المرأة في ظلّ الإسلام

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله

المرأة في ظلّ الإسلام

المؤلف:

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

جاء في مجلة ( شجرة الدر ) في الجزء السادس من السنة الاولى نقلاً عن جريدة ( الاسترن ميل ) بقلم الانكليزية الشهيرة ( آني رورد ) (١) « إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم او كالخوادم ، فذلك خير وأخف بلاء ، من اشتغالهن بالمعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تُذهب برونق حياتها الى الابد.

ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، حيث الحشمة والعفاف ... والطهارة رداء الخادم ... والخادمة اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة رب البيت ، ولا يمس عرضهما بسوء ...

نعم ، إنه عار على بلاد الانكليز أن تجعل بناتها ، مثلاً للرذائل ، لكثرة مخالطة الرجال ، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية ، من ملازمة البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال ، سلامة لشرفها !! » انتهى.

إن عقلاء الامم الغربية ينفرون من هذه الحال التي ضربت فيهم بجرانها ، وفينا نفر ، أضلهم الله على علم ... يريدون أن يفسدوا المرأة باسم إصلاحها ، ويهدموا حياتها وطبيعتها ، بسوء هذا الصنيع. فهم يحملون الناس ، بتزاويق الكلام ، على أن ينهجوا منهج الغربيين سالكين طريقتهم ، مقلدين في كل شيء ، حتى الضار من الاخلاق ... والعادات ... والتقاليد ... ورحم الله القائل :

فلا يفسد التقليد طيب ارثكم

ففي دسم الغرب اختفى ناقع السّم

ولا تقربوا منهم سوى العلم وحده

وعضوا على أخلاق آبائنا الشم

ولكنني أتساءل ... هل يجب علينا نحن المسلمات ، ان نحمل نفس الشعارات ... ونهتف ... وننادي بها ؟!.

__________________

(١) عن كتاب نظرات في السفور والحجاب ـ الشيخ مصطفى الغلاييني.

٤١

هل يجب علينا تقليد الاجانب من الافرنج وغيرهم ؟ التقليد الاعمى الذي يؤدي بنا إلى الهاوية ؟

كلنا يعلم أن الاسلام أعطانا الكثير ... ولكن نحن ظالمات ، جاحدات لنعم الله سبحانه.

ما ظلم الاسلام المرأة ... ولا أجحف بحقها ، ولا أنقص من كرامتها. ولكنه رسم لها جانباً ايجابياً عظيماً في هذه الحياة. والله سبحانه وتعالى ساوى بين الرجل والمرأة بالإنسانية والجزاء ... متساويين في الخلق : قال تعالى :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ... ) (١).

إنكما متساويان أمام الله في الأعمال ـ الثواب ـ العقاب ...

( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ) (٢).

ولكن الباري سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في المواضع التي تقتضيها الفطرة ... والطبيعة.

فيا اختي المسلمة ... عودي الى الدين ... والى الحياء ... وصوني كرامتك وشرفك ، فليس غير الاسلام يصون نفسك ويحفظها.

تحرري من هذه النظريات والسموم ، فوالله إن المستعمر يريد استعبادنا واستثمارنا ، بعد أن يضعف ديننا ، ويصرفنا عنه بشتى الأساليب والحيل والخداع واتقي الله واستعيني به.

من استعان بغير الله في طلب

فإن ناصره عجز وخذلان

__________________

(١) سورة الحجرات ـ آية ـ ١٣.

(٢) سورة آل عمران ـ آيه ـ ١٩٥.

٤٢

المساواة في العبادات :

طالب الاسلام الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، بانشاء نفس راقية ، وتصفيتها من نوازع النفس البشرية ، ومن أدران المادة الدنيئة ، وبالابتعاد عن صفات الروح الحيوانية. ودله على السبيل إلى ذلك. فسن له سننا ووجهه إلى طرق اسماها العبادات كقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١).

طلب منه الصلاة ، بان يذكر ربه اناء الليل وأطراف النهار ، ويتهجد له بكرة وعشيا.

يقف بين يديه متوجهاً اليه بجنانه ، سامياً عن الدنيا بنفسه ، محلقاً في ملكوت ربه بروحه. فيخشع قلبه لما تنقشع الغشاوة عن بصيرته ، فيرى بوجدانه عظمة الباري وقدرة الخالق ، ويكون مشدوداً اليه في كل حركاته وسكناته ، في قيامه ، وركوعه ، وسجوده.

هي الصلاة « سراج كل مؤمن » كما ورد في الحديث : « هي السلم الذي يرتقي به المؤمن متعالياً عن المفاسد الدنيا ... وهي أيضاً قربان كل تقي ».

بالصلاة يتقرب العبد إلى ربه ، ويشف اهابه ، وتسمو نفسه وتتهاوى سدود انانيته.

ولقد قال الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ». وقال أيضاً : « لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ... » وطاعة الصلاة ان ينتهى المصلي عن المعصية وفعل المنكرات. وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : « من احب ان يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ؟ فبقدر ما منعته قبلت منه ».

__________________

(١) سورة الذاريات ـ اية ـ ٥٦.

٤٣

ان الإنسان لو عبد الله حقاً ، ومشى على طبق التعاليم الإسلامية وانتهج الصراط المستقيم. وعمل الخير وأمر بالمعروف وانتهى عن المنكر كان من الصالحين ... وإلا فقد حكم على نفسه بأنه دجال منافق وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (١) * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (٢) ) وقال الشاعر :

ما قال ربك ويل للأولى سكروا

بل قال ربك ويل للمصلينا

وفرض على الإنسان الصوم ، يصارع غرائزه الحيوانية لكي يتمكن من مصارعة أهوائه الشخصية ، ورغباته الذاتية التي يعصي بها ربه إن اطاعها ، لانها تصطدم مع أهواء إخوته من بني البشر.

فكل منهم يرغب في امتلاك العالم وما فيه ، وتكمن في نفسه شهوة السيطرة وحب الذات. وتفيض نفسه كرهاً وحقداً لكل ما يقف في طريق تحقيق مرادها.

ومن الناس من يسلك للحصول على المال طرقاً ملتوية لا تقرها الشرائع والاخلاق ، ولا يكتفي بالحلال ، ولا يبالي بالحرام. فهو جائع لا يشبع طامع لا يقنع. استعبدته شهوة المال ، وحرمته لذة الرضا والقناعة.

ولما تتضارب مصالح الإنسان مع مصالح أخيه ، يضطر من أجل ارضائها ان يظلم اخاه ليرمي بانسانيته عرض الحائط. وكما قال الشاعر :

الظلم من شيم النفوس فان تجد

ذا عفة فلعلة لا يظلم

فالصيام يفرض عليه مصارعة غرائزه الحيوانية من أكل وشرب وجنس

__________________

(١) سورة ـ الماعون ـ اية ـ ٤.

(٢) سورة ـ الماعون ـ اية ـ ٥.

٤٤

وغير ذلك ، فإن استطاع اعانه ذلك على السيطرة على نوازع النفس وشهواتها ، فيسلك طريقاً مستقيماً مطيعاً لله ، متجنباً معاصيه. وإلى ذلك يشير الحديث « الصوم جنة من النار ».

طلب الاسلام من الجناحين ... الرجل والمرأة ، على السواء ، تنقية النفس وتطهير الذات ، لسمو روحي عال وترفع عن دنس دنيء.

وعلى حد سواء طلب منهما الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين وقد ورد في الحديث الشريف : « الصلاة معراج المؤمن يعرج بها إلى ملكوت ربه بنفسه وروحه وقلبه ».

وجميع العبادات من صوم وصلاة ... وحج وزكاة وجهاد في سبيل الله ، هي دروس للإنسان كيف ينشئ نفساً قوية وشخصية فذة ، وكيف يسيطر على هواه ورغباته ... ويبدأ بجهاد نفسه. وكيف يوجهها في سبيل خير المجتمع وسعادته.

فإذا اخلص لله عمله ، رغب في كل ما يتقرب إليه ، تراه بهمة عالية يقطع الفيافي والقفار والمسافات البعيدة ليتمثل ما أمره الله تعالى به : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١).

فيطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة يدعو الله بقلبه ولسانه بجوارحه ان يخلصه من الشرور والآثام.

وتراهم رجالاً ونساء في هذا المؤتمر العظيم يهتفون ويلبون بصوت واحد : « لبيك اللهم لبيك ».

ممتثلين لدعوة ربهم لما ندبهم في قوله عز من قائل : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ

__________________

(١) سورة ال عمران ـ اية ـ ٩٧.

٤٥

يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١).

وذكر الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن : يأتوك رجالاً ـ أي مشاة على أرجلهم ( وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ ) أي ركبانا ... ( لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) قيل يعني بالمنافع التجارات ـ عن ابن عباس وسعيد بن جبير.

وقيل التجارة في الدنيا والاجر والثواب في الآخرة عن مجاهد وقيل : هي منافع الآخرة ، وهي العفو والمغفرة ـ عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن ابي جعفر الباقر (ع) ...

وخلاصة القول : لم يحرم الله سبحانه المرأة من هذا الثواب العظيم والاجر الجزيل ، وهذه التجارة الرابحة.

وفسح لها المجال للمشاركة في هذا المؤتمر العظيم الذي يجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب ، ومن كل لسان وجنس ولون ... من أصقاع المعمورة.

لا بل أوجبه عليها كما أوجبه على الرجل ان تمت شرائط الوجوب. وهي القدرة ... والاستطاعة وذلك لاطلاق قوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ ... ) ولم يقيده بالرجال أو النساء بل قال : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... ).

انها العدالة الاجتماعية ، والمساواة الإسلامية ، والحكمة الالهية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ).

__________________

(١) سورة الحج ـ ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٢٩.

٤٦

فالتقى هو ميزان الكرامة ، والقرب من الله. لا الذكورة ... ولا الانوثة. فمن اخلص لله عمله ورغب في كل ما يقربه الى الله ، وسار على هدي التعاليم السماوية في خدمة المجتمع العام متقرباً إلى خالقه ... نال السعادة الابدية.

« احبكم إلى الله انفعكم لعياله ».

وبروح سامية يضرب بهواه في حب المال عرض الحائط ( المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فيخرج خمس أرباحه وزكاة أمواله « ان الله شارك الفقراء في أموال الاغنياء » متقرباً بذلك إلى الله لا يبغي منها إلا وجهه. ولا يريد إلا رضاه.

هكذا طلب الإسلام من المرأة والرجل. التعاون من أجل إنشاء الحياة السعيدة المطمئنة الهادئة. والمرأة ان استطاعت تصفية نفسها وتنقية ذاتها وتطهير قلبها كانت هادئة مطمئنة تؤثر تأثيراً مباشراً بجيلها الصاعد ... باطفالها وأولادها وتبعث فيهم النفس الصالحة.

٤٧

في محيط المرأة ـ باب المساواة

يقول محمد العشماوي (١) لقد قرأت كلاماً القي في شعبة هيئة الامم جاء منه :

« أن المرأة الشرقية ما تزال محجوراً عليها ، وان هناك فوارق وفواصل بينها وبين الرجال ، وإن مردَّ ذلك الى الدين الإسلامي ، ووقوفه عقبة في سبيل نهوض المرأة ومساواتها بالرجل ... الخ ».

حقاً لقد مرَّت بالأمة الإسلامية فترات من الظلام ، أصاب المرأة فيها جانب من الحيف والإخضاع ، ولكن ذلك شذوذ اجتماعي وحيف من قبل القادة والحكام ، يعرض لكثير من الامم في بعض عصورها لعوامل طارئة ولا يلبث أن يزول.

فمن الحق عليَّ أن أجهر بأن الإسلام أول من مكّن المرأة في المجتمع الإنساني ، فليس بمجهول أن المرأة حين بزوغ نور الإسلام كانت في حضيض الذلة والانحطاط. ينكر عليها حق التوريث ، ويؤبى عليها أن تشترك في أي نظام من نظم المجتمع.

فأعلن الاسلام مساواتها بالرجل ، إذ رسم لها فروضاً واحدة في العبادات والمعاملات ، وجعلها بمنزلة واحدة في الحقوق والواجبات.

نري القرآن يخاطب المرأة والرجل على حدٍ سواء ، في شؤون العاجلة

__________________

(١) عن مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ المجلد التاسع عشر ـ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩.

٤٨

والآجلة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ) وقال تعالى : ( المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ ... الصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ... الخ ) ونراه يبيِّن أننا نشأنا جميعاً من نفس واحدة وأننا افترقنا جنسين لكي نؤلف شطري المجتمع البشري.

ونراه يعتز بالاسرة ويعبِّر عن الزواج بأنه الميثاق الغليظ. ونراه يدعو إلى المساواة بقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ ).

وان في حياة الرسول صلوات الله عليه ما يدلُّنا على أنه لا فرق بين امرأة ورجل في حق أو واجب. فقد بايعه النساء كما بايعه الرِّجال ، وقد استفتينه في شؤونهن كما استفتاه الرجال ، وفي عهد عمر كان الرجال والنساء جميعاً يدعون الى الاجتماعات العامة.

وما أن شُقًّ طريق الجهاد ، حتى انفتح للمرأة المسلمة باب وقفت فيه موقفاً إنسانياً يتعطر به ذكر التاريخ.

وما أن تحلقت حلقات العلم وطلبت رواية الحديث ، حتى اشترك النساء بالسهم الوافر ، فرويت عنهن الأحاديث ونقل عنهن الشرع ولم يخف أثرهن في سياسة أو اجتماع ... انتهى.

أطلق الإسلام حرية المرأة في جميع نواحي الحياة ، ولو وازنت أيها القارئ الكريم بين شرائع الغرب والشرق وشريعة الاسلام لتجلَّى لك أن الإسلام أبر بالمرأة وأكفل لحقوقها وأكثر افساحاً لحريتها من جميع الشرائع.

ومما لا ريب فيه أننا نحيا في ظل التشريع الإسلامي العظيم الذي حفظ للمرأة ما تطمح اليه من الحقوق.

وإذا كانت المرأة قد لقيت في بعض العصور اعناتاً وإجحافاً ، فليس الذنب ذنب التشريع الإسلامي. وإنما هو ذنب الذين حرموا المرأة حقوقها المكتسبة.

٤٩

لذلك يجب علينا أن نستقي الحقوق والفرائض من منابعها الأصيلة الصافية. قبل أن تكدرها عهود العنت والشذوذ الاجتماعي.

« يقول محمد العشماوي (١) : بماذا تطالب المرأة ؟.

بالثقافة ؟ : لقد فرض عليها الإسلام أن تتعلَّم.

بالميراث ؟ ، لقد أعطيت نصف حظ الرجل ، وليس هذا فيه تمييز للرجال ، وأكاد أقول : ان فيه محاباة للمرأة. فعلى الرجل أعباء النفقات.

فإن كان ثمة غنم يقابله كبير غرم. وكيف لا وقد رفعت عن المرأة أثقال الانفاق على نفسها وعلى ذوي قرابتها. !؟

ومن الإنصاف إذا أردنا الحكم على شيء أن نحكم عليه مجتمعاً متصلاً بمقدماته ونتائجه.

بقي للمرأة مطالبتها بالحقوق السياسية ، فهل حرمها الاسلام تلك الحقوق ؟

كلا بل أباح لها أن تباشر مختلف الاعمال. ويقول العشماوي أيضاً :

« وحسبنا دليلاً على حق المساواة وانه طبيعي لا ريب فيه أن الريف المصري يضم ١٥ مليون يعمل نصفهم من النساء عمل الرجال بجانب عملهن الخاص. وليس بعد هذا برهان على استطاعة المرأة العمل في الميدانين : الخاص والعام.

ولكن الريفية لم تتثقف ولم تتعلَّم ، ولذلك تعاني ضعفاً في القيام بمهمتها التي تبذل فيها جهدها كله. »

من العدل تكليف كل عنصر حسب قدراته وحاجاته ، لأن العدل هو وضع كل شيء موضعه.

__________________

(١) مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ ص ٤٣٠.

٥٠

فالقانون العادل والمشرِّع الحكيم ، هو الذي يعطي المرأة حسب تركيبها النفسي والجسدي ، لا يزيد على ذلك حتى لا يكون هضماً لحقوق الآخر ، وتكليفها بما لا تطيق ، أو إنقاصها من حقوقها فيكون هضماً لها وإجحافاً بحقها.

فالهرمونات التي تفرزها الغدد الصمَّاء لدى الرَّجل تؤثر في تكوينه الفزيولوجي وتعطيه قدرات جسمانية وقوة جسدية تؤهله لممارسة أعمال شاقة مرهقة.

وهذه الهرمونات لا تملكها المرأة ، مما أدَّى بها إلى بنية ضعيفة وإلى عدم تمكنها من مباشرة أعمال الرجل ، نظراً إلى نقصان قوتها الجسدية عنه.

وبالمقابل حباها الباري عز وجل بحنان فياض وقلب رقيق ، يخفق لكل من يستحق العطف والشفقة ، وهذا أكثر بكثير من عطف الرجل. مما جعلها مؤهلة لأن تقوم بدور المربي للجيل الصاعد. وتكون مربية لأبنائها تعطيهم من الحنان والعطف ما لو فقدوه لأنتج المجتمع اناساً مجرمين.

هذا الدور الذي لو فقده الاولاد من قبل الام ، لا يتمكن الرجل من القيام به ولو قصد ، وذلك لفقدان المؤهلات.

فالمرأة قد حباها الله رسالة جليلة هي إنشاء الجيل وتوجيهه فيجب أن نعدَّها لتأدية تلك الرسالة على خير الوجوه.

ولكي ندرك قيمة إعدادنا لها ، يجب أن نتمثل أن أبناءنا إذا نشأوا في بيئة جاهلة ، رضعوا الجهالة والخمول فلا تزداد بهم الامة إلا ضعفاً على ضعف ، والأمم لا تقاس مكانتها بعدد أبنائها وإنما تقاس بما لهم من كفاءات ومزايا وقوى في معترك الحياة.

٥١

وما دمنا لا نعني بإعداد المرأة وتعليمها وتهذيبها وتهيأتها لإخراج الجيل الصالح ، القوي باخلاقه ، السليم في عقله وجسمه ، فإنه لا رجاء في نهوضه. وسنبقى نعيش في فوضى ، ونسير بشق مائل نتعثر في خطانا ، ونستهدف للتداعي والسقوط.

فلتتعاون المرأة والرجل فإنه لا خير في مجتمعٍ لا يتعاون فيه الجنسان معاً ، وليكن العمل صالحاً كل واحدٍ بحسب فطرته وطبيعته.

٥٢

نزول المرأة الى ميدان العمل

لقد اهتم الاسلام بالمرأة ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة ، ورفعها إلى مصاف الرجال ، فهي مع الرجل في جميع ميادين الحياة.

لم يرد في النصوص الشرعية المعتبرة ، والتي يعتمد عليها ، ما يحرم على المرأة أن تعمل وتكتسب ، ولا ما ينفي وجودها في ميادين العمل.

ليس من التعاليم الإسلامية ولا من قوانين الشريعة السمحاء ، ابتعاد المرأة عن الحياة العملية ، وإنما هو من تضليل المضللين وإسدالهم الستار على الاحكام الشرعية الواضحة في حين لوثت العادات والتقاليد المستوحاة من المجتمعات غير الإسلامية نقاءها وصفاءها ، وأسدلت عليها نقاباً من التشويش والتشويه والتضليل.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (١).

وقال سبحانه وتعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٢).

ولكن إذا أمعنا النظر ، وتصفحنا التاريخ ، نرى أنه عندما غمر بلاد

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ـ ٣٢.

(٢) سورة الملك ـ آية ـ ١٥.

٥٣

المسلمين ( الامبراطورية الاسلامية ) طوفان الجواري والاماء ، واستخدمت هذه الجواري للهو ... والمتعة. و و و

في ذلك الوقت اضطر المسلمون الأحرار إلى تمييز المرأة الجليلة الحرة بوضع اجتماعي خاص ، عزلها تدريجياً عن الحياة العملية ووضعها ضمن نطاق خاص بها ايضاً.

أما الواقع التاريخي الذي يثبت مشاركة النساء للرجل في العمل ، فهو واضح ثابت ، من سيرة المسلمين في صدر الاسلام وبدء الدعوة وذلك حين كان المسلمون يلتزمون في حياتهم الاسس والتعاليم الاسلامية ، بشكل صحيح وغير مريب ، فكان أمامهن مجال العمل واسعاً وفسيحاً ومحاطاً بتعاليم الرسول الكريم ... وضمن نطاق الحشمة والعفة والأدب والدين.

المرأة وتقدمها في العصر الحاضر :

جاء العصر الحاضر ومن حوالي قرن أو أكثر ، أخذت أبواق الدسّاسين والمستهترين والاستعماريين والالحاديين تدق داعية المجتمعات الشرقية وخاصة العربية على المطالبة بحقوق المرأة وبدورها في المجتمعات للفوائد المزعومة.

وكان لتلك الأبواق الأثر الفعّال على الواجهة الاجتماعية ، فتبدلت الحياة وانقلبت الامور رأساً على عقب. وإذا بالمرأة التي كانت تدير مملكتها الخاصة بها أو دائرتها ، تظهر اليوم الى المجتمع تناهض الرجل ، وتسلب منه الأعمال والأشغال.

ونتج من جرَّاء ذلك أن توزَّعت الاعمال ، فإذا بالرجل الذي كان يدير الشؤون التي تخصه لم يجد عملاً يشغل به فراغه ، لأن الجنس اللطيف قد استلب منه شؤون عمله الخاصة به وزاحمه عليها.

٥٤

وهكذا اختلط الحابل بالنابل ، وشاعت الفوضى ، ولم يعد للمرأة العمل بشؤونها الخاصة ولا للرجل العمل بشؤونه الخاصة.

وكان للمرأة التقدم على الرجل في ميادين ليس لها أي صلة بها. فتبدلت الامور وتغيَّرت المقاييس الاخلاقية.

لكن لكل فعل رد ، فقد أحدثت سيطرة المرأة على الكثير من المقدرات رد فعل قوي جدّاً ، في جميع الأوساط العالمية.

وكان من جرّاء ذلك أن تنبه الكثير من المفكرين بهذا الخطر المحدق ، من زجِّ المرأة في بعض نواحي الحياة الاجتماعية. وراحوا ينذرون بني قومهم من سوء العاقبة التي سترافق المرأة من تركها بيتها والتحاقها في معترك حياة ليس للمرأة بها أي فائدة سوى ما ينجم عنها من مضار تورث الندم والخسران.

لا اغالي عندما أقول لبنات جنسي من أن المرأة من حيث تركيبها الجسماني لا تقوى على كأداء العيش ووعثاء الأعمال ومشاق الأشغال.

لذلك نراها تتجه دائماً نحو الاعمال التي تتمكن من القيام بها مثل دوائر الصحة والتمريض والتربية والتعليم وأمثالها من الخدمات الانسانية كما قالت تلك الفتاة اليابانية :

أنا إن لم احسن الرمي ولم

تستطع كفاي تقليب الظي (١)

أخدم الجرحى وأقضي حقهم

وأُواسي في الوغى من نكبا

هذه هي الحقيقة ومن يقول غير ذلك فهو مكابر ، مضافاً إلى أن المرأة بخروجها الى معترك الحياة الشاقة يترتب عليها مضار لا يمكن لأحد انكارها.

__________________

(١) الظبي جمع ظبة : حد السيف او السنان ونحوهما ـ المنجد في اللغة.

٥٥

أولاً : تكون قد تركت اولادها عرضة للضياع والمتاهات الاخلاقية.

ثانياً : تكون قد اهملت شؤون بيتها وإدارة مملكتها وجلبت الى نفسها متاعب هي في غنى عنها.

ثالثاً : زاحمت الرجل في أعماله ، وعند ذلك لا يجد سبيلاً من الركون إلى البطالة ، فتعم الفوضى التي نشاهدها في كثير من البلدان ، ونسمعها من كثيرٍ من الاذاعات.

وأعود فأناشد المرأة المعاصرة وأقول : هل عملها في مشاركة الرجل بالاعمال التي لا تتلائم مع طبيعتها مصلحة لها أو لوطنها أو لأولادها ؟

وأقول لها : هل ان الرجل ندبها أو دعاها لمشاركته في الأشغال اليدوية الشاقة ؟

أو دعاها إلى مساعدته في الأعمال الحربية مثلاً ؟ لأنه عاجز عن القيام بالعمل الذي يخصه ورأى المرأة أقوى منه فاستجار بها ؟

كلا ... إنها أبواق الدسّاسين ، وسموم المستعمرين ...

فيا اختي المسلمة المعاصرة اناشدك بالضمير والوجدان أن تتفهمي الواقع وتسيري في هذه الحياة على الوجه الصحيح ، ولا تقومي بشيءٍ من الأعمال إلا ما يوافق طبيعتك وفطرتك.

... مع الاحتفاظ بشرفك ودينك وكرامتك ...

٥٦

متى تنزل المرأة إلى ميدان العمل وكيف ؟

ان الفتاة لها ان تعمل وتكسب ، والمرأة المتزوجة أيضاً ، ولكن المتزوجة يجب عليها ان تحافظ على مهمتها الأساسية ، وهي بناء المجتمع الصالح والمحافظة على بيتها وأطفالها.

ومن اجل ان تتفرغ لعملها الأساسي ، فقد أوجب الله سبحانه وتعالى النفقة لها على الزوج حتى لا تضطر إلى ترك بيتها ، وتعريض أطفالها إلى الحرمان العاطفي ، والجفاف النفسي الذي لا يتوفر إلا بحنان الأم.

« ما بقاء الكون إلا

بحنان الابوين »

لا تستطيع دور الحضانة أو المربيات أو الخادمات ، ان تعوض على الطفل حنان امه وعطفها.

إن دور الحضانة قد تربي أطفالا أصحاء جسدياً ، ولكن الأطفال ربما يعاني أكثرهم ، من اضطربات نفسية نتيجة فقدان رعاية الام الكافية.

أما إذا اضطرت المرأة للعمل ، وذلك لإعالة نفسها ، أو اعانة زوجها أو مساعدة أولادها ، فلا حرج عليها من أن تخرج إلى العمل الشريف مع اعتبار رضى الزوج واذنه إذا كانت متزوجة.

لم يحرم التشريع الإسلامي المرأة من ثمرة أتعابها ، فإن المال الذي تجنيه من عملها هو ملك لها وليس لزوجها أو ابيها أو أحد من الناس. فالمال الذي جنته من أتعابها بالوجه الشرعي هو لها ، تتصرف به كيف تشاء.

٥٧

« الناس مسلطون على أموالهم »

إن كثيراً من الناس من يستثمر جهود المرأة وثمرة أتعابها كأبيها أو زوجها أو أخيها ، فهذا الاستثمار لا يقره الضمير والوجدان ، وحتى الدين إذا كان بغير رضى منها ، إلا إذا سمحت بالعطاء.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما جاءت اليه الصحابية السيدة ريطة بنت عبد الله بن معاوية الثقفية. وكانت ريطة امرأة ذات صنعة تبيع منها ، وليس لها ولا لزوجها ولا لولدها شيء من حطام الدنيا.

فسألت النبي عليه‌السلام : عن النفقة عليهم فقال : « لك في ذلك أجر ما انفقتِ عليهم ».

٥٨

مدى صلاحيات المرأة في تحمل المسؤولية :

إذا أمعنا النظر نرى ان المغرضين والدساسين ، وضعوا كثيراً من الاحاديث ، كل على حسب ميله وهواه.

ليت شعري ... اين ذوي العقل والروية ؟ من كتاب الله وسنة رسوله ، بعد ان قررا ان المرأة مخلوق سوى ، لها الأهلية لأن تتحمل كل تكليف ، سواء كان من جهة الإيمان أو الاجتماع أو التعبد لله ، أو الجهاد أو الأخلاق (١).

فهي كالرجل في مسيرة الحياة ، وعليها تبعات كل النتائج للأعمال التي تقوم بها من جهة الثواب والعقاب ، والسمعة في الدنيا والآخرة.

كيف يمكن القول ... انه لا يصح ان تتحمل المرأة مسؤولية الجزاء وهي ناقصة العقل والإدراك ... فالإسلام أرفع وأجل.

لقد قرر لها الإسلام الحق المطلق في التصرف في كل ما يدخل في يدها من مال ، مهما كان عظيم المقدار ، دون أي تدخل أو اشراف أو اذن من الرجل مهما كانت صلته بها ، إلا على سبيل المشورة ، أو المشاركة في الرأي أو النصيحة.

والمرأة في الاسلام لها ان تبيع وتشتري ، وتستملك العقارات وتحوز الأموال من الكسب الشريف ، ولها أيضاً أن تزرع وتحصد وتستدين وتدين وتهب وتقبل الهدية ، وتوصي وتأخذ الوصية « تكون وصية على القاصرين » وتؤجر وتستأجر ... الخ.

__________________

(١) حسب ما يقره الشرع وتقتضيه الحكمة.

٥٩

وجعل الاسلام امرها بيدها ، في مسألة زواجها ان لم تكن قاصرة.

وكانت النساء تجادل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ومعناها انها يجوز بل يحق لها المراجعة والدفاع عن حقها.

أوجب الإسلام على المرأة ، كل ما أوجب على الرجل من التفكير والتدبير ، في الأمور الدينية والزمنية ، وخاصة العلم والتعليم ، فهي كالرجل على قدم المساوات « ان المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولى ببعض ».

واعترافاً بشخصيتها في السياسة ، في أخذ النبي البيعة من النساء مستقلة عن الرجال ، ولا يصح كل هذا الفعل إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة.

٦٠