الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

السيّد علي الحسيني الميلاني

الإمامة في أهمّ الكتب الكلاميّة وعقيدة الشيعة الإماميّة

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٧

مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) (١) فالمؤمن علي والفاسق هو الوليد بن عقبة كما رواه ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والواقدي وابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر من طرق (٢).

ومن المعلوم أن تولية الفاسق قادح في الامامة.

وثانياً : إنّه ـ وإن كان لا اطلاع له على السرائر وإنّما عليه « الأخذ بالظاهر » لكن عليه « العزل عند تحقّق الفسق » كما ذكر ... إلاّ أن عثمان لم يعزل من تحقّقّ عنده الفسق منهم ، وهذا قادح في الامامة. فسعيد بن العاص مثلاً لم يعزله باختياره عن الكوفة بعد أنْ أبلغ بأفعاله ، بل ردّه أميراً على الكوفة وأمره بالتضييق على أهلها ، فلمّا جاء ليدخل الكوفة خرج عليه بالسّلاح فتلّقوه فردّوه ، وكتبوا إلى عثمان : « لا حاجة لنا في سعيدك ولا وليدك » (٣).

وبعضها : ما كذّبه قائلاً : ( وبعضها افتراء محصْ كصرف ذلك القدر من بين المال إلى أقاربه ، واخذ الحمى لنفسه ، وضرب الصحابة إلى الحدّ المذكور ).

أقول :

أمّا إنكاره صرف الأموال من بيت المال فلم يعلم أنه ينكر أصل الصرّف أو كونه من بيت المال فيدّعي كونه من ماله الخاص كما زعم ابن روزبهان؟ وكيف كان ففي رواية المؤرخين المعتمدين عندهم أنه صرفها من بيت المال ... فلاحظ : تاريخ الطبري ٥/٤٩ ، ١١٣ والكامل ٣/٤٣ ، والمعارف لابن قتيبة : ٨٤ وتاريخ ابن كثير ٧/١٥٢ ، وتاريخ أبي الفداء ١/١٦٨ والعقد الفريد ٣/٧٧ والسيرة الحلبيّة ٢/٨٢ ... فإنْ كانوا مفترين عليه فما ذنبنا؟

وأمّا إنكاره أخذ الحمى فيردّه تسليم ابن حجر المكي في ( الصواعق )

__________________

(١) سورة السجدة : ١٨.

(٢) الدر المنثور ٥/١٧٧ ـ ١٧٨.

(٣) تاريخ الطبري ٥/٩٤ ، الكامل في التاريخ ٣/٧٣ ، الاستيعاب ترجمة سعيد بن العاص ٢/٦٢١.

٢٤١

والحلبي في ( سيرته ) وغيرهما صحّة ذلك الخبر المروي في كتبهم ...

وأمّا إنكاره ضرب الصّحابة إلى الحدّ المذكور فتقييده بـ ( إلى الحدّ المذكور ) يفهم قبوله أصل المطلب ، هذا كاف ، لكن ضرب ابن مسعود إلى حدّ كسر أضلاعه موجود في أخبار القوم وكتبهم ، ولذا قال بعض المتكلّمين بأنّ ضربه كان للتأديب وللإمام ذلك ، وقال آخر : ضربه بعض غلمان عثمان لمّا رأوه يقع فيه ، وكذا ضرب عمّار إلى حدّ الفتق فقد ذكره غير واحد منهم ، بل في رواية ابن عبدالبرّ ذلك مع إضافة حيث قال : « حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعاً من اضلاعه » بل ظاهر الخبر أنه كان مشرفاً على الموت ففيه : « فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات لاقتلنا به أحداً غير عثمان » (١).

وبعضها : ما لم يكذّبه ولم ينكر قدحه في الامامة فاضطرّ إلى الجواب بقوله : ( وبعضها أجتهاديّات مفوّضة إلى رأى الامام حسب ما يراه من المصلحة كالتأديب والتعزير ، ودرء الحدود والقصاص بالشبهات والتأويلات ).

أقول :

هل كان مما فوّض إلى رأيه ضرب مثل أبي ذر ونفيه إلى الرّبذة؟ وهل يسمّى مثل هذا تأديباً وتعزيراً؟ ولماذا؟

روى البلاذري وغيره : « لمّا أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم ، جعل أبوذر يقول : بشّر الكانزين بعذابٍ أليم ، ويتلو قول الله عزّ وجلّ ( والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم ).

فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان ، فأرسل إلى أبي ذر ناتلاً مولاه أن أنته عمّا يبلغني عنك. فقال : أينهاني عثمان عن قرائة كتاب الله وعيب من ترك أمر

__________________

(١) الاستيعاب ـ ترجمة عمّار ٣/١١٣٥.

٢٤٢

الله؟! ...

وبنى معاوية الخضراء بدمشق فقال : يا معاوية ، إنْ كانت هذا الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإنْ كانت من مالك ، فهذا الإسراف. فسكت معاوية ».

وأخرج البخاري في صحيحه من حديث زيد بن وهب قال : « مررت بالربذة فقلت لأبي ذر : ما أنزلك هذا؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذا الآية : ( الذين يكنزون الذهب والفضّة ) فقال : نزلت في أهل الكتاب فقلت : فينا وفيهم ، فكتب يشكوني إلى عثمان ، فكتب عثمان : أقدم المدينة فقدمت ، فكثر الناس عليّ كأنّهم لم يروني قبل ذلك. فذكر ذلك لعثمان فقال : إنْ شئت تنحيّت فكنت قريباً. فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ».

قال ابن حجر بشرحه : « وفي رواية الطبري : إنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه الشام ، فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام ... وفي رواية الطبري : تنحّ قريباً. قال : والله لن أدع ما كنت أقوله. ولابن مردويه : لا أدع ما قلت ».

وفي حوادث سنة ثلاثين من تاريخي الطبري وابن الأثير : كان ما ذكر في أمر أبي ذر وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذكر في سبب ذلك امور كثيرة ، من سبّ معاوية إيّاه وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة من الشام بغير وطاء ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع ... أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها ... ».

وعلى الجملة فإنّ نكير سيدنا أبي ذر رضي الله عنه كان موجّهاً إلى معاوية ومروان وعبدالرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وطلحة بن عبيد الله وأمثالهم الذين خضموا على عهد عثمان مال الله خضمة الإبل نبتة الرّبيع ... إلى أنْ أسكنه عثمان الربذة فمات بها ... وقد نصّ على تسيير عثمان أباذر قهراً جمهور المؤرّخين والمحدّثين ، حتى أرسله غير واحد منهم كالشهرستاني في ( الملل والنحل ) والحلبي في ( سيرته ) وابن حجر المكي في ( صواعقه ) ولم ينكره السّعد في الكتاب.

هذا قضية أبي ذر وعلى هذه فقس ما سواها ...

٢٤٣

وهل كان ممّا فوّض إلى رأي الامام تعطيل القصاص؟ وهل يسمّى تعطيله درء له بالشبهة؟ وما هي الشبهة في قضية عبيدالله بن عمرو والهرمزان؟

لقد قتل عبيدالله بن عمر الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة وهما مسلمان بلا ذنب أتيا به ، بل أراد ألاّ يترك سبياً بالمدينة إلاّ قتله وأمسك عثمان عن القصاص ، وهذا ممّا أكثر الناس فيه وأعظموه حتى قال أمير المؤمنين عليه‌السلام له : يا فاسق لئن ظفرت بك يوما لأقتلنّك.

راجع : الطبري ٥/٤٢ ، الإصابة ٣/٦١٩ ، سنن البيهقي ٨/٦١ ، طبقات ابن سعد ٥/٨ ، الكامل ٣/٣٢ ...

فلو كان في القضية شبهة دارئة لما كان ذلك الموقف من المسلمين ومن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، حتّى أنّه لّما ولي الأمر تطلّب عبيدالله ليقتله فهرب منه إلى معاوية بالشام ، وقتل بصفّين ... كما في الاستيعاب.

ولو كان في القضية شبهة دارئة لما افتعل القوم له المعاذير المختلفة ... كما لا يخفى على من راجع كتب الحديث والكلام ...

هذه قضيّة عبيدالله بن عمر ... وعلى هذه فقس ما سواها.

وبعضها : ما زعم كونه بإذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( وبعضها كان بإذن النبيّ ، كردّ الحكم بن أبي العاص ، على ما روي أنّه ذكر ذلك لأبي بكر وعمر فقالا : إنك شاهد واحد ، فلمّا آل الأمر إليه حكم بعلمه ).

أقول : لا خلاف في أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم وولده وأنه طردهم عن المدينة المنوّرة ... وهذان الأمران موجودان في كافّة المصادر ...

كما أنّ من الثابت أنهم لم يزالوا طرداء حتّى ردّهم عثمان ... هذان الأمران أيضاً موجودان في كافة المصادر ... وفي غير واحد منها : إنه آواه وأعطاه مائة ألف.

كما أنّ المصادر كلّها متّفقة على أنّ ردّ الحكم كان مما نقم على عثمان ... راجع الأنساب ٥/٢٨ ، والمعارف ٨٤ ومرآة الجنان ١/٨٥ والعقد الفريد

٢٤٤

٢/٢٦١ وغيرها.

بقي أن نعرف إذن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعثمان بردّ الحكم وإيوائه ، فأين الخبر في ذلك؟ ومن الذي رواه؟ يقول السّعد : ( على ما روي ... ) وهو أيضاً لا علم له بالرواية! بل أخذ هذا الجواب ـ مثل كثير من المواضع ـ من عبد الجبار المعتزلي حيث قال في ( المغني ) : « قد نقل أن عثمان لمّا عوتب على ذلك أنه استأذن رسول الله » لكن المعتزلي أيضاً يقول : « قد نقل ». وقد اعترضه السيّد المرتضى في ( الشافي ) بأنّ هذا لم يسمع من أحد ولا نقل في كتاب ، ولا نعلم من أين نقله؟ وفي أبي كتاب وجده؟ فإنّ الناس كلّهم رووا خلافه!

ثم إن أبابكر وعمر لم يردّا عثمان لكونه شاهداً واحداً ، وإنّما ردّاه لأنّهما لم يصدّقاه ، حتى قال له عمر : « ويحك يا عثمان!! » وهذا نصّ الخبر كما رواه الحلبي ، قال : « كان يقال له : طريد رسول الله ولعينه وقد كان طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدّة أبي بكر بعد أنْ سأله عثمان في إدخاله المدينة ، فأبي فقال له عثمان : عمي ، فقال : عمّك إلى النار ، هيهات هيهات أن أغيّر شيئاً فعله رسول الله ، والله لا رددته أبداً ، فلمّا توفي أبوبكر وولي عمر كلّمه عثمان في ذلك فقال له : ويحك يا عثمان! تتكلّم في لعين رسول الله وطريده وعدّو الله وعدوّ رسوله ، فلمّا وليّ عثمان ردّه إلى المدينة ، فاشتدّ ذلك على المهاجرين والأنصار ، فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة ، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه ... » (١).

فلو كان هناك إذن من رسول الله حقّاً لعلمه أبوبكر وعمر وأعيان الصحابة من المهاجرين والأنصار ولما قال له : « يحك يا عثمان »؟ ولو كان عنده شهادة لما قالوا له : تتكلّم في لعين رسول الله وطريده ... ».

على أنّه قد روي عن عثمان الاعتذار بالقرابة ، قال ابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) : « لمّا ردّ عثمان الحكم طريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلّم

__________________

(١) السيرة الحلبية ٢/٨٥.

٢٤٥

الناس في ذلك ، فقال عثمان : ما ينقم الناس منّي؟ إني وصلت رحماً وقريّت عيناً ».

وبعد فهنا مطالب :

الأوّل : إنه من هذه المطالب ونظائرها المستندة إلى كتب أهل السنة وأخبارها يظهر أنّ السّبب في قيام النّاس على عثمان هو مخالفاته للكتاب والسنّة.

والثاني : إن الذين قاموا عليه كانوا من أعيان الصّحابة من المهاجرين والأنصار ، بعد أن نصحوه وذكّروه فلم تنفعه النصيحة ولم يرتدع عن أفعاله القبيحة.

والثالث : إنه لا مجال لحسن الظن بعد هذه التفاصيل ، وكيف يحسن الظن بالصّحابة والحال أنّه لم يكن فيما بينهم أنفسهم حسن الظن؟

كيفية انعقاد الإمامة لعمر

قال (٢٨٧) :

( فتشاور الصحابة وجعل الخلافة لعمر وقال لعثمان : أكتب ... وعرضت الصحيفة على جملة الصحابة ... فانعقدت له الامامة بنصّ الامام الحق وإجماع أهل الحل والعقد ... ).

أقول :

أولاً : ليس في المصادر المعتبرة أن أبابكر استشار الصحابة في جعل الخلافة لعمر.

وثانياً : استخلاف عمر كان ممّا كتبه عثمان من عند نفسه ولم يكن بأمر من أبي بكر ... وهذا ما يذكره المؤرخون قاطبة ، فراجع منهم الطبري ٢/٦١٨ ، نعم ، أقرّ كتابته بعد إفاقته ...

وثالثاً : لم يكن أبوبكر الامام الحق ليعتبر تنصيصه على من بعده.

ورابعاً : لم يتحقق إجماع أهل الحلّ والعقد على إمامة عمر ، فإنّ دخول بعضهم على أبي بكر وقوله له : « ماذا تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظاً غليظاً؟ »

٢٤٦

مشهور. فقد روى ابن سعد عن عائشة قالت : « لمّا حضرت أبابكر الوفاة استخلف عمر ، فدخل عليه علي وطلحة فقالا : من استخلفت؟ قال عمر ، قالا : فماذا أنت قائل لربّك؟ ... » (١) ورواه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) وأبو يوسف في ( الخراج ) واللفظ : « فقال الناس » وفي رواية جماعةٍ عن أبي بكر أنّ ذلك كان قول المهاجرين كلّهم (٢).

ولو سلّم فلا عبرة به ، إذ الإمامة لا تنعقد إلاّ بنصّ من الله ورسوله.

قال (٢٨٨) :

( وجعل الخلافة شورى ... )

أقول :

نعم قد عرف عمر حقّ عثمان عليه بكتابة اسمه في الكتاب كما أشرنا ... فعقد الخلافة له من بعده بصورة غير مباشرة ، وذلك قول الامام علي عليه‌السلام لمّا سمع بذلك للعبّاس : « عدلت عنا ، فقال : ما أعلمك؟ قال : قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف. فسعد لا يخالف ابن عمه عبدالرحمن وعبدالرحمن صهر عثمان لا يختلفون ، فيولّيها عبدالرحمن عثمان او يولّيها عثمان عبدالرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني » (٣).

فأنت ترى كيف عقد عمر لأبي بكر ، وعقد أبوبكر لعمر والكاتب عثمان وعقد عمر لعثمان؟!

لكن بلغت مفاسد عثمان حدّاً حتّى قاطعه عبدالرحمن بن عوف الذي كان

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣/٢٧٤.

(٢) أنظر : تاريخ الطبري ٢/٦١٧ ، العقد الفريد ٤/٢٦٧ ، اعجاز القرآن للباقلاني ١٨٤ هامش الانقان ، الفائق للزمخشري ١/٤٥.

(٣) تاريخ الطبري ٣/٢٩٤.

٢٤٧

عقد الخلافة له على يده (١) وقام عليه المهاجرون والأنصار حتّى كان ما كان.

قال (٢٨٨) :

( ثم اجتمع الناس بعد ثلاثة أيام على علي ... ).

أقول :

قد عرفت أنه عليه‌السلام إمام معصوم منصوص عليه ، فإن انقادت له الناس حصل لهم لطف تصرّفه ... نعم إنّما يحتجّ بالاجماع عليه إلزاماً لمن يرى تحقق الإمامة به ... أمّا أنّ طلحة والزبير « قد صحت توبتهما عن مخالفته »؟ وأنّ فلاناً وفلاناً بايعوه « إلاّ أنّهم استعفوا عن القتال » فهذه أمور ليس للبحث عنها كثير فائدة ... والمهمّ :

١ ـ اعترافه بالاجماع على إمامته.

٢ ـ إعترافه بأنّ المخالفين له باغون ، ولا سيّما للحديث : « يا عمّار تقتلك الفئة الباغية » (٢).

٣ ـ إعترافه بالحديث : « إنّك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين » (٣).

قال (٢٨٩) :

( إنّ الإمامية يزعمون أنّ الإمام الحق بعد رسول الله علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ... ».

أقول :

قد عرفت أنّ الإمامة رياسة دينية ودنيوية نيابة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وأنّه لابدّ للمسلمين من إمام يقتدون به في جميع أمورهم الدينية والدنيوية في كل زمان ، ليصح قوله صلّى الله وآله : « من مات ولم يعرف إمام

__________________

(١) المعارف : ٣٠٦.

(٢) حديث متفق عليه.

(٣) حيدث متفق عليه.

٢٤٨

زمانه مات ميتة جاهليّة » ، فمن أئمة القوم الذين يقتدون بهم ويأخذون منهم معالم ؛ دينهم بعد الخلفاء الأربعة؟

أمّا الاماميّة فالأئمة عندهم كما ذكر ، ونصّ كلٍ من السابقين على من بعده ثابت بالتواتر عندهم كما لا يخفى على من راجع كتبهم ، لا سيّما المؤلفة منها في ذلك بالخصوص ، مثل ( كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر ) و ( إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ) و ( الإشراف على النص على الأئمّة الأشراف ) ... وهي روايات مروية بالأسانيد المعتبرة عن العترة الطّاهرة ، فقول السّعد : ( والعاقل يتعجب من هذه الروايات والمتواترات التي لا أثر لها في القرون السابقة من أسلافهم. ولا رواية عن العترة الطاهرة ، ومن يوثق بهم من الرواة المحدثين ) جهل أو تجاهل ... كما أن رمي زيد بن علي ـ رضي الله عنه ـ بـ « دعوى الخلافة » افتراء محض ...

ويكفينا من الأخبار الموثوقة عن طريق أهل السنة : حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » فإن من مات في زمن يزيد بن معاوية أو بني مروان أو بني العباس أو سائر الملوك ولم يعرف ملك زمانه ولم يعتقد بامامته فلا يحكم بموته ميتة جاهلية ، فتعيّن أن يكون المراد غيرهم ، وليس إلاّ أئمّه أهل البيت. وحديث « الاثنا عشر خليفة » المتّفق عليه ... فإنّه لا ينطبق إلاّ على ما نذهب إليه وان حاولوا صرفه عن ذلك. وحديث : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للحسين عليه‌السلام : « إبني هذا إمام إبن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم » والأحاديث الأخرى الواردة في هذا المعنى ، روى ذلك أبو نعيم الاصفهاني في أربعينه في المهدي والحمويني في فرائد السمطين والخوارزمي في مقتل الحسين ١/١٤٥ ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : ١٣٦ والكنجي الشافعي في البيان في أخبار الزمان : ٩٠ والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة : ٤٤٢ وغيرهم من السابقين واللاّحقين.

ويكفينا من الأدلة الأخرى أن العصمة والأفضلية من شروط الامامة ، وهما

٢٤٩

مفقودان في غير هؤلاء الأئمّة.

هذا ، ولا يخفى أنّ السّعد قد أراح نفسه هنا من جهتين إحداهما : بيان الأئمّة من بعد الخلفاء الأربعة عند أهل السنة. والثّانية : الكلام مع الامامية فيما يذهبون إليه ، بل اكتفى بقوله : ( والعاقل يتعجب ... ).

مبحث الأفضلية

قال (٢٩١) :

( لمّا ذهب معظم أهل السنة وكثير من الفرق إلى أنّه يتعيّن للإمامة أفضل العصر إلاّ إذا كان في نصبه مرج وهيجان فتن احتاجوا إلى بحث الأفضلية ، فقال أهل السنة : الأفضل أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وقد مال البعض منهم إلى تفضيل علي على عثمان ... ).

أقول :

قد اضطربت كلمات القوم في كبرى هذا المقام وصغراه ... لأنهم إنْ أنكروا الكبرى فقد أنكروا الكتاب والسنّة ودلالة العقل ، وإن التزموا بها ـ ولابدّ من ذلك ـ وقعوا في حيص بيص من ناحية الصغرى لاستحالة إثبات أفضلية أبي بكر ـ فضلاَ ، عمن بعده ـ على أمير المؤمنين عليه‌السلام. وفي الصّغرى اختلفوا في التفضيل بين علي وعثمان على ثلاثة أقوال أشار إليها السّعد ولم يذكر القول الرّابع ، قول الموافقين لأهل الحق في أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام من أبي بكر ومن بعده ... وسنذكره.

وكذلك السّعد اضطربت كلماته ، ففي المتن يقول : ( الأفضلية عندنا بترتيب الخلافة مع تردد فيما بني عثمان وعلي ) ويقول في الشرح : ( لا قاطع شاهد من العقل على تفضيل بعض الأئمّة على البعض والأخبار الواردة على فضائلهم متعارضة ، لكن الغالب على الظن أن أبابكر أفضل ثم عمر ، ثم تتعارض الظنون في عثمان وعلي ) والفرق بين العبارتين واضح جداً.

٢٥٠

ثمّ إنّ التّعارض فرع الحجيّة ، ولا حجّية لأخبارهم التي ينفردون ، بها على أصحابنا ، بخلاف الأدلة التي يقيمها أصحابنا على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإنّها أحاديث متّفق عليها بين الطّرفين كما سنرى ... على أنّه لم نجد في أدلّتهم حديثاً واحداً يجوز الاستدلال به حتّى على أصولهم ...

ما استدل به لأفضليّة أبي بكر

قال (٢٩١) :

( لنا : إجمالاً : أن جمهور عظماء الملّة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك ، وحسن الظنّ بهم يقضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات لما أطبقوا عليه ).

أقول :

وفيه : أوّلاً : إنّه لو سلّم إطباق الجمهور ، ففي القرآن الكريم ذمّ الأكثر في موارد كثيرة.

وثانياً : إنّ القائلين بالخلاف وانْ كانوا أقل عدداً لكنّهم رجال عظماء قد وردت في حقّهم الأحاديث المعتبرة المتّفق عليها ... كما ستعرفهم.

وثالثاً : إنّ مبني اعتبار قول الجمهور ليس إلاّ حسن الظنّ بهم كما ذكر ، فإذا وجدناهم في كثيرٍ من الأمور على ضلالة وهم لا يعقلون زال حسن الظن ...

ورابعاً : لو سلّم أنّ حسن الظن بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات ... فإنّ الدلائل والأمارات المزعومة أو المتوهمّة ليست إلاّ ما سيذكره هو تفصيلاً ، وإذا عرفنا سقوطها عن الدليليّة وعن كونها أمارة لم يبق مجال للاعتماد على إطباقهم ...

فننظر في تلك الدلائل والأمارات :

قال (٢٩١) :

( وتفصيلاً : الكتاب والسنة والأثر والأمارات. أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( وسيجنّبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) ... ).

٢٥١

أقول :

لم يذكر من الكتاب دليلاً على أفضليّة أبي بكر إلاّ هذه الآية ، ولو كان غيرها لذكر ... وتماميّة الاستدلال هذا موقوف على صحة القول بنزولها في أبي بكر ، وفيه :

أوّلاً : إنّه محلّ خلاف بين أهل السنّة أنفسهم ، فمنهم من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في قصة أبي الدّحداح وصاحب النخلة (١) ومن هنا نسب القول بذلك في ( المواقف ) إلى أكثر المفسرين. وثانياً : إنّ القول بنزول الآية في أبي بكر إنما هو منقول عن آل الزبير ، وانحراف هؤلاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام معروف. وثالثاً : إنّ سند الخبر عن ابن الزبير غير معتبر قال الحافظ الهيثمي : « وعن عبدالله بن الزبير قال : نزلت في أبي بكر الصّديق ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى الاّ ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى ) رواه الطبراني وفيه : مصعب بن ثابت. وفيه ضعف » (٢).

وقوله : ( وليس المراد به علياً ... ) قد تبع فيه شيخه العضد وهو ـ كما قلنا في جوابه ـ خلط في المعنى ، فإنّ الضمير في « عنده » يرجع إلى المنعم ، والمعنى : إنّ « الأتقى » موصوف بكونه ليس لأحدٍ من المنعمين عليهم عند المنعم يد النعمة ، يكون الإنعام منه من باب الجزاء ، فعلي عليه‌السلام كان في تصدّقه بخاتمه على السائل في حال الركوع وكذلك في إطعام اليتيم والمسكين والأسير حيث تزلت سورة هل أتى ، فلم تكن لهم عليه يد النعمة. وأين هذا من المعنى الذي ذكر؟

قال (٢٩٢) :

( وأمّا السنّة فقوله عليه‌السلام : إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ).

__________________

(١) الدر المنثور : ٦/٣٥٨.

(٢) مجمع الزوائد : ٩/٥٠.

٢٥٢

أقول :

قد سبق أنّ هذا الحديث باطل سنداً ودلالة ، كما نصّ عليه كبار علمائهم *

قال (٢٩٢) :

( وقوله لأبي بكر وعمر : هما سيّدا كهول أهل الجنة ما خلا النّبيين والمرسلين ).

أقول :

هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجة علينا لكونه من طرقهم فقط ، فكيف ورواته ضعفاء متروكون بشهادة كبار علمائهم؟ وهذه عبارة واحد منهم :

قال الحافظ الهيثمي : « عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لأبي بكر وعمر : هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين. رواه البزار والطبراني في الأوسط. وفيه : علي بن عابس وهو ضعيف ».

وعن ابن عمر قال : إن النبي قال : أبوبكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة من الأولين والآخرين إلاّ النّبيين والمرسلين. رواه البزار وقال : لا نعلم رواه عن عبيدالله بن عمر إلاّ عبدالرحمن بن مالك بن مغول. قلت : وهو متروك » (١) **

قال (٢٩٢) :

( وقوله عليه‌السلام : خير أمتي أبوبكر ثم عمر ).

أقول :

هذا الحديث مذيّل بذيل يدلّ على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، رووه عن عائشة قالت : « قلت : يا رسول الله ، من خير الناس بعدك؟ قال : أبوبكر.

__________________

* راجع الرّسالة المؤلّفة حوله ـ في هذه المجموعة.

* راجع البحث التفصيلي عن هذا الحديث في هذه المجموعة.

(١) مجمع الزوائد : ٩/٥٣.

٢٥٣

قلت : ثم من؟ قال : عمر.

قالت فاطمة : يا رسول الله لم تقل في عليّ شيئاً!

قال : يا فاطمة ، علي نفسي ، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً؟ »

ولهذا فقد تكلّم في سنده بعض علمائهم (١) لكن السّعد أسقط الذيل تبعاً لشيخه العضد ليتم الاستدلال!

قال (٢٩٢) :

( وقوله عليه‌السلام : ما ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يتقدّم عليه غيره ).

أقول :

لفظ هذا الحديث : « لا ينبغي لقوم فيهم أبوبكر أن يؤمّهم غيره » وهو حديث مكذوب موضوع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. نصّ على ذلك غير واحد من أكابر أئمّة الحديث ، كالحافظ ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ فإنّه أورده في كتابه في الموضوعات وقال بعد روايته : « هذا حديث موضوع على رسول الله » (٢).

ومن المضحك فهم ابن الجوزي من الحديث أن المراد هو تقديم من اسمه « أبوبكر » في الصلاة والنّهي عن التقدّم عليه فيها ، فإنه ذكر في أبواب الصّلاة : « باب تقديم من اسمه أبوبكر » ثمّ ذكر الحديث ثم قال : « هذا حديث موضوع ... » (٣).

قال السّيوطي : هذا فهم عجيب! إنّما المراد أبوبكر خاصّة (٤).

فالعجب من قؤلاء؟ كيف يستدلّون بالأحاديث الموضوعة باعتراف علمائهم ، ويعارضون بها الأحاديث الصحيحة الثابتة باعتراف علمائهم كذلك؟

__________________

(١) راجع : تنزيه الشريعة ١/٣٦٧.

(٢) الموضوعات ١/٣١٨.

(٣) الموضوعات ٢/١٠٠.

(٤) اللآلي المصنوعة ١/٢٩٩.

٢٥٤

قال (٢٩٢) :

( وقوله : لو كنت متّخذاً خليلاً ... ).

أقول :

قد أجاب أصحابنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة (١) وهو في رواية البخاري قطعة من حديث يشتمل على جمل عديدة تعدّ كلّ واحدة منها فضيلة مستقلة من فضائل أبي بكر ... فهو أقواها سنداً وأدلّها دلالة ، لكنّ راويه هو : « اسماعيل بن عبدالله بن أبي أويس » ابن أخت مالك بن أنس ونسيبه وروايته ، وهذه طائفة من الكلمات فيه :

قال ابن معين : هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال : مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء.

وقال النسائي : ضعيف. وقال مرة أخرى : غير ثقة.

وقال ابن عدي : يروي عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد.

وذكره الدولابي في الضعفاء وقال : سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذّاب ...

وقال الدار قطني : لا اختاره في الصحيح.

وذكره الاسماعيلي في المدخل فقال : كان ينسب في الخفة والطيش إلى ما أكره ذكره.

وقال بعضهم : جانبناه السنة.

وقال ابن حزم في المحلى : قال أبو الفتح الأزدي حدثني سيف بن محمد : أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.

وأخرج النسائي من طريق سلمة بن شبيب أنّه قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما

__________________

(١) تلخيص الشافي ٣/٢١٧.

٢٥٥

بينهم (١).

ثم إنه معارض بأحاديث موضوعة تنصّ على أنّه قد أتّخذه خليلاً مثل : « لكلّ نبي خليل في أمته وإنّ خليلي أبوبكر » (٢) وبآخر ينصّ على أنّه اتّخذ عثمان خليلاً ، وهذا لفظه : « إنّ لكلّ نبي خليلاً من أمته وإنّ خليلي عثمان بن عفان ».

لكنها كلّها موضوعات ، وقد نصّ على وضع الأخير منها غير واحد (٣).

قال (٢٩٣) :

( وقوله : وأين مثل أبي بكر ... ).

أقول :

هذا الحديث كسابقه ، وممّا يؤكد بطلانه اشتماله على أن أبابكر أوّل من أسلم ، وهذا كذب ، فإنّ أول من أسلم أمير المؤمنين علي عليه‌السلام كما نصّ عليه غير واحد ودلّت عليه الأخبار والآثار.

أيضاً : إشتماله على أنه كان ذا مال. وقد نصّ السّعد على كونه ( عديم المال ) ٢٦٠.

وأيضاً : اشتماله على أنه كان ينفق على النبي بماله ، فإنّ هذا كذب قطعاً ، ولذا اضطرّ مثل ابن تيمية إلى تأويله فقال : « إنّ إنفاق أبي بكر لم يكن نفقةً على النبي في طعامه وكسوته ، فإنّ الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين ، بل كان معونة له على إقامة الدين ، فكان إنفاقه فيما يحبّه الله ورسوله ، لا نفقة على نفس الرسول » (٤) ولو تمّ هذا التأويل لم يبق فرق بين أبي بكر وسائر الصحابة الذين كانوا ينفقون أموالهم في سبيل إقامة الدين ، فأين الأفضلية؟

وقبل هذا كله ، فالحديث قد أورده الحافظ ابن عرّاق المتوفى سنة ٩٦٣ في

__________________

(١) لاحظ الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب ١/٣١٢.

(٢) كنز العمال ٦/١٤٠.

(٣) تنزيه الشريعة ١/٣٩٢.

(٤) منهاج السنة ٤/٢٨٩.

٢٥٦

الأخبار الشنيعة الموضوعة (١) والحافظ السيوطي في الأحاديث الموضوعة (٢).

قال (٢٩٣) :

( وقوله لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر ... ).

أقول :

هذا الحديث ـ حتى لو كان صحيحاً عندهم ـ ليس بحجّة علينا ، لكونه ـ كغيره ـ من طرقهم فقط ، فكيف ورواته كذّابون مدلّسون بشهادة كبار علمائهم؟ وهذه عبارة الحافظ الهيثمي المتوفى سنة ٨٠٧ :

« عن جابر بن عبدالله قال : رأي رسول الله أبا الدرداء يمشي بين يدي أبي بكر. فقال : يا أبا الدرداء تمشي قدّام رجلٍ لم تطلع الشمس بعد النّبيين على رجل أفضل منه ، فما رؤي أبو الدرداء بعدُ يمشي إلاّ خلف أبي بكر. رواه الطبراني في الأوسط وفيه : إسماعيل بن يحيى التيمي وهو كذّاب.

وعن أبي الدرداء قال : رآني رسول الله وأنا أمشي أمام أبوبكر فقال : لا تمش أمام من هو خير منك ، إنّ أبابكر خير من طلعت عليه الشمس ، أو غربت. رواه الطبراني وفيه : بقية ، وهو مدلّس » (٣).

وإذا بطل الحديث من أصله فلا موضوع لما ذكره السّعد في معناه.

قال : ٢٩٣

( وعن عمرو بن العاص قلت لرسول الله ... ).

أقول :

هذا الحديث في البخاري بهذا السند : « حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبدالعزيز بن المختار قال خالد لحذّاء حدّثنا عن أبي عثمان قال حدّثني عمرو بن

__________________

(١) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ١/٣٤٤.

(٢) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١/٢٩٥.

(٣) مجمع الزوائد ٩/٤٤.

٢٥٧

العاص ... » (١).

في هذا السند :

١ ـ عبدالعزيز بن المختار ، وهو لم يتّفقوا على وثاقته ، فعن ابن معين : ليس بشيء (٢).

٢ ـ خالد بن مهران الحذّاء وهو مقدوح جداً :

أ ـ كان قد استعمل على العشور بالبصرة (٣).

ب ـ كان مدلّساً (٤).

ج ـ تكلّم فيه جماعة كأبي حاتم حيث قال : يكتب حيدثه ولا يحتجّ به. وحماد بن زيد قال : قدم علينا قدمة من الشام ، فكأنّا أنكرنا حفظه. وأراد شعبة التكلّم فيه علناً فهدّد وسكت. ولم يلتفت إليه إبن عليّه وضعّف أمره. وقال ابن حجر : « والظاهر أن كلام هؤلاء فيه من أجل ما أشار إليه حماد بن زيد من تغيّر حفظه بآخره ، أو من أجل دخوله في عمل السلطان. والله أعلم » (٥).

٣ ـ عمرو بن العاص. ابن النابغة ، أحد المصاديق الحقيقية لما قاله السّعد نفسه حول الصّحابة.

أقول : أليس من الجزاف والقول الزور الاستدلال بحديثٍ هذا سنده في أصحّ الكتب عندهم بعد القرآن فضلاً عن غيره من الكتب؟

قال (٢٩٣) :

( وقال النّبي : لو كان بعدي نبي لكان عمر ).

أٌقول :

__________________

(١) صحيح البخاري ٥/٦٤ كتاب فضائل أصحاب النبي.

(٢) تهذيب التهذيب ٦/٣١٧.

(٣) تهذيب التهذيب ٣/١٠٥.

(٤) تهذيب التهذيب ٣/١٠٥.

(٥) تهذيب التهذيب ٣/١٠٤ ـ ١٠٥.

٢٥٨

عجباً للسّعد كيف يرتضي هذا الحديث ويستدلّ به وهو يرى أفضلية أبي بكر من عمر؟ إنّ هذا الحديث معناه أن عمر صالح لنيل النبوة على تقدير عدم ختمها ، ولازمه أن يكون أفضل من أبي بكر ، كما هو واضح.

ثم كيف يصلح للنّبوة من قضى شطراً من عمره في الكفر.

ولننظر في سنده :

إنّ هذا الحديث لا يعرف إلاّ من حديث مشرح بن هاعان كما نصّ عليه الترمذي بعد أن أخرجه وهذه عبارته كاملة :

« حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا المقرئ عن حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن شرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطّاب. هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث مشرح بن هاعان » (١).

وهذه طائفة من كلمات أئمّة القوم لتعرف مشرح بن هاعان :

قال ابن الجوزي : « قال ابن حبان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » (٢).

وقال الذهبي : « قال ابن حبان : يكنى أبا مصعب ، يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ... فالصواب ترك ما انفرد به. وذكره العقيلي فما زاد في ترجمته من أنْ قيل أنه جاء مع الحجّاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة » (٣).

فتلخص :

١ ـ قدح جماعة من الأئمّة فيه :

٢ ـ إنه جاء مع الحجاج إلى مكة ونصب المنجنيق على الكعبة.

٣ ـ إنّه روى عن عقبة أحاديث لا يتابع عليها. ولا ريب أن هذا الحديث

__________________

(١) صحيح الترمذي ٥/٥٧٨ باب مناقب عمر.

(٢) الموضوعات. باب مناقب عمر ١/٣٢٠.

(٣) ميزان الاعتدال ـ ترجمة مشرح بن هاعان ٤/١١٧.

٢٥٩

منها ، إذ لم يعرف إلاّ منه كما عرفت من عبارة الترمذي.

ثم إنّ الراوي عنه هو : بكر بن عمرو ، وقد قال الدار قطني والحاكم : « ينظر في أمره » (١) بل قال ابن القطّان : « لا نعلم عدالته » (٢).

وفي ( مقدمة فتح الباري ) في الفصل التاسع ، في أسماء من طعن فيه من رجال البخاري : « بكر بن عمرو المعافري المصري ».

ثمّ إنّ بعض الوضّاعين قلب لفظ هذا الحديث المفترى إلى لفظ : « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » وقد رواه ابن الجوزي بنفس سند اللفظ الأوّل في ( الموضوعات ) ونصّ على أنّه لا يصح (٣) كما نصّ الذهبي على كونه مقلوباً منكراً (٤).

وبعضهم وضعه بلفظ : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر بن الخطّاب : لو كان بعدي نبي لكنته » رواه المتقي قال : رواه الخطيب وابن عساكر وقالا : منكر (٥).

قال (٢٩٣) :

( وعن عبدالله بن حنطب : إن النبي رأى أبابكر وعمر فقال : هذان السمع والبصر ).

أقول :

« هذان السّمع والبصر » من أيّ شيء؟

قد وضعوا هذا الحديث تارة بلفظ : إنهما السمع والبصر من الدين أو الاسلام ، وأخرى إنهما السمع والبصر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١/٤٢٦ ، ميزان الاعتدال ١/٣٤٧.

(٢) تهذيب التهذيب ١/٤٢٦.

(٣) الموضوعات ١/٣٢٠.

(٤) ميزان الاعتدال ـ ترجمة رشدين بن سعد المهري ٢/٤٩.

(٥) كنز العمال ١٢/٥٩٧.

٢٦٠