين منها فيما فرضناه من موضوعها.

نعم لو ظهر الربح للعامل في المبيع وقلنا بملكه بذلك على وجه يكون شريكا للمالك بمقدار ما يخصه من الربح فالمتجه الموافق لقواعد المضاربة أنه حينئذ يكون شريكا في الشقص مع صاحب المال ، سواء فسخ المضاربة أم لا ، وليس لصاحب المال أن يأخذ نصيب العامل من الربح بالشفعة أيضا ، لأن العامل لم يملكه بالشراء الذي هو شرط ثبوت الشفعة ، وإنما ملكه بظهوره ، سواء قارن الشراء أم تأخر.

نعم لو فرض أن ما اشتراه به من الثمن قد ظهر فيه الربح وقلنا بملكه به على وجه صار شريكا اتجه حينئذ كون المبيع مشتركا بينه وبين المالك بالبيع ، بل اتجه أخذ المالك فيه بالشفعة ، أما في الفرض فلا ملك للعامل بالبيع وإن كان الربح مقارنا ، لأن ملكه طار على ملك‌

٢٩٧

رب المال ، فالبيع لم يفد إلا ملك رب المال بأجمعه للمبيع ، لأن الثمن له.

ثم إن العامل يملك ولو على جهة الترتب الذاتي ، وحينئذ فليس ذلك من أسباب استحقاق الشفعة ، لاختصاص موردها بالبيع نصا وفتوى ، وليس لصاحب المال قطع تسلط العامل على الحصة بالفسخ ورده إلى الأجرة ، كما تسمعه من بعض الشافعية ، بل يستقر ملكه عليها إن لم يتجدد ما يبطله كخسارة المال لا غير ، لأصالة بقاء ملكه عليه إلا بوجه ناقل شرعا ، وهو منتف هنا.

وهذا هو حاصل ما في الدروس « وليس للمالك أخذ ما اشتراه العامل بالشفعة ، بل له فسخ المضاربة فيه ، فان كان فيه ربح ملك العامل نصيبه ، وإلا فله الأجرة ».

لكن في قواعد الفاضل « ويملك صاحب مال القراض بالشراء ، لا بالشفعة إن لم يكن ربح أو كان ، لأن العامل لا يملكه بالبيع ، وله الأجرة ».

وربما استظهر منه أن للمالك الاختصاص بالعين على كل حال وأنه ليس للعامل إلا الأجرة وإن كان قد ظهر الربح.

ولذا حكى في جامع المقاصد النظر فيه عن حواشي الشهيد بأن فتوى المصنف ملك الربح بالظهور ، وحينئذ يملك العامل حصة من الشقص ويكون شريكا قال : « ثم أجاب بما لا يدفع السؤال ، ثم اعترف بورود السؤال ».

قلت : قد يدفع بأن المراد استحقاق الأجرة مع الفسخ وعدم ظهور الربح ، كما عساه يشعر به قوله : « لأن العامل » إلى آخره المراد منه أنه وإن كان ربح ويملكه العامل إلا أن ملكه له بسبب اقتضاء عقد المضاربة ذلك ، لا البيع الذي لم يحصل منه إلا ملك رب المال للجميع‌

٢٩٨

باعتبار كون الثمن ملكا له وملك العامل طار عليه ، فلا شفعة له بملك العامل ، لأنه لم يملكه بالبيع الذي هو عنوان الشفعة ، وإنما ملكه بظهور الربح ، والذي ملكه بأجمعه أولا بالبيع إنما هو رب المال ، فلا يتصور له شفعة على كل حال.

بل يشهد لذلك أيضا ما في تحريره قال فيه : « ولو اشترى المضارب بمال القراض شقصا في شركة رب المال فليس لرب المال فيه شفعة على الأقوى لأن الملك له ، ولو كان فيه ربح فكذلك ، شواء قلنا إن العامل يملك بالظهور أو بالإنضاض ، لأنه شراء مأذون فيه ، وإن لم يكن ظهر ربح لم يكن للعامل اعتراض ، ولو كان له الأجرة عن عمله » أي لا اعتراض له عليه لو أراد فسخ المضاربة والاستبداد بالشقص وإن كان له حينئذ أجرة عمله ، كما في غيره من أعيان المضاربة مع فرض عدم الربح ، أما معه فله نصيبه.

وحينئذ فينزل ما في القواعد على إرادة هذا المعنى ، وكأنهم أهملوه اتكالا على قواعد المضاربة ، ولعل هذا أولى من دفعه بما في التذكرة عن بعض الشافعية من الوجه الثالث في المسألة ، وهو أن للمالك أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة ، لأنه لما امتنع استحقاقه الشفعة فلا أقل من أن يستحق قطع سلطنة العامل عن الشقص ، لأنه ممكن ، فلا يلزم من امتناع الشفعة لامتناعها انتفاء هذا ، كما نقول فيما إذا جنى المرتهن على عبد المولى ، فإنه يكون للمولى فكه من الرهن بسبب الجناية ، وحينئذ فيكون على صاحب المال اجرة المثل عن عمله لكونه محترما ، سواء ظهر فيه ربح أو لا ، إذ يرد عليه أن فسخ المالك إذا طرأ على المضاربة لا يسقط استحقاق العامل من الربح الذي ثبت استحقاقه ، لأن الفسخ إنما يؤثر بالنسبة إلى مستقبل الزمان لا فيما مضى ، فيجب أن يقال : إن ظهر ربح فللعامل‌

٢٩٩

حقه منه إن قلنا يملكه بالظهور ، وإلا فله الأجرة ، وهو المطابق لما سمعته من الدروس.

والمناقشة فيه ـ بأن هذا الحكم آت في جميع أقسام المضاربة فلا خصوصية لكون الشقص مشفوعا في ثبوت الفسخ ـ يدفعها أنه لا مانع من كون الحكم كذلك ، إذ لم يظهر من أحد أن لما هاهنا خصوصية ، بل يمكن إيكال ما في بعض العبارات من الإجمال إلى وضوح الأمر بملاحظة قواعد المضاربة.

وكأن الذي دعاهم إلى ذكر الفرع أن الشيخ في المبسوط ذكره ، وذكر فيه أقوالا ولم يرجح أحدها ، فأرادوا تنقيح ذلك على قواعد الإمامية تعريضا بما سمعته من بعض الشافعية.

هذا ولكن في جامع المقاصد « يمكن الجواب عن السؤال الأول بأن العامل وإن استحق الحصة من الربح بالظهور إلا أن استحقاق الاختصاص بسبب الشركة سلط المالك على قطع استحقاقه من العين ، فإن الشركة هنا إن لم تكن موجبة لاستحقاقه التملك لكونه مالكا حقيقة فلتكن رافعة لتملك العامل بعض العين ، ومتى فات حقه من الربح استحق اجرة المثل ولو لم يظهر ربح ففي استحقاق الأجرة إلى حين الفسخ كلام يأتي إنشاء الله تعالى ، وهذا لا بأس به ، إذا عرفت ذلك فقول المصنف :لأن العامل لا يملكه بالبيع تعليل لقوله : يملك صاحب مال القراض بالشراء لا بالشفعة على تقدير الربح ، ومعناه أن استحقاق العامل متأخر عن العقد ، فلا يمكن أخذه بالشفعة ، وفيه تنبيه على استحقاق العين والاختصاص بها من دون العامل وإن ظهر ربح ، لأن حق المالك وهو الاختصاص بسبب الشركة أسبق ، فلا يزيله حق العامل الطاري ، بل‌

٣٠٠