جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والصلح ونحو ذلك. ( و ) الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في ( النظر في ذلك ) أي كتاب الشفعة وهو ( يعتمد ( يستدعي خ ل ) خمسة مقاصد : )

( الأول)

( في ما تثبت فيه الشفعة و )

لا خلاف بيننا بل وبين غيرنا عدا النادر الذي عرفته في أنها ( تثبت في الأرضين كالمساكن والعراص والبساتين ) بل تثبت في ذلك ( إجماعا ) بقسميه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص من الطرفين (١).

( وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل ) والقائل الإسكافي والشيخان في المقنعة والنهاية والاستبصار والصدوقان والمرتضى وأبو صلاح وابن البراج وابنا زهرة وإدريس بل وحمزة في الظاهر على ما حكي عن بعضهم ( نعم ) تثبت ( دفعا لكلفة القسمة ، واستنادا إلى ) رواية يونس عن بعض رجاله (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام التي ستسمعها ، ونفي عنه البعد في الدروس واختاره في الرياض ، وفي المسالك وغيرها نسبته إلى أكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وأنه من متفردات الإمامية ، بل عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٤١

ابن إدريس الإجماع أيضا وإن كنا لم نتحققه ، لأن عبارته المحكية عنه في المختلف كما تحتمل ذلك تحتمل إرادة عموم معقد الإجماع أو إطلاقه فلاحظ.

( وقيل ) والقائل الشيخ والطبرسي والراوندي وسلار والفاضل ووالده وولده والآبي والشهيدان في اللمعة والروضة على ما حكي عن بعضهم :( لا ) تثبت ، بل عن الخلاف نسبته إلى أكثر أصحابنا ، بل عن التذكرة إلى المشهور ، بل في الدروس نسبته إلى المتأخرين ( اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع ، واستضعافا للرواية المشار إليها ، وهو أشبه ) عند المصنف وفاقا لمن عرفت.

إلا أن الرواية المزبورة رواها‌ المشايخ الثلاثة (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل يكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : الشفعة جائزة ـ وفي الفقيه واجبة ـ في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره وإن زاد على اثنين فلا شفعة لأحد منهم ».

ومعتضدة بما في‌ الفقيه بإسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن سنان (٢) « أنه سأله عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه ، قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه ، فلما أقدم على البيع قال له الشريك : أعطني ، قال : هو أحق به ، ثم قال عليه‌السلام : لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا ».

وبصحيح ابن سنان (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهم : أنا أحق ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٤.

٢٤٢

إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا ».

وبصحيح الحلبي (١) في التهذيب وحسنه كالصحيح في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا أنه قال « في المملوك بين شركاء يبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به ، إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا ، قيل له : في الحيوان شفعة؟ قال : لا » المحمول على إرادة نفيها في الحيوان إذا لم يكن الشريك واحدا بشهادة خبر الفقيه الذي به أيضا يقيد إطلاق نفيها في الحيوان في غير الخبر المزبور. وبذلك جمع الشيخ بينها ، ولعله أولى من الجمع بينها بتخصيص المملوك من الحيوان ، كما تسمعه من الفاضل في المختلف ، وعلى كل حال فهي مؤيدة لمرسلة يونس.

مضافا إلى إطلاق‌ قول أبي عبد الله عليه‌السلام في حسن الغنوي (٢) « سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك؟ ويعرض على الجار وهو أحق بها من غيره؟ فقال : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن » وغيره من الإطلاقات.

وإلى ما يفهم من‌ خبر عقبة بن خالد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرض والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرفت الأرف وحددت الحدود فلا شفعة ».

كل ذلك مضافا إلى الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المزبورة الجابرين لما في النصوص المزبورة من الضعف في السند أو الدلالة. مضافا إلى مخالفة العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٤٣

وربما نوقش في الشهرة المزبورة بأن الصدوقين وابن أبي عقيل لم يذهبوا إلى الإطلاق المزبور.

قال في المقنع : « لا شفعة في سفينة ولا طريق ولا حمام ولا رحى ولا نهر ولا ثوب ولا في شي‌ء مقسوم ، وهي واجبة في كل شي‌ء عدا ذلك من حيوان أو أرض أو رقيق أو عقار ».

وقال أبوه : « الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو عقار أو رقيق إذا كان الشي‌ء بين شريكين ، وليس في الطريق شفعة ولا في نهر ولا في رحى ولا في حمام ولا في ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم ».

ولعله لذا حكى عنهما في الدروس إثباتها في الرقيق والحيوان.

وقال ابن أبي عقيل : « لا شفعة في سفينة ولا رقيق ».

وفي النهاية بعد أن صرح بثبوت الشفعة في الضياع والعقار والحيوان والمتاع قال : « ولا شفعة فيما لا يصح قسمته مثل الحمام والأرحية وما أشبههما ».

ومن ذلك يعلم أن في المسألة أقوالا لا قولين خاصة ، كما عساه يظهر من المصنف وغيره ثبوتها في المنقول مطلقا وعدمها فيه كذلك ، والتفصيل بما سمعته من الصدوقين والشيخ في النهاية ، بل ومن ابن أبي عقيل إذا كان يثبتها فيما عدا ما ذكر ، وتفرد الفاضل في المختلف بثبوتها في الأراضي وفي خصوص المملوك وإن حكاه المصنف فيما يأتي ، إلا أنا لم نتحققه.

ولا يخفى عليك وجه الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مضافا إلى‌ خبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٤٤

ولا في رحى ولا في حمام ».

وخبر سليمان بن خالد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس في الحيوان شفعة ».

والمرسل في الكافي (٢) « إن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين والدور فقط » المنجبر بما عرفت من الشهرة بين المتأخرين بل إطباقهم ، بل قد سمعت حكايتها على الإطلاق.

وقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان (٣) : « لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما ».

وقوله عليه‌السلام في خبر السكوني (٤) : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم ».

وقول أحدهما عليهما‌السلام في المرسل (٥) : « الشفعة لكل شريك لم يقاسم ».

وقول علي عليه‌السلام (٦) : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم ».

والمرسل في الفقيه (٧) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بالشفعة ما لم تؤرف. يعني تقسم » بناء على ظهورها في كون مورد الشفعة القابل للقسمة ، بخلاف الحيوان ونحوه ، بل ذكر الأرف التي هي علامة الحدود في قسمة الأراضي مشعر بأن موردها خصوص الأراضي.

بل في بعض كتب الشافعية أن الأصل في عدم ثبوتها في المنقول‌ حديث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٨.

٢٤٥

جابر (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بالشفعة فيما لم يقسم ، ماذا وقعت الحدود وطرقت الطرق فلا شفعة » ورواه البخاري (٢) « إنما الشفعة » إلى آخره باعتبار أنه خصها بما تدخله القسمة والحدود والطرق ، وهذا لا يكون في المنقولات.

بل عن الشيخ الاستدلال بهذه النصوص على الاختصاص ، مضافا إلى‌ خبر جابر منها « لا شفعة إلا في ربع أو حائط » ورواه في الإسعاد « الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع » (٣).

والانصاف أن ذلك كله مما يورث الشك للفقيه ، خصوصا بعد عدم الشهرة المحققة المعتد بها للقدماء في ذلك ، بل ما حكاه المرتضى عن العامة من اتفاقهم عدا مالك على عدم ثبوتها في المنقول معارض بما عن الخلاف من حمل مرسل يونس (٤) على التقية من أبي حنيفة ومالك ، كما أن ما ادعاه من الإجماع لم نتحققه ، إذ لم نعرف من وافقه على ذلك ممن تقدمه إلا المفيد ، مع أنه حكى عنه في المختلف أنه لم يصرح بشي‌ء ، وإن كان هو خلاف الموجود عندنا في مقنعته من التصريح بذلك في آخر كلامه ، وإلا ابن الجنيد ، ولم نقف على عبارته ، وليس النقل كالعيان ، أما الصدوقان وابن أبي عقيل فقد عرفت الحال في كلامهم.

وأما النصوص السابقة المرسل بعضها والمضطرب الآخر منها في الحيوان الذي يستبعد الجمع بينها بما ذكرناه ، لأن السؤال في بعضها قد‌

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٢.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٢.

(٣) كنز العمال ـ ج ٤ ص ٢ ـ الرقم ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٤٦

وقع عنه بعد المملوك المقيد بوحدة الشريك ، على أن حمل النصوص المطلقة على ذلك مع عدم خصوصية للحيوان في غاية البعد ، كطرح نصوص السفينة ، والإطلاقات المزبورة يشك في إرادة الفرض منها ، خصوصا مع ملاحظة الشهرة وعدم سوقها لبيان نحو ذلك.

فالتحقيق حينئذ الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصول العقلية والنقلية ، وهو الأخذ في غير المنقول ، وحمل النصوص في المملوك والحيوان (١) على ضرب من الندب ، بل لا يبعد حمل مرسل يونس (٢) عليه ، والله العالم. هذا كله في المنقول فعلا.

( أما الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيها الشفعة تبعا ل ) بيع ( الأرض ) بلا خلاف أجده فيه ، بل عن المبسوط نفيه في موضعين ، بل قيل إن ظاهره نفيه بين المسلمين ، ولعله كذلك ، بل قد يظهر من ذكر القولين فيما لو أفردا في المتن وغيره الإجماع على ثبوتها في صورة الضم.

كل ذلك مضافا إلى دخول الأبنية في المساكن التي قد سمعت التصريح بها وبالدور في نصوصنا (٣) نعم ليس في شي‌ء منها ذكر الحائط بمعنى البستان الشامل للأرض والغرس ، وانما هو موجود في نصوص العامة (٤) إلا أنه لا فرق عند الأصحاب بينه وبين البناء ، كما أنه ليس في شي‌ء من نصوصنا لفظ البناء ، بل فيها الأراضي والمساكن والدور ، ومن هنا قد يتوقف فيما لا يدخل تحت اسم المسكن والدار من البناء ، كجدار ونحوه وإن حكي عن ظاهر جماعة وصريح آخرين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٤ و ٥ ـ من كتاب الشفعة.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ١٠٤ و ١٠٩.

٢٤٧

ثبوت الشفعة فيه تبعا للأرض ، لكنه لا يخلو من نظر ، اللهم إلا أن يكون ذلك مثالا لكل ما يثبت في الأرض ، سواء كان مسكنا أو غيره

نعم لا إشكال في تناول اسم الدار لجميع ما يثبت فيها من الأبواب والأخشاب والأعتاب ونحوها من المنقولات التي أثبتت تبعا للدار ، بل في بعض كتب الشافعية دخول المفاتيح أيضا ، وإن كان فيه منع واضح وإن قلنا بتبعيتها لبيع الدار عرفا ، كتبعية ثياب العبد ومقود الدابة ورحلها ، إلا أن ذلك لا يقتضي التبعية في الشفعة التي مدارها اسم البستان والدار والمسكن لا ما يتبعها عند بيعها ، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

على أن الأصل المزبور يقتضي الاقتصار على المتيقن ، ولعله لذا جزم في القواعد والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد بعدم الشفعة فيما لو كانت أرض الغرفة سقف صاحب السفل المختص ، لعدم التبعية لأرضه حينئذ ، ولكن في الدروس لا شفعة فيها عند الفاضل مشعرا بنوع تردد فيه.

أما لو كان السقف لهما ففي القواعد إشكال ، من حيث إنه في الهواء ، فليس بثابت ، ولا ترجيح في التحرير والدروس ، بل في التذكرة الأقرب أن لا شفعة ، بل في جامع المقاصد أنه الأصح ، لأن ثبوت الشفعة فيها تبعا للأرض ولا أرض هنا ، وعدم النقل عادة لا يخرجها عن كونها منقولة في الأصل وصائرة إلى النقل.

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، لصدق اسم المسكن والدار ، وكون الشي‌ء منقولا أو ثابتا ليس عنوانا في شي‌ء من النصوص ، ولعله لذا حكي عن الفخر أن الأولى ثبوت الشفعة ، بل لولا ذلك لأشكل حينئذ الشفعة في مسكن الأسفل ، باعتبار أن أعلاه ملك لغيره ، إلا أنه كما ترى يمكن القطع بعدمه ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا إشكال في البناء والغرس التابع للأرض‌

٢٤٨

نعم ( لو أفردا بالبيع نزل على القولين ) السابقين بلا خلاف أجده فيه ، وكذا لو بيعا مع أرض اخرى.

أما لو بيعا مع مغرسهما وأسهما خاصة من أرض البستان والدار فالأصح عند الشافعية عدم الشفعة ، لأن المبيع من الأرض هنا تابع ، وهو الأس والمغرس ، والمتبوع هو البناء والشجر (١) ولا يخلو من وجه للشك في التبعية هنا ، لعدم صدق البستان والدار على الفرض ، إذ هما اسم للمجموع المركب من ذلك وهو المدار.

ومنه حينئذ يعلم عدم الشفعة في الدار التي أرضها غير مملوكة للشريكين ولو لأنها مفتوحة عنوة وقلنا بعدم ملكها تبعا للآثار ، أو كانت وقفا على غيرهما أو كانت مستأجرة أو عارية أو نحو ذلك ، فإنها وإن صدق عليها اسم الدار والبستان لكنه لا بيع فيها لأرضها مع الآثار حتى تتحقق الشفعة حينئذ.

ولو كان في أرض البستان أو الدار زرع بجز مرة بعد أخرى فالذي صرح به بعض الشافعية الشفعة في أصوله وإن كان الجزة الظاهرة لا شفعة فيها. أما إذا لم يكن كذلك بل يجز دفعة واحدة ويؤخذ فلا شفعة فيه قلت : لعل الأصح خلافه فيهما ، ضرورة عدم دخولهما في اسم الحائط والدار حتى تتحقق الشفعة فيه ، وليس هو من التوابع الثابتة ، ومن هنا كان المحكي عن الخلاف وفقه الراوندي والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد وغيرها عدم الثبوت فيه من دون تفصيل.

ولو كان في الدار نخلة أو شجرة أو نحوهما مما لا تسمى بستانا فلا شفعة فيها ببيع الدار ، إذ ليس هي منها في شي‌ء ، والتبعية الجعلية في البيع لا تجدي ، بل قد عرفت أن التبعية العرفية كذلك ما لم تدخل في المسمى على وجه تكون من أجزاء الدار عرفا ، مثل الرفوف المثبتة فيه.

__________________

(١) في النسختين الأصليتين « والمتبوع وهو البناء والشجر » والأولى ما أثبتناه.

٢٤٩

بل لو فرض بناء بيوتها أجمع بالخشب ونحوه ثبت فيها الشفعة تبعا للأرض ، لصدق اسم المسكن والدار ، بل لا يبعد إلحاق بناء القصب ونحوه مما يكون مبنيا على الثبات والدوام على وجه الجزئية منها ، فتأمل جيدا ، فان المدار ما عرفت ، وإلا فالفروع المتصورة في المقام كثيرة لا يصعب عليك بحمد الله شي‌ء من أحكامها بعد الإحاطة بما ذكرناه ، حتى أصالة عدم الشفعة مع الشك.

نعم تتجه الشفعة في ذلك وإن لم تدخل تحت اسم المسكن والبستان والدار بناء على أن البناء والغرس مثال لكل ما يثبت في الأرض على هذا النحو ، ولذا تثبت الشفعة في الحمام والدكان والرحى والبئر ونحوها مع السعة ، ولا يدخل شي‌ء منها في اسم البستان والدار ، كما أومأنا إليه في الجدار المبنى في أرض.

ومن ذلك ينقدح الشفعة حينئذ في النخلة في الدار وفي المنارة مثلا في البستان ، بل وفي البيوت التي تبنى فيها لأجل إحراز الثمرة أو لأجل حيواناتها أو لنحو ذلك ، بل وما يثبت فيها من حشيش ونحوه وإن كان مما ينقل ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان ففي التحرير والنافع ( من الأصحاب من أوجب الشفعة في العبد ) من المنقول خاصة ( دون غيره من الحيوان ) فضلا عن غيره ، إلا أنا لا نعرفه كما اعترف به الشهيد وغيره ، نعم قد سمعت من الفاضل في المختلف اختياره ، لصحيحي المملوك (١) السابقين ، ونفي الشفعة في الحيوان في أحدهما وفي غيرهما من النصوص.

لكن ـ مع أنه قول ـ لم نعرف من وافقه عليه لا ممن تقدمه ولا ممن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣ و ٤.

٢٥٠

تأخر عنه ، بل قد عرفت ما في خبر الفقيه (١) المشتمل على نفيها في الحيوان مع التعدد ، وبه يجمع بين النصوص.

فالمتجه حينئذ عدم الفرق بين المملوك وغيره من أصناف الحيوان إلا أنك قد عرفت ما يدل على عدم جريانها في مطلق المنقول حيوان وغيره ، على وجه لا تقاومه النصوص المزبورة بحيث يقيد بها ، وكذا مرسل يونس السابق وغيره مما سمعت ، ولا أقل من حصول الشك بعد تصادم المرجحات جميعها ، والأدلة كذلك حتى المطلقات ، فيتجه الرجوع إلى الأصل الذي مقتضاه عدم ثبوت الشفعة في غير محل اليقين كما سمعت الكلام فيه سابقا.

بل من ملاحظة الأصل المزبور يرجح حينئذ اعتبار قابلية القسمة في محل الشفعة ( و ) إن قال المصنف ( في ثبوتها في النهر والطريق والحمام و ) نحوها مـ ( ـما يضر قسمته تردد ).

لكن ( أشبهه ) بأصول المذهب وقواعده التي قد سمعتها ( أنها لا تثبت ) وفاقا للشيخ وسلار وابني حمزة والبراج والفاضل وولده والشهيد وأبي العباس والمقداد والكركي وثاني الشهيدين على ما حكي عن بعضهم ، بل لعله ظاهر ما سمعته من الصدوقين بل وابن أبي عقيل ، بل عن بعض نسبته الى أكثر المتأخرين ، بل عن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا ، بل في المسالك هو المشهور خصوصا بين المتأخرين ، بل في الدروس عليه المتأخرون.

فمن الغريب ما عن المحدث البحراني من الإنكار على الفاضل نسبته إلى أكثر علمائنا قائلا : إن الشهرة إنما وقعت بعد العلامة. إذ لا يخفى عليك ما فيه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

٢٥١

على أنه لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن المفيد والمرتضى وابني زهرة وإدريس وأبي علي والقاضي ، ولا سابع لهم ، على أن مقنعة الأول حالية عن التعرض لخصوص ذلك ، نعم فيها تعميم لكل مبيع مشاع. والمحكي عن مهذب الأخير منهم الوفاق للمشهور.

وعلى كل حال فيدل على الأول ـ مضافا إلى الأصل المزبور ـ ما سمعته من النصوص (١) المشتملة على نفيها في النهر والطريق والرحى والحمام بعد الإجماع على تقييده بغير القابل للقسمة إن لم يكن ذلك هو المنساق منه ، بل لعل المنساق منه ولو بضميمة ما عرفت كون ذلك مثالا لكل ما هو غير قابل لها من الأراضي.

واحتمال حمله على التقية يدفعه أن المحكي عن أبي حنيفة وأصحابه وابن شريح والثوري ومالك في إحدى الروايتين ثبوت الشفعة في ذلك ، نحو ما سمعته من المرتضى ، وهم أولى بالتقية من غيرهم.

بل عن الخلاف الاستدلال على ذلك بخبر جابر العامي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنما جعلت الشفعة فيما لم يقسم » باعتبار أن « لم » لا تدخل إلا على ما يمكن قسمته ويصح اتصافه بها ولو وقتا. ولهذا يصح أن يقال : « السيف لا يقسم » ولا يقال : « لم يقسم » فالنفي بها حينئذ بمعنى عدم الملكة لا بمعنى السلب.

قلت : لعل الاستدلال به باعتبار كون المنفي بها وصفا أو صلة للمقسوم ، وإلا فالنفي بها على غير الوجه المزبور موجود في المروي من طرقنا ، كقول أحدهما عليهما‌السلام في مرسل جميل (٣) : « الشفعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

٢٥٢

لكل شريك لم تقاسمه » وقولهم عليهم‌السلام في عدة أخبار (١) : « الشفعة لا تكون إلا لشريك لم تقاسمه ».

بل قد يقال بظهوره أيضا في ذلك ، لكن لا من حيث خصوص النفي بلم ، بل من حيث قوله : « يقاسمه » و « لا يقاسمه » في ذلك أيضا ، خصوصا مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أحدهما (٢) أيضا : « إذا أرفت الأرف وحددت الحدود فلا شفعة » في ذلك أيضا.

بل وإلى إشعار‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر المزبور : « لا ضرر ولا ضرار » بناء على أن المراد بذلك من حيث احتمال طلب الشريك الحادث القسمة المحتاجة إلى مئونة ، كما عساه يشهد لذلك‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أرفت » إلى آخره. وإن كان قد يناقش باحتمال كونه تجدد الشركة وسوء الشريك ، بل لعله أظهر ، وذلك لأن الشفعة إنما تثبت بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري ، فلا بد أن يكون الضرر الذي تناط به الشفعة في ظاهر النص وكلام الأصحاب ناشئا من جهته ، وضرر طلب المشتري القسمة ليس ضررا ناشئا منه ، لسبقه على الانتقال وثبوته للشريك على كل حال ، فضرر طلب القسمة لازم على كل تقدير ، بل هو من لوازم الشركة فيما يقبل القسمة ، فلا يمكن أن يكون مثله الضرر الذي تناط به الشفعة.

بل المراد أن نفوذ سلطنة الشريك على بيع نصيبه على أي حال ضرر على شريكه ، كما أن منعه منه ضرر أيضا ، فاللازم من ذلك أحقية الشريك من غيره إذا بذل ما بذل غيره ، وهذا لا يختلف فيه القابل للقسمة وغيره ، نعم أقصى ذلك أنه حكمة لا يجب اطرادها ، وأقصاها الإطلاق أو العموم المقيد أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

٢٥٣

المخصص بما سمعت.

وأما مرسل يونس (١) وإجماع المرتضى فقد عرفت الحال فيهما سابقا بل مما سمعته هنا يزداد ذلك فيهما ، وبعد التنزل والقول بتصادم المرجحات والأدلة حتى مطلقها فالأصل المزبور باق بحاله ، ومقتضاه عدم الشفعة في ذلك.

بل ربما قيل : إنه يشك في أصل دخول الحمام والطاحونة وغيرهما في مرسل الكافي (٢) النافي للشفعة في غير الأرضين والمساكن ، باعتبار اقتضاء المقابلة فيه إرادة الأرض الخالية عن البناء ، وإن كان هو كما ترى خصوصا في مثل الحمام والطريق والدكان المعلوم ثبوت الشفعة فيها مع فرض قبول القسمة كما ستعرف ، والله العالم.

( و ) كيف كان ففي المتن ( نعني بالضرر ) المانع عن الإجبار على القسمة ( أن لا ينتفع به بعد قسمته ) بل في المسالك « لضيقه أو لقلة النصيب أو لأن أجزاؤه غير منتفع بها كالأمثلة المذكورة إذا كانت بالغة في الصغر هذا الحد ، فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما ثبتت الشفعة » إلى آخره. وحينئذ ( فالمتضرر لا يجبر على القسمة ) بخلاف الآخر.

قلت : قد حققنا ذلك في بحث القسمة على وجه يعلم منه فساد تخصيص الضرر بذلك ، بل هو أعم منه ومن نقص القيمة الفاحش ، فلاحظ وتأمل. بل قد يتوقف في منع الضرر إذا كان من حيث قلة النصيب لا من حيث نفس القسمة ، وإن كان لا يخلو من وجه ، والله العالم.

( ولو كان الحمام أو الطريق أو النهر مما لا يبطل ) أصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٥٤

( منفعته بعد القسمة ) وإن لم تكن المنفعة السابقة بناء على ما سمعته من المصنف في تحديد الضرر المانع من الإجبار ( أجبر الممتنع وتثبت الشفعة ).

أما إذا قلنا : إنه عدم إمكان الانتفاع به على الوجه السابق أو عدم النقص الفاحش بالقيمة فلا بد من فرض عدمه على كل منهما في ثبوت الشفعة حينئذ ، ضرورة توقف قابليته للقسمة على وجه يتحقق فيه الإجبار على ذلك ، والفرض أنه عنوان الشفعة.

وحينئذ فلو كان أحد المذكورات ضيقا بحيث لا يمكن الانتفاع به بعد القسمة لا في الوجه السابق ولا في غيره أو تنقص قيمته نقصانا فاحشا لم تثبت فيه الشفعة على التقادير الثلاثة ، بناء على اعتبار قابلية القسمة فيها.

أما مع السعة بحيث يمكن الانتفاع به على الوجه السابق بعد قسمته ولا تنقص قيمته تثبت الشفعة ، كما لو كان الحمام واسعا ، بحيث يسلم لكل من الشريكين حمام ، وكذا الطريق والنهر ، بل والبئر إذا فرض سعتها على وجه يمكن أن تبنى فتجعل بئرين لكل واحد منهما بياض يقف فيه ويرتفق به ، فلا إشكال حينئذ في ثبوت الشفعة لتحقق قابلية القسمة حينئذ.

بل في القواعد والدروس ومحكي المبسوط والتحرير ( وكذا لو كان مع البئر بياض أرض ) مزرع مثلا وأمكن التعديل ( بحيث يسلم البئر لأحدهما ) والبياض لآخر وإن لم ينتفع به على الوجه السابق ولكن له منفعة أخرى ، بناء على ما ذكره المصنف في الضرر كما عن التذكرة التصريح بذلك ، ضرورة تحقق قابليته القسمة على ذلك ، نعم لو قلنا باعتبار بقاء المنفعة السابقة لم تثبت الشفعة ، إلا أن يفرض بقاء قابلية الأرض للزراعة بمطر أو بماء آخر غيره.

٢٥٥

وكذا الكلام في غيره من بيت الرحى ونحوه ، بل ينبغي القطع به لو فرض كون الرحى المشتركة أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما بحجرين ، كما في القواعد ومحكي المبسوط والتذكرة والتحرير وجامع المقاصد التصريح به لو فرض سعة بيت الرحى بحيث يمكن جعله موازنا لما فيه المرافق مع سلامتها ، أو لما فيه الرحى ، أو كان موضع الحجر في الرحى واحدا لكن لها بيت يصلح لغرض آخر وأمكنت القسمة ، بأن يجعل موضع الحجر لواحد وذلك البيت لآخر ، ليتحقق الانتفاع لكل منهما على الوجه الذي اعتبره المصنف تحققت الشفعة (١) لنحو ما سمعته في البئر.

لكن في الدروس « لو اشتملت الأرض على بئر لا يمكن قسمتها وأمكن أن تسلم البئر لأحدهما مع قسمة الأرض تثبت الشفعة في الجميع قيل : وكذا لو أمكن جعل أكثر بيت الرحى موازنا لما فيه الرحى ، ويلزم منه أنه لو اشتملت الأرض على حمام أو بيت ضيقين وأمكن سلامة الحمام أو البيت لأحدهما أمكن أن تثبت ، وعندي فيه نظر ، للشك في وجوب قسمة ما هذا شأنه ».

قلت : وفيه أنه لا فرق بينه وبين ما ذكره من البئر والأرض الذي جزم به ، ولعله يريد النظر في الجميع ، وأما تحقيق حال وجوب قسمة مثل ذلك فقد ذكرناه في كتاب القسمة في القضاء ، فلاحظ وتأمل.

ثم المراد بالشفعة في الرحى إذا بيعت مع الأرض المثبتة فيها وكذا البئر على نحو ما سمعته في البناء والغرس ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( ـفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة إذا بيعا مع الأرض تردد ) ونظر كما في القواعد ( إذ ليس

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، وفي العبارة تشويش.

٢٥٦

من عادته أن ينقل ) فيتبع الأرض ، ومن أنهما منقولان في أنفسهما.

ولكن الأصح ثبوتها كما في التحرير والإيضاح والدروس وجامع المقاصد وغيرها على ما حكي عن بعضها ، لتناول اسم الدار والحمام والبستان له إذا كان من جملة المرافق ، كتناولها للأبواب المثبتة عادة مع قبولها للنقل عادة ، بل لو قلنا بعدم دخولها في الاسم أمكن القول بتبعيتها ، لنحو ما سمعته في الجدار والحمام والرحى ونحوها ، وحينئذ فما عن التذكرة من أن الأقرب عدم الدخول لا يخلو من نظر ، نعم لو بيعا منفردين لم يكن شفعة بلا خلاف ولا إشكال بين القائلين بعدم ثبوتها في المنقول.

كما لا خلاف ( و ) لا إشكال بينهم في أنه ( لا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء في الشفعة ) لأنها من المنقول كالدلاء بنفسها ( إلا على القول بعموم الشفعة في المبيعات ).

بل لا خلاف بينهم أيضا إلا ما تسمعه من الشيخ في المبسوط منهم ( و ) لا إشكال في أنه ( لا تثبت الشفعة في الثمرة ) مؤبرة كانت أو لا ( وإن بيعت على رؤوس النخل أو الشجر منضمة إلى الأصل و ) إلى ( الأرض ) لأنها قد صارت من المنقول ، إذ لا يراد دوامها ، وإنما لها أمد معين ينتظر ، فليست هي من التوابع الثابتة ولا داخلة في مفهوم البستان ، ولذا لا تدخل في بيع الأصل بعد ظهورها.

خلافا لما عن المبسوط من الثبوت فيها وفي الزرع ، وهو المحكي عن أبي حنيفة ومالك ، وضعفه واضح.

ولا شفعة في الأرض المقسومة عندنا إلا ما يحكي عن العماني منا ، ويمكن دعوى أنه مسبوق بالإجماع وملحوق به ، مضافا إلى الأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة المروية من طريقي العامة (١)

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ١٠٢ الى ١٠٥.

٢٥٧

( و ) الخاصة (١) التي منها ما مر‌ « لا شفعة إلا لشريك لم تقاسمه ».

نعم ( تثبت ) الشفعة ( في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو الشرب ) كبئر ونهر ( إذا بيع معها ) بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ، بل في محكي الخلاف الإجماع عليه وإن كان قد اقتصر على الطريق كالمقنع والمهذب والوسيلة تبعا لما تسمعه من النص (٢) وإلا فأكثر الفتاوى على عدم الفرق بينه وبين النهر والساقية ، وفي بعضها التعبير بالشرب ، بل في آخر التصريح بالبئر ، لكن ستسمع الاشكال فيه من الفاضل.

نعم ظاهرهم الاتفاق على عدم الفرق بين الدار والبستان ، والأصل في ذلك ـ مضافا إلى الاستصحاب في بعض الأفراد وعدم تمامية القسمة ، للاشتراك في الطريق مثلا ـ حسن منصور بن حازم بإبراهيم (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : إن كان باع الدار وحول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم. وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة ». وقريب منه ما يحكى عن الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام (٤).

وربما أيد أيضا بحسنه الآخر بالكاهلي (٥) بل وسمه غير واحد بالصحة ، ولعله كذلك « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال : نعم ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

٢٥٨

ولكن يسد بابه ويفتح بابا إلى الطريق ، أو ينزل من فوق السطح ويسد بابه ، فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به ، وإلا فهو طريقه يجي‌ء حتى يجلس على ذلك الباب ». ونحوه الموثق (١).

ولكن لا تعرض فيهما لبيع الدار مع الممر كما هو محل البحث ، بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق خاصة ، فالدليل حينئذ منحصر في الأول الذي ظاهر ترك الاستفصال فيه عدم الفرق بين كون الدار مقسومة بعد أن كانت مشتركة أو منفردة من أصلها ، كما صرح به في التذكرة والمسالك والروضة والكفاية والرياض.

بل قيل : إنه ظاهر المقنع والنهاية والمبسوط والخلاف والمهذب وفقه الراوندي والغنية والسرائر والتبصرة والمفاتيح.

بل لعله مراد الجميع وإن فرض الحكم في الأرض المقسومة مع الاشتراك في الطريق في المتن والوسيلة والنافع والقواعد والتحرير في موضع منه والإرشاد والمختلف والدروس واللمعة كما حكي عن بعضها.

لكن في جامع المقاصد « أنه الذي يقتضيه صحيح النظر ، لأن ضم غير المشفوع إلى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقا ، والمبيع الذي لا شركة فيه في الحال ولا في الأصل ليس من متعلقات الشفعة ، إذ لو بيع وحده لا تثبت ( لم تثبت خ ل ) فيه شفعة بحال ، وإثباتها لا يكون إلا لمحض الجواز ، فإذا ضم إلى المشترك وجب أن يكون بحكمه كذلك ، ولعموم‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » ولا شركة هنا لا في الحال ولا في الأصل ، ول‌ خبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٧.

٢٥٩

أبي العباس (١) « الشفعة لا تكون إلا لشريك » وفي معناها نصوص البصري (٢) وهارون (٣) وعبد الله بن سنان (٤) والسكوني (٥) وكلها حجة على عدم ثبوت الشفعة في الدار الغير المشترك إذا كان الطريق مشتركا ».

وهو كما ترى ، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابل إطلاق الدليل المزبور الحاكم على إطلاق النصوص المزبورة الظاهر في اعتبار الشركة فعلا المعلوم عدم اعتباره في الفرض ، للنص المزبور المعمول به بين الأصحاب وإن خالف إطلاق تلك الأخبار المزبورة.

على أنه لا فرق بين المقسوم وغيره في عدم ثبوت الشفعة فيه لولا النص المزبور ، وكان مقصوده الاقتصار فيما خالف الأصل وإطلاق الأدلة على المتيقن وهو المقسوم ، وفيه أنه لا فرق بينه وبين الظاهر في الحجية.

ولعله لذا ونحوه تعجب منه في المسالك ، قال : « وأما معارضة روايتي منصور (٦) الصحيحة والحسنة بتلك الأخبار الدالة على اعتبار الشركة وترجيح تلك بالكثرة وموافقتها للأصل فعجيب ، لأن مدلولها على تقدير قطع النظر عن سندها اعتبار الشركة بالفعل كما ذكرناه ، وروايتي منصور دلت على الاكتفاء بالشركة في الطريق ، فهي خاصة وتلك عامة ، فيجمع بينهما بتخصيص العام بما عدا ذلك ». وهو في محله.

واحتمال كونه مع الشركة في الأصل أنه لا يحتاج إلى التخصيص باعتبار صدق الشركة مع عدم القسمة ولو في الطريق أو الشرب بخلاف ما إذا لم يكن شركة في الأصل يدفعه ظهور الأدلة في إدارة الشركة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الشفعة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الشفعة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من كتاب الشفعة ـ الحديث ١ و ٢.

٢٦٠