مودّة أهل البيت وفضائلهم في الكتاب والسنّة

السيد تقي يوسف الحكيم

مودّة أهل البيت وفضائلهم في الكتاب والسنّة

المؤلف:

السيد تقي يوسف الحكيم


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-78-1
الصفحات: ١٤٠

حُسنا » فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت (١).

وأخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، أنّه قال : لمّا جيء بعلي بن الحسين عليه‌السلام أسيرا ، فأُقيم على درج دمشق ، قام رجلٌ من أهل الشام ، فقال : الحمد للّه الذي قتلكم وأستأصلكم وقطع قرني الفتنة.

فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام : « أقرأت القرآن؟ قال : نعم. قـال : أقرأت آل حم ، قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال : ما قرأت : « قُل لا أسألكُم عَليهِ أجرا إلاّ المودَّةَ في القُربَى »؟ قال : وانكم لأنتم هم؟ قال : نعم (٢) ».

وروى اسماعيل بن عبدالخالق عن أبي عبداللّه عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال : سمعته عليه‌السلام يقول لأبي جعفر الأحول : « ما يقول أهل البصرة في هذه الآية « قُلْ لا أسألكُم عَليهِ أجرا إلاّ الموَدَّةَ في القُربَى »؟ فقال : جعلت فداك ، انهم يقولون : إنّها لأقارب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : كذبوا إنّما نزلت فينا خاصة ، في أهل البيت ، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء (٣).

__________________

١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢. ومجمع الزوائد ٩ : ١٤٦. والصواعق المحرقة : ١٧٠. والفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : ١٦٦. وذخائر العقبى : ١٣٨. وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٣٠.

٢) تفسير الطبري ٢٥ : ١٦. والبحر المحيط / أبو حيان ٧ : ٥١٦. والصواعق المحرقة : ١٧٠. وشرح المواهب ٧ : ٢٠. وروح المعاني / الآلوسي ٢٥ : ٣١ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٣) الكافي ٨ : ٧٩ / ٦٦. وقرب الاسناد / أبو العباس الحميري : ١٢٨ / ٤٥٠ ، مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لاحياء التراث ـ قم ط٢.

٤١

تأويلات أُخرى في الآية :

مما تقدم يتبين أن آية المودة واضحة وصريحة في وجوب محبة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو المعنى المتبادر من الآية كما ذكره العلماء كالكرماني (١) ، والعيني (٢) وغيرهما ، فضلاً عن الأحاديث المفسّرة للآية الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام وعن جمعٍ من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث (٣).

ورغم أن الآية واضحة الدلالة وضوح الشمس في رائعة النهار إلاّ أن البعض حاول إزالة الحقّ عن موضعه متأولاً كلام اللّه بما تشتهي نفسه مبتدعا بعض الأقوال التي لا تستند إلى دليل علمي أو هي قائمة على دليل واهٍ لا يصلح حجة ولا ينهض برهانا وافيا في بيان المراد من الآية الكريمة ، وفيما يلي أهم هذه الأقوال :

القول الأول : قيل إن الخطاب لقريش والأجر المسؤول هو مودتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقرابته منهم ، وذلك لأنهم كانوا يكذّبونه ويبغضونه لتعرضه لآلهتهم على ما في بعض الأخبار ، فأُمِر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسألهم في حال عدم إيمانهم المودّة ، لمكان قرابته منهم ، وأن لا يؤذوه ولا يبغضوه.

ومستند هذا القول هو رواية عن طاووس قال : (سأل رجل ابن عباس عن قول اللّه عزَّ وجل : « قُل لا أسألكم عَليهِ أجرا إلاّ الموَدَّةَ في القُربَى » فقال

__________________

١) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري / الكرماني ١٨ : ٨٠ ، دار الفكر ـ بيروت ط١.

٢) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري / العيني ١٩ : ١٥٧ ، دار الفكر ـ بيروت.

٣) روى حديث نزول الآية في محبة أهل البيت عليهم‌السلام ستة من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام وأكثر من عشرة من الصحابة والتابعين ، وورد الحديث في نحو سبعة وخمسين مصنفا من مصنفات أئمة الحديث. راجع تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات / السيد الميلاني ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٩. والغدير / العلاّمة الأميني ٣ : ١٧٢.

٤٢

سعيد بن جبير : قربى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال ابن عباس : عجّلت ، وإن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلاّ ولرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم قرابة فنزلت : « قُلْ لا أسألكُم عَليهِ أجرا إلاّ الموَدَّةَ في القُربَى » إلاّ أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم من القرابة) (١).

وفي هذا القول أمور ، منها :

١ ـ إنّ نظرة أولية لسند هذه الرواية تسقطها من الاعتبار ، ففي سندها شعبة بن الحجاج وهو معروف بالوضع والكذب ، وفيه يحيى بن عبّاد الضبعي وهو من الضعفاء ، كما صرح بذلك ابن حجر عن الساجي (٢).

ولم يعقّب الذهبي على كلام الساجي في تضعيفه (٣). وفيه محمد بن جعفر (٤) وقد ذكره ابن حجر مع من تكلم فيه ، وذكر قول ابن أبي حاتم : ( .. لا يحتج به ) (٥).

وفيه محمد بن بشار وهو أيضا ممن تكلم فيه علماء الجرح والتعديل ، وذكروا أنه ضعيف (٦).

ومما تقدم يتبيّن أن سند الرواية يدل على أنها ساقطة من الاعتبار ولا تكون محلاً للاحتجاج.

__________________

١) مسند أحمد ١ : ٢٢٩ و ٢٨٦. وصحيح البخاري ٦ : ٢٣١ / ٣١٤ كتاب التفسير. والمطالب العالية / ابن حجر ٣ : ٣٦٨.

٢) مقدمة فتح الباري / ابن حجر العسقلاني : ٤٥٢ ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ط٢.

٣) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٨٧.

٤) محمد بن جعفر في رواية البخاري.

٥) الجرح والتعديل ٧ : ٢٢٢. وراجع : مقدمة فتح الباري : ٤٣٧.

٦) مقدمة فتح الباري : ٤٣٧. وميزان الاعتدال ٣ : ٤٩٠.

٤٣

٢ ـ إنّ هذه الرواية معارضة لما تواتر من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ذكرنا بعضها آنفا ، ومعارضة لحديث آخر صحيح عن ابن عباس (١) ، وآخر لسعيد بن جبير ، يصرّحان بأن المراد من القربى في الآية هم : (الإمام علي ، والزهراء ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام ) (٢).

٣ ـ إنّ الآية مدنية لا مكية كما جاء في سبب نزولها ، وإنّ الخطاب فيها لكافة المسلمين لا لخصوص قريش.

القول الثاني : معنى القربى في آية المودة التقرب إلى اللّه ، والمودة في القربى هي التودد إليه تعالى بالطاعة والتقرب ، فالمعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلاّ أن تودّوه وتحبوه تعالى بالتقرب إليه.

ومستند هذا القول رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « قُلْ لا أسألكم عليه أجرا على ما جئتكم به من البينات والهدى إلاّ أن تتقربوا إلى اللّه بطاعته (٣).

وفي هذا القول عدة أمور ، منها :

١ ـ إنّ الرواية التي يستند إليها هذا القول ضعيفة السند كما صرّح بذلك ابن حجر (٤).

__________________

١) البحر المحيط ٧ : ٥١٦. وذخائر العقبى : ٣٥. ومناقب ابن المغازلي : ١٩٢ / ٢٦٣ ، دار الاضواء ـ بيروت.

٢) ينابيع المودة ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ١ و ٢ و ٣.

٣) تفسير الرازي ٢٧ : ١٦٥. وفتح الباري / ابن حجر العسقلاني ٨ : ٤٥٨ ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت ط٢.

٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٨ : ٤٥٨.

٤٤

٢ ـ لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ القربى بمعنى التقرب.

٣ ـ إنّ التقرب إلى اللّه سبحانه هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها ، فكيف يطلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التقرب إلى اللّه تعالى لأجل التقرب إلى اللّه تعالى ، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم لأنّه يؤدي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد.

على أن في هذه الآية قولين آخرين هما أبعد مما ذكرناه ، فلا يُعبأ بهما ، ومن مجمل ما تقدم يتبين أن المراد بالمودة في القربى ، مودة قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم عترته من أهل بيته عليهم‌السلام ، وقد تكاثرت الروايات من طرق العامّة والشيعة في تفسير الآية بهذا المعنى على ما بيناه في أول الفصل ، ويؤيده الأخبار المتواترة من طرق الفريقين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم‌السلام ومحبتهم.

وقال الزمخشري بعد اختياره لهذا الوجه : فان قلت : هلاّ قيل : إلاّ مودة القربى ، أو إلاّ المودة للقربى؟ وما معنى قوله : إلاّ المودة في القربى؟

قلت : جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله.

قال : وليست (في) بصلة للمودة كاللام ، إذا قلت : إلاّ المودة للقربى ، إنّما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس ، وتقديره : إلاّ المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها (١).

إنّ التأمل في هذا التأكيد على ثبوت المودة في القربى وتمكنها فيهم

__________________

١) الكشاف ٤ : ٢١٩.

٤٥

وكونهم جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، والتأمل في الروايات المتواترة الواردة من طرق الفريقين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتضمنة لارجاع الناس في فهم كتاب اللّه بما فيه من أصول معارف الدين وفروعها وبيان حقائقه إلى أهل البيت كحديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما ، لا يدع ريبا في أن إيجاب مودتهم عليهم‌السلام على كل مسلم وجعلها أجرا للرسالة ، إنّما كان وسيلة لإرجاع الناس إليهم ، لما لهم من المكانة العلمية ولبيان دورهم الرسالي والريادي في حياة الاُمّة.

شبهات وردود :

بعد أن ثبت أن الآية تخص أهل بيت العصمة عليهم‌السلام المتمثلين بالإمام علي والبتول فاطمة وذريتهما من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، أُثيرت حولها شبهات من قبل المخالفين والمبغضين لأهل البيت عليهم‌السلام ، ليصرفوها عن وجهها الصحيح ، وفيما يلي نعرض هذه الشبهات مع الرد عليها :

الاُولى : سورة الشورى مكية :

مضمون هذه الشبهة هو نفي كون الآية ثابتة في أهل بيت النبوة عليهم‌السلام والروايات المؤكدة والمؤيدة لها ، وذلك من خلال ادعاء أن سورة الشورى مكية ، ولم يتزوج الإمام علي من الزهراء عليهما‌السلام ، ولم يكن هناك الحسن والحسين عليهما‌السلام ، حتى تكون الآية نازلة في حقهم.

الجواب :

أولاً : إنّ الأخبار والاحاديث الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام وتصريح الاصحاب والتابعين والعلماء على أن الآية ثابتة بحق أهل البيت عليهم‌السلام كافٍ في ردِّ الشبهة وإبطالها.

٤٦

ثانيا : إنّ ظاهرة وجود آيات مدنية في سور مكية ، أو وجود آيات مكية في سور مدنية ، كثيرة جدا في القرآن الكريم ، ولا يمكن لأحد إنكارها أو التشكيك فيها ، ومن أمثلة ذلك :

١ ـ سورة الرعد فانها مكية إلاّ قوله تعالى : « ولا يَزال الَّذينَ كَفَرُوا ... » (١).

٢ ـ سورة الاسراء فإنّها مكية إلاّ قوله تعالى : « وإن كَادُوا ليَستَفزُونَكَ ... واجعَل لي مِن لَدُنك سُلطانا نَصِيرا » (٢).

٣ ـ سورة المدّثر فإنّها مكية غير آية من آخرها (٣).

٤ ـ سورة المطففين فإنّها مكية إلاّ الآية الاُولى (٤).

هذا بالنسبة إلى وجود آيات مدنية في سور مكية.

ومن الآيات المكية التي جاءت في سور مدنية :

١ ـ سورة المجادلة فإنّها مدنية إلاّ العشر الأول (٥).

٢ ـ سورة البلد فإنّها مدنية إلاّ من الآية الاُولى إلى الآية الرابعة (٦).

__________________

١) تفسير القرطبي ٩ : ٢٨٧. وتفسير الرازي ١٨ : ٢٣٠ ، مكتبة عبدالرحمن محمد ـ مصر ط١. والسراج المنير / الشربيني ٢ : ١٣٧.

٢) تفسير القرطبي ١٠ : ٢٠٣. وتفسير الرازي ٢٠ : ١٤٥. والسراج المنير ٢ : ٢٦١.

٣) تفسير الخازن ٤ : ٣٤٣ ، دار المعرفة ـ بيروت.

٤) تفسير الطبري ٣٠ : ٥٨.

٥) تفسير أبي السعود ٨ : ٢١٥ في الهامش ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. والسراج المنير ٤ : ٢١٠.

٦) الاتقان ١ : ١٧.

٤٧

وغيرها كثير.

ثالثا : صرّح الكثير من العلماء والمفسرين على أن آية المودة مع ثلاث آيات بعدها قد نزلت بالمدينة المنورة.

قال الشوكاني في ذلك : (وروى ابن عباس وقتادة أنها ـ سورة الشورى ـ مكية إلاّ أربع آيات منها أُنزلت بالمدينة : « قُل لا أسألكُم ... » ) (١).

وقال الالوسي في معرض الجواب : هي مكية إلاّ أربع آيات ، من قوله تعالى : « قُلْ لا أسألكُم ... » إلى أربع آيات ، وقال مقاتل فيها مدني (٢).

كما أجاب القرطبي بقوله : (قال ابن عباس وقتادة : إلاّ أربع آيات منها أُنزلت بالمدينة « قُل لا أسألكُم ... » إلى آخرها) (٣) ، كذلك ذكر النيسابوري والخازن في تفسيرهما (٤).

الثانية : الآية لا تتناسب مع مقام النبوة ومنافية لبعض الآيات :

مضمون هذه الشبهة : إنّ طلب الأجر على الرسالة والهداية من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا يتناسب مع مقام النبوة السامي ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متفانٍ في اللّه سبحانه ، وان كل الذي عاناه من العذاب والمشقة والهجرة وسوء المعاملة والحصار والمحاربة حتى من عشيرته وقومه ، والذي تحمله بصبر وإيمان منقطع النظير ، كان في عين اللّه وفي سبيله لا يبتغي منه إلاّ مرضاة اللّه سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يطلب أي شيء على ذلك ،

__________________

١) فتح القدير ٤ : ٦٧١ ـ ٦٧٢.

٢) روح المعاني / الالوسي ٢٥ : ١٠.

٣) تفسير القرطبي ١٦ : ١.

٤) تفسير الخازن ٤ : ٤٩.

٤٨

فلا يناسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطلب أجرا على الرسالة في مودة قرباه.

وقالوا إنّ الآية تناقض بعض الآيات القرآنية التي تنفي طلب الأجر ، مثل قوله تعالى : ( .. قُلْ ما أسألُكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفِينَ ) (١).

وقوله تعالى : ( قُلْ ما سألتُكُم مِن أجرٍ فَهُو لَكُم إن أجرِيَ إلاّ عَلى اللّه وهُو على كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ ) (٢).

وقوله تعالى : ( قُلْ ما أسألكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ إلاّ مَن شَاءَ أن يَتَّخِذَ إلى ربِّهِ سَبِيلاً )(٣).

وقوله تعالى : ( قُلْ لا أسألُكُم عليهِ أجرا إن هُوَ إلاّ ذِكرى للعَالَمِينَ ) (٤).

الجواب :

إنّ المتتبع لسيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالأخص في بداية الدعوة الإسلامية يجد أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وقف بكل صلابة وإيمان راسخ في محاربة العصبية القبلية والحمية الجاهلية التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي آنذاك ، وقد وضع الإسلام مقابل ذلك ميزانا آخر للأفضلية وهو التقوى والعمل الصالح ، قال تعالى : ( إنّ أكرَمَكُم عِندَ اللّه أتقَاكُم ) (٥).

وعلى هذا الأساس حارب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل من حارب الإسلام

__________________

١) سورة ص : ٣٨ / ٨٦.

٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٤٧.

٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٥٧.

٤) سورة الانعام : ٦ / ٩٠.

٥) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٣.

٤٩

ووقف عقبة أمام نشره ولو كان أقرب الناس إليه في القرابة مثل عمه وعشيرته ، فتراه لعن عمّه أبا لهب وتبرأ منه : ( تَبَّت يَدَا أبي لَهبٍ وَتَبَّ * ما أغنَى عَنهُ مَالُهُ وما كَسَبَ ... )(١) ، ومن جانب آخر قرّب إليه من آمن به وصدّق بنبوّته ولو كان لا يمس إليه بصلة أو قرابة ، بل حتى لو كان عبدا حبشيا أو مولىً ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق سلمان الفارسي : « سلمان منّا أهل البيت (٢).

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما يطلب المودة لأقربائه ويجعلها أجرا على رسالته ، لا يعني بذلك جميع أقربائه ؛ لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن الكريم ، إذ كيف يطلب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مودة من لعنه اللّه في محكم كتابه مثل أبي لهب ، وإنّما يطلب المودة لمجموعة خاصة وأفراد معينين من أقربائه ، والذين بهم يتم حفظ الرسالة الإسلامية والنبوة المحمدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمة المعصومون عليهم‌السلام من أهل البيت.

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذن يطلب الأجر الذي هو بالحقيقة عائد إلى المسلمين ، لا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا إلى أهل بيته عليهم‌السلام ؛ لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودة ، إلاّ بالقدر الذي يفيد سائر الاُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين وكتاب اللّه المبين وسيرة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وبهذا يتضح أنه ليس ثمة منافاة بين الآية وبين الآيات التي تنفي طلب الأجر ، فالأجر في الآيات هو أجر حقيقي ، وهذا ما لا يطلبه رسول

__________________

١) سورة المسد : ١١١ / ١ ـ ٢.

٢) أُسد الغابة ٢ : ٤٢١. ومسند أبي يعلى ٦ : ١٧٧ / ٦٧٣٩ ، دار المأمون للتراث ـ دمشق ط١.

٥٠

اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما عمله خالص للّه تعالى ، أما الأجر في الآية فهو لفظي ؛ لأنّه يرجع بكلِّ بركاته ومعطياته على المسلمين ، وهو صريح قوله تعالى : « قُلْ ما سألتُكُم من أجر فَهُو لَكُم ... ».

وقد تأكد ممّا قدمناه أنّ آية المودة والنصوص المفسرة لها كافية في إثبات وجوب حبّ أهل البيت عليهم‌السلام على كل مسلم ، ولتأصيل هذا المبدأ وتعميق دلالاته نورد بعض الآيات الأخرى المفسّرة بهذا المعنى.

٢ ـ قوله تعالى : ( إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجعلُ لَهُمُ الرَّحمنُ ودَّا ) (١).

فقد ورد عن جابر بن عبداللّه قوله : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : « يا علي قُل : ربِّ اقذف لي المودة في قلوب المؤمنين ، رب اجعل لي عندك عهدا ، رب اجعل لي عندك ودا » ، فأنزل اللّه تعالى : « إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجعلُ لَهُمُ الرَّحمنُ ودَّا » فلا تلقى مؤمنا ولا مؤمنة إلاّ وفي قلبه ود لأهل البيت عليهم‌السلام (٢).

وروي الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (٣). وعن أبي سعيد الخدري (٤) ، والبراء بن عازب (٥) ، ومحمد بن الحنفية (٦).

__________________

١) سورة مريم : ١٩ / ٩٦.

٢) شواهد التنزيل ١ : ٤٦٤ / ٤٨٩. وغاية المرام : ٣٧٣ باب ٧٣.

٣) مجمع الزوائد ٩ : ١٢٥. وخصائص الوحي المبين : ١٠٨ فصل ٧. والدر المنثور ٤ : ٢٨٧.

٤) شواهد التنزيل ١ : ٤٧٤ / ٥٠٤.

٥) فرائد السمطين ١ : ٨ باب ١٤. ومناقب ابن المغازلي : ٣٢٧ / ٣٧٤. وكشف الغمة ١ : ٣١٤. وتفسير الكشف والبيان في تفسير الآية. وخصائص الوحي المبين : ٧١ فصل ٧.

٦) الرياض النضرة / المحب الطبري ٢ : ١٢٥ ، دار الكتب ـ بيروت. والصواعق المحرقة : ١٧٢. ونور الأبصار : ١٢٤.

٥١

٣ ـ قوله تعالى : ( مَن جَاءَ بِالحَسنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِّنهَا ... ) (١).

عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « دخل أبو عبداللّه الجدلي على أمير المؤمنين فقال له : يا أبا عبداللّه ألا أخبرك بقوله تعالى : « من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها .. »؟ قال : بلى جعلت فداك. قال عليه‌السلام : الحسنة حبنا أهل البيت والسيئة بغضنا ، ثم قرأ الآية (٢).

ونفس الحديث ورد على لسان أبي عبداللّه الجدلي (٣).

٤ ـ قوله تعالى : ( الَّذينَ آمنُوا وتَطمئنُّ قُلُوبُهم بِذِكرِ اللّه ألا بِذِكرِ اللّه تطمئنُّ القُلُوبُ ) (٤).

عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزلت هذه الآية قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك من أحب اللّه ورسوله وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب ، وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا ، ألا بذكر اللّه يتحابّون » (٥).

هذا وقد وردت آيات كثيرة مفسرة في تأكيد هذا المعنى بطرق صحيحة عن أهل البيت عليهم‌السلام أعرضنا عن ذكرها ايثارا للاختصار.

__________________

١) سورة القصص : ٢٨ / ٨٤.

٢) كشف الغمة ١ : ٣٢١ و ٣٢٤. وتفسير البرهان / الحسيني البحراني ٣ : ٢١٢ ، مؤسسة البعثة ـ قم ط١. ومجمع البيان في تفسير الآية. وينابيع المودة ١ : ٢٩٢ / ٥. وفرائد السمطين ٢ : ٢٩٧ ـ ٢٩٩. وأرجح المطالب : ٨٤. ومناقب ابن المغازلي : ١٣٨.

٣) فرائد السمطين ٢ : ٢٩٧. وتفسير الكشف والبيان / الثعلبي في تفسير الآية.

٤) سورة الرعد : ١٣ / ٢٨.

٥) كنز العمال ١ : ٢٥٠. والدر المنثور ٤ : ٥٨.

٥٢

المبحث الثاني

حبّ أهل البيت عليهم‌السلام في السُنّة المطهّرة

أثبتت النصوص القرآنية كما تقدم في المبحث الأول مبدأ المودّة لأهل البيت عليهم‌السلام بشكل صريح لا يقبل التأويل ، وفي هذا المبحث سنسلط الضوء على بعض ما ورد في السُنّة المباركة في تأكيد المودّة والولاء لأهل البيت عليهم‌السلام وبيان فضل حبهم وخصائصه وعلاماته.

وقد أكدت السُنّة المباركة على أنّ حبّ أهل البيت عليهم‌السلام أساس الإسلام وعلامة الإيمان وأفضل العبادة وأن حبهم حبّ اللّه ورسوله ، والتأكيد على هذه المضامين يدلّ على أنّ حب أهل البيت عليهم‌السلام يجسّد عمق الولاء والمحبة للرسالة بجميع مفرداتها ، بل هو مرتكز أساس لعمق الانتماء للإسلام وأصالة الارتباط بالعقيدة وقوة التفاعل معها.

والقراءة المتأملة للنصوص الحديثية التي سنوردها في هذا المبحث تبرز لنا بوضوح أصالة العلاقة بين مبدأ المحبة لهم عليهم‌السلام وبين الانتماء للرسالة ، فبمقدار ما يترسّخ هذا المبدأ في شعور الاُمّة ووجدانها يتعزّز المستوى الولائي للرسالة والعقيدة وتتحدد الهوية الايمانية للاُمّة.

وفيما يلي نشير إلى أهم مضامين الحبّ والمودّة لأهل البيت عليهم‌السلام الواردة في السُنّة المطهرة ، مذكّرين بأن النصوص الحديثية المعبّرة عن تلك المضامين قد جاءت على نحوين ، الأول منها : عبّر عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام بأهل البيت ، والثاني : عبّر عن أعيانهم وأشار إلى

٥٣

أسمائهم.

الحثّ على محبتهم عليهم‌السلام :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيكم ، وحب أهل بيته ، وقراءة القرآن » (١).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أُذكركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في أهل بيتي » (٢).

٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أحسن الحسنات حبنا ، وأسوأ السيئات بغضنا » (٣).

حبّهم حبّ اللّه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أحبوا اللّه لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني لحبّ اللّه ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي » (٤).

٢ ـ وعن زيد بن أرقم ، قال : كنت عند رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمرّت فاطمة عليها‌السلام وهي خارجة من بيتها إلى حجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعها ابناها الحسن والحسين ، وعلي عليهم‌السلام في آثارهم ، فنظر إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

__________________

١) كنز العمال ١٦ : ٤٥٦ / ٤٥٤٠٩. والصواعق المحرقة : ١٧٢. وفيض القدير ١ : ٢٢٥ / ٣١١.

٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٢٤٠٨. ومسند أحمد ٤ : ٣٦٧. والسنن الكبرى / البيهقي ٢ : ١٤٨ و ٧ : ٣٠.

٣) غرر الحكم ١ : ٢١١ / ٣٣٦٣.

٤) سنن الترمذي ٥ : ٦٦٤ / ٣٧٨٩. وحلية الأولياء وطبقات الاصفياء / أبو نعيم الاصفهاني ٣ : ٢١١ ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، ط٤. وتاريخ بغداد ٤ : ١٥٩. وأُسد الغابة ٢ : ١٣. والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠. وقال عنه : حديث صحيح الاسناد ، ووافقه الذهبي.

٥٤

« من أحبّ هؤلاء فقد أحبّني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني (١).

٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « سمعتُ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا سيد ولد آدم ، وأنت يا علي والأئمة من بعدك سادة أُمتي ، من أحبنا فقد أحبّ اللّه ، ومن أبغضنا فقد أبغض اللّه ، ومن والانا فقد والى اللّه ، ومن عادانا فقد عادى اللّه ، ومن أطاعنا فقد أطاع اللّه ، ومن عصانا فقد عصى اللّه » (٢).

٤ ـ وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « من عرف حقنا وأحبنا ، فقد أحبّ اللّه تبارك وتعالى » (٣).

حبّهم أساس الإسلام :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أساس الإسلام حبي وحب أهل بيتي » (٤).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكلِّ شيء أساس ، وأساس الإسلام حبنا أهل البيت (٥) ».

٣ ـ وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، إنّ الإسلام عريان ، لباسه التقوى ، ورياشه الهدى ، وزينته الحياء ، وعماده الورع ، وملاكه العمل الصالح ، وأساس الإسلام حبّي وحبّ أهل بيتي » (٦).

__________________

١) ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق : ٩١ / ١٢٦.

٢) أمالي الصدوق : ٣٨٤ / ١٦ ، منشورات مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ط٥.

٣) الكافي ٨ : ١١٢ / ٩٨. ومجموعة ورّام ٢ : ١٣٧ ، دار صعب ، دار التعارف ـ بيروت.

٤) كنز العمال ١٢ : ١٠٥ / ٣٤٢٠٦. والدر المنثور ٦ : ٧.

٥) المحاسن / البرقي ١ : ٢٤٧ / ٤٦١ ، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام ـ قم ط١.

٦) كنز العمال ١٣ : ٦٤٥ / ٣٧٦٣١.

٥٥

حبّهم عبادة :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة ومن مات عليه دخل الجنة (١).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اعلم أنّ أول عبادته المعرفة به .. ثم الايمان بي والاقرار بأنّ اللّه أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى اللّه باذنه وسراجا منيرا ، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٢).

٣ ـ وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنّ فوق كل عبادةٍ عبادةً ، وحبنا أهل البيت أفضل عبادة (٣).

حبّهم علامة الايمان :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لايؤمن عبد حتى أكون أحبُّ إليه من نفسه ، وأهلي أحبُّ إليه من أهله ، وعترتي أحبُّ إليه من عترته ، وذاتي أحبُّ إليه من ذاته (٤).

__________________

١) الفردوس بمأثور الخطاب / الديلمي ٢ : ١٤٢ / ٢٧٢١ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ط١. ونور الأبصار : ١٢٧. والكافي ٢ : ٤٦ / ٣.

٢) أمالي الطوسي : ٥٢٦ / ١١٦٢ ، مؤسسة البعثة ـ قم ط١. ومكارم الاخلاق / الطبرسي ٢ : ٣٦٣ / ٢٦٦١ ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم. ومجموعة ورّام ٢ : ٥١ ـ ٥٢.

٣) المحاسن ١ : ٢٤٧ / ٤٦٢.

٤) المعجم الاوسط / الطبراني ٦ : ١١٦ / ٥٧٩٠. والمعجم الكبير / الطبراني ٧ : ٨٦ / ٦٤١٦. والفردوس ٥ : ١٥٤ / ٧٧٩٦. وأمالي الصدوق : ٢٧٤ / ٩. وعلل الشرائع / الصدوق : ١٤٠ / ٣ ، منشورات المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

٥٦

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحبنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي » (١).

٣ ـ وقال الإمام الباقر عليه‌السلام : « حبنا إيمان ، وبغضنا كفر » (٢).

٤ ـ وقال عليه‌السلام : « إنّما حبنا أهل البيت شيء يكتبه اللّه في قلب العبد ، فمن كتبه اللّه في قلبه لم يستطع أحد أن يمحوه ، أما سمعت اللّه يقول : « أولئك كتبَ في قلُوبِهِم الإيمان وأيّدَهُم بِروحٍ مِنهُ » فحبنا أهل البيت من أصل الإيمان » (٣).

حبّهم علامة طيب الولادة :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشيرا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا أيُّها الناس امتحنوا أولادكم بحبّه ، فإنّ عليا لا يدعو إلى ضلالة ، ولا يبعد عن هدىً ، فمن أحبّه فهو منكم ، ومن أبغضه فليس منكم (٤) ».

٢ ـ وروي عن أبي بكر أنّه قال : رأيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّم خيمة ، وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : « معشر المسلمين ، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجَدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ رديء الولادة » (٥).

__________________

١) ذخائر العقبى : ٢١٨. والصواعق المحرقة : ٢٣٠.

٢) الكافي ١ : ١٨٨ / ١٢. والمحاسن ١ : ٢٤٧ / ٤٦٣.

٣) شواهد التنزيل ٢ : ٣٣٠ / ٩٧١.

٤) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٢٥ / ٧٣٠.

٥) الرياض النضرة ٢ : ١٨٩. ومناقب العشرة : ١٨٩. وأرجح المطالب : ٣٠٩.

٥٧

٣ ـ وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا ذر ، من أحبّنا أهل البيت فليحمد اللّه على أوّل النعم. قال : يا رسول اللّه ، وما أول النعم؟ قال : طيب الولادة ، إنّه لا يحبنا إلاّ من طاب مولده (١).

٤ ـ وقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي ، من أحبني وأحبك وأحبّ الأئمة من ولدك ، فليحمد اللّه على طيب مولده ، فإنّه لا يحبنا إلاّ من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلاّ من خبثت ولادته (٢).

٥ ـ وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « واللّه لا يحبنا من العرب والعجم إلاّ أهل البيوتات والشرف والمعدن ، ولا يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء إلاّ كل دنس ملصق (٣).

٦ ـ وقال عبادة بن الصامت : كنّا نبور (٤) أولادنا بحبّ علي بن أبي طالب ، فإذا رأينا أحدا لا يحبُّ علي بن أبي طالب ، علمنا أنّه ليس منّا ، وانه لغير رشدة (٥).

٧ ـ وقال محبوب بن أبي الزناد : قالت الأنصار : إن كنّا لنعرف الرجل لغير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب (٦).

__________________

١) أمالي الطوسي : ٤٥٥ / ١٠١٨. ومعاني الأخبار / الصدوق : ١٦١ / ١ ، دار المعرفة ـ بيروت. وأمالي الصدوق : ٣٨٣ / ١٢. وعلل الشرائع : ١٤١ / ١. والمحاسن ١ : ٢٣٢ / ٤١٩.

٢) أمالي الصدوق : ٣٨٤ / ١٤. ومعاني الأخبار : ١٦١ / ٣.

٣) الكافي ٨ : ٢٦٢ / ٤٩٧.

٤) أي نجرّب ونختبر.

٥) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٢٤ / ٧٢٧.

٦) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٢٤ / ٧٢٨ و ٧٢٩.

٥٨

حبهم ممّا يُسأل عنه يوم القيامة :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أول مايُسأل عنه العبد حبّنا أهل البيت(١).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين كسبه ، وعن حبنا أهل البيت (٢).

٣ ـ وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله ، وزاد في آخره : فقيل : يا رسول اللّه ، فما علامة حبكم؟ فضرب بيده على منكب عليّ عليه‌السلام (٣).

__________________

١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام / الصدوق ٢ : ٦٢ / ٢٥٨ ، المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.

٢) المعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٠٢ / ١١١٧٧. والمعجم الاوسط / الطبراني ٩ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ / ٩٤٠٦. والمناقب / ابن المغازلي : ١٢٠ / ١٥٧. والخصال / الصدوق : ٢٥٣ / ١٢٥ ، جماعة المدرسين ـ قم. وكنز العمال ٧ : ٢١٢. ومجموعة ورّام ٢ : ٧٥.

٣) المعجم الاوسط / الطبراني ٢ : ٣٤٨ / ٢١٩١. ومناقب الخوارزمي : ٧٧ / ٥٩.

٥٩

حبُّ الإمام علي عليه‌السلام :

إنّ المضامين التي أشرنا إليها آنفا والتي تمثل خلاصة النصوص الإسلامية المعبّرة عن فضل حب أهل البيت عليهم‌السلام وخصائصه وعلاماته ، تتجسّد أيضا في أفرادهم ، ويتجلّى ذلك واضحا بقراءة الأحاديث الواردة في حب أمير المؤمنين عليه‌السلام باعتباره علامة لحبّ أهل البيت عليهم‌السلام.

روي عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يؤمن رجل حتى يحبُّ أهل بيتي لحبّي » فقال عمر بن الخطاب : وما علامة حبّ أهل بيتك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هذا » وضرب بيده على عليّ (١).

ومن هنا فإنّ التأكيد على محبة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام هو تأكيد على محبّة أهل البيت جميعا وعلى التمسك بهم والاقتداء بآثارهم.

فضل حبه عليه‌السلام :

١ ـ قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عنوان صحيفة المؤمن حبُّ علي (٢) ».

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « براءة من النار حبُّ علي » (٣).

٣ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي ، طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك » (٤).

__________________

١) الصواعق المحرقة : ٢٢٨. ونظم درر السمطين : ٢٣٣.

٢) تاريخ بغداد ٤ : ٤١٠. والجامع الصغير / السيوطي ٢ : ١٨٢ / ٥٦٣٣ ، دار الفكر ـ بيروت ط١. والمناقب / ابن المغازلي : ٢٤٣.

٣) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.

٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٥. وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وتاريخ

٦٠