جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( لو كان منضما إلى صاحبه ) بلا خلاف. إذ هو كما لو أتلف رجل أحدهما ( و ) الآخر الآخر.

نعم ( في ضمان ما نقص من قيمة الآخر تردد ) كما في محكي التحرير ، من أنه لم يدخل تحت يده كي يكون مضمونا عليه كالأول ، ومن عدم انحصار الضمان في الغصب ، بل من التسبب الصادق في المقام ، كحبس المالك عن ماشيته ، وقواه في محكي الإيضاح وجامع المقاصد ، وفي المسالك هو الأصح ، كفك أجزاء الباب والسرير ونحوهما مما لم يعتبر فيهما إلا الجزء الصوري الذي هو كالاجتماع في زوجي الباب والخف.

إلا أنه قد عرفت تحقيق الحال عندنا في مثل الضمان بذلك ونحوه مما لم يتضح لنا اندراجه في المستفاد من نصوص الضمان به ، والأصل البراءة.

وعلى الأول يكون المضمون حينئذ سبعة ، وعلى الثاني خمسة ، ويحتمل كونه ثلاثة وإن لم أجد به قائلا ، باعتبار أنه قيمة المتلف ، لأن تلفه في يده لم يكن إلا حالة التفريق ، فمع فرض اعتبار قيمة يوم التلف يتجه ضمان الثلاثة التي هي قيمته.

وفيه أن ضمان الخمسة باعتبار تلفه عنده مضمونا عليه منضما ، لأن الفرض غصبه كذلك ، وأما الاثنان فضمانهما على تقدير القول به من التسبب الذي لا ينافي ضمان القيمة يوم التلف.

ومن هنا لم يقطع لو أخذه على وجه السرقة ، وكان قيمته مع نقصان الثاني نصابا. بل عن التذكرة الإجماع عليه ، قال فيها : « لو أخذ أحدهما على صورة السرقة وقيمته مع نقصان الثاني نصاب لم يقطع إجماعا ، لأن الزائد إنما ضمنه في ذمته بتفريقه بين الخفين ، فكان كما لو ذبح شاة‌

١٤١

تساوي ربع دينار في الحرز ثم أخرجها وقيمتها أقل ، فإنه لا يقطع ، فكذا هنا ».

قلت : لا إشكال في عدم القطع بالنقصان في الثاني المفروض تتمة النصاب به ، لعدم كونه من السرقة ، إنما الكلام في نقصان المسروق نفسه ، والظاهر عدمه أيضا ، لأن نقصانه وإن كان مضمونا عليه لكنه غير داخل في المسروق نفسه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا خلاف عندنا ولا إشكال في أنه ( لا يملك ) الغاصب ( العين المغصوبة بتغييرها ) بعمل من الأعمال ( وإخراجها عن الاسم والمنفعة سواء كان ذلك بفعل الغاصب أو فعل غيره ، كالحنطة تطحن ، والكتان يغزل وينسج ) للأصل والإجماع بقسميه ، خلافا لأبي حنيفة ، كما قدمنا الكلام فيه سابقا ، ولا شي‌ء للغاصب عن عمله الذي هو غير محترم بسبب عدم الاذن فيه وإن زادت به القيمة ، بل إن كان مما يمكن رده إلى الحالة الأولى وأراد المالك رده وجب على الغاصب ذلك ، ويضمن أرش النقص إن كان.

نعم لو يرضى المالك ببقائه على الحالة لم يكن له رده ، لحرمة التصرف في مال الغير ، بل هو كذلك مع الجهل بحاله أيضا ، كما أنه للمالك إذا لم يمكن رده كطحن الحنطة ، وأرش نقصه إن فرض على الغاصب ، وذلك كله واضح.

( ولو غصب مأكولا ) مثلا ( فأطعمه المالك ) بأن قال له : هذا ملكي وطعامي أو قدمه إليه ضيافة أو نحو ذلك مما يتحقق به الغرور منه ( أو شاة فاستدعاه وذبحها مع جهل المالك ضمن الغاصب ) بلا خلاف ولا إشكال وإن كان المالك المباشر للإتلاف ولتسلم المال ، إلا أنه ليس تسليما تاما يتصرف به المالك تصرف الملاك في أملاكهم‌

١٤٢

على أنه مال له.

وكذا لو أودعه المالك أو آجره إياه أو أعاره إياه عارية غير مضمونة أو أرهنه. فان التسليم في ذلك كله غير تام وباق على ضمان الغاصب ولو للشك في صدق الأداء معه. بل قد يشك في صدقه مع تعميم الانتفاع مع عدم التمليك اللازم ، لعدم كون يده حينئذ يد مالك ، كما كانت على المغصوب.

نعم لو وهبه المالك هبة لازمة أو أقرضه له كان تسليما تاما ، ومن هنا لو دفع اليه عوض حقه الثابت عليه على سبيل الهبة اللازمة فأخذه المالك على هذا الوجه ونوى الدافع عن حقه كان وفاء على الأقوى كما عن التذكرة.

بل صرح غير واحد بالاكتفاء في ذلك بالإهداء ، ومقتضاه جريان مثله في المقام ، ضرورة عدم الفرق بين الغاصب والمديون بالنسبة إلى ذلك بعد أن كان الاعتبار بنيته في التشخيص دون الديان ، ولذا يجب عليه القبول لو بذله ، ولا يشترط في كل منهما الاعلام بكونه الدين أو المغصوب بعد الاستيلاء التام على وجه الملكية التامة ، ولذا اكتفى الأصحاب بالدس في المال على وجه يكون في يده على أنه من أمواله ، وبالجملة فالمدار على صدق الأداء في المقام.

بل في القواعد أنه « لو أمر الغاصب المالك بالأكل مع جهله بالحال فباعه أو بالعكس فالأقرب زوال الضمان » لأنه قد تصرف باختياره لا بقول الغاصب ، فصادف التصرف ملكه ، ولأن العين لو كانت مملوكة للغاصب لكان على المتصرف بمخالفة الآمر الضمان ، وكل ما يقتضي الضمان على تقدير الملك لا يتصور فيه الغرور ، إذ تغريره إنما هو بكونه ملكا له. وعلى تقدير الملك فالضمان ثابت ، وبه جزم الكركي.

١٤٣

لكن قد يناقش بأنه ـ وإن كان غير مغرور ـ لا يصدق عليه أنه أدى المال ، والأصل بقاء الضمان ، وكذا لو غصبه من الغاصب وأتلفه بنية العدوان منه.

اللهم إلا أن يقال : إنه وإن كان لا يصدق على تسليمه أنه أداء إلا أنه صار في عهدة المالك لو كان مملوكا لغيره ، ومثله يسقط الضمان على من عليه الضمان ولو لظهور أدلة الضمان في غير الفرض ، أو غير ذلك.

وعلى كل حال فلا إشكال في الضمان في مفروض المتن ، لأن المباشرة ضعيفة بالغرور المانع عن استتباع الضمان المقتضي لعدم غرم الغاصب ، وحينئذ فالسبب أقوى في الإتلاف الموجب للضمان ، بل هو المستقر عليه لعدم تعقل ضمان المالك لماله وإن قلنا بضمان المغرور في غير المقام ، كما صرح به من تعرض له من الأصحاب من غير نقل خلاف ؛ بل عن التذكرة أنه الذي يقتضيه مذهبنا.

لكن في القواعد « لو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل نفذ الاستيلاد وبرأ الغاصب ، وفي الأرش إشكال ».

وفيه منع براءته من الضمان مع عدم العلم بالحال ، فلو تلفت قبل ظهور الحال وهي بيد المالك على أنها زوجة وهي مملوكة للغاصب لم يبرأ ، لكون التسليم غير تام ، كما أن فيه أيضا منع الإشكال في الأرش سواء قلنا : إنه أرش ما ينقص منها بالولادة أو أنه تفاوت ما بين قيمتها طلقا وقيمتها أم ولد محتمل البقاء والموت ، ولذا لا يعاد على الغاصب لو مات الولد ، لأن العيب الذي ثبت لم يزل ، وإنما انقطع بعد مدة والمأخوذ أرشا إنما أخذ على تقدير رجاء انقطاعه وعروض زواله. أو أن الأرش هنا مهر أمثالها أو العشر أو نصفه ، ضرورة كون المفروض من‌

١٤٤

مسألة الغرور التي قد عرفت عدم الخلاف في ضمان الغاصب ، بل هو أيضا ممن جزم بذلك ، فالفرق بينهما غير جيد ( و ) لا واضح.

نعم ( إن أطعمه ) أي الطعام ( غير المالك قيل ) والقائل غير واحد : إن المالك ( يغرم أيهما شاء ) للمباشرة والغصب ( لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل ) الذي هو مغرور له ( وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره ) الذي صار به مباشرته ضعيفة بالنسبة للسبب ، فيكون قرار الضمان عليه.

( وقيل ) وإن كنا لم نتحقق قائله منا ( بل يضمن الغاصب من رأس ، ولا ضمان على الآكل ) أصلا ( لأن فعل المباشر ضعيف عن التضمين بمظانة الاغترار ، فكان السبب أقوى ) نعم هو قول الشافعي في القديم وبعض كتب الجديد ، والمشهور عند الشافعية الأول ، وهو الأصح ، لأن ضعف المباشرة لا يبلغ حدا ينتفي به الرجوع عليه مع كونه متصرفا في مال الغير ومتلفا له على وجه يندرج في قاعدة « من أتلف مال غيره فهو له ضامن » ولكن ينجبر غروره برجوعه على الغار ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام (١) : « المغرور يرجع على من غره » ظاهر في ذلك كما تقدم الكلام فيه سابقا ، والله العالم.

( ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى كان الولد لصاحب الأنثى وإن كانت للغاصب ) كما صرح به الشيخ والحلي والفاضل والشهيدان‌

__________________

(١) لم نعثر على هذا النص من أحد المعصومين عليهم‌السلام. وإن حكي عن المحقق الثاني ( قده ) في حاشية الإرشاد أنه نسب ذلك إلى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله . والظاهر أنه قاعدة فقهية مستفادة من عدة روايات ورد بعضها في التدليس.

راجع الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب العيوب والتدليس ـ الحديث ٥ من كتاب النكاح والباب ـ ٢ ـ منها ـ الحديث ٢ والمستدرك ـ الباب ـ ١ ـ منها ـ الحديث ٥.

١٤٥

والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في جامع المقاصد الإجماع عليه على الظاهر ، وفي المسالك وغيرها نفي الخلاف فيه ، بل يمكن تحصيل القطع به من السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على تبعية الولد في غير الإنسان للأنثى من غير فرق بين الغاصب وغيره.

فتأمل بعض الناس فيه ـ بأن الولد من الفحل ، فلا يكاد يوجد الفرق بينه وبين الحب إذا نبت في أرض الغير ـ في غير محله ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، على أنه قيل : يمكن الفرق بأن النطفة لا قيمة لها ، وليست مملوكة بعد انفصالها ، ولا واجبة الرد إلى مالك الفحل ، والنشوء والنماء من الأنثى ، ولا كذلك الحب ، فإنه مملوك له قيمة ، ويجب رده ، وإن كان فيه ما فيه ، والله العالم.

( و ) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه ( لو نقص الفحل بالضراب ضمن الغاصب النقص ) كما في غيره من الأعيان المغصوبة ( وعليه أجرة الضراب ) عند أهل البيت عليهم‌السلام كما في محكي السرائر ، بل فيه « ما قاله شيخنا في مبسوطة من أن اجرة الفحل لا تجب على الغاصب ، لأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن كسب الفحل (١) فهو حكاية مذهب المخالفين ، فلا يتوهم متوهم أنه اعتقاده » ( و ) لكن مع ذلك في المتن وغيره ( قال الشيخ في المبسوط : ) ( لا يضمن الأجرة ).

( و ) على كل حال فلا ريب في أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ إن كان ( لأنها عندنا ليست محرمة ) وعن مكاسب التذكرة ونهاية الأحكام نسبته إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٣ وفيه‌ « نهى رسول الله ٩ عن عسيب الفحل وهو أجر الضراب » وفي المبسوط ج ٣ ص ٩٦.

١٤٦

علمائنا ، فتكون حينئذ منفعته محللة مضمونة عليه.

بل قد يقال بضمانها بفواتها تحت يده وإن لم يستوفها ، بل ينبغي الجزم به إذا كان مما يعتاد استئجاره لذلك ، أما مع عدمه فلا يخلو من إشكال ، إذ صحة الإجارة أعم من الضمان بالغصب ، وإلا لوجب على من غصب تفاحة أجرتها للشم أو دراهم أو دنانير أجرتها للزينة بناء على صحة الاستئجار لذلك والتزامه في غاية البعد ، لعدم صدق فوات المال ، ولعله لذا قيد المصنف وغيره ضمان الأجرة بما إذا كان المغصوب مما له أجرة في العادة.

وعلى كل حال فعلى الغاصب أجرة الضراب ، لما عرفت ، والنبوي المروي في غير طرقنا (١) من أنه نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن عسب الفحل ، أي ماؤه وضرابه محمول على الكراهة أو على بيع مائه ، فلا إشكال في الحكم حينئذ ، والله العالم.

( ولو غصب ما له أجرة وبقي في يده حتى نقص كالثوب يخلق والدابة تهزل لزمه الأجرة والأرش ولم يتداخلا ، سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن ) بلا خلاف ولا إشكال في الأخير ، وإن قالوا لو انتقص العبد بسقوط عضو منه مثلا بآفة يضمن الأرش والأجرة لما قبله سليما ولما بعده ناقصا ، إذ لا يعقل اجرة شي‌ء معدوم بعد عدمه.

أما الأول وهو الذي يكون نقصه باستعماله فهو الذي صرح به الشيخ والفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم ، بل لا أجد فيه خلافا ، لأصالة عدم تداخل الأسباب ، إذ فوات الأجزاء في يد الغاصب سبب لضمانها ، والانتفاع سبب آخر لضمان الأجرة ، فلا يتداخلان كالأول ، لكن في القواعد والدروس احتمال وجوب الأكثر من الأرش والأجرة ،

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٥ ص ٣٣٩.

١٤٧

وهو الضعيف من وجهي الشافعي.

وأضعف منه تعليله بأن النقصان نشأ من الاستعمال ، وقد قوبل بالأجرة ، فلا يجب له ضمان آخر ، وإلا لوجب ضمانان لشي‌ء واحد.

ولأن نقص الأجزاء ملحوظ في الأجرة ، ولذا لم يضمنها المستأجر بل والمستعير ، ولأن ما ينقص بالاستعمال تعتبر أجرته زائدة على ما لا ينقص به ، فلولا كونها ملحوظة لم تتحقق الزيادة ، إذ كل ذلك لا يقتضي الأكثر المزبور ، وإنما يقتضي دخول الأرش في الأجرة.

مع ما في الأول من أن الأجرة لم تجب للاستعمال ، وانما تجب لفوات المنفعة على المالك ، فتجب وإن لم تستعمل ، كما أنها تجب وإن لم يفت شي‌ء من الأجزاء ، فلم يجب ضمانان لشي‌ء واحد.

وفي الثاني إنا نمنع لحظ الأجزاء الناقصة في الأجرة ، ولم لا يكون سقوط ضمانها للإذن في الاستعمال الشامل لإتلافها كالمستعير ، وثبوت الزيادة المذكورة غير معلوم ، وبتقديرها لا يدل على التداخل ، كما أنه مع فرض الملاحظة لا تداخل أيضا ، والله العالم.

( ولو أغلى الزيت ) مثلا ( فنقص ) وزنه ( ضمن النقصان ) وإن لم تنقص القيمة بلا خلاف أجده بين الخاصة والعامة ، بل وإن زادت قيمته على ما قبل الغليان ، لأنه مثلي يضمن بمثله ، وعمله الذي قد زاد به الواقع تبرعا لا يقوم مقام ذلك. فما في المسالك من احتمال الرد ولا غرامة ـ لأن ما فيه من الزيادة والنقصان يستندان الى سبب واحد ، فينجبر النقصان بالزيادة ـ واضح الضعف ، لما عرفت.

وإن نقصت قيمته دون عينه رده مع أرش النقصان الذي هو مضمون عليه بالغصب.

وإن نقصا معا رد مثل الناقص مع الباقي ، إلا إذا كان ما نقص‌

١٤٨

من القيمة أكثر مما نقص من العين ، فيلزمه مع مثل الذاهب أرش نقصان الباقي ، لأن الفرض عدم عود القيمة بعود الكمية الأولى.

ولو لم ينقصا معا رده ، ولا شي‌ء عليه كما هو واضح.

( ولو أغلى عصيرا فنقص وزنه قال الشيخ ) في محكي المبسوط بل والخلاف وإن كنا لم نتحققه ( لا يلزمه ضمان النقيصة ، لأنها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها ) إذ النار تعقد أجزاء العصير ، ولهذا تزيد حلاوته ( بخلاف الأولى ).

( وفي الفرق تردد ) بل منع ، ولذا كان أكثر المتأخرين أو جميعهم على خلافه ، وذلك لأن الواقع نقص محسوس في العين فيجب بدله ، مع منع معلومية كون الذاهب أجزاء مائية خاصة بخلاف الزيت وإن تفاوتا بالقلة والكثرة.

وكذا يضمن النقص لو خلل العصير ونقصت عينه دون قيمته ، بل وكذا إذا صار الرطب تمرا والعنب زبيبا واللبن جبنا أو سمنا أو زبدا ، ولعله لأن الجميع مثلي وقد نقص نقيصة حسية فيضمن وإن زادت قيمته في الحال الآخر الذي هو الأقل ، نعم قد يشكل الضمان بالمثل باعتبار عدم المثل للأجزاء التالفة ، فيتعين القيمة ، والله العالم.

١٤٩

( النظر الثالث )

( في اللواحق )

وهي نوعان : ( النوع خ ) ) ( الأول في لواحق الأحكام ، وهي مسائل : )

( الأولى )

إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب ) أو غيره فيه صنعة اقتضت تلك الزيادة ( فإن كانت ) تلك الصنعة ( أثرا ) محضا لا عينا ( كتعليم الصنعة وخياطة الثوب ) بخيوط المالك ( ونسج الغزل وطحن الطعام ) وصياغة النقرة ( رده ولا شي‌ء له ) بلا خلاف ولا إشكال ، لعدم احترام العمل بغير إذن من المالك ، بل كانت تلك الصفات من توابع مال المالك ، فلو أتلفها أو تلفت في يده كان ضامنا لها ، كما تسمع تحقيقه إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف له.

( ولو ( وإن خ ل ) نقصت قيمته ) أي المغصوب ( بشي‌ء من ذلك ضمن الأرش ) لما عرفته مكررا من كون يد الغاصب يد ضمان ، كما عرفت فيما تقدم أنه إن لم يمكن رده الى الحالة الأولى رده الى مالكه بحاله مع أرش النقصان إن كان. وإن أمكن رده الى الحالة‌

١٥٠

الأولى ، فإن رضي به المالك لم يكن للغاصب رده إلى ما كان ، وإن ألزمه الرد إلى الحالة الأولى لزمه ذلك مع أرش النقص عما كان قبل تلك الزيادة ، ولا يجبر على رفاء الثوب الذي شقه وإصلاح الإناء الذي كسره مع الأرش بعد ذلك ، للأصل ولأنه لا يعود إلى ما كان بذلك ، بل يضمن الأرش خاصة ، كما أنه لا يضمن تلك الزيادة بتلك الصنعة بعد الأمر له بالرد المقتضي لإتلافها ، وإنما يضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر.

كما صرح بذلك كله الفاضل في القواعد ، قال فيها : « ولو صاغ النقرة حليا ردها كذلك ، فلو كسر ضمن الصنعة ، وللمالك إجباره على ردها نقرة ، ولا يضمن أرش الصنعة ، ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة » ونحوه المحكي عن التحرير والدروس وغيرهما.

لكن قد يشكل ( أولا ) أصل الإجبار بعد عدم الضرر على المالك والضرر على الغاصب بقاعدة نفي الضرر والضرار مع منع عدم صدق التأدية بنحو ذلك.

ويدفع بقاعدة تسلط الناس على أموالهم ، وهو الذي أدخل الضرر على نفسه بتعديه ، وبأنه لا ريب في عدم تأديته كما غصب ، وهو واضح.

و ( ثانيا ) بأنه لا فرق بين أصل النقرة وبين الصنعة بعد صيرورتها ملكا للمالك ، فان كان الأمر بالرد إذنا بإذهابها فلا تضمن فكذلك هو إذن في النقصان بعد فرض لزومه لردها نقرة.

واحتمال الفرق ـ بأن الصياغة جناية من الغاصب على مال المالك والنقص بالكسر مسبب عنها فيضمنه ، وأمر المالك بإعادة العين كما كانت لا يقتضي سقوط الضمان ، لبقاء الغصب المقتضي للضمان إلى حصول التسليم التام حتى لو تلفت العين في حال ردها إلى البلد وقد أمره‌

١٥١

بذلك ، بخلاف الصنعة التي لم تكن العين عليها في وقت الغصب ولم تستقر للمالك في ذمة الغاصب ـ يقتضي عدم ضمانه الصنعة حتى لو تعمد إتلافها ، لعدم دخولها ابتداء تحت يد ضمانه ، بل يقتضي عدم الضمان لو أعلف الدابة المغصوبة حتى سمنت وقد كانت في مكان بعيد ثم أمره المالك برده فورا على وجه يستلزم فوات سمنها ، بل قد يقال : إنه يقتضي عدم الضمان لو غصبه من المالك سمينا ونقله إلى مكان بعيد محافظا على بقاء سمنه ثم أمره المالك برده فورا على وجه يقتضي زوال السمن المزبور ، لعدم الجناية منه في وجود السمن.

ولعله لذلك كله التزم بعض الناس بضمان الصنعة ، وقال في جامع المقاصد : « وفي الفرق نظر ينبغي تأمله ـ ثم قال ـ : ويختلج بالخاطر فرق ينبغي تأمله بعد ذلك ، وهو إن طلب المالك رد الحلي نقرة يقتضي عدم قبول الصنعة ، بخلاف رد السمين إذا استلزم رده الهزال ، وبخلاف نقصان العين بالكسر ، فإنه لا يقتضي ذلك ، ولا منافاة بين ملكية السمن والرضا بها ، وطلب الرد على الفور وإن علم هزاله به للاعتماد على كون ما ينقص من العين مضمونا عليه ».

وفيه أنه يمكن تقرير مثله في الصنعة ، بأن يقال : إن أمره في الرد للاعتماد على ضمان كل نقص يكون بذلك وإن علم استلزامه لخراب الصنعة ـ ثم قال ـ : « ويمكن أن يفرق بوجه آخر ، وهو أن الأمر برد الحلي نقرة يدل على عدم قبول الصنعة والترخيص في إتلافها بخلاف ما ينقص بالكسر ، لأن الأمر بالكسر لا يقتضي قبول الناقص من الفضة وإن كان لازما عنه لا محالة ، فهو محسوب من جملة المئونة الواجبة على الغاصب ، فإنه لو أمره المالك برد الدابة إلى بلد الغصب وكان ذلك مستلزما للهزال لا يكون دالا على عدم إرادة السمن والترخيص في إتلافه فيكون من باب المقدمة ، كالعلف والسقي ».

١٥٢

قلت : لا يخفي عليك ما فيه من التشويش وصعوبة الفرق بين ما ذكره من الوجهين وإن حاول الفرق بينهما بفهم العرف الاذن في الصنعة وعدمها في السمن ، والعلم باستلزام الرد الهزال لا يقتضي الإذن.

نعم لو صرح أو علم من حاله عدم إرادة السمن المنافي للتضمين لأن من عادته ركوب الدابة المضمرة اتجه حينئذ عدم الضمان كما هو واضح.

أو بإمكان الجمع بين إرادة وصولها إليه مع إرادة بقائها سمينة وإن كان لا يتحقق في الخارج ، بخلاف إرادة ردها نقرة مع الصنعة. إذ هي النقرة المصنوعة المأمور بردها نقرة ، أي بلا صنعة كما هو واضح بأدنى تأمل ، فإن مرجعه إلى عدم ضمان كل ما أمر به المالك من إتلاف مالية لماله كأصل المال ، بخلاف ما لم يكن مأمورا به مما هو مضمون على الغاصب وإن كان هو لازم تحقق المأمور به في الخارج المفروض استحقاق الغاصب إياه ، فإنه ليس لازما لأمره ، فبقي على قاعدة الضمان ، والله العالم.

( وإن كانت ) زيادة القيمة في المغصوب لأن الغاصب قد زاد فيه ( عينا ) محضة كالغرس ونحوه ( كان له أخذها وإعادة المغصوب وأرشه لو نقص ) كما تسمع تفصيل الكلام فيه إنشاء الله عند ذكر المصنف له.

( و ) إن كانت غير محضة كما ( لو صبغ الثوب ) المغصوب بصبغ منه فان كان الحاصل مجرد تمويه لا يحصل منه عين لو نزع فليس للغاصب النزع إن رضي المالك ، وله إجباره عليه في أقوى الوجهين ، لأن الواجب عليه إعادة العين كما كانت ، ولأنه قد يريد تغريمه أرش النقصان الحاصل وإزالته ، ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه كقصارة الثوب.

وإن كان الحاصل بالصبغ عينا لا أنه تمويه محض فان كان يمكن فصله ( كان له إزالة الصبغ بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب ) وإن لم يأذن المالك ، بل وإن منع ، وفاقا للشيخ وابني زهرة وإدريس‌

١٥٣

والفاضل في أكثر كتبه ، والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في المسالك أنه الأشهر ، بل في المختلف والتنقيح هو المشهور ، بل في الرياض أنه المشهور ، خصوصا بين المتأخرين.

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في الإيضاح من أنه لا خلاف في منع الغاصب من الإزالة لو نقص الثوب بها ، ولا في إجابته مع عدم هلاك الصبغ وعدم نقص الثوب أصلا. اللهم إلا أن يريد بذلك مع العلم بالنقص بعد حمل عبارات الأصحاب على النقص المحتمل ، إلا أنه كما ترى مناف لإطلاقهم ، كمنافاة ما تسمعه من والده وغيره لما ذكره أخيرا من نفي الخلاف عن الإجابة.

وعلى كل حال فلا ريب في أن المشهور ما عرفت خلافا للمحكي عن الإسكافي والفاضل في المختلف من أنه ليس للغاصب قلع الصبغ بدون إذن المالك ، فان لم يرض دفع قيمة الصبغ ووجب على الغاصب قبوله ، واستجوده في التنقيح ، بل قال : « وعليه الفتوى » وفي الرياض بعد أن حكاه عن خاله العلامة البهبهاني في حاشيته على مجمع البرهان قال : « وهو غير بعيد نظرا إلى قواعدهم المقررة في الغصب ».

بل في المختلف بعد أن حكى عن المشهور الأول ، واختار مذهب الإسكافي محتجا باستهلاك عين الغاصب ، وعدم انتفاعه بصبغه ، واستلزام قلعه التصرف في مال الغير بغير إذنه ، قال : « ومن العجيب إيجاب التمكين على المالك من أخذ الصبغ وإن تعيب ثوبه وعدم قبول عوض الصبغ منه ، وإجبار الغارس المستعير للأرض على أخذ قيمة الغرس من المالك إذا دفعها ، مع أن المالك أذن في الغرس ولا ضرر عليه ولا على أرضه بأخذ الغرس ، والمالك هنا لم يأذن في الصبغ ، وعليه ضرر في أخذه من ثوبه ».

١٥٤

وفيه أن ذلك انما يرد على الشيخ المحكي عنه ذلك ، أما على الأصح من عدم التسلط على الإجبار المخصوص كما بيناه في محله فلا عجب ، كما أن دليله لا يرجع إلى حاصل ، ضرورة أعمية مفروض البحث من استهلاك عين مال الغاصب وعدم انتفاعه به ، أو أنه مخصوص بما أمكن فصله على وجه يكون مالا ، وعلى تقديره فقاعدة تسلط الناس على أموالهم ولو إتلافا عامة للأمرين ، واستلزام القلع التصرف في مال الغير لا يقتضي سقوط احترام مال الغاصب.

( ودعوى ) أنه كما أن وقوعه عدوانا لا يقتضي إسقاط مالية الغاصب فله التصرف فيه بالقلع فكذلك عدوانه لا يقتضي نفي سلطنة المالك عن ملكه ، فله أن يمنع الغاصب عن التصرف فيه بالقلع ، وحيث تعارض الحقان ينبغي أن يترجح جانب المالك ، لعدم تقصيره وتداركه مال الغاصب بالقيمة ، بل هو أولى كما مضى ( لا يخفى عليك ) ما فيها من عدم اقتضاء ذلك ترجيح المالك على وجه ينتقل اليه مال الغاصب بالقيمة قهرا على مالكه ، بل أقصاه عدم تسلط أحدهما على الآخر في ذلك ، فتبقى قاعدة تسلط الناس على أموالهم ، وقاعدة إيصال كل مال إلى صاحبه وغيرهما على حالها ، ولكن يولي الحاكم من يخلص كل مال عن الآخر ويوصله إلى صاحبه ، أو نقول بولاية ذلك إلى المالك ، باعتبار دخول الغاصب عليه ، فهو كمن ألقى في دار غيره شيئا ، فإن للمالك إزالته.

وبالجملة ما ذكروه من الترجيح المزبور لا يقتضي الوجه المذكور وإن تمموه باعتبارات لا تصلح مدركا شرعيا ، فالتحقيق ما ذكرناه.

بل هو أولى من الشركة في المتساويين التي أوجبنا فيها الإجبار بطلب أحد الشريكين مع الإشاعة فيها دون المقام ، ولذا قيدوا بعدم‌

١٥٥

الضرر هناك دونه هنا ، فهو كمالين متلاصقين لشخصين لم يرض كل منهما بتخليصه من الآخر ، فإنه لا ريب في تولي الحاكم ذلك ، فكذا المقام المحتمل تولي المالك ، لما عرفت من العدوان من الغاصب ، أما إذا لم يكن عدوانا من أحدهما ، بأن أطار الريح ثوبا في إجانة صبغ لآخر وتعاسر أو كان يمكن الزوال كان المتولي الحاكم على الظاهر.

وعلى كل حال فمع فرض تضرر الغاصب بنقص ماله أو بهلاكه بالإزالة لا جبر له ، لأنه ذو الاختيار السي‌ء الذي أدخل الضرر على نفسه بخلاف المالك المظلوم ، ولذا وجب الأرش عليه لو نقص الثوب بذلك دونه.

وإلى ما ذكرنا يرجع استدلال المشهور بأنه إن لم يجب الإزالة كان عدوانا آخر ، والظالم لا يستباح ظلمه والتعطيل ضرر عليهما ، كما أن بيع كل واحد ماله منفردا عن الآخر لا يرغب فيه ، فليس إلا الإجابة. وغير ذلك مما ذكروه وإن كان ما ذكرناه أولى ، بل لعله لا ينافي كلام الأصحاب ، وإن كان يوهم في الظاهر أن للغاصب مباشرة الإزالة إلا أن المراد بيان حق المطالبة بالإزالة وإن كان مع التعاسر يتولى الأمر من عرفت ليوصل حق كل واحد إلى صاحبه.

( و ) من ذلك يعلم أنه كما أن للغاصب حق المطالبة بالإزالة فكذا ( لصاحب الثوب إزالته أيضا ) مباشرة أو استحقاقا ، لما عرفت بل هو أولى ( لأنه ) فعله ( في ملكه بغير حق ) ولذا صرح الفاضل في القواعد والإرشاد بل والتحرير ومحكي المبسوط والإيضاح بإجبار الغاصب على الفصل مع طلب المالك وقبول الصبغ لذلك وإن تضرر الغاصب بنقص ماله أو هلاكه ، ويدفع الأرش لنقص ثوب المالك ، لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه ، فتبقى قاعدة إيصال الحق إلى مستحقه بحالها.

١٥٦

فما في محكي التذكرة ـ من أنه هل يملك إجبار الغاصب على فصله؟ الأقرب أنه إن كان له غرض كان له ذلك ، وكذا إن كان للصبغ قيمة ، وإلا فلا ـ لا يخلو من نظر وإن وجه بأنه إن خلي عن الغرض وكان المنفصل منه يضيع بالكلية أو يحدث في الثوب نقصان بحيث لا يفي بأرشه قيمة المفصول كان تخسيرا للغاضب عنادا أو عبثا ، إلا أنه كما ترى مجرد اعتبار لا يرجع إلى دليل. ومن هنا قال في القواعد : « يجبر وإن استضر بعدم الصبغ أو نقصت قيمته » وهو واضح.

( و ) مما ذكرنا يعلم أيضا أنه ( لو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته لم يجب على أحدهما إجابة الآخر ، وكذا لو وهب أحدهما صاحبه لم يجب على الموهوب له القبول ) لما فيه من المنة ، بلا خلاف أجده فيه إذا كان الطالب الغاصب وإن احتمله في الكفاية ، إلا أنه لم نجده لغيره حتى من العامة مع وضوح ضعفه.

وأما إذا كان المالك فهو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل هو مقتضى كل من قال بإجابته لو طلب الإزالة ، نعم قد سمعت كلام أبي علي ومن وافقه أو مال إليه ، بل عن التذكرة ذلك أيضا إذا كان لا يمكن فصل الصبغ ولا يحصل منه ، لأنه لا ذريعة إلى تصرفه في ثوبه إلا بدفع قيمة الصبغ. ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

كما أن منه يعلم النظر فيما في القواعد والتذكرة والروضة وغيرها من أن لصاحب الثوب الامتناع من البيع لو طلبه الغاصب دون العكس ضرورة عدم الفرق بينهما في جواز الامتناع بناء على ما ذكرنا.

وما يقال ـ من أنه لو لم يجبر الغاصب أضر بالمالك ، لأن بيع الثوب وحده مظنة قلة الراغب فيه ، لمكان عيب الشركة ، فيفضي إلى عسر البيع وقلة القيمة ـ مجرد اعتبار.

١٥٧

ومن هنا اعترف في جامع المقاصد بأن ذلك لا يتجه على القول بعدم تملك ماله بالقيمة إذا لم يرض ، لاستلزامه نقل الملك مع عدم الرضا ، إذ الجمع بين الحقين ودفع الضرر عن المالك مشترك بين المقامين ، كما أن ضرر المالك مشترك أيضا في المقامين ، وحيث ضاق به الخناق قال : « وبالجملة فقول المختلف لا يخلو من وجه ».

وفيه أنه لا داعي إلى القول بالحكم المزبور كي يلتجئ إلى ذلك ، بل لعل التأمل في المتن ومحكي المبسوط وغيره يقتضي ما قلناه من عدم الإجبار مطلقا ، وهو الأصح ، وإن قيل هو أضعف وجوه الشافعية التي منها أيضا تسلط كل منهما على جبر الآخر ، والله العالم.

( ثم ) لا يخفى عليك أنه مع عدم إمكان الفصل أو إمكانه والتراضي بالشركة ( يشتركان فان لم ينقص قيمة مالهما ) بأن كان الثوب يساوي عشرة والصبغ كذلك ومصبوغا عشرين ( فالحاصل لهما ).

( وإن زاد ) لزيادتهما معا لا لزيادة أحدهما فصار يساوي ثلاثين ( فكذلك ) في صيرورة الحاصل بينهما ، ونحوه لو زادت بسبب العمل خاصة ، لأن كل واحد منهما قد زاد بالصنعة ، والزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا استندت إلى الأثر المحض تسلم للمغصوب منه ، والمفروض هنا زيادة نصف الأثر والنصف الآخر للصبغ.

( ولو زادت قيمة أحدهما ) خاصة ( كانت الزيادة لصاحبها ، وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش ) لأن يده يد ضمان لمثل ذلك ( ولا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ ) لعدم عدوانه.

( ولو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الصبغ لم يستحق الغاصب شيئا إلا بعد توفية المغصوب منه ) تمام ( قيمة ثوبه على الكمال ) ‌

١٥٨

لأن نقص الثوب من غير تغير السوق مضمون عليه ( و ) لذا ( لو بيع مصبوغا بنقصان من قيمة الثوب ) لا بتغير السوق ( لزم الغاصب إتمام قيمته ).

ولو كانت قيمة كل منهما خمسة وساوى المصبوغ عشرة إلا أنه لارتفاع قيمة الثوب في السوق إلى سبعة وانحطاط قيمة الصبغ فيه إلى ثلاثة كان للمالك سبعة : هي نصف العشرة وخمسها ، وللغاصب ثلاثة :خمس العشرة وعشرها ، لأن الحكم يتعلق بما صارت القيمة إليه ، ولا أثر للخمسة بعد تغير السوق ، ولو انعكس الأمر انعكس الحكم أيضا ، لأن نقص السوق غير مضمون إذا لم يكن لنقص في العين أو صفاتها.

هذا كله إذا كان الصبغ من الغاصب ، أما إذا كان مغصوبا من آخر فان لم يحدث بفعله نقصان عليهما أو على أحدهما لم يغرم شيئا ، وكانا شريكين في الثوب المصبوغ كما سبق. نعم يجب عليه الفصل مع إمكانه لو طلباه أو أحدهما ، وإن حدث النقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل الصبغ غرمه الغاصب لمن حصل في حقه.

ثم إن مقتضى الشركة التي ذكرناها اشتراكهما في الثمن ، ومع فرض نقصه يرجع كل منها على الغاصب بنقصه ، لكن عن التذكرة فيما إذا حدث نقص مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة وبلغت قيمة الثوب مصبوغا عشرة يكون الثمن لصاحب الثوب ، ويغرم الغاصب الصبغ للآخر ، وتأمل في مقتضى الشركة المزبورة ، ولا نعرف له وجها.

وفي المسالك بعد أن حكم بالشركة مع عدم النقصان على حسب ما سبق في الغاصب والمالك قال : « وإن حدث نقصان فان بقيت قيمة الثوب فهي لصاحب الثوب ، ويغرم الغاصب الصبغ للآخر ، وإن زادت‌

١٥٩

بما لا يبلغ قيمة الصبغ فالزائد لمالك الصبغ ، ويغرم الغاصب له الباقي وإن زادت عنهما فهو بينهما بالنسبة ، هذا كله إذا لم تنقص القيمة السوقية لأحدهما ، وإلا اعتبرت النسبة كما مر ».

وظاهره المنافاة لما ذكرناه من الشركة المزبورة ، اللهم إلا أن يتجشم له ، والأمر سهل بعد وضوح الحال ، كوضوح عدم الضمان مع استناد النقصان إلى تغير السوق لا إلى فعل الغاصب.

ولو كان الصبغ مغصوبا من مالك الثوب فان لم يحدث بفعله نقصان فيهما فهو للمالك ، ولا غرم على الغاصب ، ولا شي‌ء له وإن زادت القيمة ، لأن الموجود منه أثر محض ، وإن حدث بفعله نقصان غرم ، وإذا أمكن الفصل فللمالك إجباره عليه وتضمينه النقص إن حصل ، وليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك ، وذلك كله واضح ، والحمد لله.

المسألة ( الثانية : )

(إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن ) أو نحو ذلك مما لا يمكن تمييزه ( فخلطه بمثله ) ذاتا ووصفا ( فهما شريكان ) حقيقة على وجه يملك كل منهما في مال الآخر ، أو حكما كما صرح به غير واحد ، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، وقد حققنا ذلك في كتاب الشركة (١) بل لا خلاف بينهم فيه هناك ، بل حكينا الإجماع بقسميه عليه.

لكن في محكي السرائر هنا أن مال المالك كالمستهلك إن شاء الغاصب أعطاه من زيته المخلوط. وإن شاء أعطاه من غيره مثل زيته ، مدعيا أنه‌

__________________

(١) راجع ج ٢٦ ص ٢٩٠ ـ ٢٩٥.

١٦٠