شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ٢

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني

شرح الأصول من الحلقة الثانية - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد صنقور علي البحراني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: ثامن الحجج
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

المثال الثاني : هو أنه لو كان المكلّف يعلم أنّ مال الغير الذي أتلفه هو من سنخ المال القيمي ثم شك في ذلك نتيجة أن هذا المال وبواسطة التقنيّة الحديثة أصبح له ما يماثله ، فإنّ الشك في المقام إنّما هو شك في قيود الواجب ، إذ أنّ المثلية والقيميّة من القيود الواجبة التحصيل بعد مخاطبة المكلّف بضمان المال الذي أتلفه ، ومن هنا يمكن للمكلّف استصحاب القيميّة للمال التالف بواسطته.

وبهذا البيان اتضح عدم تمامية الصياغة الأولى للركن الرابع.

الصياغة الثانية : أن يكون لاستصحاب الحالة السابقة أثر عملي ، أي أن يكون الاستصحاب مؤثرا ومقتضيا لترتب الأثر العملي أي مقتضيا للتنجيز أو التعذير.

فكل حالة سابقة يكون استصحابها حين الشك مؤثرا في تحقق التنجيز أو التعذير فإنها موردا لجريان الاستصحاب ، وهذه الصياغة لا يرد عليها كلا الإشكالين الواردين على الصياغة الأولى ؛ وذلك لأن هذه الصياغه بالإضافة إلى شمولها للحكم وموضوع الحكم فهي تشمل حالات الشك في استمرار انتفاء الحكم بعد العلم بانتفائه كما تشمل حالات الشك في قيود الواجب.

أما شمولها لحالات الشك في استمرار انتفاء الحكم بعد العلم بعدمه فإنّ الاستصحاب هنا يوجب التعذير والتأمين عن ذلك الحكم المشكوك.

ومثال ذلك : لو مات والد المكلّف قبل بلوغه وكان على والده صلوات فائتة ، فكان المكلّف قبل بلوغه يعلم بعدم مخاطبته بقضاء تلك الفوائت ثم حين بلغ شك في استمرار عدم التكليف بالقضاء ، فإجراء

٣٦١

استصحاب عدم التكليف يكون معذّرا.

وأمّا شمولها لحالات الشك في قيود الواجب فلأنّ المكلّف لو استصحب بقاء القيد المعلوم فإن ذلك يكون له معذرا عن الإعادة مثلا ولو استصحب عدم وجود القيد لكان الاستصحاب منجّزا ومثبتا لمسؤولية المكلّف عن الإعادة مثلا.

ويمكن التمثيل لاستصحاب القيد المعذّر بما لو كان المكلّف يعلم حين شروعه في الطواف أنّه على طهارة ثم شك في الأثناء في ارتفاعها فإنّ استصحابه للطهارة يكون معذرا له عن لزوم استئنافها ونافيا لوجوب إعادة ما جاء به من أشواط.

ويمكن التمثيل لاستصحاب عدم القيد المنجّز بما لو كان يعلم بعدم إزالته للنجاسة الخبثية عن ثوبه ثم شك في أثناء الصلاة في إزالته للنجاسة عن ثوبه ، فإنّ استصحاب عدم الإزالة منجّزا وموجبا لاستئناف الصلاة.

ويمكن التمثيل لاستصحاب عدم القيد المعذّر بما لو كان المكلّف يعلم بأنّ لباسه ليس مشتملا على فضلات الحيوان غير مأكول اللحكم ثم شك في عروض ذلك على لباسه فإنّ له أن يستصحب عدمه فيكون ذلك الاستصحاب معذرا أي نافيا لوجوب تحصيل العدم وهو الكون على لباس ليس مشتملا على فضلة الحيوان المحرم ، إذ أن الكون على اللباس المشتمل على فضلات الحيوان المحرم قد أخذ عدمه قيدا في متعلّق الحكم وهي الصلاة.

والمتحصل أنّ هذه الصياغة لا يرد عليها ما أورد على الصياغة الأولى ؛ ولذلك اختارها المصنّف رحمه‌الله.

٣٦٢

الجهة الثانية : في بيان دليل ركنية هذا الركن :

وقد ذكرنا دليل الصياغة الأولى في سياق تقريرها وأما دليل الصياغة الثانية فقد ذكر المصنّف رحمه‌الله لها دليلين :

الدليل الأول : هو أنّ جعل الاستصحاب في مورد لا يكون فيها الاستصحاب منجّزا أو معذّرا يكون أشبه شيء بالعبث ولا يتفق صدوره من العقلاء بما هم عقلاء فضلا عن الشارع المقدس.

وبتعبير آخر : إنّ الاستصحاب لمّا كان اعتبارا شرعيا وحكما تعبديّا فلابدّ أن يكون المتعبّد به مما له أثر في مقام التعبّد ، فاستصحاب حياة آدم عليه‌السلام إلى حين موت حواء ليس له أثر عملي حتى يصلح أن يكون موردا للتعبد الشرعي ، وهذا ما أوجب تقييد مجرى الاستصحاب بما إذا كان منتجا للتنجيز أو التعذير.

الدليل الثاني : إن ركنية هذا الركن بحدوده المذكورة هي مقتضى ظهور أدلة الاستصحاب ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام « لا تنقض اليقين بالشك » ليس نهيا عن نقض اليقين حقيقة لأن ذلك خارج عن القدرة ، إذ أنّ الشك متى ما تحقق انتفى معه اليقين لامتناع استقرار اليقين في النفس مع عروض الشك على نفس متعلّق اليقين ، وهذا ما يستوجب انصراف ظهور النهي عن نقض اليقين بالشك عن النقض الحقيقي فيتعيّن أن يكون المراد من النهي عن نقض اليقين بالشك هو النهي عن رفع اليد عن آثار اليقين ، أي أنّ المكلّف في حالات عروض الشك بعد اليقين لا يعتني بذلك الشك عملا ويبقى مرتبا لآثار اليقين وكأنّ اليقين لا زال ثابتا في النفس ، ومن الواضح أنّ اليقين لو كتب له البقاء والاستقرار لكان موجبا للتنجيز والتعذير ، فإذن

٣٦٣

يكون التعبير ببقاء اليقين يساوق التعبد ببقاء آثاره والتي هي التنجيز والتعذير ، إذ أنّه لا يبقى معنى محصلا من النهي عن نقض اليقين إلاّ ذلك بعد أن كان النهي عن نقض اليقين الحقيقي مستحيلا.

ثم إنّه إذا كان المنهي عنه هو رفع اليد عن آثار اليقين والتي هي التنجيز والتعذير فهذا يقتضي عدم شمول التعبد بالاستصحاب للحالات التي لا يكون الاستصحاب فيها مقتضيا للتنجيز أو التعذير.

وبهذا يتضح ما هو المبرّر لركنية هذا الركن وكيف أنّ الاستصحاب يجري في تمام الحالات التي يكون فيها الاستصحاب موجبا للتنجيز أو التعذير كاستصحاب الحكم أو عدم الحكم أو استصحاب الموضوع أو المتعلّق أو قيود الحكم أو قيود المتعلق « الواجب ».

ثم إن هنا أمرا لا بدّ من التنبيه عليه : وهو أنّ مرادنا من لزوم كون الاستصحاب موجبا للتنجيز أو التعذير إنما هو بلحاظ البقاء لا بلحاظ الحدوث ، فإذا كان استصحاب بقاء المتيقن موجبا للتنجيز أو التعذير فإنّ هذا كاف في تصحيح جريان الاستصحاب.

وبيان ذلك :

إنّ المتيقن الذي يراد استصحابه في ظرف الشك في بقائه له أربع حالات :

الحالة الأولى : أن يكون لحدوثه أثر عملي ولبقائه أثر عملي ، ومثاله ابتداء النهار من أيام شهر رمضان ، فإن لابتداء النهار ـ وهو الحدوث ـ أثر عملي وهو تنجّز الصوم على المكلّف ولبقائه أثر عملي وهو وجوب الاستمرار على الصوم ، وفي مثل هذه الحالة لا ريب في جريان

٣٦٤

الاستصحاب ؛ وذلك لأنّ حدوث المستصحب وبقاءه مما يترتب عليه التنجيز.

الحالة الثانية : ألا يكون للحدوث أثر عملي ولا يكون للبقاء أثر عملي ، وفي مثل هذه الحالة لا ريب في عدم جريان الاستصحاب ـ كما بينا ذلك فيما سبق ـ ، ومثاله ما لو كنا نعلم بحياة ملك من الملائكة ثم شككنا في بقائه ، فهنا لا يجري الاستصحاب لعدم ترتب أي أثر على العلم بالحياة وهكذا استمرار الحياة ليس له أثر كذلك.

الحالة الثالثة : أن يكون لحدوثه أثر عملي إلاّ أنّ بقاءه ليس ذا أثر عملي ، ومثاله العلم بتنجس هذا الطعام مع عدم اضطراره إليه وبذلك تتنجّز عليه الحرمة فلو شك بعد ذلك في ارتفاع النجاسة عن هذا الطعام إلاّ أنه كان حينها مضطرا إلى تناوله فهنا لا يكون للبقاء أثر عملي ، إذ أنّه على أي حال لا يحرم عليه تناول هذا الطعام لافتراضه مضطرا إليه ، ومن هنا لا يجري الاستصحاب في هذه الحالة لأن البقاء ليس له أثر عملي على أيّ حال.

الحالة الرابعة : ألا يكون للحدوث أثر عملي إلاّ أنّ البقاء ذو أثر عملي ، ومثاله العلم بحياة الابن فإنّه ليس للعلم بحياته أثر عملي إلاّ أنه وقع الشك بعد ذلك في بقائه على قيد الحياة إلى هذه السنة وكان لبقائه إلى هذه السنة أثر عملي وهو استحقاقه للإرث ، حيث إنّ أباه قد مات في هذه السنة ، وهنا يجري الاستصحاب ؛ وذلك لتوفّره على الركن الرابع ـ وهو أنّ لاستصحاب الحالة السابقة أثر عملي ـ ولا يكون عدم الأثر للمستصحب حين حدوثه مانعا من جريان الاستصحاب ، إذ أن الأثر العملي الذي أنيط

٣٦٥

به التعبد الشرعي بالاستصحاب إنّما هو الأثر حين إجراء الاستصحاب ، وهذا متحقق في مفروض المثال.

٣٦٦

مقدار ما يثبت بالاستصحاب

ويقع البحث في المقام عن شمول التعبّد بالاستصحاب للأحكام الشرعية المترتبة على الآثار العقلية والعادية للمستصحب. وقد تعارف إطلاق عنوان حجيّة الأصل المثبت على هذا البحث ، ويمكن تصنيفه إلى جهتين :

الجهة الأولى : في بيان موضوع البحث.

الجهة الثانية : في الدليل على عدم حجيّة الأصل المثبت.

أما الجهة الأولى :

إنّ المستصحب ـ والذي هو متعلّق اليقين والذي يراد إسراؤه لحالة الشك في بقائه ـ تارة يكون حكما شرعيا فاستصحابه يكون موجبا للتنجيز أو التعذير دون واسطة ، وتارة يكون موضوعا لحكم شرعي أو متعلّقا لحكم شرعي أو قيدا لحكم أو قيدا لمتعلّق حكم شرعي فهنا يكون إجراء الاستصحاب منقحا للموضوع فيترتب بواسطة ذلك الحكم أو يكون مثبتا لتحقق متعلّق الحكم فيثبت بواسطة استصحاب المتعلّق التعذير مثلا ، وهكذا الكلام في قيود الوجوب والواجب.

وتارة يكون المستصحب حكما شرعيا وفي نفس الوقت هو موضوع لحكم شرعي آخر ، فهنا يكون استصحاب الحكم المعلوم سابقا منقّحا

٣٦٧

لموضوع الحكم الثاني وموجبا للتنجيز أو التعذير ، أي أنّ ثبوت الحكم الثاني تم بواسطة استصحاب الحكم الأول المعلوم سابقا والذي هو موضوع للحكم الثاني.

ومثاله : ما لو علم مكلّف بنجاسة مائع إلاّ أنّ تناوله كان خارجا عن القدرة ثم شك بعد ذلك في بقاء نجاسته بعد أن صار مقدورا على تناوله ، فإنّ استصحاب الحكم بالنجاسة يستوجب التعبّد بالنجاسة أولا ويتنقح بواسطته موضوع الحكم بحرمة شربه ؛ وذلك لأنّ النجاسة موضوع لحرمة الشرب.

والغرض من افتراض كون المائع حين العلم بالنجاسة غير مقدور على تناوله هو أنّه لو لم يكن كذلك لكان العلم بالنجاسة يساوق العلم بالحرمة فيمكن حينئذ إجراء استصحاب الحكم بالحرمة بنفسه ؛ وذلك لأنّ له حالة سابقة متيقنة ، أمّا في حالة عدم القدرة على تناول المائع حين العلم بنجاسته فإنّ العلم حينئذ بالنجاسة لا يساوق العلم بالحرمة.

وبهذا يكون استصحاب النجاسة هو الواسطة في تنقّح موضوع الحرمة لشرب المائع.

وكيف كان فتمام الحالات التي ذكرناها يكون بقاء المستصحب بنفسه موجبا للتنجيز والتعذير.

وهناك حالة أخرى غير الحالات التي ذكرناها لا يكون المستصحب بنفسه موجبا للتنجيز وإنّما الموجب للتنجيز هو لوازمه العقليّة أو العاديّة.

ومثاله ما لو كان استحقاق الطفل للميراث منوطا بتولده حيا ، فلو كنّا نعلم بحياة الجنين حينما كان حملا ثم شككنا في استمرار حياته إلى حين

٣٦٨

التولّد فإن استصحاب الحياة إلى حين التولّد يلازم عقلا تولّده حيا وبه يتنقّح موضوع الأثر الشرعي وهو الاستحقاق للميراث.

والملاحظ في هذه الحالة المفترضة أنّ المستصحب ليس هو بنفسه موضوع الأثر الشرعي ؛ وذلك لأن استصحاب الحياة إلى حين الولادة لا ينتج وحده تنقّح موضوع الاستحقاق للميراث ؛ إذ أنّ الحياة كما هو المفترض ليس موضوعا للاستحقاق وإنما هو تولّد الطفل حيا ، وهذا غير المستصحب ، إذ ليس هو المتيقن سابقا ، وإنما المتيقن هو الحياة فحسب وهو ليس موضوعا للأثر الشرعي ، نعم استصحاب الحياة إلى حين التولّد يلازم عقلا تولّد الطفل حيّا. فإذن الأثر الشرعي موضوعه اللازم العقلي للمستصحب وليس هو المستصحب نفسه ، وهذا بخلاف استصحاب النجاسة في المثال السابق فإنّه بنفسه موضوع للحرمة.

وبتعبير مختصر : إنّ مفروض هذه الحالة هو ترتّب الأثر الشرعي على لازم المستصحب لا أن الأثر الشرعي مترتب على المستصحب نفسه.

وهذه الحالة هي محلّ الكلام من حيث إنّ الاستصحاب هل يجري في مثل هذه الحالة أو لا؟

وأمّا الجهة الثانية : ـ والتي هي في الدليل على عدم حجيّة الأصل المثبت ـ فنقول : إنّه بعد اتّضاح المراد من الأصل المثبت وأنّه عبارة عن التعبّد بوجود اللازم العقلي للمستصحب ومنه تترتب الآثار الشرعية على ذلك اللازم فيكون دور المستصحب دور الواسطة في إثبات لازمه العقلي ثم إن ثبوت اللازم العقلي بعد ذلك يستوجب ترتّب آثاره الشرعية ، بعد اتّضاح ذلك يقع البحث في أنّ دليل الاستصحاب هل يتسع لذلك أو لا؟

٣٦٩

والوصول إلى نتيجة في هذا البحث يستوجب ملاحظة دليل الاستصحاب فنقول : إنّ أدلة الاستصحاب نهت عن نقض اليقين بالشك وقد قلنا إنّه لا يمكن أن يكون المراد ـ من النهي عن النقض ـ النقض الحقيقي ، فيتعيّن أن يكون المراد منه هو النقض العملي والذي يعني رفع اليد عمّا يقتضيه اليقين لو قدّر له البقاء ، وبهذا يثبت ـ في حالات الشك في بقاء المتيقن ـ ما للمتيقن من منجّزيّة ومعذرية ، وهذا هو معنى استظهار التنزيل من دليل الاستصحاب والذي هو تنزيل مشكوك البقاء منزلة الباقي.

وبهذا يتضح أنّ النهي عن النقض ليس نهيا مولويا يقتضي التحريم وإنّما هو نهي إرشادي ، أي أنّه يرشد إلى أنّ المولى قد نزّل مشكوك البقاء منزلة الباقي أو قل نزّل المشكوك منزلة المتيقن في مقام العمل ، فكأنّما المولى اعتبر المكلّف الشاك ـ فيما كان متيقنا به ـ أنّه لا زال على يقين بالمشكوك الفعلي.

وعلى هذا يكون المنزّل منزلة المتيقن هو المشكوك ، أي أنّ المتعبّد بتنزيله منزلة المتيقّن هو نفس المشكوك ، وإذا كان كذلك فمن الصعب تعدية هذا التنزيل وهذا التعبّد إلى آثار المشكوك « المستصحب » العقلية أو العاديّة ؛ وذلك لأنّ التنزيل نحو من الاعتبار وهذا يقتضي لزوم التعرّف على هوية المعتبر وذلك لمعرفة جهة الاعتبار والتنزيل ، ولمّا كان المعتبر في المقام هو الشارع فهذا يقتضي أن تكون جهة التنزيل متصلة بالشارع المقدس وحينئذ يكون تنزيل المشكوك منزلة المتيقن أو قل التعبّد ببقاء المستصحب إنّما هو من جهة آثاره المتصلة بالشارع لا الآثار المتصلة بالجهات الأخرى.

ولغرض أن تتضح هذه الفقرة من الدليل ـ والتي هي أهم حلقات هذا

٣٧٠

الدليل ـ نذكر هذا المثال.

عندما يقال : « إنّ المخدّر خمر » فإن العرف يفهم أنّ هنا تنزيلا للمخدّر منزلة الخمر وذلك لاطلاعه على أنّ طبيعة المخدّر التكوينية تختلف عن طبيعة الخمر ، إلا أنّه لا يفهم لهذا التنزيل معنى محصّل حتى يعرف المنزّل الذي نزّل مادة المخدّر منزلة الخمر فإذا ما عرف المنزّل عرفت جهة التنزيل ، فلو كان طبيبا عرفنا أن جهة التنزيل هي الآثار التكوينية وأنّه أراد من هذا التنزيل اعتبار المضاعفات المترتبة على تناول المخدّر هي عينها المترتبة عن شرب الخمر ، ولو كان المنزّل هو المقنّن ومن له السلطنة على الناس لكانت جهة التنزيل هي العقوبة ، فكما أنّ عقوبة شارب الخمر هي السجن مثلا فكذلك عقوبة المتعاطي للمخدّر ، وإذا كان المنزّل هو شارب الخمر يفهم العرف أنّ جهة التنزيل هي الانعكاسات النفسية المترتبة على شرب الخمر فكأنه قال : إنّ الانعكاسات النفسية المترتبة على تناول المخدّر هي عينها المترتبة على شرب الخمر.

أمّا لو كان المنزّل هو الشارع المقدس فحينئذ ينفهم من هذا التنزيل أن جهته هي الآثار الشرعية ، فكما أنّ الخمر حرام فكذلك المخدّر.

ومن هنا يتضح ما نروم إثباته وهو أن تنزيل المشكوك منزلة المتيقن يعني أن جهة التنزيل إنّما هي الآثار الشرعيّة المترتبة على بقاء المتيقن نفسه وأمّا آثاره التكوينية فلا يطالها ذلك التنزيل ، إذ أنها ليست متصلة بالشارع بما هو شارع ، فيكون التعبّد ببقاء المستصحب إنّما هو تعبّد ببقاء آثاره الشرعية.

فعليه لو كان للمستصحب أثر تكويني وهذا الأثر التكويني موضوع

٣٧١

لحكم شرعي فإن ذلك الحكم الشرعي لا يثبت بواسطة الاستصحاب ؛ وذلك لأن ثبوت الحكم الشرعي منوط بالتعبّد بوجود الأثر التكويني للمستصحب وهذا ما لا يتسع له التعبّد ببقاء المستصحب ؛ ولهذا لا يكون الحكم الشرعي المترتب على اللازم التكويني متحققا ، إذ أنّ موضوعه وهو اللازم التكويني غير محرز التحقق.

مثلا : لو كان وجوب النهي عن المنكر مترتبا على بقاء الفاسق على المعصية فلو لم أكن أعلم بذلك ولكن كنت أعلم بعدم توبته ، واللازم العادي لعدم التوبة هو الاستمرار على المعصية ، فهنا لو استصحبت عدم التوبة ـ وكان استصحاب الملزوم يعني ثبوت اللازم ـ لكان ذلك يقتضي تنقّح موضوع وجوب النهي عن المنكر ، إلا أنّه لمّا لم يكن التعبّد ببقاء المستصحب « وهو عدم التوبة » تعبدا بتحقق لوازمه العاديّة فهذا يقتضي عدم تحقق موضوع وجوب النهي عن المنكر ؛ إذ أن موضوعه ـ كما هو المفترض ـ هو اللازم العادي لعدم التوبة ولا سبيل لإثباته بواسطة التعبّد ببقاء المستصحب كما بينا ذلك.

قد يقال إننا لا نحتاج إلى التعبّد بوجود اللازم « وهو الاستمرار على المعصية » بل يكفي التعبّد ببقاء المستصحب لتحقق وجوب النهي عن المنكر.

إلاّ أنّه يقال إنّ ذلك خلف الفرض وهو أنّ موضوع وجوب النهي عن المنكر إنّما هو الاستمرار عن المعصية وهذا غير ثابت ؛ إذ أنّ فعلية الأحكام تابعة لتقرّر موضوعاتها خارجا.

وبهذا يتضح عدم حجيّة الأصل المثبت وعدم صلاحيته لتنقيح موضوع الأثر الشرعي كما هو مذهب المشهور.

٣٧٢

عموم جريان الاستصحاب

ويقع البحث في المقام عن صلاحية دليل الاستصحاب لإثبات التعبّد بالاستصحاب مطلقا وفي تمام موارد الشك المسبوق بالعلم.

وهذا هو مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام « ولا ينقض اليقين أبدا بالشك » ، إلا أنّه في مقابل دعوى العموم هناك من ذهب إلى التفصيل ، كما أنّ القائلين بالتفصيل قد اختلفوا في جهة التفصيل ، فهناك من ذهب إلى التفصيل بين المستصحب الثابت بواسطة الدليل الشرعي وبين ما هو ثابت بالدليل العقلي ، كما أنّ هناك قولا آخر بالتفصيل بين الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعية ، فالاستصحاب جار في الثانية دون الأولى.

والتفصيل الذي بحثه المصنّف رحمه‌الله في المقام هو التفصيل بين الشك في الرافع فيجري الاستصحاب في مورده وبين الشك في المقتضي فلا يجري الاستصحاب في مورده ، وهذا التفصيل قد تبناه الشيخ الأنصاري رحمه‌الله وتبعه في ذلك المحقق النائيني رحمه‌الله.

وحاصل هذا التفصيل : هو أنّ متعلّق اليقين ليس ذا طبيعة واحدة بل إنها متفاوتة من متعلّق إلى آخر ، فقد يكون متعلّق اليقين « المتيقن » مما له شأنية البقاء والاستمرار لو اتفق له الوجود ، وهذا يعني أنه متى ما وجد فإنّه يبقى إلا أن يطرأ ما يوجب انقطاع استمراره ، فلو وقع الشك في طروء

٣٧٣

هذا القاطع والذي ينهي حالة الاستمرار للمتيقّن ، فإنّ الاستصحاب يقتضي نفي الانقطاع واستمرار بقاء المتيقن ، وهذه الحالة هي التي يجري فيها الاستصحاب.

ومثاله الزوجية فإنها متى ما تحققت فإنها تبقى ، غايته أنه قد يطرأ عليها ما يوجب انقطاعها وانتفاءها كطروء بعض العيوب الموجبة للفسخ أو الطلاق أو الارتداد أو ما إلى ذلك.

وفي مثل هذه الحالة يكون الشك في بقاء الزوجية يساوق الشك في طروء الرافع ولا معنى للشك من جهة أخرى بعد العلم بتحقق الزوجية ، هذه هي الحالة الأولى للمتيقن.

والحالة الثانية : للمتيقن هي عدم اقتضاء طبيعته للبقاء والاستمرار إلى أن يطرأ الرافع بل إنّها تقتضي البقاء لأمد محدّد ثم تنتفي بنفسها ومن دون عروض أي طارئ موجب لارتفاع حالة البقاء ، نعم قد يعرض للمتيقن الانقطاع بسبب طارئ موجب لإعدام وجوده الذي لو لا عروض هذا القاطع لاستمرّ هذا الوجود حتى ينتهي أمده ، ومن هنا يتضح أنّ مراد القائلين بعدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي إنّما يقصدون حالات الشك الناشئة عن احتمال انتهاء أمد المتيقن لا حالات الشك في طروء الرافع له ، فإنّه حتى وإن كان المتيقن من قبيل الحالة الثانية فإنّ الاستصحاب يجري في مورده لو كان منشأ الشك هو طروء الرافع ، كما لو كانت طبيعة المتيقن البقاء إلى ساعة من حين حدوثه ووقع الشك في ارتفاعه لعارض قبل تمام الساعة فإنّ الاستصحاب جار في مثل هذا الفرض ولا يقصدون أنّ مطلق الطبائع التي لا تقتضي البقاء الأبدي إذا وقع

٣٧٤

الشك في بقائها فإنّ الاستصحاب لا يجري في موردها ، بل إنّ الاستصحاب الذي لا يجري في موردها هو ما كان منشؤه الشك في اقتضاء المتيقن للبقاء إلى هذه المرحلة الزمنية ، فلا تغفل.

ويمكن التمثيل لهذه الحالة من حالات المتيقن بما لو وقع الشك في بقاء نهار شهر رمضان ، وكان منشؤه الشك في اقتضاء النهار للبقاء إلى هذه المرحلة الزمنية ، إذ أنّ طبيعة النهار لا تقتضي الاستمرار إلى الأبد ما لم يطرأ الرافع بل إنّ لها أمدا تنتهي بانتهائه ، وفي مثل هذه الحالة لا يجري الاستصحاب بناء على مبنى التفصيل.

وبعد اتضاح مبنى التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع يقع الكلام عمّا هو الدليل على هذا التفصيل ، وما هو المبرّر لرفع اليد عمّا يتراءى من إطلاق لدليل الاستصحاب ، وقد ذكروا أنّ المبرّر لذلك هو التعبير بالنقض في لسان الدليل فهو الموجب لدعوى التفصيل ، وذلك يتضح بتقريبين :

التقريب الأول :

إنّ أدلة الاستصحاب قد نهت عن نقض اليقين بالشك ، والمتفاهم العرفي من معنى النقض هو حلّ ما هو مستوثق ومتماسك ، وهذا هو ما تقتضيه الاستعمالات العرفيّة لكلمة النقض قال الله تعالى : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) (١) فالغزل هنا بمعنى المغزول أي ما غزلته ، والمغزول هيئة محكمة ومترابطة ، وقد أكدت الآية الشريفة حالة

__________________

(١) سورة النحل آية ٩٢.

٣٧٥

الإحكام والاستيثاق في المغزول بالظرف الذي تلاه وهو « من بعد قوة » ثم فسّرت النقض بالحال وهي « أنكاثا » فالنقض بمعنى النكث ، والنكث بمعنى الفتل ، والفتل لا يكون إلاّ فيما هو مستحكم ومستوثق.

وهكذا قوله تعالى ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ) (١) فإنّ النقض في الآية الشريفة قد عرض على الميثاق ، والميثاق هو الالتزام للطرف المقابل بأمر على نحو البت ، فكأنّه معقود وموثوق بذلك الأمر بحيث لا يسعه التنصّل عنه ، ومتى ما تنصّل يكون قد نقض ذلك الوثاق وحلّه عن يده المكبّلة به ، ومن هنا لا يقال لمن لم يلتزم بأمر ـ وإنّما كان من المرجو أن يفعله ـ أنّه ناقض لالتزامه ، كما لا يقال لمن نكت في التراب أنّه نقض التراب وما ذلك إلاّ لعدم استحكامه في نفسه.

وباتضاح هذا يتضح معنى النقض في أدلة الاستصحاب وأنّها تعني رفع اليد عمّا له اقتضاء الدوام والاستمرار ، إذ هو الذي يناسبه عنوان النقض ، بخلاف المتيقن الذي ليس له اقتضاء الدوام فليس له حالة استحكام حتى يكون رفع اليد عنه يعدّ من النقض ، وبهذا يتضح وجه التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع.

والجواب عن هذا التقريب : أنّ ما ذكر من أن النقض لا يكون إلا في حالة يكون فيها المنقوض مستوثقا مسلّم إلا أنّ ذلك لا يقتضي التفصيل ، إذ أنّ متعلّق النهي عن النقض في أدلة الاستصحاب هو اليقين وليس المتيقن حتى يقال بالتفصيل ، ومن الواضح أنّ رفع اليد عن اليقين يعدّ نقضا عرفا ،

__________________

(١) سورة المائدة آية ١٣.

٣٧٦

وذلك لأن اليقين من الحالات المستحكمة في النفس بحيث يكون عدم الاعتناء به نقضا لما هو متأصل ومستوثق.

التقريب الثاني :

إنّ أدلة الاستصحاب نهت عن نقض اليقين بالشك ، ومن والواضح أنّه من غير المناسب وصف الشك بالناقض لو كان متعلّق الشك مغايرا لمتعلق اليقين ، نعم يصح إطلاق عنوان النقض لو كان المتعلّق في الشك واليقين واحدا كما هو الحال في قاعدة اليقين فإنّ الشك يتعلّق في موردها بعين ما تعلّق به اليقين كما أوضحنا ذلك ، فهنا يكون النقض حقيقيا.

ويصح إطلاق عنوان الناقض أيضا فيما لو كان الشك متعلقا بحالة البقاء للحادث المتيقن إلاّ أنّه بنحو العناية المقبولة عرفا ، إذ أنّ الشك في البقاء لو اعتني به مع قابلية الحادث للبقاء فإنّ هذا الاعتناء يعدّ بنظر العرف نقضا لليقين بالشك ، إذ أنّ قابليّة الحادث للبقاء تجعل من الشك في البقاء كأنّه شك في الحدوث ، فمتعلّق اليقين وإن كان مغايرا ـ بحسب الدقة العقليّة ـ لمتعلّق الشك إلا أنّ قابليّة المتيقن للبقاء والاستمرار هي التي سوّغت اعتبار المتعلّقين متعلّقا واحدا.

ومن هنا يكون رفع اليد عن المتيقن بسبب الشك نقضا لليقين بالشك ، فهو وإن كان نقضا عنائيا إلا أنّه مقبول ومستساغ عرفا ، وهذا بخلاف ما لو كانت طبيعة الحادث لا تقتضي البقاء والاستمرار ، فإنّ الشك حينئذ في البقاء يبقى شكا في متعلّق مباين لمتعلّق اليقين ولا يكون الشك في البقاء مصححا عرفا لاتحاد المتعلّقين حتى يكون رفع اليد عن اليقين بالشك نقضا لليقين بالشك.

وهذا ما أوجب استظهار التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في

٣٧٧

الرافع.

وبتعبير آخر : إن طبيعة المتيقن إذا كانت مقتضية للبقاء والاستمرار فإنّ اتفاق وجودها يعني استمرارها وهذا يقتضي أنّ الشك في الاستمرار بعد العلم بالوجود والحدوث شك ـ بنحو العناية ـ في أصل الوجود والحدوث ؛ وذلك لأن اليقين بالحدوث في مثل هذه الطبايع يقين بالاستمرار عناية ، فلو وقع الشك في الاستمرار فكأنّه شك في أصل الحدوث ، وهذا هو معنى اتحاد متعلقي الشك واليقين عناية ، وبهذا يكون رفع اليد عن اليقين السابق نقضا لليقين بالشك وأدلة الاستصحاب تنهى عن ذلك.

أما لو كانت طبيعة المتيقن غير مقتضية للبقاء بل إنّها تزول بنفسها بعد الحدوث حتى لو لم يطرأ عليها ما يوجب إعدام وجودها ففي مثل هذه الحالة لا يكون الشك في البقاء مساوقا عرفا للشك في الحدوث المتيقن ؛ وذلك لتغاير متعلّقيهما حتى بنظر العرف ، ومن هنا لا يكون عدم الاعتناء بذلك اليقين السابق من نقض اليقين بالشك.

والجواب عن هذا التقريب : إنّنا وإن كنّا نسلّم أن إسناد نقض اليقين إلى الشك لا يكون إلاّ في حالة يكون فيها متعلّق اليقين ومتعلّق الشك واحدا إلاّ أنّنا قلنا إنّ المصحح للإسناد هو إلغاء الزمن عن متعلّقي اليقين والشك ، وبهذا الإلغاء يكون المتعلّق للحالتين واحدا ، فإذا صحّ هذا الإلغاء في حالة يكون فيها المتيقن مما له البقاء والاستمرار فإنّه يصحّ في حالات عدم اقتضاء المتيقن للبقاء والاستمرار.

وبهذا اتّضح سقوط كلا التقريبين عن الصلاحيّة لصرف إطلاق أدلة الاستصحاب عن حالات الشك في المقتضي.

٣٧٨

تطبيقات

١ ـ استصحاب الحكم المعلّق :

ويقع البحث في المقام عن أنّ الحكم المعلّق هل يجري في مورده الاستصحاب أو لا يجري؟ وقبل بيان ذلك لا بدّ من تحرير موضوع البحث ، فنقول :

إنّ الشك في الحكم ينشأ عن أحد ثلاثة مناشئ :

المنشأ الأول : هو احتمال نسخ الحكم ، والشك في مثل هذه الحالة يعرض نفس الجعل ولا صلة له بالحكم المجعول.

ومثاله : هو أنّه حينما يكون المكلّف عالما بأنّ الله جلّ وعلا قد جعل الحرمة على أكل لحكم الميتة ثم وقع الشك في بقاء الحكم بالحرمة وعدمه ، فإنّ هذا الشك يكون ناشئا عن احتمال النسخ ، ولا مبرّر للشك في البقاء إلا ذلك.

وفي مثل هذه الحالة يجري استصحاب الحكم أي استصحاب بقاء الجعل وأن الحرمة لم تنسخ.

المنشأ الثاني : هو انتفاء بعض الخصوصيّات بعد أن كانت موجودة ، والتي نحتمل دخالتها في بقاء فعليّة الحكم ، فانتفاء تلك الخصوصية أوجب الشك في بقاء فعليّة الحكم ، والشك هنا لا يكون إلاّ في

٣٧٩

بقاء الفعليّة للحكم ولا صلة له بأصل الجعل ، فقد يكون المكلّف على يقين من بقاء الجعل ومع ذلك يشك في بقاء الفعليّة لذلك الحكم.

ومثاله العلم بحرمة وطء الحائض المضطربة العادة باعتبار أنّ الدم الذي تراه واجد لصفات الحيض ، فلو فقد هذا الدم صفات الحيض بعد ذلك فإنّ انتفاء هذه الخصوصية يوجب الشك في بقاء فعلية الحكم بحرمة الوطء ، وهنا يجري استصحاب بقاء فعليّة الحكم بالحرمة ـ كما ذكرنا ذلك فيما سبق ـ وهذا النحو من الاستصحاب يسمّى باستصحاب الحكم المجعول ، كما أنّ الحكم في مثل هذه الموارد ـ والذي كنّا نعلم بتحقّق فعليّته ـ يعبّر عنه بالحكم التنجيزي.

وضابطته هي كل حكم تقرّر موضوعه خارجا بتمام حيثياته ، وعبّر عنه بالحكم التنجيزي لبلوغه مرحلة الفعليّة والتنجّز بحيث يكون المكلّف في مورده مسؤولا عن الامتثال لو كان الحكم مثبتا للتكليف ، ويكون في سعة لو كان الحكم نافيا للإلزام.

المنشأ الثالث : هو انتفاء خصوصية للموضوع كانت موجودة لو قدر لها البقاء لكان الحكم فعليّا باعتبار أنّ الخصوصية التي كانت مفقودة قد وجدت فعلا ، وهنا يكون الشك أيضا في فعلية الحكم لا في أصل الجعل بل نبقى في مثل هذه الحالة محرزين لبقاء الجعل وإن كنّا نشك في فعليته.

ومثاله : العلم بأصل جعل الحرمة على وطء الحائض ، فلو علمنا أنّ هذا هو وقت طروء الحيض على هذه المرأة ذات العادة المنتظمة وقتا إلاّ أنّه لم يطرقها الحيض بعد ، وهنا نستطيع أن نقول إنّ هذه المرأة لو طرقها الحيض في هذا الوقت لحرم وطؤها ، فلو تأخر طروء الحيض عنها إلى ما

٣٨٠