الرّجعة

علي موسى الكعبي

الرّجعة

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-75-7
الصفحات: ١٠٧
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أنّها نزلت في الرجعة (١) ، ولا يخفىٰ أنّها لا تستقيم في إنكار البعث ، لأنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللات والعزىٰ ، ولأنّ التبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة (٢).

خامساً : قوله تعالىٰ : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (٣).

قال ابن شهرآشوب : ( هذه الآية تدلُّ علىٰ أنَّ بين رجعة الآخرة والموت حياة أُخرىٰ ، ولا ينكر ذلك لأنّه قد جرىٰ مثله في الزمن الأول ، قوله في قصة بني إسرائيل : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ ) ، وقوله في قصة عزير أو أرميا : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ ) ، وقوله في قصة إبراهيم : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) ) (٤).

وقال الشيخ الحر العاملي : وجه الاستدلال بهذه الآية أنّه أثبت الإحياء مرتين ، ثم قال بعدها ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) والمراد به القيامة قطعاً ، والعطف ـ خصوصاً بثمّ ـ ظاهر في المغايرة ، فالإحياء الثاني إما في الرجعة أو نظير لها ، وبالجملة ففيها دلالة علىٰ وقوع الإحياء قبل القيامة (٥).

سادساً : قوله تعالىٰ : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥٠ / ١٤. وتفسير القمي ١ : ٣٨٥. وتفسير العياشي ٢ : ٢٥٩ / ٢٦. والاعتقادات ، للصدوق : ٦٢.

(٢) الايقاظ من الهجعة ، للعاملي : ٧٦.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢٨.

(٤) متشابه القرآن ٢ : ٩٧. والآيات من سورة البقرة ٢ : ٢٤٣ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ علىٰ التوالي.

(٥) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٨٤.

٤١

وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) إلىٰ قوله تعالىٰ : ( مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١).

روىٰ الشيخ الكليني والصدوق بالاسناد عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : « أنّ المراد بالذين استضعفوا هم الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام وأنَّ هذه الآية جارية فيهم عليهم‌السلام إلىٰ يوم القيامة » (٢).

وروى السيد الرضي قدس‌سره بالاسناد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لتعطفنَّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس علىٰ ولدها ، ثم تلا قوله تعالىٰ : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) » (٣) ، وفي روايات عديدة أنَّ ذلك يكون إذا رجعوا إلىٰ الدنيا وقتلوا أعداءهم وملكوا الأرض (٤).

قال الحر العاملي : وهذه الآية تدلُّ علىٰ أنَّ المنّ علىٰ الجماعة المذكورين وجعلهم أئمة وارثين والتمكين لهم في الأرض وحذر أعدائهم منهم ، كلّه بعدما استضعفوا في الأرض ، وهل يتصور لذلك مصداق إلاّ الرجعة ، وهل يجوز التصدي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة ، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعين حملها علىٰ الحقيقة ، ولا يجوز صرفها إلىٰ تأويل بعيد ولا قريب ، إلاّ أن يخرج الناظر فيها عن الانصاف ويكذّب الأحاديث الكثيرة المتواترة في تفسير الآية

__________________

(١) سورة القصص ٢٨ : ٥ ـ ٦.

(٢) الكافي ، للكليني ١ : ٢٤٣ / ١. ومعاني الأخبار ، للصدوق : ٧٩.

(٣) خصائص الأئمة ، للسيد الرضي : ٧٠ مجمع البحوث الإسلامية ـ مشهد.

(٤) تفسير القمي ١ : ٢٥ و ١٠٦ و ٢ : ٢٩٧. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٤٢ و ٤٦ و ١٦٧. والرجعة ، للاسترآبادي : ١٢٩ دار الاعتصام.

٤٢

بالرجعة (١).

سابعاً : قوله تعالىٰ : ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) (٢).

روى علي بن إبراهيم والطبرسي وغيرهما بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « كلُّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة ، وأمّا في القيامة فيرجعون ، ومن محض الإيمان محضاً وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب ، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون » (٣) وهذه الآية أوضح دلالة علىٰ الرجعة ، لأنّ أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أنّ الناس كلهم يرجعون إلىٰ القيامة ، من هلك ومن لم يهلك ، فقوله : ( لَا يَرْجِعُونَ ) يعني في الرجعة ، فأما إلىٰ القيامة فيرجعون حتىٰ يدخلوا النار (٤).

ثامنا : قوله تعالىٰ : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (٥).

روي عن الإمام الباقر والصادق عليهما‌السلام من عدّة طرق « أنّ هذا النصر يكون في الرجعة ، ذلك لأنَّ كثيراً من الأنبياء والأوصياء قُتِلوا وظُلمِوا ولم ينصروا ، وأنّ الله لا يخلف الميعاد » (٦).

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٧٥.

(٢) سورة الانبياء ٢١ : ٩٥.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٤. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٤١. وبحار الأنوار ، للمجلسي ٥٣ : ٦٠ / ٤٩. والايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٨٩.

(٤) بحار الأنوار ٥٣ : ٥٢ / ٢٩.

(٥) سورة غافر ٤٠ : ٥١.

(٦) تفسير القمي ٢ : ٢٥٨. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٤٥. وكامل الزيارات ، لابن قولويه : ٦٣ / ٣.

٤٣

وسئل الشيخ المفيد قدس‌سره في المسائل الحاجبية عن هذه الآية ، حيثُ قيل له : في هذه الآية تأكيد ، فقد أوجب تعالىٰ بأنّه ينصرهم في الحالين جميعاً في الدنيا والآخرة ، وهذا الحسين بن علي عليهما‌السلام حجة الله قتل مظلوماً فلم ينصره أحد ؟

فأجاب الشيخ المفيد قدس‌سره بوجوه ، إلىٰ أن قال : وقد قالت الإمامية أنَّ الله تعالىٰ ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم عليه‌السلام والكرة التي وعد بها المؤمنين ، وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم في العاقبة (١).

ثالثاً : الحديث :

مما لاريب فيه أنّ صحة الأحكام والعقائد تتوقف علىٰ ورود أحاديث شريفة ثابتة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام سيما ما يتعلق بالاعتقاد بالاُمور الغيبية وحوادث المستقبل ، روىٰ الشيخ الكليني قدس‌سره في باب الضلال ، بالاسناد عن هاشم صاحب البريد ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : « أما والله إنّه شر عليكم أن تقولوا لشيء ما لم تسمعوه منّا » (٢) ، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصىٰ.

وممّا يؤيد الرجعة الروايات الكثيرة المتواترة التي نقلها الثقات عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام ، حتىٰ إنّها وردت في الأدعية والزيارات المأثورة عنهم عليهم‌السلام ، وحيث لا يسع بحثنا نقلها والتحقيق فيها ، فيكفي أن نذكر أنَّ السيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة ١٠٨٨ ه‍ قد

__________________

(١) المسائل الحاجبية : ٧٤.

(٢) الكافي ، للكليني ٢ : ٤٠١ / ١.

٤٤

جمع في رسالته المختصرة في الرجعة نحو ١١١ حديثاً من الكتب المعتمدة وجميعها تنصُّ علىٰ الرجعة.

وأخرج الحر العاملي ( ت ١١٠٤ ه‍ ) في كتابه ( الايقاظ من الهجعة بالبرهان علىٰ الرجعة ) ما يزيد علىٰ ٦٢٠ بين آية وحديث صريح في الرجعة نقلها عن سبعين كتاباً قد صنفها عظماء علماء الإمامية (١) ، وقال : إنَّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم‌السلام لوجودها في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة ، وكثرة القرائن القطعية الدالة علىٰ صحتها وثبوت روايتها ، علىٰ أنّها لا تحتاج إلىٰ شيءٍ من القرائن لكونها قد بلغت حدّ التواتر ، بل تجاوزت ذلك الحدّ ، وكل حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها ، فكيف يبقى شك مع اجتماع الجميع ؟ (٢).

وجمع العلاّمة المجلسي المتوفى سنة ١١١١ ه‍ نحو ٢٠٠ حديث في باب الرجعة من كتاب ( بحار الأنوار ) وقال : كيف يشكّ مؤمن بحقية الأئمة الأطهار عليهم‌السلام فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، كثقة الإسلام الكليني ، والصدوق محمد بن بابويه ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضىٰ ، والنجاشي ، والكشي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفار ، وسعد بن عبدلله ، وابن قولويه ، والسيد علي بن طاووس ، وفرات بن إبراهيم ، وأبي الفضل الطبرسي ،

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة : ٤٥٠ و ٤٣٠.

(٢) المصدر السابق : ٢٦.

٤٥

وإبراهيم بن محمد الثقفي ، ومحمد بن العباس بن مروان ، والبرقي ، وابن شهر آشوب ، والحسن بن سليمان ، والقطب الراوندي ، والعلامة الحلي وغيرهم.

إلى أن قال : وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ، ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوىٰ التواتر مع ماروته كافة الشيعة خلفا عن سلف (١).

المصنفون فيها :

ولم يقتصر علماء الإمامية ومصنفوهم علىٰ إيراد أحاديث الرجعة ضمن باب الغيبة من مصنفاتهم وحسب ، بل أفردوها في تأليف خاصّ بها ، وقد عددنا نحو أربعين كتاباً خاصاً بهذا الموضوع ، نذكر منها علىٰ سبيل المثال :

١ ـ كتاب الرجعة للحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، ذكره النجاشي في الرجال (٢).

٢ ـ كتاب إثبات الرجعة (٣) ، وكتاب الرجعة وأحاديثها (٤) ، وكتاب مختصر إثبات الرجعة (٥) ، جميعها للشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري ، المتوفى سنة ٢٦٠ ه‍ ، روىٰ عن الإمام الجواد والهادي والعسكري عليهم‌السلام ، وقيل : روىٰ عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، وكان ثقةً

__________________

(١) بحار الأنوار ، للمجلسي ٥٣ : ١٢٢.

(٢) رجال النجاشي : ٣٧.

(٣) الفهرست للشيخ الطوسي : ١٢٤ / ٥٥٢. والذريعة ، للشيخ آقا بزرك ١ : ٩٣.

(٤) الذريعة ١٠ : ١٦٢.

(٥) مطبوع في مجلة تراثنا العدد (١٥) ص ١٩٣ السنة الرابعة بتحقيق السيد باسم الموسوي.

٤٦

جليلاً فقيهاً متكلماً (١).

٣ ـ كتاب الرجعة ، لأحمد بن داود بن سعيد الفزاري ، أبو يحيىٰ الجرجاني ، ذكره النجاشي والشيخ الطوسي في الفهرست (٢).

٤ ـ كتاب الرجعة ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسىٰ بن بابويه القمي ، المتوفىٰ سنة ٣٨١ ه‍.

٥ ـ كتاب الرجعة ، للشيخ أبي النضر محمد بن مسعود العياشي صاحب التفسير ، ذكره النجاشي والشيخ الطوسي في الفهرست (٣).

٦ ـ كتاب إثبات الرجعة ، للعلاّمة الحلي المتوفي سنة ٧٢٦ ه‍ (٤).

٧ ـ كتابة الرجعة للشيخ الحسن بن سليمان الحلي ، تلميذ الشهيد الأول ، وهو صاحب مختصر بصائر الدرجات (٥).

ومن أشهر الكتب المطبوعة والمتداولة في عصرنا الحالي :

١ ـ كتاب ( الايقاظ من الهجعة بالبرهان علىٰ الرجعة ) للمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، المتوفىٰ سنة ١١٠٤ ه‍ ، وهو أوسع كتاب في بابه ، فقد ضمّنه نحو ٦٠٠ حديث و ٦٤ آية ، وأدلة وقرائن أُخرىٰ في البرهان علىٰ الرجعة ، وفرغ منه سنة ١٠٧٥ ه‍ (٦).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٠٦ / ٨٤٠. والخلاصة ، للعلاّمة الحلي : ١٣٢ / ٢.

(٢) رجال النجاشي : ٤٥٤. والفهرست ، للشيخ الطوسي : ٣٣.

(٣) المصدر السابق : ٣٥١. و ١٣٨ علىٰ التوالي.

(٤) الذريعة ، للشيخ آقا بزرك ١ : ٩٢ دار الأضواء.

(٥) بحار الأنوار ١ : ١٦. والذريعة ١ : ٩١.

(٦) مطبوع بتصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

٤٧

٢ ـ الشيعة والرجعة ، للشيخ محمدرضا الطبسي النجفي ، مطبوع في النجف سنة ١٩٧٥ م.

٣ ـ الرجعة ، للسيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي ، الشهيد في مكة سنة ١٠٨٨ ه‍ (١).

رابعاً : الاجماع :

نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية علىٰ اعتقاد صحة الرجعة وإطباقهم علىٰ نقل أحاديثها وروايتها ، وعلىٰ أنّها من اعتقادات أهل العصمة عليهم‌السلام ، وكل ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ ، وتأولوا معارضها علىٰ شذوذ وندور :

قال الشيخ الجليل رئيس المحدثين أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله في كتاب ( الاعتقادات ) باب الاعتقاد بالرجعة : اعتقادنا ـ يعني الإمامية ـ في الرجعة أنّها حق (٢).

وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله : اتفقت الإمامية علىٰ رجعة كثير من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنىٰ الرجعة اختلاف (٣).

ونقل الاجماع السيد المرتضىٰ علم الهدىٰ رحمه‌الله في أكثر من موضع من رسائله ، قال في ( الدمشقيات ) : قد اجتمعت الإمامية علىٰ أنَّ الله تعالىٰ

__________________

(١) مطبوع بتحقيق الاستاذ فارس حسون كريم.

(٢) الاعتقادات ، للصدوق : ٦٠.

(٣) أوائل المقالات ، للمفيد : ٤٦. والاختلاف الذي أشار إليه وقع في تأويل معنىٰ الرجعة علىٰ رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الأموات وسيأتي بيانه في الفصل اللاحق.

٤٨

عند ظهور القائم صاحب الزمان عليه‌السلام يعيد قوماً من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوماً من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب ، وإجماع هذه الطائفة قد بيّنا في غير موضع من كتبنا أنّه حجة ، لأنَّ المعصوم فيهم ، فيجب القطع علىٰ ثبوت الرجعة مضافاً إلىٰ جوازها في القدرة (١).

وقال في جواب المسائل التي وردت إليه من الري : الطريق إلىٰ إثبات الرجعة إجماع الإمامية علىٰ وقوعها ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم قد بيّنا في مواضع من كتبنا أنّه حجة لدخول قول الإمام فيه ، وما يشتمل علىٰ قول المعصوم من الأقوال لا بدَّ فيه من كونه صواباً (٢) ونقل هذا عنه الشيخ ابن شهر آشوب رحمه‌الله في ( متشابه القرآن ) (٣).

وقال الشيخ الطبرسي قدس‌سره في تفسيره : إنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق إليها التأويل عليها ـ أي علىٰ رجوع الدولة دون رجوع أعيان الأشخاص ـ وإنّما المعوّل في ذلك علىٰ إجماع الشيعة الإمامية ، وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده (٤).

وألف الشيخ الحسن بن سليمان بن خالد القمي رسالة في الرجعة قال فيها : الرجعة مما أجمع عليه علماؤنا بل جميع الإمامية (٥).

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ١٣٦ ـ الدمشقيات ـ دار القرآن الكريم ـ قم.

(٢) المصدر السابق ١ : ١٢٥.

(٣) متشابه القرآن ومختلفه ، لابن شهر آشوب ٢ : ٩٧.

(٤) مجمع البيان ، للطبرسي ٧ : ٣٦٧.

(٥) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٤٣.

٤٩

ونقل الإجماع علىٰ ذلك من علمائنا المتأخرين الشيخ الحر العاملي ، قال : الذي يدلُّ علىٰ صحة الرجعة إجماع جميع الشيعة الإمامية وإطباق الطائفة الاثنىٰ عشرية علىٰ اعتقاد صحة الرجعة ، فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاحقين ، وقد علم دخول المعصوم في هذا الاجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمة عليهم‌السلام الدالة علىٰ اعتقادهم بصحة الرجعة ، حتىٰ إنّه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد ابن الحسن المهدي عليه‌السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها (١) ومما يدلُّ علىٰ ثبوت الاجماع اتّفاقهم علىٰ رواية أحاديث الرجعة حتىٰ إنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة (٢).

وكذلك العلاّمة المجلسي في ( البحار ) ، قال : أجمعت الشيعة علىٰ الرجعة في جميع الأعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ، حتىٰ نظموها في أشعارهم (٣) واحتجوا بها علىٰ المخالفين في جميع أمصارهم ، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك ، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم ، منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما (٤).

خامساً : الضرورة :

ممّا يدلّ علىٰ ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن أئمة الهدىٰ عليهم‌السلام

__________________

(١) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٣٣.

(٢) المصدر السابق : ٤٣.

(٣) من ذلك ما رواه ابن عياش في ( المقتضب : ٤٨ ) بالاسناد عن أبي سهل النوشجاني ، أنّه أنشد لأبيه مصعب بن وهب الحرون :

ولي ثقة بالرجعة الحقّ مثلما

وثقت برجع الطرف مني إلىٰ الطرف

(٤) بحار الأنوار ، للمجلسي ٥٣ : ١٢٢.

٥٠

والتي هي نصّ صريح في ضرورة الاعتقاد بالرجعة ، ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب صفات الشيعة بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « من أقرّ بسبعة أشياء فهو مؤمن ـ وذكر منها ـ الإيمان بالرجعة » (١).

وروىٰ عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : « من أقرّ بتوحيد الله ـ وساق الكلام إلىٰ أن قال ـ وأقرّ بالرجعة والمتعتين ، وآمن بالمعراج ، والمُساءلة في القبر ، والحوض ، والشفاعة ، وخلق الجنة والنار ، والصراط والميزان ، والبعث والنشور ، والجزاء والحساب ، فهو مؤمن حقاً ، وهو من شيعتنا أهل البيت عليهم‌السلام » (٢).

ومما يدلُّ علىٰ أنّ الاعتقاد بالرجعة من ضروريات مذهب الإمامية ، ورودها في الأدعية والزيارات المروية عن الأئمة الهداة من عترة المصطفىٰ عليهم‌السلام ، والتي علّموها لشيعتهم منها زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام المروية في المصباح عن الإمام الصادق عليه‌السلام وفيها : « وأُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن » (٣) ، والمراد بالإياب : الرجعة.

وفي الاقبال والمصباح في الدعاء في اليوم الذي ولد فيه الإمام الحسين عليه‌السلام المروي عن الهمداني وكيل الإمام أبي محمد العسكري عليه‌السلام وفيه : « المُعوَّض من قتله أنّ الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ـ إلىٰ قوله ـ فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته » (٤) ، والأوبة : الرجعة.

__________________

(١) حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر ٢ : ٢٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق : ١٥.

(٤) المصدر السابق ٢ : ١٥.

٥١

وفي زيارات الإمام القائم عليه‌السلام التي ذكرها السيد ابن طاووس فقرات كثيرة تدلّ علىٰ ذلك ، ففي بعضها : « فاجعلني يا ربِّ فيمن يكرّ في رجعته ، ويملك في دولته ، ويتمكّن في أيامه » (١).

وروىٰ السيد ابن طاووس بالاسناد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في زيارة النبي والأئمة عليهم‌السلام ومنها : « إنّي من القائلين بفضلكم ، مقرٌّ برجعتكم ، لا أنكر لله قدرة » (٢).

قال الحر العاملي : والذي يدلّ علىٰ صحة الرجعة الضرورة ، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة ، فلا ترىٰ أحداً يعرف اسمه ويعلم له تصنيف من الإمامية يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها.. والذي يُعلم بالتتبّع أنَّ صحّة الرجعة أمر محقق معلوم مفروغ منه مقطوع به ضروري عند أكثر علماء الإمامية أو الجميع ، حتىٰ لقد صنفت الإمامية كتباً كثيرة في إثبات الرجعة ، كما صنفوا في إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغير ذلك (٣).

وممّا يدل علىٰ أنَّ صحة الرجعة أمرٌ قد صار ضرورياً ما نقل عن ( كتاب سليم بن قيس الهلالي ) الذي صنفه في زمان أمير المؤمنين عليه‌السلام وقوله : حتىٰ صرت ما أنا بيوم القيامة أشد يقيناً مني بالرجعة (٤).

__________________

(١) حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر ٢ : ١٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : ٦٠.

(٤) المصدر السابق : ٦٤.

٥٢



الفصل الثالث

أحكام في الرجعة

الرجعة خاصة :

الرجعة خاصة بدلالة قوله تعالىٰ : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) (١) وقوله تعالىٰ : ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) (٢) وقد تقدم القول فيهما آنفاً ، ويستفاد من مجموع الأخبار المستفيضة من طرق الإمامية أنَّ الراجعين صنفان من المؤمنين والكافرين ، فقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « إنَّ الرجعة ليست بعامة ، وهي خاصة ، لا يرجع إلاّ من محض الإيمان محضاً أو محض الشرك محضاً » (٣) أما سوىٰ هذين الصنفين فلا رجوع لهم إلىٰ يوم المآب.

من هم الراجعون ؟

من حصيلة مجموع الروايات الواردة في هذا الباب نلاحظ أنّها تنصّ

__________________

(١) سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

(٢) سورة الأنبياء ٢١ : ٩٥.

(٣) مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٣٤. وبحار الأنوار ٥٣ : ٣٩ / ١.

٥٣

علىٰ رجعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام (١) والإمام الحسين عليه‌السلام (٢) وكذلك باقي الأئمة والأنبياء عليهم‌السلام (٣).

وتنصّ كذلك علىٰ رجعة عدد من أنصار الإمام المهدي عليه‌السلام ووزرائه ، وبعض أصحاب الأئمة وشيعتهم (٤) ، ورجعة الشهداء والمؤمنين (٥) ، ومن جانب آخر تنصّ علىٰ رجعة الظالمين وأعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم‌السلام (٦) ، وخصوم الأنبياء والمؤمنين ، ومحاربي الحق والمنافقين (٧) ، وجميع هؤلاء لا يخرجون من الصنفين المذكورين في الحديث المتقدم.

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٤٧. وغيبة النعماني : ٢٣٤ / ٢٢. والخرائج والجرائح ، للقطب الراوندي ٢ : ٨٤٨. ومختصر بصائر الدرجات : ١٧ و ٢٤ و ٢٦ و ٢٨ و ٢٩. وبحار الأنوار ٥٣ : ٣٩ / ٢ و ٤٢ / ١٠ ، ١٢ و ٤٦ / ١٩ و ٥٦ / ٣٣ و ٩١ / ٩٦.

(٢) الكافي ، للكليني ٨ : ٢٠٦ / ٢٥٠. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ٢٤ و ٢٨ و ٢٩. وبحار الأنوار ٥٣ : ٣٩ / ١ و ٤٣ / ١٤ و ٨٩ / ٩٠.

(٣) تفسير القمي ١ : ٢٥ و ١٠٦ ، ٢ : ١٤٧. وتفسير العياشي ١ : ١٨١ / ٧٦. ومختصر بصائر الدرجات : ٢٦ و ٢٨. وبحار الأنوار ٥٣ : ٤١ / ٩ و ٤٥ / ١٨ و ٥٤ / ٣٢ و ٥٦ / ٣٨ و ٦١ / ٥٠.

(٤) رجال الكشي : ٢١٧ / ٣٩١. والكافي ، للكليني ٨ : ٥٠ / ١٤. وتفسير العياشي ٢ : ٣٢ / ٩٠ و ٢٥٩ / ٢٨. ودلائل الإمامة ، للطبري : ٢٤٧ و ٢٤٨. وروضة الواعظين ، للفتال : ٢٦٦. والزهد ، للحسين بن سعيد : ٨٢. وبحار الأنوار ٥٣ : ٤٠ / ٧ و ٧٠ / ٦٧ و ٧٦ / ٨١ و ٧٦ / ٨٢ و ٩٢ / ١٠٢.

(٥) تفسير العياشي ١ : ١٨١ / ٧٧ و ٢ : ١١٢ / ١٣٩. ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : ١٩. والخرائج والجرائح ، للقطب الراوندي ٣ : ١١٦٦ / ٦٤. وبحار الأنوار ٥٣ : ٦٥ / ٥٨ و ٧٠ / ٦٧.

(٦) كتاب زيد النرسي ، الاصول الستة عشر : ٤٣ ـ ٤٤. وبحار الأنوار ٥٣ : ٥٤ / ٣٢.

(٧) دلائل الإمامة ، للطبري : ٢٤٧. وتفسير القمي ١ : ٣٨٥. ومختصر بصائر الدرجات : ١٩٤.

٥٤

هل ثمة رجعة بعد عصر الظهور ؟

استفاضت الأخبار من عدة طرق بحديث الرجعة في عصر الإمام المهدي عليه‌السلام وعدّها الشيخ المفيد قدس‌سره من علامات الظهور ، حيثُ قال في باب ذكر علامات القائم عليه‌السلام من كتاب ( الارشاد ) : قد جاءت الأخبار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه‌السلام وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات ، فمنها خروج السفياني.. إلىٰ أن قال : وأموات ينشرون من القبور حتىٰ يرجعوا إلىٰ الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.. إلىٰ أن قال : فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ، فيتوجهون نحوه لنصرته (١).

وقد روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : « أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرة ، ويوم القيامة » (٢). وهو يدلُّ علىٰ أنَّ هناك كرة بعد عصر الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام ، ويستفاد من روايات الرجعة أنّ لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام كرات عدة (٣) ، وأنّ الإمام الحسين عليه‌السلام يكرُّ بعد عصر الظهور (٤).

وفي هذا السياق يقول السيد عبدالله شبر : يجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأنَّ بعض المؤمنين وبعض الكفّار يرجعون إلىٰ الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهم عليهم‌السلام والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين عليهما‌السلام متواترة معنىً ، وفي باقي الأئمة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم هل هو

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٢) الخصال ، للصدوق : ١٠٨ / ٧٥. ومعاني الأخبار ، للصدوق : ٣٦٥ / ١.

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ٢٩. وبحار الأنوار ٥٣ : ٧٤ / ٧٥ و ٩٨ / ١١٤ و ١٠١ / ١٢٣.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٣٢٦ / ٢٤. ومختصر بصائر الدرجات : ٤٨. والاختصاص ، للمفيد : ٢٥٧.

٥٥

علىٰ الترتيب أو غيره ، فكل علمه إلىٰ الله سبحانه وإلى أوليائه (١).

حكم الرجعة :

هل الرجعة من أصول الدين ؟ وهل الإسلام منوط بالاعتقاد بها ؟

وما هي الأحكام التي أصدرها علماء الإمامية بشأن متأولي الرجعة ؟ هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها في هذا البحث.

الرجعة وأُصول الإسلام :

تعتقد الشيعة الإمامية بالرجعة من بين الفرق الإسلامية طبقاً لما ورد وصح من الأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة عليهم‌السلام ، وليس هذا بمعنىٰ أنّ عقيدة الرجعة تعدُّ واحدة من أُصول الدين ، ولا هي في مرتبة الاعتقاد بالله وتوحيده أو بدرجة النبوة والمعاد ، بل هي من ضروريات المذهب كما تقدم.

ولا يترتب علىٰ الاعتقاد بالرجعة إنكار لأي حكم ضروري من أحكام الإسلام ، وليس ثمة تضاد بين هذا الاعتقاد وبين أُصول الإسلام.

يقول الشيخ المظفر : إنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد ، ولا في عقيدة النبوة ، بل يؤكد صحة العقيدتين ، إنّ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالىٰ كالبعث والنشور ، وهي من الاُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا محمد وآل بيته عليهم‌السلام ، وهي عيناً معجزة إحياء الموتىٰ التي كانت للمسيح عليه‌السلام بل أبلغ هنا لأنّها بعد أن يصبح الأموات رميماً ( قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي

__________________

(١) حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر ٢ : ٣٥.

٥٦

أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (١).

ويقول أيضاً : والرجعة ليست من الاُصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها ، وإنّما اعتقادنا بها كان تبعا للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت عليهم‌السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الاُمور الغيبية التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها (٢).

الاختلاف في معنىٰ الرجعة :

رغم أنّ الأخبار قد تضافرت عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام بوقوع الرجعة إلىٰ الدنيا بعد الموت ، والإمامية بأجمعها علىٰ ذلك أخذاً بالروايات الصريحة الواردة في هذا الباب ، لكن البعض من المتقدمين تأول ما ورد في الرجعة بأنَّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلىٰ آل البيت عليهم‌السلام بظهور الإمام المنتظر عليه‌السلام من دون رجوع أعيان الأشخاص وإحياء الموتىٰ ، وإلىٰ هؤلاء المتأوّلين يشير الشيخ المفيد قدس‌سره بقوله : اتفقت الإمامية علىٰ رجعة كثير من الأموات إلىٰ الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنىٰ الرجعة اختلاف (٣).

وأشار إلىٰ هذا الاختلاف العلاّمة الطبرسي في تفسيره الآية ٨٣ من سورة النمل حيث قال : استدلّ بهذه الآية علىٰ صحة الرجعة من ذهب إلىٰ ذلك من الإمامية (٤).

__________________

(١) عقائد الإمامية : ١٠٩. والآيتان من سورة يس ٣٦ : ٧٨ ـ ٧٩.

(٢) عقائد الإمامية : ١١٣.

(٣) أوائل المقالات : ٤٦.

(٤) مجمع البيان ٧ : ٣٦٦.

٥٧

وقد ذكر هذا الاختلاف الشيخ أبو زهرة حيثُ قال : ويظهر أنّ فكرة الرجعة علىٰ هذا الوضع ليست أمراً متّفقا عليه عند إخواننا الاثنىٰ عشرية ، بل فريق لم يعتقده (١).

إذن هناك متأولون للرجعة من بين الشيعة الإمامية ، فهؤلاء ينكرون الرجعة بالمعنىٰ الذي ذهبت إليه أكثر الشيعة الإمامية أخذاً بالأخبار والروايات الواردة فيها ، ولم يصرّح أحد بكفر هؤلاء أو خروجهم من الإسلام ، لأنّهم لم ينكروا أصل الاعتقاد بالرجعة والروايات المتكاثرة الواردة فيها.

علىٰ أنَّ المحققين من أعلام الطائفة قد أجابوا هؤلاء عن قولهم بما لا مزيد عليه ، قال السيد المرتضى علم الهدىٰ مجيباً علىٰ سؤال بهذا الخصوص ، وهو من جملة المسائل التي وردت عليه من الري : فأمّا من تأول الرجعة من أصحابنا علىٰ أنّ معناها رجوع الدولة من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فانّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة وبيان جوازها وأنها تنافي التكليف (٢) عوّلوا علىٰ هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة ، وهو منهم غير صحيح ، لأنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فتتطرق التأويلات عليها ، وكيف يثبت ما هو مقطوع علىٰ صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم ، وإنما المعول في إثبات الرجعة علىٰ إجماع الإمامية علىٰ معناها ، بأنَّ الله يحيي أمواتاً عند قيام القائم عليه‌السلام من أوليائه وأعدائه علىٰ ما بيناه ، فكيف يتطرق التأويل

__________________

(١) الامام الصادق ، للشيخ محمد أبو زهرة : ٢٤٠.

(٢) وسيأتي الجواب تاماً عن هذه المسألة في الفصل السادس.

٥٨

على ما هو معلوم ، فالمعنىٰ غير محتمل (١).

حكم متأولي الرجعة :

علىٰ ضوء ما تقدّم ، تبين لنا أن الرجعة من ضروريات المذهب عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، وان كان هناك في السابقين منهم قول بتأويل رواياتها ، لكن القائل بالتأويل لا ينكرها ، لالتفاته إلىٰ أنَّ الانكار مع العلم بالروايات وتواترها تكذيبٌ لأهل العصمة المخبرين بها ، والعياذ بالله.

وبالجملة : فإنَّ حال الاعتقاد بالرجعة حال سائر الاُمور الضرورية في المذهب ، فإنَّه ـ بعد ثبوت كونه من الضروريات ـ يجب الاعتقاد به ، لكن الاعتقاد بالتفاصيل والجزئيات غير واجب.

وأمّا تفاصيل الأحكام المترتبة علىٰ انكار الضروري من المذهب أو الدين ، فليرجع فيها إلىٰ الكتب الاعتقادية والفقهية.

الهدف من الرجعة :

إنَّ أحداث آخر الزمان لا تزال في ظهر الغيب ، إلاّ أننا نستطيع أن نقرأ الحكم عليها أيضاً ، لأنّ العدل الإلهي مطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، والحكم بالعدل أصيل علىٰ أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله تعالىٰ ذلك اليوم حتىٰ يأتي بالخير المخبوء المتمثّل بمهدي آخر الزمان عليه‌السلام ورجاله ليجتثَّ مؤسسات الباطل وأجهزة الظلم والجور ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضىٰ ١ : ١٢٦.

٥٩

وجوراً قال تعالىٰ : ( وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) (١).

روىٰ الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن أبي عمير ، قال : كان الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول :

«‎ لكلِّ أُناسٍ دولةٌ يرقبونها

ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ » (٢)

إنَّ تطبيق العدالة السماوية في الأرض قبل يوم المحشر وقيام الناس للحساب الأكبر يشمل ثلّة من الماضين كما يشمل الذين هم في زمان ظهور الإمام عليه‌السلام ، والماضون هم أُولئك الذين حكم عليهم بالعودة إلىٰ الحياة مرة أُخرىٰ ، ويشكّلون لفيفاً متميزاً من المؤمنين والظالمين ، يعودون لينال المجرمون الذين محضوا الكفر محضا جزاء ما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والفساد ومحاربة أولياء الله وعباده المخلصين ، وما يستحقونه من حدود الله تعالىٰ التي عطّلوها وأسقطوها من حسابهم ، واستبدلوها بالكفر والطغيان ، ليذوقوا العذاب في دار الدنيا ولعذاب الآخرة أشدَّ وأخزىٰ.

وعودة المؤمنين تعني انتصار أولياء الله الذين محضوا الإيمان محضاً بعد أن ذاقوا الويل والعذاب لدهور طويلة من قبل أولئك المتسلطين والمتجبرين ، وهذا المعنىٰ يمكن أن نستشعره في قوله تعالىٰ : ( وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ) (٣) فهو يعني أنَّ الذين ذاقوا العذاب

__________________

(١) سورة السجدة ٣٢ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٧٨ / ٧٩١.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٩٥.

٦٠