المرأة في ظلّ الإسلام

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله

المرأة في ظلّ الإسلام

المؤلف:

السّيدة مريم نور الدّين فضل الله


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: دار الزهراء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٥

العادات الجاهلية والتقاليد الوثنية.

لقد هبت المرأة من رقادها ، وأجابت دعوة الإسلام بقلب ملؤه التقوى ، ونفس فياضة بالإيمان.

إن المرأة ما زالت في كل عصر ومصر تبزّ الرجال بالإخلاص لعقيدتها ومبادئها ، والاندفاع في سبيل إيمانها ، لذلك نرى أن النساء العربيات ، في عهد الرسول الأعظم (ص) والخلفاء الراشدين وما بعدهم بقليل ، كن شريكات الرجال في وثبتهم الاجتماعية الدينية ، وجهادهم ضد المشركين.

ولا غرابة في هذا ، فإن اختلاف الغايات والحوافز التي تدعو إلى القتال لها الاثر الفعّال في تطوير المسائل.

فبينما كان الحافز في الجاهلية حب النصر والفخر أمام الملأ ، أصبح القتال في الإسلام ، هو المساهمة في نشر الدين ، وإدراك الأجر والثواب ، مما يضمن خير الدنيا والآخرة.

فأما النصر والفخر ... وأما الجنة والنعيم الدائم ... قال تعالى : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١).

وما أن سطعت شمس الهداية ، وصدع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة المقدسة داعياً ومبشراً ونذيراً ، حتى سارعت المرأة لتساهم بدورها في اعتناق الإسلام ونشره والتصديق برسوله والإيمان بمبادئه.

__________________

(١) سورة التوبة ـ آية ١١١.

١٢١

لقد تجلّت في بدء الدعوة الإسلامية ، البداوة في طلاقتها وما نحوية من ثقافة أدبية وعزة وإباء وأنفة وعفاف وكرم ومروءة وشجاعة ونجدة ووفاء للذمم. كل هذه المزايا الحميدة احتوتها أحضان شرع عظيم ، وقيادة رسول كريم ، يقيم الحدود ويعيِّن الواجبات والحقوق ويقوِّم العقائد والمبادئ بالعدل والإنصاف والحرية والمساواة.

وبما أن المرأة العربية كانت على جانب من المذلة والاحتقار كما أسلفنا ، فإنها كانت تحتفظ بمزايا فطرية بدوية محمودة ، على رغم تسلط الرجل عليها ، واستئثاره بكل النواحي الاجتماعية. فقد خلق الإسلام في أوساط النساء التقى والورع وحب الجهاد في سبيل الله ، والتفاني في نصرة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكان من دواعي نشاط المرأة المساهمة في أعباء الانقلاب الكبير الذي قام به الرسول العربي الكريم في الجزيرة العربية والعالم أجمع. قال الشاعر :

بدى من القفر نور للورى وهدى

للتمدن عم الكون من بدوي

التفَّت النساء حول النبي (ص) وعطفن عليه ، فوجد منهنَّ المؤمنات الصادقات الشجاعات اللواتي استعذبن العذاب في سبيله وسبيل دعوة الإسلام.

ولا بأس من إيراد بعض مناقب المرأة الصالحة ومواقفها في بدء الدعوة الإسلامية ليكون خير دليل ... وأحسن سبيل للإحاطة بما كان للإسلام من أثر فعّال عليها ، وعلى سير حياتها إذ نحن نتحدث عن المرأة في ظل الإسلام.

وأول امرأة أسلمت وأخلصت لعقيدتها ، وجاهدت وضحت بكل شجاعة وإخلاص هي أم المؤمنين السيدة خديجة رضوان الله عليها.

١٢٢

أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها :

خديجة ام المؤمنين زوجة الرسول الكريم ، تزوجها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان سنه خمسة وعشرين سنة ـ وخديجة يومئذٍ ابنة أربعين سنة ، وهي أول امرأة دخلت حياته ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.

لقد أجمع أهل السير والتاريخ أن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي (١) كانت امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه ، وكانت قريش تجاراً. فلما بلغها عن رسول الله (ص) صدق الحديث وعظم الأمانة ، وكرم الأخلاق ، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة ، فأجابها.

خرج معه ميسرة حتى قدم الشام ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب ، فاطلع الراهب رأسه إلى ميسرة ، فقال : من هذا ؟؟ فقال ميسرة : هذا رجل من قريش ، فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.

ثم باع رسول الله (ص) واشترى وعاد فكان ميسرة إذا كانت الهاجرة ، يرى

__________________

(١) وعلى هذا فهي من أقرب النساء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه لم يتزوج من ذرية قصي غيرها سوى ام حبيبة وذلك بعد موت خديجة رضوان الله عليها ـ الكامل في التاريخ لابن الاثير.

١٢٣

ملكين يظللانه من الشمس وهو على بعير ، فلما قدم مكة ربحت خديجة ربحاً كثيراً ، وحدثها ميسرة عن قول الراهب وما رأى من اظلال الملكين إياه.

كانت خديجة امرأة حازمة عاقلة شريفة مع ما أراد الله من كرامتها ، فأرسلت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرضت عليه نفسها ، وكانت من أوسط نساء قريش نسباً (١) وأكثرهن مالاً وشرفاً. وكل رجل من قومها كان حريصاً على الزواج منها لو يقدر عليه.

فلما أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبر أعمامه. وخرج ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب وغيرهما من عمومته ، حتى دخل على خويلد بن أسد ، فخطبها إليه.

فتزوجها فولدت له أولاده كلهم ما عدا ابراهيم.

قصة زواج الرسول (ص) من خديجة :

ذكر جميع أهل السير عن نفيسة بنت منية قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة ضابطة جلدة ، قوية ، شريفة مع ما أراد الله تعالى لها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، واحسنهم جمالاً وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة قد طلبها جل رجال قومها ، وذكروا لها الأموال ، فلم تقبل فأرسلتني دسيساً (٢) إلى محمد صلى الله

__________________

(١) كان يقال لها : سيدة قريش ـ لأن الوسط في ذكر النسب ـ من أوصاف المدح والتفضيل : يقال : فلان أوسط القبيلة ـ أي أعرقها في نسبها.

(٢) دسيساً أي خفية.

١٢٤

عليه وآله وسلم. بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت : يا محمد ما يمنعك أن تتزوج ؟..

فقال : ما بيدي ما أتزوج به ...

قلت : فإن كفيت ذلك ... ودعيت إلى المال ... والجمال ... والشرف ... والكفاية ... ألا تجيب ؟

قال : فمن هي ؟ .. قلت : خديجة بنت خويلد ...

قال : وكيف لي بذلك يا نفيسة ؟؟ وأنا يتيم قريش ، وهي أيم قريش ذات الجاه العظيم والثروة الواسعة.

فقالت نفيسة : قلت بلى وأنا أفعل ، فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن يحضر إليها. وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر.

ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمومته ـ وقد خطب عمه أبو طالب يومئذٍ خطبته المشهورة التي ذكرها أهل التاريخ وأصحاب السير.

خطبة أبو طالب يوم زواج الرسول (ص) :

قال أبو طالب :

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم ، وزرع اسماعيل ، وضئضئ معد (١)

__________________

(١) الضئضئ ـ الأصل والمعدن.

١٢٥

وعنصر مضر (١) وجعلنا حضنة بيته المتكفلين بشأنه ، وسوَّاس حرمه ، القائمين بخدمته. وجعله لنا بيتاً محجوباً ، وحرماً آمناً ، وجعلنا أحكام أحكام الناس.

ثم ابن أخي هذا محمد بن عبد الله ، لا يوزن به رجل إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً ، وإن كان في المال قلّ فإن المال ظل زائل وأمر حائل وعارية مسترجعة.

وهو والله بعد هذا ، له نبأ عظيم ، وخطر جليل ، وقد خطب إليكم رغبة في كريمتكم خديجة ، وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله اثني عشر اوقية ونشاً (٢).

وعند ذلك قال عمها عمرو بن أسد : ( هو الفحل لا يقدع أنفه ).

وبعد أن انتهى أبوطالب من خطبته (٣) تكلم ورقة بن نوفل. فقال :

« الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت ، وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب

__________________

(١) العنصر ـ الاصل ـ يقال : إنه لكريم العنصر ـ أي ـ الحسب ـ والهمة ـ المنجد في اللغة.

(٢) قال المحب الطبري : النش عشرون درهماً ـ والاوقية أربعون درهماً ـ وكانت الاواني والنش من الذهب ، فيكون جملة الصداق خمسمائة درهم شرعي ـ وقيل أصدقها عشرين بكرة.

(٣) إن البلاغة التي تجلت في خطبة أبي طالب وما ظهر فيها من عطف وحنان أبوي ، لهي أصدق برهان ودليل قاطع على تفانيه في حب الرسول (ص) ورعايته ونصرته في دعوته.

على أن أبا طالب لم يزل حتى توفي يدافع عن الرسول (ص) الدفاع المستميت ولم يدع أحداً يصل إليه بسوء طيلة حياته. وكما قيل في حقه وحق علي (ع) :

فهذا بمكة آوى وحامى

وذاك بيثرب خاض الحماما

وحينما أرادت قريش قتله (ص) جاءت الى أبي طالب وقالت له : أنت سيدنا ورأيت من أمر

١٢٦

وقادتها ، وأنتم أهل ذلك كله ، لا ينكر العرب فضلكم. ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم فاشهدوا عليَّ معاشر قريش ، إني قد زوجت خديجة بنت خويلد ، من محمد بن عبد الله ، وذكر المهر. »

وأولم عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحر جزوراً ، وقيل نحر جزورين ، وأطعم الناس وفرح أبو طالب فرحاً شديداً. وقال : « الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ، ودفع الغموم. » وهي أول وليمة يولمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الشاعر في ذلك :

ورأته خديجة والتقى والز

هد فيه سجية والحياء

وأتاها أن الغمامة والسر

ح أظلته منهما أفياء

وأحاديث أن وعد رسول

الله بالبعث حان منه الوفاء

__________________

ابن أخيك ما كان ، وهذا عمارة بن المغيرة أحسن فتى في قريش جمالاً ونسباً ونهادة وشعراً ، ندفعه اليك فيكون لك نصره وميراثه ، وتدفع الينا ابن اخيك نقتله ، فإن ذلك أجمع للعشيرة وأفضل في عواقب الامور. قال أبو طالب : والله ما انصفتموني ، تعطوني إبنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه ؟! ما هذا بالنصف ! لا كان ذلك أبداً.

وحينما فقده مرة ولم يجده (ص) أمر فتيان بني هاشم وقال لهم : ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة ، حتى اذا ما وجدنا محمداً فليقتل كل واحد منكم واحداً من زعماء قريش ، وكانت قريش مجتمعة في الكعبة. ولما وجد محمد (ص) أخبر زعماء قريش عما كان أراد من قتلهم اذا لم يجد محمداً (ص) وحينما طلبت قريش أن يترك محمد (ص) الدعوة الى الاسلام ويسوِّدونه عليهم أجاب عليه الصلاة والسلام : « يا عم والله لو وضعوا الشمس بيمني والقمر بيساري على أن أترك هذا الأمر لما تركته. » فأجابه عمه بقوله :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتى اوسد في التراب دفينا

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا

وكل من يقول بعدم اسلام أبي طالب يكون قد افترى وأخطأ لأن دفاعه أكبر شاهد على اسلامه ...

١٢٧

فدعته إلى الزواج وما

أحسن ما يبلغ المنى الأذكياء

إن خديجة رضي الله عنها عندما رأت محمداً وما يتحلى به من الأمانة والتقى والورع والحياء والزهد والوفاء ، لم تتأخر بانتهاز الفرصة ، ودعوة محمد الى الزواج فعرضت نفسها عليه ، وهي ذات الشرف الظاهر ، والمال الوافر ، والخلق الكريم ، والحسب ، والنسب.

وذكر ابن هشام : « أن خديجة ام المؤمنين كانت قد تزوجت من أبي هالة بن زرارة التميمي. ومات أبو هالة في الجاهلية ، وقد ولدت له خديجة هندا الصحابي ، راوي حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد شهد بدراً وقيل أحداً. وقد روى عنه الحسن بن علي فقال : حدثني خالي لأنه اخو فاطمة لامها. وكان هند هذا فصيحاً ، بليغاً ، وصّافاً. وكان يقول : أنا أكرم الناس أباً ـ واماً وأخاً واختاً ـ أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم (١).

وأخي القاسم ، وأختي فاطمة ، وأمي خديجة. رضي الله عنهم جميعاً.

وقتل هنداً هذا مع علي رضي‌الله‌عنه يوم الجمل (٢).

__________________

(١) إشارة إلى أن الرسول الكريم بمثابة أبيه ، فهو عمه زوج امه خديجة رضي الله عنها ...

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ـ ج ١ ـ ص ١٩٨.

١٢٨

نبذة من حياة السيدة خديجة مع الرسول الأعظم (ص)

لنلقي نظرة سريعة على حياة السيدة خديجة رضي الله عنها ، بعد زواجها من الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نرى ما لاقته من ظلم قريش وقطعيتها ، لأنها وقفت من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الوقفة الجبارة التي سجلها التاريخ على صفحاته.

لقد كانت رضوان الله عليها أكبر مساعد للرسول (ص) وأعظم عون على نشر دعوته ، حتى قال عليه وآله الصلاة والسلام : « قام الدين بسيف علي ومال خديجة » لأنها صرفت مالها الكثير في سبيل نصرة الإسلام.

لقد كانت خديجة رضي الله عنها ، في العز والجاه والثروة ، وهي سيدة قريش ـ كما أسلفنا ـ ولكن بعد زواجها من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انفضوا من حولها ، ورجعوا باللائمة عليها وأخيراً تنكر لها الجميع كأنها أتت شيئاً نكراً.

ولما بُعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به عن ربه ، وآزره على أمره ، فكان عليه وآله الصلاة والسلام ، لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه ـ من ردٍ عليه أو تكذيب له أو استهزاء به ـ إلا فرج الله عنه بخديجة ، التي كانت تثبته على دعوته ، وتخفف عنه وتهون عليه ما يلقى من قومه من المعارضة والأذى (١).

__________________

(١) طبقات إبن سعد الكبرى.

١٢٩

نزول الوحي ـ ومبعث الرسول :

استقرت الحياة هادئة ناعمة ، فقد لاقى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت الزوجية العطف والحنان ، الذي افتقده منذ طفولته ، وهذه خديجة الزوجة الوفية ، قد أضفت على البيت الراحة والاستقرار والأمان ، وولدت البنات والصبيان.

نعمت أسرة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سنوات بحياة هادئة ، وادعة ، بالألفة والمودة ، يرشف الزوجان على مهل ، رحيق ودٍ عميق ، وحلاوة سعادة صافية.

لقد كان في الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميل إلى التفكير والاستغراق ، ونزوع إلى الخلاء والتأمل منذ صباه ، فكان يذهب إلى غار حراء ، (١) يقضي فيه الساعات ، بل يتعداها إلى الليالي يمارس هناك ، بعيداً عن الناس ما طاب له من التعبد والتهجد وما يسمونه الآن في العصر الحاضر : ( الرياضة الروحية ).

وهنا تتجلى شخصية السيدة خديجة ، وما كان لها من تأثير بالغ على حياة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنراها في وقارها ، وجلال سنها ونضوجها ، لا تتأفف أو تضيق بهذه الخلوات ، التي كانت تبعد عنها زوجها الحبيب ، وعن

__________________

(١) غار حراء ، هو كهف في جبل حراء بجوار مكة المكرمة ـ كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعبد فيه.

١٣٠

أولادها ، وبيتها ، وما خطر لها أن تعاتبه ، أو تتذمر من هجره لها الليالي الطوال ، وما حاولت رضي الله عنها ، أن تعكر عليه صفاءه كما نعهد ، من فضول النساء ، التي تستأثر بالرجل وتغار عليه.

ولكن السيدة خديجة رضوان الله عليها ، كانت على عكس ذلك ، فقد حاولت ما وسعها الجهد ، أن توفر له الهدوء والاستقرار ، وأحاطته بالرعاية التامة ، مدة إقامته في البيت ، وعندما يذهب إلى غار حراء ، كانت ترسل من يحرسه ويرعاه ولا يعكر عليه صفو خلوته.

وهناك في غار حراء ، « بعث الله رسوله وأكرمه بما اختصه به من نبوته ، بعد أن استكمل أربعين سنة وذلك بعد بنيان الكعبة بخمس سنين » (١).

وكان مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في شهر ربيع الأول ـ وقيل في السابع والعشرين من شهر رجب ، وقيل في رمضان ـ وأشار لذلك قول الشاعر :

وأتت عليه أربعون فأشرقت

شمس النبوة منه في رمضان

« وكان جبريل يظهر له ، فيكلمه ، وربما ناداه من السماء ، ومن الشجرة ، ومن الجبل ، فيذعر من ذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل (٣) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي ، سمعت نداءً ، فقالت : ما يفعل بك الله إلا خيراً ، فوالله

__________________

(١) مروج الذهب ـ للمسعودي.

(٢) تاريخ اليعقوبي.

(٣) مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي.

١٣١

إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم ، وتصدق الحديث. قالت خديجة : فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وهو ابن عم خديجة فأخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما رأى فقال له ورقة إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ، ثم ائتني فأخبرني ، فلما خلا ناداه يا محمد ، قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين قل لا إله إلا الله ، فأتى ورقة فذكر له ذلك ، فقال له : أبشر ثم أبشر ، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل ، وأنك سوف تؤمر بالجهاد ، بعد يومك هذا ، ولئن أدركني ذلك لأجاهدَّن معك ، فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد رأيت القس في الجنة ، عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني ـ يعني ورقة ـ وروي أن ورقة قال في ذلك :

فإن يك حقاً يا خديجة فاعلمي

حديثك إيانا فأحمد مرسل

وجبريل يأتيه وميكال معهما

من الله وحي يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزاً لدينه

ويشقى به الغاوي الشقي المضلل

فريقان منه فرقة في جنانه

واخرى بأغلال الجحيم تغلغل

عن عائشة أم المؤمنين انها قالت : (١) أول ما بدئ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوحي ، الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه ، وهو التعبد ، الليالي ذوات العدد ، قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ـ للطباطبائي.

١٣٢

خديجة ، فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قال ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني (١) حتي بلغ مني الجهد. ثم أرسلني.

فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) (٢).

فرجع بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني ـ زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الرعب فقال لخديجة : وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة : كلا ما يخزيك الله ابداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق !

وفي سيرة ابن هشام عن النبي (ص) قال : فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل. قال : فوقفت أنظر اليه. ما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء ، قال فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفاً ما أتقدم

__________________

(١) وفي سيرة ابن هشام ( فغتني ) والفت ـ حبس النفس ـ وفي السيرة الحلبية يقول : فغتني حتى حسبت أنه الموت ، إشارة أن (ص) يحصل له شدائد ثلاث ثم يحصل له الفرح بعد ذلك. فكانت الاولى ادخال قريش له (ص) في الشعب مع أهله ـ والتضييق عليه ـ والثانية اتفاقهم على قتله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والثالثة ـ خروجه من أحب البلاد اليه ، مسقط رأسه مكة ـ المكرمة ـ وبعده عن الكعبة المقدسة.

(٢) سورة العلق ـ آية ـ ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ.

١٣٣

أمامي ، ولا أرجع ورائي ، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ، ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني.

وانصرفت راجعاً إلى أهلي ، حتى أتيت خديجة ، فجلست إليها مضيفاً (١). فقالت يا أبا القاسم : أين كنت ! فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ، ورجعوا إلي فحدثتها بالذي رأيت ، فقالت أبشر ، واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة (٢).

وآمنت خديجة ، وصدقت بما جاءه من الله عز وجل ، وآزرته على أمره فكانت أول من آمن بالله ورسوله.

أجل لقد كانت ساعده الأقوى ، مشجعة إياه على القيام بأعباء النبوة العظيمة ، فخفف الله بذلك عن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه من المشركين ، من ردٍ عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها ، إذا رجع إليها وجدها العطوف الحنون.

__________________

(١) مضيفاً معناه ملتصقاً : يقال اضفت الى الرجل ، اذا ملت نحوه ولصقت به ـ ومنه سمي الضيف ضيفاً.

(٢) طبقات ابن سعد الكبرى ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير والسيرة النبوية لابن هشام ـ أعلام النساء ـ عمر رضا كحالة.

١٣٤

صلاة النبي (ص) وخديجة وعلي (ع)

إن الصلاة حين افترضت على الرسول (ص) أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي ، فانفجرت منه عين ، فتوضأ جبريل عليه‌السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر اليه ليريه كيف الطهور للصلاة ، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما رأى جبريل توضأ ، ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول الله بصلاته. ثم انصرف جبريل عليه‌السلام فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور ، كما أراه جبريل. فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ثم صلى بها الرسول كما صلى به جبريل فصلت بصلاته.

ومكث رسول الله (ص) وخديجة ، وعلي بن ابي طالب (ع) يقيمون الصلاة سراً ما شاء الله. ثم أخذوا بالذهاب الى الكعبة غير مبالين باستهزاء قريش وسخريتهم ، والأذى الذي كانوا يلاقونه.

وأقام الرسول أول فرض

اقتدت فيه أحسن الاقتداء

وهي كانت لكل ما يتجلى

من رسول الهدى من الرقباء

فترى بالعيان ما لا تراه

من عظيم الآيات مقلة راء (١)

وفي رواية عن عفيف الكندي ، قال (٢) :

__________________

(١) ملحمة أهل البيت للشيخ عبد المنعم الفرطوسي.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ـ ص ٢٩٦ واعلام النساء عمر رضا كحاله.

١٣٥

« جئت في الجاهلية الى مكة ، وأنا أريد ان ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها ، فنزلت على العباس بن عبد المطلب.

قال : فأنا عنده ، وأنا أنظر الى الكعبة وقد حلّقت الشمس فارتفعت إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة ، فرفع رأسه الى السماء ، فنظر ملياً ، ثم استقبل الكعبة قائماً مستقبلها وما هي إلا ان جاء غلام حتى قام عن يمينه ثم لم يلبث إلا يسيراً ، حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما. ثم ركع الشاب فركع الغلام ، وركعت المرأة ، ثم رفع الشاب رأسه ، ورفع الغلام رأسه ، ورفعت المرأة رأسها ثم خرَّ الشاب ساجداً ، وخر الغلام ساجداً ، وخرت المرأة ساجدة.

قال : فقلت : يا عباس اني أرى امراً عظيماً فقال العباس أمر عظيم !! هل تدري من هذا الشاب ؟ قلت : لا ما أدري قال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي ... هل تدري من هذه ؟ قلت : لا أدري. قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا. ان ابن أخي هذا الذي ترى حدثنا أن ربه رب السموات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة » انتهى.

وإذا حلَّت الهداية قلباً

نشطت في العبادة الأعضاء

لما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. جعل يدعو الناس سراً ، واتبعه ناس جلهم من الضعفاء ، من الرجال والنساء والى هذا المعنى يشير الحديث الشريف بقوله : ( ان هذا الدين بدأ غريباً ـ وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ).

ولا يخفى ان أهل التاريخ وعلماء السير قد اجمعوا على أن أول الناس إيماناً

١٣٦

بالنبي عليه الصلاة والسلام خديجة رضي الله عنها ـ ثم علي بن ابي طالب (ع).

ففي المرفوع عن سلمان ان النبي قال : أول هذه الأمة وروداً على الحوض أولها إسلاماً علي بن أبي طالب. ولما زوجه فاطمة قال لها : زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة. وانه لاول اصحابي إسلاماً ... وأكثرهم علماً ... وأعظمهم حلماً (١).

لقد كانت خديجة (رض) مثال الإخلاص والوفاء ، فلم تبال عندما تنكرت لها قريش ، ولم تكترث لجفاء نساء مكة لها ، وهي السيدة الجليلة ذات المقام الرفيع كما قيل :

وجفتها نساء مكة لما

زوجت فيه في أشد الجفاء

وهي لا تنثني عن الحق صبراً

ودفاعاً عن خاتم الأنبياء

وقفت خديجة بجانب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تؤازره وتواسيه ، تتحمل المشاق ، وتستسيغ الهوان في سبيل الإسلام ، صابرة على شظف العيش وعلى الحصار والحرمان.

__________________

(١) ينابيع المودة ـ القندوزي الحنفي.

١٣٧

حصار قريش للمسلمين

لما رأت قريش الاسلام يتسع ويزيد ، واموال خديجة بين يدي محمد (ص) يتصرف بها كيف يشاء في سبيل الاسلام ويشتري الارقاء من الذين اسلموا ، ووقعوا تحت التعذيب في ايدي قريش ويحررهم ، وهم المستضعفون.

اجتمع كفار قريش على قتل محمد وقالوا : قد أفسد علينا ابناءنا ونساءنا الذين اتبعوه ، وقالوا لقومه خذوا منّا دية مضاعفة ويقتله رجل من قريش وتريحون انفسكم. فأبى قومه ، فعند ذلك اجتمع رأيهم على منابذة بني هاشم والتضييق عليهم بمنعهم حضور الاسواق فلا يبيعوهم ـ ولا يبتاعوا منهم شيئاً. ولا يقبلوا لهم صلحاً ، ولا تأخذهم بهم رأفة ، حتى يسلموا محمداً (ص) ـ للقتل ـ وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها بالكعبة.

فدخل بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب إلا ابو لهب فانه ضاهر عليهم قريشاً (١).

__________________

(١) ان ابا لهب ضاهر قريشاً على المسلمين ، روى انه لقى هنداً بنت عتبة بن ربيعة فقال لها : يا بنت عتبة هل نصرت اللات العزى ؟ وفارقت من فارقها ، وضاهر عليهما ؟ قالت نعم : فجزاك الله خيراً يا ابا عتبة.

وفي رواية ، ... كان يقول : يعدني محمد اشياء لا اراها ، يزعم انها كائنة بعد الموت. فما وضع في يدي بعد ذلك ، ثم ينفخ في يديه ويقول : تبا لكما ـ ما ارى فيكما شيئاً مما يقول محمد. فانزل الله تعالى فيه ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... ) الآية. ودخل بنو هاشم وبنو المطلب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين بعثة الرسول ٦ وكانت مدة اقامته بالشعب ثلاث سنوات. والله العالم.

١٣٨

وكان كاتب الصحيفة ، منصور بن عكرمة ، فدعى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشلت أصابعه. وكانت الصحيفة عند أم الجلاس الحنظلية خالة أبي جهل.

وروي ان بني هاشم ـ وبني المطلب لاقوا شتى المصاعب وهم محاصرون في الشعب ، فقد جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط ( ورق الشجر ) وكانوا إذا قدمت العير مكة ، يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئاً من الطعام يقتاته ، فيقوم أبو لهب فيقول :

يا معشر التجار غالوا محمداً ... وأصحاب محمد ... حتى لا يدركوا شيئاً معكم ، فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي. فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافاً حتى يرجع المسلم إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع ، وليس في يده شيء يعللهم به.

وبقي المسلمون في شعب أبي طالب ثلاث سنوات متتالية حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعاً وعرياً.

وان ثباتهم على هذه الشدة جعل لهم المقام الرفيع في الآخرة وملكهم الأرض في الدنيا ، فكانوا ساداتها. وكما قيل :

وجزاهم في جنة الخلد فيما

روا وهي منه خير جزاء


١٣٩

قصة حكيم بن حزام مع ابي جهل

ذكر المؤرخون ان أبا جهل لقي حكيم بن حزام بن خويلد ومعه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد ، وهي عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محاصرة معه في شعب أبي طالب تعاني مع المسلمين الجوع ... والحرمان ... والحبس ... والاضطهاد فتعلق به أبو جهل وقال : اتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟

والله لا تبرح أنت وطعامك حتى افضحك بمكة ...

فجاءه أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد فقال : مالك ... وله ؟ فقال : يحمل الطعام إلى بني هاشم !

فقال له أبو البختري : طعام كان لعمته عنده ، بعثت إليه فيه افتمنعه أن يأتيها بطعامها ؟ خل سبيل الرجل. فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ... فأخذ له أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه ، ووطئه وطئاً شديداً. وحمزة بن عبدالمطلب قريب يرى ذلك ، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأصحابه ، فيشمتون بهم ...

ورسول الله على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً ... مبادياً بأمر الله لا يتقي فيه أحداً من الناس.

١٤٠