الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧
٤١

الطّرائف

على شرح المواقف

٤٢
٤٣

المرصد الرّابع

في الإمامة ومباحثها

( ليست من اصول الديانات والعقائد ، خلافاً للشيعة ، بل هي عندنا من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين ، إذ نصب الامام عندنا واجب على الأمّة سمعاً ).

أقول :

أما أن نصب الامام واجب على الله كما هو الحق أو على الأمة كما يقولون؟ فسيأتي البحث عنه قريباً.

الإمامة من الأصول والعقائد

وأما أن الإمامة من أصول الديانات والعقائد أو هي من الفروع؟ فالحق : أنها من الأصول كالنّبوة ، وممّا يدلّ على ذلك الحديث الصحيح المتّفق عليه الصريح في أنّ « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً » وقد روي بألفاظ مختلفة والمعنى واحد وهو ما ذكرناه ، فهو باللفظ المذكور في عدة من الكتب كشرح المقاصد ٥/٢٣٩ ، وبلفظ « من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية » في مسند أحمد

٤٤

٤/٩٦ وغيره. وبلفظ : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » في سنن البيهقي ٨/١٥٦ وغيره ، وله ألفاظ أخرى.

فإنّه دليل صريح على وجوب معرفة الإمام والإعتقاد بولايته الإلهيّة ووجوب طاعته والإنقياد له ، وأن الجاهل به أو الجاحد له يموت على الكفر كما هو الحال بالنسبة إلى نبوّة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وبما ذكرناه غنىً وكفاية عن غيره من الأدلة.

وعن جماعة من الأشاعرة كالقاضي البيضاوي موافقة الإمامية في أن الإمامة أصل من أصول الدين ، وعن بعضهم كالتفتازاني أنها بعلم الفروع أليق!

تعريف الإمامة :

قوله (٣٤٥) :

( ولابدّ من تعريفها أولاً ).

أقول :

إن « الإمام » هو المؤتّم به ، أي المتبّع والمقتدى ... قال تعالى لإبراهيم عليه‌السلام : ( إنّي جاعلك للناس إماماً ) وأما تعريف الإمامة فالظاهر أن لا خلاف فيه.

قال العلامة الحلي رحمه‌الله بتعريف الإمامة : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». وقال المقداد السيّوري رحمه‌الله بشرحه : « الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ انساني. فالرياسة جنس قريب ، والجنس البعيد هو النسبة ، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنواب ، وفي أمور الدين والدنيا بيان لمتعلّقها ، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا ، وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين :

أحدهما : أن مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من الله تعالى ورسوله ،

٤٥

لا أيّ شخص إتفق.

وثانيهما : إنه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد.

وزاد بعض الفضلاء في التعريف بحقّ الأصالة ، وقال في تعريفها : الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحق الأصالة ، واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية ، فإنّ رياسته عامة لكن ليست بالاصالة. والحق : أن ذلك يخرج بقيد العموم ، فإنّ النائب المذكور لا رياسة له على إمامه ، فلا يكون رياسته عامة.

ومع ذلك كلّه فالتعريف ينطبق على النبوة ، فحينئذٍ يزاد فيه : بحق النيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بواسطة بشر » (١).

وجوب نصب الإمام

قوله (٣٤٥) :

( نصب الإمام عندنا واجب علينا سمعاً ... وقالت الإمامية والإسماعيلية : لا يجب نصب الإمام علينا ، بل على الله سبحانه ، إلاّ أنّ الإمامية أوجبوه عليه لحفظ قوانين الشرع عن التّغيير بالزيادة والنقصان ...

لنا في إثبات مذهبنا أن نقول : أمّا عدم وجوبه على الله أصلاً وعدم وجوبه علينا عقلاً فقد مر ، لما تبين من أنه لا وجوب عليه تعالى ولا حكم للعقل في مثل ذلك ... ).

وقوله (٣٤٨) :

( إحتج الموجب النصب للإمام على الله بأنّه لطف ، لكون العبد معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية ، واللطف واجب عليه تعالى.

والجواب بعد منع وجوب اللطف : أن اللطف الذي ذكرتموه إنما يحصل

__________________

(١)النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر : ٤٤ :

٤٦

بإمام ظاهر قاهر ... ).

أقول :

قد عرفت أنّ « الإمامة » نيابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلافة عنه في كلّ ما لأجله بعث ، فهي من توابع « النبوة » وفروعها ، فكلّ دليل قام على وجوب بعث النبي وإرسال الرسول فهو دال على وجوب نصب الإمام النائب عنه والقائم مقامه في وظائفه ...

ومن ذلك قاعدة اللّطف ، وهو : ما يقرّب العبد إلى الطاعة ويبعّده عن المعصية ، ولا حظّ له في التمكين ، ولا يبلغ الإلجاء ، لتوقّف غرض الّلطف عليه ، فإنّ المريد لفعل من غيره إذا علم أنّه لا يفعله إلاّ بفعل المريد من غير مشقة لو لم يفعله لكان ناقضاً لغرضه ، وهو قبيح عقلاً (١).

ولا ريب في أن « الإمام » كذلك مثل « النبي ».

فنصب الإمام واجب على الله كبعث النبي ، لتكون ( لله الحجة البالغة ) (٢) و ( لئلاّ يكون الناس على الله حجّة ) (٣) و ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بيّنة ) (٤).

وحينئذ لا يقال : « أنه لا وجوب عليه تعالى ، ولا حكم للعقل في مثل ذلك » لأنّ معنى هذا الوجوب العقلي درك العقل حسن إرسال ونصب الإمام ، إذا بذلك يعرف الله ويعبد ، وهذا هو الغرض من الخلقة حيث قال سبحانه : ( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون ) (٥) ، ولو تركه لكان ناقضاً لغرضه.

فسقط منع وجوب اللّطف ، ولعلّ منشأ المنع هو الغفلة عن حقيقة

__________________

(١) الباب الحادي عشر : ٣٥.

(٢) سورة الأنعام : ١٤٩.

(٣) سورة النساء : ١٦٥.

(٤) سورة الأنفال : ٤٢.

(٥) سورة الذاريات : ٥٦.

٤٧

الإستدلال.

وسقط أيضاً النقض بالإمام المعصوم الغائب ، ولعل منشأه الغفلة عن حقيقة الإمامة ، وتوهّم كونها السلطنة الظاهرية فحسب ... وقد عرفت أنها منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن النبوة قد تجتمع مع السلطنة الدنيوية والحكومة الظاهرية وقد تفترق عنها والنبوة باقية ، كذلك الإمامة ... و « البعث » و « النصب » من الله في جميع الأحوال على حاله ، و « النبي » و « الامام » باقيان على النبّوة والإمامة ... وعلى الناس الإنقياد لهما والتسليم لأوامرهما ونواهيهما ... ولا إلجاء من الله كما عرفت ، فإن فعلوا إجتمعت الرئاستان وتمّ اللطف ، وإلاً افترقتا ولم تبطل النبوة والإمامة ، بل خسرت الأمة فوائد بسط اليد ونفوذ الكلمة منهما ... على أنّ وجود النبي أو الإمام الفاقد للسلطنة الظاهرية ينطوي على بركات وآثار ، حتى ولو كان غائباً عن الأبصار ...

هذا موجز الكلام في بيان الإستدلال بقاعدة اللطف ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب الكلامية لأصحابنا الإمامية ، كالذخيرة والشّافي وتلخيصه وتجريد الإعتقاد وشرحه وغيره من كتب العلامة الحلّي وشروحها وغير ذلك ...

واستدل أيضاً : بأنه قد ثبت أن شريعة نبيّنا عليه وآله السلام مؤبدة ، وأن المصلحة لها ثابتة إلى قيام الساعة لجميع المكلّفين. وإذا ثبت هذا فلا بدّ لها من حافظ ، لأنّ تركها بغير حافظ إهمال لها ، وتعبّد للمكلّفين بما لا يطيقونه ويتعذّر عليهم الوصول اليه.

وليس يخلو الحافظ لها من أن يكون جميع الأمّة أو بعضها.

وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة ، لأن الأمّة يجوز عليها السّهو والنسيان وارتكاب الفساد والعدول عمّا علمته.

فإذن ، لا بدّ لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو ، ليتمكّن المكلّفون من المصير إلى قوله.

٤٨

وهذا الامام الذي نذهب إليه (١).

وقد أشير في الكتاب إلى هذا الإستدلال وترك بلا جواب.

واستدل أيضاً بانّه : قد ثبت أنه ليس كل ما تمسّ الحاجة إليه من الشريعة على حجّة قاطعة من تواتر أو أجماع أو ما جرى مجراهما ، بل الأدلة في كثير من ذلك كالمتكافئة ، ولولا ما ذكرناه ما فزع خصومنا إلى غلبة الظن والإستحسان وإجتهاد الراي ، وإذا ثبت ذلك ، وكنّا مكلَّفين بعلم الشريعة والعمل بها ، وجب أن يكون لنا مفزع نصل من جهته إلى ما اختلف أقوال الأمة فيه.

وهو الإمام الذي نقوله.

وهذا دليل آخر على وجوب إمام معصوم في كلّ زمان ...

وهناك غير ما ذكر من الأدلة.

فهذا جملة من الأدلة العقلية على أنّ نصب الإمام بيد الله لابيد الأنام ... وفي الكتاب والسنة أدلّة عديدة على أن لا دخل للناس في نصب الإمام وتعيينه ، من ذلك قوله تعالى : ( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) (٢).

ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه لما عرض نفسه على بعض القبائل ودعاهم إلى الإسلام قال له رجل منهم :

« أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء » (٣).

شروط الإمامة

قوله (٣٤٩) :

__________________

(١) تلخيص الشافي ١/١٣٣ ، شرح التجريد : ٢٨٥.

(٢) سورة القصص : ٦٨.

(٣) السيرة النبوية لابن هشام ٢/٦٦ ، السيرة الحلبية ٢/١٥٤.

٤٩

( الجمهور على أن أهل الإمامة ومستحقها من هو مجتهد في الأصول والفروع ... ).

لم يتعرّض في هذه الشروط التي نسبها إلى « الجمهور » لمذهب أصحابنا ... فنقول : إن مذهب أصحابنا أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، وطريق تعيين الإمام هو النصّ أو ما يقوم مقامه لا غير ، فكلّ ما يعتبر في النبوة معتبر في الإمامة ، وكلّما ليس بمعتبر في النبوة فليس معتبراً في الإمامة ، وكما أن النبي ليس بمجتهد بل هو مبلّغ لما أمره الله تعالى بإبلاغه بالوحي كذلك الإمام فهو مبلّغ لما أخذه وتعلّمه من النبي ...

قوله (٣٥٠ ـ ٣٥١)

( وههنا صفات أخرى في أشتراطها خلاف :

الأولى : أن يكون قرشياً ...

الثانية : أن يكون هاشمياً ، شرطه الشيعة.

الثالثة : أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين ، وقد شرطه الإمامية.

الرابعة : ظهور المعجزة على يده ، إذ به يعلم صدقه في دعوى الإمامة والعصمة ، وبه قال الغلاة.

ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ، ولا يجب له شيء مما ذكر.

الخامسة : أن يكون معصوماً ، شرطها الإمامية والإسماعيلية.

ويبطله أن أبابكر لا عصمة له إتفاقاً ).

أقول :

أما الأول ـ وهي أن يكون قرشياً ـ فلم يتعرّض لرأي أصحابنا فيها مع أنّهم قائلون بإشتراطها ، وحديث « الأئمة من قريش » ، لم يثبت عندنا إستدلال الصحابة به بل الثابت عن عمر القول بخلافه.

وأمّا دليل القول الآخر : وهو مارووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه

٥٠

قال : « وعليكم بالسّمع والطاعة ولو عبداً حبشياً » فحديث باطل مختلق ، لكن القوم قائلون بصحّته ، ولذا حمل في الكتاب وغيره على بعض الوجوه *.

وأما الثلاثة التي بعدها فقد أبطلها بدليله على خلافة أبي بكر وكونه إماماً ، مع أنه لم يكن هاشمياً ، ولم يكن عالماً بمسائل الدين ، ولم تظهر على يده معجزة ولا كرامة

وفي هذا الكلام ـ مع الإعتراف بجهل أبي بكر بمسائل الّدين ، وهو الواقع كما لا يخفى على من له إلمام بالأخبار والسّير والتواريخ ، والاعتراف بعدم ظهور شيء مما يقتضي أن يكون له كرامة عنه الله على يديه ـ دلالة على أنه إذا بطل دليل خلافته ثبت اعتبار تلك الصفات.

هذا ، ولا يخفى أنه قد نسب الثانية والثالثة إلى « الشيعة » ونسب الرابعة إلى « الغلاة » ولسنا ندري من يعني من « الغلاة »؟ ولماذا هذا التفريق؟ مع أنّ الرابعة منصوص عليها في كتب أصحابنا في طريق تعيين الإمام ، قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « فصل في إيجاب النص على الإمام أو ما يقوم مقامه من المعجز الدالّ على إمامته » (١).

وقال العلاّمة الحلّي : « الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه ، لأنّ العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، فلا بدّ من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه » (٢).

لكن العمدة في الصفات المعتبرة ـ كما اعترف في الكتاب : ٣٥٢ ـ العصمة

__________________

* وقد أخرج هذا الحديث في بعض الصّحاح عن العرباض بن سارية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيّة له وموعظة للمسلمين فيها الأمر باتّباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده واطاعة من تولّى أمورهم ولو كان عبداً حبشيّاً ، وهو حديث باطل ساقط بجميع طرقه فراجع رسالتنا الخاصّة به وهي مطبوعة في مجلة « تراثنا » العدد : ٢٦.

(١) تلخيص الشافي ١/٢٧٥.

(٢) الباب الحادي عشر بشرح المقداد ٤٨.

٥١

والأعلميّة ... وقد نصّ على عدمهما في أبي بكر ... أما إعتبار العصمة فقد تعرض لبعض حجج أصحابنا عليه كما ستعرف ، وأما عتبار الأعلمية فسكت عن ذكر وجهه.

قوله (٣٥١) :

( احتجوا على إشتراط العصمة بوجهين :

الأول : إن الحاجة إلى الإمام إمّا للتعليم ... الجواب : منع كون الحاجة اليه لأحدهما ، بل لما تقدم من دفع الضرر المظنون.

الثاني من الوجهين قوله تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) في جواب إبراهيم عليه‌السلام حين طلب الإمامة لذريته ، وغير المعصوم ظالم فلا ينال عهد الإمامة. الجواب : لا نسلم أن الظالم من ليس بمعصوم بل من ارتكب معصيةً مسقطةً للعدالة مع عدم التوبة والإصلاح ).

أقول :

ليس إحتجاج أصحابنا على اشتراط العصمة منحصراً بالوجهين المذكورين ... فلقد احتجوا بوجوه من العقل والكتاب والسنة :

أما من العقل فقد عرفت أنّ « الإمامة » خلافة النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنه يعتبر في « الإمام » كل ما يعتبر في « النبي » إلاّ الوحي ... و « العصمة » معتبرة في النبّي بالإتفاق فهي معتبرة في الإمام كذلك.

وأيضاً : قد عرفت أن الغرض من نصب الإمام حفظ الشريعة وإقامة الدين وردع الظالم عن ظلمه والإنتصاف للمظلوم منه ، فلو جاز أن يكون غير معصوم يجوز منه الخطأ والغلظ والسهو والنسيان لكان ذلك نقضاً للغرض من نصبه.

وأيضاً : لو صدرت من الإمام معصية فإن أطيع كانت إطاعته معصيةً لله ، وإن أنكر عليه وقعت الفتنة والضرر العظيم ، وهذا نقض للغرض من نصبه.

وما ذكره من أن الحاجة إلى إلامام ليس لما تقدّم ، بل لدفع الضرّر المظنون

٥٢

فيه : أنه إنما يدفع الضرر المظنون به إذا كان معصوماً ، والعصمة لا يعلمها إلا الله ، ولذا قلنا بوجوب نصب الإمام على الله ووجوب النصّ عليه منه ، وأما تفويض النصب إلى الخلق فإنه يوجب الإختلاف ويؤدي إلى الضرّر المطلوب زواله.

وأما الكتاب فقد قال تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتّمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (١).

أمّا « الظالم » فهو « عنه أهل اللغة وكثير من العلماء : واضح الشيء في غير موضعه » (٢). وغير المعصوم كذلك كما هو واضح ، وأما « العهد » فالمراد منه ـ كما ذكر المفسّرون (٣) ـ هو « الإمامة » فمعنى الآية : أنّ غير المعصوم لا يناله الإمامة.

فأين الجواب الذي ذكره عن هذا الإستدلال؟

وأمّا السنّة فأحاديث كثيرة :

منها : حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين فإنه نص في وجوب متابعة الأئمة من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته ... لكونهم معصومين ... فهو يدلّ على وجوب عصمة الإمام ... وهذا هو الحديث كما أخرجه مسلم بسنده عن زيد بن أرقم قال :

« قال رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خّماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال : أما بعد ، ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ... » (٤).

__________________

(١) سورة البقرة ١٢٤.

(٢) قاله الراغب في المفردات : ٣١٥.

(٣) الرازي ٣/٤٠ ، البيضاوي : ٢٦ ، أبو السعود ١/١٥٦.

(٤) صحيح مسلم ٧/١٢٢ باب فضل علي. وهذا الحديث تجده في سائر المسانيد والسنن وجوامع

٥٣

ومنها : قوله : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« عليّ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » (١) فإنه يفيد ثلاثة أمور :

أحدها : معنى العصمة ، وهوعدم التخطّي عن القرآن.

والثاني : إشتراط هذا المعنى في الإمام.

والثالث : وجوده في علي عليه‌السلام.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار » (٢) فإنّه كسابقه في إفادة الأمور المذكورة.

طريق تعيين الإمام

قوله (٣٥١) :

( وتثبت أيضاً ببيعة أهل الحلّ والعقد خلافاً للشيعة ).

أقول :

مذهب أصحابنا الإثني عشرية عدم الثبوت بذلك ، وذلك لأنّه قد عرفت أنّ عمدة الشروط المعتبرة في « الإمامة » هي « العصمة » و « الأعلميّة » ، ولما كانت « العصمة » من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله ورسوله ، فلا بدّ من النصّ الكاشف عنها منهما أو المعجز القائم مقام النص ، ولذا كان نصب الإمام واجباً على الله سبحانه ، ولم يفوّض إلى الناس.

وأمّا « الأعلمية » فكذلك ، ولو فرض أن يمكن لبعض الناس الإطلاع عليها فإنّ الإختلاف بينهم في تعيين الواجد لها غير مأمون ، وفي ذلك نقض

__________________

الحديث ، فإن شئت الوقوف على طرقه وأسانيده فراجع كتابنا ( خلاصة عبقات الأنوار ).

(١) المستدرك ٣/١٢٤ وتلخيصه للذهبي ، وقد صحّحه كلاهما.

(٢) هذا الحديث بهذا اللفظ ونحوه في سنن الترمذي ٢/٢٩٨ والمستدرك ٣/١٢٤ وقال : هو صحيح على شرط مسلم ، وفي غيرهما.

٥٤

للغرض الذي من أجله يحتاج إلى الإمام.

وبهذا يظهر أنّ « الإمامة » لا تكون بالبيعة ولا بالشورى ...

ومن العجب أنهم يقولون بتفويض أمر الإمامة إلى « الامة » (٣٤٥) ثم يقولون بأنها « تثبت ببيعة أهل الحلّ والعقد » (٣٥١) ثم يقولون بأن « الواحد والإثنين من أهل الحلّ والعقد كاف »! « كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان » (٣٥٣) فكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، إيجاب إتباع من لم ينص الله تعالى عليه ولا رسوله ولا إجتمعت الأمة عليه ، على جميع الخلق في شرق الدنيا وغربها ، لأجل مبايعة واحد أو إثنين!!

الإمام الحق بعد النبي

قوله (٣٥٤) :

( وهو عندنا أبوبكر وعند الشيعة علي

لنا وجهان :

الأول : إنّ طريقه إمّا النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما سيأتي. وأما الاجماع فلم يوجد على غير أبي بكر إتفاقاً من الأمة.

الثاني : الإجماع منعقد على حقّية إمامة أحد الثلاثة : أبي بكر وعلي والعباس ، ثم إنهما لم ينازعا أبابكر ... ).

أقول :

أما الوجه الأوّل ففيه :

أولاً : إنّ الطريق منحصر في النصّ أو ما يقوم مقامه كما عرفت.

وثانياً : إنّ النص موجود كما سيأتي.

وثالثاً : الإجماع غير منعقد على أبي بكر ، ودعوى إتفاق الأمة على تحقّقة باطلة ... وكيف يدّعى إنعقاد الإجماع عليه ولم يبايعه زعيم الخزرج سعد بن عبادة وولده وذووه إلى أن مات أبوبكر ، ولم تبايعه بضعة الرّسول وسيدة نساء

٥٥

العالمين فاطمة الزهراء حتى فارقت الحياة ، ولم يبايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مدة حياتها ، والزبير ، لم يبايعة إلاّ بعد أن كسروا سيفه وأخذوه قهراً ، والمقداد لم يبايعه إلاّ بعد ما ضربوه ، وكذلك سلمان وأبوذر وعمّار وحذيفة وبريدة وأتباعهم ، وكثير من سائر المسلمين؟!

وأمّا الوجه الثاني ففيه :

إنه إن أريد ثبوت الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبل بيعة أبي بكر فهو ممنوع ، لأنّ المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أنّ سعد بن عبادة حقيق بها ، فكيف يدعي وقوع الإجماع حينئذ على حقيّة أحد الثلاثة المذكورين؟ على أنّا لم نسمع أن أحداً ذكر العباس حينئذ.

وإن أريد ثبوت الإجماع المذكور بعد بيعة أبي بكر فهو ينافي ما زعموه من الإجماع على بيعة أبي بكر خاصة إن اتفق زمن الإجماعين ، وإلاّ بطل الاجماع على حقيّة أحد الثّلاثة سواء تقدّم أم تأخّر ، لأ ، الإجماع على تعيين واحد هو الذي يجب اتّباعه ، فيكون الحق مختصاً بأبي بكر ولم يصح جعل الإجماع على حقيّة أحد الثلاثة دليلاً ثانياً. ويحتمل بطلان الإجماع المتقدّم وصحة المتأخّر مطلقاً ، وهو الأقرب.

قوله : « إنّهما لم ينازعا أبابكر ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ».

فيه : إن أريد من المنازعة خصوص المحاربة فإنّه لم يكن له ناصر إلاّ أقلّ القليل ، وقد صرّح بقلّة ناصريه في غير واحد من خطبه وكلماته ، ومن أشهرها الخطبة الشقشقية حيث قال : « فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء ».

وقوله : « وفاطمة مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين ... » عجيب جداً ، فإنّ فاطمة عليها‌السلام لم يصدّقها أبو بكر في مطابتها بفدك ، وردّ شهادة الحسنين عليهما‌السلام ، فكيف يقدم على المحاربة إعتماداً على أنّ هذه زوجته وهما

٥٦

ولداه ، فضلاً عن الإعتماد على غيرهم كالذين ذكرهم؟

وإن أريد من المنازعة مخالفة أبي بكر والمطالبة بحقّه فهذا ما قد فعله ، فقد إمتنع مدة حياة فاطمة عليها‌السلام عن البيعة ، كما لم يأمرها بالبيعة حتى توفيت ، مع علمه بأنّ « من بات وليس في عنقه بيعة أمام فمات مات ميتة جاهلية » بل إنه حملها ـ والحسنين ـ مستنصراً وجوه المسلمين فلم ينصروه ، كما رواه غير واحد من المؤرخين (١) وذكره معاوية في كتاب له إلى أمير المؤمنين.

هذا ، ولا يخفى ما في عبارة الكتاب من التناقض ، فهو في الوقت الذي يدعي الإجماع على خلافة أبي بكر يعترف بكون فاطمة وولديها والعباس والزّبير وأبي سفيان والأنصار ... مع أمير المؤمنين عليه‌السلام!! اللهم إلاّ أن يريد من « الإجماع » عمر بن الخطاب الذي انعقدت ببيعته خلافته!!

وممّا يشهد بوجود المخالفين والكارهين خلافة أبي بكر تفسير بعض المحشّين على الكتاب قول عمر : « كانت بيعة أبي بكر فلتةّ وقى الله شرّها ... » بأن « معنى وقى الله شرّها : شرّ الخلاف الذي كان يظهر من المهاجرين والأنصار ... » (٢).

ومما يشهد بعدم إنعقاد الإجماع على إمامته لجوء بعضهم تارةً إلى دعوى النص عليه واخرى إلى دعوى العصمة له.

فتلخص أنْ لا نص ّ على أبي بكر كما اعترف وال اجماع كما عرفت ، وليس غيرهما طريق كما قال!

قوله (٣٥٤) :

( وكلام الشيعة في إثبات إمامة علي يدور على أمور ، أحدها : أن الإمام يجب أن يكون معصوماً لما مر ، وأبوبكر لم يكن معصوماً إتفاقاً ... والواجب منع وجوب العصمة ، وقد تقدّم ).

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١٣ ، شرح نهج البلاغة عن الجوهري.

(٢) لاحظ هامش : ٣٥٨.

٥٧

أقول :

قد تقدّم إجمالاً وجوب عصمة الإمام بدلالة الكتاب والسنة والعقل.

ودعوى إبن تيمية في مقام نفي عصمة أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنه لم يكن بأولى في العصمة من أبي بكر وعمر وعثمان » (١).

مردودة بالإجماع المصرّح به في الكتاب وغيره ، وبإعتراف أبي بكر نفسه ، وبدلالة كتب السّير والتواريخ ، لكن هذه الدعوى من شواهد صحة ما ذهب إليه أصحابنا من إعتبار العصمة ، ولعلّ الوجه في دعواه ذلك هو التنبّه إلى عدم تحقق الإجماع على خلافته مع عدم وجود النصّ عليه.

قوله (٣٥٥) :

( ثانيها : البيعة لا تصلح طريقاً إلى إثبات الإمامة ، وإمامة أبي بكر إنما تستند إليها إتفاقاً ، الجواب مر ).

أقول :

إنّ الطريق الصحيح إلى إثبات الإمامة وتعيين الإمام هو النصّ لما عرفت ، على أنّ الإجماع لم ينعقد على إمامة أبي بكر ، ودعوى الإتفاق على ذلك إن أراد منها ـ كما هوالظاهر ـ الإتفاق بين الإمامية ومخالفيهم كاذبة ، إلاّ أنْ يريد الإتفاق على إستنادها إليها على فرض ثبوتها لعدم النصّ عليه بالإتفاق ، لكن الثابت عدمها.

علي أفضل الخلائق بعد الرسول

قوله (٣٥٥) :

( وثالثها : علي أفضل الخلائق بعد رسول الله عليه‌السلام ، ولا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. وسيأتي ذلك تقريراً وجواباً ).

أقول :

__________________

(١) منهاج السنة : ٢/١٦٨.

٥٨

أمّا أنّ علياً هو الأفضل أو أبوبكر فقد ذكر أدلّة الطرفين من (٣٦٥) إلى (٣٧٢) ثم قال : ( وأعلم أنّ مسألة الأفضلية لا مطمع فيها في الجزم واليقين ... والنصوص المذكورة من الطّرفين بعد تعارضها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على منصف ، لكنّا وجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. وحسن ظنّنا بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوا ذلك ما أطبقوا عليه ، فوجب علينا اتّباعهم في ذلك ، وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله ).

هذا كلام الماتن هناك وتبعه الشارح فأين الجواب؟

وأمّا أنّه لا يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل فقد تعرّض له في (٣٧٣) وهذه عبارته : ( منعه قوم لأنه قبيح عقلاً ... وجوّزه الأكثرون إذ لعلّه أصلح للإمامة ... وفصّل قوم ... ) فهو ليس إلا ناقلاً للأقوال ، فأين الجواب؟

ونحن إذا أجبنا عن أدلة أفضلية أبي بكر إجمالاً وتفصيلاً ، وبقيت أدلة افضلية علي عليه‌السلام بلا معارض ، ثم ذكرنا كلمات من بعض أكابر القوم في قبح إمامة المفضول مع وجود الأفضل ... ثبت ما ذهب إليه أصحابنا في الصغرى والكبرى ، ولم يبق مجوّز لأتباع السّلف فيما ذهبوا إليه في مسألة التفضيل لو كانوا مطبقين عليه كما زعم فكيف وهم مختلفون؟

قوله (٣٥٥) :

( ورابعها : نفي أهلية الإمامة عن أبي بكر لوجوه ... ).

أقول :

أولاّ : هذه بعض الوجوه لا كلّها.

وثانياً : إنما يستدل بها بعد التنزل عن إعتبار النصّ.

قوله :

( شرائط الإمامة ما تقدم وكان أبوبكر مستجمعاً لها ، يدل عليه كتب السير والتواريخ ).

أقول :

٥٩

إن الشرائط التي ذكرها وادعى الإجماع عليها (٣٤٩) هي أن يكون الإمام :

١ ـ مجتهداً في الأصول والفروع ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل ...

٢ ـ ذل رأي وبصارة بتدبير الحرب والسلم ...

٣ ـ شجاعاً قويّ القلب.

٤ ـ عدلاً في الظاهر ، لئلاّ يجور.

٥ ـ عاقلاً ، ليصلح للتصرّفات.

٦ ـ بالغاً ، لقصور عقل الصبّي.

٧ ـ ذكراً ، إذ النساء ناقصات عقل ودين.

٨ ـ حرّاً ، لئلا يشغله خدمة السّيد عن وظائف الإمامة ...

قال :

( فهذه الصفات شروط معتبرة في الإمامة بالإجماع ).

ثم قال : (٣٥٠).

( وههنا صفات أخرى في اشتراطها خلاف ) فذكر خمسة شروط هي :

١ ـ أن يكون قرشياً.

٢ ـ أن يكون هاشمياً.

٣ ـ أن يكون عالماً بجميع مسائل الدين.

٤ ـ ظهور المعجزة على يده.

٥ ـ أن يكون معصوماً.

ثم قال بالنسبة إلى الثاني والثالث والرابع من هذه الشروط ( ويبطل هذه الثلاثة أنا ندل على خلافة أبي بكر ولا يجب له شيء مما ذكر ).

وبالنسبة إلى الخامس منها : ( ويبطله أن أبابكر لا تجب عصمته إتفاقاً ).

أقول :

٦٠