الرّجعة

علي موسى الكعبي

الرّجعة

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-75-7
الصفحات: ١٠٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

في هذه الدنيا علىٰ كفرهم وطغيانهم لا يرجعون إليها ، وإنما يرجعون في القيامة ليذوقوا العذاب في نارها ، والعودة إلىٰ الدنيا إنَّما تختصُّ بغيرهم من الكافرين والظالمين المفسدين في الأرض الذين لم يذوقوا ألم القصاص فيها ، ولا يصحّ أن يكون المراد بالآية أنّهم لا يرجعون في القيامة لوضوح بطلانه.

ويمكن من خلال دراسة الأحاديث الواردة في هذا المجال وأقوال الأعلام تحديد ثلاثة أهداف ينطوي عليها هذا الأمر الخارق :

١ ـ القتال علىٰ الدين ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : « كنت مريضا بمنىٰ وأبي عليه‌السلام عندي ، فجاءه الغلام فقال : هاهنا رهط من العراقيين يسألون الأذن عليك. فقال أبي عليه‌السلام : أدخلهم الفسطاط ، وقام إليهم ودخل عليهم ، فما لبثت أن سمعتُ ضحك أبي عليه‌السلام قد ارتفع ، فأنكرت ذلك ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال.

ثم عاد إليَّ فقال : يا أبا جعفر ، عساك وجدت في نفسك من ضحكي ؟ فقلتُ : وما الذي غلبك منه الضحك ، جعلت فداك ؟

فقال : إنَّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمرٍ كان مَن مضىٰ مِن آبائك وسلفك يؤمنون به ويقرون ، فغلبني الضحك سروراً أنَّ في الخلق من يؤمن به ويقرُّ.

فقلت : وما هو ، جعلت فداك ؟

قال : سألوني عن الأموات متىٰ يبعثون فيقاتلون الأحياء علىٰ الدين (١) ».

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٢٠ و ٢٤. وبحار الأنوار ٥٣ : ٦٧ / ٦٢.

٦١

٢ ـ مقاتلة أعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم‌السلام ، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : « العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب » فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه ؟ فقال : « وأيّ عجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدو لله ولرسوله ولأهل بيته ، وذلك تأويل هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) » (١).

٣ ـ إقامة القصاص والعدل ، فقد روي عن الإمام موسىٰ بن جعفر عليه‌السلام أنّه قال : « لترجعنَّ نفوس ذهبت ، وليقتصنَّ يوم يقوم (٢) ، ومن عُذّب يقتصّ بعذابه ومن أُغيظ أغاظ بغيظه ، ومن قُتِل اقتصّ بقتله ، ويردّ لهم أعداؤهم معهم حتىٰ يأخذوا بثأرهم ، ثم يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ، ويصير عدوّهم إلىٰ أشد النار عذاباً ، ثم يوقفون بين يدي الجبّار عزَّ وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم » (٣).

وفي هذا المجال يقول الشيخ المفيد : إنَّ الله تعالىٰ يردّ قوماً من الأموات إلىٰ الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزُّ منهم فريقاً ، ويذلُّ فريقا ، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه‌السلام ، وإنَّ الراجعين إلىٰ الدنيا فريقان : أحدهما من علت درجته في الإيمان ، وكثرت أعماله الصالحات وخرج

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٣ : ٦٠ / ٤٨ والآية من سورة الممتحنة ٦٠ : ١٣.

(٢) أي القائم عليه‌السلام.

(٣) مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٢٨. وبحار الأنوار ٥٣ : ٤٤ / ١٦.

٦٢

من الدنيا علىٰ اجتناب الكبائر الموبقات ، فيريه الله عزَّ وجلَّ دولة الحق ويعزّه بها ، ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه ، والآخر من بلغ الغاية في الفساد ، وانتهىٰ في خلاف المحقين إلىٰ أقصىٰ الغايات ، وكثر ظلمه لأولياء الله ، واقترافه السيئات ، فينتصر الله تعالىٰ لمن تعدىٰ عليه قبل الممات ، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات ، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلىٰ الموت ، ومن بعده إلىٰ النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب ، وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به الأخبار ، والامامية بأجمعها عليه إلاّ شذاذا منهم تأوّلوا ما ورد فيه علىٰ وجه يخالف ما وصفناه (١).

__________________

(١) أوائل المقالات : ٧٧. والتأويل المشار إليه هو أن البعض تأوّل الأخبار الواردة في الرجعة إلىٰ رجوع الدولة في زمان ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام لا رجوع أعيان الأشخاص كما تقدم آنفاً.

٦٣

٦٤



الفصل الرابع

الرجعة عند العامّة

إحياء الموتىٰ :

ليس للرجعة في كتب العامّة أثر يذكر سيّما بالمعنىٰ الذي جاء في روايات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، إلاّ علىٰ سبيل بيان آراء الشيعة أو التشنيع عليهم ، ولكنهم نقلوا روايات في رجوع الأموات إلىٰ الحياة الدنيا (١) ولم يستنكروها بل عدوها من المعاجز أو الكرامات.

وقد ألف ابن أبي الدنيا أبو بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان الأموي القرشي المتوفى سنة ( ٢٨١ ه‍ ) (٢) كتاباً في ذلك عنوانه ( من عاش بعد الموت ) وصدر هذا الكتاب محققاً عن دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٩٨٧ م.

وأفرد أبو نعيم الأصفهاني في « الدلائل » ، والسيوطي في « الخصائص »

__________________

(١) تجد بعض نصوصها في احتجاج الفضل بن شاذان الفصل الخامس.

(٢) ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد ١٠ : ٨٩.

٦٥

باباً في معجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إحياء الموتىٰ (١) ، وروىٰ الماوردي والقاضي عياض بعض معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إحياء الموتىٰ (٢) ، وذكر السيوطي كرامات في إحياء الموتىٰ لغير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ورووا أنَّ زيد بن حارثة (٣) والربيع بن خراش (٤) ورجلاً من الأنصار (٥) قد تكلموا بعد الموت ، وأنَّ ربعي بن حراش الغطفاني تبسّم بعد الموت (٦) ، وأن أبا القاسم الطلحي إسماعيل بن محمد الحافظ قد ستر سوأته بعد موته (٧) ، وأن شيبان النخعي ـ وقيل : نباتة بن يزيد ـ أحيا حماره (٨) ، وأنَّ أبا المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفى سنة ( ٨٨٥ ه‍ ) أحيا شاةً ، وأمات رجلاً (٩) ، وأنَّ الماجشون مات وحيي (١٠). وغيرها مما يفوق حدّ

__________________

(١) دلائل النبوة ، لأبي نعيم : ٢٢٣. والخصائص الكبرىٰ ، للسيوطي ٢ : ١١٠ ـ ١١٤.

(٢) أعلام النبوة ، للماوردي : ١٤١. والشفا ١ : ٦١٤.

(٣) الغدير ، للأميني ١١ : ١٠٣ عن الاستيعاب ١ : ١٩٢. والبداية والنهاية ٦ : ١٥٦ و ١٥٨. والروض الاُنف ٢ : ٣٧. والاصابة ١ : ٥٦٥ و ٢ : ٢٤. وتهذيب التهذيب ٣ : ٤١٠. والخصائص الكبرىٰ ٢ : ٨٥. وشرح الشفا للخفاجي ٣ : ١٠٥ و ١٠٨.

(٤) الغدير ، للأميني ١١ : ١١٣ عن البداية والنهاية ٦ : ١٥٨. والروض الاُنف ٢ : ٣٧٠. وصفة الصفوة ٣ : ١٩.

(٥) الغدير ، للأميني ١١ : ١٠٥ عن البداية والنهاية ٦ : ١٥٨.

(٦) الغدير ، للأميني ١١ : ١١٩ عن صفة الصفوة ٢ : ١٩. وطبقات الشعراني ١ : ٣٧. وتاريخ ابن عساكر ٥ : ٢٩٨.

(٧) الغدير ، للأميني ١١ : ١٦٧ عن المنتظم ١٠ : ٩٠. والبداية والنهاية ١٢ : ٢١٧.

(٨) الغدير ١١ : ١٠٦ عن البداية والنهاية ٦ : ١٥٣ و ٢٩٢. والاصابة ٢ : ١٦٩.

(٩) الغدير ١١ : ١٨٧ عن روضة الناظرين ، للإمام ضياء الدين الوتري : ١١٢.

(١٠) الغدير ١١ : ١٣٥ عن وفيات الأعيان ٢ : ٤٦١. ومرآة الجنان ١ : ٣٥١. وتهذيب التهذيب ١١ : ٣٨٩. وشذرات الذهب ١ : ٢٥٩.

٦٦

الاحصاء.

ونقل محيي الدين عبدالقادر بن شيخ العيدروسي في النور السافر حوادث سنة ( ٩١٤ ه‍ ) كرامات كثيرة للشيخ أبي بكر بن عبدالله باعلوي المتوفىٰ سنة ٩١٤ ه‍ ، منها أنّه لمّا رجع من الحجّ دخل زيلع ، وكان الحاكم بها يومئذٍ محمد بن عتيق ، فاتّفق أنّه ماتت أُمّ ولد للحاكم المذكور ، وكان مشغوفاً بها ، فكاد عقله يذهب لموتها ، قال : فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدة الجزع ، ليعزيه ويأمره بالصبر والرضا بالقضاء ، وهي مسجّاة بين يدي الحاكم بثوب ، فعزّاه وصبّره ، فلم يفد فيه ذلك ، وأكبّ علىٰ قدم سيدي الشيخ يقبّلها ، وقال : يا سيدي ، إن لم يحيي الله هذه متُّ أنا أيضاً ، ولم تبق لي عقيدة في أحد !

فكشف سيدي وجهها ، وناداها باسمها فأجابته : لبيك ، وردَّ الله روحها ، وخرج الحاضرون ، ولم يخرج سيدي الشيخ حتىٰ أكلت مع سيدها الهريسة ، وعاشت مدّة طويلة (١).

ومن يروي مثل هذه الروايات مخبتا إليها دون أي غمزٍ فيها ، لماذا يستحيل القول بالرجعة ، وهل الرجعة إلاّ رجوع الحياة للميت بعد زهوق نفسه ، والأخبار التي ذكرناها ما هي إلاّ من مصاديقها وتدلّ علىٰ جوهرية إمكانها وجوازها عقلاً.

__________________

(١) النور السافر عن أخبار القرن العاشر : ٨٤. وراجع الغدير ١١ : ١٩٠. وشذرات الذهب ٨ : ٦٣.

٦٧

السيوطي والصبّان :

وفي هذا السياق يقول الاستاذ مروان خليفات : وقد قال الحافظ جلال الدين السيوطي بالرجعة ، لكن بمعنىٰ مختلف عن الذي تقول به الإمامية ، فقد ادعىٰ إمكانية رؤية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليقظة ، وألّف رسالة في ذلك هي ( إمكان رؤية النبي والملك في اليقظة ) وادعىٰ السيوطي رؤيته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين مرة كلها في اليقظة.

واعتقاد السيوطي هذا شبيه باعتقاد الشيعة بالرجعة ، وقوله برجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليقظة لا يختلف عن قول الشيعة برجوع بعض الأموات إلىٰ الحياة ، فلماذا يشنّع علىٰ الشيعة لاعتقادهم الرجعة ، ولا يشنع علىٰ السيوطي ؟! بل إنّه ما زال محل احترام وتقدير من جميع المذاهب ، فكلَّ من يطعن بعقيدة الشيعة في الرجعة ، فهو طاعن بالسيوطي الملقب بشيخ الإسلام.

وحين تكلم محمد بن علي الصبّان في « اسعاف الراغبين ص١٦١ » ـ وهو من العامّة ـ عن طرق معرفة عيسى الأحكام الإسلامية بعد نزوله ، قال : ومنها ـ أي الطرق ـ أنّ عيسىٰ إذا نزل يجتمع به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا مانع من أن يأخذ عنه ما يحتاج إليه من أحكام شريعته (١) ، واعتقاد الاجتماع برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني رجوعه إلىٰ الدنيا في زمان الظهور.

أشراط الساعة :

ونضيف إلىٰ ما تقدم أنّ من تمعّن في أحاديث وأخبار أشراط الساعة

__________________

(١) وركبت السفينة : ٦٤٤.

٦٨

وعلامات الظهور يجد مزيداً من الأحاديث والأخبار تشير إلىٰ أنّ الإمام المهدي عليه‌السلام والممهدين له يقاتلون بني أُمية وآل أبي سفيان وبني العباس وغيرهم من الاُسر والبيوتات الغابرة (١) ، فلعلّ ذلك يوحي إلىٰ عودتهم إلىٰ الحياة الدنيا ، للاقتصاص منهم.

ويشير إلىٰ هذا المعنىٰ ما نقله ابن أبي الحديد ، وفقاً لرأي الشيعة الإمامية ، عند شرحه لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في إخباره عن ظهور الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام قال : « يُغريه الله ببني أُمية حتىٰ يجعلهم حطاماً ورفاتاً ».

قال ابن أبي الحديد : فإن قيل فمن يكون من بني أُمية في ذلك الوقت موجوداً حتىٰ يقول عليه‌السلام في أمرهم ما قال من انتقام الرجل منهم ، حتىٰ يودّوا لو أنّ عليّاً عليه‌السلام كان المتولي لأمرهم عوضاً عنه ؟

قيل : أما الإمامية فيقولون بالرجعة ، ويزعمون أنّه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أُمية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر ، وأنّه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ، ويسمل عيون بعضهم ، ويصلب قوماً آخرين ، وينتقم من أعداء آل محمد عليهم‌السلام المتقدمين والمتأخرين (٢).

ومما يدلّ علىٰ الرجعة من أحاديث أشراط الساعة عند العامّة ما رواه الشيخ يوسف بن يحيىٰ الشافعي عن الثعلبي في تفسيره ، قال : إنَّ المهدي يسلّم علىٰ أهل الكهف ، فيحييهم الله عزَّ وجلَّ (٣).

__________________

(١) راجع عقد الدرر ، للمقدسي الشافعي : ٧٦ و ٨٠ و ١١٠ دار النصايح ـ قم.

(٢) شرح بن أبي الحديد ٧ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٣) عقد الدرر ، للمقدسي الشافعي : ١٩٢.

٦٩

وممّا يدلّ علىٰ ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي الحديد في شرحه لخطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام : « حتىٰ يظنَّ الظانّ أنّ الدنيا معقولة علىٰ بني أُمية » قال : وهذه الخطبة طويلة ، وقد حذف الرضي قدس‌سره منها كثيرا ، ومن جملتها : « والله والله ، لا ترون الذي تنتظرون حتىٰ لا تدعُون الله إلاّ إشارة بأيديكم وإيماضاً بحواجبكم ، وحتىٰ لا تملكون من الأرض إلاّ مواضع أقدامكم ، وحتىٰ يكون موضع سلاحكم علىٰ ظهوركم ، فيومئذٍ لا ينصرني إلاّ الله بملائكته ، ومن كتب علىٰ قلبه الإيمان ، والذي نفس عليٍّ بيده لا تقوم عصابة تطلب لي أو لغيري حقاً ، أو تدفع عنّا ضيماً ، إلاّ صرعتهم البليّة ، حتىٰ تقوم عصابةٌ شهدت مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدراً » (١).

وهو واضح الدلالة علىٰ رجعة أمير المؤمنين عليه‌السلام إلىٰ الحياة الدنيا وقتاله الظالمين مع عصابة من الملائكة.

موقف العامّة من الرجعة :

القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها ، وكان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها ، وكان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته ، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة ، فكأنّهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريكاً ، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الإمامية ويُشنّع به عليهم.

ولنأخذ مثالاً علىٰ ذلك جابر بن يزيد الجعفي ، فالثابت عند أغلب

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ٣٨٢.

٧٠

أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابراً كان ثقة صدوقاً في الحديث.

قال سفيان : كان جابر ورعاً في الحديث ، ما رأيت أورع في الحديث منه (١).

وقال إسماعيل بن عُلية : سمعتُ شعبة يقول : جابر الجعفي صدوق في الحديث (٢).

وقال شعبة : لا تنظروا إلىٰ هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي ، هل جاءكم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله (٣).

وقال وكيع : مهما شككتم في شيءٍ ، فلا تشكّوا في أنَّ جابراً ثقة ، حدثنا عنه مسعر ، وسفيان ، وشعبة ، وحسن بن صالح (٤).

وقال محمد بن عبدالله بن عبدالحكم : سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة : لئن تكلّمت في جابر الجعفي لأتكلمنّ فيك (٥).

وقال معلّىٰ بن منصور الرازي : قال لي أبو معاوية : كان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي ، وكنت أدخل عليه فأقول : من كان عندك ؟

__________________

(١) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٧. وتاريخ الإسلام ، للذهبي ( وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ ه‍ ) : ٥٩. وميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.

(٢) الجرح والتعديل ١ : ١٣٦. والمصدر السابق.

(٣) الجرح والتعديل ١ : ١٣٦.

(٤) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٧. وتاريخ الإسلام ، للذهبي ( وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ ه‍ ) : ٥٩. وميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.

(٥) المصدر السابق.

٧١

فيقول : شعبة وسفيان (١).

وكان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم ، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم (٢).

وقال عبدالرحمن بن شريك : كان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة (٣).

وعن الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تركوها كلّها (٤).

وعن سلام بن أبي مطيع ، قال : سمعتُ جابراً الجعفي يقول : إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حدّثت بها أحداً (٥).

وروي نحو ذلك عن زهير بن معاوية (٦).

إذن فلماذا ترك بعضهم حديث جابر ، واتهموه بالكذب في الحديث تارة ، وبالرفض أُخرىٰ ، وضعفوه ، ونهوا عن كتابة حديثه (٧) ؟

والجواب كما تجده عند أقطابهم لا يعدو أكثر من نقطتين :

__________________

(١) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٨. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧.

(٢) تاريخ الإسلام ، للذهبي ( وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ ه‍ ) : ٥٩.

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠.

(٤) صحيح مسلم ـ المقدمة : ٢٥. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٣.

(٥) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٨.

(٦) ميزان الاعتدال ١ : ٣٧٩.

(٧) راجع تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٩. وتاريخ الإسلام ( وفيات سنة ١٢١ ـ ١٤٠ ه‍ ) : ٦٠. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠. وضعفاء العقيلي ١ : ١٩٢ ـ ١٩٦. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٧ ـ ٤٩.

٧٢

الاُولىٰ : اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهم‌السلام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الخلق وكونهم أوصياءه وحملة علمه.

فلقد عابوا عليه أن يقول : حدثني وصيّ الأوصياء (١) ، يريد بذلك الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابراً الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً فعلمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم ، ثم دعا ولده... حتىٰ بلغ جعفر بن محمد.

قال سفيان : فتركته لذلك (٢).

وسمعه يقول أيضاً : انتقل العلم الذي كان في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ علي ، ثم انتقل من علي إلىٰ الحسن ، ثم لم يزل حتىٰ بلغ جعفراً (٣).

وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابها » (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها » (٥).

الثانية : قوله بالرجعة ، وعليه إجماعهم.

قال أبو أحمد بن عدي : عامّة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة (٦).

__________________

(١) ضعفاء العقيلي ١ : ١٩٤. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٣. وتهذيب التهذيب ٣ : ٤٩.

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨١.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المستدرك علىٰ الصحيحين ، للحاكم ٣ : ١٢٦ و ١٢٧. وجامع الاُصول ٩ : ٤٧٣.

(٥) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧. ومصابيح السُنّة ٤ : ١٧٤.

(٦) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٩. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٨.

٧٣

وقال زائدة : أما جابر الجعفي فكان يؤمن بالرجعة (١).

وقال جرير بن عبدالحميد : لا استحلّ أن أروي عنه ، كان يؤمن بالرجعة (٢).

وعن ابن قتيبة وابن حبان قال : كان جابر يؤمن بالرجعة (٣).

وروىٰ العقيلي بالاسناد عن سفيان ، قال : كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر ، فلمّا أظهر ما أظهر اتّهمه الناس في حديثه ، وتركه بعض الناس. فقيل له : وما أظهر ؟ قال : الإيمان بالرجعة (٤).

وقال أبو أحمد الحاكم : جابر يؤمن بالرجعة (٥).

إذن فقد اتضح أن جابراً كان يعتقد بالرجعة ، وأن معاصريه من أقطاب الحديث عند العامّة كانوا يعلمون عقيدته تلك جيداً ، كما هو مفاد التصريحات السابقة. فمن أين جاءه هذا الاعتقاد ، وما هو مصدر روايته ؟

مما لا ريب فيه أن جابراً الجعفي كان معاصرا لثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم علي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق عليهم‌السلام ، وكان من خواص الإمامين الباقر

__________________

(١) تهذيب الكمال ٤ : ٤٦٨. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٨. ونحوه في ضعفاء العقيلي ١ : ١٩٣. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠.

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٣٨٠. وتهذيب التهذيب ٢ : ٤٩. ضعفاء العقيلي ١ : ١٩٢ نحوه.

(٣) تهذيب الكمال ٤ : ٤٧٠ الهامش. وتهذيب التهذيب ٢ : ٥٠. وميزان الاعتدال ١ : ٣٨٣.

(٤) ضعفاء العقيلي ١ : ١٩٤.

(٥) تهذيب التهذيب ٢ : ٥٠.

٧٤

والصادق عليهما‌السلام (١) ، وروي أنّه خدم الإمام الباقر عليه‌السلام ١٨ سنة (٢) ، وبقي ملازماً للإمام الصادق عليه‌السلام حتىٰ توفي في أيامه سنة ١٢٨ ه‍ (٣).

والروايات عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام تدلّ علىٰ صدقه وأمانته وجلالته ، وأنّ عنده الكثير من أسرارهم عليهم‌السلام ، فقد روي في الصحيح بالاسناد عن الحسين بن أبي العلاء وزياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : رحم الله جابر الجعفي ، كان يصدق علينا (٤).

وعن يونس بن عبدالرحمن : أن علم الأئمة عليهم‌السلام انتهىٰ إلىٰ أربعة أحدهم جابر (٥).

وعن ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن جابر الجعفي ، فقال لي عليه‌السلام : « يا ذريح دع ذكر جابر ، فإنّ السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنّعوا ـ أو قال ـ أذاعوا » (٦).

إذن فالرجل من الثقات الأجلاّء ، وقد شهد له بذلك أعلام الطائفة ، كابن قولويه ، وعلي بن إبراهيم ، والشيخ المفيد في رسالته العددية ، وابن الغضائري علىٰ ما حكاه العلامة عنه ، وقد مرّ ما يؤيد جلالته وثقته وكونه من أوعية العلم فيما تقدّم بمصادر العامّة.

__________________

(١) رجال الشيخ : ١١١ / ٦ و ١٦٣ / ٣٠. ومستدركات علم الرجال ٢ : ١٠٦ عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٢) مستدركات علم الرجال ٢ : ١٠٥ و ١٠٧ عن أمالي الشيخ الطوسي.

(٣) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢.

(٤) رجال الكشي : ١٩١ / ٣٣٦. ومنتهىٰ المقال ٢ : ٢١٤.

(٥) رجال الكشي : ٤٨٥ / ٩١٧.

(٦) قاموس الرجال ٢ : ٥٣٤.

٧٥

ونخلص من كلِّ ما تقدم أنّ جابراً كان قد أخذ هذه العقيدة من عترة المصطفىٰ عليهم‌السلام الذين أُمرنا بالتمسك بهم بدليل حديث الثقلين ، ولو كانت هذه العقيدة غير ثابتة عنهم عليهم‌السلام لوردَ ولو حديث واحد يدل علىٰ منع جابر من القول بالرجعة ، علىٰ أنّه قد أظهر القول بها في حياة الصادقين عليهما‌السلام ، لأنّه مات في حياة الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام كما تقدم ، وقد كان خلال ذلك متوفّراً علىٰ خدمتهم والأخذ عنهم عليهم‌السلام.

إذن فالطعن في جابر لقوله بالرجعة هو طعن في عقائد أهل البيت عليهم‌السلام ومدرسة الإسلام الأصيل المتمثلة بالإمامين محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما‌السلام.

قال السيد ابن طاووس في كتاب ( الطرائف ) : روىٰ مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول باسناده إلىٰ الجراح بن مليح ، قال : سمعتُ جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تركوها كلها ، ثم ذكر مسلم في صحيحه باسناده إلىٰ محمد بن عمر الرازي ، قال : سمعتُ حريزاً يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه لأنّه كان يؤمن بالرجعة.

ثم قال : انظر رحمك الله كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برواية أبي جعفر عليه‌السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم ، ثم إنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالىٰ الأموات في القبور للمساءلة ، ورواياتهم عن أصحاب الكهف ، وهذا كتابهم يتضمن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ

٧٦

أَحْيَاهُمْ ) (١) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسىٰ عليه‌السلام ، وحديث العزير ، ومن أحياه عيسىٰ بن مريم عليه‌السلام ، وحديث جريج الذي أجمع علىٰ صحته أيضاً. فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من الرجعة ، وأي ذنبٍ كان لجابر في ذلك حتىٰ يسقط حديثه (٢) ؟

ولا ريب أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الإسلامية ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضده ، ولا نرىٰ في الواقع ما يبرر هذا التهويل ضد أمرٍ لا يحيطون به علماً.

روىٰ حماد عن زرارة ، أنّه قال : سألت أبا عبدالله الصادق عليه‌السلام عن هذه الاُمور العظام من الرجعة وأشباهها. فقال عليه‌السلام : « إنّ هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه ، وقد قال الله عزَّ وجل : ( بَل كذّبُوا بِما لم يُحيطُوا بعلمِهِ ولمَا يأتِهِم تأويلُهُ ) » (٣).

يقول الشيخ محمد جواد مغنية : أما الأخبار المروية في الرجعة عن أهل البيت عليهم‌السلام فهي كالأحاديث في الدجال التي رواها مسلم في صحيحه القسم الثاني من ٢ : ١٣١٦ طبعة سنة ١٣٤٨ ه‍ ، ورواها أيضاً أبو داود في سننه ٢ : ٥٤٢ طبعة سنة ١٩٥٢ م وكالأحاديث التي رويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنَّ أعمال الأحياء تعرض علىٰ أقاربهم الأموات في كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ١ : ٢٢٨ طبعة سنة ١٣٥٢ ه‍.

إنَّ هذه الأحاديث التي رواها العامّة في الدجال وعرض أعمال الأحياء

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) بحار الأنوار ٥٣ : ١٤٠. وحق اليقين ، لعبدالله شبر ٢ : ٣٥.

(٣) بحار الأنوار ٥٣ : ٤٠ / ٤ والآية من سورة يونس ١٠ : ٣٩.

٧٧

علىٰ الأموات وما إلىٰ ذلك تماماً كالأخبار التي رواها الشيعة في الرجعة عن أهل البيت عليهم‌السلام (١) !

وفي هذا الصدد ينبغي الالتفات إلىٰ أنَّ هناك بعض الخرافات التي تمتزج أحياناً في الحديث عن الرجعة فتشوّه وجهها في نظر البعض حتىٰ من الشيعة الإمامية ، يقول الحرّ العاملي قدس‌سره في مقدمة كتابه ( الايقاظ من الهجعة ) : قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة ( اثبات الرجعة ) (٢) التي وعد الله بها المؤمنين والنبي والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها ، ليظهر أنّها من الكتب المعتمدة ، فكان ذلك سببا لتوقف بعض الشيعة عن قبولها حتىٰ انتهىٰ إلىٰ إنكار أصل الرجعة وحاول إبطال برهانها ودليلها ، وربما مال إلىٰ صرفها عن ظاهرها وتأويلها ، مع أنَّ الأخبار بها متواترة ، والأدلة العقلية والنقلية علىٰ إمكانها ووقوعها كثيرة متظاهرة (٣).

إذن يجب أن نعوّل علىٰ الأحاديث الصحيحة في هذا الشأن ، وأن نتجنب الأحاديث المشكوكة أو المطعون فيها.

__________________

(١) الشيعة والتشيع ، لمحمد جواد مغنية : ٥٦.

(٢) وهي للسيد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي النجفي معاصر الشيخ الحر العاملي. راجع الذريعة ، للشيخ آقا بزرك ١ : ٩٤.

(٣) الايقاظ من الهجعة ، للعاملي : ٣.

٧٨



الفصل الخامس

مناظرات واحتجاجات

ورد عن الأئمة عليهم‌السلام وأعلام الطائفة عدّة مناظرات للدفاع عن عقيدة الرجعة ، أجابوا فيها عن شبهات المخالفين للقول بها ، أو مصححين بعض الآراء التي تعترض لأصحابهم ، أو شارحين لهم بعض المفاهيم المتعلقة بها.

والدفاع عن هذه العقيدة لم يكن وليد الأمس ، بل إنّه راسخ منذ عصر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وباقي الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم ، فقد روي عن نجم ابن أعين أنّه كان مجاهدا في الرجعة (١) ، وروىٰ العلاّمة قدس‌سره في الخلاصة في ترجمة ميسّر بن عبدالعزيز عن العقيقي ، قال : أثنى عليه آل محمد عليهم‌السلام ، وهو ممن يجاهد (٢) في الرجعة (٣).

قال المجلسي قدس‌سره : قيل : المعنىٰ أنّه يرجع بعد موته مع القائم عليه‌السلام ويجاهد معه ، والأظهر عندي أنَّ المعنىٰ أنّه كان يجادل مع المخالفين ،

__________________

(١) رجال ابن داود : ١٩٥.

(٢) هكذا في نسخة البحار ، وفي الخلاصة : يجاهر.

(٣) الخلاصة ، للعلاّمة الحلي : ٢٧٩.

٧٩

ويحتجّ عليهم في حقيّة الرجعة (١).

١ ـ احتجاج أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

روىٰ الحسن بن سليمان الحلي بالاسناد عن الأصبغ بن نباتة ، قال : إنّ عبدالله بن الكواء اليشكري قام إلىٰ أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنَّ أبا المعتمر تكلّم آنفاً بكلام لا يحتمله قلبي.

فقال عليه‌السلام : ‎« وما ذاك ؟

قال : يزعم أنك حدّثته أنّك سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سناً من أبيه ؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فهذا الذي كبر عليك ؟

قال : نعم ، فهل تؤمن أنت بهذا وتعرفه ؟

فقال عليه‌السلام : نعم ، ويلك يا ابن الكواء ، إفقه عني أُخبرك عن ذلك ، إنّ عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها ، وله يومئذٍ خمسون سنة ، فلمّا ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بذنبه أماته مائة عام ثم بعثه ، فرجع إلىٰ أهله وهو ابن خمسين سنة ، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة ، وردَّ الله عزيراً في السنَّ الذي كان به.

فقال : أسألك ما نريد ؟

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : سل عمّا بدا لك.

فقال : نعم ، إنَّ أُناساً من أصحابك يزعمون أنّهم يردّون بعد الموت.

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٣ : ١٢٤.

٨٠