الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

تكملة

لقد علم فيما سبق في غضون الكتاب : أن بعض طرق حديث النجوم يشتمل على حديث آخر وهو « إختلاف أمتي رحمة » وقد ضعّف جماعة من المحدّثين الاسناد المشتمل على الحديثين.

فرأيت من المناسب أن أورد هنا بعض كلماتهم بالنسبة إلى هذا الحديث خاصة.

قال الحافظ العراقي :

« حديث اختلاف أمتي رحمة : ذكره البيهقي في رسالته ( الأشعرية ) تعليقاً وأسنده في ( المدخل ) من حديث ابن عباس بلفظ : إختلاف أصحابي لكم رحمة.

وإسناده ضعيف » (١).

وقال الحافظ محمد بن ظاهر (٢) :

« في ( المقاصد ) : إختلاف إمتي رحمة. البيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ : إختلاف أصحابي لكم رحمة.

وكذا الطبراني والديلمي :

والضحاك عن ابن عباس منقطع ، وقال العراقي : مرسل ضعيف » (٣).

وصرح محمد ناصر الدين الألباني المعاصر بأنه لا أصل له ، ونقل كلمات جماعة في ذلك (٤).

* * *

__________________

(١) المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بهامش إحياء العلوم ١/٣٤.

(٢) ترجمته في : شذرات الذهب ٨/٤١٠ والنور السافر ٣٦١ وأبجد العلوم ٨٩٥ توفي سنة ٩٨٦.

(٣) تذكرة الموضوعات ٩٠ ـ ٩١.

(٤) سلسلة الأحاديث الضعيفة الموضوعة ١/٧٦ ـ ٧٨.

٥٠١

كانت هذه كلمات هؤلاء الأعلام من أهل السنة في ردّ حديث النجوم وتضعيفة والحكم بوضعه ... فلننتقل إلى الناحية التالية وهي أسانيد هذا الحديث ورجالها ، لنرى كلمات الأئمة فيها بالتفصيل :

* * *

٥٠٢

(٢)

نظرات في أسانيد ورواة

حديث النجوم وآراء أئمة الجرح

والتعديل فيهم

إنّ الحديث النجوم أسانيد عديدة تفيد بمجموعها الشهرة ، لكن التتبّع لها يفيد : أن واحداً من تلك الأسانيد لم يكن ليسلم من طعن علماء الرجال وأئمة الجرح والتعديل من أهل السنة.

رواية عبدالله بن عمر بن الخطاب :

لقد رووا هذا الحديث عن عبدالله بن عمر ، إلاّ أنّ في سند الرواية :

١ ـ « عبدالرحيم بن زيد ».

ومن راجع كتاب ( الضعفاء ) للبخاري و ( الضعفاء ) للنسائي ، و ( العلل ) لابن أبي حاتم ، و ( الموضوعات ) و ( العلل المتناهية ) لابن الجوزي ، و ( ميزان الاعتدال ) و ( الكاشف ) و ( المغني ) للذهبي و ( خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ) للخزرجي ... وغيرها وجد كلمات الطعن والذم لهذا الرجل كقولهم : « ليس بشيء » و« كذاب » و « ضعيف » و« كذاب خبيث ».

وقد مر في مواضع من الكتاب بعض تلك الكلمات.

٢ ـ « زيد العمّي ».

وقد صرّحوا بضعفه أيضاً ، بل تقدم في كلام المناوي عن الحافظ ابن عدي قوله « عامّة ما يرويه ومن يروي عنه ضعفاء ».

* * *

٥٠٣

ورووه بسند آخر من عبدالله بن عمر أيضاً إلاّ أن فيه :

« حمزة الجزري ».

الذي جاء في ( الضعفاء ) للبخاري « حمزة بن أبي حمزة النصيبي : منكر الحديث » وفي ( الضعفاء ) للنسائي : « متروك الحديث » وفي ( الموضوعات ) : « قال يحيى ليس بشيء ، وقال ابن عدي يضع الحديث » وفيه عن أحمد « هو مطروح الحديث » وعن يحيى « لا يساوي فلساً » وتجد أمثال هذه الكلمات في ( البحر المحيط ) لأبي حيان و ( الميزان ) و ( الكاشف ) للذهبي وغيرها ، وقد تقدم بعضها.

رواية عمر بن الخطاب

لقد رووا هذا الحديث عن عبدالله بن عمر ، إلاّ أنّ في سند الرواية :

١ ـ « نعيم بن حماد ».

وهو مجروح كما تقدم في كلام ابن الجوزي.

٢ ـ « عبد الرحيم بن زيد »

٣ ـ « زيد العمي ».

وقد تقدم الكلام فيهما.

رواية جابر بن عبدالله الأنصاري

ورووا هذا الحديث عن جابر بن عبدالله ، إلاّ أن رواته مجهولون ، فقد تقدم عن ابن حجر العسقلاني في ( تخريج أحاديث الكشاف ) قوله :

« وأخرجه ـ يعني الدار قطني ـ في ( غرائب مالك ) من طريق حميد بن زيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في أثناء حديث وفيه :

فبأيّ قول أصحابي أخذتم اهتديتم ، إنّما مثل أصحابي مثل النجوم ، من أخذ بنجم منها اهتدى.

٥٠٤

قال : لا يثبت عن مالك : ورواته دون مالك مجهولون ».

* * *

ورواه بسند آخر عن جابر أيضاً ، إلاّ أن فيه :

١ ـ « أبو سفيان ».

وقد قال ابن حزم « أبو سفيان ضعيف » (١).

٢ ـ « سلام بن سليم ».

وقد قال ابن حجر : « وسلام ضعيف ».

وقال ابن حزم : « يروي الأحاديث الموضوعة وهذا منها بلا شك ».

وقال ابن خراش : « كذب ».

وقال ابن حبان : « روى أحاديث موضوعة ».

ونقل هذه الكلمات في ( سلسلة الأحاديث الموضوعة والضعيفة ) وأضاف أنه ( مجمع على ضعفه ).

٢ ـ « الحارث بن غصين ».

وقد قال ابن عبدالبر بعد أن نقل الحديث بالاسناد عن جابر : « هذا إسناد لا تقوم به حجة ، لأن الحارث بن غصين مجهول ».

وقد تقدم أن الزين العراقي أورد كلام ابن عبدالبر هذا مرتضياً إيّاه ...

رواية عبدالله بن عباس

ورووا أيضاً هذا الحديث عن ابن عبّاس ، إلاّ أن في سند الرواية :

١ ـ « سليمان بن أبي كريمة ».

__________________

(١) راجع سلسلة الأحاديث ١/٧٨.

٥٠٥

وقد ضعّفه أبو حاتم الرازي والجلال السيوطي ومحمد بن طاهر وقال ابن عدي : « عامة أحاديثه مناكير » وقال الذهبي : « لينّ صاحب مناكير » راجع : ( الموضوعات ) لابن الجوزي و ( ميزان الاعتدال ) و ( المغني ) للذهبي ، ( لسان الميزان ) لابن حجر و ( قانون الموضوعات ) لمحمد بن طاهر ، وغيرها.

٢ ـ « جويبر بن سعيد ».

الذي قال النسائي في ( الضعفاء ) عنه : « متروك الحديث » والبخاري في ( الضعفاء ) : « جويبر بن سعيد البلخي عن الضحاك ، قال علي بن يحيى : كنت أعرف جويبراً بحديثين ، ثم أخرج هذه الأحاديث فضعّف » وابن الجوزي في ( الموضوعات ) : « وأما جويبر فأجمعوا على تركه. قال أحمد : لايشتغل بحديثه » وفي ( الميزان ) « قال ابن معين : ليس بشيء وقال الجوزجاني : لا يشتغل به ، وقال النسائي والدار قطني وغيرهما : « متروك الحديث » وفي ( الكاشف ) : « تركوه » إلى غير ذلك من الكلمات.

٣ ـ « الضحاك بن مزاحم ».

وقد جاء في ترجمته من ( الميزان ) و ( المغني ) للذهبي و ( تهذيب التهذيب ) لابن حجر العسقلاني وغيرها : إنّ الرجل كان لا يحدّث عنه ، ضعيفاً في الحديث ، مجروحاً.

وقد أنكر شعبة وجماعة من كبار الأئمّة أن يكون لقي الرجل ابن عباس ...

رواية أبي هريرة

ورووا هذا الحديث عن أبي هريرة أيضاً ، إلاّ أن في سند الرواية :

« جعفر بن عبدالواحد القاضي الهاشمي ».

وكان هذا لرجل متهماً بوضع الحديث وسرقته ، متروكاً كذاباً ... كما يظهر من مراجعة ( تخريج أحاديث الكشاف ) و ( لسان الميزان ) لابن حجر العسقلاني ، و ( المغني ) و ( الميزان ) للذهبي ، و ( اللالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ) للجلال

٥٠٦

السيوطي وغيرها.

هذا ... بغض النظر عن المقال المعروف في أبي هريرة نفسه.

رواية أنس بن مالك

ولقد رووا هذا الحديث كذلك عن أنس بن مالك ، إلاّ أن في سند الرواية :

« بشر بن الحسين ».

يرويه عن الزبير بن عدي عن أنس وقد قال الذهبي في ( المغني ) : « قال الدار قطني : متروك ، وقال أبو حاتم : يكذب على الزبير ».

ولاحظ سائر الكلمات في ذمه في ( لسان الميزان ) (١) لابن حجر.

* * *

__________________

(١) لسان الميزان ٢/٢١ ـ ٢٣.

٥٠٧

(٣)

تأملات في متن حديث

النجوم

والآن ... هلمّ معي لنرى هل يصح صدور مثل هذا الكلام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهل كان جميع الصحابة على خير من بعده؟ وهل كانوا جميعاً مؤهلين لأن يقتدى بهم؟ وهل كانوا جميعاً هادين حقاً؟ ...

إذا كان كذلك ، فما معنى قوله تعالى :

( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (١).

وقوله تعالى :

( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) (٢).

وغيرهما من الآيات الكريمة التي تنص على وجود المنافقين بين أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم هل يمكن الاعتقاد بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يعلم ما سيقع بعده بين الأمة الاسلامية؟

كلاّ ... ثمّ كلاّ ... إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على علم بجميع ما سيحدث بين أصحابه وأمته إلى يوم القيامة ، لذا وردت الأحاديث الكثيرة التي لا تحصى يخبر فيها عليه وعلى اله الصلاة والسلام عن القضايا التي سيستقبلها

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠١.

٥٠٨

المسلمون.

إنه صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين قال : « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ... » (١).

وهناك أحاديث كثيرة أيضاً وردت في خصوص صحابته تفيد سوء حال جم غفير منهم ، وانقلابهم من بعده على أعقابهم ، مرتدين عن الدين راجعين بعده كفاراً خاسرين.

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخرجه البخاري :

« أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعنّ رجال منكم ، ثمّ ليختلجنّ دوني ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما احدثوا بعدك » وفي حديث : فأقول : سحقاً لمن غيّر بعدي » وفي بعض الأحاديث : « إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى » (٢).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه :

« لا ترجعوا بعدي كفاراً » (٣).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل » (٤).

... إلى غير ذلك من الأحاديث التي رواها القوم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذم الصحابه آحاداً وجماعات ، في موارد كثيرة ومناسبات مختلفة

__________________

(١) رواه جماعة ، وقال العلامة المقبلي في ( العلم الشامخ ) : « وحديث افتراق الأمة إلى سبعين فرقة رواياته كثيرة يعضد بعضها بعضاً بحيث لا تبقى ريبة في حاصل معناه ». المذاهب الاسلامية لمحمد أبو زهرة ص١٤.

(٢) صحيح البخاري باب في الحوض ٤/٨٧ ـ ٨٨ وغيره من الصحاح وكتب الحديث.

(٣) إرشاد الفحول ص٧٦.

(٤) الجامع الصغير. قال المناوي ، خرّجه الإمام أحمد في المسند ، وكذا أبو يعلى عن أبي نفيسة ، ورواه أحمد والطبراني عن أبي موسى ، وأبو نعيم في الحلية عن أبي بكر. فيض القدير ٤/١٧٣.

٥٠٩

ومواطن عديدة ...

فكيف يحسن منه سلام الله عليه وآله أن يجعل كلاً من هؤلاء نجماً يهتدى به والحال هذه؟

على أن كثيراً من الصحابة اعترفوا في مناسبات عديدة بالجهل وعدم الدراية والخطأ في الفتيا ، حتى اشتهر عن بعض أكابرهم ذلك ... ولذا كان باب التخطئة والرد مفتوحاً لدى أصحاب رسول الله تعالى عليه وعلى آله ، بل ربّما تجاوزت التخطئة حد الاعتدال وبلغت التكذيب والتجهيل والتكفير ... وتلك قضاياهم مدونة في كتب الآثار.

وهل أعجب من دعوى كون جميعهم نجوماً يهتدى بهم والحال أنه لم تكن لهم هذه المنزلة عند أنفسهم ، كما هو واضح عند من راجع أخبارهم؟

وأمّا سبّ بعضهم بعضاً ، وضرب بعضهم بعضاً ، ونفي بعضهم لبعض فقد كان فاشياً فيما بينهم ، بل لقد استباح بعضهم قتل بعض ...

أما إذا راجعنا أخبار كلّ واحد من الصحابة وتتبعنا أفعالهم وقضاياهم لعثرنا على أشياء غريبة عن الاسلام ، بعيدة عنه كلّ البعد ، من شربٍ للخمر ، وشهادة زورٍ ، ويمينٍ كاذبة ، وفعل للزنا ، وبيعٍ للخمر ، والأصنام ، وفتياً بغير علم ... إلى غير ذلك من الكبار المحرمة بأصل الشرع واجماع المسلمين ... نشير هنا إلى بعضها باختصار ...

* ١ ـ كذب جماعة من مشاهير الصحابة وأعيانهم في قضية الجمل في موضوع ( الحوأب ) ، وتحريضهم الناس على شهادة الزور كما شهدواهم ، والقصة مشهورة ... (١).

٢ ـ قصة خالد بن الوليد وقوم مالك على عهد أبي بكر إذ وقع فيهم قتلاً

__________________

(١) هذه القصة مشهورة رواها كافة أرباب التواريخ ، كالطبري وابن الأثير وابن خلدون والمسعودي وأبي الفداء ... وغيرهم.

٥١٠

ونهباً وسلباً ، ثم نكح امرأة رئيسهم مالك بن نويرة من ليلته بغير عدة ، حتى أنكر عمر بن الخطاب ذلك (١).

٣ ـ زنا المغيرة بن شعبة في قضيةٍ هذا مجملها :

إن المغيرة بن شعبة زنا بأم جميل بنت عمر ، وهي أمرأة من قيس ، وشهد عليه بذلك : أبوبكرة ، نافع بن الحارث ، وشبل بن معبد.

ولما جاء الرابع وهو زياد بن سمية ـ أو : زياد بن أبيه ـ ليشهد أفهمه عمر ابن الخطاب رغبته في أن يدلي بشهادته بحيث لا تكون صريحة في الموضوع حتى لا يلحق المغيرة خزي بإقامة الحدّ عليه ، ثم سأله عمّا رآه قائلاً :

أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة.

فقال : لا.

فقال عمر : الله اكبر ، قم يا مغيرة إليهم فاضربهم.

فقام يقيم الحدود على الشهود الثلاثة (٢).

٤ ـ بيع سمرة بن جندب الخمر على عهد عمر بن الخطاب ، فقال عمر لمّا بلغه ذلك :

« قاتل الله فلاناً ، باع الخمر ...؟ » (٣).

٥ ـ بيع معاوية بن أبي سفيان الأصنام ، فقد جاء في ( المبسوط ) ما نصه :

« وذكر عن مسروق رحمه‌الله قال : بعث معاوية رحمة الله بتماثيل من صفر تباع بأرض الهند فمر بها على مسروق رحمه‌الله قال : والله لو أني أعلم أنه يقتلني لغرقتها ، ولكني أخاف أن يعذّبني فيفتنني ، والله لا أدري أي الرجلين معاوية :

__________________

(١) وهذه الواقعة أيضاً مشهورة تجدها في جميع التواريخ والسير وكتب الكلام ، وهي إحدى موارد الطعن في أبي بكر بن أبي قحافة.

(٢) وفيات الأعيان ٢/٤٥٥ ، ابن كثير ٧/٨١ ، الطبري ٤/٢٠٧. وفي الواقعة هذه مخالفتان للنصوص الشرعية والأحكام الاسلامية الضرورية كما لا يخفى.

(٣) صحيح البخاري وغيره.

٥١١

رجل قد زيّن سوء عمله ، أو رجل لقد يئس من الآخرة فهو يتمتّع في الدنيا ... » (١).

٦ ـ شرب عبدالرحمن بن عمر بن الخطاب ( وكنيته أبو شحمة ) الخمر على عهد أبيه في مصر أيام ولاية عمرو بن العاص عليها.

وقد أقام عمر الحد على ولده هذا في المدينة ـ بعد أن طلبه من مصر ـ وقد أقام عمرو الحدّ عليه هناك وهو مريض ثم حبسه أشهر فمات على أثر ذلك (٢).

٧ ـ جهل بعض كبار الصحابة بالأحكام الشرعية ، بل بمعاني الألفاظ العربية ، وقوله في ذلك بغير علم.

فقد اشتهر عن أبي بكر أنه لم يعرف معنى « الكلالة » بالرغم من نزولها في القرآن ، وبيان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معناها للأمة ، فقال حينما سئل عنها :

« إني رأيت في الكلالة رأياً ، فإنّ كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له ، وإن يكن خطأ فمني والشيطان ، والله برئ منه ... » (٣).

٨ ـ بيع معاوية بن أبي سفيان الشيء بأكثر من وزنه ، فقد جاء في ( الموطأ ) ما نصه :

« مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : إن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فقال له أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن مثل هذا ، إلاّ مثلاً بمثل ، فقال له معاوية : ما أرى بمثل هذا باساً.

فقال أبو الدرداء : من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلّى

__________________

(٢) المبسوط في الفقه الحنفي كتاب الاكراه

(٢) شرح النهج ٣/١٢٣ ط مصر ، وفي القضية مخالفات للنصوص الشرعية كما لا يخفى.

(٣) ذكر ذلك جميع المفسرين وعلماء الكلام.

٥١٢

الله عليه وسلّم ويخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرضٍ أنت بها » (١).

٩ ـ إقدام زيد بن أرقم على أمرٍ قالت عائشة أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن لم يتب ... فقد روى جماعة من المحدّثين والفقهاء والمفسرين « عن أم يونس : إن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم الأنصاري : يا أمّ المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت : نعم ، قالت : فإني بعته عبداً إلى العطاء بثمانمائة ، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل الأجل بستمائة ، فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت ، ابلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن لم يتب.

١٠ ـ مؤامرة عائشة وحفصة على زينب بنت جحش ، فقد روي عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فتوأطات أنا وحفصة على أنّ أيّتنا دخل عليها. فلتقل له ؛ أكلت مغافير (٣)؟ قال : لا ولكن أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ، فلن أعود له ، لا تخبري بذلك أحداً » (٤).

والخلاصة : فإنّ الآيات الكريمة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، وكتب التاريخ والفقه تشهد على بطلان حديث النجوم ، وتدل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجيز لنا الاقتداء بكلّ واحد من صحابته ، لمجرد صحبته

__________________

(١) الموطأ ٢/٥٩ ، وانظر شرحه للسيّوطي.

(٢) تفسير ابن كثير ١/٣٢٧ ، الدر المنثور ١/٣٦٥ كلاهما في تفسير الآية ٢٧٥ من سورة البقرة النازلة في تحريم الربا ، وأضاف ابن كثير : « وهذا الاثر مشهور » وذكره ابن الأثير في ( جامعه ) والمرغياني في ( هدايته ) والكاساني في ( بدائعة ).

(٣) المغفور ، جمعه مغافر ومغافير : صمغ كريه الرائحه يسيل من بعض الشجر.

(٤) تجده في الصحاح وغيرها.

٥١٣

وفيهم المنافق والفاسق والمجرم ...

فمعنى حديث النجوم دليل آخر على أنّه موضوع ، بالاضافة إلى ضعف جميع رواته وطرقه ...

وقد نص على بطلان هذا الحديث من هذه الناحية جماعة من علماء الحديث كالبزّار (١) وابن القيّم (٢) وابن حزم (٣).

* * *

نعم. هناك في كتب أهل السنة ومصادرهم المعتبرة في الحديث ، أحاديث رووها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نؤمن بمضمونها ، ونأخذ بمؤدّاها ، ونعتقد بمدلولها ، ولا مجال لورود شيء من المحاذير فيها ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي » (٤).

وقوله :

« النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض » (٥).

وقوله :

« النجوم أمان الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من

__________________

(١) تقدم قوله : والكلام أيضاً منكر عن النبي صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم.

(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين ٢/٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٣) راجع سلسلة الأحاديث ١/٨٣ حيث قال : « فمن المحال أن يأمر رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم باتّباع كلّ قائل من الصحابة ... ».

(٤) ذخائر العقبى ١٧ تحت عنوان ( ذكر أنهم أمان لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، إحياء الميت ١٩ عن جماعة من أئمة الحديث.

(٥) ذخائر العقبى ١٧ ، إسعاف الراغبين ١٣٠ ( بهامش نور الأبصار ) كلاهما عن أحمد.

٥١٤

الاختلاف ، فاذا خالفها قبيلة اختلفوا فصاروا حزب ابليس » (١).

وإنما قلنا ذلك : لاعتضادها بآيات القرآن العظيم والأحاديث المتواترة عن النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبوت عصمة أئمة أهل البيت ( وهم علي وبنوه الأحد عشر ) بالكتاب والسنة ، وعدم اختلافهم في شيء من الأحكام ، وحرصهم التام على تطبيق الشريعة المقدسة ...

وختاماً نعود فنسأل : هل يصح هذا الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

والجواب : كلاّ ... فإنّ التتبع لكلمات أئمة أهل السنة وآرائهم في هذا الحديث ، والنظر في أسانيده ، والتأمّل في متنه ... كلّ ذلك يدل بوضوح على أن هذا الحديث موضوع باطل بجميع ألفاظه وأسانيده لا يصح التمسك به والاستناد إليه.

ويرى القارئ الكريم أنا لم نعتمد في هذا البحث إلاّ على أوثق المصادر في الحديث والتاريخ والتراجم وغيرها ، ولم ننقل إلاّ عن أعيان المشاهير وأئمّة الحديث والتفسير والأُصول والتاريخ.

ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يوفقنا لتحقيق السنّة واتّباع ما هو بذلك حقيق ، والاقتداء بمن هو به جدير ... وصلّى الله على سيّدنا محمّد الهادي الأمين وآله المعصومين والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) إحياء الميت ٢٤ عن الحاكم ، إسعاف الراغبين ١٣٠ إلى « الاختلاف « قال : « صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ».

٥١٥

فهرس الكتاب

تقديم

٩ ـ ٣٨

١ ـ الحركة العلمية في القرنين السّابع والثّامن...................................... ١١

١ ـ مدرسة الطوسي في العراق............................................... ١١

٢ ـ مدرسة الإيجي في بلاد الفرس............................................ ١٣

٣ ـ مدرسة ابن تيمية في بلاد الشام.......................................... ١٤

موجز ترجمة نصير الدين الطّوسي.............................................. ١٥

موجز ترجمة ابن تيمية........................................................ ١٧

٢ ـ علم الكلام................................................................. ١٩

تعريفه علم الكتاب.......................................................... ١٩

علم الكلام من أسباب هزائمنا؟............................................... ٢٠

٣ ـ الإمامة..................................................................... ٢٢

الامامة في علم الكلام........................................................ ٢٢

الإمام بعد النبي؟............................................................. ٢٢

موقف علي والزهراء من خلافة أبي بكر......................................... ٢٣

السّنة عيال على المعتزلة....................................................... ٢٥

متى بايع عليّ؟.............................................................. ٢٦

٥١٦

علي في الشورى وقوله : لأَسلمنّ ما سلمت اُمور المسلمين........................ ٢٧

رأي عليّ في خلافة من تقدّمه................................................. ٣٠

موقف عليّ من معاوية....................................................... ٣١

أثر علم الكلام في التشيّع..................................................... ٣٢

٤ ـ هذا الكتاب................................................................ ٣٤

كتاب المواقف.............................................................. ٣٥

ترجمة القاضي الإيجي......................................................... ٣٦

ترجمة الشريف الجرجاني...................................................... ٣٦

الشّروح على المواقف وشرحها................................................ ٣٧

شرح المقاصد............................................................... ٣٧

ترجمة التفتازاني.............................................................. ٣٧

كلمة الختام................................................................. ٣٨

الطّرائف على شرح المواقف

٤١ ـ ١٤٨

الإمامة من الأصول.......................................................... ٤٣

تعريف الإمامة.............................................................. ٤٤

وجوب نصب الإمام......................................................... ٤٥

شروط الإمامة.............................................................. ٤٨

طريق تعيين الإمام........................................................... ٥٣

الإمام الحق بعد النبي......................................................... ٥٤

علي أفضل الخلائق بعد الرسول................................................ ٥٧

قضية فدك.................................................................. ٦٠

عصمة الزهراء البتول......................................................... ٦٥

قصة إبلاغ براءة............................................................. ٦٨

صلاة أبي بكر في مرض النبي.................................................. ٧٣

جهل ابي بكر............................................................... ٧٦

احراق أبي بكر الفجاءة السلمي................................................ ٧٧

قطع يسار السارق........................................................... ٧٩

الجهل بميراث الجدّة.......................................................... ٨٠

٥١٧

كلام عمر في ذم أبي بكر..................................................... ٨١

قضيّة خالد مع مالك بن نويرة................................................. ٨١

قول عمر : بيعة أبي بكر فلتة.................................................. ٨٩

النصوص على إمامة علي..................................................... ٩٠

من الكتاب................................................................. ٩٣

حديث الغدير............................................................... ٩٧

حديث المنزلة.............................................................. ١٠٣

أحاديث أخرى............................................................ ١٠٩

تفنيد معارضة هذه النصوص................................................. ١٠٩

من الكتاب............................................................... ١١٠

حديث : إقتدوا باللذين من بعدي............................................ ١١٣

حديث : الخلافة بعد ثلاثون سنة............................................. ١١٥

تذنيب في خلافة من بعد أبي بكر............................................ ١١٧

أفضل الناس بعد رسول الله؟................................................. ١١٨

ما استدل به لأفضليّة أبي بكر................................................ ١١٩

مما يدل على أفضلية علي عليه السلام......................................... ١٢٦

آية المباهلة................................................................ ١٢٧

خبر الطائر................................................................ ١٢٨

خبر : علي خير الخلق....................................................... ١٢٩

خبرِه : أخي ووزيري وخير من أتركه.......................................... ١٣٠

خبر : علي خير الأمّة....................................................... ١٣٠

خبر : خير من أتركه بعدي علي............................................. ١٣١

خبر : علي سيد العرب..................................................... ١٣١

اختيار الله علياً............................................................. ١٣٢

خبر الأخوة............................................................... ١٣٢

حديث الرّاية.............................................................. ١٣٣

علي « صالح المؤمنين »..................................................... ١٣٤

حديث التشبيه بالأنبياء..................................................... ١٣٥

علي أعلم الأمّة............................................................ ١٣٦

٥١٨

علي أزهد الأمّة............................................................ ١٣٨

علي أشجع الاُمة........................................................... ١٣٨

علي أحسن الناس خلقاً..................................................... ١٣٩

علي قالع باب خيبر........................................................ ١٣٩

علي أقرب الناس إلى النبي................................................... ١٤٠

شرف زوجته وأولاده...................................................... ١٤٠

هل تجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل؟.................................... ١٤٣

الكلام حول الصحابة....................................................... ١٤٤

المراصد على شرح المقاصد

١٤٩ـ ٢٨٢

تعريف الإمامة............................................................. ١٥١

الإمامة من الأصول......................................................... ١٥٣

نصب الإمام............................................................... ١٥٤

ما يشترط في الإمام......................................................... ١٦١

طريق ثبوت الإمامة........................................................ ١٧٠

هل نصّ النّبي على إمام بعده؟................................................ ١٧٧

الإمام الحق بعد النبي........................................................ ١٨٦

الكلام على ما استدلوا به لخلافة أبي بكر...................................... ١٨٦

الاجماع................................................................... ١٨٦

من الكتاب............................................................... ١٨٩

من السنة................................................................. ١٩١

من الأدلة على إمامة الأميرالمؤمنين............................................ ١٩٩

انتفاء شرائط الإمامة عن غير علي............................................ ٢٠٠

آية : إنّما وليّكم الله....................................................... ٢٠١

حديث الغدير............................................................. ٢٠٤

سند حديث الغدير......................................................... ٢٠٥

دلالة حديث الغدير........................................................ ٢٠٩

حديث المنزلة.............................................................. ٢١٤

سند حديث المنزلة......................................................... ٢١٤

٥١٩

دلالة حديث المنزلة......................................................... ٢١٥

أحاديث أخرى............................................................ ٢٢٠

من موارد القدح الآخرين................................................... ٢٢١

قضية فدك................................................................ ٢٢١

استخلاف عمر............................................................ ٢٢٦

جهل أبي بكر............................................................. ٢٢٦

تمنّيه لو سأل النبي.......................................................... ٢٢٨

قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة.......................................... ٢٢٨

جهل عمر................................................................ ٢٢٩

إنكاره موت النبي.......................................................... ٢٣١

تصرّفه في بيت المال........................................................ ٢٣٣

منعه عن المتعتين........................................................... ٢٣٤

جعله الخلافة شورى........................................................ ٢٣٧

قضايا عثمان.............................................................. ٢٣٩

كيفية انعقاد الإمامة لعمر................................................... ٢٤٥

كيفية انعقاد الإمامة لعثمان.................................................. ٢٤٦

الائمة بعد علي............................................................. ٢٤٧

بحث الأفضلية............................................................. ٢٤٩

ما استدل به لأفضليّة أبي بكر وعمر وعثمان................................... ٢٥٠

من الكتاب............................................................... ٢٥٠

من السنة :................................................................ ٢٥٠

حديث الاقتداء بالشيخين................................................... ٢٥٠

حديث : سيدا كهول الجنّة................................................. ٢٥١

حديث : خير اُمتي أبو بكر ثم عمر........................................... ٢٥١

حديث : ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر ........................................ ٢٥٣

حديث : لو كنت متخذاً خليلاً.............................................. ٢٥٤

حديث : وأين مثل أبي بكر؟................................................ ٢٥٥

حديث : لو كان بعدي نبي لكان عمر........................................ ٢٥٧

من الأثر ................................................................. ٢٦٠

٥٢٠