المعاد الجسماني

شاكر عطية الساعدي

المعاد الجسماني

المؤلف:

شاكر عطية الساعدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: صدف
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-72-3
الصفحات: ٢٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ب) تشخص الشيء بوجوده الخاص به

إنّ بحث تشخص الشيء کان مورد اختلاف الآراء والأفکار فيه ، فقد ذهب البعض (١) إلى أن تشخص الشيء يکون بعوارضه المشخصة ، بينما ذهب صدرالمتألهين وأتباع مدرسته إلى أن التشخص يتم بواسطة وجوده الخاص به ، (٢) ونحن في هذا الأصل نريد أن نبين ما ذهب إليه صدرالمتألهين ، وأما دليل ذلک مناط بالرجوع إلى محل بحثه هناک ، فقد قال صدرالمتألهين في بيانه ما هذا نصه : ( إن تشخص کل شيء وما يتميز به هو عين وجوده الخاص به ، وإن الوجود والتشخص متحدان ذاتاً متغايران مفهوماً واسماً ، وأما المسمى عند القوم بالعوارض المشخصة فليست إلا أمارات ولوازم للهوية الشخصية الوجودية لا بأعيانها وأشخاصها ، بل على سبيل البدلية في عرض يکون لها من حد إلى حد فيتبدل کثير منها ، بل والشخص هو هو بعينه ). (٣)

وقال أيضاً : ( و ما اشتهر من کون العوارض المادية مشخصات ، إنما هو بمعنى آخر ، وهو أن کل شخص مادي مادام وجوده في مادته ، کميّة ما ، وکيفيّة ما ، ووضع ما ، وأين ما ، وزمان ما ، وکل منها من حد خاص ، إلى حد خاص ، لو تجاوز شيء من تلک الأعراض وخرج عن الحدين المخصوص له ، انعدام ذلک الشخص ؛ وذلک لاحتياجه في نحو وجوده المادي إلى تلک الأعراض على الوجه المذکور ، فتلک الأعراض التي من لوازم وجوده وعلامات شخصيته ، يقال لها الأعراض المشخصة بهذا المعنى ). (٤)

ج) أن الوجود حقيقية واحدة مشککة

لقد بين صدرالمتألهين في هذا الأصل أن الوجود المطلق حقيقة واحدة مشککة متفاوتة في الشدة والضعف مع بساطة هذه الحقيقة وعدم ترکبها الذهني

ــــــــــــــــ

١. محمد حسين الطباطبائي ، کتاب بداية الحکمة ، المرحلة الخامسة ، الفصل الثامن ، ص ٨٢ ـ ٨٨٤.

٢. صدر الدين الشيرازي ، المبدأ والمعاد ، الأصل الثالث ، ص ٤٧٩ ؛ الأسفار ، ج ٩ ، الأصل الثالث ، ص ١٨٥.

٣. صدرالدين ، الأسفار ، ج ٩ ، الأصل الثاني ، ص ١٨٥.

٤. صدرالدين ، کتاب المبدأ والمعاد ، الأصل الثالث ، ص ٤٧٩.

٢٢١

والخارجي ، وتتميز أفرادها بنفس تلک الحقيقة البسيطة شدة وضعفاً لا بمميز فصلي ولا بمصنف عرضي أو بمشخص زائد عنها ، وإنما تميز أفرادها کان راجعاً إلى ما لهذا الفرد من سعة وضيق وجودي يتناسب مع حقيقته وحظه من الوجود ، وأما المفاهيم الکلية الصادقة عليها التي يعبر عنها بالمفاهيم الماهوية فإنها تختلف اختلاف ذاتياً فيما بينها من فرد على فرد آخر ـ جنسياً أو فصلياً أو نوعياً أو عرضياً ـ وکذا الوجود فإنه مختلف الأنواع باعتبار أن کل مرتبة من مراتبه المختلفة شدة وضعفاً تعد نوعاً خاصاً منه ، وقد عبر هذا الأمر بقاعدة عامة وهي : ( التشکيک بالوجود ، أو أن الوجود أمر تشکيکي ) ، والوجود بحسب هذا التفاوت يتکثر طولياً ، وبحسب التفاوت الماهوي يتکثر عرضياً ، الذي يعبر عنهما بالکثرة الطولية الوجودية ، والکثرة العرضية الماهوية. (١)

د) الحرکة التکاملية الجوهرية

لقد تقدم أنّ القول بالحرکة الجوهرية الاشتدادية التکاملية من مبتکرات الحکمة المتعالية ، وأن أول من أقام الدليل عليها بالشکل الذي رفع الغموض عنها ، هو صدرالمتألهين ، فقد قال فيها : ( إن الجوهر في جوهريته أي وجوده الجوهري يقبل الاستحالة الذاتية ، وقد ثبت أن أجزاء الحرکة الواحدة المتصلة وحدودها ليست موجودة بالفعل على نعت الامتياز ، بل الکل موجود بوجود واحد ، فليس شيء من تلک الماهيات التي هي بإزاء تلک المراتب الوجودية موجودة بالفعل على وجه التفصيل ، بل بوجود أجمالي ، کما في أجزاء الحد على ما أوضحناه سابقاً ). (٢)

ــــــــــــــــ

١. راجع : الطباطبائي ، کتاب بداية الحکمة ، المرحلة الأولى ، الفصل ٥ ، ص ١٧ ؛ الطباطبائي ، نهاية الحکمة ، المرحلة الأولى ، الفصل الثالث ، ص ١٧.

٢. الأسفار ، ج ٩ ، الأصل الرابع ، ص ١٨٦.

٢٢٢

هـ) الفاعل لجميع الأفاعيل الطبيعية والحيوانية والإنسانية هو النفس

سبق وأن بيّنا في الأصل الثاني أن تشخص کل شيء يکون بوجوده الخاص به ، وهي ليست على وتيرة ودرجة واحدة کالوجود الذي في حال کونه حقيقة واحدة بسيطة ، وفي الوقت نفسه له مراتب تتفاوت فيما بينها شدة وضعفاً ، فالوحدة الشخصية في المقادير المتصلة عين متصليتها ، وفي الزمان ، والمتدرجات الوجود عين تجددها وتقضيّها ، وفي العدد عين کثرتها بالفعل ، وفي الأجسام الطبيعية عين کثرتها بالقوة ، وأيضاً حکمها في الجواهر المجردة غير حکمها في الجواهر المادية ، فالجسم الواحد يستحيل أن يکون موضوعاً لأوصاف متضادة کالسواد والبياض ، والحلاوة والمرارة والألم واللذة وغيرها ، وذلک لنقص وجوده وضيق وعائه للجمع بين الأمور المتخالفة ، فموضع البصر في الإنسان غير موضع السمع فيه ، وهکذا في سائر الحواس الأخرى ، وأما الجوهر النفساني فإنه مع وحدته يوجد فيه السواد والبياض وغيرها من المتقابلات ، وکلما زاد الإنسان تجرداً واشتد قوة وکمالاً ، صار إحاطته بالأشياء أکثر ، وجميعته للمخالفات أتم ، فهو يتدرج في الکمال حتى يستوفي في نفسه أي ذاته الوجود کله ، ومما يبين ذلک ويوضحه أن المدرک بجميع الادراکات الحسية والخيالية والعقلية ، والفاعل لجميع الأفاعيل الطبيعية والحيوانية والإنسانية الواقعة من الإنسان ، هو نفسه المدبرة ، فهي تتحرک صعوداً ونزولاً بين مراتبها الحسية والخيالية والعقلية ، وذلک لسعة وجودها ووفرة نورها المنتشر في الأطراف والاکناف. (١)

و) تشخص البدن وهويته

إنّ هوية البدن وتشخصه إنما يکونان بنفسه لا بجرمه ، فزيد مثلاً زيد بنفسه لا بجسده ، ولأجل ذلک يستمر وجوده وتشخصه مادامت النفس باقية فيه ، وإن تبدلت

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، الأصل السادس ، ص ١٨٨ ـ ١٨٩.

٢٢٣

أجزاؤه وتحولت لوازمه من أينه وکمه وکيفه ووضعه ومتاه کما في طول عمره ، وکذا القياس لو تبدلت صورته الطبيعية بصورة مثالية ، کما في المنام وفي عالم القبر والبرزخ إلى يوم البعث ، أو بصورة أخروية کما في الآخرة ، فإن الهوية الإنسانية في جميع هذه التحولات والتقلبات واحدة هي هي بعينها ، لأنها واقعة على سبيل الاتصال الوحداني التدريجي ، ولا عبرة بخصوصيات جوهرية وحدود وجودية واقعة في طريق هذه الحرکة الجوهرية ، وإنما العبرة بما يستمر ويبقى ، وهي النفس ؛ لأنها الصورة التمامية في الإنسان التي هي أصل هويته وذاته ، ومجمع ماهيته وحقيقته ... إلى أن قال : فإذا سئل عن بدن زيد مثلاً : هل هو عند الشباب ما هو عند الطفولية وعند الشيخوخة ؟ کان الجواب بطرفي النفي والإثبات صحيحاً ، باعتبارين (١) :

أحدهما : اعتبار کونه جسماً بالمعنى الذي هو مادة ، وهو في نفسه أمر محصل.

وثانيهما : اعتبار کونه جسماً بالمعنى الذي هو جنس ، وهو أمر مبهم ، فالجسم بالمعنى الأول جزء من زيد غير محمول عليه ، وبالمعنى الثاني محمول عليه متحد معه ، وأما إذا سئل عن زيد الشاب : هل هو الذي کان طفلاً وسيصير هو بعينه کهلاً وشيخاً ؟ کان الجواب واحداً وهو نعم ، لأن تبدل المادة لا يقدح في بقاء المرکب بتمامه ؛ لأن المادة معتبرة لا على وجه الخصوصية والتعين ، بل على وجه الجنسية والإبهام.

ز) تجرد القوة الخيالية

يعد هذا الأصل من أهم الأصول التي ذکرها صدرالمتألهين في باب إثبات المعاد الجسماني ، بل قد يکون الرکن الأساسي فيها لما للقوة الخيالية من أهمية عظيمة في إثبات المعاد الجسماني بحسب نظره الشريف ، وقد بينا سابقاً في الفصل الأول الأصل السادس الکثير عنها ، وليکن هنا الکلام عنها باختصار اعتماداً على ما مرَّ

ــــــــــــــــ

١. مراجع : صدرالمتألهين ، الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٩١ ؛ الأصل السابع.

٢٢٤

هناک ، فقد قال في بيان هذا الأصل ما هذا نصه : ( إن القوة الخيالية جوهر قائم لا في محل من البدن وأعضائه ، ولا هي موجودة في جهة من جهات هذا العالم الطبيعي ، وإنما هي مجردة عن هذا العالم واقعة في عالم جوهري متوسط بين العالمين ، عالم المفارقات العقلية ، وعالم الطبيعيات المادية ، وقد تفردنا بإثبات هذا المطلب ببراهين ساطعة وحجج قاطعة ). (١)

ح) تجرد الصور الخيالية

لقد أثبت صدرالمتألهين لنا تجرد الصور الخيالية التي کان البعض يراها مادية ، فقد قال فيها : ( إن الصور الخيالية ، بل الصور الادراکية ، ليست حالة في موضوع النفس ، ولا في محل آخر ، وإنما هي قائمة بالنفس قيام الفعل بالفاعل لا قيام المقبول بالقابل ، وکذا الإبصار عندنا ليس بانطباع شبح المرئي في عضو الجليدية ونحوها کما ذهب إلى الطبيعيون ، ولا بخروج الشعاع کما زعمه الرياضيون ، ولا بإضافة علمية تقع للنفس إلى الصور الخارجية عند تحقق الشرائط کما ظنه الاشراقيون ؛ لأن هذه الآراء کلها باطلة ، کما بين في محله ، فالنفس عند خروجها عن هذا العالم ، فلا يبقى الفرق بين التخيل والإحساس اللذين کانا عند تعلقها بالبدن ، فالأول لا يحتاج إلى مادة دون الثاني إذ القوة الخيالية وهي خزانة الحس قد قويت ، وخرجت عن غبار البدن ، وزال عنها الضعف والنقص ، واتحدت القوى ، ورجعت إلى مبدئها المشترک ، فتفعل النفس بقوتها الخيالية ما تفعليه بغيرها ، وترى بعين الخيال ما کانت تراه بعين الحس ، فصارت قدرتها وشهوتها وعلمها شيئاً واحداً ، فإدراکها للمشتهيات نفس قدرتها وإحضارها إياها عندها ، بل ليس في الجنة إلا ما تشتهيه

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ؛ وکذا : صدرالمتألهين ، العرشية ، ص ٤٩ ؛ الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، الشاهد الأول ، الإشراق الأول ، مع اختلاف في التعبير في الأصل الخامس ، ص ٢٦٣.

٢٢٥

النفس ومرادتها کما قال تعالى : ( فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) ، (١) ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، (٢) انتهى ). (٣)

ط) طبيعة تکوّن الصور المقدارية والأشکال والهيئات الجرمية

يعتقد صدرالمتألهين بأن الصور المقدارية والأشکال والهيئات الجرمية ، کما تحصل من الفاعل بمشارکة المادة القابلة بحسب استعداداتها وانفعالاتها ، کذلک قد تحصل من الجهات الفاعلية وحيثياتها الادراکية من غير مشارکة المادة ، ومن قبيل هذا وجود الأفلاک والکواکب من المبادئ العقلية على سبيل الاختراع بمجرد التصورات ؛ إذ قبل الأجسام ليست مواد سابقة عليها ، ومن قبيل الصور الخيالية الصادرة من النفس بالقوة المصورة من الأجرام والإعظام المشکلة التي ربما تکون أعظم من الأفلاک الکلية الخارجية ، وهي غير قائمة بالجرم الدماغي ، ولا حالة في القوة الخيالية کما برهن عليها ، ولا في عالم المثال الکلي ، بل في مملکة النفس وعالمها وصقعها الخارج عن هذا العالم الهيولاني ، ولا فرق بينها وبين الصور الحسية التي تراها النفس بقوة الحس إلا بعدم ثبات الخيالية وضعف تجوهرها لانشغال النفس بغيرها ، فکلما التفتت النفس إليها وانقطع شغلها بالمؤثرات الخارجية ، تأکد وجودها ، وقوى تجوهرها ، وزال ضعفها وعدم ثبوتها ، کما يحصل لأصحاب الکرامات وخوارق العادات ، وعلى هذا فالنفس تلتذ وتسعد وتتألم وتنزعج بمقدار ما عندها من الصور في المخيلة ، وعليه يکون الکل نفس عالمها الخاص بها. (٤)

ــــــــــــــــ

١. فصلت ، ٣١.

٢. الزخرف ، ٧١.

٣. صدرالمتألهين ، الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٩١ ؛ صدرالدين ، العرشية ، الأصل السادس ، ص ٥٠ ؛ الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، الشاهد الأول ، الإشراق الأول ؛ مع اختلاف التعبير في الأصل السادس ، ص ٢٦٤.

٤. صدرالمتألهين ، الأسفار ، ج ٩ ، الأصل العاشر ص ١٩٢ ؛ الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، الشاهد الأول ، الإشراق الأول ، الأصل الرابع ، ص ٢٦٢ ؛ العرشية ، الأصل الرابع ، ص ٤٨.

٢٢٦

ي) انحصار أجناس العوالم والنشئات في ثلاثة عوالم

ما يطرحه هنا في تقسيم العوالم والنشئات الخارجية بحسب ما يتوافق مع النظر الفلسفي ، فقد قال في هذا الأصل : ( إن أجناس العوالم والنشئات مع کثرتها التي لا تحصى منحصرة في ثلاثة ، وإن کانت دار الوجود واحدة لارتباطها بعضها ببعض ، أدناها عالم الصور الطبيعية الکائنة الفاسدة أوسطها عالم الصور الادراکية الحسية المجردة عن المادة الحاملة للإمکانات والاستعدادت القابلة للمتضادات ، وأعلاها عالم الصور العقلية والمثل الإلهية ، والنفس الإنسانية مختصة من بين الموجودات لأن لها هذه الأکوان الثلاثة مع بقائها بشخصها ، والإنسان منذ طفولته إلى حين بعثه وقيامته يتحرک من کون إلى کون ، من طبيعي إلى نفساني يصلح للبعث والقيام إلى العقلي ، وهو بحسبه إنسان عقلي له أعضاء عقلية ، وهذه التحولات من مختصات الإنسان ، فإن الأشياء وإن کانت متوجهة إلى الحضرة الإلهية ، لکن الذي يمر على الصراط المستقيم منتهياً إلى النهاية الأخيرة ، لا يوجد في سائر الأنواع عدا الإنسان ، وهذه النشئات الثلاث ترتيبها في الرجوع الصعودى إلى الله تعالى على عکس ترتيبها الابتدائي النزولي عنه تعالى لکن على نحو آخر ، فالسلسلة الأولى کانت على نحو الإبداع بلا زمان ولا حرکة وسلسلة للرجوع تکون بحرکة وزمان ، فللإنسان أکوان سابقة على حدوثه الشخصي المادي کما أثبته ذلک أفلاطون الإلهي للنفوس الإنسانية کوناً عقلياً قبل حدوث البدن ، وکذلک ثبت في شريعتنا الحقة لأفراد البشر کينونة جزئية متميزة سابقة على وجودها الطبيعي ). (١)

النتيجة الحاصلة من مجموع هذه الأصول

إنّ حقيقة کل شيء تکمن بصورته ، وتشخُّص هذه الصورة يکون بوجوده الخاص به ، بل إن وجود الشيء عبارة أخرى عن صورته وذاته التي ينتزع منها ماهيته وحده

ــــــــــــــــ

١. الأسفار ، ج ٩ ، الأصل العاشر ، ص ١٩٢.

٢٢٧

الحاکي عنه ، فحقيقة الإنسان الذي هو موضع بحثنا هنا ، تمکن في نفسه الناطقة التي تمثل کما ذکرنا في الفصل الأول فصله الأخير ، إلا أن هذه النفس الواحدة في وحدتها کل القوى والمراتب بما فيها مرتبة القوة الخيالية والوهمية بالإضافة إلى مرتبة العقل ، وقد قال في نتيجة ما أصله صدرالمتألهين : ) إن من تأمل وتدبر في هذه الأصول والقوانين العشرة التي أحکمنا بنيانها وشيدنا أرکانها ببراهين ساطعة وحجج قاطعة لامعة مذکورة في کتبنا وصحفنا ، سيما هذا الکتاب ، (١) تأملاً کافياً تدبراً وافياً بشرط سلامة فطرته عن آفة الغواية والاعوجاج ومرض الحسد والعناد ، وعادة العصبية والافتخار والاستکبار ، لم يبق له شک وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والأجساد ، ويحکم بأن هذا البدن بعينه سيحشر يوم القيامة بصورة الأجساد ، وينکشف له أن المعاد في المعاد مجموع النفس والبدن بعينهما وشخصهما ، وأن المبعوث في القيامة هذا بعينه لا بدن آخر مباين له عنصرياً کان کما ذهب إليه جمع من الإسلاميين ، أو مثالياً کما ذهب إليه الإشراقيون ؛ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملة الموافق للبرهان والحکمة ، فمن صدق وآمن بهذا فقد آمن بيوم الجزاء ، وقد أصبح مؤمناً حقاً ، والنقصان عن هذا الإيمان خذلان وقصور عن درجة العرفان ، وقول بتعطيل أکثر القوى والطبائع عن البلوغ إلى غاياتها والوصول إلى کمالاتها ونتائج أشواقها وحرکاتها ، ويلزم أن يکون ما أودعه الله في غزائر الطبائع الکونية وجبلاتها من طلب الکمال والتوجه إلى ما فوقها هباء وعبثاً وباطلاً وهدراً ... إلى أن قال : ومن تيقن بهذا تيقن بلزوم عود الکل ، ولم يشتبه عليه ذلک ، وهذا مقتضى الحکمة ، والوفاء بالوعد والوعيد ، ولزوم المکافأة في الطبيعة والمجازاة ، ولنا رسالة على حده في هذا الباب (٢) بينا فيها حشر جميع الأشياء الکائنة حتى الجمادات والنبات إلى الدار الآخر وحشر الکل إليه

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ١٧٩.

٢. ويقصد بهذه الرسالة هي ، رسالة في الحشر التي طبعت مع مجموعة رسائله الفلسفية ، فراجع.

٢٢٨

تعالى ببيانات واضحة وقواعد صحيحة برهانية مبناها على أن لا معطل في الطبيعة ولا ساکن في الخليقة ، فالکل متوجه نحو الغاية المطلوبة إلا أن حشر کل أحد إلى ما يناسبه ويجانسه ، فللناس والشياطين والحيوانات والنباتات حشر کل بحسبه ، کما قال تعالى في حشر أفراد الناس : ( يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا ) ، (١) وفي شياطين : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) ، (٢) وفي الحيوانات : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) ، (٣) ( وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ) ، (٤) وفي النبات : ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ) ، (٥) وقوله تعالى : ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ... وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) ، (٦) وفي الجميع : ( وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا ) ، (٧) وقوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) ، (٨) وقوله تعالى : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ). (٩)

٧. في الإشکالات التي ترد على الاستدلال

نرى من الضروري ان نذکر بعض الاعتراضات والإشکالات التي أوردها بعض علماء الإسلام وأساتذة البحث الفلسفي والکلامي على البرهان العقلي الذي قدمه صدرالمتألهين محمد بن إبراهيم الشيرازي في باب إثبات المعاد الجسماني ، فالبعض يشکل على شکل وهيئة القياس ، والبعض الآخر يشکل على نتيجة البرهان ، فإنه لا يراها تتناسب مع النتيجة القرآنية التي صرح بها في الذکر الحکيم ،

ــــــــــــــــ

١. مريم ، ٨٥ ، ٨٦.

٢. مريم ، ٦٨.

٣. التکوير ، ٥.

٤. ص ، ١٩.

٥. الرحمن ، ٦.

٦. الحج ، ٥ ـ ٧.

٧. الکهف ، ٤٧ ، ٤٨.

٨. مريم ، ٤٠.

٩. الأنبياء ، ١٠٤.

٢٢٩

وسنذکر بعض هذه الإشکالات الاعتراضات ، ولنرى هل هي ثابتة عليه أو يمکن دفعها والدفاع عنه ؟ وفيما يلي لک بعض هذه الاعتراضات :

الاعتراض الأول

ما أورده آية الله السيد أبو الحسن الرفيعي القزويني في کتابه ( غوصى در بحر معرفت ) الشامل ل‍ (٢٤) رسالة علمية وفلسفية وعرفانية :

وإليک بيان ما مضمون ترجمته (١) : « قال : ذکر صدر الحکماء أن النفس بعد مفارقتها للبدن ، فإن خيال البدن يبقى معها دائماً ؛ لأن قوة الخيال تبقى في النفس بعد الموت ، والبدن الصادر من النفس مطابق للبدن الدنيوي ، لأن النفس قادرة على اختراع مثل هذا البدن الدنيوي اعتماداً على وجود قوة الخيال عندها ، والذي سيکون له الحشر في يوم المعاد ، ويکون الثواب والعقاب لنفس هذا البدن المخترع في ذلک اليوم ... ـ ثم فهم من کلام صدرالدين ـ أن البدن الأخروي عنده يکون بمثابة ظل للنفس ، فما دامت النفس موجودة ، فهذا البدن موجود ، فإما أن يکون نورانياً أو يکون ظلمانياً ».

ولکنه لم يرتض هذه النتيجة التي توصل إليها ملاصدرا بحسب فهم القزويني ، فقال في اعتراضه : ولکنه ضعيف عندنا ، والالتزام به صعب جداً ؛ لأنه مخالف بشکل قطعي لظواهر الکثير من الآيات ، ومباين لصريح الأخبار المعتبرة ، حيث عبر عما ذکرناه بهذا القول : ( ليکن ، نزد اين ضعيف ، التزام به اين قول بسيار صعب ودشوار است ، زيرا که به طور قطع مخالف با ظواهر بسيار از آيات ومباين با صريح اخبار معتبره است ، اين بود خلاصه کلام ) ، (٢) ثم أنه اکتفى بهذا القدر من الاعتراض ، ومن دون أن يبين لنا کيفية المعاد ، إلا أننا نجده يختار القول الثالث حيث يقول الثالث حيث يقول ما مضمون

ــــــــــــــــ

١. لاحظ : رفيعي قزويني ، غوصى در بحر معرفت ، رسالة يازده معاد ، قول چهارم ، ص ١٦٦.

٢. المصدر السابق ، ص ١٦٦ ، ١٦٧.

٢٣٠

ترجمته (١) : إن الروح بعد الموت تتعلق بالبدن والجسم المثالي البرزخي إلى الزمان التي تکون فيه المادة العنصرية قابلة ومستعدة إلى الحياة الأبدية ، ثم أن التراب العنصري واقع تحت التکامل الطبيعي الطولي حتى يصل إلى الحد الذي يکون فيه لائق لصناعة البدن الأخروي ، الذي يظهر في المعاد ، وفي هذا الوقت يتعلق البدن البرزخي المثالي المطابق لملکات وأخلاق الروح بالبدن الأخروي المطابق لهيئة وشکل البدن البرزخي ثم قال: ولا يجب الإشکال بکون النفس متعلقة ببدنين ؛ البرزخي المثالي ، والأخروي العنصري ؛ لأنهما لم يقعا في عرض واحد ، بل هما في الطول ، ثم قال : وهذا هو مذهب الحق ، المطابق للشرع ، ولم يخالف القواعد العقلية ، وظهور البدن الأخروي من المادة الترابية للبدن الدنيوي بعينه ، نظير تولد حبة الحنطة من بذور الحنطة ، فمعلوم أن حبة الحنطة عندما تدفن في الأرض ، فإنها تفسد ، ثم بعد ذلک يخرج منها برعماً أخضر ، وعند نضجه يولد لنا عدد من حبات أُخر تشبه الأولى شکلاً وهيئة ».

ويمکننا أن ننقده من الوجوه التالية :

أولاً : بناء على التسليم بثبوت القانون العام للتکامل الطبيعي الشامل لجميع الموجودات المادية ، يؤدي إلى أن الالتزام ببقاء ذرات البدن الدنيوي المقبور من دون أن تتحول إلى مادة لصور نوعية أخرى صعب جداً ، ويحتاج إلى دليل على إثبات ذلک.

ثانياً : إن وصول المادة العنصرية إلى درجة الاستعداد والقبول لتعلق النفس بها کافياً لأن تتعلق بها أي نفس لا خصوص تلک النفس الأولى ، هذا على التسليم ببقاء مادة الجسم الدنيوي الذي تحلل وتفکک في القبر ، وعليه يلزم منه تعلق نفسين ببدن واحد ، وهو محال ، على أن تخصيص التکامل المطروح في المادة العنصرية إلى أن

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ١٦٥ ، ١٦٦.

٢٣١

تصل إلى حدّ الاستعداد لتعلق الحياة الأبدية فيها في عالم الآخرة يحتاج إلى دليل قطعي ، وعندئذ نقول : لماذا لا يحصل هذا التکامل للبدن العنصري حال ارتباطه مع النفس في عالم الدنيا ؟ وما هي الميزة التي تجعل هذه المادة الترابية العنصرية تستعد لذلک بعد مفارقة النفس لها ؟ باعتبار أن البدن الأخروي عين البدن الدنيوي ، فلابد أن تکون مادته من مادة البدن الذي فارقته النفس بالموت.

ثالثاً : مع التسليم بأن الأرض بما فيها من مواد عنصرية التي من جملتها العناصر التي تقع في تکوين جسم الإنسان العنصري الترابي والتي يحددها علم التجربة بأکثر من (١٠٠) عنصر ، سوف تتغير وتتبدل ، وعندئذ لا تبقى نفس تلک العناصر الدنيوية ، وعلى الأقل تکون العناصر التي تکوّن أرض القيامة شبيهة لعناصر أرض الدنيا إن لم نقل غيرها ، باعتبار اختلاف خصائصها وطبيعتها ، لقوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ). (١)

رابعاً : التمثيل بحبة الحنطة وتوليد المثل ، لا يصح في المقام ؛ لأن الحبوب المتولدة من بذر الحبة الأولى تکون مثلاً للحبة الأولى وليست عينها ، والبحث في المعاد عن تحقيق العينية التي صرح بها القرآن في أکثر من آية کريمة ، (٢) ودلت عليها الروايات الشريفة ، وإن کان بعضها يصرح بالمثلية کما جاء في رواية عن الإمام الصدق ٧ في جواب أبي العوجاء ، عندما مثّل باللبنة ، فقال : « هي هي ، وهي غيرها ». (٣)

ولکن الحق يقال : إن الالتزام بما جاء به صدر الحکماء في نتيجة الدليل على أن يکون مطابقاً مائة بالمائة بما جاء به القرآن الکريم في أکثر آياته في باب المعاد الجسماني صعب جداً ، ولکن لو تنزّلنا قليلاً وحملنا کلامه ودليله على عقلائية

ــــــــــــــــ

١. إبراهيم ، ٤٨.

٢. راجع : سورة النور ، ٢٤.

٣. الشيخ الطوسي ، کتاب الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٠٤ ؛ کتاب بعض ما ورد عن الإمام الصادق ٧ ، مرکز المصطفى للتحقيق ، ص ٧٠ ؛ الديلمي ، أعلام الدين في صفات المؤمنين ، ص ٢١١ ؛ الشاکري ؛ حسين ، الإمام الصادق ٧ ، ج ٢ ، ص ٦٣ ؛ الشاکري ؛ حسين ، مناظرات الإمام الصادق ٧ ، ج ٢ ، ص ٦١.

٢٣٢

الأمر ، کان الأمر أهون بکثير من أن نحمله على أنه دليل عقلي على إثبات المعاد الجسماني بالشکل الذي طرحه القرآن الکريم مائة بالمائة. ولکن يجب الانتباه إلى ما ذکرناه سابقاً من أن الفلاسفة لا يريدون بالجسم خصوص هذه المادة الترابية العنصرية ، وإنما يريدون به خصوص صورة الشيء وماهيته وحقيقته ، (١) وعند ذلک فلا يرد الإشکال عليه من باب أن ما أثبته هو معاد خيالي لا جسماني ، (٢) وإنما يرد الإشکال عليه من باب المطابقة التامة بين ما توصل إليه بالدليل وبين ما ذکره القرآن الکريم مالم نؤوله ، ولذا نراهم يقولون بوجود ثلاثة أجسام للإنسان : أحدهما طبيعي عنصري ، والآخر مثالي برزخي ، والثالث عقلي ، بينما لا يرى ذلک غيرهم من المتکلمين.

الاعتراض الثاني

لقد أورد الأستاذ محمد جواد پيرمرادي في مقالة نشرتها مجلة مصباح العدد (١٤) ، التي ناقش فيها ما طرحه صدر الأعاظم صدر الدين الشيرازي في باب إثبات المعاد الجسماني بالدليل العقلي ، من خلال طرحه لعدة إشکالات کان البعض منها يرد

ــــــــــــــــ

١. حاشية آية الله حسن زاده آملي على کتاب إلهيات الشفاء للشيخ ابن سينا ، ص ٤٦١ ، قال هناک ، ( واعلم أن مفاد الجسم في عبارات هؤلاء الأعاظم بمعنى تحقق الشيء وتقرره وتأصله ، لا بمعناه العنصرى ، وذلک کتجسم الأعمال المعبر عنه بتجسد الأعمال أيضاً ، وتجسم الأعراض أيضاً ، وهو الجسم ، وهذا الجسد غير مأثور عن القرآن والحديث ، بل تعبير مستفاد منهما عبر ذلک التحقق والتحصل في الآخرة بالجسم والتجسم ) ، وکما ذکر صدرالدين في الأصل الأول من الأصول التي ذکرها في تقرير الدليل ، حيث قال فيه ، إن الحقيقة کل شيء وماهيته بصورته وفصله الأخير ، وذکر أيضاً في تلک الفصول أن تشخص البدن يکون بصورته لا بنفسه ، فراجع.

٢. وعندئذ نتساءل هل أنّ مجرد الاصطلاح يکفي في حل المسألة أم لا ؟ وإن ما جاء به صدرالدين الشيرازي هو بمثابة استعمالهم للجسم في خصوص النفس الناطقة ، وکونها تمثل حقيقة الشيء الباقية التي لا يطرأ عليها الفساد ، ولا يختلف عن ما جاء به الشيخ الرئيس إلا بکون الشيخ لا يثبت لها التجرد في قوتها الخيالية وملا صدرا أثبت ذلک ، ولا نرى أن ذلک موافقاً للطرح القرآني بالنسبة للمسألة ، إلا مع قبول التأويل ، وحينئذ مع کل هذه النصوص القرآنية الصريحة بکونه جسمانياً بحسب الظاهر فهل يقبل أم لا ؟ هذا يحتاج إلى دليل.

٢٣٣

على هيئة القياس ، وأخرى ترد على نتيجة الاستدلال ، وثالثة على عدد مقدمات القياس المنطقي ، وإليک مضمون ترجمته ، (١) قال : بأدنى مقارنة بين المقدمات والنتيجة ، فإنا لا نحصل على رابطة منطقية بينهما ، ولا يبدو أن النتيجة هي نتيجة حاصلة من عدة استدلالات ؛ أحدها : هو الغاية من کل شيء في العالم ، وثانيها : اقتضاء الحکمة الإلهية ، ووجوب الوعد والوعيد ، أو لزوم وجود المکافئات والمجازاة في طبيعة العالم ، وثالثها : النتيجة الحاصلة من القياس المنطقي فهي إما حاصلة من قياس استثنائي أو اقتراني ، فلو کان اقترانياً ، فعلى کل حال واحد من الإشکالات الأربعة الذي سوف ينتهي أخيراً إن لم يکن بديهياً مع برهان الخلف ، أو بصورة مباشرة إلى النتيجة ، عندما لم يکن عقيماً. وسواء کان الإنسان متديناً أو غير متدين ، حسوداً أو غير حسود ، مزکياً لنفسه أو غير مزکّ لها ، فلا يستطيع الخدش في نتيجة البرهان العقلي ما لم يخالف الأصول والقواعد المنطقية ، ورابعها : لو لم ننظر إلى المقدمات في هذا الاستدلال ، ونظرنا مباشرة إلى النتيجة ، فإنا سنقع في ترديد عند اعتبار هذه المقدمات شرطاً في البرهان العقلي ، يعني البرهان الذي تعيّنه مقدماته.

ثم أضاف قائلاً : ( لو تأملنا کثيراً في المقدمات ، لوجدناها ليست تنفي المعاد الجسماني وحسب ، بل تثبت المعاد الروحاني ، کمقدمة أصالة الوجود والتشکيک في الوجود ، والحرکة الاشتدادية في الوجود ، المبتني عليها نظرية کون النفس جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ، وعندئذ يکون المعاد روحانياً لا جسمانياً ، وکذلک في سائر المقدمات الأخرى التي تتعلق بالنفس کتشخص البدن بالنفس ، وشيئية وهوية الإنسان بنفسه ، وإن تجرد القوة الخيالية متعلق بالنفس أيضاً ، ورابطة النفس بالصور والأفعال رابطة الفاعل بالفعل ، وليس رابطة القابل والمقبول.

ــــــــــــــــ

١. مجلهء مصباح ، شمارء ١٤ ، مقالة محمد جواد پيرمرادي ، بررسي نظريهء حدوث جسماني ومعاد جسماني ملاصدرا ، ص ٨٩.

٢٣٤

إلي أن قال : وخلاصة الکلام ، أن هذه المقدمات لا تثبت المعاد الجسماني ، والحق مع الشيخ الرئيس الذي قال : لا سبيل إلى إثباته إلا عن طريق الشريعة وتصديق خبر النبي ٩ ، (١) ونظرية جسمانية الحدوث وروحانية البقاء لا تتناسب مع القول بالمعاد الجسماني ؛ لأن النفس إذا وصلت إلى مقام العقل الفعال بحيث لا يبقى معها حيثية أنها بالقوة ، (٢) يُسلب منها القوة والإمکان ، فتکون باقية ببقاء الحق تعالى ، فما هي فلسفة تعلقها من جديد بالبدن ؟!.

ويمکن أن يعترض عليه بما يلي :

أولاً : إن ما أورده على هيئة قياس وبرهان صدرالدين الشيرازي ، يکون ثابتاً فيما إذا جعلنا هذا القياس قائماً على أساس هذا العدد الکبير من المقدمات التي يبلغ عددها في بعض الکتب إحدى عشرة مقدمة ، (٣) وفي بعض آخر سبع مقدمات ، (٤) بينما إذا کان القياس المنطقي الصدرائي مبنياً على النتيجة الأخيرة الحاصلة من استخراج کل مقدمة من سابقتها ، أو بعبارة أخرى : إن المقدمة المتأخرة ما هي إلا نتيجة المقدمة السابقة ، وعليه تکون المقدمة الأخيرة هي نتيجة نهائية لمجموع المقدمات السابقة بحيث يکون محور القياس المذکور قائماً على مقدمة واحدة وهي المقدمة الأخيرة التي تعد نتيجة ما تقدم من المقدمات ، وعلى إمکان قبول هذا الأمر فلا يرد عليه ما أورده الأستاذ محمد جواد.

ثانياً : إن الفهم الذي ذکره الأستاذ جواد لمسألة الموت أو حالة التکامل التي تحصل عليها النفس عن طريق الحرکة الاشتدادية الجوهرية ، لم يکن مقبولاً عند

ــــــــــــــــ

١. راجع : إلهيات الشفاء ، المقالة التاسعة ، الفصل السابع ، تحقيق : الشيخ حسن زاده آملي ، ص ٤٦٠.

٢. لاحظ : الأسفار ، ج ٨ ، ص ٣٩٥.

٣. کما جاء في کتاب الأسفار ، ج ٩ ، الباب الحادي عشر ، الفصل الأول ، ص ١٨٥ ـ ١٩٧.

٤. کما جاء في کتاب الشواهد الربوبية ، المشهد الرابع ، الشاهد الأول ، الإشراق الأول ، ص ٢٦١ ـ ٢٦٧ ؛ وفي کتابه المبدأ والمعاد ، ص ٤٧٥ ـ ٤٩١.

٢٣٥

صدرالمتألهين ، فتحميل فهم الشخص على أنه هو مراد الآخر ليس بجيد ، فلم يعد صدرالمتألهين أن عملية الموت حالة للفصل بين النفس عن مطلق البدن ، بل هو عملية فصل للنفس عن خصوص البدن العنصري لا مطلق البدن ، إذ أنه يرى في الحال استحالة انفصال النفس عن مطلق البدن ، فهي وإن انفصلت عن البدن العنصري الترابي فإنها مازالت مرتبطة بأجسام أخرى کالجسم المثالي والعقلي بحسب الاصطلاح الفلسفي للجسم ، والمعاد هو للنفس مع الجسم الذي لا تنفک عنه أبدا ، باعتبار أنه يحدد هويتها وحقيقتها.

ثالثاً : إشکال عدم التناسب بين نظرية جسمانية الحدوث وروحانية البقاء مع المعاد الجسماني ، فهو بالنظرة الأولية لا شک أنه ثابت ووارد عليها ، ولکنه لا يرد على مراد الفيلسوف من الجسم کما مرّ بيانه بأن المراد منه هو صورة وهوية الشيء وعليه لا إشکال في أن تبدأ النفس مرحلتها الأولى من الجسم العنصري ، ثم بالتکامل تصل إلى الجسم المثالي وإلى الجسم العقلي ، وأن تعاد بحسب مقامها الذي وصلت إليه في حرکتها الجوهرية التکاملية ، فيکون الجسم في المقامين بمثابة المشترک اللفظي ، في الاصطلاح الأول يراد منه الجسم العنصري الترابي ، وفي الاصطلاح الثاني يراد منه مطلق الجسم المتحد بالنفس نوع اتحاد لا يمكن أن تنفك عنه أبداً ، وعليه فلا يرد إشكال عدم التناسب بين الاصطلاحين ، نعم يرد الإشکال على أن المعاد الذي قال فيه صدرالمتألهين من أنّه جسماني لم يکن مطابقاً لظاهر ما جاء به القرآن الکريم ، وما يفهمه العرف العام من الجسم.

رابعاً : عجز تعقل مسألة من قبل کبار الفلاسفة لا يکون دليلاً على إثبات عجز الآخرين عن ذلک ، فقد يهدي الله سبحانه وتعالى أحداً إلى ما لم يصل إليه الآخرون ،

٢٣٦

کما حصل لفيلسوفنا صدرالمتألهين في إثبات عقلائية (١) هذه المسألة بالشکل الذي لم يکن له نظير في من سبقه من کبار الفلاسفة والمتکلمين ، کما أنّه اهتدى إلى إثبات الحرکة الجوهرية وتجرد القوة الخيالية بالأدلة المحکمة ، خصوصاً عندما يکون ما جاء به لم يکن مخالفاً للشرع الصريح ، وإن لم يکن بتلک الکيفية الظاهرية التي بينها الشرع المقدس ، وما فهمه عامة الناس منه.

٨. في إشکالات المعاد الجسماني

أ ) شبهة الآکل والمأکول (٢)

بيان الشبهة : لو صار إنسان أو جزء إنسان ، جزءاً لإنسان آخر عن طريق الأکل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، أو بنقل بعض الأعضاء من إنسان إلى آخر ، فبأي أجزاء يعاد الإنسان ، فهل يعاد ببدن الآکل ، أو ببدن المأکول ؟ وبأيّهما يعاد ؟ فإن المعاد لا يکون بعينه وتمامه معاداً ، ويلزم منه تعذيب المؤمن وتنعيم الکافر في حال کون أحدهما مؤمناً والآخر کافراً ، أو يکون شخص واحد منعّماً ومعذبّاً في آن واحد باعتبار أن أحد أعضائه يعود للکافر والآخر يعود للمؤمن.

ــــــــــــــــ

١. بحسب نظرنا لا نراه دليلاً عقلياً على إثبات المعاد الجسماني بحسب النظر القرآني ما لم يؤول مجموعة هذه الآيات على ما يراه الفيلسوف في معنى الجسم ، کما تقدم بيان معناه في هذا الفصل ، نعم هو دليل على إمکان تعقل مثل هذه المسألة من قبل العقل البشري على أساس ما قدمه من المقدمات التي أحکمها بالدليل العقلي والنقلي ، باعتبار أن ملاصدرا لا يرغب بأن يأتي بدليل عقلي لم يکن عليه شاهد نقلي ، لأنه جعل النقل أساساً والعقل تابعاً له ، لا کما ذهب إليه أصحاب الفلسفة المشائية التي جعلت العقل هو الأساس وفي حالة مخالفة النقل يجب تأويله على أساس ما توصل إليه العقل في النتيجة ، نعم جعل الحق للعقل في المسألة فيما إذا لم يأت فيها بيان سماوى ، فتأمل ...!

٢. تعد هذه الشبه من أقدم الشبهات وأعقدها في باب المعاد الجسماني التي حارث فيها العقول وتاهت في حلها الأفکار ، فقد أجيب عنها بألوان مختلفة من الأجوبة والحلول ، کان أغلبها مبنياً على تخرصات وتوهمات تستند على أدلة ضعيفة ، ومازالت إلى يومنا هذا تفتقر إلى الجواب المحکم المتقن ، فلتراجع

٢٣٧

الجواب : لقد ذکر المتکلمون والفلاسفة عدة أجوبة لحل هذا الإشکال ، يظهر من أکثرها الضعف ، فقد ذهب البعض لدفعه إلى القول بوجود أجزاء أصلية وأخرى فواضل ، والأولى لا يمکن أن تکون أجزاءً للآخرين وإن أکلت من قبلهم مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، أو نقلت إليهم کما يحصل في تبديل بعض الأعضاء في المستشفيات ، والأصلية تعاد لصاحبها الأول وإن ضلت في التراب ، أو نقلت إلى مکان بعيد عنه ، فإنها تعود إليه اعتماداً على العلم والقدرة الإلهية غير المحدودين.

وقد رده صدرالمتألهين بقوله : ( وکما ترى ، بناؤه على الإرادة الجزافية التي يثبتونها في الفاعل المختار الذي کأنه لا شغل له إلا حفظ الأجزاء المتفرقة الترابية عن أن يصير مادة لغذاء الإنسان حتى يتأتى الجواب للمتکلم عن اعتراض يرد عليه في هذا الباب ). (١)

ويمکن أن يعترض على المتکلم ، فيما لو استحالت الأجزاء الأصلية وصارت بذلک ماهية وحقيقة أخرى غير الأولى ، کما لو تعرض جسم الإنسان إلى نار محرقة شديدة الحرارة بحيث جعلته رماداً أسود ، فهو وإن بقي أصل وجوده ولکن هويته وصورته قد تغيرت تماماً ، خصوصاً فيما إذا أصبحت أحد أجزاء الجسم الجديد ـ المنتقل له أو الداخلة في ترکيبه ـ وعندئذ نسأل هل تبقى أصالته ، أم يصبح من جملة فواضل الأشياء ؟ واثبات أيٍّ منهما يحتاج إلى دليل ، ومع أن دليل العلمي التجريبي وقانون التکامل الطبيعي في الموجودات المادية ؟ وقد أثبتها هذا الدليلان دوام التبدل والتغير في الأجسام المادية بصورة عامة من دون أن يستثنى بعض أجزاء جسم الإنسان ، بل شمل مجموع الخلايا الدماغية التي کانوا يظنون أنها لا تتغير ؛ بناء على تسليمهم بنظرية الانطباع في مسألة الإدراک ، وبهذا الاعتبار فإن تبدلها دليل على عدم بقاء المعلومات المحفوظة فيها ، والحال أننا ندرک بالوجدان أن معلوماتنا السابقة عن الشيء لم تتغير بعد ، وعليه فلا يشملها التغير والتبدل

ــــــــــــــــ

١. المبدأ والمعاد ، المقالة الثانية ، ص ٤٩٣.

٢٣٨

الشامل لجسم الإنسان ، إلا أنّ ملا صدرا وغيره أبطلوا هذه النظرية من أساسها ، وأثبتوا تجرد الإدراک ، وعليه فالتبدل والتغير الذي يطرأ على الخلايا الدماغية لا يؤثر على تلک المعلومات المخزونة في إحدى قوى النفس المجردة.

وقال صدرالمتألهين مجيباً عنه : ( والحق في جواب هذا الإشکال على ما مهّدنا من الأصول العشرة بعد فهمها وتحقيقها ، بأن العبرة في تشخص کل إنسان إنما هو بنفسه ، أما بدنه من حيث هو بدنه ، فليس له تشخص إلا بالنفس ، بل ليس له من هذه الحيثية حقيقة ولا ذات حتى يکون له في ذاته تعين بهذا الاعتبار وتوحد ، إلا بحسب ما يتصرف فيه ، أي نفسه ، وليس من شرط کون بدن زيد محشوراً مثلاً أن يکون الجسم الذي صار مأکولاً لسبع أو إنسان من حيث هو جسم معين له حقيقة لحمية أو عظيمة أو عصبية يحشر يوم القيامة ـ أي بهذا الاعتبار ـ بل المحشور ليس إلا بدن زيد ، أي جسم يکون بعدما انحفضت شخصيته ، بأنه بدن زيد ، وإن تبدلت جميع أجزائه في نفسها وذاتها لا من حيث أنها أجزاء بدن زيد بعينها ). (١) ثم أضاف قائلاً : ( إنما الاعتقاد في حشر الأبدان يوم الجزاء هو أن يبعث أبدان من القبور ، إن رأي أحد کل واحد منها يقول : هذا فلان بعينه ، وهذا فلان بعينه ، من غير شک وريب ، ويکون اعتقاده بأن هذا فلان بعينه اعتقاداً صحيحاً مطابقاً لما هو الواقع ، ولا يلزم من ذلک لأحد أن يعتقد أن مشوه الخلق من أهل الإيمان يجب أن يبعث مشوه الخلق ، والاقطع والاشل والأعمى وغيرهم يجب أن يبعثوا کذلک ، کيف وقد ورد في الأحاديث خلاف ذلک ). (٢)

أقول : وما أجمل ما قرره آية الله الحاج الشيخ محمد محمدي حيث يقول : ( و لکنک خبير بأن أساس الشبهة على مزعمة باطلة ، وهي زعم کون تشخص الشيء بمادته ، مع أن المقرر في محله أن التشخص کل شيء بصورته ، وأن المادة معتبرة لا على التعين ، وتشخص کل إنسان بنفسه التي هي صورة ، والبدن معتبر فيه على وجه

ــــــــــــــــ

١. المصدر السابق ، ص ٤٩٢.

٢. المصدر السابق ، وکذا في ، الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٠.

٢٣٩

الإبهام ، بل هذا من مرتکزات کل عاقل ، فلذا أخذ هذا الارتکاز في نفس الشبهة ، فأن قوله : ( يتحلل منه ) ، وقوله : ( يطيع العبد ) ، صريح في أن هناک أمراً ثابتاً إليه تستند الجزئية ، وأنه لولاه لا معنى لصدق الجزئية ، ولا يشک ذو مسکة في أن ( زيداً ) الذي أکل خروفاً أو ضبياً فصارت أجزاؤها من جزاء بدن ( زيد ) لا أنه ضبي أو خروف ). (١)

ثم أنه أضاف قائلاً : ( والحاصل أن بدنية البدن تابعة للنفس ، فکل ما يتعلق به النفس هو بعينه بدنه ، فما ألطف قول الصادق ٧ في خبر الاحتجاج : « فينقل يعني البدن بإذن الله إلى حيث الروح ، (٢) حيث أشار ٧ بقوله إلى أن البدن تبع وشعاع للروح نحو تبعية الشعاع لذي الشعاع ، ومما ذکرنا يتبين معنى قوله : ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) ، (٣) وقوله : ( نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ ) ، (٤) انتهى. (٥) ويمکن أن يقال : إن هذا الفهم للحديث الشريف الوارد في کتاب الاحتجاج ، من سماحة آية الله المحمدي ، أنسب من فهم المدرس على الزنوزي ، حيث فهم الأخير منه حرکة البدن الانتقالية إلى حيث تکون الروح ، کما نقل عنه أنّه يقول : ( قوله ٧ إن الروح مقيمة في مکانها ، لعله أراد أن الروح لا يتحرک بذاتها وجوهرها إلى مقام نازل ارتفعت عنها بحرکتها الذاتية إلى مقام عال هو غاية حرکتها ، إذ الشيء لا يتحرک بجوهر ذاته حرکة ذاتية فطرية إلى بطلان ذاته ، أو کمالات ذاته اللائقة بذاته ، (٦) بل إنما تتحرک بذاته إلى کمال ذاته وجوهر فطرته وصلاح أمره في نفسه.

ــــــــــــــــ

١. محمد محمدي الگيلاني ، المعاد في الکتاب والسنة ، ص ١٥٨ ، ١٥٩.

٢. الطبرسي ، کتاب الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٩٨.

٣. يس ، ٨١.

٤. الواقعة ، ٦٠ ، ٦١.

٥. المعاد في الکتاب والسنة ، ص ١٥٩.

٦. قال الحاج الميرزا أبوالحسن القزويني : ( والحاصل أن النفس الناطقة بعد بلوغها إلى کمالها الحاصلة في سنخ ذاتها وجوهر حقيقتها ، وبعد تحصيلها الکمالات اللائقة بجوهر وجودها لم يتنزل إلى مرتبة ارتفعت عنها ... إلى أن قال ، ـ ولا يمکن إلا من جهة حرکة البدن إلى حيث الروح ... ) ، نقله المؤلف في حاشية کتاب شرح بر زاد مسافر ، ص ٢٥١.

٢٤٠