جواهر الكلام - ج ٣٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على المنكل لا المولى ، واحتمال الحكمة معارض باحتمال كونها المؤاخذة على سوء فعل المولى ، بل هو الظاهر.

وما أبعد ما بين القول المزبور والقول بعدم الانعتاق بتنكيل المولى فضلا عن غيره كما عن ابن إدريس ، بل المصنف تردد فيه أيضا في كتاب العتق وإن كنا بينا هناك ضعف ذلك بل بطلانه ، إلا أن المتجه الاقتصار على تنكيل المولى الذي هو المنساق نصا (١) وفتوى كما هو واضح.

ومن الغريب ما عن الفاضل في بعض فوائده من بناء الخلاف في الحكم على الخلاف في الحكمة أنها الجبر أو العقوبة ، فعلى الأول ينعتق دون الثاني ، إذ هو مع أنه إحالة على مجهول لا وجه له بعد معلومية عدم اطراد الحكمة على وجه تثبت بها أحكام شرعية.

وكذا ما عن غيره من بنائه على خروج العبد بالتنكيل عن الملكية ، أو المولى عن أهلية التملك بالنسبة للعبد ، أو عقوبة محضة ، فعلى الأخيرين لا عتق ، بخلاف الأول كما هو واضح.

نعم لو أقعد أو عمى أو جذم في يد الغاصب انعتق وضمن الغاصب قيمته ، والله العالم.

( و ) كيف كان فعن الخلاف وموضع من المبسوط أن ( كل جناية ) على المغصوب ( ديتها مقدرة في الحر فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته ) المنزلة فيه منزلة الدية ( وما ليست مقدرة في الحر ففيها الحكومة ) سواء كانت الجناية من الغاصب أو من أجنبي ، بل هو كذلك لو كان التلف بآفة سماوية ، لأنه في يده مضمون بلا خلاف أجده في الأخير ، أي ما لا مقدر له.

وما عن المبسوط من الاقتصار على خصوص جناية الغاصب ليس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٢١

خلافا في المسألة ، ضرورة اشتراك الجميع في مدرك الحكم ، وهو كونه مضمونا عليه ، ولا مثل له ولا قيمة مقدرة ، فلا بد من الأرش.

وأما الأول فهو خيرة النافع والإرشاد ومجمع البرهان ، بل عن المقتصر أن المشهور رده مع رد دية السيد مثلا وهي نصف القيمة ، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، ولعله يريد بالاخبار‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن » ونحوه‌ المرسل (٢) وفي قوله عليه‌السلام : « الثمن » إشعار بإرادة الأعضاء.

وفي الإيضاح الاستدلال عليه بعموم النص مفسرا له في حاشيته بأن ما فيه من الحر ديته فيه من العبد قيمته ، وعن الخلاف أيضا إجماع الفرقة وأخبارهم على هذه العبارة ، وعن السرائر أنه ورد في الرقيق المماليك من بني آدم نصف القيمة ، وكمالها في المتحد في البدن والمتعدد.

ولعل وفاق الفاضلين هنا مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة من ظهور الروايات (٣) في الأعم من الغاصب وغيره ، إذ لا فرق بين المقام وبين السابق ، بل لعل تلك الروايات أظهر دلالة في كون قيمة العبد حيث تضمن بأي سبب من أسباب الضمان لا تتجاوز دية الحر ، وخروج الموت في يد الغاصب مثلا لا ينافي ذلك ، ضرورة بقاء الجناية الموجبة لكون القيمة بحكم الدية على مقتضى إطلاق النصوص المزبورة كما ذكرناه سابقا.

( و ) لكن مع ذلك قال المصنف ( لو قيل يلزم الغاصب أكثر الأمرين من المقدر والأرش كان حسنا ) كما هو صريح محكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ديات الشجاج والجراح ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٩٥ الرقم ٣١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من كتاب العتق.

١٢٢

المبسوط في موضع منه والحلي والفاضل وولده والكركي والشهيدين وغيرهم ، وعن كشف الرموز أنه قريب ، والدروس والكفاية أنه قوي ، بل في جامع المقاصد أنه مذهب الأكثر ، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر ، بل عن المهذب البارع أن المشهور رده مع الأرش بالغا ما بلغ. وكان الوجه في ذلك أن الأكثر إن كان هو المقدر فهو جان ، والحر أصل للعبد في ذلك إجماعا بقسميه ونصوصا (١) وإن كان الأكثر الأرش فهو مال مضمون عليه‌ بعموم « على اليد » (٢) كغيره من الأموال ، ولا منافاة بين العمل بجهتي الضمان.

وبذلك يفرق بين الغاصب وغيره ، فيضمن الأول الأرش وإن زاد عن المقدر في دية الحر ، بخلاف الثاني فإنه يضمن من حيث الجناية معه خاصة ، والاتفاق نصا وفتوى على التقدير لها بما عرفت ما لم تتجاوز دية الحر ، وإلا ردت إليها.

وحينئذ فلو جنى عليه جان وهو في يد الغاصب تخير المالك بين الرجوع على الغاصب بأكثر الأمرين ويرجع هو على الجاني بالمقدر ، وبين الرجوع على الجاني بالمقدر وبالزيادة إن كانت على الغاصب الذي يضمن كل نقص يكون على العين ولو بآفة سماوية.

ولكن في ذلك المناقشة السابقة التي منشأها مساواة الغاصب لغيره في الجناية الموجبة للدية المقدرة في المملوك بالقيمة ، والله العالم.

هذا كله مع عدم استغراق الجناية القيمة.

( أما لو استغرقت قيمته ) بأن جنى الغاصب على ما فيه قيمته كالأنف والذكر مثلا ( قال الشيخ رحمه‌الله ) في محكي الخلاف :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ديات النفس ـ من كتاب الديات.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٢٣

( كان المالك مخيرا بين تسليمه وأخذ القيمة وبين إمساكه ولا شي‌ء له ، تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره ) وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.

ولعل مراده بالاخبار إطلاق‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر أبي مريم (١) : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في أنف العبد أو ذكره أو شي‌ء يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد » نحوه خبر غياث (٢) المراد منهما مع مشيئة المولى ذلك ، للقطع بعدم خروجه من ملكه بذلك.

وبالإجماع ما أرسلوه إرسال المسلمات في كتاب القصاص والديات ، بل قيل : إنه حكي عليه الإجماع صريحا وظاهرا في خمسة مواضع من غير إشارة منهم إلى الفرق بين الغاصب وغيره عدا نادر من بعض الناس.

مؤيدا ذلك كله بأن في رده مع القيمة جمعا بين العوض والمعوض عنه ، بل وربما قيل من أن المضمون مع تلف الكل هو جميع القيمة فقط ، فلا يعقل وجوبها في البعض مع بقاء الجملة على ملكه ، وإلا لاستوى الكل والبعض بل يزيد حكم البعض على الجملة ، وإن كان فيه ما فيه.

( و ) لكن مع ذلك ( فيه التردد ( تردد خ ل ) ) السابق الذي منشأه اختصاص هذه النصوص كغيرها من النصوص السابقة بغير الغاصب الذي فيه ضمان اليد ، بل جزم الحلي والفاضل وولده والشهيدان والكركي بوجوب دفع الغاصب إياه مع القيمة وإن كانت الجناية مع غيره ، وذلك لأن العبد مضمون ، وكل عضو عضو منه كذلك ، فكل عضو فات منه يلزمه قيمته مع أصالة بقاء العبد على ملكه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ديات الأعضاء ـ الحديث ١ من كتاب الديات.

١٢٤

ومن هنا ربما اجتمع للمالك عدة قيم ، كما لو قطع واحد رجله وآخر يده وثالث عينه ورابع أذنه ، فان للسيد إمساكه ومطالبة كل منهم بقيمة ما جنى ، كما نصوا عليه في باب الديات ، ولا جمع بين العوض والمعوض ، لأن العوض قيمة العضو ، والمعوض ذلك العضو الفائت لا العبد ، ولذا لو قطع إحدى يديه ودفع إليه نصف القيمة لم يجب عليه تسليم نصف العبد.

كل ذلك مضافا الى الضرر على تقديري الدفع وعدمه ، خصوصا إذا كان العبد كسوبا لا يمنعه قطع أنفه مثلا ، وحمل الغاصب على الأجنبي قياس.

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع ، والعمدة تناول النصوص المزبورة للغاصب وغيره وعدمه ، ضرورة عدم معارضة شي‌ء من ذلك للنصوص المفروض تناولها ، كما أنه على تقدير عدم التناول لا وجه لوجوب الدفع على المالك ، فان المقام ليس من الجمع بين العوضين الممنوع ، كما هو واضح ، ولولا الشهرة المزبورة لكان الأول لا يخلو من قوة.

وكيف كان فعلى الفرق بين الغاصب وغيره يتجه وجوب أكثر الأمرين عليه من القيمة التي لا تتجاوز دية الحر والأرش وإن تجاوز ، وقد يحتمل وجوب القيمة عليه وإن تجاوزت ، باعتبار تنزيل الشارع الأنف منزلة الكل ، ولا ريب في وجوبها على الغاصب وإن تجاوزت بناء على الفرق بينه وبين الجاني غير الغاصب ، فكذا الأنف لو قطعه ، فيكون المراد في الأنف القيمة في الغاصب وغيره ، إلا أنها قيدت في الثاني بعدم التجاوز بخلاف الأول ، إلا أنه كما ترى ، بل مقتضاه ذلك في الجناية على ما يوجب نصف القيمة الذي قد عرفت أنه يجب منه في الغاصب أكثر الأمرين مع تقييد نصف القيمة بعدم التجاوز ، لأنها تجب‌

١٢٥

من حيث التقدير الشرعي باعتبار الجناية وإن كان النقص المالي أقل منها.

وعلى كل حال بناء على الفرق بين الغاصب وغيره لو جنى جان على المغصوب بما يحيط بقيمته كان للمالك الرجوع على كل منهما ، ولكن لو دفعه إلى الجاني وأخذ القيمة منه كان له الرجوع على الغاصب بالقيمة ناقصا لا تاما ، مع احتماله ، لأن العين مضمونة في يده ، ودفعها للجاني لأخذ قيمته بقدر الجناية لا يسقط ضمانها.

ولعل هذا مراد الفاضل في القواعد ، قال : « ولو جنى عليه بما فيه القيمة فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة ، سواء باشر الغاصب أو الأجنبي ، أي وهو في يد الغاصب ، بخلاف الجاني على غير المغصوب ، فان رجع على الأجنبي دفع اليه العبد ورجع بقيمته على الغاصب ، وإن رجع على الغاصب بهما فالأقوى رجوع الغاصب على الجاني مجانا » انتهى.

وكان الوجه في الأخير أنه دفع جناية الجاني الذي استقر عليه التلف عنه ، فيرجع بها ، واشتراط رد العبد انما هو مع التمكن منه لا مطلقا ، حتى لو مات أو أبق مثلا ، ويحتمل الرجوع عليه بقيمة العبد مقطوع الأنف مثلا ، لأنها تقوم مقامه مع التعذر ، ويأخذ منه قيمة الصحيح ، ويحتمل أن لا يرجع بشي‌ء لتعذر شرط الرجوع ، فيسقط المشروط ، ولعله لا يخلو من قوة.

ولو جنى العبد المغصوب بما يوجب القصاص نفسا أو طرفا واقتص منه ولو بعد رده للمولى ضمنه الغاصب ، وكذا لو سرق أو ارتد عن فطرة فقطع أو قتل ، نعم لو غصبه بعد ارتداده أو سرقته أو استحقاق القصاص عليه مثلا ضمن قيمة عبد مستحق للقتل.

ولو جنى بما يوجب تعلق المال برقبته فداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش جنايته وقيمته ، ويحتمل بأرش الجناية بالغا ما بلغ ، كما ستسمع‌

١٢٦

إنشاء الله تمام الكلام فيه عند ذكر المصنف له.

وبالجملة كل نقص يكون فيه مضمون عليه ولو كان منه أو من آفة سماوية ، بل في التحرير « لو جنى على سيده فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا ، لأنه من جملة جناياته الموجبة للنقص » وحينئذ فإن اقتص المولى فعلى الغاصب أرش العضو التالف بالقصاص كما في التذكرة ، بل قال : « وإن عفا على مال ثبت المال على العبد ، وفداه الغاصب بأقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة العبد كالأجنبي » وإن كان لا يخلو من تأمل ، باعتبار أن السيد لا يثبت له على ماله مال ، ومن هنا لو كانت الجناية خطأ لم يستحق السيد على الغاصب شيئا من حيث الجناية ، لأنها لا توجب شيئا.

نعم لو تراضى الغاصب مع السيد على مال للعفو عن القصاص الذي يوجب على الغاصب النقص صح ، بل قد يقال بوجوب الدفع على الغاصب مقدمة لرد العين كما هي الواجب عليه ، بل قد ينقدح من ذلك وجوب دفع الأزيد من قدر الجناية.

ومنه ينقدح قوة القول بوجوب فدائه في الجناية المالية على الأجنبي بالأزيد من مقدر الجناية مقدمة لوجوب الرد ، فتأمل جيدا فإنه قد يفرق بين السيد والأجنبي بعد فرض إرادة السيد القصاص منه لاختياره حينئذ عدم رد العين كما هي ، فيسقط الخطاب بذلك.

وكيف كان فإنما يضمن الغاصب نقص القيمة حيث يحصل ولو بسبب من العبد ، ولا يضمن أرش نفس العضو الذي فرض قطعه بسرقة أو جناية ، لأنه ذهب بسبب غير مضمون ، فأشبه سقوطه بغير جناية.

ولو زادت جناية العبد عن قيمته ثم مات فعلى الغاصب قيمته يدفعها إلى سيده ، فإذا أخذها تعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذ ولي‌

١٢٧

الجناية القيمة من المالك رجع على الغاصب بقيمة أخرى ، لأن المأخوذة أولا استحقت بسبب وجد في يده ، فكانت من ضمانه.

أما لو كان العبد وديعة فجنى بما تستغرق قيمته ثم قتله المستودع وجب عليه قيمته وتعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذها ولي الدم لم يرجع المالك على المستودع بشي‌ء ، لأنه جنى وهو غير مضمون.

ولو جنى العبد في يد المالك بما يستغرق قيمته ثم غصبه غاصب فجنى في يده بالمستغرق أيضا ففي التحرير بيع في الجنايتين ، وقسم ثمنه بينهما ، ورجع المالك على الغاصب بما أخذه الثاني ، لأن الجناية في يده وإن كان للمجني عليه أولا أخذه دون الثاني ، لأن الذي أخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا ، فلا يتعلق به حقه ، ويتعلق به حق الأول ، لأنه بدل عن قيمة الجاني.

ولو مات العبد في يد الغاصب فعليه قيمته بينهما ، ويرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة ، لأنه ضامن للجناية الثانية ، ويكون للمجني عليه أولا أن يأخذ كما قلناه ، فتأمل جيدا ، فان بعضه لا يخلو من بحث ، والله العالم.

( ولو زادت قيمة المملوك بالجناية ) التي لا مقدر لها شرعا رده ولا شي‌ء عليه للأصل ، كالسمن المفرط في نحو العبد والجارية مما لا يقصد فيه اللحم ، بلا خلاف أجده فيه ، لكن عن المبسوط فيما لو حلق لحية الأمة فلم تنبت من دون غصب فزادت قيمتها ، قال : نعتبرها بعبد إن زالت لحيته نقصت قيمته. وعن أبي العباس وثاني الشهيدين فيها الحكومة ، وفيه أنه لا دليل عليه ، كما تعرفه في الديات إنشاء الله.

أما لو كان لها مقدر ( كالخصاء أو قطع الإصبع الزائد ) المقدرين بتمام القيمة وثلث دية الإصبع الأصلية ( رده مع دية الجناية ) ‌

١٢٨

كما عن الشيخ وغيره ، بل في الكفاية أنه المشهور ( لأنها مقدرة ) فيتناوله دليلها وإن لم تنقص القيمة.

نعم قد يشكل ذلك من الشيخ إذا فرض استيعاب القيمة بأنه لا يوافق ما سمعته منه من تخيير المالك بين الرد وأخذ القيمة وبين الإمساك ولا شي‌ء له ، فيتجه في المقام ذلك لا الرد مع المقدر ، بل عن موضع من مبسوطة التصريح بذلك ، وفيه ما عرفت سابقا.

كما أن ما في القواعد ـ من أنه لا شي‌ء في قطع الإصبع الزائدة كالسمن المفرط ـ لا يخفى عليك ما فيه ، لما عرفت من أن لها مقدرا بخلافه.

نعم في محكي التحرير لو سقط ذو المقدر بآفة سماوية وكان تزيد به القيمة لا شي‌ء ، بل في القواعد ذلك أيضا ، إلا أنه قال : على إشكال ، لكن عن التذكرة والإيضاح أن الأقرب وجوب القيمة ، بل في جامع المقاصد أنه أصح ، لأنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن بالجناية ، وكأنه مصادرة ، والتقدير للجناية لا يقتضي التقدير لغيرها ، كما أشرنا إليه سابقا ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا يخفى أن ( البحث في المدبر والمكاتب المشروط ) والمطلق الذي لم يؤد شيئا ( وأم الولد كالبحث في القن ) ضرورة اشتراك الجميع في المملوكية ، نعم لو تحرر البعض جرى على كل من جزء الحر والملك حكمه ، كما هو واضح ، والله العالم.

( وإذا تعذر ) عادة ( تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ) مثلا أو قيمة ( ويملكه المغصوب منه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، ولو عادت كان لكل منهما الرجوع ) كما صرح بذلك كله غير واحد من أساطين الأصحاب. كالشيخ وابن إدريس والفاضل والشهيد والكركي‌

١٢٩

وغيرهم ، بل في المسالك نسبته إليهم مشعرا بالاتفاق عليه ، بل في محكي الخلاف والغنية نفي الخلاف عن ملك المغصوب منه البدل المزبور ، بل ظاهرهما على ما قيل بين المسلمين.

نعم في قواعد الفاضل ما صار سببا للوسوسة في الحكم المزبور ، فإنه قال في موضع منها : « ولو أبق العبد ضمن في الحال القيمة للحيلولة ، فإن عاد ترادا ، وللغاصب حبس العين إلى أن يرد القيمة عليه على إشكال. فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع الأولى » وقال في آخر : « ويجب رد العين ما دامت باقية ، فان تعذر دفع الغاصب البدل ، ويملكه المغصوب منه ، ولا يملك الغاصب العين المغصوبة. فإن عاد فلكل منهما الرجوع ، وهل يجبر على إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ إشكال ».

لكن في جامع المقاصد بعد أن شرح العبارة الأولى قال : « واعلم أن هنا إشكالا ، فإنه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه؟! وجعلها في مقابل الحيلولة لا يكاد يتضح معناه ». وقال في شرح الأخرى : « ومقتضى كلامهم أن تملكه للحيلولة يقتضي أن لا يكون في مقابل العين المغصوبة ، وتحقيقه لا يخلو من إشكال ».

وتبعه ثاني الشهيدين ، حيث إنه بعد أن ذكر بقاء العين المغصوبة على ملك المالك وأن ملك القيمة للحيلولة قال : « هكذا أطلقوه ، ولا يخلو من إشكال ، من حيث اجتماع العوض والمعوض على ملك المالك من غير دليل واضح ، ولو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا أو توقف ملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين وإن جاز له التصرف فيه كان وجها في المسألة ». واستحسنه في الكفاية.

قلت : لكنه مخالف لما عرفته من الاتفاق المؤيد بمعلومية عدم‌

١٣٠

اعتبار توقف ملكية المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابلية التملك بموت ونحوه ، كما يومئ إليه ما دل (١) على الضمان بالضياع والسرقة ونحوهما في الأمين المفرط ، فان المال لم يخرج بذلك عن قابلية التملك ، بل من المقطوع به الضمان في نحو الوقوع في بحر ونحوه مما يحصل معه اليأس من الرجوع ، وليس هو حينئذ إلا من ضمان الحيلولة.

بل أدلة الضمان التي منها‌ « على اليد » (٢) شاملة لذلك قطعا ، فهي حينئذ مقتضية لملك المالك القيمة ، ضرورة كونه معنى ضمانها الذي هو شغل الذمة بالمثل أو القيمة على نحو اشتغالها به لو تلف ، كما يقضي به إطلاق الضمان عليهما نصا (٣) وفتوى ، فحينئذ يكون مملوكا عليه ذلك ، كما أنه مملوك للمالك. فهو بالنسبة إلى ذلك كالدين الذي لا ريب في ملكه لصاحبه إذا دفعه إليه ، فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة والعين باقية على الملك للأصل ، ولأنها مغصوبة ، وكل مغصوب مردود ، وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك.

على أن دفع البدل للحيلولة إن لم يكن على وجه الملكية للمالك لم يجد في دفع ضرر المالك ، بل ربما يكون ضررا عليه بوجوب حفظه ونحوه عليه ، كما أن جواز التصرف فيه إن لم يكن على وجه يشمل ما يعتبر فيه الملك كذلك أيضا ، فليس حينئذ إلا الملكية التي لا تستلزم خروج المبدل عنه عن ملك الأول ، بل لعل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب الوديعة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من كتاب العارية.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٣١

« حتى تؤدي » ظاهر في خلافه.

مضافا إلى أصالة بقائه على ملكه وإلى ما عرفته من الاتفاق عليه ، ولذا لم يذكروا خلافا بل ولا إشكال في ملك نمائه المنفصل له ، ودعوى أنه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع منه شرعا واضحة الفساد ، بل هي مجرد مصادرة.

وبذلك كله ظهر لك أن للمغصوب أحوالا ثلاثة : ( أحدها ) حال وجود العين على وجه يتمكن من ردها إلى مالكها فليس عليه إلا وجوب الرد ، وإطلاق الضمان عليه على معنى دخوله في ضمانه لو حصل سببه ، وهو التلف أو الضياع أو نحوهما مما يشمل الحيلولة.

و ( الثاني ) ذلك أيضا إلا أنه يتعذر أو يتعسر ردها ، فعليه ضمان قيمتها تحقيقا لا تقديرا ، وهو المسمى بضمان الحيلولة ، ومعه يملك المغصوب منه القيمة المضمونة عليه باعتبار كونها كالدين على الغاصب ، فيملكها من هو له وإن بقيت العين مملوكة له أيضا للأصل وغيره مما عرفت.

( الثالث ) حال تلف العين وخروجها عن قابلية الملك بموت ونحوه ، فيتعلق مثلها أو قيمتها في ذمة الغاصب تعلق الديون.

وليس في كلام الفاضل في القواعد الذي ذكرناه منافاة لشي‌ء من ذلك ، بل هو صريح كلامه كغيره من الأصحاب على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم ، وانما إشكاله في حبس الغاصب العين إلى أن يقبض ما دفعه من بدل الحيلولة ، باعتبار كونه كالمعاوضة التي لكل من المتعاوضين حبس العوض على الآخر حتى يحصل التقابض.

والأقوى خلافه ، ضرورة عدم المعاوضة التي مقتضاها ذلك في المقام وإن كانت هي معاوضة معنوية ، فليست هي إلا نحو من كانت عنده عين لمن له عنده كذلك ، فإنه ليس له الحبس كما هو واضح. خصوصا‌

١٣٢

بعد‌ قوله عليه‌السلام (١) : « المغصوب مردود » والفرض بقاؤه. وإشكاله أيضا في جبر إعادة المالك البدل لو طلبه الغاصب منه باعتبار ملكه له ، والأصل اللزوم ، ولتوقف تمام البدلية على تمامية الملك التي منها عدم تسلط الغاصب عليه بنحو ذلك.

بل في الإيضاح « لو كان بحيث يجبر على الرد لكان نقصا في البدلية ، إذ قد لا يرغب المعاملون فيه » وإن كان فيه أنه مع خروجه عن ملك المغصوب منه لا يجب عليه إعادته قطعا ، بل عنه في الحاشية دعوى الإجماع عليه. فلا مانع حينئذ من رغبة المعاملين فيه.

نعم قد يقال : إن مقتضى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) : « حتى تؤدي » مضافا إلى الاتفاق ظاهرا أن ملك المغصوب منه متزلزل ، بمعنى كونه مراعى بعود المال ، فينفسخ الملك حينئذ قهرا بالأداء الذي هو غاية الضمان.

ومن هنا جزم في التذكرة بأن القيمة المدفوعة يملكها المغصوب منه ملكا مراعى بالحيلولة ، فيزول بزوالها ، وفي جامع المقاصد هو واضح ، بل هو الذي جزم به في القواعد أولا فقال : « يترادا ».

ومن هنا تعجب الكركي منه ، فقال : « والعجب أن المصنف جزم فيما سبق بالتراد وتردد في أن للغاصب حبس العين الى أن يأخذ البدل ، ومن هنا تردد في إجبار المالك على الدفع لو طلبه الغاصب ، وينبغي عدم التردد في وجوب الرد حينئذ ، لأن هذا الملك ثبت على طريق القهر ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤ من كتاب الخمس ، وفيه‌ « الغصب كله مردود ». (٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤. وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٣٣

لأجل عدم وصول ملك المالك إليه ، فإن كان على جهة البدلية فإذا استحق المالك ملكه وجب عود مال الغاصب اليه ، لامتناع زوال البدلية وعدم رجوع كل من البدلين الى مالكه ، وإن كان على جهة الحيلولة فقد زالت ، فلا وجه لعدم الرد أصلا ، لأن الحال دائر بين الأمرين » إلى آخره.

وإن كان يرفع عجبه ما ذكرناه من احتمال تمامية ملك المالك لما أخذه على وجه لا تسلط للغاصب على فسخه ، فان له الرضا بما قبضه عوضا عن ماله كما عرفت.

وعلى كل حال فلا إشكال ـ بناء على ما ذكرنا ـ في أن للغاصب التسلط على جبره على رده حينئذ ، لكن رد عينه خاصة أو بدلها ، لانمائها المنفصل الذي صار في ملكه ، أما المتصل فيرده مع العين على حسب غيره مما يملك متزلزلا.

وعلى هذا يكون معنى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » بيان أن أخذها موجب لضمان ما أخذته بتلف أو حيلولة مثلا أو قيمة حتى تؤدي العين ، إلا أنه لا وجود للغاية مع التلف ، فيستقر الملك على المضمون بخلاف الحيلولة ، فإن الغاية محتملة الحصول ، فإذا حصلت ارتفع ضمانها السابق واللاحق ، على معنى رجوع ما دفعه من المثل والقيمة بسبب الضمان إليه ، مؤيدا ذلك بمعلومية أن ما دفعه بسبب ضمانه قد كان بدلا عن العين ، لمكان الحيلولة ، فيعود إلى صاحبه بعود المبدل إلى صاحبه.

واحتمال عدم استحقاقه ـ العود باعتبار أنه دفعه غرامة شرعية ، وخصوصا مع تلف عينه ، ويكون ذلك هو وجه الإشكال في عبارة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الغصب ـ الحديث ٤ وسنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥.

١٣٤

الفاضل ـ واضح الفساد. ضرورة منافاته للاتفاق ظاهرا ، بل هو قد صرح في المقامين بالتراد. وللبدلية التي ذكرناها ، وللغاية التي فسرناها وللاعتبار ، بل لا يبعد كونه من الجمع بين العوض والمعوض الممنوع ، فليس إشكاله حينئذ إلا في تسلط الغاصب على جبره على ذلك ، أو أن له الرضا به عوضا عما غصب منه.

والأقوى بناء على ما ذكرناه أن له جبره ، بل في احتمال أن له الحبس حتى يدفع إليه ، لأنه وإن لم يكن معاوضة حقيقة فهو كالمعاوضة وإن كان الأصح خلافه كما ذكرناه. فلو حبسه وتلف كان ضامنا لقيمته الآن ويرجع بما دفعه أولا.

بل يقوى ذلك وإن قلنا بجواز حبسه ، كما هو ظاهر عبارة القواعد السابقة ، وذلك لأن حكم الغصب قد زال على تقدير جواز الحبس ، فهي يد غير الأولى ، لكونها مستحقة ، إلا أنها يد ضمان أيضا ، كالقبض بالسوم ، لأنه الأصل في كل يد قد استولت على مال الغير إلا ما خرج من الوديعة واللقطة ونحوها ، كما حررناه غير مرة.

ومن هنا جعل الضمان في المقام بقيمته يوم التلف ، مع أن مذهبه ضمان المغصوب بأعلى القيم ، إذ ليس هو إلا لخروج اليد عن حكم الغصب باستحقاق الحبس ووجوب رد المالك القيمة الأولى.

وبذلك يظهر لك ما في المحكي عن السيد العميد في شرحه للعبارة ، قال : « هذا إنما يتمشى على وجوب قيمة يوم التلف ، أما لو أوجبنا الأكثر كان له الأكثر من القيمتين الأولى والثانية ».

وإن وجهه في جامع المقاصد بأنه إن كان الأقل هو القيمة الأولى فقد دفعها عوضا عن العين باستحقاق ، فلا يجب ما سواها ، وإن كان الأقل هو الثانية فهي المستحقة بالتلف ، لأن الأولى للحيلولة ،

١٣٥

وقد زالت بجواز الحبس.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه وبعد الإغضاء عن لفظ « الأقل » في كلامه الذي قيل إنه من سهو القلم وإلا فالمراد « الأكثر » بل في جامع المقاصد بعد التوجيه المزبور قال : « وفيه نظر ، لأن المدفوع للحيلولة لم يكن عوضا عن العين قطعا ، ولهذا لا تخرج بذلك عن ملك المالك ، ولا يستقر ملكه على المدفوع حيث كانت العين باقية على ملك المالك مضمونة على الغاصب ، وخرج بجواز الحبس إلى أن يقبض القيمة عن كونه غاصبا ، فوجبت قيمته يوم التلف ».

وإن كان قد يناقش بإمكان بقاء حكم الغصب ، وهو ضمان الأعلى للأصل ، وإن خرج عن مسماه وعن الإثم ببقائه تحت يده ، والأمر سهل بعد أن كان المختار وجوب القيمة يوم التلف.

إلا أن المتجه في المقام بناء على ذلك أنه يستقر ملك المالك على ما أخذه للحيلولة من القيمة إذا فرض اتحادها في الزمانين ، كما أنه يتجه مطالبة المالك بالزائد إذا فرض كونها أعلى يوم التلف ، ضرورة بقاؤها على ضمان الغاصب ، أما إذا فرض العكس ففي تسلط الغاصب على استرجاع الزائد نظر ، أقواه العدم ، للأصل ولأن دفعه مستحقا عليه وغير ذلك.

ومن هنا يتجه ما ذكره المعظم من ضمان أعلى القيم في هذا القسم ، بل يتجه أيضا ضمان ما يتلف من العين المغصوبة من النماء المتصل والمنفصل ، كما جزم به في جامع المقاصد ، وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد من حيث إنه لم يدخل تحت يده التي هي سبب الضمان ، لأن الفرض تجدده بعد دفع القيمة وبراءته من العين ، فأولى بأن يبرأ من النماء.

١٣٦

وفيه ( أولا ) أنه سبب تلفه على المالك. ( وثانيا ) منع براءته من الضمان للعين فضلا عن نمائها للأصل ، ولذا قلنا بوجوب القيمة عليه يوم التلف مع فرض كونها أعلى من يوم الحيلولة ، إذ الدفع لها لا يقتضي البراءة من الضمان ، نعم لو فرض تلفها ولم يكن لها نماء ولا زادت قيمتها كانت قيمته يوم الحيلولة مجزئة ، إذ لا يجب للعين الواحدة قيمتان ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك كله داخل في القيمة المدفوعة بدلا عنها ، كالمنافع في أحد القولين على ما ستسمع إنشاء الله.

بقي شي‌ء : وهو أنه لو أخذ المالك قيمة الحيلولة في الأيدي المتعاقبة مثلا من الأول مثلا فاستحق هو الرجوع بما أداه للمالك على من حصلت الحيلولة في يده من الأيدي المتأخرة أمكن القول بملكه له متزلزلا على حسب ملك المالك له لو رجع به ابتداء ، وعلى حسب ملك ما دفعه هو إليه ، لأنه يأخذه بدلا عما دفعه للمالك باعتبار حصول المغصوب في يده ، فيملكه على حسب ملك المالك لما أخذه منه ، فإذا عادت العين ورجعت الى المالك عاد هو بما دفعه للمالك ، وعاد من كانت الحيلولة في يده بما أخذه الغاصب الأول منه ، إلا أن نماء الأول للمالك ونماء الثاني للغاصب.

واحتمال القول هنا بعدم جواز رجوع ذي اليد الأولى على من حصلت الحيلولة في يده بل يختص الحكم في خصوص التلف واضح الفساد ، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع كما لا نخفى على من أحاط خبرا بما ذكرناه في مسألة الأيدي المتعاقبة.

ثم إن الحيلولة التي تبقى العين فيها على ملك المالك وإن ملك القيمة إنما هي مع معلومية بقاء العين على ملك مالكها إلا أنه منع مانع من تسليمها ، أما إذا كانت الحيلولة تقتضي زوال ملك المالك عنها في ظاهر‌

١٣٧

الشرع كالإقرار بالغصب بعد البيع وكالشهادة على أنها مال الغير ونحو ذلك مما يحكم به في ظاهر الشرع أن العين لغير من أقر له المقر فإذا دفع القيمة للمالك فهل العين أيضا تبقى على ملك مالكها كالقسم الأول من الحيلولة أو تنزل هذه الحيلولة منزلة التلف. فيملك الحائل إذا أدى للمالك العين التي حال بينها وبين مالكها بالإقرار؟ لم أجده محررا هنا ، بل ظاهرهم فيما يأتي الأول ، ولكن الثاني محتمل ، وربما يشهد له بعض الكلام السابق في باب الإقرار ، والله العالم.

( و ) كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أن ( على الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين الغصب إلى حين دفع البدل ) بل الإجماع بقسميه عليه. لما عرفته فيما تقدم من ضمان كل ما فات في يد الغاصب ولو بآفة سماوية ، إذ المنافع أموال فتضمن كالأعيان.

نعم ظاهر قول المصنف وغيره : « فيما له أجرة في العادة » إخراج نحو غصب الغنم والمعز والشجر ، حيث لا منفعة له تستأجر عادة ، كما عن المبسوط التصريح به ، مع أنه قيل إن كلام الحلي والفاضل والكركي وثاني الشهيدين في كتاب الإجارة في مسألة ما لو استأجر تفاحة للشم أو دراهم أو دنانير للزينة ينافي ذلك ، إلا أن التحقيق خلافه وإن قلنا بصحة الإجارة في مثلها ، لكنها لا تعد عرفا إتلاف مال على الغاصب مع فرض عدم استعدادها لذلك.

نعم لو تعددت المنافع كالعبد الخياط والحائك ففي القواعد وعن غيرها لزم أعلاها ( و ) ستسمع تحقيق ذلك عند تعرض المصنف له إنشاء الله تعالى.

بل ( قيل ) كما في التذكرة ومحكي المبسوط وظاهر غيرهما : إنه يضمن الأجرة المزبورة ( إلى حين إعادة المغصوب ) فالمنافع المتجددة‌

١٣٨

بين دفع القيمة للحيلولة وبين رد العين أو تلفها مضمونة ( و ) إن كان ( الأول أشبه ) عند المصنف بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة ، وأن القيمة المأخوذة منزلة منزلة المغصوب ، فكأنه عاد اليه ، بل هي الواجبة عليه ، وقد دفعها فبرأ ، وأنه استحق المالك الانتفاع بالقيمة التي هي عوض وبدل في المعنى ، فلم يبق له على الغاصب حق في ذلك المال ، وإلا لم تكن فائدة للغاصب في الدفع.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من بقاء العين المغصوبة على ملك المالك ، وعلى وجوب ردها على الغاصب مع التمكن ، وعلى ضمانها وضمان نمائها ، وأن القيمة للحيلولة غرامة شرعية ثبتت بالأدلة ، وهي لا تقتضي براءة ولا تغييرا للحال الأول.

ومن هنا قال في جامع المقاصد : « إن الذي يقتضيه النظر الوجوب ، لبقاء الغصب كما كان ، نعم على القول بأن للغاصب حبس المغصوب إلى أن يقبض البدل يتأتى عدم وجوب الأجرة بعد دفعه » وإن كان فيه إمكان القول بالوجوب حتى على التقدير المزبور ، ضرورة عدم المنافاة بين البقاء على حكم الغصب بالنسبة إلى ذلك كضمان النماء وبين جواز الحبس له ، كما أشرنا إليه سابقا.

فالتحقيق الوجوب ، وخصوصا إذا كان تعذر الرد ناشئا عن اختيار الغاصب ، بل قد يقال بوجوب الأجرة حتى مع استمرار الاشتباه وعدم معرفة كون المغصوب باقيا ، أو تلف على وجه لا تكون له اجرة إن لم يكن إجماعا على خلافه للأصل ، فتأمل. والله العالم.

( ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه كالخفين ) اللذين قيمتهما مجتمعين مثلا عشرة وقيمة كل واحد منفردا ثلاثة ( فتلف أحدهما ضمن التالف بقيمته مجتمعا ) ‌

١٣٩

وهو خمسة ( ورد الباقي وما نقص من قيمته بالانفراد ) وهو اثنان بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، إلا من الشهيد إن كان خلافا كما ستعرف ، بل ولا إشكال ، لضمان الغاصب كل نقص يكون في يده على المغصوب ولو من حيث الاجتماع والانفراد الذين فرض مدخليتهما في القيمة.

ولكن في اللمعة في الفرض يضمن قيمة التالف مجتمعا ، وهو يقضي بأنه لا يلزمه إلا خمسة ، ولعله لأنه لم يتلف غيره ، ولأن نقص الباقي نقص سوق ، فلا يضمن.

وفيه أنه تلف مع صفة الاجتماع المشتركة بينهما ، والفرض ضمانها. ونقص السوق الذي لم يضمن هو الذي لا يكون بسبب شي‌ء في المغصوب ولو وصفا ، لا المفروض الذي هو كفك تركيب باب كما هو واضح.

( وكذا ) الكلام ( لو شق ثوبا ) موضوعا على الشق ( نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما ) منفردا ( ب ) واسطة ( الشق ) المزبور وإن لم ينقص مجموعهما ، ولو لأن منفعة أحدهما متوقفة على الآخر لصغر النصف عن الاستقلال وعدم وجود مماثل له ( ثم تلف أحدهما ) فإنه يغرم قيمة النصف الذاهب مجتمعا ويرد الباقي مع أرش نقصانه الحاصل بالانفراد ، إذ هو حينئذ كمسألة الخفين وإن أوهم التعبير خلافه ، إلا أن التشبيه بهما شاهد على ما ذكرناه.

نعم لو فرض مع ذلك حصول نقص عليهما بالشق ضمنه أيضا حتى لو ردهما ، وهو واضح كوضوح عدم شي‌ء عليه غير التغرير لو ردهما ، والفرض عدم نقص قيمتهما بالشق.

( أما لو أخذ فردا من خفين يساويان عشرة ) مثلا ( ف ) أتلفه أو ( تلف في يده وبقي الآخر في يد المالك ناقصا عن قيمته ) مجتمعا ( بسبب الانفراد ) الحاصل له بعد غصب الآخر ( رد قيمة التالف ) ‌

١٤٠