جامع الافكار وناقد الانظار

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامع الافكار وناقد الانظار

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: مجيد هاديزاده
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة انتشارات حكمت
المطبعة: نور حكمت
الطبعة: ١
ISBN: 964-5616-70-7
الصفحات: ٦٨١
الجزء ١ الجزء ٢

ينافي ما توهّموه! ؛ انتهى.

ثمّ اعلم! ، انّ عدم كون علمه ـ سبحانه ـ زمانيا وبراءته عن الوقوع في الزمان وكونه عالما بالاشياء جميعا في الأزل على نهج واحد من دون تغيّر وتجدّد إنّما يتصوّر لأحد من أمور أربعة :

الأوّل : أن يكون ذلك لأجل كون علمه صوريا كلّيا حاصلا من الأسباب والعلل المتسلسلة المنتهية إلى الجزئيات المتغيّرة ، فانّه ـ سبحانه ـ إذا علم الجزئيات بصورتها الكلّية وطبائعها المجردة من عللها وأسبابها يكون هذا العلم مقدّسا عن الوقوع في الزمان ؛ وعلى هذا لا تكون الأشياء معلومة له ـ تعالى ـ بحضوراتها العينية.

ومفاسد هذا الوجه كثيرة ـ كما عرفت ـ.

وأنت تعلم انّ هذا الامر هو الوجه الثاني بعينه ، فيكون الوجه الثاني داخلا تحت الوجه الثالث وواحدا من اقسامه.

الثاني : أن يكون لأجل علمه ـ تعالى ـ في الأزل بذواتها العينية على التفصيل والجزئية بأن تكون بأنفسها ووجوداتها العينية ثابتة له ـ تعالى ـ في الأزل حاضرة منكشفة / ١٦٩ MB / عنده فيه بخصوصياتها وإن لم توجد بعد في الخارج ، لما حقّقناه سابقا من انّه ـ تعالى ـ لمّا كان محيطا بالزمان متعاليا عنه وجميع اجزاء الزمان بالنسبة إليه كان واحدا في معية الوجود فيكون الزمان بأسره والزمانيات برمتها موجودة له ـ تعالى ـ في الأزل وإن لم تكن موجودة بأنفسها ـ على ما مرّ مفصّلا ـ.

الثالث : أن يكون لاجل علمه بذواتها على التفصيل والجزئية لا لكونها حاضرة عنده ـ تعالى ـ بوجوداتها العينية ، بل لكونها معلولاته ـ تعالى ـ ولوازم ذاته الفائضة المترشّحة عنه ـ سبحانه ـ ، فانّ كونها من مقتضيات ذاته المندرجة فيه ـ سبحانه ـ يقتضي انكشافها مفصّلة متخصّصة عنده ـ تعالى ـ ، على ما قررناه وذكرنا انّه أيضا ممّا يتصحّح به العلم الحضوري.

الرابع : أن يكون لأجل علمه ـ تعالى ـ بذواتها لكونه من مقتضيات ذاته ـ تعالى ـ ، لكن على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل ؛ والعلم الاجمالي على الاحتمال الأوّل

٢٦١

ـ أعني : بمعنى الانكشاف الاجمالي ـ لا تغيّر فيه. وعلى هذا الأمر الرابع لا يكون الأشياء معلومة له ـ تعالى ـ بخصوصياتها ، ولذلك يكون باطلا.

وقد ظهر ممّا ذكرناه انّ علمه ـ سبحانه ـ بالأشياء ليس زمانيا وإنّ السبب في ذلك هو الأمر الثاني أو الثالث دون الأوّل والرابع.

فهنا مطلبان :

الأوّل : عدم كون علمه زمانيا ؛

والثاني : كون السبب في ذلك هو ما ذكر. فلا بدّ لنا من تنقيح القول فيهما وردّ ما أورد عليهما. فنقول :

أمّا المطلب الأوّل فوجهه ظاهر ممّا تقدّم ، فانّ الواجب ـ سبحانه ـ لمّا كان محيطا بالزمان والزمانيات متعاليا عنهما فلا معنى لوقوع علمه تحت الزمان ، والكلام الّذي نقله بعض الفضلاء عن الحكماء ـ كما ذكرناه ـ واف لاثبات هذا المطلب.

وقد أورد عليها العلاّمة الخفري بعض الايرادات ، فلا بدّ لنا من ذكرها ودفعها.

فقال : لا شبهة في أنّ علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات باعتبار وجودها العينى ـ أعني : حضورها ـ ، بل الحاضر باعتبار ذلك الوجود زماني واقع في الزمان ، فانّ الحوادث لمّا كانت مختصّة بأزمنة معينة كان حضورها باعتبار الوجود العينى مختصّا بتلك الأزمنة المعينة. ولا يخلو إمّا أن تكون تلك الحوادث بعينها باعتبار الوجود العينى علما بها أو حضورها وانكشافها باعتبار ذلك الوجود علما بها ؛ وعلى التقديرين كان العلم بها باعتبار الوجود العينى زمانيا ـ أي : واقعا في الزمان ـ. نعم! ، العلم المتقدّم على الايجاد ليس زمانيا ولا تغير فيه أصلا وهو إمّا اجمالى وهو عين ذات واجب الوجود. ولا يخفى انّ الجزئيات باعتبار هذا العلم معلومة على الوجه الجزئي ولا يصحّ القول بأنّها معلومة بهذا العلم على الوجه الكلّى.

فان قيل : انّها معلومة على الوجه الكلّى باعتبار هذا العلم ، كما وقع في عبارة بعض الحكماء ، فانّه يصحّ بأحد التأويلين اللّذين أحدهما من المحقّق الطوسي وهو : انّ مرادهم بالقول بأنّ واجب الوجود يعلم الجزئيات بوجه كلّي لا جزئي انّه ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات

٢٦٢

بالكلّية ، أي : بجميعها بحيث لا يعزب عنه / ١٦٩ DB / ـ تعالى ـ شيء منها لا انّه ـ تعالى ـ يعلم بعضها ويعزب عنه بعض آخر ـ كما هو شأن الممكن ـ ؛ وثانيهما من بعض المتأخّرين ، وهو : انّ مرادهم انّه ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات بوجه يشابه الكلّي في آن لا يتغيّر العلم بها. وإمّا تفصيلي فلا حاجة إلى شيء من هذين التأويلين ، فانّ الجزئيات قبل الايجاد الخارجي إنّما يعلم على الوجه الكلّي ، فانّ كلّ شخص من الأشخاص قبل الايجاد يكون معلوما بوجه كلّي منحصر في شخص وفي وقت الايجاد يكون معلوما بذاته على وجه يكون مانعا من وقوع الشركة. وغير خفي بأنّ المراد من العلم التفصيلي المتقدّم هنا هو المرتبة الأولى والمرتبة الثانية من مراتب العلم التفصيلي المتقدّمة ، فانّ في هاتين المرتبتين لا يحصل إلاّ الصور الكلّية ـ كما تقدّم ـ. وإنّما خصّصنا العلم التفصيلي بهاتين المرتبتين بقرينة قوله : « فانّ كلّ شخص من الأشخاص يكون قبل الايجاد معلوما بوجه كلّى منحصر في شخص » ، فالواجب يعلم الجزئيات بهذا العلم قبل ايجادها على الوجه الكلّي ـ أي : بصورة غير مانعة من الشركة ـ باعتبار ارتسام تلك الجزئيات في العقول والنفوس الفلكية والنفوس الناطقة الانسانية ، فانّها وما فيها حاضرة عنده ـ تعالى ـ. وليس المراد انّ العلم التفصيلي المتقدّم على الايجاد بالجزئيات حينئذ منحصر بالوجه الكلّي ، بل المراد انّ هذا العلم ـ أي : العلم بالوجه الكلّي ـ أيضا يحصل له وإن تحقّق له ـ تعالى ـ العلم بها قبل الايجاد على الوجه الجزئي أيضا ـ كعلمه بالجزئيات المرتسمة في الآلات الجزئية المادّية والخيالات الفلكية ، فانّها مع ما فيها أيضا منكشفة عنده تعالى ـ ؛ انتهى ما ذكره بأدنى توضيح.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من الاختلال ، لأنّ المحيط بالزمان والمتعالي عنه كيف يكون صفاته زمانية ـ أي : واقعة في الزمان؟! ـ ، فانّ ذلك مخالف للقواعد العقلية والنقلية. فهذا العلاّمة إن أراد انّ علم الواجب ـ تعالى ـ بمعنى الانكشاف حادث زماني ، فهو باطل عقلا وشرعا ؛ وإن اراد انّ العلم بمعنى المعلوم حادث زماني ، فلا نزاع في ذلك. وقد عرفت / ١٧٠ MA / انّ مناط علم الواجب بالأشياء ـ سواء كانت زمانية أو غير زمانية ـ ليس نفس وجوداتها وحقائقها ، وإلاّ لزم أن يكون علمه انفعاليا وحادثا ،

٢٦٣

وهو باطل ؛ بل مناط علمه بالأشياء هو حضور ذاته عند ذاته وعلمه بذاته ، فالاشياء معلومات لا علوم.

وأيضا قد عرفت ممّا قرّرناه وحقّقناه انّ الأشياء قبل ايجادها في الخارج حاضرة له ـ تعالى ـ في الأزل ومنكشفة عنده بوجوداتها العينية على التفصيل ولا تفاوت في علمه بها قبل ايجادها وبعده ، فالقول بأنّ العلم قبل الايجاد إمّا اجمالي جزئي أو تفصيلي كلّي ، باطل ؛ لاستلزام الأوّل جهله ـ سبحانه ـ بخصوصيات الاشياء فيعلم بعضها ويفوت عنه بعض آخر ، واستلزام الثاني جهله ـ تعالى ـ بالجزئيات من حيث انّها جزئيات ؛ هذا.

وأورد عليه بعض الأفاضل بأنّ كون المعلوم باعتبار الحضور زمانيا لا يوجب كون العلم به زمانيا ؛

وهذا من العجائب! ، ووجهه ظاهر ممّا تقدّم.

وبما ذكرناه يظهر ضعف ما ذكره بعد ذلك بقوله : « انّ علمه ـ تعالى ـ الحادث المتعلّق بالحادث باعتبار وجوده العينى مخصوص بالزمان ، فيتصوّر باعتباره وباعتبار الصفات الاعتبارية الحادثة المخصوصة بالأزمنة ـ كالايجادات وفعلية التكلّم وارسال الرسل ونحوها ـ حال وماض ومستقبل ـ كما وقع في القرآن المجيد ـ ؛ انتهى.

ووجه الضعف ما عرفت من أنّ علمه ـ تعالى ـ لا يكون متعلّقا بالزمان. وأمّا افعاله ـ تعالى ـ فهي من حيث استنادها إليه ـ تعالى ـ وصفاته الاعتبارية من حيث أنّها صفات له ـ تعالى ـ فليست أيضا زمانية ، وإلاّ لزم اتصافه ـ تعالى ـ بالزمان.

ويمكن أن يقال : انّها لعدم كونها من الصفات الأزلية الكمالية لا منع في كونها زمانية لعدم استلزام كونها زمانية لاتصافه ـ تعالى ـ بالزمان ، فانّ الايجاد وفعلية التكلّم بحدوثها وعدم كونهما من الصفات الكمالية الأزلية لا منع في كونهما ازليتين كما لا منع في حدوثهما. وأمّا مثل العلم الّذي يجب ثبوته له ـ تعالى ـ في الأزل فلا يمكن كونه زمانيا.

ثمّ أورد على ما تقدّم في الكلام المنقول عن الحكماء لا ثبات انّ الحال والماضي و

٢٦٤

المستقبل صفات عارضة للزمان بالقياس إلى ما يختصّ بجزء منه ـ لقولنا : إذ الحال معناه زمان حكمي هذا ... الى آخره ـ : بأنّه إن اريد بالحكم الحكم القديم لم يناسب هذا إلاّ مذهب الأشعري ، وإن اريد به مطلق الحكم الحادث ـ أي : أعمّ من أن يكون هذا الحكم الحادث من الواجب أو من العبد ـ أو أريد به الحكم المطلق الشامل / ١٧٠ DA / للحكم القديم والحادث فلا يدلّ على ما هو المطلوب ـ أعني : كون علمه ـ تعالى ـ زمانيا ؛ انتهى بأدنى تغيير.

وتوضيح كلامه ـ على ما يستفاد من كلام بعضهم ـ : انّه لا شكّ أنّ المراد من تفسير كلّ واحد من الأوصاف الثلاثة بما ذكر إنّما هو لأجل أن يظهر منه انّ هذه الأوصاف الثلاثة بهذه التفسيرات لا يمكن أن يثبت له ـ سبحانه ـ ، فإذا كان الحال مثلا معناه زمان حكمي هذا فلا يمكن أن يكون ثابتا له ـ تعالى ـ ، لأنّه لا يكون لحكمه ـ تعالى ـ زمان يختصّ به.

فنقول : المراد من الحكم إن كان هو الحكم القديم ـ أي : الّذي يسمّى بالكلام النفسي المتعلّق بالكلام اللفظى الحادث ـ فلا ريب في عدم كونه زمانيا ، لأنّ القديم لا يتعلّق بالزمان. فإذا قلنا : الحال زمان حكمي هذا يكون مختصّا بالحكم الحادث ومنحصرا بالحكم الصادر عن العبد ، فلا يكون لحكمه ـ تعالى ـ حال. ولكن هذا لا يناسب إلاّ لمذهب الأشاعرة ، فانّهم لمّا قالوا بالكلام النفسى كانت الأوامر والنواهي الإلهية عندهم قديمة ، فلا تكون زمانية ، فالحكم الزماني يختصّ بحكم العبد بكونه حادثا. وأمّا المعتزلة فلمّا لم يقولوا بالكلام النفسي ـ لعدم معقوليته ـ لم يفرّقوا بين حكم الله وحكم العبد ، فكما انّ حكم العبد عندهم حادث زماني كذلك حكم الله ـ تعالى ـ عندهم حادث زماني. فتفسير الحال بزمان حكمي هذا على أن يخرج منه حكم الله ـ تعالى ـ لا يناسب لمذهبهم ، بل إنّما هو يناسب لمذهب الأشاعرة فقط.

وإن كان المراد من الحكم المذكور مطلق الحكم الحادث ـ سواء كان حكم الواجب أو حكم العبد ـ أو الحكم المطلق ـ أي : سواء كان قديما أو حادثا ـ فلا يدلّ على المطلوب ـ الّذي هو اثبات أن ليس للواجب وعلمه حال وماض ومستقبل ـ ،

٢٦٥

/ ١٧٠ MB / لأنّ الحال مثلا إذا كان زمان الحكم الحادث أو المطلق الشامل له يكون بالنسبة إليه ـ تعالى ـ وعلمه حال بمعنى انّ له زمان الحكم الحادث. وغير خفي بأنّ كلامه على هذا الحال لا يكون خاليا عن اختلال ، لأنّ مراده من الحكم في قوله : « إن اريد بالحكم الحكم القديم » هو الحكم الواقع في تفسير الحال فقط حتّى يكون المراد انّ الحال معناه هو زمان الحكم القديم فقط. فيظهر منه نقيض المطلوب ، لأنّه لا يكون لحكم العبد حينئذ زمان أصلا ويختصّ بحكم الواجب ، ولا يناسب هذا مذهب أحد ـ لا الأشعري ولا غيره ـ. وإن كان مراده منه الحكم الّذي يراد اثبات عدم تعلّقه بالأوصاف الثلاثة بقوله في الشقّ الآخر وإن كان المراد مطلق الحكم الحادث لا معنى له ، فانّه لا يذهب أحد إلى القول بعدم تعلّق حكم العبد بالاوصاف الثلاثة.

ويمكن أن يقال : انّ غرضه انّ المراد من الحكم في تفسير الحال إن كان هو الحكم القديم فلا يناسب إلاّ لمذهب الأشعري من حيث انّ غيره لم يذهب إلى كون حكمه ـ تعالى ـ قديما ـ وإن كان تخصيص الحكم الزمانى بالقديم لم يناسب لمذهب الأشعري أيضا ـ ، وإن كان المراد منه مطلق الحكم الحادث لزم خلاف المطلوب ـ أعني : عدم كون علمه زمانيا ـ ، لأنّه إذا كان حادثا يكون زمانيا البتّة.

وقيل : غرضه انّ المراد من الحكم الواقع في تفسير الأوّل إن كان هو الحكم القديم فجريان الأوصاف الثلاثة بهذا التفسير لا يتصوّر بالنسبة إليه ـ تعالى ـ عند غير الأشعري حتّى يحتاج إلى نفيه ـ لأنّ أحدا لم يذهب إلى أنّ القديم يمكن تعلّقه بالزمان إلاّ الأشعري ـ فاثبات عدم جريان الأوصاف الثلاثة بعد تخصيص الحكم بالقديم إنّما يناسب مذهب الاشعري ، وعند غيره لا يحتاج إلى الاثبات بداهة ؛ وإن كان المراد منه أعمّ من الحكم القديم والحادث فلا يدلّ على ما هو المطلوب ـ أعني : عدم جريان الأوصاف الثلاثة بالنسبة إليه تعالى ـ مطلقا. لجريانها في حكمه ـ تعالى ـ الحادث ، أو توهّم جريانها بالنسبة إليه ـ تعالى ـ مطلقا لعدم تصوّر جريانها في حكمه القديم.

ثمّ الجواب عمّا ذكره : إنّ المراد من الحكم هو الحكم المطلق الشامل للقديم والحادث ، ولا يلزم كون حكمه زمانيا أصلا ؛

٢٦٦

أمّا إذا كان قديما ، فظاهر ؛

وأمّا إذا كان حادثا فلأنّ افعاله ـ تعالى ـ من حيث استناده إليه ـ تعالى ـ ليست زمانية ، وكذا صفاته الاعتبارية من حيث أنّها صفات له ـ تعالى ـ ، إذ لو كانت زمانية لزم اتصافه بالزمان ، وهو باطل.

على أنّا نقول : انّ صفاته ـ تعالى ـ الّتي هي صفات كمالية ازلية غير زمانية ، وأمّا صفاته الفعلية الّتي ليست من الصفات الكمالية الأزلية ـ كالايجاد وفعلية التكلّم ـ فلا مانع من كونها زمانية ، لأنّ كونها زمانية لا يوجب اتصافه ـ تعالى ـ بالزمان. فالمراد من الحكم إن كان هو العلم بمعنى الانكشاف فهو صفة كمالية ازلية ، فلا يكون / ١٧٠ DB / حادثا زمانيا ؛ وإن كان ممّا يجوز كونه حادثا ممّا لا يكون كمالا له ـ تعالى ـ فلا يمتنع كونه زمانيا.

ثمّ قال : الصواب أن يقال في تفسير الحال : انّه زمان فيه وجودي وتكلّمي ، والماضي زمان قبل زمان وجودي وتكلّمى ، والمستقبل زمان بعد زمان وجودي وتكلّمي ؛ انتهى.

والفرض انّ الحال زمان يختصّ وجودي وتكلّمى به وعدم جريانه في حقّه ـ سبحانه ـ لعدم اختصاص وجوده ـ تعالى ـ به ، لا لعدم اختصاص التكلّم به ، فالمراد أنّه ليس زمان يختصّ تكلّمه ـ تعالى ـ به مع كون وجوده أيضا مخصوصا به ، فلا بدّ من ملاحظتهما معا. وأخذ الوجود والتكلّم معا إنّما هو لخروج الواجب بناء على مذهب المعتزلة ، فانّ التكلّم عندهم وإن جاز أن يكون في الحال لكن وجوده ـ سبحانه ـ لا يجوز أن يكون زمانيا عندهم ـ لأنّه قديم مرتفع عن الزمان ـ ، فإذا أخذ في تعريف الحال أن يكون ظرف الوجود والتكلّم معا يخرج الواجب ـ جلّ شأنه ـ ولا يكون حكمه حينئذ حاليّا.

وأنت بعد الاحاطة بما ذكرناه لا يخفى عليك جلية الحال فيما ذكره.

ثمّ قال الخفري موردا على قولنا في الكلام المنقول عن الحكماء : « فمن كان علمه ازليا محيطا بالزمان ... إلى آخره » : إن اريد بهذا العلم العلم الّذي هو عين ذات واجب الوجود ـ تعالى ـ فلا حاجة إلى ذلك التطويل في بيان انّ الجزئيات من حيث هي جزئية معلومة باعتبار هذا العلم ؛

٢٦٧

وإن اريد به العلم الزائد على الذات لم يناسب إلاّ مذهب البعض الّذين قالوا بالعلم القديم الزائد على الذات ، ولا يناسب مذهب أهل الحقّ من المحقّق الطوسي وغيره ؛ انتهى.

والجواب : انّ المراد من العلم إمّا ما هو المناط للانكشاف ـ وهو عين ذاته تعالى ـ ، أو نفس الانكشاف الّذي هو أيضا عين ذاته بالمعنى المتقدّم. والتطويل ليس لبيان انّ الجزئيات معلومة بهذا العلم ، / ١٧١ MA / بل لبيان معلوميتها به مع عدم كونه زمانيا. ثمّ إنّا لا نقول بالعلم الزائد مطلقا ـ لا القديم ولا الحادث ـ ، وتخصيص الخفري العلم الزائد عند غير الأشاعرة بالعلم القديم مبنيّ على ما زعمه من أنّ العلم الزائد على الذات حادث ، لأنّه حضوري ، فيحدث بحدوث الممكنات ؛ ونسب ذلك أيضا إلى المحقّق الطوسي.

ثمّ القول بالعلم القديم الزائد متناول لمذهب الأشعري ـ القائل بأنّ العلم صفة زائدة على ذاته ، ـ ولمذهب الحكماء المشائين ـ القائلين بالصور الكلّية الحاكية عن الموجودات العينية القائمة بذاته ـ ، ولمذهب الحكماء ـ القائلين بالصور القديمة الزائدة على ذاته القائمة بغير ذاته من العقول والنفوس الفلكية ـ ، بل لمذهب افلاطون ـ القائل بالصور القديمة القائمة بذاتها ـ أيضا ، فانّ هذه المذاهب الاربعة غير مناسبة لما ذهب إليه أهل الحقّ من عدم ازلية غير ذات واجب الوجود وعلمه الّذي هو نفس ذاته.

ثمّ قال في تلو قولنا في الكلام المذكور : « فالله ـ سبحانه وتعالى ـ عالم بجميع الحوادث الجزئية ... إلى آخره : » لا شبهة في تحقيق هذا العلم لكن لا ينحصر علمه ـ تعالى ـ في ذلك ، بل له علم آخر حادث وهو الّذي يعبّر عنه عند الأشعري بتعلّق العلم القديم ، وانكار الانكشاف الحادث حين الايجاد العيني كفر! ؛ انتهى.

وغير خفي بأنّ الكفر إنّما هو انكار أصل الانكشاف ، وأمّا انكار الانكشاف الحادث فليس كفرا ، بل القول به كفر شرعي وعقلي ـ كما صرّح به جماعة من أهل التحقيق ـ.

ثمّ قال في تلو قولنا في الكلام المذكور : « لم يتصف الزمان مقيسا إليه ـ تعالى ـ بالمضي والاستقبال والحضور ـ ... إلى آخره » : لا خفاء في أنّ الزمان لم

٢٦٨

يتصف بالمضيّ ومقابليه مقيسا إلى ذات واجب الوجود وصفاته الحقيقية ، وأمّا الاتصاف بها باعتبار الأحوال الحادثة والصفات الاعتبارية الحادثة فهو متحقّق بلا شبهة ـ كما دلّ عليه الكتاب العزيز ـ ؛ انتهى.

وما ذكره من جواز اتصافه ـ تعالى ـ بالمضيّ واخويه باعتبار الأفعال الحادثة والصفات الاعتبارية الحادثة ، قد عرفت جلية الحال فيه.

ثمّ قال في تلو قولنا في الكلام المذكور : « فالموجودات من الأزل إلى الأبد معلومة له ـ تعالى ـ ... إلى آخره » : هذا إنّما يصحّ في العلم المقدّم على الايجاد العيني لا في العلم بذوات الحادثات باعتبار وجودها العينى ، فانّه في هذا العلم يتحقّق كان وكائن وسيكون ؛ انتهى.

وقد عرفت انّ العلم المقدّم على الايجاد العيني قد يطلق ويراد به ذاته ـ تعالى ـ بذاته من حيث انّه مبدأ الانكشاف ومناطه ، وقد يطلق ويراد به نفس الانكشاف وهو العلم بذوات الحادثات / ١٧١ DA / أيضا ، فانّ المراد من العلم بذوات الحادثات الّذي يتحقّق فيه كان وسيكون نفس الانكشاف ، فهو باطل لتحقّقه في مرتبة ذاته ؛ وإن أراد به نفس المعلوم فهو حقّ ولا نزاع لأحد فيه.

ثمّ قال بعد قولنا في الكلام المذكور : « بل هي حاضرة عنده في أوقاتها ... إلى آخره » : لمّا كان كلّ منها حاضرا في وقته ولا يكون حاضرا في الوقت المقدّم على ذلك ولا في الوقت المؤخّر عنه كان علمه ـ تعالى ـ بذوات الجزئيات الخاصّة حال كونها ملحوظة مع الوجود العيني واحكامها الواقعة في أزمنتها من حيث دخول الزمان باوصافه الثلاثة فيها. ففي قوله : « ومثل هذا العلم يكون ثابتا مستمرا لا يتغيّر أصلا كالعلم بالكلّيات » بحث لا خفاء فيه ؛ وهو : انّك عرفت انّ علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات العينية إنّما هو من حيث دخول الزمان فيها بحسب الأوصاف الثلاثة ، وكون هذا العلم ثابتا مستمرّا غير متغير يستلزم نفي هذه الحيثية ، فلا يكون ثابتا غير متغير ، بل يكون متغيرا بحسب الوجود الخارجي والحضور قطعا. نعم! ، كون واجب الوجود بحيث يحضر عنده جميع الجزئيات الخاصّة كلّ في وقته لا تغيّر فيه ، لكن هذا ليس عبارة عن

٢٦٩

العلم الحدوثي الّذي هو عبارة عن الحاضر الحادث في وقت وجوده العيني وان كان مستلزما له ، وعبارة الفلاسفة تقتضي نفي الحضور الحادث الزمانى ؛ فهذا التأويل لا يناسب مقتضى عبارتهم ؛ انتهى.

وحاصل كلامه هنا : إن اريد بقولهم : « بل هي حاضرة عنده في أوقاتها ... إلى آخره » عدم التغير في الحضورات الحادثة الزمانية بالنسبة إليه ـ تعالى ـ ، ففيه : انّ علمه ـ تعالى ـ بها انّما هو من حيث دخول الزمان فيها بحسب الأوصاف الثلاثة ، وهو لا محالة يستلزم تغير الحضورات الزمانية ؛ وإن اريد عدم التغيّر في كونه ـ تعالى ـ بحيث يحضر عنده الجزئيات كلّ في وقته ـ لا عدم التغير في الحضورات الزمانية ـ ، ففيه : انّ عدم التغير في كونه بحيث يحضر عنده الجزئيات / ١٧١ MB / كلّ في وقته ليس عدم التغيّر في علمه بالجزئيات ، إذ الكون المذكور ليس عبارة عن العلم الحدوثي التفصيلي بالجزئيات وإن كان هذا العلم الحدوثي لازما للعلم الّذي لا تغير فيه ـ أعني : كونه تعالى بحيث يحضر عنده الجزئيات كلّ في وقته ـ.

ثمّ صرّح بأنّ تأويل ما ذكره الحكماء من كون الجزئيات حاضرة عنده ـ تعالى ـ كلّ في وقته ومن عدم التغيّر بالمعنى الثاني ـ أي : بكونه تعالى بحيث يحضر عنده كلّ في وقته من غير تغيّر فيه لا بعدم التغيّر في الحضورات الحادثة الزمانية ـ لا يناسب مقتضى عباراتهم ، فانّ هذا التأويل إنّما هو بناء على تسليم التغيّر الحدوثى ، وهم مصرّحون بنفي العلم الحدوثي المتغير ، وعباراتهم صريحة في نفي التغيّر في الحضورات الحادثة الزمانية. فانّ تصريحهم بنفي التغيّر في علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات يقتضي نفي التغير في الحضورات الزمانية ، فليس كلامهم مجملا حتّى يقبل التأويل المذكور ؛ هذا حاصل كلامه.

واندفاعه ظاهر عليك بعد الاحاطة بما تقدّم ، فانّ علمه ـ تعالى ـ بذوات الجزئيات بمعنى الانكشاف لا تغير فيه أصلا ـ لما عرفت مرارا ـ ، وبمعنى المعلوم متغير إلاّ انّه غير محلّ النزاع. فالحضورات الّتي صرّح بثبوت التغيّر فيها إن كان مراده منها هو الانكشاف الثابتة للواجب ـ سبحانه ـ ، فلا نسلّم كونها متغيرة ولا حادثة ولا زمانية ؛ وإن كان مراده منها هو المعلومات الحاضرة ، فكونها متغيرة مسلّم ، إلاّ انّه غير قادح في

٢٧٠

مطلوبنا.

وبذلك ظهر اندفاع ما أورده من البحث الّذي لا خفاء فيه على قولهم بكون علمه بالجزئيات ثابتا مستمرّا غير متغير.

وظهر أيضا انّ مراد الحكماء من عدم التغير في علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات هو عدم التغيّر في انكشاف جميع الأشياء الزمانية الحادثة عنده ، ولم يقل أحد منهم بثبوت الانكشاف الحادث الزماني له ـ تعالى ـ ، ولم يثبت أحد منهم علما حادثا له ـ تعالى ـ كما يظهر من كلام هذا العلاّمة ، فانّ في كلامه مواضع يدلّ على أنّ للواجب ـ سبحانه ـ علمين : أحدهما قديم ثابت ، والاخر حادث متغير. وقد صرّح بذلك في كلامه المتقدّم أيضا ، وفساده اظهر من أن يخفى على أحد.

ثمّ قال : وخلاصة ما حصل من الأبحاث المذكورة انّ علم واجب الوجود الإجمالي الّذي هو عين الذات يعلم به جميع خصوصيات الجزئيات وأحكامها كما يعلم به جميع الصور الكلّية ولا دخل للزمان فيه ولا تغيّر فيه أصلا ـ كما لا يخفى ـ. / ١٧١ DB / وأمّا العلم التفصيلى الّذي لا تفصيل بعده هو عين الموجودات العينية عند المحقّق الطوسي ، ويعبر عنه عند البعض بتعلّق العلم القديم وعند البعض بالرؤية العينية ، فهو انّما يكون باعتبار الزمان. وفيه تغيّر ما بحيث لا يوجب نقصا ، فانّ ذلك التغيّر ليس في العلم بالذات ، بل إنّما يكون في العلوم من حيث هي معلومات. والحاصل : انّ التغيّر ليس أوّلا وبالذات في العلم التفصيلي ، بل إنّما يكون هذا التغيّر في العلوم باعتبار انّ تلك العلوم معلومات ، فالتغير بالحقيقة وبالذات إنّما هو في المعلومات وفي العلوم انّما يكون بالعرض وبتبعية المعلومات ، فهذا التغيّر من لوازم عدم التغيّر في العلم القديم ، لأنّ الواجب ـ تعالى ـ يعلم بهذا العلم القديم جميع الجزئيات المتغيّرة على ما هي عليه. وهذا العلم عبارة عن كونه ـ تعالى ـ بحيث يصدر عنه جميعها منكشفة عنده وصدور تلك الجزئيات المتغيّرة عنه ـ تعالى ـ على وجه كونها متغيرة لازم لهذا العلم الغير المتغير ، وهو المقتضي لحدوث المتغيّرات على الوجه الّذي وقعت ، لأنّه اقتضى تغيّر المتغيّرات وتجدّدها في أوقات وجوداتها المختلفة بحسب المصالح وتأدية الأسباب المؤدّية إليها ، وكان علمه التفصيلي بها

٢٧١

عين وجوداتها المتجددة المستلزمة لتجدّد ذلك العلم الّذي هو عينها. فهذا التغيّر من لوازم عدم تغيّر اقتضاء هذا العلم الغير المتغير ، إذ لو لم يتغيّر هذا العلم ـ وذلك لعدم تغيّر المعلومات ـ لزم التغيّر في علمه القديم المقتضي لتغير تلك المعلومات ، إذ ما لم يجز تغيّر العلم القديم لم يجز تغيّر مقتضاه ، وهو هذا التغيّر ـ أعني : تغير المعلومات ـ. فلو جاز تغيره لجاز عدم وقوع هذا التغيّر الواقع. فظهر انّ هذا التغيّر واقع لعدم ذلك التغيّر ـ أي : امتناع التجدّد والتغير في علمه القديم هو المستلزم لتغير علمه بالمتغيرات ـ ، وهذا أمر غريب! ؛ انتهى كلامه مع توضيحه.

وغير خفي بأنّ القول باستناد التغيرات الحادثة إلى العلم القديم إذا كان اجماليا لا تفصيليا ـ كما هو زعم هذا العلاّمة ـ مشكل جدّا ، إذ لا امتياز في العلم الاجمالي ، فكيف يستند التغيرات والتجددات إليه؟!.

ثمّ إنّك قد عرفت انّ مذهب العلاّمة الخفري في العلم هو انّ للواجب ـ سبحانه ـ علمين : أحدهما : العلم الاجمالي الّذي هو عين ذات الواجب ـ وهو كون الذات بحيث يصدر عنه الجميع معلومة له ـ ؛ وثانيهما : العلم التفصيلي الّذي هو عين وجودات الأشياء. وتطبيق كلامه هنا على هذا المذهب إنّما هو بأن يحمل قوله : « يعلم به جميع خصوصيات الجزئيات » على أنّ المراد منه انّه يعلم منه خصوصيات / ١٧٢ MA / الجزئيات عند وجوداتها العينية لا في الأزل ، إذ لو حمل على أنّ مراده انّه يعلم من ذاته خصوصيات الجزئيات في الأزل لكان اعترافا بتحقّق العلم التفصيلي القديم المتحقّق له ـ تعالى ـ قبل ايجاد الأشياء ، وهو متحاش عنه ـ على ما ظهر من كلماته السابقة ـ. وحينئذ فالمراد من قوله : « ولا دخل للزمان فيه » : انّه لا دخل للزمان في العلم الاجمالي الّذي هو نفس ذاته لا في ما ينشأ ويصدر منه من انكشاف خصوصيات الجزئيات وحضوراتها ، لما صرّح في كلامه السابق من أنّ حضورات الجزئيات العينية متعلّقة بالزمان وللزمان مدخلية فيها.

ثمّ انّه لا تصريح في كلماته بأنّ العلم بمعنى الانكشاف هل هو متحقّق له ـ سبحانه ـ أم لا ؛ وعلى فرض تحقّقه له ـ تعالى ـ بأيّ طريق يكون متحقّقا له ـ أي : هل يكون أزليا

٢٧٢

ثابتا أم حادثا متغيرا ـ فانّ لم يكن قائلا بثبوته له ـ تعالى ـ أصلا حتّى يكون العلم عنده منحصرا بالعلم الاجمالي بمعنى مجرّد ذاته وبالعلم التفصيلي بمعنى مجرّد وجودات الأشياء فهو كفر وزندقة يدفعه قاطع البرهان ويتبرّأ عنه أهل الملل والاديان ؛ وإن كان قائلا به إلا انّه قال بحدوثه بحدوث الأشياء العينية الّتي هي العلوم التفصيلية فهو أيضا باطل ـ للزوم جهله وفقده صفة كمالية في مرتبة ذاته ـ. وهذا هو الظاهر من كلماته بعد ملاحظة السوابق واللواحق والجمع بينهما ، فانّه قسّم العلم إلى العلم الحقيقي الّذي هو الحاضر بالذات أو غير الغائب ـ وهو المناط للانكشاف والمصحح له ، وجعل وجودات الأشياء هو العلم بهذا المعنى. وهذا هو العلم التفصيلي عنده ـ ؛ وإلى العلم بالمعنى الاضافي الّذي هو الانكشاف ؛ وإلى العلم الاجمالي الّذي هو مجرّد ذاته ـ سبحانه ـ وجعل العلم الاجمالي قديما غير متغير والعلم بالمعنيين الآخرين حادثا زمانيا ، إلاّ أنّه جعل التغير الاضافي وزمانيته تابعا لتغير العلم التفصيلي ـ كما هو الظاهر من كلامه هنا ـ. ولو حمل كلامه هنا على أنّ العلم الاجمالي الّذي هو عين ذاته يعلم به خصوصيات الجزئيات في الأزل من غير مدخلية للزمان فيه فيكون رجوعا إلى الحقّ الصريح من كون انكشاف الأشياء / ١٧٢ DA / مفصّلة عنده قديما سابقا على الايجاد وعدم كون هذا الانكشاف زمانيا ، وكون العلم الحقيقي ـ الّذي هو مناط الانكشاف ـ مجرّد ذاته الحقّة دون وجودات الأشياء.

هذا هو الحقّ الّذي اخترناه من كون ذاته مناط الانكشاف التفصيلي ومنشأه وثبوت الانكشاف التفصيلي له ـ تعالى ـ في الأزل من غير كونه زمانيا ، وكون الأشياء بجزئياتها وخصوصياتها منكشفة عنده ـ تعالى ـ أزلا وأبدا على نهج واحد من غير تغيّر وتجدّد.

والحقّ انّ حمل كلامه هنا على هذا المعنى لا يناسب أكثر كلماته السابقة ، بل هو خلاف ما اشتهر من مذهبه في العلم ، بل لا يناسب لكلامه هنا أيضا ؛ لأنّه صرّح هنا بلزوم التغيّر في العلم التفصيلي الّذي لا تفصيل بعده. فان كان مراده من هذا العلم التفصيلي هو مجرّد وجودات الأشياء دون الانكشاف فيلزم عدم ثبوت انكشاف تفصيلي له ـ تعالى ـ قبل ايجاد الأشياء ؛ وإن كان مراده منه الانكشاف فيلزم كونه زمانيا وحادثا وإن كان تابعا لتغير المعلومات ـ كما صرّح به ـ. وهذا هو الظاهر من كلماته ، و

٢٧٣

لهذا أورد عليه بعض الأفاضل بأنّ علمه القديم إنّما يقتضي تجدّد المتجدّدات فيما بينها لا بالنسبة إليه ـ تعالى ـ ، وعلمه التفصيلى إنّما هو عين المتجدّدات من حيث انتسابها إليه وحضورها وانكشافها لديه وهي من تلك الحيثية غير متجدّدة أصلا. فالجزئيات المتجدّدة مع كونها متجدّدة ومتغيرة وكون علمه ـ تعالى ـ بها عين وجوداتها المتغيّرة لا يستلزم تغير علمه ـ تعالى ـ بها من حيث هو علم بها ؛ هذا.

وأمّا المطلب الثاني فهو كما عرفت انّ السبب في عدم تغيّر علمه ـ سبحانه ـ أحد الوجهين :

أوّلهما : كون ذاته علّة لجميع الأشياء ومقتضية لها اقتضاء تامّا ، والعلم بالعلّة يوجب العلم بمعلولاتها مفصّلة على نحو واحد من دون تغيّر وتجدّد.

وثانيهما : كون الأشياء بوجوداتها العينية حاضرة عنده ـ سبحانه ـ في الأزل وإن لم يوجد بعد ـ لاحاطته بالزمان وكون جميع الاجزاء عنده متساوية في الحضور وكون الزمان باسره عنده واحدا في معية الوجود ـ. وهذان الوجهان كما يصحّحان كون علمه بالمتجدّدات ثابتا غير متغير يصحّحان حضور المعدومات عنده ـ كما مرّ ـ ، فانّ ذاته ـ تعالى ـ إذا كان علّة تامّة للجزئيات / ١٧٢ MB / في الأزل وكان العلم بالعلّة مستلزما للعلم بالمعلول وكان حضور العلّة أقوى من حضور المعلول في باب انكشاف المعلول أو كانت اجزاء الزمان متساوية بالنسبة إليه وكان محيطا بالجميع متعاليا عنه ولم يكن داخلا تحت الزمان كان الجميع منكشفا عنده في الأزل والأبد على نهج واحد ، فالاشياء بأسرها في حال عدمها تكون حاضرة عنده يصحّ علمه بها مع كونها معدومة ولا يتجدّد علمه بها بتجدّدها وتغيرها ، فصحّ عدم التغيّر في علمه.

وأمّا الوجهان الآخران لتصحيح عدم التغيّر في علمه ـ تعالى ، أعني : كون علمه سبحانه حصوليا صوريا حاصلا من الأسباب والعلل المؤدّية إلى الجزئيات ، إذ كونه عالما بالجزئيات قبل ايجادها على سبيل الإجمال والعلم الاجمالي لكونه بسيطا وحدانيا لا تغير ولا تجدّد فيه ـ فقد عرفت فسادهما.

وقد تلخّص ممّا ذكر انّ في تصحيح عدم التغيّر في ذاته وفي صفاته الحقيقية

٢٧٤

مذاهب :

الأوّل : ما اخترناه ؛

والثاني : ما اختاره العلاّمة الخفري ـ رحمه‌الله ـ من عدم التغيّر في العلم الاجمالي على الاحتمال الثاني ـ أعني : مجرّد ذاته ـ وتسليم التغيّر في الانكشاف والحضورات الزمانية ونفي البأس عنه ؛

والثالث : القول بأنّ العلم الكمالي منحصر بالعلم الاجمالي بالاحتمال الأوّل بمعنى انّ ذاته بمنزلة المجمل للأشياء والعلم بذاته بمنزلة الانكشاف الاجمالي ـ أي : المعقول البسيط بالنسبة إلى الأشياء ـ ؛

والرابع : كون علمه ـ تعالى ـ حصوليا صوريا ؛

وقد ذهب إلى كلّ من هذه المذاهب جماعة ، ووقع في كلام بعضهم الاشتباه من أنّ مختاره ما ذا من المذاهب المذكورة. وقد نسب القول بنفي العلم بالجزئيات من حيث انّها جزئيات إلى القائلين بالعلم الحصولي أيضا. فلا بدّ لنا من الاشارة إلى تحقيق الحال في هذه الأمور.

فنقول : ما اخترناه من تصحيح عدم التغيّر في علمه ـ تعالى ـ من الوجهين قد اختار كلاّ منهما جماعة ؛ امّا الوجه الّذي هو القول بكون الأشياء حاضرة له ـ تعالى ـ بوجوداتها العينية في الأزل وإن لم توجد بعد ، فقد اختاره جماعة من محقّقي المتأخّرين وكلّ من صحّح علمه ـ تعالى ـ بالمعدومات بهذا الوجه قد صحّح عدم تغيّر علمه ـ تعالى ـ أيضا به. وممّن صرّح بهذا الوجه المحقّق الدواني في بعض كلماته حيث قال : / ١٧٢ DB / جميع اجزاء الزمان بما فيها حاضرة عنده ـ تعالى ـ دائما. وأمّا الوجه الآخر ـ أعني : القول بكون انكشاف العلّة مستلزما لانكشاف المعلول بخصوصياته ـ فقد اختاره أيضا جماعة ؛ وإلى هذا الوجه يشير ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : انّ العلم بالأشخاص الجسمانية من حيث انّها اشخاص معينة يتصوّر من وجهين :

أحدهما : من جهة الإحساس بآلة متجزّئة ، وذلك العلم هو العلم بالاحساس الّذي لا يكون إلاّ انفعاليا مستفادا من وجود المعلوم. ويعبر عن ذلك العلم بالعلم الجزئي على

٢٧٥

الوجه الجزئي ؛

وثانيهما : من جهة الاحاطة بجميع الأسباب والعلل المتسلسلة المنتهية إلى الاشخاص الجسمانية. وهذا العلم يعبّر عنه بالعقل التامّ الغير الزماني وبالعلم الجزئي على الوجه الكلّي ، إمّا لأنّه كتعقّل الطبائع الكلّية في الثبات على حالة واحدة ، أو لأنّ المراد من الوجه الكلّي هو انّ الواجب ـ تعالى ـ يعلم الجزئيات بالكلّية ـ أي : بجميعها ـ بحيث لا يعزب عنه ـ تعالى ـ شيء منها ، لا انّه يعلم بعضها ويعزب عنه بعض آخر ، فلا يتصوّر في عدم علمه تنقّل من معلوم إلى معلوم آخر ـ كما هو شأن الممكن ـ. وكما انّ القسم الأوّل لا يكون إلاّ انفعاليا كذلك القسم الثاني لا يكون إلاّ فعليا ، فالمعلوم في القسم الثاني مرتّب على العلم وفي القسم الأوّل بالعكس ، ولاجل ذلك لا يكون القسم الثاني يتغيّر بتغير المعلوم ولا يتجدّد بتجدّده أصلا ، والمتغير والمتجدّد والزماني انّما هو المعلوم دون العلم. وهذا هو العلم التامّ الّذي أتم العلوم كلّها وأكملها والعلم التامّ بالعلّة التامّة إنّما يوجب العلم التامّ بالمعلول ، لا أنّه يوجب الإحساس بالمعلول ، بل الإحساس قد يكون مستحيلا كما بالنظر إلى الواجب ـ تعالى ـ ، لانّ الإحساس لا يكون إلاّ بالقوة الهيولانية ـ كالحواس الجسمانية ـ وهو نقص على الواجب ـ تعالى ـ. وهذان القسمان من العلم وإن كانا نحوين من العلم إلاّ أنّ المعلوم بهذين العلمين ليس إلاّ أمرا واحدا بعينه ، فالاشخاص الجسمانية الّتي نعلمها علما احساسيا جزئيا يعلمها الواجب علما تعقّليا من جهة الاحاطة بجميع الأسباب والعلل ، والعلم الاحساسي يكون متغيرا ومتجدّدا بتغير المعلوم وتجدّده بخلاف العلم التعقّلى ؛ انتهى.

فان قيل : العلم بالأشياء إذا كان حاصلا من العلم بعلّتها لم يمكن أن يكون الأشياء معلومة بهذا العلم لوجوداتها العينية وعلى الوجه / ١٧٣ MA / الجزئى ، لأنّ العلم الحاصل بالمعلول من العلّة إنّما يتصوّر بأن يعلم انّ معلول هذه العلّة يجب أن يكون كذا وكذا من الأوصاف ، وهذه الأوصاف لا تكون إلاّ كلّية ، والأوصاف المخصّصة إذا كانت كلّية لا تفيد الجزئية وإن بلغت إلى غير النهاية.

والجواب : انّ العلم بالعلّة إذا كان حصوليا صوريا حاصلا من المخصّصات

٢٧٦

الكلّية كان العلم المستفاد منها بعلّته أيضا كذلك ؛ وأمّا إذا كان العلم بالعلّة حضوريا اشراقيا حاصلا من حضور ذات العلّة عند العاقل كان ذلك علما بلوازمها ومقتضياتها الّتي هي من سنخ ذاتها على سبيل الحضور والانكشاف أيضا بخصوصياتها المعينة وأوقاتها المخصوصة ، فواجب الوجود بالذات لمّا كانت ذاته حاضرة عند ذاته وكان عالما بذاته بالعلم الحضوري الانكشافي كان جميع لوازمه ومقتضياته الّتي هي من سنخ ذاته حاضرة منكشفة لديه بخصوصياتها ولوازمها وعوارضها وأوقاتها من دون احتياج إلى ارتسام صورها ، ويعلم انّ كلاّ منها يكون في أيّ وقت موجودا عينيا وفي أيّ زمان يكون معدوما ، فتكون وجوداتها العينية أيضا منكشفة عنده ؛ فلا يعزب عنه شيء من انحاء ما من شأنه المعلومية عن علمه ـ سبحانه ـ.

على أنّك قد عرفت انّ الوجه الأوّل ـ أعني : كون جميع الأشياء بوجوداتها العينية حاضرة عنده سبحانه في الأزل ـ وإن لم يوجد بعد متحقّق في الواقع ونفس الأمر ، وبه يثبت علمه الحضوري الاشراقي بجميع لوازمه بخصوصياته المعينة ، وتكون الموجودات بأسرها ـ حاصلها وممكنها وأزليها وأبديها وكائنها وفاسدها ، كلّيها وجزئيها إلى اقصى الوجود ـ ظاهرة لديه منكشفة بين يديه وإن قطع النظر عن هذا الوجه.

ثمّ كلام المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم ظاهر في انّ السبب في عدم تغيّر علمه ـ تعالى ـ هو ما اخترناه من أحد الوجهين ، فانّه قال : « انّ الحكماء الظاهريين قالوا : إنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع الجزئيات على الوجه الكلّي لا على الوجه الجزئي ؛ فقيل لهم : لا يمكن أن تنكروا وجود الجزئيات على الوجوه الجزئية المتغيّرة ، وكلّ موجود فهو في سلسلة الحاجة يستند إلى الباري الّذي هو مبدئه وعلّته الاولى ، وعندكم انّ العلم التامّ بالعلّة / ١٧٣ DA / التامّة يستلزم العلم بمعلولها وإنّ علم الباري ـ تعالى ـ أتمّ العلوم ، فانتم بين أن تعترفوا بعلمه بالجزئيات على الوجوه الجزئية المتغيّرة وبين أن تقرّوا بانثلام إحدى المقدّمات المذكورة ، إذ من الممتنع أن يستثنى من الاحكام الكلّية العقلية بعض جزئياتها الداخلة فيها كما يستثنى من الاحكام النقلية بعضها ـ كتعارض

٢٧٧

الأدلّة السمعية ـ (١).

والحاصل : انّه وقع التدافع بين مقدّمتين وصرّحوا بها ؛

إحداهما : انّ العلم التامّ بالعلّة مستلزم للعلم بالمعلول ؛

وثانيهما : نفي علمه ـ تعالى ـ بالجزئيات على النحو الجزئى مع كونه ـ تعالى ـ علة لها باعترافهم.

ثمّ ذكر تحقيقا حاصله : انّ تكثّر الأشياء إمّا أن يكون بحسب حقائقها ؛ وإمّا أن يكون بحسب تعدّدها مع اشتراكها في حقيقة واحدة ، والكثرة المتفقة الحقيقية إمّا أن تكون آحادها غير قارّة ـ أي : لا توجد معا ـ أو تكون غير قارة توجد معا ؛ والأوّل من هذين القسمين لا يمكن أن يوجد إلاّ مع زمان ، والثاني لا يمكن أن يوجد إلاّ في مكان أو مع مكان ، فالطبائع المعقولة إذا تحصّلت في اشخاص كثيرة تكون الأسباب الأولى لتعيين اشخاصها وتشخصها هي إمّا الزمان ـ كما للحركات ـ أو المكان ـ كما في الأجسام ـ أو كلاهما ـ كما في الأشخاص المتغيّرة المتكثّرة بحسب نوع من الانواع ـ ؛ وما لا يكون زمانيا ولا مكانيا فلا يتعلّق بهما ـ أي : بالزمان والمكان ـ ، ويقبح القول باستناده إليهما. كما إذا قيل : الانسان من حيث الطبيعة الانسانية متى يوجد ، أو اين يوجد أو كون الخمسة نصف العشرة في أيّ زمان يكون وفي أيّ بلدة يكون ، بل إذا تعين شخص منها كهذا الانسان أو هذه الخمسة والعشرة فقد يتعلّق بهما بسبب تشخّصه.

ثمّ أورد كلاما لبيان علمه بالجزئيات من حيث انّها جزئيات مع عدم لزوم التغيّر في علمنا.

هذا كلامه مع توضيحه.

واعلم! ، انّه إذا كان المدرك متعلّقا بزمان أو مكان فانّما يكون الادراك منه بآلة جسمانية لا غير ، كالحواس الظاهرة والباطنة فانّه يدرك المتغيّرات الحاضرة في زمانه ويحكم بوجودها وبفوت ما يكون وجوده في زمان غير ذلك الزمان / ١٧٣ MB / ويحكم بعدمه ؛ بل نقول : انّه كان أو يكون وليس الآن. ويدرك المتكثّرات الّتي يمكن أن يشير

__________________

(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، المسألة العاشرة ، ص ٣٨.

٢٧٨

إليها ويحكم عليها بانّها في أيّ جهة منه وعلى أيّ بعد ومسافة إن بعد عنه. وأمّا المدرك الّذي لا يكون كذلك ويكون ادراكه تامّا فانّه يكون محيطا بالكلّ عالما بأنّ أيّ حادث يوجد في أيّ زمان من الأزمنة وكم يكون بينه وبين الحادث الّذي بعده أو قبله من المدّة ، ولا يحكم بالعدم على شيء من ذلك ، بل بدّل ما يحكم المدرك الأوّل بأنّ الماضي ليس موجودا في الحال ـ أي : ليس الماضي موجودا في زمان هو ظرف وجودي في حالة الحكم ـ ، إذ الحال هو زمان وجود الحاكم في حال الحكم ـ يحكم هو بأنّ كلّ موجود في زمان معين لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان من الازمنة الّتي تكون قبله أو بعده ، لأنّ الحاكم إذا لم يكن وجوده مقارنا لزمان من الأزمنة ولا واقعا فيه لم يصحّ منه الحكم بكون الماضي غير موجود في زمان هو زمان وجوده ، لكن يحكم هو بدله بأنّ كلّ موجود في زمان معيّن لا يكون موجودا في غير ذلك الزمان ، فيحكم بأنّ الماضي الّذي هو أيضا من الموجودات في زمان معيّن لا يكون موجودا في زمان الحال الّذي هو زمان بعد ذلك الزمان ، وبأنّ المستقبل هو موجود أيضا في زمان معيّن لا يكون موجودا في زمان الحال الّذي هو زمان قبل ذلك الزمان. ودخول هذا الحكم تحت الحكم الكلّي المذكور أوّلا ظاهر إذا كان المراد بالماضي والمستقبل الشيء الّذي يمضي زمانه والشيء الّذي سيأتى زمانه ؛ وأمّا إذا كان المراد بهما نفس الزمانين فالظاهر دخوله تحته وترتّبه عليه أيضا ، إذ كلّ منهما زمان لوجود نفسه ـ كما تقرّر في موضعه ـ.

قيل : كان الاظهر أن يقول المحقّق : « ويحكم هو بدله بأنّ ما هو موجود في زمان يكون ماضيا بالنسبة إلى زمان آخر بعده ليس موجودا في ذلك الزمان المسمّى بالحال » ليطابق البدل ما هو بدل منه صريحا.

ثمّ انّ المدرك الغير الزماني يدرك في حكمه بأنّ الماضي لا يكون موجودا في الحال أنّ الماضي إنّما هو ماض بالنسبة إلى موجود واقع بعد ذلك الزمان الماضي ، وكذا الأمر في الحال فيحكم / ١٧٣ DB / بأنّ ما هو ماض بالنسبة إلى موجود واقع في زمان بعد زمان ذلك الماضي ليس موجودا في ذلك الزمان البعد الّذي هو حال بالنسبة إلى ما هو موجود ، فظهر انّه لا يعزب عن علمه كون الماضي ماضيا بالنسبة إلى ما هو ماض بالقياس إليه و

٢٧٩

لا كون الحال حالا بالنسبة إلى ما هو حال بالقياس إليه ولا يكون ما هو ماض غائبا عمّا هو حال.

ثمّ قال : ويكون ـ أي : المدرك الّذي لا يكون كذلك ، أي : لا يكون زمانيا ـ عالما بأنّ كلّ شخص في أيّ جزء يوجد من المكان وأيّ نسبة تكون بينه وبين ما عداه ممّا يقع في جميع جهاته وكم الابعاد بينهما على الوجه المطابق للحكم ، ولا يحكم على شيء بأنّه موجود الآن أو معدوم أو موجود هناك أو معدوم أو حاضر أو غائب ، وذلك لان « الآن » عبارة عن الزمان المقارن لوجود الحكم حالة الحكم وذلك فرع كون الحاكم زمانيا ، و « هناك » اشارة إلى مكان يكون بعيدا عن مكان الحاكم حالة الحكم كما انّ « هاهنا » اشارة إلى مكان قريب لمكان الحاكم ، وكلّ ذلك يقتضي كون الحاكم مكانيا. بل الحكم بأنّ الشيء موجود هناك هو الحكم بأنّه موجود في مكان معروض البعد عن مكان آخر ، وعدم حكمه بأنّه حاضر أو غائب لاستلزام حكمه بالحضور والعينيّة كون الحكم زمانيا أو مكانيا ، لأنّ المراد بالحضور والغيبة هما الحضور الزمانيان أو المكانيان بالنسبة إلى الحاكم. فظهر انّ الحكم بالموجودية والمعدومية في الآن أو هناك وبالحضور والغيبة لا ينفكّ عن الزمان والمكان ، فلا يكون ثابتا للمدرك الّذي كلامنا فيه ، لأنّه ليس بزماني ولا مكاني ، بل نسبة جميع الازمنة والامكنة إليه نسبة واحدة. وإنّما اختصّ بالآن أو بهذا المكان أو ذلك المكان أو بالحضور أو الغيبة وبأنّ هذا الجسم قدامي أو خلفي أو تحتي أو فوقي من وقع وجوده في زمان معيّن ومكان معيّن ؛ وعلمه ـ تعالى ـ بجميع الموجودات اتمّ العلوم وأكملها. وهذا هو المعبر بالعلم بالجزئيات على الوجه الكلّي ؛ انتهى.

قيل : العلم بالجزئيات بحيث لا يختصّ بالآن أو المكان أو بالحضور أو الغيبة ـ وامثال ذلك ـ هو معنى العلم بها على الوجه الكلّي ، فانّ العلم بالكلّي يكون من هذا القبيل ـ أعني : غير مختصّ بشيء من الأمور المذكورة ـ.

وقيل : التعبير عنه بالكلّي لعدم خروج شيء منه ـ أي : يعلم الجزئيات بالكلّية ـ.

قيل : وإلى هذا الاصطلاح ـ أي : اصطلاح تغيير العلم بالجزئيات بوجه لا يكون فيه كان وكائن وسيكون بالعلم الجزئي على الوجه الكلّي بمعنى عدم خروج شيء منه ـ

٢٨٠