المعاد الجسماني

شاكر عطية الساعدي

المعاد الجسماني

المؤلف:

شاكر عطية الساعدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: صدف
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-72-3
الصفحات: ٢٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

والمقام الذي حصل للروح وهو الموجود المجرد عن نشأة الدنيا ، أو الکمالات اللائقة بجوهرها الإنساني ، إنّما هو ما حصلت بحرکتها الذاتية ، أو بأفعال وأعمال اختيارية ، فلا ينزل عنه بجوهرها إلا بموانع وأضداد يتوجه إليها وتمنعها عن الوقوف في درجة کمالها التي حصلتها وتُعِدُّ مادتها إلى الحرکة إلى ما يقابلها ، ودار الآخرة ليست بدار إعداد واستعداد من خارج ، بل إنّما هي دار الاستکفاء ، فالروح هناک مستکفية بذاتها ، وبذات مبدئها ، فلا يرتفع عنها ما کمال ذاتها کالوجودي الأخروي ... ). (١)

ب) عدم وفاء الأرض للأبدان غير المتناهية

بيان الإشکال : إن جرم الأرض مقدار محصور معدود ممسوح بالفراسخ والأميال والأذرع ، وعدد النفوس غير متناه ، فلا يفي مقدار الأرض ولا يسع ؛ لکي يحصل منه الأبدان غير المتناهية.

الجواب : قال صدرالمتألهين في جوابه : ( الحق بما مرّ من الأصول أن لا عبرة بخصوصية البدن ، وإن تشخصه المعتبر في الشخص المحشور جسمية مّا أية جسمية کانت ، وأن البدن الأخروي ينشأ من النفس بحسب صفاتها ، لا أن النفس يحدث من المادة بحسب هيئاتها واستعداداتها کما في الدنيا ) ، (٢) کما هو مبين في الأصل التاسع من الأصول العشرة التي مرّ ذکرها في هذا الفصل.

ثم قال : ( وليعلم أن الازدحام والتصادم والتضايق هو من خواص الأجسام الدنيوية ، وليس في الأجسام الأخروية ازدحام وتصادم ، فإن کان واحد من أهل السعادة له جنّة عرضها السموات والأرض ، من غير أن يزدحم شيئاً من الأفلاک والعناصر والأرکان ، أو يضيق بسبب وجودها الحيز والمکان ). (٣)

ــــــــــــــــ

١. راجع : الآشتياني ، الأستاذ سيد جلال الدين ، کتاب شرح بر زاد مسافر لملاصدرا ، ص ٢٥١.

٢. صدر المتألهين ، کتاب الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٠.

٣. صدر المتألهين ، کتاب المبدأ والمعاد ، المقالة الثانية ، ص ٤٩٤.

٢٤١

ثم بعد ذلک بيّن أن صفة الأرض المحشورة تختلف عن صفة الدرض الدنيوية ، إذ الأولى تکون على صورة تسع الخلائق کلها من الأولين والآخرين ، واستشهد لذلک بقوله : تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ، (١) وقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ). (٢)

وکما نرى من جوابه عن هذا الإشکال والإشکال الذي سبقه ، أن العبرة والملاک الملحوظ فيهما هو التشخص الذي يکون بالنفس دون البدن ، والبدن يکون تابعاً للنفس في ذلک ، لا کما کان عليه الأمر في عالم الدنيا حيث کانت النفس تحدث من المادة بحسب هيئاتها واستعداداتها ، کما هو مبين في نظرية « النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء » ، بينما يکون الأمر في الآخرة على العکس تماماً بحسب نظره الشريف إذ البدن ينشأ من النفس بحسب صفاتها.

ج) خلق الجنّة والنار وجسمانيتهما (٣)

وهي أن المعلوم من الکتاب والسنة أن الجنّة والنار موجودتان بالفعل ، وإذا کانتا موجودتين فأين مکانهما من العالم ، وفي أي جهة يکونان ، أهما فوق محدد الجهات ، فيلزم أن يحصل في اللامکان مکان وفي اللاجهة جهة ، أو في داخل طبقات هذه الأجرام فيلزم التداخل المستحيل ، وفيما بين سماء وسماء ، فمع استحالته ، ينافي قوله تعالى : ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ). (٤)

ــــــــــــــــ

١. إبراهيم ، ٤٨.

٢. الواقعة ، ٥٠.

٣. لاحظ : الصدوق ، کتاب التوحيد ، تحقيق هاشم الحسيني الطهراني ، ص ١١٨ ؛ کتاب أوائل المقالات الشيخ المفيد ، ص ١٢٤ ، الفاضل السراب التنکابني ، کتاب سفينة النجاة ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، ص ٣٩٥ ؛ الجرجاني ، شرح المواقف ، ص ٢٠٣ ؛ حسن بن على ، صحيح شرح العقيدة الطحاوية من فکر آل البيت السقاف ، ص ٥٧٨ ـ ٥٧٩. الجرجاني.

٤. آل عمران ، ١٣٣.

٢٤٢

الجواب : وقد أجاب عنه صدرالمتألهين بما هذا لفظه : ( هو أن يقال على منهج أبحاث المتألهين وطريقة أنظار السالکين إلى الله تعالى بأقدام المعرفة واليقين : إن حجتکم هذه مبينة على أن للجنّة وللنار مکاناً من جنس أمکنة الدنيا هذه ، لکن أصل إثبات المکان على هذا الوجه للجنّة والنار باطل ، فالشبهة منهدمة الأساس منحسمة الأصل ، ومما يوضح ذلک حسب ما مضت الإشارة إليه ، أن عالم الآخرة عالم تام لا يخرج عنه شيء من جوهره ، وما هذا شأنه لا يکون في مکان ، کما ليس لمجموع هذا العالم أيضاً مکان يمکن أن يقع إليه إشارة وضعية من خارجه أو داخله ؛ لأن مکان الشيء إنما بحسب نسبته وإضافته إلى ما هو مباين له في وضعه خارج عنه في إضافته ، وليس في خارج هذه الدار شيء من جنسه وإلا لم يوجد بتمامه ، ولا في داخله أيضاً ما يکون مفصولاً عن جميعه إذا أخذ من هذه الحيثية ، فلا إشارة حسية إلى هذا العالم عند أخذه تاماً کاملاً ، لا من داخله ولا من خارجه ، فلا يکون له أين ووضع ، ولهذا المعنى حکم معلم الفلاسفة بأن العالم بتمامه لا مکان له ، فقد أتضح أن ما يکون عالم تام فطلب المکان له باطل ، والمغالطة ، نشأت من قياس الجزء على الکل ، والاشتباه بين النقص والکامل ، ثم على سبيل التنزّل عن هذا ، لو سأل : هل الدار الآخرة مع هذه الدار منتظمتان في مسلک واحد والمجموع عالم واحد ، فحينئذ طلب المکان لهما صحيحاً ، أو کل منهما عالم بتمامه مباين الجوهر والذات للآخر غير منسلک معها في سلک واحد لا يجعلها داراً واحدة ، فحينئذ طلب المکان لهما غير صحيح ، وإن تعلم أن الحق هو الثاني إلاّ أن يراد بکونهما ضرباً آخر من الوحدة ، فإن العوالم والنشآت متداخلة في المعنى والقوام لا في الوضع والامتداد مع کون کل عالم منهما تاماً ، فإن الدنيا والآخرة لو لم يکونا عالمين تامين ، فلا يکون في الوجود عالم تام ؛ لأن المجموع ليس منتظماً في سلک واحد إلا بأن يکون أحدهما باطناً والآخر ظاهراً ، فلا محالة کل منهما عالم تام

٢٤٣

کما أطلق القول عليه في السنة الشريفة : إن لله عالمين ، عالم الدنيا ، وعالم الآخرة ... ). (١)

والجدير بالذکر ، أن صدر المتألهين انتقد ما جاء به المتکلمون من إجابات في رد هذا الإشکال ، کان منها القول بتجويز الخلاء ، والآخر بنفي مخلوقية الجنّة والنار بالفعل ، وثالثاً بانفتاح السموات على قدر يسع بينهما الجنّة والنار وغيرها ، فقال في ذيل أجوبتهم بعد نقل بعضها : ( وليتهم اعترفوا بالعجز ، وقالوا لا ندري ، الله ورسوله أعلم ). (٢)

ويمکننا أن نؤيد ما أورده صدرالمتألهين على المتکلمين ؛ باعتبار أن المتکلمين في أغلب أبحاثهم إن لم نقل جلّها تابعون للکتاب والسنة الشريفة ، وقد جاء فيهما ما فيه الکفاية عن هذه المسألة بشکل واضح وصريح لا يحتاج التأويل والتفسير ، (٣) نعم لو لم يأتِ الباري عزّ وجل بخبر عنها ، أو لم تذکر السنة ذلک ، من حيث الوجود ، أو عدمه ، لکان لهم الحق في النفي والتأويل الذي جاءوا به ، لکنه خلاف الظاهر ، فقد جاء في جواب رسول الله ٩ لسائل سأل عن مکان النار فيما إذا کانت الجنّة عرضها السموات والأرض : ( سبحان الله ! فأين الليل إذا جاء النهار ؟! ). (٤)

د) لزوم مفسدة التناسخ

بيان الإشکال : إن القول بالمعاد الجسماني يلزم حصول التناسخ ، وهو فاسد.

الجواب : قبل أن نذکر جواب صدر الحکماء صدرالدين الشيرازي ، رأينا من باب الفائدة ، ومن باب المقارنة بين ما جاء به البعض وبين ما جاء به فيلسوفنا صدرالدين الشيرازي ، فکان علينا أن ننقل بعض الأجوبة على مثل هذه الإشکالات التي باتت العقول والأفکار في حلها حياري ، وکما يتضح لنا ذلک من خلال بيان ضعف ما جاء به البعض ، وإليک بعضها :

ــــــــــــــــ

١. صدرالمتألهين ، الشواهد الربوبية ، ص ٢٧٢ ؛ وکذا ، الحکمة المتعالية ( الأسفار ) ، ج ٩ ، ص ٢٠٤.

٢. الأسفار ، محمد بن إبراهيم ، ج ٩ ، ص ٢٠٤ ؛ الشواهد الربوبية لنفس المؤلف ، ص ٢٧٢.

٣. لاحظ : الشيخ الصدوق ، التوحيد ، ص ١١٨ ؛ الطبرسي ، الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٩١.

٤. لاحظ : محمد حسين الطباطبائي ، الميزان ، ج ٤ ، ص ٢٢ ؛ الحويزي ، نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٣٨٩.

٢٤٤

الجواب الأول : لغياث الدين منصور بن خلف السيد السند صدرالدين الشيرازي الدشتکي ، مؤلف رسالة في المعاد الجسماني ، قال في دفعه : ( إن للنفس الإنسانية ضربين من التعلق بالبدن ، أولها : هو تعلقها بالروح البخاري ، وثانيها : هو تعلقها بالأعضاء الکثيفة ، فإذا انحرف مزاج الروح وکان أن يخرج عن صلاحية النفس اشتد التعلق الثانوي من جانب النفس بالأعضاء ، وبهذا يتعين الأجزاء تعيناً ما ، ثم عند المحشر إذا اجتمعت وتمت صور البدن ثانياً ، وحصل الروح البخاري مرة أخرى على خروج مزاج الأجزاء ، فالمعاد هو النفس الباقية لنيل الجزاء ). (١)

واعترض عليه صدرالدين محمد بن إبراهيم المعروف بصدرالمتألهين بقوله : ( إن قولهم إن النفس تتعلق أولاً بالأرواح اللطيفة ، وثانياً بالأعضاء الکثيفة ، معناه أن تعلقها بالذات ليس إلا بالأرواح ؛ لأنها القريبة الشبه إلى جوهر النفس دون الأعضاء لکثافتها وظلمتها وبُعد مناسبتها إلى الجواهر النورية إلا بالعرض ؛ لأجل کونها کالقشور والغلاف والوعاء الصائن للجرم والشبيه بالفلک اللائق لأجل اعتداله ولطافته ؛ لأنه ستکره الحمام القدسي والطائر الملکوتي ، فإذا تمزقت هذه الشبکة واستحالت تراباً ورماداً وطار طائرها السمائي ، وخلص من هذا المضيق ، فأي تعلق بقي له بالأجزاء ، ولو کان کذلک لکان کل تراب ورماد ذا نفس لاشتراک الجميع في الترابية والرمادية ، والإضافة إلى الزمان السابق الذي کان فيه التعلق غير باقية أيضاً ، لأن الزمان غير باقٍ ). (٢)

وکما ذکرنا سابقاً في ما يتعلق بجواب محمد الغزالي لهذا الإشکال ومن مناقشة ، وبينا کيف أن القول بتعلق النفس ببدن غير بدنها الدنيوي في ذلک العالم

ــــــــــــــــ

١. لاحظ : صدرالمتألهين ، کتاب المظاهر الإلهية ، تحقيق جلال الدين الآشتياني ، ص ١٨٥ ـ ١٨٧.

٢. المصدر السابق ، ص ١٨٧.

٢٤٥

الأخروي ، لا يساعد في حل الإشکال فضلاً عن الوقوع بمفسدة التناسخ في الوقت الذي ينبغي فيه البحث عن جواب عنه ، والمسألة ليست مسألة أسماء واصطلاحات يحق للغير صياغتها وإطلاقها بقدر ما هي قضية برهانية عقلية ، تتعلق بکيفية إيجاد حل لمشکلة تعلق نفسين ببدن واحد ، نتيجة استعداده لتعلق نفس معينة تفاض عليه من مفيض الصور النفسية ووجود نفس مفارقة محتاجة إلى بدن تعاد فيه عوداً جسمانياً ، ولا حاجة لتکرار الأمر ، فليراجع. (١)

کما تصدى لجواب هذا الإشکال أستاذ مشايخنا العظام الشيخ علي المدرس الزنوزي في رسالته ( سبيل الرشاد ) ، فقد نقل أنه قال فيه : ( إن نصوص القرآن والسنة تدلان على عود الروح إلى البدن الجسماني الدنياوي ، ولما کان إعادة النفس إلى البدن في هذه النشأة وحشرها فيها ، مستلزماً للتناسخ اختار أن البدن يذهب إلى حيث الروح بالحرکة الجوهرية ، ومنشأ هذه الحرکة هي العلاقة الذاتية ، التي تکون بين النفس والبدن ، وعدم انسلاخها بالکلية عن البدن بالموت ؛ لأن العلاقة ذاتية لا تزول بالموت ، وبهذه العلاقة يتحرک البدن إلى حيث الروح ، وغاية وجوده وحرکته هي اتصاله بالنفس ). (٢)

وقد ردَّ صدرالمتألهين هذا القول بشدة ؛ إذ قال فيه : ( و أسخف من هذا القول قوله بتعلق النفس ثانياً بالبدن الدنيوي ، لکن برجوع البدن إلى الآخرة وإلى حيث الروح ، لا بعود النفس إلى البدن ، فيکون النفس واقفاً والبدن يتحرک إليها ). (٣)

ثم قال ملا صدرا : ( ليت شعرى ما المناسبة بين المادة القابلة والصور المفارقة المجردة بعد انسلاخها وترفعها عن المادة ورجوعها إلى الآخرة ؟ والنفس إذا فارقت البدن ، البدن يصير تراباً فاسداً مضمحلاً وهباءاً منثوراً يقع في دار الحرکات

ــــــــــــــــ

١. صدرالمتألهين ، کتاب الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٧.

٢. لاحظ : صدرالمتألهين ، کتاب المظاهر الإلهية ، تحقيق الأستاذ جلال الدين الآشتياني ، ص ١٨٦.

٣. المصدر السابق ، ص ١٨٧.

٢٤٦

والمتحرکات ، وربما يصير نباتاً أو حيواناً أو إنساناً ، وإذا فسد البدن وانحل ترکيبه ، لا يبقى فيه مزاج صالح للتعلق ، ولا يبقى على بدنيته ، ويرجع کل جزء إلى أصله وجوهره ، ومبدأ تعلق النفس على البدن إنما يکون بعد حصول المزاج الاستعداد القابل للنفس ، وإذا خرجت النفس عن البدن ينحل ويبطل البدن ، بل الحق أن منشأ الموت ليس إلا إعراض النفس عن البدن ، (١) والإعراض إلى أن يحصل بعد فساد المزاج وانحلال القوى ، والسر في أن المادة الجسمانية متحرکة دائماً ولا يبقى في هذه النشأة شيء ثابت في آنين ، والبدن مثل ساير المواد الجسمانية بعد إعراض النفس يتصور بصورة أخرى ... والبدن إذا صارت أجزاؤه متفرقة وصار کل جزء منه جزءاً لنوع من الأنواع لا يبقى وجوده ، فضلاً عن تميزه وکل مادة تقتضي صورة مناسبة لذاتها ... ). (٢)

ثم أنّه اختار أن يکون الجواب الصحيح بنظره ، ما جاء في کتابه الشواهد الربوبية ، إذ قال فيه : ( إن البدن الأخروي موجود في القيامة بتبعية النفس لا أنها مادة مستعدة يفيض عليها صورتها ، وقد مرّ الفرق بين الوجهين ، ولا تناسخ إلا في الوجه الأخير). (٣)

هـ) استلزام المعاد الجسماني القول بالعبثية

بيان الإشکال : ( إن الإعادة لا لغرض عبث وجزاف لا يليق بالحکيم ، والغرض إن کان عائداً إليه کان نقصاً له فيجب تنزيهه عنه ، وإن کان عائداً إلى العبد لزم العجز وخلاف الحکمة والعدالة ، فإن ذلک الغرض إيصاله ألم ، فهو غير لائق بالحکيم العادل ، فکيف عن خالق الحکمة والعدل ؟ وإن کان إيصاله لذة ، فاللذات سيما الحسيات دفع الآلام ، فإن أکل الطعام ، وإن کان حسناً لذيذاً ، لا يلتذ به من کان

ــــــــــــــــ

١. بناء على ما بينه صدرالدين في باب البدن ، نفهم منه هنا أن مراده من ( إعراض النفس عن البدن ) هو خصوص البدن العنصري الترابي ، لا مطلق البدن ، فتأمل !

٢. المصدر السابق ، ص ١٨٦ ، ١٨٧.

٣. صدرالمتألهين ، الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، ص ٢٧١ ؛ المصدر السابق ، ص ١٨٦ ، ١٨٧.

٢٤٧

ممتلئاً شبعاً ، وإنما يستلذه الجائع ، وکذلک سائر اللذات الحسية ، فإن العلماء والأطباء بينوا وقرروا أنها دفع الآلام ، فلزم أنه تعالى يؤلم العبد أولاً حتى يوصل إليه لذة حسية ، وذلک أيضاً لا يليق بالحکيم العادل ). (١)

الجواب : وقد أجيب عن هذا الأشکال بأجوبة مختلفة تتناسب مع الأساس الفکري العقائدي لهم ، فمثلاً أجاب عنه المعتزلة بجواب يتوافق مع عقيدتهم بالوعد والوعيد ، وأجاب عنه الأشعرية بجواب يتناسب مع عقيدتهم في الحسن والقبح في أفعال الله ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٢) ، (٣) وأجاب عنه الأمامية بجواب يتناسب مع عقيدتهم في ما مرّ ، وإليک بعض هذه الأجوبة ، ثم نذکر لک جواب صدرالمتألهين باعتباره محور الکلام والبحث :

الجواب الأول : ما ذکرته الإشاعرة ، حيث جاء فيه : ( منعهم لزوم الغرض من أفعال الله تعالى وقبحها حال خلوه عنه ، ومنعهم کون الغرض منحصراً في إيصال اللذة والألم ، وبمنع کون اللذة دفعاً للألم ، وبمنع کون اللذات الأخروية کاللذات الدنيوية حتى يستلزم کونها أيضاً دفعاً للألم کهذه ). (٤)

الجواب الثاني : ما ذکرته المعتزلة عنه فهو : ( إن الغرض من المعاد هو نيل الجزاء وظهور صدق الأنبياء ). (٥)

ويرد على جواب الاشاعرة إنه مبني على أساس باطل ، وهو القول بالحسن القبح الشرعيين الذي ذهبت إليه ؛ إذ الثابت خلافه ، وهو الحسن والقبح العقليين الذاتيين ، والمعاد من جملة المسائل التي تقع مقتضى عدل وحکمة الله تعالى ، والعدل حسنه ذاتي عقلي ، وخلافه ظلم ، والظلم قبيح عقلاً وذاتاً ، کما هو مبين في محله.

ويرد على جواب المعتزلة في المقام : ( أنه مصادرة ؛ لأنه لا وجهة للوعد والوعيد

ــــــــــــــــ

١. صدرالمتألهين ، الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، ص ٢٧٠ ؛ الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١٢.

٢. الانبياء ، ٢٣.

٣. لاحظ : کتاب الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١٢.

٤. الأنبياء ، ٢٣.

٥. الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١١.

٢٤٨

حتى يحتاج إلى إظهار الصدق ). (١)

وقد أجابه عنه بعض علماء الإمامية بما هذا ملخصه : ( هذه الشبهة کما ترى فيها ضلالات ، منها زعم کون الحشر والمعاد مستلزماً لإعادة المعدوم ، ومنها قياس فعل الله تعالى في أمر الإثابة والعقاب بفعل بعض السلاطين والملوک ، ومنها عدم درک ما هو معنى اللذة والألم ، فتلک الضلالات والجهات هي سدي ولحمة هذه الشبهة ، وأنت خبير بما قدمنا في أوائل الکتاب ـ من أن المعاد هو رجوع الموجودات إلى الله تعالى ـ خبير بأن الشبهة ساقطة من أصلها ، وأن ما يلحق النفوس والعقاب إنما هي أعمالهم ، وهنالک تبلى کل نفس بما أسفلت ، ويومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ، ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره ... ). (٢)

وقد أجاب عنه ملاصدرا من خلال التفريق بين معاني الغرض ، والغاية ، والضروري ، فقال فيه : ( ... وإن لکل حرکة طبيعي غرضاً وغاية ، ولکل عمل جزاء ولازم ( ولکل امرئ ما نوى ) (٣) وآلة الآخرة والدنيا واحدة ، ليس فعله الخاص إلا العناية والرحمة وإيصال کل حق إلى مستحقه ، وإنّما المثوبات والعقوبات لوازم وثمرات ونتائج وتبعات للعبد من جهة حسنات ، أو اقتراف سيئات ساقها إليه القدر تبعا للقضاء الإلهي. (٤) ولا يخفى على اللبيب أن جواب علماء الإمامية من فقهاء ومتکلمين وفلاسفة ، يستند إلى أساس الاعتقاد بتجسيم الأعمال ، کما صرح بذلک القرآن الکريم والسنة الشريفة ، کما جاء في قوله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ

ــــــــــــــــ

١. محمد محمدي الگيلاني ، کتاب المعاد في الکتاب والسنة ، ص ١٥٠ ـ ١٥٢.

٢. راجع حاشية الحاج هادي السبزواري على الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١٢.

٣. نقلاً عن : وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٤ ؛ مقدمات العبادات ؛ وکذا في ، کتاب أمالي الصدوق الشيخ الصدوق ، ج ٢ ، ص ٢٣١ ؛ کتاب التهذيب ، ج ١ ، ص ٨٤ ، ح ٢١٨ ؛ وفي صحيح مسلم ، ج ٣ ، ص ١٥١٥ ، ح ١٩٧٠ ؛ وفي صحيح البخاري ، ج ١ ، ص ٢ ؛ وفي سنن ابن ماجه ، ج ٢ ، ص ١٤١٣ ، ح ٤٢٢٧ ؛ وفي سنن النسائي ، ج ١ ، ص ٥٩.

٤. صدرالمتألهين ، کتاب الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، ص ٢٧١ ؛ وکذا في الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١٧.

٢٤٩

مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ، (١) وقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) ، (٢) وقوله : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ، (٣) وغيرها من الآيات الصريحة في هذا الباب ، وأما الروايات فإنها بلغت حداً لا يمکن للفرد أن يشک فيه فضلاً عن إنکاره ، ومنها ما دل على أن الله يسلط الجرب على جماعة من أهل النار فيحکون حتى يبدو عظامهم فيقول الملائکة : هل يؤذيکم ؟ فيقولون : إي والله ، فيقول الملائکة : هذا بما کنتم تؤذون المؤمنين ، ومنها ما روي ٩ : ( يحشر الناس على صور يحسن عندهم القردة والخنازير ) ، ومنها ما دل على صيرورة بعض الأعمال حية ، أو عقرباً ، أو شجرة ، أو نهراً ، أو طعاماً ، وغير ذلک من الأحاديث الدالة على تجسم الأعمال الخيرية والشريرة ؛ لأن يوم القيامة يوم تبلى به السرائر وتظهر فيه البواطن. (٤)

وعليه فلا يبقى مجال للقول بعبثية المعاد الأخروي إذا کان الأمر هکذا ؛ لأن الله تعالى لا يقاس بفعل بأفعال الملوک والسلاطين في باب حسابهم وعقابهم لمن خالف أوامرهم من الرعية ، وکذا في باب العطاء لمن أطاعهم وأحبهم ، فلا يشتبه عليک الأمر.

و) کيف لنا دفع محذور حشر البعض أو حشر الجميع ؟

بيان الإشکال : إن الحشر وبعث الأجساد إما أن يقع لبعضها ، أو لجميعها ، فالأول ترجيح بلا مرجح ؛ لأن استحقاق الثواب والعقاب مشترک بين الناس أجمعين ، فلا وجه لبعث البعض دون البعض ، والثاني يوجب التزاحم المکاني لأجساد الناس وحسابهم وکتابهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : ( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا

ــــــــــــــــ

١. آل عمران ، ٣٠.

٢. النساء ، ١٠.

٣. الزلزلة ، ٧ ، ٨.

٤. لاحظ : ميرزا أحمد الآشتياني ، کتاب لوامع العقائد ، ج ٢ ، ص ٤٥ ؛ محمد إسماعيل الخواجوئي ، کتاب جامع الشتات ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، ص ٨٨ ؛ والشيخ جلال الصغير ، کتاب لهذا کانت المواجهة ، ص ٢٦ ـ ٢٩.

٢٥٠

وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ). (١)

الجواب : وقد قال صدر الدين الشيرازي في جوابهما : ( فأزال الله تعالى هذا الاستبعاد والاستنکار بقوله تعليماً لنبيه : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ )، (٢) فنبه تعالى عباده بأن لا تزاحم بين الأجساد في نحو الوجود الأخروى ؛ لما ذکرناه أن الصورة هناک غير قائمة بالمواد الوضعية المقيدة بالجهات المکانية ، وأنها ناشئة من تصورات نفسانية ، کما لا تزاحم في الصور الموجودة في أذهاننا ها هنا ؛ لأن لها نحواً آخر من الکون ، وکذا ميقات الآخرة وساعة يوم القيامة يوم معلوم عند الله وخواص عباده ، لا يصل إلى إدراکه أفهام المحجوبين عن نشأة الآخرة المقيدين بأمکنة الدنيا وأزمنتها ... فإن أمور القيامة أسرار غائبة عن هذا العالم البشرى ، فلا يتصور أن يحيط بها الإنسان مادام في الدنيا ، ولم يتخلص عن أسرار الحواس وتغليظ الوهم ، ولذلک أکثر شبه المنکرين مبناها على قياس الآخرة بالأولى ... فالنفس الإنسانية مادام لم تولد ثانية ولم تخرج عن بطن الدنيا ومشيمة البدن ، لم تصل إلى فضاء الآخرة وملکوت السماء والأرض ، کما قال المسيح ٧ : لن يلج السماوات من لم يولد مرتين ... ). (٣)

٩. في أصناف الخلائق يوم القيامة

لقد بيّن القرآن الکريم من خلال آياته النازلة في صدد ما يتعلق بمسألة المعاد والحشر والنشر والحساب في اليوم الآخر ، أن جميع الخلق سيعود إليه في ذلک اليوم من دون أن يستثنى أحدا منهم ، لقوله تعالى : ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) ، (٤) إذ لم يجعل الحشر والمعاد مختصا بالإنسان فقط ، بل شمل کل

ــــــــــــــــ

١. الواقعة ، ٤٧.

٢. الواقعة ، ٤٩ ، ٥٠.

٣. الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢١٧.

٤. الأنعام ، ٣٨.

٢٥١

الموجودات بما فيها من ملائکة وشياطين وحيوانات وأناس وغير ذلک ، ولکن ما دام الکلام في بحثنا يختص بمعاد الإنسان ، فإننا سوف نختصر على بيان صدرالمتألهين في خصوص هذا الأمر ، وذلک من خلال مطالعة ما کتبه في هذا الموضوع نجد أنه يصنف الإنسان في يوم الحشر إلى عدة طوائف بلحاظ العاقبة الأخروية ، معتمداً في ذلک على الأدلة النقلية والبراهين العقلية ، فقد قال في ذلک : ( و اعلم أن حشر الخلائق على أنحاء مختلفة على حسب أعمالهم وملکاتهم ، فلقوم على سبيل الوفد ( يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا ) ) ، (١) ولقوم على سبيل التعذيب ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) ، (٢) ولقوم ( وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) ، (٣) ولقوم : ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) ، (٤) وقوم : ( فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) ، (٥) وبالجملة يحشر کل واحد إلى غاية سعيه وعمله ، وما يحبه ويشتاق إليه المرء يحشر مع من أحب ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ) ، (٦) ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) ، (٧) حتى أنه لو أحب أحدکم حجرا يحشر معه ، ولما کان تکرار الأفاعيل يوجب حدوث الأخلاق والملکات ، ولکل صفة وملکة تغلب على الإنسان يتصور في الآخرة بصورة تناسبها ... ثم استشهد على ذلک بقوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) ، (٨) يحشر بعض الناس على صورة يحسن عندها القردة والخنازير ، وهکذا يتمثلون بصورهم الحقيقية الأخروية لأهل الکشف والشهود في هذه النشأة ، لظهور سلطان الآخرة على باطنهم ، ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ، (٩) والحشر أيضاً بمعنى الجمع ، (١٠) ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ

ــــــــــــــــ

١. مريم ، ٨٥.

٢. فصلت ، ١٩.

٣. طه ، ١٠٢.

٤. طه ، ١٢٤.

٥. غافر ، ٧١ ، ٧٢.

٦. الصافات ، ٢٢.

٧. مريم ، ٦٨.

٨. التکوير ، ٥.

٩. الرعد ، ٤.

١٠. صدرالمتألهين ، مقدمة وتعليقات مفاتيح الغيب ، ج ٢ ، ص ٧٢٨.

٢٥٢

مِنْهُمْ أَحَدًا ) ، (١) ( هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ ) ، (٢) وغيرها من الآيات الدالة على هذا المعنى.

وبعد ذلک شرع في بيان أصناف الخلائق يوم القيامة ، قائلاً : ( الناس بالقياس إلى سلوک الآخرة على درجات ومقامات کثيرة ، جميعها منحصرة في ثلاثة أقسام ، ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ) ، (٣) إلى قوله : ( أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) ، (٤) وکذلک قوله : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ، (٥) فالسابقون هم أهل التوحيد والعلماء بالله واليوم الآخر ، وهم الأحرار ، المنزهون عن الطريق والسلوک ، لوصولهم إلى المقصود ، بل هم مقصد السالکين ، ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) ، (٦) وهم الذين قيل في وصفهم : « إن حضروا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفقدوا ». (٧) وأما أهل اليمين : فهم أهل السلوک وأصحاب العمل ، وهم الأبرار ، ولهم مراتب على حسب أعمالهم ، ولهم درجات في مثوباتهم على حسب درجات الجنان ، ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ). (٨)

وأما أهل الشمال : فهم الأشرار ، المقيدون بالسلاسل والأغلال ، ولهم أيضا درکات بحسب درکات الجحيم ، وکلهم في العذاب مشترکون ( قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ ) ، (٩) ( فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ). (١٠)

وفي موضع آخر في رسالة يجيب بها عن مسائل سماها المسائل الکاشانية ، (١١) بين أحوال هذه النفوس بحسب اختلاف أقسامها ، أوردها في خمسة مباحث وهي :

ــــــــــــــــ

١. الکهف ، ٤٧.

٢. المرسلات ، ٣٨.

٣. الواقعة ، ٧ ، ٨.

٤. الواقعة ، ١١.

٥. فاطر ، ٣٢.

٦. الکهف ، ٢٨.

٧. الکليني ، أصول الکافي ، ج ٢ ، ص ٢٣٩.

٨. الأحقاف ، ١٩.

٩. الأعراف ، ٣٨.

١٠. الصافات ، ٣٣.

١١. صدرالمتألهين ، مجموعة رسائل فلسفي ، تحقيق وتصحيح حامد ناجي الأصفهاني ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٢٩ والرسالة الحشرية ، ص ١٥ ـ ٢١.

٢٥٣

١. في النفوس الساذجة.

٢. في النفوس العامية السليمة.

٣. في النفوس الشقية بحسب الجزء النظري.

٤. في نفوس الفسقة المعتادة بالشهوات بحسب جزئها العملي.

٥. في النفوس المتوسطة ومراتبها.

المبحث الأول

في النفوس التي لم تتصور بالصور العقلية التي بها تقوم بالفعل جوهراً وروحانياً مستقلاً. التي عبر عنها بالنفوس الساذجة ، فقد نقل فيه اختلاف الحکماء في قوامها بدون البدن ، فهناک من ذهب إلى عدمه وهناک من ذهب إلى حصوله ، بمعنى أن بعضهم حکم بفسادها بفساد البدن ، وبعضهم لم يحکم بهذا الحکم ، بل قال ببقائها بعد فساد البدن ، ثم بين رأي الشيخ الرئيس ومن يحذو حذوه ، الذي ذهب فيه إلى بقاء هذه النفوس ، باعتبار : ( أن هذه القوة بذاتها مستعدة لقبول المعقولات الأولية من الفيض الإلهي من غير حاجة إلى البدن وقواه وغيرها ، فهي تسعد بسعادة ما ، وإن کانت قليلة بحسب النيل ، فهذه الحالة لا عرية عن اللذة بالإطلاق ، ولا نائلة لها بالإطلاق ، وحالة عرية عن الألم لأجل عدم المعاني المؤلمة ، ولکن ملا صدرا لم يقبل منهم هذا النزر القليل ، فقال : بل السعادة إن کانت عقلية ففي إدراک الوجودات العقلية وهوياتها ونيل ذواتها لا إدراک مفهوماتها الکلية وماهياتها الذهنية ... إلى أن قال : فسعادة النفوس الساذجة بحسب ما تلائم جواهرها ونفوسها وتناسب وجودها ، والوجود العيني سيصحب للخير العيني ). (١)

المبحث الثاني

في نفوس العوام وغيرها ، قال : ( إن النفوس العامية الضعيفة لم تکن تکتسب شوقاً إلى الکمال العلمي ) ، ولا متدنسةً بالأخلاق الذميمة وملکة الحيوانية ... فلهم سعادة

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ٣٠ ، ٣١.

٢٥٤

کسعادة الأطفال أو أقوى منها ، فالقول في نفوس الأطفال من أن لهم سعادة تليق بقواها الموجودة فيهم ، ولذلک قيل : أکثر أهل الجنّة البله ... ). (١)

المبحث الثالث

في نفوس الجاحدين للحق ، الذي عبر عنه بالنفوس الشقية بحسب الجزء النظري ، فقال فيها : ( وأما النفوس التي کانت عارفة بشأن العقائد مشتاقة إلى نيل الکمالات التي تکون للعلماء منها معتقدة منها عقائد وهمية فاسدة وظنون غير صحيحة أو صحيحة لكن حصولها على جهة التخمين والجزاف غير مستفيدة إياها على طريقة البرهان ، ولا سالکة فيها مسلک العرفان ، فإذا فارقت البدن وتطلب الأوهام والظنون وبقيت مجردة عن الکمال مکتسبة شوقاً إليه وقد زالت العوائق الملهية والشواغل المنسية ، عادت إلى الشوق الطبيعي لکمالها ؛ لأنها کانت عرفت أنّيته ، وأنى لها به وقد انفسخت العقائد الوهمية ، ولا سبيل إلى طلب الکمال واضمحلال الآلات والقوى الفکرية ؟ فهي أبداً متشوقة إلى الکمال وغير نائلة ـ له [ منه ] في حال ، فهي مريضة القلب سقيمة الذات ، مأوفة في جوهرها صما عميا في سمعها وبصرها ، لا قرار لها ولا راحة أبد الآبدين ودهر الداهرين إلا ما شاء الله ... کما حکى الله عنهم بقوله : ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاًّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، (٢) نعوذ بالله من هذه الحالة ). (٣)

المبحث الرابع

في نفوس الفسقة الفجرة ، فقد قال في توصيف حالهم : ( وأما النفوس الطائعة للقوى البدنية في أفعالها الخبيثة وقد صارت کثيرة الشوق إلى الدنيا وشهواتها ، عاشقة

ــــــــــــــــ

١. لاحظ : أحمد بن يعقوب ، تاربخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ١٠٣ ؛ ابن إدريس الشربيني ، مغنى المحتاج ، ج ٢ ، ص ٥١ ؛ السيد البکري الدمياطي ، إعانة الطالبين السرائر ، ج ٣ ، ص ٥٦٦ ؛ ص ٣٩ ؛ المتقي الهندي ، کنز العمال ، ج ١٤ ، ص ٤٦٧ ؛ وغيرها.

٢. المؤمنون ، ١٠٠.

٣. مجموعة رسائل فلسفي ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٣٢.

٢٥٥

للجاه أو الترفع فيها والرياسة على الأقران ، فإنها إذا فارقت البدن نزعت إليها وإلى استعمال القوى التي بها کانت تنال الشهوة الرياسة والإخلاد إلى الأرض ، وأني يکون لها ، وقد بطلت القوى والآلات وحيل بينها وبين الشهوات ؟ کقوله تعالى : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ) ، (١) فهي بذلک حليفة غصة وعذاب أليم ، ورفيقة فجيعة ومحنة وغم ، إلا أن هذا الخطب أهون من عذاب الجهل المضاد للعلم ؛ لأن العادات قابلة للزوال بخلاف العقائد الراسخة ، ( وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ). (٢)

المبحث الخامس :

في نفوس المتوسطين ، فقد وصفهم بکمال العمل دون العلم ، أو المتوسطين فيهما ، فقال : ( وأما الکاملون بالعمل کالزهاد والعباد فهم أصحاب اليمين ، وسعادتهم دون سعادة العلماء البالغين ، ذوى ملکات شريفة ، وهم ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَٰئِكَ المُقَرَّبُونَ ) ، (٣) وقد يخالط لذات المتوسطين شوب من لذات المقربين بقدر تفطنهم بالعلوم الحقيقية ، کما أشير إليه حيث قال الله تعالى في شرب الأبرار : ( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ ) ، (٤) وأولئک من أهل العروج إلى مشاهدة الحق الأول ، وأما الأبرار فيتلذذون ). (٥)

ثم قال : ( وأما أهل التوسط في العلم والعمل جميعاً ، فيستفاد أحوالهم من أحوال ذوى الأطراف ، فلهم مقامات بحسب العلم والعمل ، ولهم بحسب زلتهم توقف في المواقف وانتظار في الحساب والسؤال حتى يلحقوا إلى السعادة أحد الفريقين ). (٦)

ــــــــــــــــ

١. سبأ ، الآية ٥٤.

٢. الإسراء ، الآية ٧٢.

٣. الواقعة ، ١٠ ، ١١.

٤. المطففين ، ٢٥ ـ ٢٨.

٥. مجموعة رسائل فلسفي ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٣٢.

٦. المصدر السابق ، ص ٣٣ ، ٣٤.

٢٥٦

وبعدما بين هذا الأمر ذکر أن الحکماء عجزوا عن تبيين کيفية سعادة أهل اليمين وکذلک الأشقياء فقد جاء في جملة ما ذکر ، قوله : ( وأما کيفية سعادة أهل اليمين ، فالحکماء عن آخرهم لم يتيسر لهم الإطلاع على أحوال السعداء الذين لم ينقطع لهم التعلق بجرم من الأجرام ، وکذا الأشقياء الذين کانوا بازائهم ، فطائفة منهم اضطروا إلى القول بأن نفوس البله والصلحاء والزهاد تتعلق في الهواء ، بجرم مرکب من بخار ودخان يکون موضوعاً لتخيلاتهم لتحصل لهم سعادة وهمية ، وکذلک لبعض الأشقياء تکون فيه شقاوة وهمية ، وطائفة أخرى زيفوا هذا القول بأن ما هو منه الهواء لا يبقى فيه اعتدال يقبل به نفساً ، لتحرک الهواء السحابي بأدنى سبب وما هو منه قريباً من کرة الأثير فتحيله بسرعة إلى جوهرها ، وإن کانوا دونه في الهواء ، فأما أن يتخلخل [ يتحلل ] بحرٍّ أو يتکاثف ببرد ، فينزل [ فنزل ] وليس فيه جرم محيط يغلب عليه اليبس ليحفظ عن التبدد ويصدّ غيره من الامتزاج معه ، ويتعين فيه ما هو محل التخيل متشکلاً کجوهر الدماغ ؛ إذ لابد من جوهر ذي يبوسة للحفظ ، ورطوبة للقبول ، وصبوبوا القول بکون جرم من الأجرام السماوية موضوعاً لتخيلات طوائف من السعداء والأشقياء ؛ لأنهم لم يتصور لهم العالم العقلي ، ولم ينقطع علاقتهم عن الأجرام ، وهم بعد بالقوة التي احتاجت النفس بها إلى علاقة البدن ). (١)

ثم بعد ذلک حاول تبيين صاحب هذا القول ، قائلاً : ( والشيخ الرئيس نقل هذا القول من بعض العلماء ، والظاهر أنه أبو نصر الفارابي ، ووصفه بأنه قول من لا يجازف في الکلام ، واستحسنه ، وکذا صاحب التلويحات صوب هذا الرأي في غير الأشقياء ، وأما الأشقياء فليس لهم عنده قوة الارتقاء إلى عالم السماء ذوات نفوس نورانية وأجسام شريفة ، والقوة تحوجهم إلى التخيل الجرمي ، فذکر أنه ليس بممتنع أن يکون تحت فلک القمر وفوق کرة النار جزم کروي غير منخرق ، وهو نوع بنفسه ،

ــــــــــــــــ

١. نقله صدرالمتألهين في رسالته المذکورة في کتاب مجموعه رسائل فلسفي ؛ تحقيق وتصحيح حامد ناجي أصفهاني ، رسالة أجوبة المسائل الکاشانية ، ص ٣٤.

٢٥٧

ويکون برزخاً بين العالم الأثيري والعنصري موضوعاً لتخيلاتهم فيتخيلون من أعمالهم السيئة مثلاً خيالية من نيران ، وحيات تلسع وعقارب تلدغ ، وغير ذلک ، وقال تأکيداً لهذا الرأي : إني لست أشک لما اشتغلت به من الرياضات أن الجهال والفجرة لو تجردوا عن القوة الجرمية مذکرة لأحوالهم ، مستتبعة لملکاتهم وجهالاتهم مخصة لتصوراتهم نجوا إلى الروح الأکبر ). (١) انتهى. (٢)

ثم أردف قائلاً : ( وإني لأتعجب من هؤلاء الأفاضل المشهورين بالحکمة والمعرفة کيف تحيروا واضطربوا في أمر المعاد حتى رضيت أنفسهم هذا القول السخيف ، إذ لا يخفى على الرجل المتدرب في الصنايع الحکيمة أن کون الجسم سماوياً أو عنصرياً موضوعاً لتخيل نفس إنسانية أو مرآة لمشاهدتها صور الأشياء ، لا يستتم إلا بأن تکون لها معه علاقة ذاتية أو وضعية بتوسط ما هو لها معه تلک العلاقة الذاتية ، والعلاقة الذاتية التي تتصور لجوهر نفساني صوري مع جرم تام الصورة الکمالية غير عنصري لا يمکن أن يتصرف فيه متصرف بالتحريک والتصوير إلا صورته الحاصلة له بالإبداع لا من جهة الهيئة والاستعداد ، وأي جسم يکون موضوعاً لتخيل نفس من النفوس فلابد أن يکون بسببه يخرج من کمالات تلک النفس من القوة إلى الفعل في الحرکات المناسبة للتخيلات ، والفلک لا يتحرک إلا حرکة واحدة متشابهة وضعية حسب حرکاته النفسانية من جهة مدبر نفساني متسببه في تحريکاته بجوهر عقلي کامل بالفعل ، وإلاّ لم يکن لتعلقها به فائدة ، وذلک بأن تتصرف النفس في مادته ويحرکها ويخرجها من القوة إلى الفعل ). (٣)

أقول : وهذا التصوير والاعتراض عليهم مبنى على التسليم بوجود نفس لهذه الأجرام السماوية ، کما هو عليه مشهور الفلاسفة وليس محل بحثه هنا من حيث الإثبات والنفي ، ولکن الذي أوقع هؤلاء القائلين بهذا النحو من الرأي يرجع إلى

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ٣٥ ، ٣٦.

٢. المصدر السابق ، ص ٣٧.

٣. المصدر السابق ، ص ٣٤ ـ ٣٧.

٢٥٨

نفيهم لتجرد القوة الخيالية والصور الخيالية ، وابتعادهم عن فهم الشريعة السماوية فيما يتعلق ببرزخ النفوس بعد الموت ، حتى أن صدرالمتألهين قال : ( ومع التسليم أن تکون هذه الأجرام مرآة لهذه النفوس ، فإن ما ينعکس ويرتسم فيها فهو صور وتخيلات الأفلاک لا صور وتخيلات النفوس المفارقة للأبدان ، لأن تخيلاتها غير تخيلات هذه ، فکيف يحکمون بأن تلک الصور مما يتلذذ به السعداء أو يعذب به الأشقياء ) ، (١) على أساس ما ذهبوا إليه من عدم قابليتها للتأثيرات الغريبة القسرية ، والحال ليس لهذه النفوس المفارقة أبدان غير أبدان أخرى على زعمهم حتى تکون لأبدانها بالنسبة إلى تلک العلويات علاقة وضعية ، لتکون هي لها المرآة الخارجية حتى تشاهد ما فيها من الأشباح الخيالية.

وقال صدرالدين في بيان أحوال هؤلاء المتوسطين ومن السعداء والأشقياء : ( فالحق أن الصور التي يستلذها السعداء ، والتي يشقى بها الأشقياء ، ليست هي تصورات الأفلاک وما في حکمها ، بل هي مما أعدت لهما في دار أخرى وصقع آخر ، کما وعدها الشريعة الإلهية ، ولهم أبدان أخروية متناسبة لنفوسهم بهيئاتها وأخلاقها ، وإنما تضاهي تلک الأبدان والصور نفوس هاتين الطائفتين بضرب من الفعل والتأثير ... إلى أن قال : وهکذا يکون حالها في الآخرة بحسب سابقة فعل الطاعات والحسنات أو اقتراف المعاصي والسيئات المؤديتين إلى الصور الحسنة والقبيحة عند تجسم الأعمال وتصور الأعمال ، فيتنعم بها أو يتعذب منها ، وهاتان الجهتان لم تزالا موجودتين في النفس ما لم نصر عقلاً بسيطاً صرفاً يکون علاماً وفعالاً بجهة واحدة لما ثبت أن « عنه » و « فيه » في البسيط المحض شيء واحد ). (٢)

وأخيراً نقول : إن هذه التقسيمات التي ذکرها صدرالمتألهين في هذه المسألة لا تعني أنها جميع المقامات الدرکات التي سوف تدخلها نفوس الناس بعد الحشر ،

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ٣٧.

٢. المصدر السابق.

٢٥٩

وإنما تمثل هذه الأقسام الخطوط العريضة لمنازل الناس في الآخرة ، وکل واحد من هذه المنازل ينقسم إلى مجموعة من الدرجات والدرکات الجزئية بعدد النفوس التي تدخل تحت هذه المنازل الکلية ، باعتبار أن الحشر والحساب والثواب على أساس ما قدمت النفس الإنسانية من أعمال صالحة أو طالحة ، وتفاوت النفوس في کمالها وعدمه يؤدي إلى تفاوت منازلهم ودرجاتهم ودرکاتهم في الآخرة ، فدرجات الجنّة بعدد ما للناس من مراتب وجودية ، لقوله تعالى : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ، (١) وکذلک عدد درکات جهنّم فإنها کثيرة بعدد ما لهذه النفوس من حظ فيها ، لقوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ). (٢)

خاتمة البحث

لقد تبيّن لنا مما تقدم من الأبحاث التي تناولها فيها دراسة کيفية المعاد في اليوم الآخر ، من وجهة نظر الأقوام والمجتمعات الإنسانية القديمة ، ومن جهة نظر الديانات القديمة المعروفة ، التي اخترنا منها ديانة البراهمة ، والبوذية في الهند ، والزرادشتية في إيران ، واليهودية لبني إسرائيل من خلال قراءة مختصرة لبعض نصوص کتاب التوراة ، والتلمود « کتاب الأحکام والآداب والتعاليم للديانة اليهودية » ، وکذلک دراسة بعض النصوص الواردة في الأناجيل الأربعة بالنسبة للديانة المسيحية.

وأخيراً دراسة وبحث المسألة من وجهة نظر القرآن الکريم ، المصدر الأساسي والمنبع الأول لمعارف الدين الإسلامي الحنيف ، من خلال دراسة المسألة فيه دراسة تحقيقية مفصلة ، تناولها البحث فيها عن طرح القرآن الکريم لضرورة هذه المسألة ، وإثباته لها بالدليل القطعي الذي قمنا بصياغته على أساس الصياغة العقلية ، والأقيسة المنطقية.

ــــــــــــــــ

١. الأحقاف ، ١٩.

٢. يس ، ٥٤.

٢٦٠