المرأة في ظلّ الإسلام

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله

المرأة في ظلّ الإسلام

المؤلف:

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

المرأة في بلاد الفرس

أما في بلاد الفرس وهم الذين قبضوا على ناصية الحكم في كثير من البلاد وسنوا القوانين والأنظمة ، لم يكن وضع المرأة عندهم أحسن مما كانت عليه في بلاد النيل والبلاد الصينية ، يقول الدكتور محمود نجم ابادي في كتاب ( الاسلام وتنظيم الأسرة ) : نلاحظ أن قوانين زرادشت ، كانت جائرة وظالمة بحق المرأة ، فإنها كانت تعاقبها أشد العقوبة إذا صدر عنها أقل خطأ ، او هفوة ، بعكس الرجل فإنها قد أطلقت له جميع الصلاحيات يسرح ، ويمرح ، وليس من رقيب عليه.

فهو له مطلق الحرية لأنه رجل ولكن الحساب والعقاب لا يكون إلا على المرأة !

ويقول ايضاً : كان أتباع زرادشت يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة ، كان لا مفر لها من الانتحار. وقد ظل هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد الساسانيين خفَّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تُسجن جزاء عدم إخلاصها أول مرة ، حتى إذا كررت عملها ، صار لا مفر لها من الانتحار ويقول ايضاً : بينما كان يحق للرجل من أتباع زرادشت أن يتزوج من امرأة غير زرداشتية فإنه لم يكن يحق للمرأة أن تتزوج من رجل غير زرادشتي وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الاضطهاد والحرمان وأما الرجل فله الحرية في التصرف على هواه وهو المالك لأنه رجل.

٢١

المرأة في البلاد الصينية

لم تكن المرأة في البلاد الصينية أحسن حالاً من اختها في بلاد الفرس ، ويؤخذ من مادة في موسوعة الدين والأخلاق ، أن المجتمع الصيني على العموم كان الناس يعيشون في فوضوية ، فهم أقرب الى الوحوش منهم الى البشر ، كانوا يعرفون امهاتهم ، ولا يعرفون آباءهم ، وكانوا يتزاوجون بلا حشمة ولا حياء ، حتى قام رجل منهم وكان من الحكماء الأقوياء اسمه ( فوه ـ سي ) ( Hsi ـ Fuh ) وذلك سنة ( ٢٧٣٦ ـ ٢٨٥٢ ) قبل الميلاد قام هذا الحكيم ووضع لهم القوانين ، وسنَّ لهم الأنظمة ، ولكن المرأة واحسرتاه ... لم تنل من السلطة أو الكرامة أي نصيب ، بل كان نصيبها أن تتلقى الاوامر ، وتنفذها بدون أي اعتراض. فإذا كانت لا تزال بنتاً لم تتزوج ، فواجب عليها إطاعة أبيها ، فإذا تزوجت فالطاعة لزوجها ، وإذا مات عنها زوجها أطاعت ابنها الكبير.

وفي المجتمع الصيني القديم ايضاً صاحب الحضارة العريقة ، أن يسير الأب على ما جرى عليه العرف العام ، فالعادة بالميراث أن البنات لا يرثن ، وحصة الابن الأكبر من الميراث تكون هي الكبرى ، وليس للبنت أن تطلب من مال أبيها شيئاً لأن البنت لا ترث لأنها ليست بولد.

المرأة في البلاد المصرية

كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، وكان المجتمع المصري القديم يتميز

٢٢

بطابع التمدن والرقي في تلك العصور ، ولكن المرأة المصرية كانت بغاية الاضطهاد والهوان ، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم ، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت ، وتربية الأطفال.

كان المصري القديم ، يتزوج في مرحلة مبكرة ، وكان يتزوج من اخته وذلك خشية أن تنتقل أملاك الاسرة الى الأغراب ، وقد عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات ، وعرفوا التسري ، وكانت الزوجة تحمل التمائم خلال أشهر الحمل ، لتقي حملها من الأرواح الشريرة ، وكان الرجل المصري يفرح إذا بُشر بالمولود الذكر ، ويكفهر وجهه حزناً إذا علم أن زوجته وضعت أنثى ، ومن الطريف أن المصريين القدماء قاموا بتجارب لمعرفة الجنين قبل ولادته خوفاً من أن يكون أنثى.

ويقول الدكتور ميخائيل ابراهيم : لقد حرص المصري على زوجته أشد الحرص ، فلا تخرج من بيتها أبداً إلا لخدمة الآلهة ، أو الخدمة في القصور ، وكانت على جانب عظيم من الذلة والمهانة.

المرأة في بلاد ما بين النهرين

المرأة السومرية :

وأما في العهد السومري ، فقد كانوا يعاملون المرأة معاملة فظة غليظة ، كما كانت تعامل عند جميع الشعوب في تلك الأزمنة. فما كانت مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة ، وذلك على الصعيد الاجتماعي ، ومن حيث الحرية والكرامة.

٢٣

وأما المرأة عند البابليين فكانوا ينظرون إليها نظرة احتقار فهي لم تخلق إلا لإسعاد الرجل.

المرأة الاشورية :

كان المجتمع الأشوري لا يختلف في شكله العام عن تركيب المجتمع البابلي من حيث عدد الطبقات ، والتشابه في البيوت والأثاث واللباس. وبالنظر الى الاهمية التي تعطى عادة للرجال في مجتمع تسوده الروح العسكرية ، أصبح الرجل الاشوري أكبر قوة وتسلطا في حين انخفض مركز المرأة الاجتماعي ، وفقدت بعض الحقوق التي كانت تتمتع بها في الحضارتين : السومرية والبابلية.

فقد أصبحت المرأة الأشورية تعتبر ملكا للرجل وله الحق في أن يحرمها ما تملك ، ويطلقها متى أراد ، ولا فرق بينها وبين الحيوان الأعجم. الرجل يأمر وهي تتلقى الأوامر ، وتنفذها صاغرة ، وليس لها حق الاعتراض (٢).

المرأة عند اليونان :

اليونان من أرقى الامم القديمة حضارة ، وأزهرها وأكثرها تمدناً في التاريخ في عصرهم البدائي كانت المرأة في غاية من الانحطاط وسوء الحال ، من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الاجتماعي جميعاً فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة ـ أو مقام كريم ، وكانت الأساطير ( Mythology ) اليونانية قد اتخذت امرأة خيالية تسمى ( باندورا ) (Pinndora ) ينبوع جميع آلام الانسان

__________________

(١) حضارات العالم في العصور القديمة ـ والوسطى ـ الطبعة الثانية.

٢٤

ومصائبه. لقد كان تأثير الاسطورة اليونانية عن ( باندورا ) في عقولهم وأذهانهم ، فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل ، في غاية المهانة والذل ، في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية وأما منازل العز والكرامة في المجتمع ، فكانت كلها مختصة بالرجل (١).

فالمرأة الأثينية تقضي معظم وقتها في المنزل ، تغزل وتنسج ، وتخيط ثيابها ، وثياب زوجها ، ونجد انها ضئيلة الحظ من الثقافة ، وان بنات أثينا يلزمن البيت في حين يذهب أبناؤها يومياً الى المدرسة ، حيث يتعلمون القراءة والكتابة والحساب ، ويحفظون شعر هوميروس ويعزفون على القيثارة ويقومون بالتمارين الرياضية ، ولم تكن المرأة اللاتينية ، تجلس الى المائدة ، إذا كان عندهم ضيوف غرباء لأنها بمنزلة العبيد والخدم.

المرأة عند الرومان :

الذين تسنموا ذروة المجد والرقي في العالم لمدة طويلة من الزمن هم الرومان وفي هذه الامة ايضاً ، نرى أن القوانين والأنظمة ، كانت تميل الى الظلم والحرمان والاضطهاد تجاه المرأة.

فالرجل رب الاسرة في مجتمعهم ، له حقوق الملك كاملة ، على أهله وأولاده والقانون الروماني كان قد أعطى الرجل حق التصرف بزوجته على هواه ، حتى بلغ من تعسف الرجل وتسلطه في هذا الشأن ، انه يجوز له حتى قتل زوجته في بعض الأحيان.

ولما تقدم الرومان ، خطوات في سبيل الحضارة، وأخذوا يرتقون سلم

__________________

(١) كتاب الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي.

٢٥

المدنية ، خفت القسوة في تلك السلطة ، من قتل وتعذيب وأخذت تميل الكفة إلى الاعتدال شيئاً فشيئاً.

لكن بقي نظام الاسرة القديم ، ثابت على حاله ، بل قيدوا النساء بقيود مثقلة ، مما زادهنَّ ذلة ومهانة.

كان الرومان يتسابقون في ميدان التقدم والرقي ، ولكن احتقارهم لنسائهم يعاملوهنَّ معاملة الخدم والإماء ، وينظرون إليهن نظرة الازدراء مما جعل المرأة تنجرف في تيار الاستهتار ، عندما رأت نفسها ، في مثل هذا الانحطاط والانهيار ، ولأنها لا تصلح إلا لإرضاء الرجل ، وتلبية رغباته ، عندها تفجر بركان من الفحشاء والفجور.

وعن المودودي ( ولما تراخت عرى الاخلاق وصيانة الآداب في المجتمع الروماني الى هذا الحد ، اندفع تيار من العرى والفواحش ، وجموح الشهوات ، فأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت ، وزُينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة الى الفجور ، والدعارة والفحشاء ).

ومن جراء هذا كله ، راجت مهنة المومسات والداعرات. الى أن يقول : ونالت مسرحية فلورا ( Flora ) حضوة عظيمة ، لدى الروم ، لكونها تحتوي على سباق النساء العاريات.

وكذلك انتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد بمرأى من الناس ومشهد. أما سرد المقالات الخليعة ، والقصص الماجنة العارية ، فكان شغلاً مرضياً مقبولاً ، لا يتحرج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يلتقاه الناس بالقبول والرضى ، هو الذي يعبر عنه اليوم بالأدب المكشوف ، وهو الذي تبيَّن فيه أحوال الحب ، والعناق والتقبيل سافرة غير مقنعة ، بحجب من المجاز والكنايات. انتهى (١).

__________________

(١) الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي.

٢٦

أقول : وفي القلب حسرة ... لقد أصبحنا في زماننا هذا ، وفساد الأخلاق آخذ بناصية جميع المسالك الحياتية تقريباً ، وفي معظم البلاد العربية والاسلامية وإذا استنكر مستنكر على أمواج الفوضى العارمة ، وتيار الفساد الطاغي على النفوس ـ أو أمر آمر بالمعروف ، او نحى عن المنكر ناهٍ وجد نفسه ، بلا ناصر ولا معين ، بل اتهم بالرجعية والتخلف وكما قيل :

وإذا تراءى مصلح

يلفى بلا أعوان

ساد الفساد وساد

أهل الجور في البلدان

والدين أصبح شاكياً

متداعي الأركان

لم يبق بين بنيه

غير الحقد والشنآن (١)

المرأة في بلاد الهند

بلاد الهند ذات حضارة عريقة راسخة ، تتميز بطابع العلم والتمدن ، والثقافة ، منذ أقدم العصور. ولكننا إذا أمعنا النظر نرى أهل بلاد الهند كبقية الامم والشعوب ، التي كانت في الزمن الغابر تعامل المرأة عندهم ، بمنتهى القساوة ، وينظر اليها نظرة الاحتقار.

تتخذ المرأة مملوكة ، وينزل الرجل منها منزلة المالك ـ او المعبود ، وهي محتوم عليها ، أن تظل مملوكة لأبيها بكراً ، ولبعلها زوجة ، ولأولادها ايِّماً.

ثم بعد هذا الهوان ، والذل ، يقدمونها ضحية على نيران زوجها المتوفي ـ أي إذا مات عنها زوجها ، يحرقونها معه بالنار وهي حية.

__________________

(١) من قصيدة طويلة في رثاء الحسين عليه‌السلام ـ للسيد علي فضل الله الحسني.

٢٧

لقد كان الهندوك يحرقون موتاهم ويحرقون زوجة الميت معه وهي حية. كانوا يلبسونها أفخر ثيابها وحليِّها ، ويأتون بها وكأنها عروس في ليلة الزفاف ، ثم يلقونها فوق الجثة المحترقة لتأكلها النيران وبقيت هذه العادة البشعة ، يتوارثها الأبناء عن الآباء حتى جاء الإسلام ، بنور تعاليمه ، واستنقذ المرأة من المصير الأسود ، فأبطل هذه العادة البشعة وحرم العمل بها وعاقب عليها.

وكان الهنود يحرمون المرأة من جميع الحقوق الملكية ، ومن الإرث ايضاً وعليها ان ترضى بقوانين الزواج ، المتبعة عندهم ، فهم يسلمونها الى أي رجل من الرجال ، بغير رضاها او استشارتها ، وهي ملزمة ان تخضع له ، فهو المالك ولا يجوز لها ان تتخلص من حيازته الى آخر انفاس حياتها.

وكان الشعب الهندي ، يعتقد ، ان المرأة هي مادة الاثم وعنوان الانحطاط الخلقي ، والروحي ، ولا يسلم لها حتى بوجود الشخصية المستقلة كإنسان كامل.

المرأة في نظر بعض الفلاسفة

لقد عاشت المرأة مضطهدة ، ليس لها مجال في هذه الحياة ، إلا تربية الأطفال ، وإرضاء الرجال ، بل هي مخلوق أحط من الرجل والدليل على هذا قول بعض الفلاسفة وأهل الفكر.

قال : ( بردون ) الفيلسوف الاشتراكي في كتابه ( ابتكار النظام ) إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا ، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا.

وقال الفيلسوف ( روسُّو ) إن المرأة ، لم تُخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة ، وإنما خلقت لتكون اماً تغذي أطفالها بلبنها ، وتتعهد

٢٨

ضعفهم بحسن عنايتها ، وتسلمهم بعد ذلك للأب ، أو للمربي يعتني بهم على نحو ما توحي به الطبيعة ، وترجع هي للقيام بوظيفة الامومة فتحمل ، وتضع ، وتُرضع ، وتتعهد لتعود ايضاً لتحمل ، وتُرضع وتتعهد من جديد ـ وهي وأطفالها دائماً في عنق الرجل (١). قالت دائرة المعارف الافرنسية عن المرأة : إن تركيبها الجسماني يقرب من تركيب الطفل ، ولذلك تراها مثله ذات حساسية حادة جداً تتأثر بغاية السهولة ، بالاحساسات المختلفة كالفرح ـ والألم ـ والخوف.

وبما أن هذ المؤثرات ، تؤثر في تصورها ، بدون أن تكون مصحوبة بتعقل ، فلذلك نراها لا تستمر لديها إلا قليلاً ؛ ومن هنا صارت المرأة معرضة لعدم الثبات.

هذه الأمة الفرنسية تلك الدولة المتمدنة ، ظل قانونها المدني ، الى امد قريب ، ينص على ولاية الرجل على المرأة ، ويمنعها حرية التصرف بما لها إلا بإذن زوجها.

وقد نقل عن الكاتبة الفرنسية « أرماندين لوسيل اورور » فإنها لم تتمكن من نشر مؤلفاتها حتى اتخذت لنفسها اسم رجل هو جورج صاند ( ١٨١٤ ـ ١٨٧٦ ) الكاتبة والمؤلفة الفرنسية التي حملت اسم الرجال حتى تجد أعمالها طريقها الى النور ، بعد أن فشلت تماماً في إقناع أصحاب الصحف ودور النشر ، أن المرأة ايضاً تستطيع أن تكتب وأن لها عقل المفكر ـ يفكر ـ ويستوعب مثل الرجل (٢).

__________________

(١) كتاب تاريخ التربية ـ الاستاذ عبد الله المشنوق.

(٢) عن المجلة العربي ـ عدد : ٢٢٠ ـ صفحة ١١٦.

٢٩

مقارنة وتحليل

لقد ذكرت بايجاز حالة المرأة في القرون الغابرة ، وشرحت شرحاً ضئيلاً للتطورات التاريخية ، التي مرت بها لمدة تتراوح الثلاثة آلاف من السنين. وقد مرت على هذه الأرض امم شتى ، وتعاقبت عليها شعوب كثيرة ، مختلفة الأجناس والأديان ، والألوان ، ذوو قوة وبأس شديد ، وكانت لهم حضارات عظيمة ، من التقدم والرقي.

لقد حاول الإنسان بحدود تفكيره ومعرفته ، ان يخط للمرأة طريقاً تسير على هداه ، وتتبع منهاجه ، ولكن كما أسلفنا الميول والعواطف لها تأثير بالغ على العقل والفكر ، تصرفهما عن الحقائق العادلة.

وهكذا مما جعل المرأة حائرة ضائعة ، لا تدري ما تفعل ، ولا تجد أمامها ، إلا دروباً محاطة بالقيد والظلم والتعسف.

لقد ذكرت سابقاً ما حدثنا به التاريخ ، من أن المرأة كانت على جانب كبير من الاضطهاد والذل والمهانة عند جميع الأمم والشعوب ، وخلاصة القول : انها كانت : عند العرب في الجاهلية سلعة تباع وتشترى ، ليس لها أي اعتراض على حياة الذل.

وعند الفرس : ينظر اليها نظرة كلها احتقار وازدراء.

وفي الصين : المرأة شيء تافه بالنسبة للرجل ، تتلقى الأوامر وتنفذها.

٣٠

وعند المصريين : بغاية الانحطاط والذل.

وعند اليونان : انها رجس من عمل الشيطان.

وعند الرومان : على جانب عظيم من الذل والاحتقار.

وعند الاشوريين : مادة الاثم ـ وعنوان الانحطاط.

كذلك كانت المرأة السومرية ـ والبابلية ـ والاكادية ـ والساسانية وغيرهم من الشعوب التي كانت لها حضارات.

وظلت المرأة تتخبط في الظلام حتى ظهر الاسلام.

فالاسلام هو الخطة الوحيدة المستقيمة ، والطريق الناجح ... والإسلام بجميع نظمه وقوانينه هو الحل الوحيد ، الذي رسم للمرأة طريقاً محدوداً ، وانهجها منهاجاً صحيحاً ، وخط لها درباً واضحاً ، وأبان لها دورها في الحياة ومدى مسؤولياتها في المجتمع ، واظهر قيمتها منزلتها مع الآخرين ، وسن لها في القوانين حقوقاً وواجبات ، وأعطاها ما لم يعطه من قبله ولا من بعده أحد من الامم والشعوب.

جاء الإسلام هادياً للبشرية منقذاً لها من الضلال والشرك مصدقاً للعلم والعقل حاثاً على اكتشاف اسرار الكون والسيطرة عليه لذلك سمي دين الفطرة ودين العقل.

جاء الاسلام ، حاملاً دستور الحق والعدل والانصاف ناشراً لواء المحبة والأخوة والمساواة ، ناصراً للضعيف المظلوم على القوي الظالم.

ففي آداب الاسلام واخلاقياته ومعنوياته ، ما يقوم بأعظم دستور للحياة ، في أروع صور الحياة واسماها ، وللحضارة في أرقى ما تصل اليه الحضارة ، يصوغ المعاملات ، والعلاقات الحياتية على العدل والإنصاف ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

٣١

وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١). ويحث على السلوك الإنساني والعمل بالحق ، وعلى طريق الخير والديمقراطية ، ومحاربة الاستبداد والدكتاتورية ، ولا يضع قيوداً على عقل الإنسان أو يحول دون تقدم الفكر. ولا يكبل الإنسان بالزهد والتقشف. قال تعالى : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) (٢) ولا يرضى أن يسلم الإنسان نفسه للترف والمتع ، قال تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) (٣).

والمبادئ الإسلامية تقوم على المحبة ، وهي الاخوة والتضامن قال تعالى : ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٤). وتقوم أيضاً على الرحمة والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، والعمل الصالح في سبيل الله قال تعالى : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) (٥). وكذلك تحث على التعاطف والتعاون قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (٦) وكذلك تحث على الإلتزام بالمكارم والتسابق للفضائل والتجنب للرذائل ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (٧).

__________________

(١) سورة النحل ـ آية : ٩٠.

(٢) سورة الاعراف ـ آية ٣٢.

(٣) سورة الاعراف ـ آية ٣١.

(٤) سورة الحجرات ـ آية ١٠.

(٥) سورة البقرة ـ آية ١٩٥.

(٦) سورة المائدة ـ آية ٢.

(٧) سورة الحجرات ـ آية ١٣.

٣٢

ولم تقتصر التعاليم الإسلامية على فئة معينة من البشر ، بل تعدتها إلى جميع الامم والشعوب.

فالاسلام أعز المرأة ، وانتشلها من حضيض الذل ومرارة الحرمان ، وجعل لها المكانة العليا في المجتمع ، ثم بعد هذا ، ساوى بين الرجل والمرأة في أكثر المجالات.

ان الشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي منحت المرأة الكثير من الحقوق والواجبات ، وحباها الرسول العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفيض من الرعاية والعناية واللطف ، ووضعها في المكان اللائق بحالها.

قال تعالى : ( إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١).

وقال تعالى : ( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (٢).

وقال تعالى : ( وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٣).

__________________

(١) سورة الأحزاب ـ آية ـ ٣٥.

(٢) سورة التوبة ـ آية ـ ٧١.

(٣) سورة التوبة ـ آية ـ ٧٢.

٣٣

ثم ان الاسلام أمدّ المرأة المسلمة بالشعور بالشخصية المستقلة ، المزودة بمكارم الأخلاق ، والطموح الى العزة والكرامة ، حيث أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيعة منها مستقلة كالرجل ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١).

وفي الحث على التضامن مع رفع مستوى المرأة قال تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) (٢).

هذا من الناحية الاجتماعية ، وأما من حيث الارث والعمل في اكتساب المال والرزق الحلال ، فقد فرض لها الاسلام فرضاً معلوماً من الارث ولم يحرمها.

قال تعالى : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) (٣).

ثم أعطاها الاسلام حرية التصرف بما لديها من أموال ، والتكسب به عن طريق الحلال ، قال تعالى : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (٤).

__________________

(١) سورة الممتحنة ـ آية ـ ١٢.

(٢) سورة آل عمران ـ آية ـ ١٩٥.

(٣) سورة النساء ـ آية ـ ٧.

(٤) سورة النساء ـ آية ـ ٣٢.

٣٤

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة التي تحفظ منزلة المرأة ، وتزيد من كرامتها وحفظ معنوياتها ولقد احتوى القرآن الكريم على آيات كثيرة توضح ما للمرأة من حقوق وواجبات ، على أفضل واهدى وأقوم وأصلح ما يكون لكل زمان ومكان.

هذه بعض المبادئ الإسلامية والتعاليم السماوية ، التي فتحت القلوب المغلقة ، وأنارت البصائر عند ذوي الألباب ، فلم تمض بضع سنوات على بعث دعوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظهور الشريعة الالهية السمحاء التي تفيض بالعدل والانصاف ، حتى أصبح الاسلام عقيدة الملايين من البشر.

ولم يمض قرن من الزمان حتى ارتفعت راية الاسلام خفاقة في ارجاء العالم ، واستولى أبناء البادية الاعراب على امبراطورية كسرى وقيصر.

٣٥

حول حرية المرأة في الاسلام

جمعتنا الصدف في بيت إحدى الصديقات ، وكان عندها جمع غفير ، ضم عدداً غير قليل من ذوات الفهم والعلم والأدب والثقافة العالية.

دار النقاش ، حول تاريخ نهضة المرأة المسلمة وما لاقت في حياتها من عقبات ومتاعب.

علا الضجيج وزادت الجلبة والضوضاء كل يبدي رأيه في حال المرأة ، وتطوراتها في ظل التشريع الإسلامي. وتفرقوا شيعاً بين مادح لوضعها ... وناع عليها.

وانبرت إحدى الحاضرات ، وهي من المسلمات ، المثقفات ثقافة عالية لكنها ويا للأسف ... من جملة النساء المخدوعات بتزويق كلام يرقشه جماعة من الملحدين والمستهترين.

راحت تلك الاخت المثقفة تهاجم الشريعة الإسلامية بحماس زائد ، مدعية أن الإسلام بتشريعاته القاسية ، وقوانينه الصارمة ، قد ظلم المرأة ، وأن علماء المسلمين قد أجحفوا بحقها.

حبسوها ... قيدوها ... ضيقوا عليها ... حرموها الحرية والنور ... جعلوها منبوذة في المجتمع ... خاملة الذكر ... متحجبة ... حبيسة الجدران ... مخدرة ... مستبعدة. إلى آخر ما هنالك ، من نعوت وأوصاف.

٣٦

أجبتها بكل هدوء : خففي من غلوائك اختاه ، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا.

لا داعي للتحدي أو المهاجمة ، فإنني على استعداد تام ، لكي أشرح مبينة لك ، ولغيرك وضع المرأة المسلمة ، نصف الهيئة الاجتماعية.

ولا أستسلم للعواطف التي طالما حملت الكثير من الناس على ذكر الحسنات دون السيئات متى تحدثوا عن أقوامهم.

( وليس في التشريع الإسلامي سيئات ).

وإني أبذل جهدي ، لشرح وتوضيح كل فقرة أو كلمة مما تقولين وتنكرين ليتضح ما خفي عليك وعلى أمثالك من المخدوعات والمخدوعين لا تأخذني في الله لومة لائم ( قل الحق ولو على نفسك ).

كما وأرجو من أخواتي الحاضرات أن ينظرن بمنظار الحق واعتبارهن امة وسطاً تحكم بالعدل.

وإن الغاية من موقفي هذا هو كشف النقاب ، عن وجه تطور المرأة المسلمة من النواحي الأخلاقية والثقافية والاجتماعية ... وغيرها.

وذلك في غضون تعاقب العرب ... والفرس ... والترك ... وغيرهم ، على الحكم في الامبراطورية الاسلامية.

وكذلك في ظروف تداول السلطة بين العرب ... والبربر ... في المغرب والأندلس حتى نصل إلى تبيان التطور الذي أصاب الأمة الإسلامية في تلك المراحل.

وللانسجام مع الواقع ، والمحافظة على الوجه الاسلامي الصحيح من أن تشوهه الأضاليل ، أبذل الجهد في تحليل ما يقتضيه الواقع ، من بحث وتدقيق وتنقيب وتمحيص ، للوصول إلى الغاية المرجوة بكتابي هذا.

٣٧

وإنني الآن أتناول ، أولاً موضوع حرية المرأة ، شارحة لأي مجال أعطاها الاسلام من الحرية والانطلاق.

وإني إذ أكتب أرى أنه ليس من الضروري ، أن تكون عباراتي مسجعة ، منمقة في غاية البلاغة وتنعدم معها إمكانيات العطاء الذاتي كما يفعل البعض.

وإنما حرصت على أن تكون هذه العبارات سهلة سلسلة يستسيغها القراء ، مع حسن التنسيق وسلامة التعبير.

الحرية ... والمساواة :

السؤال الذي يتردد على لسان حاملي لواء المطالبة بحقوق المرأة المسلمة ، شعارهم : نحن نطالب بالحرية ... والمساواة ، لنمضي في ركب الحضارة والمدنية ، شأن النساء الاوروبيات.

وكانت صيحة محمومة ، ومطالبة صارخة ، إن هناك من الحقوق المغبونة ، والظلم الواقع على رأس المرأة المسلمة ، لأن الإسلام لم ينصف المرأة ، عندما جعلها دون الرجل ، وسلَّطه عليها.

والحق يقال : إن جميع ما يتشدق به دعاة المدنية ، ما هو سوى بعد عن الحقائق ، وتقليد أعمى ، درجت عليه المرأة الشرقية ، وارتضته المسلمة لنفسها ، بالاضافة إلى ما ارتضته من نقائص وسخافات مستوردة من البلاد الأجنبية ، وقلدتها راضية مرضية.

إذا كانت المرأة الأجنبية ، تطالب بحقوقها ، فهذا أمر راجع لاعتبارات كثيرة ، اقتصادية ... واجتماعية ... وتربوية ، التي كانت تعاني منها عندما كانت ترسف بالقيود ، وتتخبط في الظلمات.

٣٨

وما شأن المرأة المسلمة بهذه المطالب ؟؟ مع العلم أن الإسلام أنصفها وأرضاها ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة.

لا يخفى أن المرأة في البلدان الأجنبية ، من شرقية أو غربية قد مرَّت بأشواط قاسية.

ففي العصور المظلمة التي تخبطت بها المرأة ، كثر الجدل حول حقيقتها انها بشر ... ؟ أم شيطان ... وهل تحتوي نفسها على الخير كالرجل ؟ أم انها بشر ؟ فضلاً عن أن الرجل كان يقودها ويبيعها في السوق ، وهي راضخة ، قانعة بوضعها مكتفية بإنفاق الرجل عليها.

وبعد قيام الثورة الصناعية في جميع البلدان ، وإنشاء المصانع والمعامل والشركات تبدلت الأوضاع ... وتفاوتت الاعتبارات.

لقد أسدت الثورة الصناعية ، خدمات كثيرة إلى بني الإنسان ، ولكنها من جهة ثانية ، أساءت إلى المجتمع الأخلاقي ، الذي أخذ بالتفكك والانحلال تدريجياً. حيث أصبح الفرد لا يهتم إلا بنفسه ، ثم إشباع ذاته وحاجته وانغماسه في الملذات. لأن الثورة الصناعية أدَّت إلى نشوء طبقتين الطبقة الاولى : أرباب العمل وهم الأغنياء الذين أفسد الترف أخلاقهم ، والطبقة الثانية : العمال وهم الفقراء الذين ألجأهم الحرمان للهث وراء المال لسد حاجتهم ، ويكون المثل الأعلى يومئذٍ للرجل الناجح هو الرجل الغني.

صرف المرء حينئذٍ نفسه وتفكيره وطاقاته وجهوده عن كل شيء إلا الحصول على المال ، بأي وسيلة ، ومن أي طريق.

كان من الطبيعي أن تدخل المرأة في ميدان العمل ، لإعالة نفسها ، ولكنها الجانب الضعيف الذي ينحني عادة للأقوى ، في كل زمان ومكان إذا لم يكن هناك رادع ديني ... أو أخلاقي.

٣٩

نزلت المرأة إلى ميدان العمل ، وعملت مع الرجل وقامت بنفس الجهد أو أكثر ، ولكن بأجر أقل من الرجل ، جهد كثير ، وأجر قليل وكرامة غير محفوظة.

وأخيراً تهاوت تحت وطأة الحاجة والعوز بنفسها وشرفها.

هذا واقع أكثر النساء الأجنبيات اللواتي تريد تقليدهن والاقتداء بهن ، المرأة المسلمة ، والزمرة التي تطالب بحرية المرأة ومساواتها بالرجل.

هذا واقع النساء المتحرزات الاوروبيات او الأجنبيات. وهذا ما دعاهن إلى شق عصا الطاعة ، والتنفيس عما يعانينه من جور وحرمان واضطهاد.

قامت النساء ، يطلبن حريتهن وحقوقهن المهضومة ورفعت الأصوات ... وزادت المطالبة بالحرية والمساواة ...

وتمَّ للمرأة ما أرادت ، ولكن هل حلَّت المساواة والحرية مشكلتها ؟

وهل حققت لها السعادة ؟؟

هل رفعتها في نظر الرجل ؟؟

هل صانت نفسها ... وشرفها ؟؟

لا ... وألف لا ... هذه صحفهم كلها تشهد وتقول : صحيح ان قانون المساواة حقق للمرأة الكسب المادي ، ولكنه سبب زيادة في الطلاق وأدى الى تفكك الروابط العائلية ، بسبب غيابها عن البيت ، وابتعادها عن أطفالها وعدم رعايتهم ، والاعتماد على دور الحضانة.

وماذا يجدي الكسب المادي ؟ إذا كان الأمن بعيداً عن البيت ؟؟

والاطمئنان مفقوداً ؟!

« اطمئنان الزوج ... الأم ... الأطفال ... »

٤٠