الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

وسلّم ... وهو بجميع ألفاظه ساقط عن درجة الاعتبار ، وإليك البيان باختصار :

أخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عن النبي في حديث : « إنّهما من الدين كالسّمع والبصر » قال الذهبي في تلخيصه : « هو واه » (١).

وروى المقدسي : « إنّ أبابكر وعمر من الاسلام بمنزلة السّمع والبصر » ثم قال : « من موضوعات الوليد بن الفضل الوضّاع » (٢).

والحديث الذي استدل به السّعد مرسل ، لأنّ عبدالله لم يدرك النبي (٣) لكن ابن عبد البر وراه بسنده عن المغيرة بن عبدالرحمن عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه عن جدّه ... ثم قال : « ليس له غير هذا إسناد ، والمغيرة بن عبدالرحمن هذا هو الحزامي ضعيف ، وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي ... » (٤) وقال أيضاً : « حديث مضطرب الأسناد لا يثبت » (٥) وتبعه ابن حجر فقال : « قال أبو عمر : حديث مضطرب لا يثبت » (٦).

قال (٢٩٤) :

( وأمّا الأثر فعن ابن عمر ... ).

أقول :

لقد عرفت أن لا شيء مّا استدل به من السنة بتامّ سنداً ، ومالا دليل عليه من الكتاب والنسة باطل بالاجماع ، فأيّ قيمةٍ لقول زيد أو عمرو؟ وأيّ فائدة لقول مثل ابن عمر؟

قال (٢٩٤) :

( وعن محمد بن الحنفية ... وعن علي ... وعنه لمّا قيل له : ما توصي؟ ).

__________________

(١) المستدرك ٣/٧٤.

(٢) تذكرة الموضوعات : ١٤٨.

(٣) الاصابة ٢/٢٩٩.

(٤) الاستيعاب ١/١٤٦.

(٥) الاستيعاب ١/٣٤٧.

(٦) الاصابة ٢/٢٩٩.

٢٦١

أقول :

إنّ الذين لا يخافون الله والدّار الآخرة فيضعون على رسول الله عليه وآله وسلّم ما لم يقله ، لا وازع لهم عن الوضع على علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ... وليس الذي وضعوه على لسانه ما ذكره السّعد فقط ، بل الموضوعات عليه في هذا الباب يبلغ العشرات ، بل وضعوا على لسان أئمّة العترة ورجالات أهل البيت ما لا يعدّ ولا يحصى ...

قال (٢٩٤) :

( وأمّا الأمارات ... ).

أقول :

وإذْ لا دليل من الكتاب والسنّة ولا اجماع ... فما فائدة الأمارات؟

قال (٢٩٤) :

( وتشرّفه بقوله عليه‌السلام : عثمان أخي ورفيقي في الجنة ... ).

أقول :

وهذا الحديث نظير ما وضعوه وافتروه في حق اللذين من قبله ... فقد أخرجه ابن ماجة عن : أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان ابن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبدالرحمن بن أبي الزنادعن أبيه ـ وهو مولى لعائشة بنت عثمان ـ عن الأعرج عن أبي هريرة : إن رسول الله قال : لكلّ نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان (١).

فهو حديث لآل عثمان ... عن أبي هريرة؟!

وقد قال شارحه السندي : « اسناده ضعيف. فيه : عثمان بن خالد وهو ضعيف باتفاقهم » (٢).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١/٤٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١/٤٠.

٢٦٢

مضافاً إلى أن أبا مروان مقدوح وقال بعض أئمّة القوم : يروي عن ابيه المناكير (١). وهذا منها ...

وأبوه عثمان بن خالد قال البخاري : عنده مناكير. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال العقيلي : الغالب على حديثه الوهم. وقال أبو أحمد : منكر الحديث. وقال ابن عدي : أحاديثه كلّها غير محفوظة. وقال الساجي : عنده مناكير غير معروفة. وقال الحاكم وأبو نعيم : حدّث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة ... إلى غير ذلك من الكلمات (٢) فهو ضعيف باتفاقهم كما ذكر شارح ابن ماجة ، بل قال ابن الجوزي : نسب إلى الوضع (٣).

وعبد الرحمن بن أبي الزّناد قال ابن معين : ليس ممّن يحتج به أصحاب الحديث ، ليس بشيء. وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين : ضعيف : وقال الدوري عن ابن معين : لا يحتج بحديثه. وقال صالح بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث. وعن ابن المديني : كان عند أصحابنا ضعيفاً. وقال النسائي : لا يحتج بحديثه. وقال ابن سعد : كان كثير الحديث وكان يضعّف لروايته عن أبيه (٤).

وأمّا الحديث الآخر في حياء عثمان ، فهو من جملة عدّة أحاديث موضوعة في هذا الباب ، يكفي متنها دليلاً على وضعها فلا حاجة إلى النظر في أسانيدها ...

على أن هذا الحديث بالخصوص يشتمل على إهانة كبيرة للنبي الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث نسب واضعه إليه الكشف عن أفخاده بحضور أصحابه ... فهو أراد صنع فضيلة لعثمان ـ وهي الحياء ـ ونسب إلى الرّسول عدم الحياء! مع كونه كما وصفه أبو سعيد الخدري « أشدّ حياء من العذراء في خدرها » (٥)

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩/٣٣٦.

(٢) تهذيب التهذيب ٧/١١٤.

(٣) العلل المتناهية ١/٢٠٦.

(٤) تهذيب التهذيب ٦/١٧١.

(٥) تجده في البخاري في باب صفة النبي ، وفي غيره من الصحاح.

٢٦٣

لا سيّما وأن جمهور فقهائهم على أن الفخذ عورة ...

وأيضاً : يدل الحديث على أفضلية عثمان من أبي بكر وعمر ، فإنهما قد دخلا على النبي في تلك الحال فلم يغطّ فخذيه ، فلمّا دخل عثمان سترهما وقال هذه الكلمة؟!

قال (٢٩٥) :

( القائلون بأفضليّة علي تمسّكوا بالكتاب والسنة والمعقول ... ).

أقول :

الوجوه التي ذكرها أقلّ قليل من الأدلة التي يقيمها أصحابنا على أفضليّة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع الخلائق.

قال (٢٩٩) :

( والجواب : إنّه لا كلام في عموم مناقبه ... إلاّ أنه لا دليل على الأفضلية ... بعدما ثبت من الاتفاق ... والاعتراف من علي بذلك ).

أقول :

كيف لا تكون هذه الأدّلة دالّة على الأفضلية ، وهو غير منكر لنزول الآيات التي ذكرها في شأن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولاعتبار الأحاديث المستدل بها ، ولا لشيء من صفات الامام وكمالاته؟

إنه لا وجه لقوله : « لا يدلّ على الأفضلية » إلاّ التعصّب ، وإلاّ لأتى بالردّ. وأمّا رفع اليد عن الدلالة بالاتفاق والاعتراف فهو يعلم بأن لا اتّفاق فضلاً عن الاجماع على أفضلية أبي بكر ، ولا اعتراف من أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك ... وإنّه ليكفي ردّاً على دعوى الاتفاق والاعتراف ذهاب جماعة كبيرة من أعيان الصّحابة من بني هاشم وغيرهم إلى أفضلية علي ، ذكر بعضهم ابن عبدالبرّ حيث قال : « وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم وفضّله هؤلاء على

٢٦٤

غيره » (١).

ولايخفى أن كلّ واحد من هؤلاء الذين ذكرهم يعادل مئات الآلاف من سائر الناس ، لعظمته وجلالته وقربه من رسول الله وجهاده وجهوده في سبيل الاسلام ...

على أنّ الاعتراف ثابت من أبي بكر ذلك ، في مواضع عديدة ، رواها علماء القوم أنفسهم ، منها : ما رواه هو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « علي مني بمنزلتي من ربي » (٢). ومنها : ما رواه الشعبي قال : « بينما أبوبكر جالس إذ طلع علي فلمّا رآه قال : من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً وأقربهم قرابةً وأفضلهم حالةً وأعظمهم حقاً عند رسول الله فلينظر إلى هذا الطالع » (٣) ومنها : قول أبي بكر في خطبة له : « أما بعد أيّها الناس قد وليّت أمركم ولست بخيركم » (٤) فإذا نفى عن نفسه الأفضلية فقد أثبتها لعلي عليه‌السلام اذ لا ثالث بالاجماع ، ويشهد به قوله : « أقيلوني فلست بخيركم » (٥) وفي بعض الكتب بعده : « وعلي فيكم ».

وكأنّ السّعد ملتفت إلى ما ذكرناه من تماميّة الأدلة على الأفضلية وعدم وجود ما يصلح للمنع عن دلالتها ... ولذا عاد إلى البحث في دلالة بعض الأدلة ، لكن لم يأت إلاّ باحتمالات باردة وتخيّلات سقاطة وادّعاءات فارغة ...

قال (٢٩٩) :

( على أنّ فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصّل ، مثل : أنّ المراد ( بأنفسنا ) نفس النبي كما يقول : دعوت نفسي إلى كذا ).

__________________

(١) الإستيعاب ٣/١٠٩٠ ترجمة أمير المؤمنين.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٠٩.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٠٩.

(٤) طبقات ابن سعد ٣/١٨٢ قال ابن كثير : إسناده صحيح ٥/٢٤٨.

(٥) الإمامة والسياسة ١/١٤.

٢٦٥

أقول :

هذا من السّعد عجيب جداً ، وأيّ معنى لأن يدعو الإنسان نفسه؟ وعلى فرض وروده في شيء من الاستعمالات الفصيحة فهو مجاز قطعاً. وقد ذكر شيخه العضد في ( المواقف ) وكذا شارحها الجرجاني وجه الاحتجاج بالآية المباركة وهذه هي العبارة : « وجه الاحتجاج : إنّ قوله تعالى : ( وأنفسنا ) لم يرد به نفس النبي ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به علي ، دلّت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة » ثم ذكرا في الجواب : « وقد يمنع أن المراد بأنفسنا علي وحده ، بل جميع قراباته ... » فهما يسلّمان أنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، وإنّما يمنعان أن يكون المراد علي وحده ... وقد أجبنا عن هذا المنع.

وعلى الجملة ، فما ذكره السّعد في غاية السخافة والسّقوط.

قال (٢٩٩) :

( وإنّ وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي فلا اختصاص به ).

أقول :

هذا إشكال في دلالة آية المودّة وآية ( وصالح المؤمنين ) ولا أحد من المسلمين ينكر كون علي ممّن نزلت فيه آية المودّة ، وكون فاطمة زوجته والحسنين ولديه شركاء معه في ذلك لا يضرّ بالاستدلال كما هو واضح. وأمّا كون المراد من ( صالح المؤمنين ) أمير المؤمنين عليه‌السلام وحده وأنّ الآية مختصة به فذاك ما اتّفقت عليه أخبار الفريقين وأقوال علمائها (١) ولكن السعد يجهل أو يتجاهل!

قال (٢٩٩) :

( وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء ).

أقول : هذا إشارة إلى حديث : « من أراد أن ينظر ... » لكن هذا الحديث

__________________

(١) الدر المنثور ٦/٢٤٢.

٢٦٦

وارد في حق علي في أحاديث الفريقين ، وغير وارد في حق غيره كذلك بل مطلقاً ، فكيف لا يكون اختصاص به؟

بل في بعض الأحاديث التي رواها القوم أيضاً أنّ أبابكر نفسه من رواه هذا الحديث عن رسول الله في حق علي ، فقد روى الحافظ الخطيب الخوارزمي المتوفى سنة ٥٦٨ بسنده : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جمع من أصحابه فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي. فقال أبوبكر : يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل؟ بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا تعرفه يا أبابكر؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب. قال أبابكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك؟ ».

وبالجملة ، فإنكار دلالة هذا الحديث على اختصاص تلك الكمالات به دون غيره مكابرة واضحة ، ولذا لم يتفّوه به شيخه العضد وشارحه ، بل كان اعتراضهما بغير ذلك ، وقد أجبنا عنه في ( الطرائف ) بما لا مزيد عليه.

قال (٢٩٩) :

( وإنّ أحب خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملاً بأدلة أفضليتهما ، ويحتمل أن يراد : أحب الخلق إليك في أنْ يأكل منه ).

أقول :

أمّا الإحتمال الأوّل ففيه :

أوّلاً : إنّ القرائن الحاليّة والمقالية الموجودة مع حديث الطير تفيد كونه آبياً عن أيّ تخصيص.

وثانياً : إنّ تخصيص أبي بكر وعمر منه ـ ولا يخفى أنّه لا يذكر عثمان معهما ـ موقوف على ثبوت أفضليّتهما ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها مطلقاً.

وثالثاً : إنّ بعض ألفاظ حديث الطير المروي في غير واحدٍ من كتبهم المعتبرة نصّ في عدم تخصيصهما ، فقد روى النسائي في ( الخصائص ) بسندٍ صحيح عن

٢٦٧

أنس بن مالك : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبوبكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء علي فأذن له ».

وأمّا الاحتمال الثّاني فيردّه وجوه :

الأوّل : إنّه قد تقرّر أنّ حذف المتعلّق يدلّ على العموم ، فالحديث ظاهر في الأحبيّة من جميع الجهات ، وتخصيصه بجهةٍ دون أخرى بلا مخصّص مردود.

وثالثاً : إنّ هذه الشبهة طرحها بعض المخالفين المتقدّمين على السّعد بقرون ، وتعرّض للجواب عنها المشايخ الكبار من أصحابنا ، قال الشيخ محمد بن محمد النعمان البغدادي المعروف بالمفيد المتوفى سنة ٤١٣ قال كما في ( الفصول المختارة ) : « هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطّباع وانّما هي الثواب ، كما أنّ بغضه وغضبه ليست باهتياج الطّباع. وإنما هما العقاب ، ولفظ أفعل في أحب وأبغض لا يتوجّه إلاّ ومعناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول الله توجّه إلى محبة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله تعالى ».

وثالثاً : إنّ حديث الطير ممّا احتجّ به الامام عليه‌السلام في مناشدة أهل الشورى ، روى ذلك الحاكم النيسابوري ـ كما في كفاية الطالب ـ وجماعة من كبار المحدثين ، فلو كان مراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأحب في الأكل فقط لما تمّ احتجاجه ، أو لذكّره القوم بذلك وما سكتوا.

ورابعاً : لو كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه‌السلام أناس آخرون يكونون أحبّ اليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأن حال علي حينئذٍ كسائر المؤمنين الذين يحبّهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستجاب قطعاً؟

٢٦٨

وخامساً : إنّه لو كان علي أحبّ إليه في بعض الاشياء كان غيره أحبّ إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأنْ يردّ أنس عليّاً عليه‌السلام قائلاً في كلّ مرة يأتي « رسول الله على حاجة » ثم يعتذر بأنّه كان يرجو أنْ يكون الدعاء لرجلٍ من قومه الأنصار!

قال (٢٩٩) :

( وإنّ حكم الاخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان ... ).

أقول :

ما ذكره دليلاً على هذا المدّعى باطل ، ولو صحّ على أصولهم فليس بحجة علينا. عى أنّ حديث « أخي ورفيقي في الجنة » قد عرفت بطلانه بإقرار علمائهم.

قال (٢٩٩) :

( وأمّا حديث العلم والشّجاعة ... ).

أقول :

لا يخفى أنّه لم يدّع لعثمان علماً ولا شجاعة ، ولم يدّع لعمر شجاعة.

وادّعى العلم لأبي بكر وعمر لكن عبارته : ( لم تقع حادثة إلاّ ولأبي بكر وعمر في رأي ) فأقول :

١ ـ هل يكون هذا الكلام جواباً عن أعلمية أمير المؤمنين ومرجعيّته في جميع العلوم المضروب بها المثل بين الأوّلين والآخرين؟

٢ ـ هناك موارد كثيرة سئل فيها الشيخان عن شيء فكانا جاهلين ... وتلك قضايا الأسئلة منهما مدوّنة يعلمها الكلّ ولا ينكرها أحد؟

٣ ـ على السّعد أن يذكر شيئاً من موارد إصابة رأيهما ومتابعة سائر الصّحابة لهما ، أمّا دعوى أنّه لم تقع حادثة إلاّ ولهما رأي فغير مسموعة.

وادّعى الشجاعة لأبي بكر وحده ولكن عبارته : ( ولم يكن رباط الجأش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد ... ) فأقول :

٢٦٩

إنّ أشجعيّة أمير المؤمنين عليه‌السلام يضرب بها المثل ويعترف بها الموافق والمخالف ، وما قامت للدّين الحنيف قائمة إلاّ بسيفه ... وتلك مواقفه في الغزوات والحروب يعرفها الجميع ... فمن يدانيه في شجاعته ... والسّعد لا يدّعي الأشجعيّة له خاصة من علي عليه‌السلام ، ولم يجرء على التصريح باسمه ، بل يقول ( لم يكن ... أقل من أحد ).

قال (٣٠٠) :

( وأمّا حديث زهدهما في الدنيا فغنّي عن البيان ).

أقول :

هلاّ ذكر عثمان كذلك؟ وقوله : « غني من البيان » ليس إلاّ فراراً من الميدان ، وإلاّ فليأت بأدلّة وشواهد ... ولقد روى القوم أنفسهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف الإمام عليه‌السلام بالزهد فقال له : « يا علي إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينةٍ أحب إلى الله منها ، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تزرأ من الدنيا شيئاً ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً » (١).

قال (٣٠٠) :

( وأمّا السّابق إسلاماً فقيل : علي وقيل ... ).

أقول :

ليس غرض السّعد إلاّ إنكار هذه الفضيلة للامام عليه‌السلام ، وإلاّ فإنّ حديث سبقه إلى الاسلام رواه : الترمذي وأبو حنيفة والحاكم والبيهقي والطبري والسهيلي وابن هشام وابن الأثير وابن كثير وابن عبدالبّر وابن حجر العسقلاني والخطيب وابن سعد وأبو نعيم والزمخشري والسيوطي والمناويّ عن عدّة كبيرة من الأصحاب ، بل قال ابن حجر المكي : « نقل بعضهم الاجماع عليه ... ومن ثمّ

__________________

(١) حلية الأولياء ١/٧١ ترجمته عليه‌السلام.

٢٧٠

يقال كرّم الله وجهه » (١) بل أخرج الحاكم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً : علي بن أبي طالب » (٢) ... وعن علي عليه‌السلام ـ فيما أخرجه البلاذري وابن عساكر وغيرهما ـ « أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر وأسلمت قبل أن يسلم » (٣).

هذا في إسلام علي.

وأمّا إسلام أبي بكر فقد روى غير واحد أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين (٤).

وبعد هذا كلّه فإنّ السّعد لم يذكر دليلاً على دعوى سبق أبي بكر إلى الإسلام إلاّ شعر حسّان فإنّه قال :

( وقيل : أبوبكر ، وعليه الأكثرون على ما صرّح به حسان بن ثابت في شعر أنشده ... ).

أقول : أين شعر حسّان؟ وما هو؟ ومن يرويه؟

ولو سلّم فهل يقاوم ما تقدّم؟

على أنّ من شعر حسان بن ثابت :

« جــــبريل نـادى معـلنـا

والـنـقـع لـيس بمـنـجـلي

والمـســلمـون قـد أحـدقـوا

حـول الـنـّبـي المـرســل

لا ســيف إلاّ ذو الــفـقــار

ولا فــتـى الاّ عــلـي » (٥)

ومن شعره الثابت المرويّ في كتب الفريقين شعر ، يوم غدير خم وقد تعرّضنا له سابقاً.

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٧٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣/١٣٦.

(٣) أنساب الاشراف ٢/١٤٦ ، تاريخ دمشق ١/٥٣ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٤) تاريخ الطبري ٣/٤٢٠.

(٥) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : ١٦ عن أحمد في الفضائل.

٢٧١

قال (٣٠٠ ـ ٣٠١) :

( ما ذكر من أفضلية بعض الأفراد بحسب التعيين أمر ذهب اليه الأئمّة ، وقامت عليه الأدلّة ، قال الامام الغزالي : حقيقة الفضل ما هو عندالله ، وذلك ممّا لا يطّلع عليه إلاّ رسول الله ).

أقول :

إنّ الفضائل منها : نفسانيّة كالعصمة والأعلميّة ومنها : بدنيّة كالشجاعة ونحوها ، ومنها : خارجيّة كشرف الزوجة والأبناء مثلاً ... أمّا البدنيّة والخارجية فذلك ممّا يطّلع عليه جميع الناس ، وأمّا النفسانية فلا يطّلع عليها إلاّ رسول الله كما قال الغزالي وأقرّه السّعد ، ومن هنا قلنا باشتراط النصّ ، لأن من شرائط الإمامة العصمة والأعلميّة ، وهذان لا يطّلع عليهما إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا بدّ من النصّ.

وقد عرفت أن لا نصّ إلاّ على علي عليه‌السلام ...

قال (٣٠١) :

( وقد ورد في الثناء عليهم أخبار كثيرة ... فلو لا فهم ذلك لما رتّبوا الأمر كذلك ... ).

أقول :

قد عرفت حال ما رووه في الثناء على المتقدّمين على علي عليه‌السلام ، وأمّا ترتيب الخلافة على ما وقع فليس به آية ولا رواية ولا إجماع ... وقد عرفت ... وحسن الظنّ بالصّحابة لا يجدي بعد أن ثبت وجود الفسّاق والمنافقين فيهم بكثرة كما اعترف به السّعد وغيره.

قال (٣٠١) :

( فقد ورد النّص بأنّ فاطمة ... ).

أقول :

وأمّا فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقد اعترف بأنّه « قد ثبت أنّ فاطمة

٢٧٢

الزهراء سيدة نساء العالمين » لكن ليس هذا وحده ما ثبت من فضائلها ، فإنّ من جلائل فضائلها قول والدها فيها : « فاطمة بضعة منّي فمن آذاها آذاني ومن آذاني آذى الله » فإنّ هذا الحديث يدلّ على عصمتها فتكون بذلك أفضل الناس بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد أنصف الحافظ أبو القاسم السهيلي حيث قال بدلالة الحديث المذكور على أفضليتها من أبي بكر وعمر ، كما نقل عنه المناوي ذلك وأقرّه بشرح الحديث في ( فيض القدير ).

قال (٣٠١) :

( وأنّ الحسن والحسين ... ).

أقول :

فضائل الحسنين عليهما‌السلام لا تعدّ ولا تحصى ، ومن تأمّل فيها وأنصف حكم بكونهما أفضل الخلائق بعد والديهما ... كيف لا وهما إمامان معصومان بنصّ الكتاب والسنّة المعتبرة.

قال (٣٠١) :

( وأنّ أهل بيعة الرضوان ... من أهل الجنّة ).

أقول :

من شهد ذلك وقتل في سبيل الله فمن أهل الجنة بلا كلام. ومن شهدها ومات بعد ذلك في حياة الرسول فالظاهر كونه من أهل الجنّة ايضاً. ومن بقي منهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حكمه حكم غيره ، فإنّه إن حفظ وصيّة رسول الله وعمل بها في اتّباع الكتاب والعترة كان من أهل الجنّة وإلاّ فلا.

وعلى الجملة فمن آمن بالله ورسوله وعمل الصالحات ومضى إلى ربه على هذه الحال فهو من أهل الجنة ، والآيات القرآنية الصريحة في هذا المعنى كثيرة جداً.

قال (٣٠١) :

( وحديث بشارة العشرة ... ).

٢٧٣

أقول :

وكذلك الكلام هنا ... ثم إنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة كما في الحديث الذي اعترف به ، فمن كان من أهل الجنة كانا سيّدين له ، ومن المعلوم كونهما أفضل حينئذٍ من سائر أهل الجنّة ، وأبوهما أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل منهما بالاجماع فهو أفضل أهل الجنّة بالأولويّة القطعيّة.

وحديث العشرة المبشرّة لا يروونه إلاّ عن عبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وكلاهما من العشرة!

قال (٣٠١) :

( تطابق الكتاب والسنّة والإجماع على أنّ الفضل للعلم والتقوى ).

أقول :

نعم الفضل للعلم والتقوى ، كتاباً وسنة وإجماعا ، ولا ريب في أنّ الأعلم والأتقى هو الأفضل ، فهو المتعيّن للإمامة والخلافة ... وقد ثبت أنّه الامام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

قال (٣٠٢) :

( فإنْ قيل : قال الله تعالى : ( انما يريد الله ... ) وقال النبّي : إنّي تركت فيكم ... ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره ، قلنا : نعم ... ).

أقول :

قد ثبت بالأحاديث المعتبرة أنّ المراد من « أهل البيت » في قوله تعالى : ( انما يريد الله ... ) هم الخمسة الطّاهرة ، حتى أنّ أم سلمة استأذنت في الدخول معهم فلم يأذن لها رسول الله وقال : إنّك إلى خير ... وإذهاب الرّجس مطلقاً دليل على العصمة ، فكان الخمسة معصومين بالآية المباركة.

ومن كان معصوماً كان أفضل ، ومن كان الأفضل كان الامام دون غيره.

وثبت أيضاً : أن المراد من « عترتي أهل بيتي » في الحديث هم الأئمة الإثنا عشر ، لأنّ الأمر المطلق بالتمسّك والإتباع والأخذ يستلزم عصمة المتبوع

٢٧٤

والمقتدى ، كما ذكر الفخر الرازي وغيره في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) ونظائر ذلك. ولأنّ الذين لا يفارقون القرآن ، بل يكونون معه ويكون معهم هم الأئمة المعصومون.

وفي هذا الحديث دلالة على بقاء الأئمة من العترة مادام القرآن باقياً ، ليكون حافظاً له من التّغيير ، مبيّناً لما احتاج منه إلى البيان والتفسير ...

ومن كان معصوماً كان أفضل النّاس علماً وعملاً ...

فظهر أنّ الآية المباركة والحديث دليلان آخران على أفضلية الأئمة من العترة الطاهرة ، والحديث المذكور أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم من الأئمة ، بل هو من الأحاديث المتواترة المقطوع بصدورها عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

حول الصحابة

قال (٣٠٣) :

( يجب تعظيم الصّحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهرة الطعن فيهم على محامل ... وللروافض سيّما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ... ).

أقول :

لابدّ أوّلاً من تعريف الصّحابي ، فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، والذي يهمّنا هنا معرفة رأي السّعد :

قال ابن الحاجب : « الصّحابي من رأي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإن لم يرو ولم تطل ».

فقال العضد بشرحه : « قد اختلف في الصحابي فقيل : من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو عنه حديثاً ولم تطل صحبته له ، وقيل ... » (١).

__________________

(١) شرح المختصر ٢/٦٧.

٢٧٥

فالمختار عند الماتن والشارح هو القول الأول.

ووافقهما السّعد في الحاشية وهذه عبارته :

« قوله : الصحابي من رآه ، أي مسلم رأى النبي ، يعني صحبه ولو أعمى ، وفي بعض الشروح ، أي راه النبي عليه الصلاة والسلام » (١).

فالصحابي : من رأى النبي مسلماً أو رآه النبي.

هذا هو الموضوع. والحكم : وجوب تعظيم الصّحابة كلهم والكفّ عن مطاعنهم وحمل ما يوجب ...

فالحاصل : وجوب تعظيم كلّ مسلم رأى النبيّ أو رآه النبي ، والكف عن مطاعنه ...

فهل يرتضي هذا أحد؟ وما الدليل عليه؟

وكيف يقول السّعد هذا؟ وسيصرّح في ٣١٠ بالعبارة التالية :

( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن الطريق الحق ، وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد ، وطلب الملك والرياسة ، والميل إلى اللذات والشهودات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ... ).

كيف يقول هنا : يجب تعظيم الصحابي ـ أي كلّ من لقي النبي ـ ... ويقول هناك : « ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي بالخير موسوماً »؟

أللهمَّ إلاّ أن يقال : كلامه هنا عام وقد خصّصه كلامه ذاك ، فيكون حكم ما ذكره هنا حكم ما ورد كتاباً وسنةً في مدح الأصحاب عموماً ، فإنّ الله تعالى والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأمران بحبّ من حاد عن الطريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ... بل الحكم الشرعي هو الاجتناب والتبرّي عن هكذا

__________________

(١) شرح المختصر ٢/٦٧.

٢٧٦

أشخاص.

هذا مقتضى التحقيق الحقيق بالقبول والتصديق.

وعلى الجملة ، فإنّ من الأصحاب من لا يجوز تعظيمه والاقتداء به ، ومنهم من يجب تعظيمه وتكرمه ، وهذا القسم هوالذي يحمل ما يوجب بظاهره الطعن منهم على محامل وتأويلات ... كما هوالحال بالنّسبة إلى سائر المسلمين ...

قال (٣٠٥) :

( أمّا توقف عليّ في بيعة أبي بكر فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة والحزن بفقد رسول الله ... ).

أقول :

هذا حمل باطل ، فإنّه عليه‌السلام قد أصابه بفقد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكآبة والحزن ما لا يوصف ، ولكنّ ذلك ما كان بحيث يكون مانعاً له عن الحضور للبيعة مدة ستة أشهر لو كان يرى أبابكر إمام حق ... وهويعلم بأنّ من بات وليس في عنقه بيعة إمام فمات مات ميتة جاهلية! ولو سلّم أن المانع له ذلك فلم لم يأمر قومه وأتباعه وزوجته بالبيعة؟

إنّ هذا الحمل باطل ، بل الأدلّة والشواهد من الخطبة الشقشقيّة وغيرها دالة على خلافه ... وقد تقدم في الكتاب طرف من ذلك ...

قال (٣٠٦) :

( بل لأنّه تركهم واختيارهم من غير إلزام ... ).

أقول :

ما الداعي لتوجيه تخلّف الجماعة عن بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ وكيف يلتئم هذا التوجيه مع ما ثبت عن بعضهم من الندم على التخلّف عن البيعة والقتال مع الامام؟

وهل يكون ترك الإلزام من الامام عليه‌السلام عذراً لترك الواجب بحكم الاسلام؟ ثمّ لينظركم فرق بين إمامة أمير المؤمنين الذي ترك الإلزام ، وإمامة الذين

٢٧٧

هدّدوا آل رسول الله بتحريق دارهم على من فيها؟

قال (٣٠٨) :

( وما ذهب إليه الشيعة من أن محاربي علي كفرة ... فمن اجتراءاتهم وجهالاتهم ... ).

أقول :

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠ : « فصل في أحكام محاربي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والقاعدين عن نصرته عليه‌السلام : عندنا أن من حارب أمير المؤمنين وضرب وجهه ووجه أصحابه بالسيف كافر ، والدليل المعتمد في ذلك : اجماع الفرقة المحقة من الإماميّة على ذلك ، فإنهم لايختلفون في هذه المسألة على حالٍ من الأحوال ، وقد دلّلنا على أن إجماعهم حجة فيما تقدم.

وأيضاَ : فنحن نعلم أن من حاربه كان منكراً لامامته ودافعاً لها ، ودفع الامامة كفر ، كما أنّ دفع النبوة كفر ، لأنّ الجهل بهما على حدٍ واحد ، وقد روي عن النّبي أنه قال : من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. وميتة الجاهلية لا تكون إلاّ على كفر.

وأيضاَ : روي عنه أنه قال : حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي ، ومعلوم أنه إنما أراد أن أحكام حربك تماثل أحكام حربي ، ولم يرد أن إحدى الحربين هي الأخرى ، لأن المعلوم ضرورة خلاف ذلك ، وإذا كان حرب النّبي كفراً وجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين ، لأنه جعله مثل حربه.

ويدلّ على ذلك أيضاَ : قوله أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، ونحن نعلم أنه لا تجب عداوة أحد بالاطلاق إلاّ عداوة الكفار.

وأيضاً : فنحن نعلم أن من كان يقاتله يستحل دمه ويتقّرب إلى الله بذلك ، واستحلال دم امرئ مسلم كفر بالاجماع ، وهوأعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتفاق ... » (١).

__________________

(١) تلخيص الشافي ٤/١٣١ ـ ١٣٣.

٢٧٨

قال ( ٣١٠) :

( فانْ قيل : يزعمون ... قلنا : مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ ... وبالجملة فلم يقصدوا إلاّ الخير والصّلاح في الدين ... ).

أقول :

إذا كان يحسن الظن بأصحاب الجمل وأهل صفّين وغيرهم ، ويحمل أعمالهم ـ حتى المقاتلة فضلاً عن اللعن والتّضليل ـ على الصحة ... فمن البعض الذي نصّ بعد هذه العبارة على أنّه « قد حاد عن طريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد ... ».

قال (٣١١) :

( فان قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ... وإلاّ فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟ ... ).

أقول :

هذا توجيه لما ذهب إليه بعض النواصب ، لكنّ مقتضى مذهب أهل السنة القائلين بإمامة من تغلّب بالجور والقهر ، وبعدم جواز عزل الحاكم وإنْ ظلم أو فسق ... هو المنع من لعن يزيد ...

ثم إنّ الأعلى كائناً من كان إنْ كان مستحقا للّعن فهو ملعون مثل يزيد ، وانْ كان له دخل في تمكّن يزيد من رقاب المسلمين وتسلّطه على أهل بيت سيّد المرسلين ، فهو شريك في جميع ما فعله نغل معاوية اللعين ... فيستحق ما يستحقّه ... وإنّ الحق يقال على كلّ حال...

الخاتمة في المهدي

قال (٣١٢) :

٢٧٩

( ممّا يلحق بباب الامامة بحث خروج المهدي ... ).

أقول :

ليس بحث المهدي وخروجه ممّا يلحق بباب الامامة ، بل إنه من صلب باب الامامة ، فإنّه الإمام الثاني عشر المنصوص عليه من النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأحاديث به متواترة والاعتقاد به من ضرورّيات الدين ، فمن أنكره عدّ من المرتدّين.

قال (٣١٣) :

( وزعمت الامامية من الشيعة أن محمّد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء ، ولا استحاله في طول عمره كنوح ولقمان والخضر عليهم‌السلام.

وأنكر ذلك سائر الفرق ، لأنه ادعاء أمر يستبعد جداً ... ).

أقول :

المهدي من هذه الأمّة ، ومن قريش ، ومن العترة النبوية ، ومن ولد فاطمة عليها‌السلام كما في الأحاديث الكثيرة التي أورد بعضها في الكتاب ...

ثم إنّه من ولد الحسين بن علي عليهما‌السلام كما في الأحاديث الكثيرة أيضاً المتفق عليها بين الفريقين ... منها أنّه لمّا أخبر به سأله سلمان : « من أيّ ولدك يا رسول الله؟ قال : من ولدي هذا. وضرب بيده على الحسين » (١).

ثم إنّ مقتضى الأحاديث الصّحيحة المتفق عليها وجود المهدي عليه‌السلام ، وهي طوائف :

١ ـ ما جاء في أنّ من مات بغير إمام ما ميتة جاهليّة. وقد تقدّم ذكره في الكتاب ببعض ألفاظه ، وقد أرسله السّعد إرسال المسّلمات.

٢ ـ ما جاء في أنّ الأئمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثنا عشر. وقد

__________________

(١) دخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ١٣٦.

٢٨٠