دور العقيدة في بناء الإنسان

عباس ذهبيات

دور العقيدة في بناء الإنسان

المؤلف:

عباس ذهبيات


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8629-58-7
الصفحات: ١٠٠

نفسي ما لم أعوّدها ، ارفعوه عنّي فرفعوه » (١).

وكان عليه‌السلام يجعل جريش الشعير في وعاء ويختم عليه ، فقيل له في ذلك ، فقال عليه‌السلام : « أخافُ هذين الولدين أن يجعلا فيه شيئا من زيت أو سمن » (٢).

الخوف والرجاء :

مما يمكن التأكيد عليه أنّ في النفس خطان متقابلان هما الخوف والرجاء ، والعقيدة تعمد إلى كلا الخطين ، فتبدد عن النفس كل خوف باطل وكل رجاء منحرف ، وبدلاً من ذلك تُنمّي الخوف من اللّه من جانب ، ورجاء ثوابه من جانب آخر قال تعالى : ( ... يحذرُ الآخرةَ ويرجُو رحمةَ ربهِ ... ) (٣) ، فليست نظرتها أحادية الجانب كأن تركز على جانب الخوف فتؤيس الإنسان من رحمة اللّه ، أو تركز ـ بالمقابل ـ على الرجاء فتضعف في نفسه الخشية من اللّه.

يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو تعلمون قدر رحمة اللّه لاتّكلتم عليها وما عملتم إلاّ قليلاً ، ولو تعلمون قدر غضب اللّه لظننتم بأن لا تنجوا » (٤).

ويقول وصيه الإمام علي عليه‌السلام : « إنّ استطعتم أن يشتدَّ خوفكم من اللّه وأن يحسن ظنّكم به ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه ، وإنّ أحسن الناس ظنّا باللّه أشدهم خوفا للّه » (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٥٠٨ ـ دار احياء التراث العربي.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٥٠٩.

(٣) الزمر ٣٩ : ٩.

(٤) كنز العمال ٣ : ١٤٤ / ٥٨٩٤.

(٥) نهج البلاغة : ٣٨٤.

٨١

وتجدر الاشارة إلى أنّ الناس « يختلفون في طباعهم وسلوكهم اختلافا كبيرا ، فمن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم ، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم من الترجّي والتخويف فمنهم من يصلحه الرجاء ، وهم العصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام ، فحاولوا التوبة إلى اللّه ، بيد أنهم قنطوا من عفو اللّه وغفرانه ، لفداحة جرائمهم ، وكثرة سيئاتهم ، فيعالج والحالة هذه قنوطهم بالرجاء بعظيم لطف اللّه ، وسعة رحمته وغفرانه.

أما الذين يصلحهم الخوف : فهم المردة العصاة ، المنغمسون في الآثام ، والمغترون بالرجاء ، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف ، بما يهددهم من العقاب الأليم ، والعذاب المهين » (١).

وكان لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الذين سكن خوف اللّه تعالى في نفوسهم وانعكس على جوارحهم ، وزرع رجاؤه في قلوبهم ، أروع الامثلة في هذا المجال ، فروي عن أبي ذر رحمه‌الله أنّه بكى من خشية اللّه حتّى اشتكى بصره ، فقيل له لو دعوت اللّه يشفي بصرك؟! ، فقال : إنّي عن ذلك مشغول ، وما هو أكبر همّي. قالوا : وما شغلك عنه؟! قال : العظيمتان : الجنة والنار (٢).

من جانب آخر يُنمّي روّاد هذه المدرسة الإلهية شعور الرّجاء في النفوس ، فمن وصايا أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن عليهما‌السلام : « أي بُنيَّ ، لا تؤيّس مذنبا ، فكم من عاكف على ذنبه خُتم له بخير ، وكم من مقبل على عمل مفسد من آخر عمره ، صائر إلى النار ، نعوذ باللّه منها » (٣).

__________________

(١) أخلاق أهل البيت ، للسيد مهدي الصدر : ١٢٩ ـ دار الكتاب الاسلامي.

(٢) روضة الواعظين : ٢٨٥ في فضائل أبي ذر رضي‌الله‌عنه.

(٣) تحف العقول : ٦٦ ـ مؤسسة الاعلمي ط ٥.

٨٢

الفصل الرابع

البناء الأخلاقي

العقيدة تشكّل مرتكزا متينا للأخلاق ، لأنّها تخلق الواعز النفسي عند الإنسان للتمسك بالقيم الأخلاقية السامية ، على العكس من العقائد الوضعية التي تساير شهوات الإنسان ، وتنمّي بذور الأنانية المغروسة في نفسه.

والأخلاق تحظى بأهمية استثنائية في العقيدة الإسلامية ، قال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بُعثتُ لاتُمّم مكارم الأخلاق » (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا : الخُلق الحسن نصف الدين ، وقيل له : ما أفضل ما أعطى المرئ المسلم؟ قال : الخُلق الحسن » (٢).

الإسلام يربط بين الدين الحق والأخلاق ، مثل هذه الرؤية تتوضح خطوطها في أنّ الدين يحثُّ على الأخلاق الحسنة ويقوم بتهذيب الطباع ويجعل ذلك تكليفا في عنق الفرد يستتبع الثواب أو العقاب ، وعليه فلم يقدّم الدين توجهاته الأخلاقية المثالية بصورة مجردة عن المسؤولية ، وإنّما جعل الأخلاق نصف الدين ، لأن الدين اعتقاد وسلوك. والأخلاق تمثل الجانب السلوكي للفرد.

__________________

(١) كنز العمال ١١ : ٢٤٠ / ٣١٩٦٩.

(٢) روضة الواعظين ، للفتال النيسابوري : ٣٧٦ ـ منشورات الرضي ـ قم.

٨٣

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « إنَّ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا » (١). جاء رجل إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين يديه فقال : يا رسول اللّه ما الدين؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حُسن الخلق. ثم أتاه من قبل شماله فقال : ما الدين؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حُسن الخلق. ثم أتاه عن يمينه فقال : ما الدين؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حُسن الخُلق ، ثم أتاه من ورائه فقال : ما الدين؟ فالتفت إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أما تفقه الدين؟ هو أن لا تغضب » (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « عنوان صحيفة المؤمن حُسن خُلقه » (٣).

يقول العلاّمة الطباطبائي : « إنّ الأخلاق لا تفي بإسعاد المجتمع ولا تسوق الإنسان إلى صلاح العمل إلاّ إذا اعتمدت على التوحيد ، وهو الإيمان بأنّ للعالم ـ ومنه الإنسان ـ إلها واحدا سرمديا لا يعزب عن علمه شيء ، ولا يُغلَب في قدرته ، خلق الأشياء على أكمل نظام لا لحاجة منه إليها وسيعيدهم إليه فيحاسبهم فيجزي المحسن بإحسانه ويعاقب المسيء بإساءته ثم يخلدون منعّمين أو معذّبين.

ومن المعلوم أنّ الأخلاق إذا اعتمدت على هذه العقيدة لم يبق للإنسان همّ إلاّ مراقبة رضاه تعالى في أعماله ، وكانت التقوى رادعا داخليا له عن ارتكاب الجرم ، ولولا ارتضاع الأخلاق من ثدي هذه العقيدة ـ عقيدة التوحيد ـ لم يبق للإنسان غاية في أعماله الحيوية إلاّ التمتع بمتاع

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ٩٩ / ١ كتاب الايمان والكفر.

(٢) المحجة البيضاء ٥ : ٨٩.

(٣) تحف العقول : ٢٠٠.

٨٤

الدنيا الفانية والتلذذ بلذائذ الحياة المادية » (١).

إنَّ العقائد الالحادية بإزالتها من النفوس البشرية شعور التعلق بالخالق الكامل ، والمثل الأعلى المطلق ، والشعور برقابته وحسابه والمسؤولية اتجاهه ، أزالت الركيزة الأساسية للأخلاق ، ولم تستطع أن تعوض عنها بركيزة أُخرى في مثل قوتها.

الأخلاق ضرورة اجتماعية ، فهي بمثابة صمّام أمان أمام نزعة الشر الكامنة في الإنسان ، والتي تدفعه لمد خيوط الأذى لأبناء جنسه ، وعليه فالبناء الاجتماعي بدون منظومة الأخلاق كالبناء على كثيب من الرمال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لو كنّا لا نرجوا جنّة ، ولا نخشى نارا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق ، فإنّها ممّا تدلُّ على سبيل النّجاح » (٢).

أساليب العقيدة في بناء الإنسان أخلاقيا :

لما كانت قضية الأخلاق تحظى بأهمية استثنائية في توجهات العقيدة الإسلامية ، نجد أنّها اتّبعت أساليب وطرق عدّة متضافرة كبناء يتصل بعضه ببعض ، تشكّل بمجموعها السور الوقائي الذي يحمي الإنسان من الانحدار والسقوط الأخلاقي ، ويمكن إجمال هذه الأساليب ، بالنقاط الآتية : ـ

أولاً : تحديد العقيدة للمعطيات الأخروية للأخلاق :

فمن اتّصف بالأخلاق الحسنة وعدته بالثواب الجزيل والدرجات

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ، العلاّمة الطباطبائي ١١ : ١٥٧ ـ مؤسسة الأعلمي ط٢.

(٢) مستدرك الوسائل ٢ : ٢٨٣.

٨٥

الرفيعة ، ومن ساء خلقه وأطلق العنان لنفسه وعدته بالعقاب الأليم.

قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ العبد ليبلغ بحسن خُلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل ، وإنّه لضعيف العبادة » (١).

وقال أيضا : « إنَّ حُسن الخُلق يبلغ درجة الصّائم القائم » (٢).

وقال موصيا : « يا بني عبدالمطلب ، أفشوا السلام وصِلوا الأرحام ، وأطعموا الطعام ، وطيّبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام » (٣).

وقال أيضا : « إنَّ الخُلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد .. » (٤).

وفي هذا السياق ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنَّ اللّه تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخُلق كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه يغدو عليه ويروح » (٥).

ثم إنّ هناك تلازما بين قبول الأعمال عموما والعبادية منها على وجه الخصوص وبين الأخلاق ، فقد روي أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع امرأة تسبُّ جارتها وهي صائمة ، فدعا بطعام فقال لها : « كلي! فقالت إنّي صائمة! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف تكونين صائمة وقد سببت جارتك ..؟! » (٦).

__________________

(١) المحجة البيضاء ٥ : ٩٣.

(٢) ارشاد القلوب ١ ـ ٢ : ١٣٣ ـ منشورات الرضي ـ قم.

(٣) ارشاد القلوب ١ ـ ٢ : ١٣٣.

(٤) اُصول الكافي ٢ : ١٠٠ / ٧ كتاب الإيمان والكفر.

(٥) اُصول الكافي ٢ : ١٠١ / ١٢ كتاب الايمان والكفر.

(٦) الاخلاق ، للسيد عبداللّه شبر : ٧٠ ـ منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم.

٨٦

ثانيا : بيان العقيدة للمعطيات الدنيوية للأخلاق :

فمن يتّصف بالأخلاق الحسنة ، يستطيع التكيّف والمواءمة مع أبناء جنسه ، ويعيش قرير العين ، مطمئن النفس ، هادئ البال ، أما من ينفلت من عقال القيم والمبادئ الأخلاقية ، فسوف يتخبط في الظلام ، ويعيش القلق والحيرة فيعذب نفسه ويكون ممقوتا من قبل أبناء جنسه ، ويدخل في متاهات لا تُحمد عقباها.

يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حُسن الخُلق يثبّت المودّة » (١). وقال وصيه الإمام علي عليه‌السلام : .. « وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق » (٢). وقال الإمام الصادق عليه‌السلام موصيا : « وإن شئت أن تُكرَم فَلِنْ ، وإن شئت أن تُهان فاخشن » (٣) ، وقال أيضا عليه‌السلام : « البر وحسن الخُلق يُعمران الدّيار ، ويزيدان في الأعمار » (٤).

وبالمقابل فإنّ للأخلاق السيئة معطيات سلبية يجد الإنسان آثارها في دار الدنيا ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « من ساء خُلقه عذَّب نفسه » (٥) ، وقال عليه‌السلام لسفيان الثوري الذي طلب منه أن يوصيه : « لا مروءة لكذوب ، ولا راحة لحسود ، ولا إخاء لملول ، ولا خُلّة لمختال ، ولا سؤدد لسيء الخُلق » (٦).

__________________

(١) تُحف العقول : ٣٨.

(٢) تحف العقول : ٩٨.

(٣) تحف العقول : ٣٥٦.

(٤) اُصول الكافي ٢ : ١٠٠ / ٨ كتاب الايمان والكفر.

(٥) اُصول الكافي ٢ : ٣٢١ / ٤ كتاب الإيمان والكفر.

(٦) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، للسيد محسن الأمين ٤ : ٦٩ عن تحف العقول.

٨٧

مما تقدم اتضح أنّ العقيدة ترغّب الإنسان بالتحلي بالأخلاق الحميدة من خلال إبرازها للمعطيات الإيجابية ـ الأخروية والدنيوية ـ التي سيحصل عليها إذا سار في طريق التزكية ، وبالمقابل تردعه عن الأخلاق السيئة من خلال بيان الآثار السلبية ـ الاُخروية والدنيوية ـ المترتبة عليها.

ثالثا : تقديم التوصيات والنصائح :

تقدم العقيدة ـ من خلال مصادرها المعرفية ـ التوصيات القيمة في هذا الصدد ، التي تزرع في الإنسان براعم الأخلاق الحسنة ، وتستأصل ما في نفسه من قيم وأخلاق فاسدة.

من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أنا أديب اللّه ، وعلي أديبي ، أمرني ربي بالسخاء والبر ، ونهاني عن البخل والجفاء ، وما من شيء أبغض إلى اللّه عزَّ وجل من البخل وسوء الخلق ، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل » (١).

وقال وصيه الإمام علي عليه‌السلام : « .. روضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة ، فإنَّ العبد المسلم يبلغ بحسن خُلقه درجة الصائم القائم » (٢).

وقال أيضا موصيا : .. « عوّد نفسك السّماح وتخيّر لها من كلِّ خلق أحسنه ، فإنّ الخير عادة » (٣).

وقال عليه‌السلام : « .. وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة ، وإيّاكم والأخلاق

__________________

(١) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : ١٧.

(٢) الخصال ، للصدوق ٢ : ٦٢١ حديث الاربعمائة.

(٣) بحار الانوار ٧٧ : ٢١٣ عن كشف المحجة لثمرة المهجة : ١٥٧ الفصل ١٥٤ ـ طبع النجف الأشرف.

٨٨

الدنية فإنّها تضع الشريف وتهدم المجد » (١).

من هذه الشواهد المنتخبة ، نستطيع القول بأنّ العقيدة تقدّم نصائحها وتوصياتها القيمة مُدعمة بالمعطيات والدلائل المقنعة ، لتشكّل جدارا من المنعة يحول دون جنوح الإنسان المسلم إلى هاوية الأخلاق السيئة.

رابعا : أُسلوب الأُسوة الحسنة :

وهو أحد الأساليب التربوية للعقيدة ، تربط الأفراد المنتسبين إليها برموزها ، لكونهم التجسيد المثالي أو الكامل لتوجهاتها ، وهم المنارة التي تبعث أنوارها ، وعليه فهي تحث الأفراد على الاقتداء بهم بغية التأثر بأخلاقهم والتزود من علومهم.

قال تعالى : ( لقد كانَ لكُم في رسولِ اللّه أُسوةٌ حسنةٌ .. ) (٢). لأنّ سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي التجسيد الواقعي الكامل للرسالة ، ولما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما وصفه القرآن الكريم ـ يمثل قمةً في مكارم الأخلاق : « وإنَّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم » (٣) توجّب على المسلمين أن يدرسوا أخلاقه ويهتدوا بسنته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستمد خُلقه من اللّه تعالى ومن كتابه الكريم ، قال تعالى : « خُذِ العَفوَ وَأمُر بالعُرفِ وأعرض عن الجاهِلِينَ » (٤).

وروي أنّه لمّا نزلت هذه الآية الجامعة لمكارم الأخلاق ، سأل

__________________

(١) بحار الانوار ٧٨ : ٥٣ عن الغرر والدرر ، للآمدي.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٢١.

(٣) القلم ٦٨ : ٤.

(٤) الأعراف ٧ : ١٩٩.

٨٩

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل عليه‌السلام عن ذلك فقال : « لا أدري حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال : يا محمد إنَّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك » (١).

لقد دعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى التحلّي بمكارم الأخلاق كالتواضع والجود والأمانة والحياء والوفاء ... وما إلى ذلك ، كما نهى عن مساوئ الأخلاق كالبخل والحرص والغدر والخيانة والغرور والكذب والحسد والغيبة. وهكذا جهد لتقويم كل خلق شائن ، والشواهد كثيرة ، لا يسع المجال لها ، قال الإمام علي عليه‌السلام : « ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه » (٢).

فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الرمز الأكبر للعقيدة الإسلامية ، يحرص أشد الحرص على هداية الناس إلى سواء السبيل ، لأنَّ عملية البناء الحضاري للإنسان تصبح عبثا لا طائل تحته من دون عملية التوجيه والهداية. وأهل البيت عليهم‌السلام هم نجوم الهداية الأبدية لهذه الاُمة ، قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : « .. ألا إنّ مثل آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمثل نجوم السماء إذا خوى نجمٌ طلع نجمٌ .. » (٣).

والهداية ـ بلا شك ولا شبهة تستلزم النجاة ـ هي الغاية المنشودة للإنسان المسلم ، ومن هنا يكمن المعنى العميق ، والتشبيه البليغ ، في حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب

__________________

(١) مجمع البيان ، للطبرسي ٣ : ٨٩ ـ منشورات مكتبة الحياة عام ١٩٨٠ م.

(٢) نهج البلاغة ، صبحي الصالح : ٢٢٨ / خطبة ١٦٠.

(٣) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ٧ : ٨٤.

٩٠

حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له » (١).

وصفوة القول ، إن لأهل البيت عليهم‌السلام دورا كبيرا في بناء الإنسان المسلم ، وانقاذه من شتى أنواع الانحدار والضلال وليصل به إلى شاطئ النجاة.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اُنظروا أهل بيت نبيكم ، فالزموا سمتهم ، واتَّبعوا أثرهم ، فلن يُخرجوكم من هدىً ، ولن يعيدوكم في ردىً .. (٢) ، وقال عليه‌السلام أيضا : نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي » (٣).

ولقد سار الأئمة الأطهار عليهم‌السلام على نهج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنته ، فقاموا بدور حضاري مشهود في إشاعة وترسيخ الأخلاق الفاضلة ، والردع عن الاخلاق الذميمة ، وكانوا يركزون على الجوهر بدلاً من المظهر ، ويعتبرون تحلية الجوانح بالاخلاق الفاضلة أفضل وأولى من تحلية الجوارح بالملابس الفاخرة ، فأصبح سلوكهم لنا أُسوة ومواقفهم قدوة ، فعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « خطب علي عليه‌السلام الناس وعليه إزار كرباس غليظ ، مرقوع بصوف ، فقيل له في ذلك ، فقال : يخشع القلب ، ويقتدي به المؤمن » (٤).

والباحث يجد أن قضية الاخلاق قد احتلت مساحةً كبيرةً من آثار أهل البيت عليهم‌السلام كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وغيرهما لما لهذه القضية الجوهرية من دور مهم في البناء التربوي للإنسان المسلم ، عن جرّاح

__________________

(١) المراجعات ، للسيد عبدالحسين شرف الدين : ٢٣ المراجعة الثامنة ، وفي هامش (٣٧) اخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد.

(٢) شرح النهج ، لابن أبي الحديد ٧ : ٧٦.

(٣) شرح النهج ١٨ : ٢٧٣.

(٤) مكارم الاخلاق ، للطبرسي : ١١٣.

٩١

المدائني أنّه قال : قال لي أبو عبداللّه عليه‌السلام : « ألا أُحدّثك بمكارم الأخلاق؟ الصفح عن الناس ، ومواساة الرّجل أخاه في ماله ، وذكر اللّه كثيرا » (١).

وفي الوقت الذي يردع فيه آل البيت عليهم‌السلام كل انحراف أخلاقي ، فإنّهم يسترون على الناس معائبهم ، ولا يستغلون ذلك ذريعة للتشهير بهم والنيل منهم ، فمن كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام للأشتر لمّا ولاّه مصر : « وليكن أبعد رعيّتك منك ، وأشنأهم عندك ، أطلبهم لمعائب الناس ، فإنّ في الناس عيوبا ، الوالي أحقُّ من سَتَرها ، فلا تكشفنَّ عمّا غاب عنك منها ، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك .. فاستر العورة ما استطعت .. » (٢).

وكانوا يتبعون أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة ، فعن الحسين بن علي عليهما‌السلام أنه قال لرجل اغتاب رجلاً : « يا هذا كفّ عن الغيبة فإنّها أدام كلاب النّار » (٣).

وقال رجل للإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام : إنّ فلانا ينسبك إلى أنّك ضالٌّ مبتدع ، فقال له الإمام عليهما‌السلام : « ما رعيت حقّ مجالسة الرجل ، حيثُ نقلت إلينا حديثه ، ولا أدّيت حقّي حيثُ أبلغتني من أخي ما لست أعلمه! .. واعلم أنّ من أكثر عيوب الناس شهد عليه الإكثار ، أنّه إنّما يطلبها بقدر ما فيه » (٤).

وكان من دعائه عليه‌السلام : « اللهمَّ إنّي أُعوذ بك من هيجان الحرص وسَورة الغضب وغلبة الحسد وضعف الصبر وقلّة القناعة وشكاسة الخُلق .. » (٥).

__________________

(١) معاني الاخبار ، للصدوق : ١٩١.

(٢) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : ٤٢٩ كتاب ٥٣.

(٣) تحف العقول : ١٧٦ ـ مؤسسة الاعلمي ط ٥.

(٤) الاحتجاج ، للطبرسي ١ ـ ٢ : ٣١٥ ـ مؤسسة الاعلمي ط ١٤٠١ ه.

(٥) الصحيفة السجادية الجامعة : ٦٩ ـ مؤسسة الامام المهدي (عج) ـ قم ط١.

٩٢

وهذا الموقف التربوي العجيب :

ليس الاقتداء وقفا على ميدان الخلق الفردي والاجتماعي ، بل له أُفق واسع سعة آفاق الحياة ، فكم سيتعلّم الحكام والساسة من دروس صانعي التاريخ ومهندسي الفكر! لننظر في هذا الحدث ـ الذي قد يبدو صغيرا ـ في تاريخ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، متطلّعين إلى ما يعكسه من صورة القائد القدوة والإمام الأُسوة ، وإلى ما يمكن ان نستلهم منه في جوانب حياتنا ، فردية كانت ، أو اجتماعية :

قام أعرابيٌّ يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول أنّ اللّه واحد؟

قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟!

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم! »

ثم قال عليه‌السلام : « يا أعرابي إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ؛ فوجهان منها لا يجوزان على اللّه عزَّ وجل ، ووجهان منها يثبتان فيه. فامّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الاعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : إنّه ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النّوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز لأنه تشبيه ، وجلّ ربّنا وتعالى عن ذلك. وأمّا الوجهان الذي يثبتان فيه : فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه كذلك ربّنا. وقول القائل : إنّه عزّ وجل أحديّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم

٩٣

في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزَّ وجلَّ » (١).

وكنظرة مقارنة ، كم يكون البَّون شاسعا بين ما فعله الإمام علي عليه‌السلام مع الأعرابي ، مع ما فيه عليه‌السلام من تقسّم القلب ، كما وصفه أصحابه ، نتيجة للفتنة التي عصفت بالمسلمين في الجمل ، وبين ما فعله عمر بن الخطاب مع الأصبغ بن عسل حين سأله عن متشابه القرآن ، مع أنّ عمر كان يعيش مطمئنا في المدينة ، نقل ابن حجر ، أنّه قدم المدينة على عهد عمر بن الخطاب رجل يدعى الأصبغ بن عسل ، سأله عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وضربه بدرّته حتى أدمى رأسه ، وأسقط عطاءه ، ونهى عن مجالسته ـ ثم ـ قرر نفيه إلى البصرة ، وكتب إلى عامله عليها ، أبو موسى الأشعري : (أما بعد فإنّ الأصبغ تكلّف ما كُفي وضيّع ما وُلي ، فإذا جاء كتابي فلا تبايعوه ، وإن مرض فلا تعودوه ، وإن مات فلا تشهده) (٢).

أهل البيت عليهم‌السلام الأُسوة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أهل البيت عليهم‌السلام هم أحد الثقلين الذين أوصى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبناء أُمته بالتمسك بهما ، والسير على خطاهما : « إنّي قد تركت فيكم الثّقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب اللّه حبلٌ متينٌ ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » (٣).

__________________

(١) كتاب الخصال ، للشيخ الصدوق : ٢ / باب الواحد طبع جماعة المدرسين ـ قم. ومعاني الاخبار : ٥ / باب معنى الواحد.

(٢) الإصابة في تمييز الصحابة ، لابن حجر العسقلاني ٢ : ١٩٨ ـ دار احياء التراث العربي ط١ عام ١٣٢٨ ه.

(٣) بحار الانوار ٢٣ : ١٠٦. كنز العمال ١ : ١٧٢ (وللحديث طرق مختلفة عن الفريقين).

٩٤

الخلاصة

إنَّ العقيدة الإسلامية هي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي ، التي تصوغ للإنسان المسلم نظرته التوحيدية للكون والحياة ، وتنتج له مفاهيم صالحة تعكس وجهة نظر الإسلام في شتى المجالات ، كما تنتج له عواطف وأحاسيس خيرة.

فالعقيدة تمثل عنصر القوة ، وهي التي صنعت المعجزات وحققت الانتصارات الكبرى في صدر الإسلام.

ولأجل النهوض بالإنسان المسلم لا بدَّ من تذكيره بالمعطيات الحضارية التي منحتها العقيدة لمن سبقه ، وترسيخ قناعته بصوابيتها وصلاحيتها لجميع العصور.

ويمكننا إيجاز الدور الهام الذي قامت به العقيدة من أجل بناء الإنسان على جميع الاصعدة بما يلي :

١ ـ على الصعيد الفكري : اعتبرت الإنسان موجودا مكرّما ، أما الخطيئة التي قد يقع فيها فهي أمر طارئ يمكن معالجته بالتوبة ، وبذلك أشعرت الإنسان بقدرته على الارتقاء ، ولم تؤيسه من رحمة اللّه وعفوه ، ثم أنّ العقيدة حررت الإنسان من الاستبداد السياسي للحكام الوضعيين الظالمين ، كما حررته من عادة تأليه البشر ، وأطلقت حريته ، ولكن ضبطتها بقيود الشرع حتى لا تؤدي إلى الفوضى ، كما ربطت الحرية

٩٥

الإنسانية بالعبودية للّه وحده ، والخضوع الواعي والطوعي لسلطته.

كما حررت الإنسان من شهوات نفسه ومن عبادة مظاهر الطبيعة من حوله ، ومن الأساطير والخرافات في الاعتقاد والسلوك.

ومن خلال عملية تحرير الفكر ، قامت بعملية البناء ، فأعطت مكانة كبيرة للعقل واعترفت بدوره وفتحت أمامه آفاقا معرفية واسعة ، كما فتحت أمامه نافذة الغيب ، وأطلقته من أسر دائرة الحس الضيقة ، ووجهت طاقته الخلاقة للتأمل والاعتبار في آيات اللّه الآفاقية والأنفسية ، وجعلت من تفكره هذا عبادة هي من أفضل العبادات.

ولم تقتصر على ذلك بل وجهت طاقة العقل لاكتشاف السنن التاريخية الحاكمة على الاُمم والشعوب ، كما وجهت العقل للنظر في حكمة التشريع لترصين قناعة المسلم بشريعته وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

من جهة اُخرى دفعت العقيدة الإنسان إلى كسب العلم والمعرفة ، وربطت بين العلم والإيمان ، فكل تفكيك بينهما سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة ، كما وجهت العقل للنظر المستقل والملاحظة الواعية واستنباط النتائج من مقدمات يقينية ، ودعته إلى عدم التقليد في اُصول الدين.

٢ ـ على الصعيد الاجتماعي : قامت العقيدة بدور تغييري كبير ، فبينما كان فكر الإنسان الجاهلي منصبّا حول ذاته ومصالحها ، غدا بتفاعله مع إكسير العقيدة يضحي بالغالي والنفيس في سبيل مبادئ دينه ومصالح مجتمعه.

وأزالت العقيدة التناقض القائم بين الدوافع الذاتية المتمثلة بحرص الإنسان على مصالحه وبين مصالح الجماعة من خلال إثارتها للشعور الاجتماعي للفرد نحو الآخرين.

٩٦

وقد نمّت العقيدة هذا الشعور بأساليب عدّة منها : إيقاظ حسّ الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين ، وتنمية روح التضحية والايثار لدى الفرد المسلم ، ودفعه للانصباب في قالب الجماعة.

من جهة أُخرى ، قامت العقيدة بتغيير الروابط الاجتماعية بين الأفراد ، من روابط تقوم على أساس العصبية للقرابة ، أو على أساس اللون أو المال أو الجنس ، إلى روابط أسمى تقوم على أسس معنوية هي التقوى والفضيلة والأخاء الإنساني.

ونقلت العقيدة الأفراد من حالة التناقض والصراع إلى حالة التعارف والتعاون ، فشكلوا أُمّة واحدة مرهوبة الجانب بعد أن كانوا قبائل وجماعات متفرقة ومتناحرة ، لا تقيم لهم الاُمم وزنا.

أضف إلى ذلك أن العقيدة الإسلامية قد قامت بتغيير العادات والتقاليد الجاهلية التي تسيء لكرامة الإنسان وتسبب له العنت والمشقة.

٣ ـ على الصعيد النفسي : أسهمت العقيدة في خلق طمأنينة وأمان للإنسان ، مهما كانت عواصف الأحداث من حوله.

وقد اتّبعت وسائل عديدة لتخفيف المصائب التي تواجه الإنسان على حين غرّة ، ومن تلك الوسائل : بيان طبيعة الدنيا ، وأنّها دار محن واختبار ، مليئة بتيارات المصائب التي تهب على الإنسان كريح السموم ، وعليه فمن المستحيل على الإنسان أن يطلب الراحة والسكينة فيها. وعليه أن يضع نصب عينه النجاح في هذا الامتحان الالهي في الدنيا التي هي دار تكليف. ولقد خففت العقيدة من وطأة المصائب عبر التأكيد على أنّها تستتبع أجرا وثوابا ، كما وجهت نظر الإنسان للمصيبة العظمى وهي المصيبة في الدين ، الأمر الذي يخفف من وقع المصائب الدنيوية الصغيرة.

٩٧

من جانب آخر ، حرّرت العقيدة النفوس من المخاوف التي تشلّ نشاط الإنسان وتكبت طاقته وتجعله نهبا لعوامل القلق والحيرة كما شجّعت العقيدة الإنسان إلى معرفة نفسه ، فبدون هذه المعرفة للنفس يصبح من الصعوبة بمكان السيطرة عليها وكبح جماحها ، ثم بدون معرفة النفس لا يمكن معرفة اللّه تعالى حق معرفته.

ومن خلال البحث استنتجنا بأنّ الأمراض النفسية الخطيرة كالعصبية والشح والأثَرة إذا لم تعالج فإنّها ستؤدي إلى عواقب اجتماعية وسياسية خطيرة ، كتلك الفتنة التي عصفت بالمسلمين في السقيفة ، التي بيّن الإمام علي عليه‌السلام جذورها النفسية.

٤ ـ على الصعيد الاخلاقي : قامت العقيدة بدور خلاّق في بناء منظومة الاخلاق للفرد المسلم ، وفق أُسس دينية تستتبع ثوابا أو عقابا ، وليس مجرّد توصيات إرشادية لا تتضمن المسؤولية ، على العكس من القوانين الوضعية ، التي أزالت شعور رقابة اللّه والمسؤولية أمامه من نفس الفرد ، وبذلك نسخت ركيزة الأخلاق ، فالأخلاق بدون الإيمان تفقد ضمانات الالتزام بها.

والملاحظ أنّ العقيدة اتّبعت أساليب عدّة لدفع الأفراد للتحلّي بالأخلاق الحسنة وتجنّب الأخلاق السيئة منها :

إبراز المعطيات الاُخروية وأيضا الدنيوية المترتبة على الأخلاق الحسنة أو السيئة.

كما اتّبعت أُسلوب « الاُسوة الحسنة » لتربط الأفراد برموز العقيدة ومرشديها بغية التأثر بمحاسن أخلاقهم والتأسي بسيرتهم.

٩٨

المحتويات

مقدِّمة المركز.............................................................. ٥

مقدِّمة الكتاب............................................................. ٧

الفصل الأوّل

البناء الفكري

المبحث الأوّل : تحرير فكر الإنسان......................................... ١١

الخطيئة أمرٌ طارئ..................................................... ١٣

الإنسان موجود مكرم................................................. ١٤

معالم التحرير......................................................... ١٤

المبحث الثاني : بناء فكر الإنسان.......................................... ٢٥

تحرير العقل............................................................ ٢٥

توجيه طاقة العقل...................................................... ٢٧

العلم والإيمان.......................................................... ٤٠

الفصل الثاني

البناء الاجتماعي والتربوي

أولاً : إثارة الشعور الاجتماعي............................................ ٤٣

أساليب تنمية الشعور الاجتماعي....................................... ٤٥

ثانيا : تغيير نظم الروابط الاجتماعية....................................... ٥٢

٩٩

ثالثا : الحث على التعاون والتعارف........................................ ٥٥

رابعا : تغيير العادات والتقاليد الجاهلية...................................... ٥٩

الفصل الثالث

البناء النفسي

أولاً : طمأنينة النفس..................................................... ٦١

أساليب العقيدة في مواجهة المصائب...................................... ٦٣

ثانيا : تحرير النفس من المخاوف........................................... ٦٧

ثالثا : معرفة النفس....................................................... ٧٦

دور العقيدة في تعريف الإنسان بنفسه................................... ٧٧

رابعا : السيطرة على النفس............................................... ٧٩

الفصل الرابع

البناء الأخلاقي

أولاً : تحديد العقيدة للمعطيات الاخروية للأخلاق........................... ٨٥

أساليب العقيدة في بناء الإنسان أخلاقيا.................................. ٨٥

ثانيا : بيان العقيدة للمعطيات الدنيوية للأخلاق............................. ٨٧

ثالثا : تقديم التوصيات والنصائح........................................... ٨٨

رابعا : أُسلوب الأُسوة الحسنة.............................................. ٨٩

أهل البيت عليهم‌السلام الأُسوة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم................................... ٩٤

الخلاصة................................................................ ٩٥

المحتويات................................................................ ٩٩

١٠٠